بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الرفاعي أيضا في نفس المقال:-
وردّ أبو حنيفة مضمون الحديث التالي في صحيح البخاري ، تحت الرقم ( 2227 ) حسب ترقيم العالميّة :
(( حَدَّثَنَا ....... أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ )) ..
أقول: إنَّ الأحناف لم يرفضوا الحديث وإنما تأولوه .. وادعوا أنه خبر واحد .. خالف الأصول .. وأخذوا بنصوص عن علي وابن مسعود رضي الله عنهم لا تثبت عنهما ...
قال ابن حجر في فتح الباري:-
وَحَمَلَهُ بَعْض الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا عَلَى مَا إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ السِّلْعَةَ ، وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ " عِنْدَ رَجُل " وَلِابْن حِبَّان مِنْ طَرِيقِ سُفْيَان الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد " ثُمَّ أَفْلَسَ وَهِيَ عِنْدَهُ " وَلِلْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيقِ اِبْن شِهَاب عَنْ يَحْيَى " إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ مَتَاع " فَلَوْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ مَا نَصَّ فِي الْخَبَرِ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ ، وَاعْتِذَارهمْ بِكَوْنِهِ خَبَر وَاحِد فِيهِ نَظَر ، فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ، أَخْرَجَهُ اِبْنُ حِبَّان مِنْ حَدِيثِ اِبْن عُمَر وَإِسْنَاده صَحِيح ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث سَمُرَة وَإِسْنَاده حَسَن ، وَقَضَى بِهِ عُثْمَان وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز كَمَا مَضَى وَبِدُونِ هَذَا يَخْرُجُ الْخَبَرُ عَنْ كَوْنِهِ فَرْدًا غَرِيبًا ، قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا نَعْرِفُ لِعُثْمَان فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ . وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ عُثْمَان وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِمِ " : تَعَسَّفَ بَعْض الْحَنَفِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ بِتَأْوِيلَاتٍ لَا تَقُومُ عَلَى أَسَاس ، وَقَالَ النَّوَوِيّ : تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلَاتٍ ضَعِيفَةٍ مَرْدُودَةٍ اِنْتَهَى .
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ فِي صُورَةٍ - وَهِيَ مَا إِذَا مَاتَ وَوُجِدَتْ السِّلْعَة - فَقَالَ الشَّافِعِيّ : الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَصَاحِب السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد : هُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاءِ ، وَاحْتَجَّا بِمَا فِي مُرْسَلِ مَالِكٍ " وَإِنْ مَاتَ الَّذِي اِبْتَاعَهُ فَصَاحِب الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَة الْغُرَمَاءِ " وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْت بِأَنَّ الْمَيِّتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ فَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ مَحَلّ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فَاسْتَوَوْا فِي ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ . وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَر بْن خَلْدَة قَاضِي الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِب الْمَتَاعِ أَحَقّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ " وَهُوَ حَدِيث حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، وَزَادَ بَعْضهمْ فِي آخِرِهِ " إِلَّا أَنْ يَتْرُكَ صَاحِبُه وَفَاء " وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيّ عَلَى الْمُرْسَلِ وَقَالَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ مِنْ رَأْيِ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَلُوهُ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا قَضِيَّةَ الْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَغَيْره لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ ، بَلْ صَرَّحَ اِبْن خَلْدَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْإِفْلَاسِ وَالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِير إِلَيْهِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَة . وَجَزَمَ اِبْن الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي مُرْسَلِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي ، وَجَمَعَ الشَّافِعِيّ أَيْضًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْل حَدِيث اِبْن خَلْدَة عَلَى مَا إِذَا مَاتَ مُفْلِسًا وَحَدِيث أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن عَلَى مَا إِذَا مَاتَ مَلِيئًا وَاللَّه أَعْلَمُ .
وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إِذَا أَرَادَ الْغُرَمَاء أَوْ الْوَرَثَة إِعْطَاء صَاحِبِ السِّلْعَةِ الثَّمَن فَقَالَ مَالِك : يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ ، وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد : لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ غَرِيم آخَر فَزَاحَمَهُ فِيمَا أَخَذَ . وَأَغْرَبَ اِبْنُ التِّينِ فَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ، لَيْسَ لَهُ إِلَّا سِلْعَتُهُ . وَيَلْتَحِقُ بِالْمَبِيعِ الْمُؤَجَّرُ فَيَرْجِعُ مُكْتَرِي الدَّابَّة أَوْ الدَّار إِلَى عَيْنِ دَابَّتِهِ وَدَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ . وَإِدْرَاج الْإِجَارَة فِي هَذَا الْحُكْمِ مُتَوَقِّف عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اِسْم الْمَتَاع أَوْ الْمَال ، أَوْ يُقَالُ اِقْتَضَى الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ أَحَقّ بِالْعَيْنِ وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الرُّجُوع فِي الْمَنَافِعِ فَثَبَتَ بِطَرِيق اللُّزُوم . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى حُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بِالْفَلَسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَدْرَكَ مَتَاعه بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ أَحَقّ بِهِ ، وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْمُطَالَبَة بِالْمُؤَجَّلِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقّ مَقْصُود لَهُ فَلَا يَفُوتُ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاء ، وَالْقَوْلُ الْآخَر يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَمَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوت الْفَلَس ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ إِذَا اِمْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاء الثَّمَن مَعَ قُدْرَتِهِ بِمَطْلٍ أَوْ هَرَبٍ قِيَاسًا عَلَى الْفَلَسِ بِجَامِعِ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ حَالًا ، وَالْأَصَحّ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي عَيْن الْمَتَاع دُونَ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَة لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَتْ بِمَتَاعِ الْبَائِعِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
توقيع ابو علي الفلسطيني |
تتسامى أرواحُنا للمعالي = قد حَدَاها عزم كحد الظَّــباتِ
هَـمُّــنا بعد الموت عيشُ خلود = لا نرى الموتَ غاية للحياةِ |