|
رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين المسألة الأولى : تعريف الاجتهاد الاجتهاد لغة: بذل الوسع والطاقة، ولا يستعمل إلا فيما فيه جهد ومشقة، يقال: اجتهد في حمل الرحى، ولا يقال: اجتهد في حمل النواة(1). وفي الاصطلاح: «بذل الوسع في النظر في الأدلة الشرعية لاستنباط الأحكام الشرعية»(2). وقد اشتمل هذا التعريف على الضوابط الآتية(3): أ- أن الاجتهاد هو بذل الوسع في النظر في الأدلة، فهو بذلك أعم من القياس؛ إذ القياس هو إلحاق الفرع بالأصل، أما الاجتهاد فإنه يشمل القياس وغيره. ب- أن الاجتهاد لا يجوز إلا من فقيه، عالم بالأدلة وكيفية الاستنباط منها؛ إذ النظر في الأدلة لا يتأتى إلا ممن كان أهلاً لذلك. جـ- أن الاجتهاد قد ينتج عنه القطع بالحكم أو الظن به، وذلك ما تضمنه قيد "لاستنباط". د- وقد تضمن قيد "لاستنباط" أيضًا بيان أن الاجتهاد إنما هو رأي المجتهد واجتهاده، وذلك محاولة منه لكشف حكم الله، ولا يُسمى ذلك تشريعًا؛ فإن التشريع هو الكتاب والسنة، أما الاجتهاد فهو رأي الفقيه أو حكم الحاكم. __________ (1) انظر: "المصباح المنير" (1/112)، و"مذكرة الشنقيطي" (311). (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/178)، و"روضة الناظر" (2/401)، و"مجموع الفتاوى" (11/264)، و"شرح الكوكب المنير" (4/458)، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (179)، و"مذكرة الشنقيطي" (311). (3) انظر المصادر السابقة. __________________________________________________ __________ ____________________________________ المسألة الثانية : أقسام الاجتهاد ينقسم الاجتهاد إلى أقسام متعددة، وذلك باعتبارات مختلفة، وبيان ذلك كما يأتي: أولاً: ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى أهله إلى اجتهاد مطلق واجتهاد مقيد. وفي هذين القسمين تجتمع أقسام المجتهدين الأربعة الذي ذكرها ابن القيم(1)، وهي: أ- مجتهد مطلق وهو العالم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة، يجتهد في أحكام النوازل يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت. فهذا النوع هم الذين يسوغ لهم الإفتاء والاستفتاء، وهم المجددون لهذا الدين القائمون بحجة الله في أرضه. ب- مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله، عارف بها، متمكن من التخريج عليها، من غير أن يكون مقلدًا لإمامه لا في الحكم ولا في الدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتيا، ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معًا. جـ- مجتهد مقيد في مذهب من انتسب إليه، مقرر له بالدليل، متقن لفتاويه، عالم بها، لا يتعدى أقواله وفتاويه ولا يخالفها، وإذا وجد نص إمامه لم يعدل عنه إلى غيره ألبتة. بل نصوص إمامه عنده كنصوص الشارع، قد اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة، وقد كفاه إمامه استنباط الأحكام ومؤنة استخراجها من النصوص. وشأن هؤلاء عجيب؛ إذ كيف أوصلهم اجتهادهم إلى كون إمامهم أعلم من غيره، وأن مذهبه هو الراجح، والصواب دائر معه، وقعد بهم اجتهادهم عن النظر في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - واستنباط الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النص. د- مجتهد في مذهب من انتسب إليه، فحفظ فتاوى إمامه، وأقر على نفسه بالتقليد المحض له، من جميع الوجوه، وذكر الكتاب والسنة عنده يكون على وجه التبرك والفضيلة لا على وجه الاحتجاج به والعمل، بل إذا رأى حديثًا صحيحًا مخالفًا لقول من انتسب إليه أخذ بقوله وترك الحديث، فليس عند هؤلاء سوى التقليد المذموم. __________ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (4/212 - 214). ويلاحظ أن ابن القيم ذكرها باسم أنواع المفتين. قال ابن القيم في هذه الأقسام الأربعة: «ففتاوى القسم الأول من جنس توقيعات الملوك وعلمائهم، وفتاوى النوع الثاني من جنس توقيعات نوابهم وخلفائهم، وفتاوى النوع الثالث والرابع من جنس توقيعات خلفاء نوابهم، ومن عداهم فمتشبع بما لم يعط، متشبه بالعلماء، محاكٍِ للفضلاء.....»(1). ثانيًا: ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى المجتهد من حيث استيعابُه للمسائل أو اقتصاره على بعضها إلى مجتهد مطلق ومجتهد جزئي. فالمجتهد المطلق: هو الذي بلغ رتبة الاجتهاد بحيث يمكنه النظر في جميع المسائل. والمجتهد الجزئي هو الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد في جميع المسائل، وإنما بلغ هذه الرتبة في مسألة معينة، أو باب معين، أو فن معين، وهو جاهل لما عدا ذلك. وقد اختلف العلماء في جواز تجزئة الاجتهاد، والذي عليه المحققون من أهل العلم جوازه وصحته(2). قال ابن القيم: «الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهدًا في نوع من العلم مقلدًا في غيره، أو في باب من أبوابه. كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد، أو الحج، أو غير ذلك. فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره. وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها: الجواز، بل هو الصواب المقطوع به، والثاني: المنع، والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها. فحجة الجواز: أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب فحكمه في ذلك حكمُ المجتهد المطلق في سائر الأنواع»(3). وقال أيضًا: «فإن قيل: فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين، هل له أن يفتي بهما؟ __________ (1) "إعلام الموقعين" (4/214، 215). (2) انظر: "روضة الناظر" (2/406، 407)، و"مجموع الفتاوى" (20/204، 212)، و"مذكرة الشنقيطي" (312). (3) "إعلام الموقعين" (4/216). قيل: نعم، يجوز في أصح القولين، وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمةٍ خيرًا. ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض. وبالله التوفيق»(1). ثالثًا: ينقسم الاجتهاد بالنسبة لعلة الحكم إلى ثلاثة أقسام(2): تحقيق المناط(3)، وتنقيحه، وتخريجه. أ- فتحقيق المناط: هو أن يعلق الشارع الحكم بمعنى كلي، فينظر المجتهد في ثبوته في بعض الأنواع أو بعض الأعيان. كالأمر باستقبال القبلة واستشهاد شهيدين عدلين فينظر هل المصلي مستقبل القبلة؟ وهذا الشخص هل هو عدل مرضي؟ وهذا النوع من الاجتهاد متفق عليه بين المسلمين بل بين العقلاء. ب- وتنقيح المناط: وهو تهذيب العلة، فإذا أضاف الشارع حكمًا إلى سببه واقترن بذلك أوصاف لا مدخل لها في إضافة الحكم، وجب حذف الأوصاف غير المؤثرة عن الاعتبار وإبقاءُ الوصف المؤثر المعتبر في الحكم. وذلك كأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي الذي واقع أهله في رمضان بالكفارة(4) فعُلم أن كونه أعرابيًا، أو عربيًا، أو الموطوءة زوجته، لا أثر له في الحكم، فلو وطئ المسلم العجمي سريته كان الحكم كذلك، وهذا النوع قد أقر به أكثر منكري القياس. جـ- وتخريج المناط: وهو القياس المحض، وهو أن ينص الشارع على حكم في محل، ولا يتعرض لمناطه أصلاً، كتحريم الربا في البر، فيجتهد المجتهد في البحث عن علة الحكم ومناطه بطريقٍ من طرق ثبوت العلة. __________ (1) المصدر السابق (4/216، 217). (2) انظر: "روضة الناظر" (2/229 - 234)، و"مجموع الفتاوى" (19/14 - 18)، و"مذكرة الشنقيطي" (243 - 245). (3) المناط لغة: موضع النوط، وهو التعليق والإلصاق. وفي اصطلاح الأصوليين يطلق على العلة. انظر: "مختار الصحاح" (685)، و"قواعد الأصول" (82)، و"الكليات" (873). (4) الحديث رواه البخاري (4/163) برقم (1936، 1937)، ومسلم (7/224). وهذا النوع هو الذي وقع فيه الخلاف المشهور في حجية القياس. رابعًا: ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى كون المسائل المجتهد فيها جديدة أو متقدمة إلى قسمين: مسائل لا قول لأحد من العلماء فيها، ومسائل تقدم لبعض العلماء فيها قول. فالقسم الأول: وقع فيه خلاف بين العلماء، أما القسم الثاني: فلا خلاف في جواز الاجتهاد فيه. والصحيح في القسم الأول الجواز(1). قال ابن القيم: «إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لأحد العلماء، فهل يجوز الاجتهاد فيها بالإفتاء والحكم أم لا؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يجوز، وعليه تدل فتاوى الأئمة وأجوبتهم، فإنهم كانوا يسألون عن حوادث لم تقع قبلهم فيجتهدون فيها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر»(2). وهذا يعم ما اجتهد فيه مما لم يعرف فيه قول من قبله، وما عرف فيه أقوالاً واجتهد في الصواب منها. وعلى هذا درج السلف والخلف، والحاجة داعية إلى ذلك لكثرة الوقائع واختلاف الحوادث»(3). خامسًا: ينقسم الاجتهاد أيضًا بالنظر إلى المسائل المجتهد فيها من جهة وقوعها أو عدم وقوعها إلى قسمين: مسائل واقعة نازلة، ومسائل لم تقع. وقد تقدم آنفًا الكلام على القسم الأول، أما القسم الثاني وهو الاجتهاد في مسائل لم تقع فهذا فيه تفصيل لأهل العلم سيأتي بيانه إن شاء الله في شروط الاجتهاد(4). __________ (1) انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/526). (2) رواه البخاري (13/318) برقم (7352)، ومسلم (12/13) بلفظ آخر. (3) "إعلام الموقعين" (4/265، 266)، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذا الموضع أن الحق في هذه المسألة هو التفصيل، وهو: أن ذلك يجوز بل يستحب ويجب عند الحاجة وأهلية المفتي والحاكم، وإن عدم الأمران لم يجز، وإن وجد أحدهما دون الآخر جاز للحاجة دون عدمها. (4) انظر (ص476) من هذا الكتاب. سادسًا: ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى بذل الوسع فيه إلى قسمين: اجتهاد تام، واجتهاد ناقص، فالاجتهاد التام ما كان بذل الوسع فيه إلى درجة يحس فيها المجتهد من نفسه العجز عن المزيد، والاجتهاد الناقص ما لم يكن كذلك، فيدخل فيه النظر المطلق في الأدلة لمعرفة الحكم(1). ومعلوم أن المطلوب من المجتهد بذل غاية وسعه وطاقته كما سيأتي نقل ذلك عن الشافعي عند الكلام على شروط الاجتهاد(2). سابعًا: ينقسم الاجتهاد إلى صحيح وفاسد. فالاجتهاد الصحيح هو الذي صدر من مجتهد توفرت فيه شروط الاجتهاد وكان هذا الاجتهاد في مسألة يسوغ فيها الاجتهاد. أما الاجتهاد الفاسد، فهو: الذي صدر من جاهل بالكتاب والسنة ولغة العرب، لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد، أو صدر من مجتهد أهل للاجتهاد لكنه وقع في غير موضعه من المسائل التي لا يصح فيه الاجتهاد(3). قال ابن قدامة بعد ذكره لآثار عن السلف في ذم الرأي - في معرض جوابه عنها-: «قلنا هذا منهم ذم لمن استعمل الرأي، والقياس في غير موضعه أو بدون شرطه... جواب ثانِ، أنهم ذموا الرأي الصادر عن الجاهل الذي ليس أهلاً للاجتهاد والرأي، ويرجع إلى محض الاستحسان ووضع الشرع بالرأي، بدليل أن الذين نقل عنهم هذا هم الذين نقل عنهم القول بالرأي والاجتهاد»(4). ولابن القيم رحمه الله تعالى بحث نفيس في أنواع الرأي، أنقله فيما يأتي ملخصًا(5). «الرأي ثلاثة أقسام: رأي باطل بلا ريب، ورأي صحيح، ورأي هو موضع الاشتباه. والأقسام الثلاثة قد أشار إليها السلف. __________ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/401)، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/401، 402). (2) انظر (ص 473) من هذا الكتاب. (3) انظر في المسألة الآتية: "شروط الاجتهاد" بيان من هو أهل للاجتهاد وبيان المسائل التي يجوز الاجتهاد فيها. (4) "روضة الناظر" (2/241، 242). وانظر: "الفتاوى الكبرى" (6/145). (5) انظر: "إعلام الموقعين" (1/67 - 85). فاستعملوا الرأي الصحيح، وعملوا به، وأفتوا به، وسوغوا القول به. وذموا الباطل، ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به، وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله. والقسم الثالث سوغوا العمل والفتيا والقضاء به عند الاضطرار إليه، حيث لا يوجد منه بد، ولم يلزموا أحدًا العمل به، ولم يحرموا مخالفته، ولا جعلوا مخالفه مخالفًا للدين، بل غايته أنهم خيروا بين قبوله ورده، فهو بمنزلة ما أبيح للمضطر من الطعام والشراب الذي يحرم عند عدم الضرورة إليه. كما قال الإمام أحمد: سألت الشافعي عن القياس فقال لي: عند الضرورة وكان استعمالهم لهذا النوع بقدر الضرورة. لم يفرطوا فيه، ويفرعوه، ويولدوه، ويوسعوه، كما صنع المتأخرون بحيث اعتاضوا به عن النصوص والآثار، وكان أسهل عليهم من حفظها. أنواع الرأي الباطل: أ- الرأي المخالف للنص، وهذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه ولا تحل الفتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد. ب- الكلام في الدين بالخرص والظن مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها، فإن من جهل النصوص وقاس برأيه من غير نظر إليها فقد وقع في الرأي المذموم الباطل. جـ- الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهلُ البدع والضلال، حيث استعملوا قياساتهم الفاسدة، وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة، فقابلوا هذه النصوص بالتحريف والتأويل، وقابلوا بالتكذيب معاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلاً. د- الرأي الذي أحدثت به البدع، وغيرت به السنن، وعم به البلاء. فهذه الأنواع الأربعة من الرأي الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه وإخراجه من الدين. ه- ما ذكره أبو عمر بن عبد البر عن جمهور أهل العلم، وهو استعمال الرأي في الوقائع قبل أن تنزل، وتفريع الكلام عليها قبل أن تقع، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات. أنواع الرأي المحمود: أ- رأي الصحابة رضي الله عنهم فهم أفقه الأمة وأبرها قلوبًا، وأقلها تكلفًا، الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الشريعة. فحقيق أن يكون رأيهم لنا خيرًا من رأينا لأنفسنا، كيف لا وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نورًا وإيمانًا، وحكمة وعلمًا، ومعرفة وفهمًا عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونصيحة للأمة، وقلوبهم على قلب نبيهم ولا وساطة بينهم وبينه، وهم ينقلون العلم والإيمان من مشكاة النبوة غضًا طريًّا، لم يشبه إشكال، ولم يشبه خلاف، ولم تدنسه معارضة، فقياس رأي غيرهم بآرائهم من أفسد القياس. ب- الرأي الذي تفسر به النصوص، ويبين وجه الدلالة منها، ويقررها ويوضح محاسنها ويسهل طرق الاستنباط منها. جـ- الرأي المجمع عليه، الذي تواطأت الأمة عليه وتلقاه خلفهم عن سلفهم، فإن ما تواطئوا عليه من الرأي لا يكون إلا صوابًا، كما أن ما تواطئوا عليه من الرواية والرؤيا لا يكون إلا صوابًا. د- الرأي الذي يكون بعد طلب علم الواقعة من القرآن فإن لم يجدها في القرآن ففي السنة، فإن لم يجدها في السنة فيما قضى به الخلفاء الراشدون أو اثنان منهم أو واحد، فإن لم يجده فبما قاله واحد من الصحابة رضي الله عنهم، فإن لم يجده اجتهد رأيه ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقضية أصحابه، فهذا هو الرأي الذي سوغه الصحابة واستعملوه، وأقر بعضهم بعضًا عليه» اه. المسألة الثالثة : شروط الاجتهاد يشترط لصحة الاجتهاد شروط، بعض هذه الشروط يرجع إلى المجتهد والبعض الآخر يرجع إلى المسائل المجتهد فيها. أما الشروط اللازم توفرها في المجتهد فيمكن إجمالها فيما يأتي(1): أولاً: أن يحيط بمدارك الأحكام وهي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب، وغيرها من الأدلة التي يمكن اعتبارها. وأن تكون لديه معرفة بمقاصد الشريعة، والمعتبر في ذلك أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، ومواقع الإجماع والخلاف، وصحيح الحديث وضعيفه. ثانيًا: أن يكون عالمًا بلسان العرب، ويكفي في ذلك القدر اللازم لفهم الكلام. ثالثًا: أن يكون عارفًا بالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والنص والظاهر والمؤول، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي. ولا يلزمه من ذلك إلا القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة ويدرك به مقاصد الخطاب ودلالة الألفاظ، بحيث تصبح لديه ملكة وقدرة على استنباط الأحكام من أدلتها. رابعًا: أن يبذل المجتهد وسعه قدر المستطاع وألا يقصر في البحث والنظر. قال الشافعي: «وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف عن نفسه حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك»(2). خامسًا: أن يستند المجتهد في اجتهاده إلى دليل، وأن يرجع إلى أصل. وقد بوب لذلك ابن عبد البر، فقال: «باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة»(3). __________ (1) انظر: "الرسالة" (509 - 511)، و"إبطال الاستحسان" (40)، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/61)، و"روضة الناظر" (2/4091 - 406)، و"مجموع الفتاوى" (20/583)، و"إعلام الموقعين" (1/46)، و"شرح الكوكب المنير" (4/459 - 467)، و"مذكرة الشنقيطي" (311، 312). (2) "الرسالة" (511). (3) "جامع بيان العلم وفضله" (2/55). وبعد ذكره رحمه الله لبعض الآثار قال: «......هذا يوضح لك أن الاجتهاد لا يكون إلا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم، وأنه لا يجتهد إلا عالم بها، ومن أشكل عليه شيء لزمه الوقوف، ولم يجز له أن يحيل على الله قولاً في دينه لا نظير له من أصل، ولا هو في معنى أصل. وهو الذي لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديمًا وحديثًا فتدبر»(1). وقد ذكر ابن القيم – كما سبق نقل ذلك عنه(2)– أن من أنواع الرأي المذموم باتفاق السلف: الكلام في الدين بالخرص والتخمين، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها. وبين أن من جهل النصوص والآثار وقاس برأيه من غير نظر إليها فقد وقع في الرأي المذموم(3). وقد تقدم بيان تحريم القول على الله بدون علم(4)، فهذا الشرط راجع إلى هذا الأصل. سادسًا: أن يكون المجتهد عارفًا بالواقعة، مدركًا لأحوال النازلة المجتهد فيها. قال الشافعي: «ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به، دون التثبيت......»(5). وقال ابن القيم: «وأما قوله(6): (الخامسة معرفة الناس) فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم، فإن لم يكن فقيهًا فيه، فقيهًا في الأمر والنهي، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فإنه إذا لم يكن فقيها في الأمر، له معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال.....»(7). ( تنبيه: __________ (1) المصدر السابق (2/57). (2) انظر (ص471) من هذا الكتاب. (3) انظر: "إعلام الموقعين" (1/68). (4) انظر (ص355) من هذا الكتاب. (5) "الرسالة" (510). (6) أي: الإمام أحمد وسيأتي نقل كلامه كاملاً. انظر (ص509) من هذا الكتاب. (7) "إعلام الموقعين" (4/204، 205). قال ابن قدامة: «فأما العدالة فليست شرطًا لكونه مجتهدًا، بل متى كان عالمًا بما ذكرناه فله أن يأخذ باجتهاد نفسه، لكنها شرط لجواز الاعتماد على قوله، فمن ليس عدلاً لا تقبل فتياه»(1). وأما الشروط اللازم توفرها في المسألة المجتهد فيها فيمكن إجمالها فيما يأتي: أولاً: أن تكون هذه المسألة غير منصوص(2) أو مجمع عليها. والدليل على هذا الشرط حديث معاذ - رضي الله عنه - المشهور(3)، إذ جعل الاجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب ولا سنة. وقد كان منهج الصحابة رضي الله عنهم النظر في الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم الاجتهاد(4). ومعلوم أن الاجتهاد يكون ساقطًا مع وجود النص. قال ابن عبد البر: «باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة»(5). وقال الخطيب البغدادي أيضًا: «باب في سقوط الاجتهاد مع وجود النص»(6). وقال ابن القيم: «فصل في تحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك»(7). __________ (1) "روضة الناظر" (2/402). (2) المراد بذلك ألا يوجد في المسألة نص أصلاً - وهذا ما ذكر في الشرط الأول - وإن وجد نص فيشترط أن يكون هذا النص محتملاً غير قاطع - وهذا ما ذكر في الشرط الثاني - ويمكن بيان المراد من هذين الشرطين وجمعهما في شرط واحد بأن يقال: يشترط ألا يوجد في المسألة نص قاطع ولا إجماع. انظر: "مذكرة الشنقيطي" (314، 315). (3) انظر (ص190) من هذا الكتاب. (4) انظر: "إعلام الموقعين" (1/85، 61، 62، 84) وانظر (279) من هذا الكتاب. (5) "جامع بيان العلم وفضله" (2/55). (6) "الفقيه والمتفقه" (1/206). (7) "إعلام الموقعين" (2/279). ثانيًا: أن يكون النص الوارد في هذه المسألة -إن ورد فيها نص- محتملاً، قابلاً للتأويل، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»(1). فقد فهم بعض الصحابة من هذا النص ظاهره من الأمر بصلاة العصر في بني قريظة ولو بعد وقتها، وفهم البعض من النص الحث على المسارعة في السير مع تأدية الصلاة في وقتها ولم ينكر - صلى الله عليه وسلم - على الفريقين ما فهم، ولم يعنف الطرفين على ما فعل(2). قال الشافعي: «قال: فما الاختلاف المحرم؟ قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يحل الاختلافُ فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسًا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل: إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص»(3). وقد استدل الشافعي على أن الاختلاف مذموم فيما كان نصه بينًا بقوله تعالى: { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } [البينة: 4]، وقوله تعالى: { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 105]. وقد عد ابن تيمية ذلك من أسٍباب الاختلاف بين العلماء فقال: «.......وتارة يختلفون في كون الدلالة قطعية لاختلافهم في أن ذلك الحديث: هل هو نص أو ظاهر؟ وإذا كان ظاهرًا فهل فيه ما ينفي الاحتمال المرجوح أو لا؟»(4). ثالثًا: ألا تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل العقيدة، فإن الاجتهاد والقياس خاصان بمسائل الأحكام على النحو الذي سبق بيانه في القياس(5). __________ (1) رواه البخاري (7/407) برقم (4119). (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/344). (3) "الرسالة" (560). (4) "مجموع الفتاوى" (20/259). (5) انظر (ص183، 194) من هذا الكتاب. قال ابن عبد البر: «قال أبو عمر: لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة - وهم أهل الفقه والحديث - في نفي القياس في التوحيد وإثباته في الأحكام، إلا داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي(1) ومن قال بقوله فإنهم نفوا القياس في التوحيد والأحكام جميعًا.....»(2). وعد ابن القيم(3) من أنواع الرأي المذموم باتفاق سلف الأمة الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال(4). رابعًا: أن تكون المسألة المجتهد فيها من النوازل، أو مما يمكن وقوعه في الغالب والحاجة إليه ماسة. أما استعمال الرأي قبل نزول الواقعة والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات والاستغراق في ذلك، فهو مما كرهه جمهور أهل العلم واعتبروا ذلك تعطيلاً للسنن وتركًا لما يلزم الوقوف عليه من كتاب الله عز وجل ومعانيه(5). وقد استدل الجمهور على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته»(6). __________ (1) هو: داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي، الفقيه المشهور بالظاهري، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع يعرفون بالظاهرية، وكان ولده أبو بكر محمد على مذهبه، توفي سنة (270ه). انظر: "وفيات الأعيان" (2/255)، و"شذرات الذهب" (2/158). (2) "جامع بيان العلم وفضله" (2/74). (3) انظر: "إعلام الموقعين" (1/68) وانظر (ص471) من هذا الكتاب. (4) سبق التنبيه على حكم القياس في باب التوحيد وما يجوز منه وما لا يجوز انظر (ص 183) من هذا الكتاب. (5) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/139)، و"إعلام الموقعين" (1/69)، و"جامع العلوم والحكم" (1/240 - 252)، و"شرح الكوكب المنير" (4/584 - 588). (6) رواه البخاري (13/264) برقم (7289) واللفظ له، ومسلم (15/110). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال»(1). قال ابن القيم: «ولكن إنما كانوا [أي الصحابة رضي الله عنهم } يسألونه [أي النبي - صلى الله عليه وسلم -] عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم، وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ } [المائدة: 101، 102]. ولم ينقطع حكم هذه الآية، بل لا ينبغي للعبد أن يتعرض للسؤال عما إن بدا له ساءه، بل يستعفي ما أمكنه ويأخذ بعفو الله ...»(2). فعلم بذلك أن المجتهد لا ينبغي له أن يبحث ابتداء في مسألةٍ لا تقع، أو وقوعها نادر، لكن إن سئل عن مسألة من هذا القبيل، فهذه قضية أخرى، لعل الكلام عليها أليق بمسائل الفتوى. المسألة الرابعة : حكم الاجتهاد والكلام على هذه المسألة في جهتين: الجهة الأولى: حكم الاجتهاد إجمالاً. الجهة الثانية: حكم الاجتهاد على التفصيل. 1- أما حكم الاجتهاد على سبيل الإجمال، فالقول بجواز الاجتهاد مذهب الجمهور(3). قال ابن تيمية: «والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة»(4). والأدلة على ذلك كثيرة منها: __________ (1) رواه البخاري (13/340)، برقم (1477)، ومسلم (12/12). (2) "إعلام الموقعين" (1/71، 72)، وانظر (1/85) منه، و"تفسير ابن كثير" (2/109). (3) انظر: "الرسالة" (487)، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/55)، و"الفقيه والمتفقه" (1/199). (4) "مجموع الفتاوى" (20/203). أ- قول الله تعالى: { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } [الأنبياء: 78، 79]. دل قوله تعالى: { إِذْ يَحْكُمَانِ } على أن داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام حكما في هذه الحادثة معًا، كل منهما بحكم مخالفٍ للآخر، ولو كان وحيًا لما ساغ الخلاف، فدل على أن الحكم الصادر من كل منهما اجتهاد. يؤيد ذلك قوله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } إذ خص الله سليمان عليه الصلاة والسلام بتفهيمه الحكم الصحيح، ولو كان الحكم نصًا لاشترك في فهمه الاثنان عليهما الصلاة والسلام(1). ب- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»(2). جـ- حديث معاذ - رضي الله عنه - المشهور، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه إلى اليمن، قال له: «بم تحكم؟» قال بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: بسنة رسول الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال اجتهد رأيي، قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله»(3). د- وقوع الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - في وقائع كثيرة منها(4): أنه أخذ الفداء في أسرى بدر(5)، ولذلك عاتبه الله فقال سبحانه: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ } [الأنفال: 67]. __________ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/224)، و"أضواء البيان" (4/596، 597). (2) رواه البخاري ومسلم. وقد تقدم تخريجه. انظر (ص465). (3) سبق تخريجه. انظر (191). (4) انظر: "روضة الناظر" (2/409)، و"إعلام الموقعين" (1/198)، و"شرح الكوكب المنير" (4/476). (5) انظر ذلك في الحديث الذي رواه مسلم (12/84). ه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لأصحابه -رضوان الله عليهم- بالاجتهاد، وكان يقرهم على الصواب من اجتهاداتهم(1). فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن معاذ(2)- رضي الله عنه - لما حكمه في بني قريظة: «لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل»(3). 2- أما حكم الاجتهاد على وجه التفصيل، فإنه قد يجب وقد يحرم، وقد يستحب وقد يكره، وقد يكون مباحًا. وذلك يختلف بحسب أهلية المجتهد، وحسب نوع المسألة المنظور فيها، وحسب الحاجة إليها، وحسب الوقت(4). * فيكون الاجتهاد واجبًا: إذا كان المجتهد أهلاً للاجتهاد، وكانت المسألة مما يسوغ فيه الاجتهاد، وقد قامت الحاجة الشديدة إلى معرفة الحكم مع ضيق الوقت. * ويكون مستحبًا إذا لم تكن الحاجة قائمة وكان الوقت متسعًا مع كون المجتهد أهلاً للاجتهاد. * ويكون محرمًا إذا لم يكن المجتهد أهلاً ولم توجد الحاجة لذلك، أو كان أهلاً لكن كانت المسألة مما لا يجوز فيه الاجتهاد؛ بأن كان الحكم منصوصًا أو مجمعًا عليه. * ويكون مكروهًا إذا كان المجتهد أهلاً وكانت المسألة مما يستبعد وقوعه. * ويكون مباحًا إذا كان المجتهد أهلاً وكانت المسألة مما يمكن وقوعه، وكان الوقت متسعًا. __________ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/407)، و"إعلام الموقعين" (1/203)، و"زاد المعاد" (3/394)، و"شرح الكوكب المنير" (4/481). (2) هو: سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري، سيد الأوس، شهد بدرًا، ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرًا حتى حكم في بني قريظة، ثم انتقض جرحه فمات وذلك سنة خمس للهجرة. انظر: "الاستيعاب" (2/25)، و"الإصابة" (2/35). (3) رواه البخاري (6/165) برقم (3043)، ومسلم (12/95) واللفظ له. (4) انظر: "إعلام الموقعين" (4/157، 219، 266). وانظر شروط الاجتهاد السابق بيانها في المسألة الثالثة. ____________________ منقول معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة رسالة "دكتوراه" نوقشت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
الرد على دعوى تعارض الاجتهاد مع تمام التشريع وكماله
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
الشهاب الثاقب
المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
04.09.2015 الساعة 02:25 . و السبب : إضافة
|
![]() |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
وكماله, الاجتهاد, التشريع, الرد, بمال, تعارض, دعوى |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
دعوى تعارض الاخبار بمد الأرض وبسطها مع كروية كوكب الارض | بيطرية مسلمة | إجابة الأسئلة ورد الشبهات حول القرآن الكريم | 0 | 29.05.2018 02:30 |
الرد على شبهة (دعوى تعارض القرآن الكريم مع الحقائق العملية بشأن تثبيت الجبال للأرض) | شعشاعي | الإعجاز فى القرآن و السنة | 0 | 24.02.2012 15:31 |
الرد على دعوى تحريف القرآن | كلمة سواء | ركن الفتاوي | 1 | 28.12.2010 00:41 |
الرد على الزنادقة فيما ادعوه من تعارض آيات القرآن | ابو تراب | إجابة الأسئلة ورد الشبهات حول القرآن الكريم | 1 | 23.10.2010 13:56 |
بناء على طلب الاعضاء : الرد على المعادلة المتوقعة للثالوث 1/1/1=1 | حجة الاسلام | التثليث و الألوهية و الصلب و الفداء | 7 | 30.08.2010 06:48 |