رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
تحية رمضان - الشيخ نبيل الرفاعى
خطبتى الجمعة بعنوان ( تحية رمضان ) الحمد لله المتفضِّل بكلّ نعمة ، دافعِ كلّ نقمة ، له الخلق و الأمر ، و إليه المرجع و المستقرّ ، يتفضّل بالصالحات و يجزي عليها ، و ينعم بالخيرات و يوفِّق إليها ، أحمده تعالى و أشكره و قد تفضّل بالزيادة لم شكر ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده و رسوله ، صلى الله عليه و على آله و صحبه ما تعاقب الشمس و القمر . أمــــا بعـــــد : فأوصيكم ـ أيها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عز و جل ، فاتقوا الله رحمكم الله ، و ارغبوا فيما عنده ، و لا تغرنكم الحياة الدنيا ، فطالبها مكدود ، و المتعلق بما متعب مجهود ، و الزاهد فيها محمود ، و استعيذوا بالله من هوى مطاع ، و عُمُر مُضاع ، و رحم الله عبدًا أعطي قوةً و عمل بها في طاعة الله ، أو قصر به ضعف فكفَّ عن محارم الله . أيها الناس : إن المتطلّع في واقع كثير من الناس ، وَسْط أجواء المتغيرات المتكاثرة ، و الركام الهائل من المصائب و البلايا ، و النوازل و الرزايا ، ليلحظ بوضوح أن كثيرًا من النفوس المسلمة توّاقة إلى تحصيل ما يُثبت قلوبها ، و إلى النهل مما تطفئ به ظمأها ، و تسقي به زرعها ، و تجلو به صدأها ، فهي أحوج ما تكون إلى احتضان ضيف كريم ، يحمل في جنباته مادة النماء ، فهي مشرئبّة لحلوله ، يقطّعها التلهّف إلى أن تطرح همومها و كدَّها و كدحها عند أول عتبة من أعتابه ، بعد أن أنهكت قواها حلقات أحداث مترادفة ، بعضها يموج في بعض ، فلأجل هذا كان الناس بعامة أحوج ما يكونون إلى حلول شهر الصيام و القيام ، شهر الراحة النفسية و السعود الروحي ، شهر الركوع و السجود ، شهر ضياء المساجد ، شهر الذكر و المحامد ، شهر الطمأنينة و محاسبة النفس ، و إيقاظ الضمير ، و التخلص من النزعات الذاتية ، و الملذات الآنية ، في شهوات البطون و الفروج ، و العقول و الأفئدة ، و التي شرع الصيام لأجل تضييق مجاريها في النفوس ، و كونه فرصة كل تائب ، و عبرة كل آيب ، { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183] . أيها المسلمون ، شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن ، القرآن الذي لا تنطفئ مصابيحه ، و السراج الذي لا يخبو توقده ، و المنهاج الذي لا يضل ناهجه ، و العزّ الذي لا يهزم أنصاره ، القرآن ـ عباد الله ـ هو في الحقيقة بمثابة الروح للجسد ، و النور للهداية ، فمن لم يقرأ القرآن ، و لم يعمل به فما هو بحيّ ، و إن تكلم أو عمل أو غدا أو راح ، بل هو ميت الأحياء ، و من لم يعمل به ضل و ما اهتدى ، و إن طار في السماء أو غاص في الماء ، { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا } [الأنعام:122] . إن الإنسان بلا قرآن كالحياة بلا ماء و لا هواء ، بل إن الإفلاس متحقق في حسّه و نفسه ، ذلك أن القرآن هو الدواء و الشفاء ، { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِى ءاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت:44] . إن مما لا شك فيه ـ أيها المسلمون ـ أن صلة الكثيرين بكتاب ربهم يكتنفها شيء من الهجران و العقوق ، سواء في تلاوته أو في العمل به ، بل قد لا نبتعد عن الحقيقة لو قلنا : إن علل الأمم السابقة قد تسللت إلى أمة الإسلام لِواذًا وهي لا تشعر ، ألا تقرؤون ـ يا رعاكم الله ـ قول الباري جل وعلا: { وَمِنْهُمْ أُمّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ أَمَانِىَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } [البقرة:78] . يقول المفسرون : " أي لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة و ترتيلا ، بحيث لا يجاوز حناجرهم و تراقيهم " ، كل ذلك بسبب الغياب القلبي ، و الحجر الروحي عن تدبر القرآن، { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } [النساء:82]، أفلا يتدبرون القرآن إذًا. روى الإمام أحمد و الترمذي و ابن ماجه عن زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه قال : ذكر النبي صلى الله عليه و سلم شيئًا فقال عليه الصلاة و السلام : ( وذلك عند ذهاب العلم ) ، قلنا : يا رسول الله ، كيف يذهب العلم و نحن قرأنا القرآن ، و نقرئه أبناءنا ، و أبناؤنا يقرئونه أبناءهم ؟!! فقال عليه أفضل الصىة و أزكى السلام : ( ثكلتك أمك يا ابن لبيد ، إن كنت لأراك من أفقه رجل في المدينة ، أوَليس هذه اليهود و النصارى بأيديهم التوراة و الإنجيل و لا ينتفعون مما فيهما بشيء ؟ ) . إن المرء المسلم لتأخذ الدهشة بلبه كل مأخذ ، حين يرى مواقف كثير من المسلمين مع كتاب ربهم ، وقد أحاط بهم الظلام ، و ادلهمت عليهم الخطوب من كل حدب و صوب ، فيا لله العجب كيف يكون النور بين أيدينا ثم نحن نلحق بركاب الأمم من غيرنا ؟!! تتهاوى بنا الريح في كل اتجاه لا نلوي على شيء . لقد عاش رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة و ستين عامًا ، و لقد كنا نسمع كثيرًا أن كبر السن ، و صروف الحياة المتقلبة قد تشيب منها مفارق الإنسان ، فما ظنكم بمن تمر به هذه كلها ، واحدة تلو الأخرى ، ثم هو ينسب المشيب الذي فيه إلى آيات من كتاب ربه كان يرددها ، و معان يتأولها و يتدبرها ، روى الترمذي و الحاكم أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ، ما شيبك ؟ قال عليه الصلاة و السلام : ( شيبتني هود و الواقعة و عم يتساءلون و إذا الشمس كورت ) . إن رمضان بهذه الإطلالة المباركة ، ليعدّ فرصة كبرى و منحة عظمى للمرء المسلم ، في أن يطهر نفسه بالنهار ، لكي يعدّها لتلقي هدايات القرآن في قيام الليل ، { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [المزمل:6] ، و لقد ورد أن أئمة المذاهب الأربعة كانوا يغلقون كتب العلم ، و يهجرون مجالس العلم في رمضان و يكتفون بقراءة القراءان وحده . عباد الله ، شهر رمضان المبارك ، شهر رحب و ميدان فسيح ، يوطد المرء نفسه من خلاله على أن يحيي ليله ، و على أن لا يلجأ في حوائجه إلا إلى قاضيها سبحانه ، إذ لا ملجأ من الله إلا إليه ، و هو يقضي و لا يقضى عليه . فثلث الليل الآخر هو وقت التنزل الإلهي ، على ما يليق بجلاله و عظمته ، إلى سماء الدنيا ، إذ يقول : ( هل من سائل فأعطيه ؟ هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ ) . تُرى ، هل فكّر كل واحد منا في استثمار هذا الوقت العظيم الذي هو من آكد مظان إجابة الدعاء ؟ تُرى ، ما هي أحوال الناس مع ثلث الليل الآخر ؟ بل كم من شاكٍ لنفسه قد غاب عنه هذا الوقت المبارك ، كم من مكروب غلبته عينه عن حاجته و مقتضاه ، كم من مكلوم لم يفقه دواءه و سر شفائه ، كم و كم من أصحاب الحاجات فرطوا في هذا الوقت المبارك . ألا إن كثيرًا من النفوس في سبات عميق ، إنها لا تكسل في أن تجوب الأرض شمالها و جنوبها ، و شرقها و غربها ، باحثة عن ملجأ للشكوى ، أو فرصة سانحة لعرض الهموم و الغموم على بني البشر ، غافلة عن الالتجاء إلى كاشف الغم ، و فارج الهم ، و منفس الكرب الذي ، { بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } [المؤمنون:88] و الذي ، { يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء } [النمل:62] ، { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } [نوح:13، 14] . روى الإمام أحمد و الترمذي و النسائي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، و الصائم حتى يفطر ، و دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ، و يفتح لها أبواب السماء و يقول : بعزتي لأنصرنَّك و لو بعد حين ) . عباد الله ، إن كثيرًا ممن يرفعون أكف الضراعة بالدعاء إلى الباري جل شأنه ، قد يستبطئون الإجابة ، و لربما أصابهم شيء من اليأس و القنوط ، { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } [الحجر:56]. و هذا هو السر الكامن في منع إجابة الدعاء ، يقول المصطفى صلى الله عليه و سلم : ( إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت ربي فلم يستجب لي ) رواه البخاري و مسلم . و لربما لم يستجب الدعاء لما فيه من الإثم ، أو قطيعةٍ للرحم ، أو أن يكون الدعاء المنبثق من شفاه الداعين غير مقترن بالقلب اقتران الروح بالجسد ، لأن اللسان ترجمان القلب و بريده ، و القلب خزانةٌ مستحفظةٌ للخواطرَ و الأسرار ، و مساربَ النفس الكامنة ، فالدعاء باللسان و القلبُ غافل لاهٍ إنما هو قليل الجدوى أو عديمها ، فرسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ ) رواه الحاكم والترمذي و حسنه . فالله اللهَ ـ أيها المسلمون ـ في الدعاء ، فهو العبادة و مخها ، و هو السهام النافذة لذوي العجز و قلة الحيلة ، و لا يحقرن أحدكم الحوائج مهما قلت أو كثرت ، فإن الله أكثر ، و قد قال سبحانه : { وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ } [غافر:60] . و بعد ـ يا رعاكم الله ـ ، نقول لذوي المصائب و الفاقات ، و الهموم و المقلقات : خذوا هذا المثل عبرة و سلوانًا ، و الذي يتجلى من خلاله أثر الدعاء في حياة المرء ، و أنه لا غنى له عنه ما دام فيه عرق ينبض ، إذ هو الدواء إذا استفحل الداء ، و هو البلسم الشافي إذا اشتد الداء . دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد ذات يوم فإذا هو برجل من الأنصار يقال له : أبو أمامة ، فقال : ( يا أبا أمامة ، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة ؟! ) قال : هموم لزمتني ، و ديون يا رسول الله ، قال عليه الصلاة و السلام : ( أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همك ، و قضى عنك دينك ؟ ) قال : بلى يا رسول الله ، قال عليه الصلاة و السلام : ( قل إذا أصبحت و إذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهَمّ و الحزن ، و أعوذ بك من العجز و الكسل ، و أعوذ بك من الجبن و البخل ، و أعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال ) ، قال أبو أمامة : ففعلت ذلك فأذهب الله همي ، و قضى عني ديني . رواه أبو داود . و عند أحمد و الترمذي أن عليًا رضي الله عنه جاءه مكاتَب يشكو إليه دينا عليه ، فقال علي رضي الله عنه : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كان عليك مثل جبلٍ ديناً أداه الله عنك ؟ قل : (( اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، و أغنني بفضلك عمن سواك )) قال الترمذي: "حديث حسن " . فاللهم إنا نعوذ بك من الهَمّ و الحزن ، و نعوذ بك من العجز و الكسل ، و نعوذ بك من الجبن و البخل ، ونعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال . بارَك الله لي و لَكم في القرآنِ العظيم ، و نفعَنا الله و إيّاكم بما فيه من الآياتِ و الذكر الحكيم ، أقول قولي هذا ، و أستغفِر الله تعالى لي و لكم و لسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب و خطيئةٍ ، فاستغفروه و توبوا إليه ، إنّه هو الغفور الرّحِيم . ألا و اتقوا الله رحمكم الله ، اتقوه و أصلحوا ذات بينكم ، جعلنا الله و إياكم ممن شملتهم مغفرته و رحمته ، إنه سميع مجيب . الحمد لله ولي الصالحين ، { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِى ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [غافر:3] ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله ، صلى الله و سلم و بارك عليه ، و على آله و أصحابه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أمــــا بعـــــد : فلقد أظلكم – أيها المسلمون – شهر كريم يحمل في طياته تهيئة النفس على تحمّل الجوع و العطش ، ترى الطعام بين ناظريك ، تشتهيه نفسك ، و تصل إليه يدك ، و لكنك لا تستطيع أن تأكله ، و يشعل الظمأ جوفك ، و الماء من حولك ، فلا تقدر على أن تنهل منه ، و يأخذ النعاس بلبِّك ، و يداعب النوم جفنيك ، و يأتي رمضان يوقظك لصلاتك و سحورك . إنها – و لا شك – حلقات الصبر و المصابرة ، التي قال عنها النبي صلى الله عليه و سلم : ( الصوم نصف الصبر ) رواه الترمذي . شهر رمضان – عباد الله – شهر الجود و الإنفاق ، شهر النفوس السخية ، و الأكف الندية ، شهر يسعف فيه المنكوبون ، و يرتاح فيه المتعبون ، فليكن للمسلم فيه السهم الراجح ، و القدح المعلّى ، فلا يتردَّدنَّ في كفكفة دموع المعوزين و اليتامى و الأرامل ، من أهل بلده و مجتمعه ، و لا يشحَّنّ عن سد حاجتهم ، و تجفيف فاقتهم ، و حذار من الشح و البخل ، فإنهما معرّة مكشوفة السوأة ، لا تخفى على الناس عيوبها، بل إن الجود و الكرم كانا لزيمي رسول الله صلى الله عليه و سلم طيلة حياته ، في حين إنه يتضاعف في رمضان ، حتى يكون كالريح المرسلة ، و في الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم ما سئل شيئاً فقال : لا ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( مثل البخيل و المنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما ، فأما المنفق ، فلا ينفق إلا صبغت على جلده حتى تخفي بنانه ، و تعفو أثره ، و أما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها ، فهو يوسعها و لا تتسع ) رواه البخاري و مسلم . و المعنى هنا ظاهر – عباد الله – ، فإن الجواد السخي إذا هم بالصدقة انشرح لها صدره ، و طابت بها نفسه ، و تاقت إلى المثوبة ، فتوسعت في الإنفاق ، و لا يضيره الحديد ، بل هو يتسع معه حيثما اتسع ، و لا غرو في ذلك ، فإن الجواهر و لو كانت تحت التراب فهي جواهر و لا شك ، بيد أن البخيل إذا حدّث نفسه بالصدقة شحت نفسه ، و ضاق صدره ، و انقبضت يداه ، و أحسّ كأنما يعطي من عمره و فؤاده ، حتى يعيش في نطاق ضيق ، لا يرى فيه إلا نفسه ، غير مكترث بالمساكين ، عن اليمين و عن الشمال عزين ، مثل هذا – و لا شك – قد وضع الإصر و الأغلال في يده ، و جعلها مغلولة إلى عنقه ، { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَـٰنُ قَتُورًا } [الإسراء:100] . و لكن ليس شيء أشد على الشيطان ، و أبطل لكيده ، و أدحر لوسواسه من الصدقة الطيبة ، { ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَاء وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:268] . هذا وصلّوا و سلّموا على من أمركم الله بالصلاة عليه في محكَم التنزيل فقال جلّ مِن قائل سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب:56] . اللهم صلِّ و سلم و بارك على عبدك و رسولك محمد و على آله الطيبين الطاهرين و على أزواجه أمهات المؤمنين و أرضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، و عن الصحابة أجمعين و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، و عنَّا معهم بعفوك و إحسانك و جودك يا أكرم الأكرمين . و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه : ( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) . فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ، و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ، و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء . اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ، و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك . اللهم اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين . اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ، و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ، و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ، و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض ... ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم . أنتهت و لا تنسونا من صالح دعاءكم . و تجدونها فى ملف مرفق لمن يرغب فى الأحتفاظ بها و لخطب فضيلته السابقة تفضلوا بزيارة موقعنا و به من خير الله الكثير و بهما تستمعون لقرأة القرآن الكريم بالصوت الشجى و اللهجة الحجازية الأصيلة تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال و من جميع المسلمين للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
تحية رمضان - الشيخ نبيل الرفاعى
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
بن الإسلام
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
نبيه, الرفاعي, الشيخ, تحية, رمضان |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
الموضوعات المتماثلة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
الرد على عدنان الرفاعي | ابو علي الفلسطيني | إجابة الأسئلة ورد الشبهات حول السيرة و الأحاديث النبوية الشريفة | 38 | 18.01.2013 02:12 |
خطبة عن استقبال رمضان للشيخ نبيل الرفاعى / بيت عطاء الخير | بن الإسلام | رمضان و عيد الفطر | 0 | 22.07.2011 10:57 |
العبقري هاشم الرفاعي: الوجه الآخر! | الاشبيلي | أقسام اللغة العربية و فنون الأدب | 2 | 05.04.2011 22:41 |
0جزء 8 من تلاوات تهز الجبال الشيخ هاني الرفاعي 40 مقطع | الب ارسلان | ركن التلاوات القرآنية | 3 | 26.12.2010 19:33 |
الشيخ نبيل العوضي: 1200 دخلوا الإسلام في الأسبوع الأول من رمضان | لبيك إسلامنا | ركن المسلمين الجدد | 5 | 22.09.2010 22:21 |