﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) ﴾
أهمية التوبة :
أيها الأخوة الكرام،
صعبٌ جداً أن تتصوَّروا ديناً من دون توبة،
لأن أقل ذنب من دون توبة يقودك إلى أكبر ذنب ثم إلى النار،
أما مع التوبة فأكبر ذنب يعفو الله عنك:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: "يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابْنَ آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ استَغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ، يَا ابْنَ آَدَمَ إِنَّكَ لَو أَتَيْتَنِيْ بِقِرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لقِيْتَنِيْ لاَتُشْرِك بِيْ شَيْئَاً لأَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغفِرَةً"
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحَيْحٌ.
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) ﴾.
(سورة الزمر )
وقال:
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) ﴾.
(سورة الحجر )
هكذا:
﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ (52) ﴾.
ماذا فعل هؤلاء ؟
فعلوا أشدَّ أنواع الذنوب،
أشركوا بالله،
عبدوا عجلاً من دون الله،
صنعوه بأيديهم وعبدوه من دون الله
ومع ذلك
باب التوبة مفتوحٌ على مِصراعيه،
تصوَّر لو لم يكن هناك توبة ليئس الإنسان من أقل ذنب،
لو ارتكب الإنسان ذنباً بسيطاً ولا توجد توبة لسمح لنفسه أن يرتكب ذنباً أكبر،
وهكذا إلى أن يفعل كل الذنوب والآثام، وينتهي إلى النار،
لكنَّ رحمة الله
الله تعالى رَحِمَ أمَّة محمِّد فجعل توبة المؤمنين لا تقتضي أن يقتل بعضهم بعضاً إذا أذنبوا:
قال تعالى:
﴿ وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) ﴾.
ثمة توبة، وعفو، وكتاب، وسُنَّة، وعلماء، ودعاة، ومعالجة نفسيَّة، ومعالجة سلوكيَّة،
وكل شيء من أجل أن تعرف الله،
ومن أجل أن تتصل به،
ومن أجل أن تطيعه:
﴿ وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) ﴾.
أيها الأخوة،
هذا مما حُمله بنو إسرائيل لأنهم عبدوا العجل من دون الله،
وهذا معنى قول الله عزَّ وجل :
﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا)
(سورة البقرة: من آية " 286 " )
أي أن الله أمر الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوا من عبد العجل جزاء ارتكابهم أكبر ذنب في الدين،
وهو أن تُشرك،
لكن الله عزَّ وجل رَحِمَ أمَّة محمِّد صلى الله عليه وسلَّم فجعل توبة المؤمنين لا تقتضي هذا القتل،
يكفي أن تقول: يا رب لقد تبت إليك،
يقول لك: عبدي وأنا قد قبلت،
هذه رحمةٌ كبيرة،
ولكن بني إسرائيل كُلِّفوا أن يقتلوا أنفسهم، أن يقتل بعضهم بعضاً، أن يقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجل.
كل إنسان خاف الله فيما بينه وبين الله أمَّنه الله فيما بينه وبين الناس :
قال تعالى:
﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) ﴾
يقودنا هذا المعنى إلى معنى آخر
وهو أن الله جلَّ جلاله يسوق لك أحياناً شدَّةً شديدةً من أجل أن ترمِّم خللاً خطيراً.
أيُّها الأخوة،
من نِعَمِ الله الُكبرى أن شرعنا الإسلامي لا يقتضي من أجل أن تتوب إلى الله أن تقتُل نفسك ولا أن تُقتَل،
وهذه رحمةٌ بأمة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم،
ولكن المؤمن العاقل يبتعد عن ذنبٍ خطير،
ففي الحياة الآن أمراض غير القتل،
فيها أمراض عُضالة، وفيها عاهات، وحوادث سير، فيها فقر مدقع، وفيها تشتيت أسرة،
هناك أحياناً ذُل، وأحياناً قَهر، أو فقد حُرِّية،
فعند الله معالجات منوَّعة كثيرة جداً،
فالمؤمن العاقل هو الذي يحتاط للأمور قبل وقوعها،
ويخاف من الله فيما بينه وبين الله،
وكل إنسان خاف الله فيما بينه وبين الله أمَّنه الله فيما بينه وبين الناس،
هذه قاعدة ؛
مستحيل ثم مستحيل ثم مستحيل أن تخاف الله فيما بينك وبينه ثم يخيفك من أحد،
ولكنه يطمئِنُك.
" أمنان وخوفان، لا يجتمع أمن الدنيا وأمن الآخرة،
إن خِفت الله في الدنيا أَمَّنك يوم القيامة،
وإن أمِنتَ عذاب الله في الدنيا أخافك يوم القيامة ".
هذا كلام دقيق وخطير،
كلام مصيري،
وليس الأمر على مستوى أن تقول:
والله الدرس ممتع، لا، لا، لا فالأمر أخطر من ذلك،
الدرس خطير يتعلَّق بالمصير، المصير الأبدي، وساعة الموت هي ساعة الفصل،
وهذه تنتظرنا جميعاً
ولا أحد ينجو من هذه الساعة،
فبقدر معرفته بالله، وبقدر طاعته، وبقدر إخلاصه، وبقدر عمله الصالح ينجيه الله عزَّ وجل من هذه الساعة العصيبة.
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية
--------------------------------
والى رحلة جديدة إن شاء الله
--------------