![]() |
|
أدوات الموضوع | أنواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة :3 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() الشـروع في تفسير سـورة الاحـزاب
افتتح الله السورة بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: 1]، وذكر فى أثنائها قوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:47، 48]، ثم قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 2، 3]. فأمره باتباع ما أوحى إليه من الكتاب والحكمة ـ التى هى سنته ـ وبأن يتوكل على الله. فبالأولى يحقق قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، وبالثانية يحقق قوله: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. ومثل ذلك قوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123]، وقوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10]. وهذا وإن كان مأمورا به فى جميع الدين، فإن ذلك فى الجهاد أوكد؛ لأنه يحتاج إلى أن يجاهد الكفار والمنافقين، وذلك لا يتم إلا بتأييد قوى من الله؛ ولهذا كان الجهاد سنام العمل، وانتظم سنام جميع الأحوال الشريفة. ففيه سنام المحبة، كما فى قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} [المائدة: 54]. وفيه سنام التوكل، وسنام الصبر، فإن المجاهد أحوج الناس إلى الصبر والتوكل؛ولهذا قال تعالى:{وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 41، 42]، {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]. ولهذا كان الصبر واليقين ـ اللذان هما أصل التوكل ـ يوجبان الإمامة فى الـدين، كمـا دل عليه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]. ولهذا كان الجهاد موجبًا للهداية التى هى محيطة بأبواب العلم، كما دل عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]. فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس فى شىء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر، فإن الحق معهم؛ لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وفى الجهاد أيضا:حقيقة الزهد فى الحياة الدنيا، وفى الدار الدنيا. وفيه أيضا: حقيقة الإخلاص؛ فإن الكلام فيمن جاهد فى سبيل الله، لا فى سبيل الرياسة، ولا فى سبيل المال، ولا فى سبيل الحمية، وهذا لا يكون إلا لمن قاتل ليكون الدين كله لله، ولتكون كلمة الله هى العليا. وأعظم مراتب الإخلاص تسليم النفس والمال للمعبود، كما قال /تعالى:{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111]. و{الجَنَّةَ} اسم للدار التى حوت كل نعيم. أعلاه النظر إلى الله، إلى ما دون ذلك مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، مما قد نعرفه وقد لا نعرفه، كما قال الله ـ تعالى ـ فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: (أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). فقد تبين بعض أسباب افتتاح هذه السورة بهذا. ثم إنه ـ تعالى ـ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9]. وكان مختصر القصة: أن المسلمين تحزب عليهم عامة المشركين الذين حولهم، وجاؤوا بجموعهم إلى المدينة ليستأصلوا المؤمنين، فاجتمعت قريش وحلفاؤها من بنى أسد، وأشجع، وفزارة، وغيرهم من قبائل نجد. واجتمعت ـ أيضا ـ اليهود، من قريظة، والنضير. فإن بنى النضير كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أجلاهم قبل ذلك، كما ذكره الله ـ تعالى ـ فى [سورة الحشر]. فجاؤوا فى الأحزاب إلى قريظة وهم معاهدون للنبى صلى الله عليه وسلم، ومجاورون له، قريبًا من /المدينة، فلم يزالوا بهم حتى نقضت قريظة العهد، ودخلوا فى الأحزاب. فاجتمعت هذه الأحزاب العظيمة، وهم بقدر المسلمين مرات متعددة. فرفع النبى صلى الله عليه وسلم الذرية من النساء والصبيان فى آطام المدينة، وهى مثل الجواسق، ولم ينقلهم إلى مواضع أخر. وجعل ظهرهم إلى سلع ـ وهو الجبل القريب من المدينة من ناحية الغرب والشام ـ وجعل بينه وبين العدو خندقا. والعدو قد أحاط بهم من العالية والسافلة. وكان عدوا شديد العداوة، لو تمكن من المؤمنين لكانت نكايته فيهم أعظم النكايات. وفى هذه الحادثة - يعني غـزو التتار- تحزب هذا العدو من مغل وغيرهم من أنواع الترك، ومن فرس ومستعربة، ونحوهم من أجناس المرتدة، ومن نصارى الأرمن وغيرهم. ونزل هذا العدو بجانب ديار المسلمين، وهو بين الإقدام والإحجام، مع قلة من بإزائهم من المسلمين. ومقصودهم الاستيلاء على الدار، واصطلام أهلها. كما نزل أولئك بنواحى المدينة بإزاء المسلمين. ودام الحصار على المسلمين عام الخندق ـ على ما قيل: بضعا وعشرين ليلة. وقيل: عشرين ليلة. وهذا العدو عبر الفرات سابع عشر ربيع الآخر، وكان أول /انصرافه راجعا عن حلب لما رجع مقدمهم الكبير قازان بمن معه؛ يوم الاثنين حادى أو ثانى عشر جمادى الأولى، يوم دخل العسكر ـ عسكر المسلمين ـ إلى مصر المحروسة. واجتمع بهم الداعى، وخاطبهم فى هذه القضية. وكان الله ـ سبحانه وتعالى ـ لما ألقى فى قلوب المؤمنين ما ألقى من الاهتمام والعزم: ألقى الله فى قلوب عدوهم الروع والانصراف. وكان عام الخندق برد شديد، وريح شديدة منكرة، بها صرف الله الأحزاب عن المدينة، كما قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]. وهكذا هذا العام- يعني عام حاصر التتار- أكثر الله فيه الثلج والمطر والبرد ـ على خلاف أكثر العادات ـ حتى كره أكثر الناس ذلك. وكنا نقول لهم: لا تكرهوا ذلك؛ فإن لله فيه حكمة ورحمة. وكان ذلك من أعظم الأسباب التى صرف الله به العدو؛ فإنه كثر عليهم الثلج والمطر والبرد، حتى هلك من خيلهم ما شاء الله. وهلك ـ أيضًا ـ منهم من شاء الله. وظهر فيهم وفى بقية خيلهم من الضعف والعجز بسبب البرد والجوع ما رأوا أنهم لا طاقة لهم معه بقتال، حتى بلغنى عن بعض كبار المقدمين فى أرض الشام أنه قال: لا بيض الله وجوهنا، أعدونا فى الثلج إلى شعره، ونحن قعود لا نأخذهم؟ وحتى علموا أنهم كانوا صيدًا للمسلمين، لو يصطادونهم، لكن فى تأخير الله اصطيادهم حكمة عظيمة. /وقال الله فى شأن الأحزاب:{إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10، 11]. وهكذا هذا العام. جاء العدو من ناحيتى علو الشام ـ وهو شمال الفرات ـ وهو قبلى الفرات ـ فزاغت الأبصار زيغًا عظيمًا، وبلغت القلوب الحناجر؛ لعظم البلاء، لا سيما لما استفاض الخبر بانصراف العسكر إلى مصر، وتقرب العدو، وتوجهه إلى دمشق. وظن الناس بالله الظنونا. هذا يظن أنه لا يقف قدامهم أحد من جند الشام، حتى يصطلموا أهل الشام. وهذا يظن أنهم لو وقفوا لكسروهم كسرة، وأحاطوا بهم إحاطة الهالة بالقمر. وهذا يظن أن أرض الشام ما بقيت تسكن، ولا بقيت تكون تحت مملكة الإسلام. وهذا يظن أنهم يأخذونها، ثم يذهبون إلى مصر فيستولون عليها، فلا يقف قدامهم أحد، فيحدث نفسه بالفرار إلى اليمن، ونحوها. وهذا ـ إذا أحسن ظنه ـ قال: إنهم يملكونها العام، كما ملكوها عام هولاكو، سنة سبع وخمسين. ثم قد يخرج العسكر من مصر فيستنقذها منهم، كما خرج ذلك العام. وهذا ظن خيارهم. وهذا يظن أن ما أخبره به أهل الآثار النبوية، وأهل التحديث والمبشـرات أمانى كاذبة، وخرافات لاغية. وهذا قد استولى عليه الرعب والفزع، حتى يمر الظن بفؤاده مر السحاب، ليس له عقل /يتفهم، ولا لسان يتكلم. وهذا قد تعارضت عنده الأمارات، وتقابلـت عنده الإرادات، لا سيما وهو لا يفرق من المبشرات بين الصادق والكاذب. ولا يميز فى التحديث بين المخطئ والصائب. ولا يعرف النصوص الأثرية معرفة العلماء، بل إما أن يكون جاهلاً بها وقد سمعها سماع العبر، ثم قد لا يتفطن لوجوه دلالتها الخفية، ولا يهتدى لدفع ما يتخيل أنه معارض لها فى بادئ الروية. فلذلك استولت الحيرة على من كان متسمًا بالاهتداء، وتراجمت به الآراء تراجم الصبيان بالحصباء، {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11]. ابتلاهم الله بهذا الابتلاء، الذى يكفر به خطيآتهم، ويرفع به درجاتهم، وزلزلوا بما يحصل لهم من الرجفات، ما استوجبوا به أعلى الدرجات. قال الله تعالى:{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]. وهكذا قالوا فى هذه الفتنة فيما وعدهم أهل الوراثة النبوية، والخلافة الرسالية، وحزب الله المحدثون عنه. حتى حصل لهؤلاء التأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. فأما المنافقون فقد مضى التنبيه عليهم. /وأما الذين فى قلوبهم مرض، فقد تكرر ذكرهم فى هذه السورة، فذكروا هنا، وفى قوله: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} [الأحزاب: 60]، وفى قوله: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]. وذكر الله مرض القلب فى مواضع، فقال تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ} [الأنفال: 49]. والمرض فى القلب كالمرض فى الجسد، فكما أن هذا هو إحالة عن الصحة والاعتدال من غير موت، فكذلك قد يكون فى القلب مرض يحيله عن الصحة والاعتدال، من غير أن يموت القلب، سواء أفسد إحساس القلب وإدراكه، أو أفسد عمله وحركته. وذلك ـ كما فسروه ـ هو من ضعف الإيمان، إما بضعف علم القلب واعتقاده، وإما بضعف عمله وحركته. فيدخل فيه من ضعف تصديقه، ومن غلب عليه الجبن والفزع؛ فإن أدواء القلب من الشهوة المحرمة والحسد والجبن والبخل وغير ذلك، كلها أمراض. وكذلك الجهل والشكوك والشبهات التى فيه. وعلى هذا فقوله: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] هو إرادة الفجور، وشهوة الزنا، كما فسروه به. ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم:/(وأى داء أدوأ من البخل؟!). وقد جعل الله ـ تعالى ـ كتابه شفاء لما فى الصدور، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: (إنما شفاء العِىِّ السؤال). وكان يقول فى دعائه: (اللهم إنى أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء). ولن يخاف الرجل غير الله إلا لمرض فى قلبه، كما ذكروا أن رجلاً شكا إلى أحمد بن حنبل خوفه من بعض الولاة، فقال: لو صححت لم تخف أحدًا. أى: خوفك من أجل زوال الصحة من قلبك؛ ولهذا أوجب الله على عباده ألا يخافوا حزب الشيطان، بل لا يخافون غيره ـ تعالى ـ فقال: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] أى: يخوفكم أولياءه. وقال لعموم بنى إسرائيل تنبيهًا لنا: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40]. وقال: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]. وقال: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [البقرة: 150]. وقال تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 3]. وقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ} [التوبة: 18]. وقال: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: 39]. وقال: {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} [التوبة: 13]. فدلت هذه الآية ـ وهى قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [الأحزاب: 12] ـ على أن المرض والنفاق فى القلب يوجب الريب فى الأنباء الصادقة التى توجب أمن الإنسان من الخوف،حتى يظنوا أنها كانت غرورًا لهم، كما وقع فى حادثتنا هذه سواء. ثم قال تعالى: {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13]، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد عسكر بالمسلمين عند سَلْع، وجعل الخندق بينه وبين العدو. فقالت طائفة منهم: لا مقام لكم هنا؛ لكثرة العدو، فارجعوا إلى المدينة. وقيل: لا مقام لكم على دين محمد، فارجعوا إلى دين الشرك. وقيل: لا مقام لكم على القتال، فارجعوا إلى الاستئمان والاستجارة بهم. وهكذا لما قدم هذا العدو كان من المنافقين من قال: ما بقيت الدولة الإسلامية تقوم، فينبغى الدخول فى دولة التتار. وقال بعض الخاصة: ما بقيت أرض الشام تسكن، بل ننتقل عنها، إما إلى الحجاز واليمن، وإما إلى مصر. وقال بعضهم: بل المصلحة الاستسلام لهؤلاء، كما قد /استسلم لهم أهل العراق، والدخول تحت حكمهم. فهذه المقالات الثلاث قد قيلت فى هذه النازلة. كما قيلت فى تلك. وهكذا قال طائفة من المنافقين، والذين فى قلوبهم مرض، لأهل دمشق خاصة والشام عامة: لا مقام لكم بهذه الأرض. ونفى المقام بها أبلغ من نفى المقام. وإن كانت قد قرئت بالضم أيضًا. فإن من لم يقدر أن يقوم بالمكان، فكيف يقيم به؟! قال الله تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13]. وكان قوم من هؤلاء المذمومين يقولون ـ والناس مع النبى صلى الله عليه وسلم عند سَلْع داخل الخندق، والنساء والصبيان فى آطام المدينة: يا رسول الله، إن بيوتنا عورة، أى: مكشوفة ليس بينها وبين العدو حائل ـ وأصل العورة: الخالى الذى يحتاج إلى حفظ وستر. يقال: اعور مجلسك إذا ذهب ستره، أو سقط جداره. ومنه عورة العدو. وقال مجاهد والحسن: أى ضائعة تخشى عليها السراق. وقال قتادة: قالوا: بيوتنا مما يلى العدو، فلا نأمن على أهلنا، فائذن لنا أن /نذهب إليها؛لحفظ النساء والصبيان. قال الله تعالى:{وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ}؛ لأن الله يحفظها {إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} فهم يقصدون الفرار من الجهاد، ويحتجون بحجة العائلة. وهكذا أصاب كثيرًا من الناس فى هذه الغزاة. صاروا يفرون من الثغر إلى المعاقل والحصون، وإلى الأماكن البعيدة، كمصر، ويقولون: ما مقصودنا إلا حفظ العيال، وما يمكن إرسالهم مع غيرنا، وهم يكذبون فى ذلك، فقد كان يمكنهم جعلهم فى حصن دمشق، لو دنا العدو، كما فعل المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقـد كان يمكنهم إرسالهم والمقام للجهاد، فكيف بمن فر بعد إرسال عياله؟ قال الله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} [الأحزاب: 14]، فأخبر أنه لو دخلت عليهم المدينة من جوانبها ثم طلبت منهم الفتنة ـ وهى الافتتان عن الدين بالكفر، أو النفاق لأعطوا الفتنة، ولجاؤوها من غير توقف. وهذه حال أقوام لو دخل عليهم هذا العدو المنافق المجرم. ثم طلب منهم موافقته على ما هو عليه من الخروج عن شريعة الإسلام ـ وتلك فتنة عظيمة ـ لكانوا معه على ذلك. كما ساعدهم فى العام الماضى أقوام بأنواع من الفتنـة فى الدين والدنيـا، ما بين ترك واجبات، وفعل محرمات، إما فى حق الله، وإما فى حق العباد. كترك الصلاة، وشرب /الخمور، وسب السلف، وسب جنود المسلمين، والتجسس لهم على المسلمين، ودلالتهم على أموال المسلمين، وحريمهم. وأخذ أموال الناس، وتعذيبهم، وتقوية دولتهم الملعونة، وإرجاف قلوب المسلمين منهم، إلى غير ذلك من أنواع الفتنة. ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا} [الأحزاب: 15]، وهذه حال أقوام عاهدوا ثم نكثوا ـ قديمًا وحديثًا ـ فى هذه الغزوة. فإن فى العام الماضى، وفى هذا العام ـ فى أول الأمر ـ كان من أصناف الناس من عاهد على أن يقاتل ولا يفر، ثم فر منهزمًا، لما اشتد الأمر. المزيد من مواضيعي
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
لبلاد, أباء, الله, المسلمين, الاسلام, التتري, الغزو, تيمية, رحمه, رسالة, علوم |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
كيف نكون دعاه الى الله في بلاد غير المسلمين | abod_2008_2 | قسم الدعوة والدورات والمشاريع الدعوية | 9 | 15.08.2013 02:30 |
أسس وضوابط في علاقة المسلمين بغير المسلمين | نور عمر | دعم المسلمين الجدد | 4 | 26.12.2011 02:30 |
هل ساعد الأقباط المسلمين في فتح مصر ؟؟من كتابات غير المسلمين | أسد هادئ | رد الشبـهـات الـعـامـــة | 23 | 10.08.2011 14:48 |
قدم العالم وتسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة | موحد لله | كتب إسلامية | 8 | 22.09.2010 07:00 |
رسالة تبحث في مسائل الحجاب والسفور سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله | نور اليقين | العقيدة و الفقه | 1 | 23.02.2010 23:49 |