رقم المشاركة :15 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() الأقباط في عهد الدولة العباسية ! افتتح المؤرخ روفيلة هذا الفصل بخروج الأقباط على والي مصر برشيد وسخا وغيرهما لزعمه إستبداد الوالي أنذاك , فيقول روفيلة : ( لم تكن نوايا الخلفاء العباسيين لأقباط مصر غير حسنة , إلا أن بعد البلاد عن مركز الخلافة وعدم بقاء الولاة في مناصبهم جعلهم يستبدون ويعملون في الناس كيفما شاؤوا ) ( تاريخ الأمة القبطية ص 81 -82 ) . وهذا الزعم فيه مبالغة , فلقد علمنا على مر بحثنا , حال النصارى مع عمال الخراج , وخروجهم الدائم على نظام الدولة , ونحن لا ندعي العصمة للحكام وعمالهم , بل قد يحدث من قبلهم بعض الإستبداد والظلم بالفعل , لكن هذا لا يعطي الحق لأي جماعة لتخريب البلاد وزعزعة أمنه واستقراره دون سلوك الطرق الشرعية في التفاوض والتباحث . ونتساءل : إذا كان الإستبداد الذي زعمه المؤرخ روفيلة قد طال الناس على مختلف أديانهم , فلماذا خرج الأقباط النصارى بالذات على الوالي وعمال خراجه ؟! لماذا تميل نفوس الأقباط دائمًا إلى الحلول العدائية بدلاً من الحلول السلمية ؟! لقد أثبت التاريخ – وقد بينًا أمثلة ذلك – أن الحكام والخلفاء على مر العصور كانوا يستجيبون لشكاوى الأقباط ومطالبهم , فلماذا يصدر هذا الخروج العدائي كلما ظهرت مشكلة عارضة ؟! النصارى لا يفهمون أن عندهم ما يستطيعون أن يدندنوا حوله فيحصلوا على جميع حقوقهم كاملة , ألا وهو ضمان الإسلام لأهل ذمته , لكنهم وبسبب سوء نيتهم سرعان ما يخرجون على نظام دولتهم , فيحدث لهم ما لا تحمد عقباه ! يذكر المؤرخ روفيلة أثار هذا الخروج فيقول : ( فتمرد قبط رشيد وسخا وغيرهما , وجاهروا بالعصيان , فأرسل لهم الوالي عساكر فقاموا عليهم وقاتلوهم وهزموهم وردوهم على أعقابهم خاسرين ) ( المصدر السابق ص 82 ) . ولما علم الوالي أنذاك وهو " يزيد بن حاتم بن قبيصه " بهزيمة عسكره , إشتد غضبًا على النصارى فأراد هدم كنائسهم إنتقامًا منهم , وكان له ما أراد , ونسأل كل عاقل من السبب في كل هذا ؟! ثم يستطرد المؤرخ روفيلة فيقول : ( ولما تولى أخر مكانه – أي مكان الوالي – أذن لهم في بنائها وكان ذلك بمساعدة القاضي ومشورته بحجة أن بناءها أمن عمار البلاد , فشكروه على ذلك ) ( المصدر السابق ص 82 ) . وفي هذا يقول العلامة المقريزي : ( ثم لما مات ميخائيل قدم اليعاقبة في سنة ست وأربعين ومائة انبامسنا، فأقام سبع سنين ومات. وفي أيامه خرج القبط بناحية سخا وأخرجوا العمال في سنة خمسين ومائة وصاروا في جمع، فبعث إليهم يزيد بن حاتم بن قبيصة أمير مصر عسكرا، فأتاهم القبط ليلا وقتلوا عدة من المسلمين وهزموا باقيهم، فاشتد البلاء على النصارى واحتاجوا إلى أكل الجيف، وهدمت الكنائس المحدثة بمصر، فهدمت كنيسة مريم المجاورة لأبي شنودة بمصر، وهدمت كنائس محارس قسطنطين، فبذل النصارى لسليمان بن علي أمير مصر في تركها خمسين ألف دينار، فأبى، فلما ولي بعده موسى بن عيسى أذن لهم في بنائها فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة قاضي مصر، واحتجا بأن بناءها من عمارة البلاد، وبأن الكنائس التي بمصر لم تبن إلا في الإسلام في زمن الصحابة والتابعين ) ( المواعظ والإعتبار 3/257 , والقول الإبريزي ص 98-99 ) . وقد أطال المؤرخ روفيلة في ذكر المحاسن الرفيعة التي فعلها الوالي " موسى بن عيسى " مع النصارى في مصر أنذاك . ( تاريخ الأمة القبطية 82-83 ) . ثم انتقل المؤرخ روفيلة إلى خلافة هارون الرشيد وخروج أهل الحوف على والي مصر بسبب الحجة البالية " زيادة الخراج " على أهل البلاد , ثم تولي الخلافة عبد الله المأمون بن هارون الرشيد سنة 198هـ-813م . يقول المؤرخ روفيلة : ( فبعث – أي المأمون – لأهل البلاد رسائل يدعوهم فيها إلى الطاعة لأنه كان مشتغلاً بمحاربة الروم وأرسل هذه الرسائل عن يد مندوبين مخصصون فلم يجد ذلك نفعًا , ولم انتهى من حرب الروم وقصد العود إلى بغداد دار الخلافة , عرج على مصر فوجدها في حالة يرثى لها , والناس في ضنك شديد , فسخط على الوالي , وكان إسمه عيسى بن منصور , وقال له : " إن لم يكن هذا الحدث العظيم إلا من سوء فعلك وفعل عمالك , حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتم الخبر عني حتى تفاقم الأمر وإشتد البلاء وإضطربت البلاد " . وأمر بتجريده من ملابسه فنزعت عنه وأخذه بثياب البياض على مرأى الجميع جزاءً له وعبرة لغيره ) ( المصدر السابق ص87 ) . بالطبع لا نعلم مصدر هذه الرواية , وما هو المرجع الذي نقل عنه المؤرخ روفيلة هذه القصة , إلا أننا سنتماشى مع المؤرخ روفيلة فيما نقل وزعم , إذ يظهر من القصة عدل المأمون ومعاقبته للولاة لمخالفتهم الأمر . ويتحفنا المؤرخ روفيلة بما فعله المأمون بأقباط مصر أنذاك فيقول : ( ... ويقول مؤرخو المسلمين أن المأمون لما كان في مصر ورأى إنتفاض أقباط الوجه البحري حكم بقتل رجالهم وبيع نسائهم وسبي أطفالهم . أما مؤرخو القبط فيقولون أنه لما وصل المأمون إلى مصر , ذهب إليه البطريرك وهو حينئذ الأب يوساب فقابله الخليفة بما يليق وأكرمه وكلمه في أمر مخالفة أقباط الوجه البحري وطلب إليه أن ينصحهم ويحذرهم بأن يكتب لهم منشورًا يدعوهم فيه إلى الطاعة حقنًا لدمائهم , ووعده أن ينظر بنفسه في راحتهم وفيما يشكون منه , فلبى البطريرك طلبه , وكتب المنشور إمتثالاً لأمره وأرسله , فأطاع الناس وسلموا إلا أهل البشمور , فلم يقبلوا النصيحة وأبوا إلا المقاومة بدون أن يتبصروا ) ( المصدر السابق ص 87 – 88 ) . وهكذا يخبرنا المؤرخ روفيلة أن الأقباط هم الذين خالفوا العهد وخرجوا على نظام الدولة , وأن حجة " زيادة الخراج " ما هى إلا ذريعة لزعزعة البلاد , ولو كان الأمر كذلك لخرج أهل مصر من المسلمين والنصارى واليهود على الوالي , إحتجاجًا على هذه الزيادة , لكن هذا لم يحدث , بل خرج الأقباط من النصارى فقط , وهذا أكبر دليل على خروجهم على الوالي بلا أي سبب , حتى ولو زعموا ما زعموا ! ولا عجب في رد فعل الخليفة المأمون , فرغم أن النصارى انتهزوا فرصة إنشغال المأمون بمحاربة الروم وتعمدوا زعزعة أمن البلاد واستقراره , إلا أنه محكوم بدين عظيم أمره ألا يغدر برعيته , بل أمره بسلوك الطرق الشرعية والسلمية في التفاوض والتباحث مصداقًا لقوله تعالى : {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنفال61 . فعليه الإستماع إلى شكاوى رعاياه من أهل ذمة الأسلام , ونصرتهم على عدوهم وإن كان مسلمًا ! ويستطرد المؤرخ روفيلة فيقول : ( ... ولو قبلوا النصيحة لنالوا من لدنه – أي المأمون – خيرًا ونعمة وراحة , ولكنهم جلبوا على أنفسهم مصيبة لم يبرأوا منها , ومن ثم ذل القبط ولم يتجرأوا على المقاومة ) ( المصدر السابق ص 88 ) . ثم يزيد المؤرخ روفيلة في إتحافنا فيقول : ( ولما خمدت نار الفتنة وهدأت الأحوال شرع المأمون في تطيب خواطر الناس , فصار يطوف البلاد , وأخذ يتفقد أحوال الرعيات بنفسه .... ) ( المصدر السابق ص 88 ) . ثم يخبرنا المؤرخ روفيلة بقصة العجوز القبطية ماريا , التي ضيفت المأمون ومن معه , وأهدتهم أكياسًا من الذهب , فلما سألها المأمون من أين لها هذا ؟ فقالت : من عدلك يا أمير المؤمنين ! ( المصدر السابق ص 89-90 ) . إلى متى سيتعامى النصارى عن هذا التاريخ ؟! إلى متى سيظلون ينظرون إلى التاريخ بعين التحزب والحقد والكراهية ؟! ألم يأن لهم أن يعلموا أنه لولا الإسلام بسماحة تعاليمه وتشريعه لصاروا إلى شر حال ؟! لقد تطرق المؤرخ روفيلة فيما بعد إلى ذكر أحداث الوالي " ابن المدبر " وفرضه الضرائب على الرهبان ورجال الدين , وأوقاف الكنائس والأديرة , فاستقر رأي البطريرك ورجال الأمة المسيحية على إرسال رجلين منهم إلى بغداد , ليبسطا الأمر للخليفة العباسي " المعتز بالله " , ويطلبا منه أن يصدر أمره إلى عامله " ابن المدبر " بأن يرفع المظالم , واختاروا لهذه المهمة اثنين من غير موظفي الديوان , أحدهما يدعى ساويرس والأخر إبراهيم , وزودهما البطريرك بكتاب للخليفة , فأجاب الخليفة لهما سؤلهما , وسلمهما أمرًا بمعافاة الرهبان وخدام الدين من الجزية وتخفيفها عن باقي الناس , ولما نزل " المعتز " عن الخلافة وخلفه " المهدي " , عادت الأحوال فساءت في مصر , فرجع إبراهيم وحصل من الخليفة على أمر يؤيد الأمر الأول . ( تاريخ الأمة القبطية ص 93-95 , وانظر خلاصة تاريخ المسيحية في مصر ص 116 – 117 ) . وقد أشرنا مسبقًا لهذه القصة وبيان ما فيها من محاسن الخلفاء العباسيين في تعاملهم مع أهل ذمة الإسلام , وإعتبارهم جزء لا يتجزأ من المجتمع المسلم , لهم ما لنا وعليهم ما علينا , فهؤلاء النصارى المذكورين أعلاه لما خرجوا إلى الخليفة ليعرضوا له شكواهم ومطالبهم لم يخشوا بطش سلطان أو إي إضطهاد مزعوم , لأنهم يعلمون أن ما فعله معهم " ابن المدبر " مسألة عارضة ليست هى الأصل في دولتهم , ولأنهم يعلمون أن العدل أساس دولة الإسلام , وأن الخليفة لن يرضى بما فعله عامله . لقد أشاد المستشرق " ترتون " في كتابه الشهير" الإسلام وأهل الذمة " بتسامح المسلمين إبان العهد العباسي مع أهل ذمتهم , وذكر تكريم الولاة والخلفاء العباسيين لهم , فيقول : ( والكُتَّاب المسلمون كريمون في تقدير فضائل هؤلاء ممن على غير ملتهم , حتى ليسمون " حنين بن إسحاق " برأس أطباء عصره , " وهبة الله بن تلميذ " بأبي قراط عصره , وجالينوس دهره , وكان " بختيشوع بن جبرائيل " ينعم بعطف الخليفة المتوكل حتى إنه كاد يضاهيه في ملابسه , وفي حسن الحال , وكثرة المال , وكمال المروءة , ومباراته في الطيب والجواري والعبيد , ولما مرض " سلمويه " بعث المعتصم ابنه لزيارته , ولما مات أمر بأن تحضر جنازته إلى القصر , وأن يصلى عليه بالشموع والبخور جريًا على عادة النصارى , وامتنع المعتصم يوم مماته عن أكل الطعام , أما " يوحنا بن ماسويه " فقد خدم الخلفاء العباسيين منذ الرشيد إلى المتوكل , وكان لا يغيب قط عن طعامهم , فكانوا لا يتناولون شيئًا من أطعمتهم إلا بحضرته , ومن ثم لم يكن هناك أدنى كلفة بينه وبين الخليفة المتوكل , فكان الخليفة يداعبه في رفق ولين ) ( الإسلام وأهل الذمة ص 145- 147 بتصرف ) . المزيد من مواضيعي
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
الأقباط, الافتراء, الحقيقة, اضطهاد |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
الالحاد بين الحقيقة والخيال | الراجي94 | رد الشبـهـات الـعـامـــة | 2 | 06.05.2012 20:56 |
قيامة المسيح بين الحقيقة و الافتراء | منتدى المسيح عبدالله1 | كتب رد الشبهات ومقارنة الأديان | 0 | 23.02.2011 04:45 |
مزاعم اضطهاد المسيحيين في مصر بعيدة تماما عن الحقيقة | queshta | القسم النصراني العام | 4 | 28.05.2010 21:28 |
استاذة اللاهوت كريستيانا باولوس: مزاعم اضطهاد المسيحيين في مصر بعيدة تماما عن الحقيقة | Ahmed_Negm | كشف أكاذيب المنصرين و المواقع التنصيرية | 0 | 07.05.2010 17:04 |
الوراق : و ظهور العذراء بين الحقيقة والهراء | عيد عابدين | غرائب و ثمار النصرانية | 5 | 15.12.2009 22:15 |