|
رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() قال بعضهم: العبادة غاية الخضوع مع غاية المحبَّة، أيْ أعلى درجة من درجات الطاعة، والخضوع، والاستسلام، والانقياد، مع أعلى درجة من درجات المحبَّة والولاء، إذا توافر الخضوع مع المحبَّة فكانت هي العبادة. بعضهم يفرِّق بين العباد وبين العبيد، فالعبادُ ينسَبون إلى الله عزَّ وجل، والعبيد ينسَبون إلى ما سوى الله عزَّ وجل، لأن هناك فرقاً كبيراً جداً بين عبودية الإنسان للإنسان، وبين عبودية الإنسان للواحد الديَّان، عبودية الإنسان للإنسان أن يأخذ السيِّد كل خير العبد، وعبودية الإنسان لله عزَّ وجل للإنسان أن يأخذ العبد كل خير سيده. فرقٌ كبير، عبودية الإنسان لله كلها كسب، كلها خير، كلها نجاح، كلها فوز، كلها فلاح، كلها سعادة، وعبودية الإنسان للإنسان أن يأخذ السيِّد من العبد كل شيء، أما عبودية الإنسان لله أن يأخذ العبد من سيِّده كلَّ شيء، بين أن تدفع كل شيء وبين أن تأخذ كل شيء فرقٌ كبير، وبونٌ شاسع. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾ أيها الإخوة الأكارم... هذه الآية الكريمة أصلٌ في تعريف العبودية، لأنك إذا أحببت هذه الأشياء كلها من أبٍ، أو ابنٍ، أو أخٍ، أو زوجٍ، أو عشيرةٍ، أو مالٍ وفير، أو تجارةٍ رابحة، أو مسكنٍ ترضاه، إذا أحببت هذا أكثر من حبك لله، حَمَلَكَ حبك لهذه الأشياء على أن تفسق، ومتى فسق الإنسان انقطع عن الواحد الديان، متى خرج الإنسان عن أمر الله، متى انتهك حُرُمات الله، متى وقع في معصية كانت حجاباً بينه وبين الله، والله سبحانه وتعالى تلطَّف وقال: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ ( سورة التوبة: من آية " 24 " ) أيّ أنتم في مكانكم، لا تبرحون، لا تتقدَّمون، الطريق إلى الله أصبحت مسدودة، لأنكم أحببتم هذه الأشياء أكثر من حبكم لله عزَّ وجل. يا أيها الإخوة المؤمنون: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ﴾ ( سورة الرعد: من آية " 15 " ) الجمادات تسجدُ لله كرها، لكن الإنسان بما آتاه الله من عقلٍ راجح، وبما أودع فيه من شهوات تُعْينه على التقرُّب إلى رب الأرض والسماوات، بما سخَّر له من الكون، بما سخَّر له ما في الأرض جميعا، الإنسان لأن الله كرَّمه وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق مؤهَّلٌ أن يعبد الله طوعاً لا كرهاً. قيل: " من عرف نفسه عرف ربه ". أيْ من عرف فقره عرف الغني، ومن عرف ضعفه عرف القدير، ومن عرف عجزه عرف الحكيم، ومن عرف جهله عرف العَليم، ومن عرف فناءه عرف الباقي، إذا عرفت نفسك عرفت ربك. يا أيها الإخوة الأكارم... معنىً دقيق ؛ كيانك، وجودك، أجهزتك، أعضاؤك، كلها قائمةٌ بالله عزَّ وجل. أبسط مثالٍ على هذا: أنَّ أحداً من أعضائك، أن بعض أجهزتك، أن جزءاً من أنسجتك، أن بعضاً من خلاياك لو اختل، أو أصابه العَطَب لأصبحت حياة الإنسان جحيماً. إذاً أنت فقير والله الغني، أنت ضعيف والله القوي، أنت عاجز والله الحكيم، أنت فانٍ والله الباقي، من عرف نفسه عرف ربَّه، ومن جهل نفسه لم يتعرَّف إلى ربه. يا أيها الإخوة المؤمنين... من عرف الله أحبَّه، ومن عرف الله زهد فيما سواه، وتعدُّ درجة المحبة متناسبةً تماماً مع درجة المعرفة، لهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أشدَّ الخَلْق حباً لله، لأنه كان أعظمهم معرفةً بالله، كلَّما ارتقت معرفتك ازداد حبُّك، من هنا قال عليه الصلاة والسلام: (( أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً )) ليس في الكون جهةٌ تستحق محبَّتك إلا الله، ليس في الكون جهةٌ تستحق أن تضيع العمر كله من أجلها إلا الله. يا أيها الإخوة المؤمنين... النبي عليه الصلاة والسلام لأنه عرف الله أكثر من كل الخلق أحبَّه أكثر من كل الخلق، ولأنه أحبه أكثر من كل الخلق كانت قرَّة عينه في الصلاة، وكان يسأل الله عزَّ وجل الشوق إلى لقائه، ولذَّة النظر إلى وجهه الكريم، ولما خُيِّر النبي عليه الصلاة والسلام بين البقاء في الدنيا، وبين اللحوق بربه، اختار الرفيق الأعلى. يا أيها الإخوة المؤمنون... الحب في الدين بمثابة الروح في الجسد. " ألا لا إيمان لمن لا محبة له، ألا لا إيمان لمن لا محبة له، ألا لا إيمان لمن لا محبة له ". والعبوديَّة لله عزَّ وجل تقتضي المحبة أعلى درجات المحبة، وتقتضي الطاعة أعلى درجات الطاعة. إذاً العبودية لله عزَّ وجل طاعةٌ طوعية، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، تسبقها معرفةٌ يقينية، تفضي إلى سعادةٍ أبديَّة. يا أيها الإخوة الأكارم... الحيُّ القيوم من معانيها أنه لا قيام لمخلوقٍ إلا بالله عزَّ وجل، أما الله سبحانه وتعالى فقيامه بذاته، أنت مفتقرٌ إليه. قال بعض العلماء: إنما عَبد الله من يرضيه ما يرضي الله، ومن يسخطه ما يسخط الله، ومن يحب ما يحب الله ورسوله، ومن يبغض ما يبغض الله ورسوله، ومن يوالي أولياء الله، ومن يعادي أعداء الله، إن فعل هذا فقد استكمل الإيمان. فقد روى أبو داودٍ بسندٍ صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان )) سيدنا سعد رضي الله عن سعد حينما وقف أمام النبي صلى الله عليه وسلَّم قبيل معركة بدرٍ خطيباً، فقال: " يا رسول الله لقد آمنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، فامضِ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، لا يتخلَّف منَّا رجل، فصل حبال من شئت، ونحن معك، واقطع حبال من شئت، ونحن معك، وسالِم من شئت، وعادي من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فوالذي بعثك بالحق للذي تأخذه أحبُّ إلينا من الذي تدعه ". هذا أثرٌ من أثر المحبة، المحبة إحساسٌ بالقلب، ولكنها تترجم إلى عمل، تترجم إلى انضباط، تترجم إلى استقامة، تترجم إلى وقوفٍ عند حدود الله المحبة شيءٌ يكون في القلب، ولكن لابدَّ من أن تظهر على الجوارح والأعضاء، لابدَّ من أن تجسَّد المحبة ورعاً، و.. " ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعة من مخلِّط ". لابدَّ من أن تجسَّد المحبَّة استقامةً على أمر الله.. ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ ( سورة فصلت: من آية " 30 " ) لابدَّ من أن تجسَّد المحبة عملاً صالحاً، وبذلاً، وعطاءاً.. ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ( سورة محمد: من آية " 2 " ) يا أيها الإخوة المؤمنون... روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(( أوثق عُرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله )) أيْ العُروة الوثقى التي لا تنفصم ؛ أن تجعل أساس العلاقة بينك وبين الله هو الحب، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوجدك ولم تكُن شيئاً مذكوراً، وهو الذي خلقك ليسعدك.. ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ ( سورة هود: من آية " 119 " ) يا أيها الإخوة المؤمنون... وفي حديثٍ آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:(( أنه ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان... )) من هم هؤلاء الثلاثة ؟.. (( من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما... )) ( من مختصر تفسير ابن كثير ) امرأةٌ من الأنصار كان زوجها، وأبوها، وأخوها، وابنها في معركة أُحُد، فلما ذهبت بعد انتهاء المعركة إلى أرض المعركة كي تتفقَّد أباها، وأخاها، وزوجها، وابنها رأتهم قُتِلوا جميعاً. كانت تقول: ما فعل رسول الله ؟ إلى أن قيل لها: إنه كما تحبين. قالت: أروني أنظر إليه، فلما نظرت إليه قالت: " يا رسول الله كل مصيبةٍ بعدك تهون ". هذه محبة. صحابيٌ كان يمشي مع النبي عليه الصلاة والسلام، رأى في يده خاتماً، فكأنه عرف النبي عليه الصلاة والسلام لا يرضيه أن يضع الرجل في يده خاتماً من ذهب، فأمسكه النبي ورماه في الأرض، فقيل له: خذ الخاتم وانتفع بثمنه، قال: والله لا آخذ شيئاً رماه رسول الله. هذه محبَّة. المحبة أيها الإخوة ترقى بك إلى أعلى عليين، وسببها هو المعرفة، لذلك أكبر أعداء الإنسان الجهل، إذا عرفت الله أحببته، وإذا عرفت الله زهدت فيما سواه.. والحمد لله رب العالمين منقول بتصرف لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1989-05-26 للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
لماذا خلقنا الله سبحانه و تعالى ؟
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
الشهاب الثاقب
المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
10.02.2015 الساعة 18:34 .
|
رقم المشاركة :2 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: قد أخبرنا سبحانه أنه خلق الجن والإنس لعبادته وطاعته ، فقال : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "[الذاريات:56]. و خلق الله الحياة الدنيا لحكمة ذكرها في كتابه حيث قال: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور) [الملك:2]. فهذه الحياة هي دار ابتلاء حيث يبتلي الله عباده بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، فمن صدق بالرسل وعمل بما في الكتب كان من أهل الجنة ومن أهل السعادة ومن كذب كان من أهل الشقاء وأهل النار. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يعمله الناس أهو أمر قد قضي وفرغ منه أم أمر مستأنف ، فقال بل أمر قد قضي وفرغ منه . فقالوا : ففيم العمل يا رسول الله ؟ فقال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". وقد قال الله تعالى: (إنَّ سعيكم لشتّى، فأمّا من أعطى واتّقى وصدَّق بالحُسنى فسنيسّره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعُسرى) [الليل: 4-10]. فعلى كل أحد أن يعمل ويبحث عن مواطن الهداية ويدعو الله أن يرزقه الثبات على الدين، وأن يعلم أن الله تعالى قد خلق الخلق وهو يعلم أرزاقهم وآجالهم وما هم عاملون، ونحن نرى أكثر الناس يستشكلون أمر السعادة والشقاوة، ولا يستشكلون أمر الرزق ونحوه، وهي من باب واحد من جهة خفائها عن الخلق وأن علم الله قد سبق فيها. والواجب أن نثق بحكمة الله وعدله، وأنه لا يعذب أحد بغير ذنب استحقه وأنه يعفو عن كثير. وقاعدة ذلك التسليم لأمر الله ، ما بلغته عقولنا وما قصرت عن فهمه، وأن العجز والقصور والخلل فينا لا في حكمة الله تعالى. وأما الاحتجاج بكونه سبحانه يعلم مصير كل فرد من مخلوقاته فهذا أمر طبيعي للإله القادر العليم. وكيف يكون رباً للأشياء وهو لا يعلم مصيرها ولا ما تؤول إليه: فالإله الذي يجهل مستقبل مخلوقاته ولا يدري هل سيعصونه أم سيطيعونه، ولا يدري من الذي سيعذب منهم ولا من سيرحم، لا يستحق أن يكون إلها، لعدم إحاطة علمه بما خلق، والله سبحانه وتعالى علمه محيط بكل شيء من مخلوقاته ولذا قال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [الملك: 14] . وهو الذي يفعل ما يشاء كيف يشاء لا دخل لأحد من خلقه في فعله جل وعلا، قال تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء: 23]. فالحكمة القدرية الكونية هي ظهور حكمة الله وعفوه ورحمته وغضبه وسخطه وعذابه، وغير ذلك من صفاته سبحانه التي تتجلى في خلق الإنسان والجان على الحال الذي هما عليه من العقل والشهوة، حيث إن الله تعالى قد خلق .. الأحياء على ثلاثة أصناف: 1) فصنف ركب الله لهم عقلاً ولم يركب لهم شهوة ومُسيرين وهم الملائكة . 2) وصنف ركب الله لهم شهوة ولم يركب لهم عقلاً وهي البهائم . 3) وصنف ركب الله لهم عقلاً وشهوة ومُخيرين وهم الإنس والجن . فمن غلب عقله شهوته فهو على رأس القائمة لأن الملائكة تطيع الله بجبلتها ولا تحتاج إلى مجاهدة الشهوة من أجل الطاعة بخلف الإنس والجن، ومن غلبت شهوته عقله فهو أدنى من البهائم لأن البهائم لا عقل لها يحجزها عن الشهوة قال الله تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [الأعراف:179]. والفرق بين الأمر الشرعي والأمر القدري الكوني أن الأمر الشرعي قد يقع وقد لا يقع وهو فيما يحبه الله فقط، أما الأمر القدري فهو حتمي الوقوع ومنه ما يحبه الله ومنه ما لا يحبه. ففي إيجاد الإنس والجن ، وابتلائهم بالتكاليف ، ثم مجازاتهم على أعمالهم ظهور لآثار أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ، فهو الخالق الرازق المحيي المميت ، وهو الرحمن الرحيم ، والحكيم العليم ، وهو ناصر المؤمنين ومخزي الكافرين ، وهو الديان الذي يحاسب عباده ويجازيهم على أعمالهم ، وهو المنتقم الجبار ، الذي ينتقم لأوليائه من أعدائه ، وهو الموصوف بكمال العدل والإحسان جل وعلا . فالكفر والمعاصي والأخطاء وما يترتب عليها من عقاب راجعة إلى مخالفة أمر الله ونهيه، وليس ذلك متعلقاً بالخلق والإيجاد، فإن الله خلق الإنسان سميعاً بصيراً قادراً، كما قال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان: 1-3]. فخلق الله لخلقه وهدايتهم للهداية بيان وإرشاد، فبين لهم طريق الخير وطريق الشر، ثم مكنّهم من الاختيار، فأي إكرام للإنسان فوق هذا الإكرام، وأي احترام للإنسانية فوق هذا الاحترام، ولو أننا سألنا أكثر الخلق هل يحبون أن يكونوا في هذه الحياة مجبورين مقهورين لا يملكون إرادة ولا اختياراً، أو مختارين لهم القدرة والإرادة والاختيار .... لاختاروا الثاني . فإذا كان الأمر كذلك فكلٌ يتحمل نتيجة سلوكه، ويتحمل مغبة نقصه بعد أن خلقه الله كاملاً في أحسن تقويم، قال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء:79]. فكل حسنة تصيب العبد من صحة وعافية ورزق في الدنيا والآخرة فهي محض فضل من الله ، وكل سيئة تصيب العبد في الدنيا والآخرة فهي من نفسه، لأنه قد أوتي قدرة على العمل، واختياراً في تقدير الباعث عليه من درء المضار وجلب المنافع . وقد قامت الأدلة القاطعة في خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان على حكمة الله وعلمه وتقديره، كما قال تعالى: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ... إلى أن قال: ...ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت:9-12]. فإذا اعتقد المؤمن وأيقن بحكمة الخالق جل وعلا وعلمه المحيط وقدرته التي لا يعجزها شيء، فيجب القول بموجب هذا الاعتقاد في كل ما يخلقه الله ويصفه، وفي كل ما يأمر به ويوجبه، وفي كل ما ينهى عنه ويحرمه، وإذا غابت عن العقل البشري الحكمة في جزئية من الجزئيات أو في صورة من الصور لم يكن ذلك مسوغاً لمخالفة تلك الأدلة القاطعة. والله تعالى خلق الخلق على هذه الصورة لحِكَم جليلة ظهر لنا بعضها ولم يظهر البعض الآخر، وقد سبقنا إلى هذا السؤال الملائكة، وأجيبوا جواباً قاطعاً لا يسعنا بعده إلا أن نتيقن حكمة الله، ونطمئن إلى تقديره، قال تعالى حاكياً عن الملائكة: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) [البقرة:30]. فإذا كانت الملائكة لا تعلم فمن باب أولى غيرهم، وليس في منطق العقل أن يحيط المحدود علماً وهو الإنسان المحدود بحدود الزمان والمكان بالمطلق وهو الله تعالى ذو العلم المطلق والقدرة المطلقة، أو يُعقِّب على حكمه. قال تعالى: (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد:41]. ونجد أن أصل هذه الشبهة الفاسدة هو قياس الخالق على المخلوق، وأنه يجب عليه فعل كذا وكذا، وأن الأصح له كذا وكذا، ولا ينبغي له فعل كذا وكذا، وهذا القياس أصل كل بلية، ومنبع كل فساد، فالخالق غير المخلوق، والرب غير المربوب، فكيف يقال له: افعل، أو لا تفعل؟. وهذا ما رده القرآن وأبطله، فقال عن الله عز وجل: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23]. وقال: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفتح:14]. فالمالك القدير له أن يفعل في مملكته ما يشاء، وقد سبق أن أفعاله كلها حكمة، وكلها عدل ورحمة، فالاعتراض على خلقه وتقديره ضرب من الجنون. وتصحيح للفهم الخاطئ للآية الكريمة: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) [مريم:71]. فليس المراد من الورود المكث فيها، أو أنه يصيب المتقين من عذابها وحرها، وسواء قلنا إن الورود الدخول أو المرور، فإن الله يقول وهو أصدق القائلين: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) [مريم:72]. فيجعلها عليهم برداً وسلاماً، كما جعل النار على إبراهيم برداً وسلاماً في الدنيا، فمن ضمن الله له أن يبعد عن النار لا يضره الورود، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا...) [الأنبياء:101-102]. وأما حديث: "كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وصحح إسناده. فحق؛ ولكن لا يلزم أن يُعذب كل خطاء ، فرحمة الله وسعت كل شيء، والتائب من الخطأ حبيب الله ، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة:222]. وقال تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء:110]. والله أعلم منقول عن الشبكة الإسلامية ويب المزيد من مواضيعي
آخر تعديل بواسطة الشهاب الثاقب بتاريخ
09.02.2015 الساعة 20:39 .
|
![]() |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
لماذا, الله, تعالى, خلقنا, سبحانه |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
لماذا حفظ الله تعالى القرآن و لم يحفظ التوراة و الانجيل | زهرة المودة | رد الشبـهـات الـعـامـــة | 3 | 25.12.2010 22:11 |
لماذا خلقنا الله و لماذا نعبده ؟ | زهرة المودة | رد الشبـهـات الـعـامـــة | 5 | 28.11.2010 09:38 |
شبهة أن الله يحب الخطيئة ! (حاشاه سبحانه و تعالى عما يصفون ) | الفضة | إجابة الأسئلة ورد الشبهات حول السيرة و الأحاديث النبوية الشريفة | 6 | 17.10.2010 00:47 |