|
رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() عهد جديد جلس على مكتبه الأنيق، أمسك بالقلم الذي أمامه، توقف به فوق أول سطر من سطور الورقة البيضاء، أخذ يفتش في ذهنه عن عبارة جديدة يبدأ بها كتابةَ الفصل الأخير من روايته الجديدة، فجأةً انتزع الورقة في قوة، اعتصرها بأصابعه، ثم ألقى بها في سلة المهملات القابعة بجوار مكتبه. اتَّكَأ بظهره على مقعده، شَبَّك أصابعه في ضيقٍ، أخرج أنفاسًا عالية، حدَّث نفسه قائلاً: "هذه المرة الأولى التي لا أجد فيها رغبة في الكتابة". نهض من مكانه متثاقلَ الخطوات، أعدَّ لنفسه كوبًا من الشاي، ارتشف منه رشفات سريعة، ثم وضعه أمامَه، أمسك بالقلم ثانية، توقَّف به على أول سطور الورقة، لكنَّه سُرعان ما ألقى به في ضيق، وهو يقول: غريبٌ أمر هذه الرواية، كأنَّها لا تريد أنْ تكتمل! نَهض من على المقعد، ألقى بجسده على السرير، ظل مثبت النَّظَرات على ضوء المصباح المرتعش، الذي يتوسط الحجرة، حتى غرقت عيناه في النوم، فجأةً ظهر له قلمه أمامه، وهو يهتزُّ فوق سطور الورقة الفارغة. ثُمَّ صرخ فيه قائلاً: لقد عصيتك هذه المرة، دهش للوهلة الأولى من منظر القلم وهو يهتز ساخرًا منه، حدث نفسه في دهشة : قلمي يتكلم! القلم ساخرًا: نعم أتكلم، فأنا صوتُ ضميرك الذي طمسته منذ سنوات، وأنت تُسخِّر مِدادي في كتابة روايتك التي أعْلَت من الرذيلة، وسَخِرَتْ من آلام الناس، الذين صورتهم كحيواناتٍ لا همَّ لهم إلاَّ اللُّهاث وراء غرائزهم، لقد مَلِلْتُ كتابةَ رِوَايتك هذه التي تَعِجُّ بالرذائل، ثم يسقط أصحابها في بحور الضَّيَاع. تلعثم الكاتب ثم همهم قائلاً: ولكنني أصور الواقع، وهذا ما يَجري. داخلَه القلم : أيُّ واقعٍ هذا الذي يُعلي من الشر على حساب الخير؟! أيُّ واقع هذا الذي ليس به طاقةُ نورٍ تُضاء في وجوه البائسين؟! أي واقع هذا الذي ليس به براقةُ أَمَل يتشبَّث بها المحرومون؟! تأمَّل رحلةَ عمرِك الطويلة، وأنت تكتبُ روايتَك هذه بِحُجَّة تجسيد الواقع، وإبراز السلبيَّات، فلا أجد فيها إلا أناسًا يعبُّون من الملذات، ثم يسقطون في بحور الضياع. وفجأةً هب الكاتب من نومه مذعورًا، أخذ يَمسح بأصابعَ مرتعشةٍ حبات العرق التي أخذ جبينه ينضحُها في غزارة، تناولَ كوبَ الماء الموضوع بجواره وأفرغه في جوفه، ألقى نظرة على مكتبه، وجد قلمه مستكينًا فوق الورقة، حدث نفسه قائلاً: أيُّ حُلم هذا الذي داهمني في هذه الليلة؟! اتَّجه ناحية مكتبته، أخرج رواياته، أمسك بروايته الأولى، حدَّق في غلافها، ثم قال مستنكرًا: كيف سمحت لهذا الرسَّام أن يرسم هذه الصورة العارية على غلافها؟! ثم ألقى بها في اشمئزاز. تناول رواية ثانيةً ظلَّ يقلب صفحاتِها، تعلقت حدقتاه ببعضِ سُطُورها، هتف ساخرًا من نفسه: كيف وصفت عَوْرَات الناس بهذه الصورة الجارحة؟! أمْسَك روايةً ثالثة، قال مؤنبًا نفسه: كيف أغلقتُ أبوابَ الخير في وجه هذه الفتاة، وجعلتها تسبحُ في بُحُور الضياع، وبدلاً من أن أفتحَ أمامَها طريق التوبة والرجوع إلى الله جعلتها تُنهي حياتَها بالانتحار؟! وهذه الرواية، وهذه، حتى روايتي الأخيرة تسير في هذا الطريق المظلم نفسه. اعتصر رأسه براحتيه، ثم صرخ قائلاً: ماذا كنت أخط بقلمي طوالَ هذه السنوات؟! لقد أضعت عُمري في تزيين الرذائل، بحُجة أنَّني أجسِّد الواقع، وأبرز السلبِيَّات، ونسيت أنَّ هناك الكثير من الفضائل والإيجابِيَّات التي تجاهلتها، وغفلت عنها، وكان يَجب عليَّ أن أقدمها للنَّاس. صَمَتَ لَحَظاتٍ، ثم أخذ يقول: عليَّ أن أبدأ من الآن في تغيير مسار كتاباتي، اتَّجه ناحية مكتبه، أمسك بأوراق روايته الأخيرة، انهال عليها تمزيقًا، ثم ألقى بها في سلة المهملات، نظر إلى قلمه الساكن فوق مكتبه، احتضنه في حنان شديد، وهو يقول : من الآن يا قلمي الحبيب، سأبدأ معك عهدًا جديدًا. ![]() إنَّ الالتزام يتماشى مع سُنَّة الله في الكون؛ ومن ذلك الكلمة؛ فهي أمانةٌ ومسؤوليةٌ؛ بل هي أعظمُ مِنَّةٍ امْتَنَّ الله بها على الإنسان؛ {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1-4]. ولابدَّ للأدب الذي مادَّتُه الكلمةُ أن يكونَ – ككلِّ ما خلق اللهُ – ذا هدفٍ؛ إنَّه ابنُ الحياة، وعليه خدمتُها؛ وذلك بمعالجة مشكلاتها، أو محاولةِ تجميلِها، أو تقديمِ تفسيرٍ لها، أو الكشفِ عن أسرارِها، أو إيضاحِ الغَرَضِ منها، أو بيانِ الحقِّ والباطلِ فيها، وهو بذلك كلِّه يُعينُ الإنسان على العَيْش فيها، ويكون له هادياً في طريقها اللاحب البعيد. إنَّ كلَّ أديب "مُلتزِم" هو أديبٌ حرٌّ شريفٌ، وإنَّ كلَّ أديب "مُلْزَم" هو أديبٌ "مُسَيَّس" مستعْبَد، مَبِيعٌ أو مُشْترًى، وشتَّان ما بينهما. الالتزام ليس قَيْداً كما يدَّعي أعداؤه؛ بل هو الحريةُ عينُها، ولكنَّها الحريةُ الواعية المسؤولة، الحريةُ التي تَحمِلُ رسالةً تُريدُ إبلاغَها، وليست الحريةَ الزَّائفةَ المنطلقةَ على غير هدى. منقول للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
يا مسلم ... إقرأ ... واعتبر ...
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
pharmacist
المزيد من مواضيعي
|
![]() |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
مسلم, مقره, واعتبر |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 2 ( 0من الأعضاء 2 من الزوار ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
كيف ولماذا يتنصر مسلم ... و لماذا مسلم عرضة للتنصير أكثر من آخر | د/مسلمة | كشف أكاذيب المنصرين و المواقع التنصيرية | 6 | 29.05.2017 14:24 |
مسرحية يوميات مسلم | راجية الاجابة من القيوم | أقسام اللغة العربية و فنون الأدب | 17 | 20.08.2010 23:21 |
كيف أسلم هؤلاء؟ | hanooda | ركن المسلمين الجدد | 1 | 16.07.2010 20:37 |
لقاء مع مسلم جديد | نور اليقين | ركن المسلمين الجدد | 2 | 01.06.2010 09:03 |
مذكرة اعتقال لقس حوّل مقره لـ"سجن للمتعة" للإغتصاب الأطفال | Ahmed_Negm | غرائب و ثمار النصرانية | 0 | 22.05.2010 23:02 |