اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :2  (رابط المشاركة)
قديم 01.05.2014, 20:38
صور الشهاب الثاقب الرمزية

الشهاب الثاقب

مشرف عام

______________

الشهاب الثاقب غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 14.09.2011
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 999  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
18.05.2025 (22:20)
تم شكره 696 مرة في 474 مشاركة
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين


الأدلة على صحة هذا المنهج :
وقد قامت الأدلة الشرعية ( من الكتاب والسنة ) ، والأدلة العقلية ، على صحة هذا المنهج ، وعليه أجمع الصحابة وسلف الأمة ، كما أيدته التجربة والواقع :
فأولا : نطق بذلك القرآن الكريم ، في آيات كثيرة تدل على ذلك : 1 - فقال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا .
فإذا أكمل الله تعالى الدين وأتم به النعمة ، فإن هذا يقتضي أن لا يترك جانبا من جوانب العقيدة ، أو مسألة من مسائلها ، دون أن يأتي عليها بالبيان . ولذلك كان القرآن كتاب هداية لأقوم طريق في العقيدة ، لأنه يهدي إلى صراط مستقيم وإلى سبل السلام :
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ،
وقال تعالى :
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . 2 - وقد وصف الله تعالى الكتاب بأنه تبيان لكل شيء فقال :
وَنَـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ، مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .
وإذا كانت العقيدة من أهم ما ينبغي بيانه ومعرفته ، فلا بد من أن تكون آيات الله تعالى مبينة لهذا أوضح بيان ، إذ لا يقبل العقل أن تبين لنا هذه الآيات أحكام الفروع ثم تترك هـذه الأصـول الاعتقـادية التـي هـي أسـاس لتلـك الفروع .
3 - وقد جاءت الآيات الكريمات تبين أن الله تعالى يبين للناس ما يكون سببا لعصمتهم عن الضلال ، وذلك يكون باتباع القرآن والسنة ومجانبة الظن وأهواء النفوس :
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ،
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، في آيات كثيرة من كتاب الله تنطق بالحق ، وتقيم الحجة والبرهان على أن القرآن الكريم هو كتاب العقيدة والإيمان . فليس وراءه مصدر إلا ما كان يخرج من مشكاته ، وهو الحكمة أو سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - . 4 - ولذلك أوجب الله تعالى على المسلمين اتباع الرسول فيما يأمر وينهى ، وقرن طاعة الرسول بطاعته - سبحانه - في آيات كثيرة من القرآن فقال : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .
وحث على الاستجابة لما يدعو إليه من الحياة الكريمة التي تتمثل في الاعتقاد الصحيح وفي التمسك بالدين فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ .
وجعل طاعة الرسول طاعة لله تعالى ، وعلامة على محبته :
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .
كما جعل مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - سببا للفتنة تصيب الإنسان ، أو سببا لعذاب أليم : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . ويؤيد هذا أن رجلا قال لمالك بن أنس - رحمه الله - : من أين أحرم؟ قال : من حيث أحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فأعاد عليه مرارا قال : فإن زدت على ذلك ؟ قال : فلا تفعل ، فإني أخاف عليك الفتنة! قال : وما في هذه من الفتنة ، إنما هي أميال أزيدها ؟ قال : فإن الله تعالى يقول : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قال : وأي فتنة في هذا ؟ قال مالك : وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله ورسوله؟ . بل إن هذه المخالفة لأمر الرسول والتولي عن طاعته إنما هي من الكفر الذي ينبغي أن يحذره المسلم على نفسه : قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ . ثانيا : تواردت أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - تقيم الأدلة على صحة هذا المنهج في العودة للقرآن والتمسك بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ، فقال - عليه الصلاة والسلام - ، فيما رواه علي - رضي الله عنه - ، قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ألا إنها ستكون فتنة فقلت : وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : كتاب الله ؛ فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، لا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تنته الجن - إذ سمعته -
حتى قالوا :
إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم . ولذلك قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : (تضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . ثم قرأ : فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى .
وتواترت الأحاديث النبوية توجب العمل بالسنة والتمسك بها ، وتبين أنها سبب النجاة ، بما يدل دلالة قاطعة على أن المنهج الصحيح في استلهام العقيدة - مع سائر الأحكام - إنما يكون بالعودة إلى الصادق المصدوق ، المبلغ عن ربه تبارك وتعالى .
وما ورد من هذه الأحاديث أنواع كثيرة يمكن إدخالها تحت أنواع ثلاثة :
النوع الأول : إخباره - صلى الله عليه وسلم - وهو المعصوم من الكذب - بأنه قد أوحي إليه القرآن وغيره ، وأن ما بينه وشرعه

من الأحكام ، إنما هو بتشريع الله تعالى ومن عنده ، وليس من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه لا يمكن فهم الأحكام من القرآن وحده ، بل لا بد من الاستعانة بالسنة ، وأن العمل بها عمل بالقرآن نفسه ، وأن الأمة قد أمرها الله تعالى بالأخذ بقوله - صلى الله عليه وسلم - وطاعته واتباع سنته ، وأن من أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله ، وأن الإيمان لا يتم إلا باتباع جميع ما جاء به .
وهذا النوع من الأحاديث يعز على الحصر ، وقد تقدمت الإشارة إلى بعضها في مناسبات سابقة ، كحديث : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله . . .
والنوع الثاني : أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتمسك بالسنة ، وهو لا يأمر إلا بما أوجبه الله تعالى ، ولا ينهى إلا عما حظره الله ، كما في حديث العرباض بن سارية ، وفيه : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، . . . فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات
الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة
إلخ .
والنوع الثالث : أمره - صلى الله عليه وسلم - باستماع حديثه وحفظه وتبليغه إلى من لم يسمعه ، وذلك يستلزم حجية قوله - صلى الله عليه وسلم - ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
ثالثا : وعلى هذا المنهج سار الصحابة - رضوان الله عليهم - ، فكانوا يتلقون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أوحاه الله تعالى إليه : قرآنا ناطقا وسنة حادثة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتعرفون- بذلك- على وحدانية الله تعالى ، وعلى صفاته ، وعلى نبوته - عليه الصلاة والسلام - ، وعلى المبدأ والمعاد ، وكل ما يتصل بأمور العقيدة بخاصة والدين كله بعامة .
فلم يكن عندهم ما يستدلون به على ذلك سوى كتاب الله تعالى ، يتلقونه بالتسليم ، فيفهمون معناه ، ويلتزمون بما فيه ، لا يتنازعون في شيء من ذلك ، ولا يتعمقون في البحث الذي لا طائل تحته ، وكانوا يرون الجدل في أمور العقيدة مؤديا إلى الانسلاخ من الدين . فلذلك أجمعت كلمتهم على أن القرآن فيه
كل الغناء وفيه علم الأولين والآخرين ، وأن من جمع القرآن فقد حمل أمرا عظيما وقد أدرجت النبوة بين جنبيه ، إلا أنه لا يوحى إليه - كـما قال ابن عمر رضي الله عنهما - وما ذاك إلا لأنه جامع لمعاني النبوة .
رابعا : وعلى هذا أيضا أجمعت كلمة علماء الإسلام- بعد عصر الصحابة - من جميع الطوائف ، فإن القرآن عندهم يفيد معرفة أدلة التوحيد من غير ظن ولا تقليد

الكتاب والسنة أدلة قاطعة جلية ، تسبق إلى الأفهام ببادي الرأي وأول النظر ، ويشترك كافة الخلق في إدراكها وفهمها . وهي بذلك مثل الغذاء ينتفع به كل إنسان ، بل كالماء الذي ينتفع به الصبي ، والرضيع ، والرجل القوي . ولهذا كانت أدلة القرآن سائغة جلية .
ألا ترى أن من قدر على ابتداء الخلق فهو على الإعادة أقدر؟
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
وأن التدبير لا ينتظم في دار واحدة بمدبرين ، فكيف ينتظم جميع العالم؟ وأن من خلق علم ما خلق؟ ، كما قال سبحانه : أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
فهذه أدلة تجري مجرى الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي ، ينتفع به الجميع بيسر وسهولة ، فتؤدي إلى معرفة وقناعة ، ثم إلى التزام وطاعة .
خامسا : فإذا تجاوزنا الدليل الشرعي والإجماع ، وجدنا التجربة والواقع العلمي شاهدين عدلين على صحة المنهج الذي سلف ، في العودة إلى القرآن والسنة لنستمد منهما أصول العقيدة ، إذ لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن الكريم في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا و لذلك كان فيه الكفاية والغناء .
يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - : ( إننا نعتقد - بالدراسة
الطويلة - أن هذا القرآن فيه غناء كامل في بيان الحقائق التي يقوم عليها التصور الإسلامي ، فلا يحتاج إلى إضافة من خارجه في هذا البيان " باعتبار أن السنة إنما هي تفصيل وبيان لما في القرآن " ونحب أن يتعود القارئ أن يلجأ إلى القرآن ليجد فيه تبيانا لكل شيء ، ومن ثم فإن النصوص القرآنية هنا "في بحث موضوعات العقيدة الإسلامية " هي الموضوع ذاته ، وليست عنصرا مساعدا كـما اعتاد الناس أن يجدوها في كثير من البحوث الإسلامية
. . . ) .
ولا أدل على صحة هذا القول من واقع أولئك الذين حاولوا أن يتلمسوا الأدلة العقلية على صحة الاعتقاد ، فأطلقوا العنان لعقولهم في البحث والتفكير ، بمعزل عن الوحي ، متأثرين في ذلك بمنطق اليونان وفلسفتهم ، ولكنهم عادوا بالخيبة والخسران ، بعد أن بددوا جهدهم ، وأضاعوا في البحث عمرهم ، ثم وقفوا حائرين ، لا يجدون دلالة إلا في كتاب الله الكريم ، وفي سنة نبيه العظيم - صلى الله عليه وسلم - .
فهذا إمام الحرمين الجويني (ت 478 هـ) وهو الأصولي الجدلي النظار ، يقول : " قرأت خمسين ألفا ، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها ، وعلومهم الظاهرة ، وركبت البحر الخضم ، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه ، كل ذلك في طلب الحق . وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد . والآن قد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق . عليكـم بدين العجائز ، فإن لـم
يدركني الحق بلطف بره- فأموت على دين العجائز ، وتختم عاقبة أمري عند الرحيل على نزهة أهل الحق وكلمة الإخلاص : لا إلـه إلا الله- فالويل لابن الجويني " .
وأما حجة الإسلام ، أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) الذي ابتدأ البحث في علم الكلام فحصله ، وطالع كتب المحققين من علمائه ، وصنف فيه ما أراد أن يصنف ، فينتهي إلى أن يقول عن هذا العلم : ( وهذا العلم قليل النفع في حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئا أصلا ، فلم يكن الكلام في حقي كافيا ، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيا . . . ) .
وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث ومجالسة أهله ومطالعة " الصحيحين " و بذلك عرف الحق وفاء إليه ، فكـان عاقبة أمره حسنا!
وأما الفيلسوف القاضي ، أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد
(ت 520 هـ) ، وهـو مـن أعلـم النـاس بمـذاهـب الفلاسفـة ومقالاتهم ، فيقول في كتابه " تهافت التهافت) :
( لم يقل أحد من الناس في العلوم الإلـهية قولا يعتد به ، وليس يعصم أحد من الخطأ إلا من عصمه الله تعالى بأمر إلـهي خارج عن طبيعة الإنسان ، وهم الأنبياء ) .
وأما إمام المتكلمين ، فخر الدين الرازي ، الشهير بابن خطيب الري (604 هـ) فيقول في وصيته التي أوصى بها تلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني : ( . . . ولقد اختبرت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية . فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن ، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال لله ، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات ، وما ذلك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العمقية ، والمناهج الخفية . . . ) .
ثم يعلن عزوفه عن علم الكلام ، الذي كتب فيه ما كتب ، فيقول : (وأقول : ديني متابعة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلـم - ، وكتـابـي القرآن العظيـم ، وتعويلي فـي طلب الدين عليهما) . لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلا ، ولا تروي غليلا ، ورأيت أقرب الطرق : طريقة القرآن : اقرأ في الإثبات الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ واقرأ في النفي : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ثم قال : (ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي) .



آثار هذا المنهج وفوائده :
وهذا المنهج في تلقي العقيدة واستلهامها من القرآن والسنة ، مع أنه مقتضى الإيمان بالله ، وبكتابه المنزل وبنبيه المرسل- الذي يبلغ عن ربه تبارك وتعالى- فإننا كذلك نجني منه فوائد كثيرة ، أهمها اثنتان :
1 - أن هذا المنهج هو الذي يعصم عن الوقوع في الخطأ والانحراف والزلل ، وعن الاضطراب في فهم العقيدة ،
ويحفظ علـى الإنسـان جهده ، ويمنـع عقله مـن التبدد والضياع ، ونفسه من الهوى ، لأنه يعود بالأمر كله إلى العليم الحكيم- سبحانه وتعالى- الذي تكفل بالهداية لهذا ا لإنسان .
يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - وهو يتحدث عن خصيصة " الربانية " في التصور الإسلامي : ( . . وهذا التوكيد على مصدر هذا التصور ، هو الذي يعطيه قيمته الأساسية ، وقيمته الكبرى . . فهو مناط الثقة في أنه المبرأ من النقص ، المبرأ من الجهل ، المبرأ من الهوى . . هذه الخصائص المصاحبة لكل عمل بشري ، والتي نراها مجسمة في جميع التصورات التي صاغها البشر ابتداء من وثنيات وفلسفات ، أو التي تدخل فيها البشر من العقائد السماوية السابقة!
وهو كذلك مناط الضمان في أنه التصور الموافق للفطرة الإنسانية ، الملبي لكل جوانبها ، المحقق لكل حاجاتها . ومن ثم فهو التصور الذي يمكن أن ينبثق منه ويقوم عليه أقوم منهج للحياة وأشمله
) .
2 - وهو المنهج الذي يجمع الأمة كلها ، ويوحدها على كلمة واحدة وتصور واحد ، يعصمها من التفرق والشتات ، بما ينشئ فيها من تصورات ثابتة ، وبما يضع لها من موازين

وقيم لا تتأثر بزمان معين ومكان محدد ، وإنما هي الموازين والقيم الثابتة التي تتلقاها من الوحي ، وتتكيف بها وتصبغ حياتها بمقتضاها ، فلا تتوزعها الأهواء ولا الأفكار البشرية الضالة ، التي تتقلب فيها ، لا تستقر على قرار ، لأنها لا تستقر على منهج واحد .
وعندئذ تكون هذه الأمة- حقا- أمة واحدة كما أراد الله تعالى لها :
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون
، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ . فهي الأمة الواحدة : عقيدة وفكرا ومنهجا وسلوكا . وعندئذ تتحقق لها الريادة والشهادة على الأمم الأخرى ، بما تملك من الحق والهدى الذي تتلقاه من الوحي الذي أنزله الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - .

يُتبع








توقيع الشهاب الثاقب

هل الله يُعذب نفسه لنفسههل الله يفتدى بنفسه لنفسههل الله هو الوالد وفى نفس الوقت المولوديعنى ولد نفسه سُبحان الله تعالى عما يقولون ويصفون
راجع الموضوع التالي
طريق الحياة و أدلة ساطعه على عدم الفداء


رد باقتباس