رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
ابن تيمية يبطل التثليث عقلا
بسم الله الرحمن الرحيم ينقل شيخ الإسلام عن النصارى ما يبررون به الثالوث تبريرا عقليا ثم يبطله . وفي ذلك يقول : إن قولهم " أب وابن وروح قدس " وأنها ثلاثة أقانيم ، إنما يعنون به : أن الله شئ حي ناطق . وذلك لأنهم لما رأوا حدوث الأشياء ، علموا أن شيئا غيرها أحدثها ، إذ لا يمكن حدوثها من ذواتها ، لما فيه التضاد والتقلب فقالوا : إنه شئ لا كالأشياء المخلوقة ، إذ هو الخالق لكل شئ ، وذلك لينفوا عنه العدم كما يزعمون . ورأوا أن الأشياء المخلوقة تنقسم قسمين : شئ حي وشئ غير حي ، فوصفوه بأجلهما ، وقالوا : هو شئ حي ، لينفوا عنه الموت . ثم رأوا أن الحي ينقسم إلى قسمين ، حي ناطق وحي غير ناطق ، فوصفوه بأفضل القسمين ، وقالوا : هو شئ حي ناطق : لينفوا عنه الجهل . ثم يقولون : والثلاثة أسماء هي إله واحد ، مسمى واحد ، ورب واحد ، وخالق واحد ، شئ حي ناطق ، أي الذات والنطق والحياة ... والواقع أن هذا التعليل لعقيدة التثليث تعليل باطل – كما يقول ابن تيمية – فليس الأمر كما ادعيتموه أيها النصارى ، فإنكم تقولون : إن هذا القول : " أب وابن وروح قدس " ، فكان أصل قولكم هو ما تذكرونه من أنه تلقى من الشرع المنزل ، لا أنكم أثبتم الحياة والنطق بمعقولكم ، ثم عبرتم عنها بهذه العبارات .. ومعلوم أن الحياة والنطق لا تعقل إلا صفة قائمة بموصوف ، ولا يعلم موصوف بالحياة والنطق إلا وهو مشار إليه ، بل ما هو جسم كالإنسان . ولو كان الأمر كذلك ( أي إثبات وجود الله وحياته ونطقه ) لما احتجتم إلى هذه العبارة " أب وابن وروح قدس " ولا إلى جعل الأقانيم ثلاثة ، بل معلوم عندكم وعند سائر أهل الملل أن الله موجود حي عليم قدير متكلم ، لا تختص صفاته بثلاثة ، ولا يعبرون عن ثلاثة منها بعبارة لا تدل على ذلك ، وهو لفظ الأب والابن وروح القدس ، فإن هذه الألفاظ لا تدل على ما فسرتموها به في لغة أحد من الأمم ، ولا يوجد في كلام أحد من الأنبياء أنه عبر بهذه الألفاظ عما ذكرتموه من المعاني ، بل إثبات ما ادعيتموه من التثليث ومن التعبير عنه بهذه الألفاظ هو مما ابتدعتموه ، لم يدل عليه شرع ولا عقل . وإذا قال النصارى : إنه إحدى الذات ثلاثي الصفات قيل : لو اقتصرتم على قولكم : إنه واحد وله صفات متعددة لم ينكر ذلك عليكم جمهور المسلمين ، بل ينكرون تخصيص الصفات بثلاث . ووصفهم الأقانيم الثلاثة بأنها جوهر واحد ، إنما ينبئ أنها جملة ، وليس هذا مما يذهبون إليه ، ولا يعتقدونه ، ولا يجعلون له معنى ، لأنهم لا يعطون حقيقة التثليث ، فيثبتون الأقانيم الثلاثة متغايرة ، ولا حقيقة التوحيد ، فيثبتون القديم واحد ليس باثنين ولا أكثر من ذلك . وإذا كان ذلك كذلك ، فما قالوه هو شئ لا يعقل ، ولا يصح اعتقاده ، ويمكن أن يعارضوا على قولهم بكل حال . وإذا جاز عندكم أن تكون ثلاثة أقانيم جوهرا واحد ، فلم لا يجوز أن تكون ثلاثة آلهة جوهرا واحدا ، وثلاثة فاعلين جوهرا واحدا ، وثلاثة أغيار جوهرا واحدا ، وثلاثة أشياء جوهرا واحدا ، وثلاثة قادرين جوهرا واحدا ، وكل ثلاثة أشياء جوهرا واحدا ؟ وكل ما يجري هذا المجرى من المعارضة فلا يجدون فصلا . أي هذا الكلام لازم لهم لا ينفصلون عنه . ويقول النصارى : كل من اعتقد أن الثلاثة أقانيم ثلاثة آلهة مختلفة أو متفقة ، أو ثلاثة أشخاص مركبة ، أو غير ذلك مما يقتضي الاشتراك والتكثير ، والتبعيض ، والتشبيه فنحن نلعنه ونكفره . فيرد عليهم ابن تيمية مبينا تناقضهم في ذلك ، فيقول لهم : " وأنتم أيضا تلعنون من قال : إن المسيح ليس هو إله حق من إله حق ، ولا هو مساو الأب في الجوهر ، ومن قال : إنه ليس بخالق ، ومن قال " إنه ليس بجالس عن يمين أبيه ، ومن قال أيضا : إن روح القدس ليس برب حق محيي ومن قال " إنه ليس ثلاثة أقانيم . وتلعنون أيضا مع قولكم : إنه الخالق ، من قال : إنه الأب ، والأب هو الخالق ، فتلعنون من قال : هو الأب الخالق ، ومن قال : ليس هو الخالق ، فتجمعون بين النقيضين " فتلعنون من جرد التوحيد بلا شرك ولا تثليث ، ومن أثبت التثليث مع انفصال كل واحد عن الآخر ، وتجمعون بذلك بين قولين متناقضين : أحدهما حق ، والآخر باطل . وكل قول يتضمن جمع النقيضين ( إثبات الشيء ونفيه ) ، أو رفع النقيضين ( الإثبات والنفي ) فهو باطل . ومن مظاهر تناقضهم أيضا : زعمهم أن كلمة ( ابن الله ) التي يفسرونها بعلمه أو حكمته ، وروح القدس التي يفسرونها بحياته وقدرته ، وأنها صفة له قديمة أزلية ، لم يزل ولا يزال موصوفا بها . ويقولون – مع ذلك – أن الكلمة مولودة منه ، فيجعلون علمه القديم الأزلي متولدا عنه ، ولا يجعلون حياته القديمة الأزلية متولدة عنه ، وقد أصابوا في أنهم لم يجعلوا حياته متولدة عنه ، لكن ظهر بذلك بعض متناقضاتهم وضلالهم ، فإنه إن كانت صفة الموصوف القديمة اللازمة لذاته ، يقال : إنها ابنه وولده ومتولد عنه ، ونحو ذلك . فتكون حياته أيضا ابنه وولده ومتولدا عنه ، وإن لم يكن كذلك ، فلا يكون علمه ابنه ، ولا ولده ، ولا متولدا عنه .. فعلم أن القوم في غاية التناقض في المعاني والألفاظ ، وأنهم مخالفون للكتب الإلهية كلها ، ولما فطر الله عليه عباده من المعقولات ، ومخالفون لجميع لغات الآدميين ، وهذا مما يظهر به فساد تمثيلهم ... ويقول النصارى : الموجود إما جوهر ، وإما عرض ، فالقائم بذاته هو الجوهر ، والقائم بغيره هو العرض . ثم يقولون : إنه مولود حي ناطق ، له حياة ونطق . ويرد عليهم ابن تيمية يقوله : " حياته ونطقه " إما جوهر وإما عرض . وليس جوهراً ، لأن الجوهر ما قام بنفسه . والحياة والنطق لا يقومان بأنفسهما ، بل بغيرهما ، فهما من الأعراض ، فتعين أنه عندهم جوهر تقوم به الأعراض ، مع قولهم : إنه جوهر لا يقبل عرضا . وإن قيل أرادوا بقولهم : " لا يقبل عرضا " ما كان حادثا . قيل : فهذا ينقض تقسيمهم الموجود إلى جوهر وعرض ، فإن المعنى القديم يقوم به ليس جوهرا ،وليس حادثا ، فإن كان عرضا فقد قام به العرض وقبله ، وإن لم يكن عرضا ، بطل التقسيم . فتبين من هذا أنهم يقال لهم : أنتم قلتم " إنه شئ حي ناطق ، وقلتم : هو ثلاثة أقانيم ، وقلتم : المتحد بالمسيح أقنوم الكلمة ، وقلتم في الأمانـة . " نؤمن بإله واحد أب ضابط الكل ، وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد الولود من الأب قبل كل الدهور ، إله حق من إله حق من جوهر أبيه ، مولود غير مخلوق ، مساو للأب في الجوهر . ثم قلتم : أن الرب جوهر لا يقبل عرضا . وقلتم : إن الذي يشغل حيزا أو يقبل عرضا هو الجوهر الكثيف . وأما الجوهر اللطيف فلا يقبل عرضا ولا يشغل حيزا ، مثل : جوهر النفس وجوهر العقل ، وما يجري في هذا المجرى من الجواهر اللطيفة ، وبعد أن صرحتم بأن الرب جوهر لا يقبل عرضا . قلتم " ليس في الوجود شئ إلا وهو إما جوهر ، وإما عرض ، فإن كان قائما بنفسه غير محتاج في وجوده إلى غيره فهو الجوهر ، وإن كان مفتقرا في وجوده إلى غيره لا قوام له بنفسه فهو العرض . فيقال لكم " الابن القديم الأزلي الموجود من جوهر أبيه ، الذي هو مولود غير مخلوق ، الذي تجسد ونزل هل هو جوهر قائم بنفسه أم هو عرض قائم بغيره ؟ فإن قلتم : هو جوهر ، فقد صرحتم بإثبات جوهرين ، الأب جوهر والابن جوهر ، ويكون حينئذ أقنوم الحياة جوهراً ثالثاً ، فهذا تصريح بإثبات ثلاثة جواهر قائمة بأنفسهما . وحينئذ يبطل قولهم : إنه إله واحد ، وإنه إحدى الذات ، ثلاثي الصفات . وإنه واحد بالجوهر ، ثلاثة بالأقنوام ، إذ كنتم قد صرحتم – على هذا التقدير – بإثبات ثلاثة جواهر . وإن قلتم : بل الابن القديم الأزلي ، الذي هو الكلمة التي هي العلم والحكمة ، عرض قائم بجوهر الأب ، ليس جوهرا ثانيا . فقد صرحتم بأن الرب جوهر تقوم به الأعراض ، وقد أنكرتم هذا في كلامكم . قلتم : هو جوهر لا تقوم به الأعراض ، وقلتم : إن من المخلوقات جواهر لا تقوم بها الأعراض ، فالخالق أولى . وهذا تناقض بين ... ويقول ابن تيمية – بيانا لسبب هذا التناقض – : إنهم يلفقون عقيدتهم من مصادر متعددة ، بحيث يبدوا فيها وضوح التضارب والتناقض بين أجزائها فيقول : وسبب ذلك : أنهم ركبوا لهم اعتقاداً ، بعضه من نصوص الأنبياء المحكمة كقولهم : الإله الواحد ، وبعضه من متشابه كلامهم ، كلفظ الابن وروح القدس ، وبعضه من كلام الفلاسفة المشركين المعطلين كقولهم : جوهر لا تقوم به الصفات . فجاءت عقيدتهم ملفقة . منقول للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
ابن تيمية يبطل التثليث عقلا
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
حارس العقيدة
المزيد من مواضيعي
|
رقم المشاركة :2 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
رد: ابن تيمية يبطل التثليث عقلا
بسم الله الرحمن الرحيم بارك الله في شيخنا بن تيمة على هذا التحليل الذكي والواعي . وبارك الله فيك أخي على النقل الطيب أكرمك الله بالدارين اللهم آمين المزيد من مواضيعي
|
رقم المشاركة :3 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
رحم الله شيخ الإسلام لما أراد أن ينقد المسيحية في كتابه الماتع الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لم يجد ما يستحق الرد فجعل رحمه الله يفترض الإفتراضات و يرد عليها فيقول إن قلتم قلنا .... |
رقم المشاركة :4 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
ينقل شيخ الإسلام عن النصارى ما يبررون به الثالوث تبريرا عقليا ثم يبطله . وفي ذلك يقول : إن قولهم " أب وابن وروح قدس " وأنها ثلاثة أقانيم ، إنما يعنون به : أن الله شئ حي ناطق . وذلك لأنهم لما رأوا حدوث الأشياء ، علموا أن شيئا غيرها أحدثها ، إذ لا يمكن حدوثها من ذواتها ، لما فيه التضاد والتقلب فقالوا : إنه شئ لا كالأشياء المخلوقة ، إذ هو الخالق لكل شئ ، وذلك لينفوا عنه العدم كما يزعمون . ورأوا أن الأشياء المخلوقة تنقسم قسمين : شئ حي وشئ غير حي ، فوصفوه بأجلهما ، وقالوا : هو شئ حي ، لينفوا عنه الموت . ثم رأوا أن الحي ينقسم إلى قسمين ، حي ناطق وحي غير ناطق ، فوصفوه بأفضل القسمين ، وقالوا : هو شئ حي ناطق : لينفوا عنه الجهل . ثم يقولون : والثلاثة أسماء هي إله واحد ، مسمى واحد ، ورب واحد ، وخالق واحد ، شئ حي ناطق ، أي الذات والنطق والحياة ... والواقع أن هذا التعليل لعقيدة التثليث تعليل باطل – كما يقول ابن تيمية – فليس الأمر كما ادعيتموه أيها النصارى ، فإنكم تقولون : إن هذا القول : " أب وابن وروح قدس " ، فكان أصل قولكم هو ما تذكرونه من أنه تلقى من الشرع المنزل ، لا أنكم أثبتم الحياة والنطق بمعقولكم ، ثم عبرتم عنها بهذه العبارات .. ومعلوم أن الحياة والنطق لا تعقل إلا صفة قائمة بموصوف ، ولا يعلم موصوف بالحياة والنطق إلا وهو مشار إليه ، بل ما هو جسم كالإنسان . ولو كان الأمر كذلك ( أي إثبات وجود الله وحياته ونطقه ) لما احتجتم إلى هذه العبارة " أب وابن وروح قدس " ولا إلى جعل الأقانيم ثلاثة ، بل معلوم عندكم وعند سائر أهل الملل أن الله موجود حي عليم قدير متكلم ، لا تختص صفاته بثلاثة ، ولا يعبرون عن ثلاثة منها بعبارة لا تدل على ذلك ، وهو لفظ الأب والابن وروح القدس ، فإن هذه الألفاظ لا تدل على ما فسرتموها به في لغة أحد من الأمم ، ولا يوجد في كلام أحد من الأنبياء أنه عبر بهذه الألفاظ عما ذكرتموه من المعاني ، بل إثبات ما ادعيتموه من التثليث ومن التعبير عنه بهذه الألفاظ هو مما ابتدعتموه ، لم يدل عليه شرع ولا عقل . وإذا قال النصارى : إنه إحدى الذات ثلاثي الصفات قيل : لو اقتصرتم على قولكم : إنه واحد وله صفات متعددة لم ينكر ذلك عليكم جمهور المسلمين ، بل ينكرون تخصيص الصفات بثلاث . ووصفهم الأقانيم الثلاثة بأنها جوهر واحد ، إنما ينبئ أنها جملة ، وليس هذا مما يذهبون إليه ، ولا يعتقدونه ، ولا يجعلون له معنى ، لأنهم لا يعطون حقيقة التثليث ، فيثبتون الأقانيم الثلاثة متغايرة ، ولا حقيقة التوحيد ، فيثبتون القديم واحد ليس باثنين ولا أكثر من ذلك . وإذا كان ذلك كذلك ، فما قالوه هو شئ لا يعقل ، ولا يصح اعتقاده ، ويمكن أن يعارضوا على قولهم بكل حال . وإذا جاز عندكم أن تكون ثلاثة أقانيم جوهرا واحد ، فلم لا يجوز أن تكون ثلاثة آلهة جوهرا واحدا ، وثلاثة فاعلين جوهرا واحدا ، وثلاثة أغيار جوهرا واحدا ، وثلاثة أشياء جوهرا واحدا ، وثلاثة قادرين جوهرا واحدا ، وكل ثلاثة أشياء جوهرا واحدا ؟ وكل ما يجري هذا المجرى من المعارضة فلا يجدون فصلا . أي هذا الكلام لازم لهم لا ينفصلون عنه . ويقول النصارى : كل من اعتقد أن الثلاثة أقانيم ثلاثة آلهة مختلفة أو متفقة ، أو ثلاثة أشخاص مركبة ، أو غير ذلك مما يقتضي الاشتراك والتكثير ، والتبعيض ، والتشبيه فنحن نلعنه ونكفره . فيرد عليهم ابن تيمية مبينا تناقضهم في ذلك ، فيقول لهم : " وأنتم أيضا تلعنون من قال : إن المسيح ليس هو إله حق من إله حق ، ولا هو مساو الأب في الجوهر ، ومن قال : إنه ليس بخالق ، ومن قال " إنه ليس بجالس عن يمين أبيه ، ومن قال أيضا : إن روح القدس ليس برب حق محيي ومن قال " إنه ليس ثلاثة أقانيم . وتلعنون أيضا مع قولكم : إنه الخالق ، من قال : إنه الأب ، والأب هو الخالق ، فتلعنون من قال : هو الأب الخالق ، ومن قال : ليس هو الخالق ، فتجمعون بين النقيضين " فتلعنون من جرد التوحيد بلا شرك ولا تثليث ، ومن أثبت التثليث مع انفصال كل واحد عن الآخر ، وتجمعون بذلك بين قولين متناقضين : أحدهما حق ، والآخر باطل . وكل قول يتضمن جمع النقيضين ( إثبات الشيء ونفيه ) ، أو رفع النقيضين ( الإثبات والنفي ) فهو باطل . ومن مظاهر تناقضهم أيضا : زعمهم أن كلمة ( ابن الله ) التي يفسرونها بعلمه أو حكمته ، وروح القدس التي يفسرونها بحياته وقدرته ، وأنها صفة له قديمة أزلية ، لم يزل ولا يزال موصوفا بها . ويقولون – مع ذلك – أن الكلمة مولودة منه ، فيجعلون علمه القديم الأزلي متولدا عنه ، ولا يجعلون حياته القديمة الأزلية متولدة عنه ، وقد أصابوا في أنهم لم يجعلوا حياته متولدة عنه ، لكن ظهر بذلك بعض متناقضاتهم وضلالهم ، فإنه إن كانت صفة الموصوف القديمة اللازمة لذاته ، يقال : إنها ابنه وولده ومتولد عنه ، ونحو ذلك . فتكون حياته أيضا ابنه وولده ومتولدا عنه ، وإن لم يكن كذلك ، فلا يكون علمه ابنه ، ولا ولده ، ولا متولدا عنه .. فعلم أن القوم في غاية التناقض في المعاني والألفاظ ، وأنهم مخالفون للكتب الإلهية كلها ، ولما فطر الله عليه عباده من المعقولات ، ومخالفون لجميع لغات الآدميين ، وهذا مما يظهر به فساد تمثيلهم ... ويقول النصارى : الموجود إما جوهر ، وإما عرض ، فالقائم بذاته هو الجوهر ، والقائم بغيره هو العرض . ثم يقولون : إنه مولود حي ناطق ، له حياة ونطق . ويرد عليهم ابن تيمية يقوله : " حياته ونطقه " إما جوهر وإما عرض . وليس جوهراً ، لأن الجوهر ما قام بنفسه . والحياة والنطق لا يقومان بأنفسهما ، بل بغيرهما ، فهما من الأعراض ، فتعين أنه عندهم جوهر تقوم به الأعراض ، مع قولهم : إنه جوهر لا يقبل عرضا . وإن قيل أرادوا بقولهم : " لا يقبل عرضا " ما كان حادثا . قيل : فهذا ينقض تقسيمهم الموجود إلى جوهر وعرض ، فإن المعنى القديم يقوم به ليس جوهرا ،وليس حادثا ، فإن كان عرضا فقد قام به العرض وقبله ، وإن لم يكن عرضا ، بطل التقسيم . فتبين من هذا أنهم يقال لهم : أنتم قلتم " إنه شئ حي ناطق ، وقلتم : هو ثلاثة أقانيم ، وقلتم : المتحد بالمسيح أقنوم الكلمة ، وقلتم في الأمانـة . " نؤمن بإله واحد أب ضابط الكل ، وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد الولود من الأب قبل كل الدهور ، إله حق من إله حق من جوهر أبيه ، مولود غير مخلوق ، مساو للأب في الجوهر . ثم قلتم : أن الرب جوهر لا يقبل عرضا . وقلتم : إن الذي يشغل حيزا أو يقبل عرضا هو الجوهر الكثيف . وأما الجوهر اللطيف فلا يقبل عرضا ولا يشغل حيزا ، مثل : جوهر النفس وجوهر العقل ، وما يجري في هذا المجرى من الجواهر اللطيفة ، وبعد أن صرحتم بأن الرب جوهر لا يقبل عرضا . قلتم " ليس في الوجود شئ إلا وهو إما جوهر ، وإما عرض ، فإن كان قائما بنفسه غير محتاج في وجوده إلى غيره فهو الجوهر ، وإن كان مفتقرا في وجوده إلى غيره لا قوام له بنفسه فهو العرض . فيقال لكم " الابن القديم الأزلي الموجود من جوهر أبيه ، الذي هو مولود غير مخلوق ، الذي تجسد ونزل هل هو جوهر قائم بنفسه أم هو عرض قائم بغيره ؟ فإن قلتم : هو جوهر ، فقد صرحتم بإثبات جوهرين ، الأب جوهر والابن جوهر ، ويكون حينئذ أقنوم الحياة جوهراً ثالثاً ، فهذا تصريح بإثبات ثلاثة جواهر قائمة بأنفسهما . وحينئذ يبطل قولهم : إنه إله واحد ، وإنه إحدى الذات ، ثلاثي الصفات . وإنه واحد بالجوهر ، ثلاثة بالأقنوام ، إذ كنتم قد صرحتم – على هذا التقدير – بإثبات ثلاثة جواهر . وإن قلتم : بل الابن القديم الأزلي ، الذي هو الكلمة التي هي العلم والحكمة ، عرض قائم بجوهر الأب ، ليس جوهرا ثانيا . فقد صرحتم بأن الرب جوهر تقوم به الأعراض ، وقد أنكرتم هذا في كلامكم . قلتم : هو جوهر لا تقوم به الأعراض ، وقلتم : إن من المخلوقات جواهر لا تقوم بها الأعراض ، فالخالق أولى . وهذا تناقض بين ... ويقول ابن تيمية – بيانا لسبب هذا التناقض – : إنهم يلفقون عقيدتهم من مصادر متعددة ، بحيث يبدوا فيها وضوح التضارب والتناقض بين أجزائها فيقول : وسبب ذلك : أنهم ركبوا لهم اعتقاداً ، بعضه من نصوص الأنبياء المحكمة كقولهم : الإله الواحد ، وبعضه من متشابه كلامهم ، كلفظ الابن وروح القدس ، وبعضه من كلام الفلاسفة المشركين المعطلين كقولهم : جوهر لا تقوم به الصفات . فجاءت عقيدتهم ملفقة . يقول الله تعالى: [فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ] (غافر: 44 ). رحم الله شيخ الإسلام رحمه الله شيخنا بن تيمة المزيد من مواضيعي
|
رقم المشاركة :5 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
بسم الله الرحمن الرحيم رحم الله الشيخ الإمام تقى الدين ابن تيمية فكان حقا موسوعة كبرى لا نجد لها مثيلا ولن نجد . المزيد من مواضيعي
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
التثليث, تيمية, يبطل, عقلا |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|