|
رقم المشاركة :1 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() ثالثًا: الحرية : جعل الإسلام "الحرية" حقا" من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، وحين يفقد المرء حريته، يموت داخليا"، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض. ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن "الحرية" أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها قال تعالى: ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي )) فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه فيما سواه وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضيا" غير مجبر، مختارا" غير مكره. 1/ مفهوم الحرية: يقصد بالحرية: قدرة الإنسان على فعل الشيء أوتركه بإرادته الذاتية وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله ،بعيدا" عن سيطرة الآخرينلأنه ليس مملوكا" لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته. هل "الحرية" تعني الإطلاق من كل قيد ؟ لا يعني بطبيعة الحال ، إقرار الإسلام للحرية ، أنه أطلقها من كل قيد وضابط ، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى ، التي يثيرها الهوى والشهوة ، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه ، ولذلك منع من اتباعه ، والإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه ، يعيش بين كثير من بني جنسه ، فلم يقر لأحد بحرية دون آخر ، ولكنه أعطى كل واحد منهم حريته كيفما كان ، سواء كان فردا" أو جماعة" ، ولذلك وضع قيودا" ضرورية" ، تضمن حرية الجميع ، وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي : أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه ب- ألا تفوت حقوقا أعم منها،وذلك بالنظر إلى قيمتهافي ذاتها ورتبتها ونتائجها ج - ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة ،كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد ،ولكنه وازن بينهما ،فأعطى كلا" منهما حقه. 2/ أنواع الحرية : - الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية - الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية الصنف الأول : الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية ، وهذا الصنف يشمل الآتي: أ - الحرية الشخصية: والمقصود بها : أن يكون الإنسان قادرا" على التصرف في شئون نفسه ، وفي كل ما يتعلق بذاته ، آمنا من الاعتداء عليه ، في نفسه وعرضه وماله ، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره. والحرية الشخصية تتضمن شيئين: 1/ حرمة الذات ، وقد عنى الإسلام بتقرير كرامة الإنسان ، وعلو منزلته. فأوصى باحترامه وعدم امتهانه واحتقاره ، قال تعالى: ((ولقد كرمنا بني آدم)) ، وقال تعالى: ((وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)) وميزه بالعقل والتفكير تكريما" له وتعظيما" لشأنه ، وتفضيلا" له على سائر مخلوقاته ، وفي الحديث عن عائشة – رضي الله عنها – مرفوعا" : " أول ما خلق الله العقل قال له اقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا" أكرم علي منك ، بك آخذ ، وبك أعطي ، وبك أثيب ، وبك أعاقب" وفي هذه النصوص ما يدعو إلى احترام الإنسان ، وتكريم ذاته ، والحرص على تقدير مشاعره ، وبذلك يضع الإسلام الإنسان ، في أعلى منزلة ، وأسمى مكان ، حتى أنه يعتبر الاعتداء عليه ، اعتداء على المجتمع كله ، والرعاية له رعاية للمجتمع كله ، وقال تعالى : ((من اجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)) وتقرير الكرامة الإنسانية للفرد، يتحقق أيا كان الشخص، رجلا أو امراة، حاكما أو محكوما، فهو حق ثابت لكل إنسان، من غير نظر إلى لون أو جنس أو دين. حتى اللقيط في الطرقات و نحوها ،يجب التقاطه احتراما لذاته و شخصيته ، فإذا رآه أحد ملقى في الطريق ،وجب عليه أخذه ،فان تركوه دون التقاطه أثموا جميعا أمام الله تعالى ،و كان عليهم تبعة هلاكه. هذا و كما حرص الإسلام على احترام الإنسان حيا ، فقد أمر بالمحافظة على كرامته ميتا ،فمنع التمثيل بجثته ،و الزم تجهيزه و مواراته ،و نهى عن الاختلاء و الجلوس على القبور 2/ تأمين الذات : بضمان سلامة الفرد و أمنة في نفسه و عرضه و ماله: فلا يجوز التعرض له بقتل أو جرح ،أو أي شكل من أشكال الاعتداء ، سواء كان على البدن ،كالضرب و السجن و نحوه ،أو على النفس و الضمير ،كالسب أو الشتم و الازدراء و الانتقاص و سوء الظن و نحوه ،و لهذا قرر الإسلام زواجر و عقوبات ، تكفل حماية الإنسان و وقايته من كل ضرر أو اعتداء يقع عليه ، ليتسنى له ممارسة حقه في الحرية الشخصية. وكلما كان الاعتداء قويا كان الزجر أشد ، ففي الاعتداء على النفس بالقتل و جب القصاص ، كما قال تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى)) أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع و جب القصاص أيضا كما قال تعالى : ((و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص)) و منع عمر ابن الخطاب –رضي الله عنه – الولاة من أن يضربوا أحدا إلا أن يكون بحكم قاض عادل ، كما أمر بضرب الولاة الذين يخالفون ذلك بمقدار ما ضربوا رعاياهم بل انه في سبيل ذلك منع الولاة من أن يسبوا أحدا من الرعية ،ووضع عقوبة على من يخالف ذلك. ب-حرية التنقل (الغدو و الرواح ) : والمقصود بها :أن يكون الإنسان حرا في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه. والتنقل بالغدو والرواح حق إنساني طبيعي ،تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه ،ذلك أن الحركة شأن الأحياء كلها ،بل تعتبر قوام الحياة وضرورتها وقد جاء تقرير ((حرية التنقل )) بالكتاب والسنة والإجماع ففي الكتاب قوله تعالى : ((هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور)) و لا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة راجحة ،كما فعل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في طاعون عمواس ،حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام ،الذي كان به هذا الوباء ، و لم يفعل ذلك الا تطبيقا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض و انتم بها فلا تخرجوا فرار منه) و لأجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل ، حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين، والتربص لهم في الطرقات ،و أنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق و يروعون الناس بالقتل و النهب و السرقة، قال تعالى : ((إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم)) و لتاكيد حسن استعمال الطرق و تأمينها ،نهى النبي صلى الله عليه و سلم صحابته عن الجلوس فيها، فقال: (إياكم و الجلوس في الطرقات ،قالوا: يا رسول الله ،ما لنا بد في مجالسنا، قال: فان كان ذلك، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: و ما حق الطريق يا رسول الله ؟قال: غض البصر و كف الأذى، و رد السلام،و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) فالطرق يجب أن تفسح لما هيئ لها، من السفر و التنقل و المرور، و أي استعمال لغير هدفها محظور لا سيما إذا أدي إلى الاعتداء على الآمنين ، و لأهمية التنقل في حياة المسلم وأنه مظنة للطوارئ ، فقد جعل الله تعالى ابن السبيل- وهو المسافر- أحد مصارف الزكاة إذا ألم به ما يدعوه إلى الأخذ من مال الزكاة ، ولو كان غنياً في موطنه . ج-حرية المأوى و المسكن : فمتى قدر الإنسان على اقتناء مسكنه ،فله حرية ذلك ،كما أن العاجز عن ذلك ،ينبغي على الدولة أن تدبر له السكن المناسب ،حتى تضمن له أدنى مستوى لمعيشته. روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له) وقد استدل الإمام ابن حزم بهذا الحديث وغيره على أن أغنياء المسلمين مطالبون بالقيام على حاجة فقرائهم إذا عجزت أموال الزكاة والفيئ عن القيام بحاجة الجميع من الطعام والشراب واللباس والمأوى الذي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة والدولة هي التي تجمع هذه الأموال وتوزعها على المحتاجين ولا فرق في هذا بين المسلمين وغيرهم لأن هذا الحق يشترك فيه جميع الناس كاشتراكهم في الماء والنار فيضمن ذلك لكل فرد من أفراد الدولة بغض النظر عن دينه. فإذا ما ملك الإنسان مأوى و مسكن ، فلا يجوز لأحد ،أن يقتحم مأواه ،أو يدخل منزله إلا بإذنه ،حتى لو كان الداخل خليفة ،أو حاكما أعلى –رئيس دوله- ما لم تدع إليه ضرورة قصوى، أو مصلحة بالغة، لأن الله تعالى يقول : ((يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خيركم لعلكم تذكرون ،فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ،و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم و الله بما تعملون عليم )) و إذا نهي عن دخول البيوت بغير إذن أصحابها ، فالاستيلاء عليها ،أو هدمها أو إحراقها من باب أولى ،إلا إذا كان ذلك لمصلحة الجماعة ،بعد ضمان البيت ضمانا عادلا، و هذه المصلحة قد تكون بتوسعة مسجد ،أو بناء شارع ، أو إقامة مستشفى ،أو نحو ذلك ، و قد أجلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه –أهل نجران ، و عوضهم بالكوفة ولحفظ حرمة المنازل وعظمتها ،حرم الإسلام التجسس، فقال تعالى : (( و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا )) وذلك لأن في التجسس انتهاكا لحقوق الغير ، والتي منها :حفظ حرمة المسكن ،و حرية صاحبه الشخصية بعدم الاطلاع على أسراره بل و بالغ الإسلام في تقرير حرية المسكن بأن أسقط القصاص والدية عمن انتهك له حرمة بيته ،بالنظر فيه و نحوه يدل على ذلك حديث أبى هريرة –رضي الله عنه-أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه) وهدرت:أي لاضمان على صاحب البيت. فعين الإنسان –رغم حرمتها وصيانتها من الاعتداء عليها ،وتغليظ الدية فيها –لكنها هنا أهدرت ديتها بسب سوء استعمالها واعتدائها على حقوق الغير . د-حرية التملك : و يقصد بالتملك : حيازة الإنسان للشيء و امتلاكه له ، و قدرته على التصرف فيه ،و انتفاعه به عند انتقاء الموانع الشرعية و له أنواع و وسائل نوجزها في الآتي: 1/ أنواع الملكية: للملكية أو التملك نوعان بارزان،هما:تملك فردي ،و تملك جماعي. فالتملك الفردي: هو أن يحرز الشخص شيئا ما ،و ينتفع به على وجه الاختصاص و التعين. وقد أعطى الإسلام للفرد حق التملك ،و جعله قاعدة أساسية للاقتصاد الإسلامي ،و رتب على هذا الحق نتائجه الطبيعية في حفظه لصاحبه ،و صيانته له عن النهب و السرقة ،و الاختلاس و نحوه ،ووضع عقوبات رادعة لمن اعتدى عليه ،ضمانا له لهذا الحق ،و دفعا لما يتهدد الفرد في حقه المشروع .كما أن الإسلام رتب على هذا الحق أيضا نتائجه الأخرى ،و هي حرية التصرف فيه بالبيع أو الشراء ،و الإجارة و الرهن ،و الهبة و الوصية و غيرها من أنواع التصرف المباح غير أن الإسلام لم يترك (التملك الفردي) مطلقا من غير قيد، و لكنه وضع له قيودا كي لا يصطدم بحقوق الآخرين ،كمنع الربا و الغش و الرشوة و الاحتكار و نحو ذلك ،مما يصطدم و يضيع مصلحة الجماعة . و هذه الحرية لا فرق فيها بين الرجل و المرأة قال الله تعالى : ((للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن )) أما النوع الثاني :فهو التملك الجماعي : و هو الذي يستحوذ عليه المجتمع البشري الكبير ،أو بعض جماعاته ،و يكون الانتفاع بآثاره لكل أفراده ،و لا يكون انتفاع الفرد به ،إلا لكونه عضوا في الجماعة ،دون أن يكون له اختصاص معين بجزء منه مثاله : المساجد والمستشفيات العامة والطرق والأنهار والبحار وبيت المال ونحو ذلك. و ما ملك ملكا عاما يصرف في المصالح العامة ،و ليس لحاكم أو نائبه أو أي أحد سواهما أن يستقل به أو يؤثر به أحد ليس له فيه استحقاق بسب مشروع وإنما هو مسؤول عن حسن إدارته و توجيهه التوجيه الصحيح الذي يحقق مصالح الجماعة ويسد حاجاتها 2/ وسائل الملكية : و هي طرق اكتسابها التي حددها الإسلام ،و عينها ،و حرم ما سواها ،و يمكن تقسيمها أيضا إلى قسمين :وسائل الملكية الفردية ،و الجماعية. - وسائل الملكية الفردية ،و لها مظهران: المظهر الأول :الأموال المملوكة ، أي المسبوقة بملك ،و هذه الأموال لا تخرج من ملك صاحبها إلى غيره إلا بسب شرعي كالوراثة ،أو الوصية ،أو الشفعة ، أو العقد ،أو الهبة ،أو نحوها. المظهر الثاني : الأموال المباحة ، أي غير المسبوقة بملك شخص معين ،و هذه الأموال لا يتحقق للفرد تملكهاإلا بفعل يؤدي إلى التملك و وضع اليد ،كإحياء موات الأرض و الصيد ،و استخراج ما في الأرض من معادن ،و إقطاع ولي الأمر جزءا من المال لشخص معين،و العمل ،و نحوه . على أن ثمة قيودا على الملكية الفردية ،تجمل فيما يلي: 1/ مداومة الشخص على استثمار المال ،لأن في تعطيله إضرارا بصاحبه ،و بنماء ثروة المجتمع 2/ أداء زكاته ،إذا بلغ نصابا ،لأن الزكاة حق المال ،و كذلك إنفاقه في سبيل الله 3/ اجتناب الطرق المحرمة للحصول عليه ،كالربا ،و الغش و الاحتكار و نحوه 4/ عدم الإسراف في بذله أو التقتير - وسائل الملكية الجماعية ،و لها مظاهر كثيرة ، نوجزها في الآتي: المظهر الأول :الموارد الطبيعية العامة ، و هي التي يتناولها جميع الناس في الدولة دون جهد أو عمل . كالماء ،و الكلأ ،و النار ،و ملحقاتها. المظهر الثاني :الموارد المحمية ، أي التي تحميها الدولة لمنفعة المسلمين أو الناس كافة ،مثل :المقابر ،والمعسكرات ،و الدوائر الحكومية ،والأوقاف ،والزكوات و نحوها. المظهر الثالث :الموارد التي لم تقع عليها يد أحد ، أو وقعت عليها ثم أهملتها مدة طويلة كأرض الموات. المظهر الرابع :الموارد التي تجنيها الدولة بسبب الجهاد كالغنائم والفيء ونحوها هـ- حرية العمل : العمل عنصر فعال في كل طرق الكسب التي أباحها الإسلام ،و له شرف عظيم باعتباره قوام الحياة ولذلك فان الإسلام أقر بحق الإنسان فيه في أي ميدان يشاؤه و لم يقيده إلا في نطاق تضاربه مع أهدافه أو تعارضه مع مصلحة الجماعة. و لأهمية العمل في الإسلام ،اعتبر نوعا من الجهاد في سبيل الله ، كما روى ذلك كعب بن عجرة –رضي الله عنه –قال : (مر على النبي صلى الله عليه و سلم رجل ،فرأى أصحاب الرسول الله صلى الله عليه و سلم من جلده و نشاطه ،فقالوا :يا رسول الله ،لو كان هذا في سبيل الله ،فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن كان خرج يسعى على ولده صغارا ،فهو في سبيل الله ،و إن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله ،و إن كان خرج يسعى على نفسه يعضها فهو في سبيل الله ،و إن كان خرج يسعى رياء و مفاخرة فهو في سبيل الشيطان) وهكذا نجد كثيرا من نصوص الكتاب و السنة ،تتحدث عن العمل ،و تحث عليه ،و تنوه بأعمال متنوعة كصناعة الحديد و نجارة السفن ،و فلاحة الأرض ،و نحو ذلك ،لأن العمل في ذاته وسيلة للبقاء، و البقاء –من حيث هو – هدف مرحلي للغاية الكبرى ،و هي عبادة الله ،و ابتغاء رضوانه ،و بقدر عظم الغاية تكون منزلة الوسيلة،فأعظم الغايات هو رضوان الله تعالى،و بالتالي فإن أعظم وسيلة إليها هي العمل و التضحية،و إنما نوه القرآن بالعمل و الكسب للتنبيه على عظم فائدته و أهميته للوجود الإنساني،وأنه أكبر نعمة الله على الإنسان. الصنف الثاني :الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ،و هذا الصنف يشمل الآتي: أ-حرية الاعتقاد ، و يقصد بها :اختيار الإنسان لدين يريده بيقين ،و عقيدة يرتضيها عن قناعة، دون أن يكرهه شخص آخر على ذلك .فإن الإكراه يفسد اختيار الإنسان ،و يجعل المكره مسلوب الإرادة ،فينتفي بذلك رضاه و اقتناعه و إذا تأملنا قول الله تعالى : ((لا إكراه في الدين )) نجد أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته ، و أقر أن الفكر و الاعتقاد ،لا بد أن يتسم بالحرية ،وأن أي إجبار للإنسان ، أو تخويفه ، أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكره ،باطل و مرفوض ،لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب ،و لا يثبتها في الضمير. لذلك قال تعالى : ((و لو شاء ربك لاّمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) و قال أيضا ((فذكرإنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )) كل هذه الآيات و غيرها ،تنفي الإكراه في الدين ،و تثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به. هذا و يترتب على حرية الاعتقاد ما يلي: 1/ إجراء الحوار و النقاش الديني ،وذلك بتبادل الرأي و الاستفسار في المسائل الملتبسة ،التي لم تتضح للإنسان ، و كانت داخلة تحت عقله و فهمه –أي ليست من مسائل الغيب – وذلك للاطمئنان القلبي بوصول المرء إلى الحقيقة التي قد تخفى عليه ، وقد كان الرسل و الأنبياء عليهم الصلاة و السلام يحاورون أقوامهم ليسلموا عن قناعة و رضى و طواعية ، بل إن إبراهيم –أبا الأنبياء عليه السلام –حاور ربه في قضية ((الإحياء و الإماته )) ليزداد قلبه قناعة و يقينا و ذلك فيما حكاه القرآن لنا في قوله تعالى : ((وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا فلما تبين له قال أعلم أن الله عزيز حكيم )) بل إن في حديث جبريل عليه السلام ،الذي استفسر فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ((الإسلام )) و ((الإيمان )) و ((الإحسان )) و ((علامات الساعة )) دليل واضح على تقرير الإسلام لحرية المناقشة الدينية ، سواء كانت بين المسلمين أنفسهم ،أو بينهم و بين أصحاب الأديان الأخرى ،بهدف الوصول إلى الحقائق و تصديقها ،لا يقصد إثارة الشبه و الشكوك و الخلافات ،فمثل تلك المناقشة ممنوعة ، لأنها لا تكشف الحقائق التي يصل بها المرء إلى شاطئ اليقين 2/ حرية ممارسة الشعائر الدينية ، و ذلك بأن يقوم المرء بإقامة شعائره الدينية ،دون انتقاد أو استهزاء ، أو تخويف أو تهديد، و لعل موقف الإسلام الذي حواه التاريخ تجاه أهل الذمة –أصحاب الديانات الأخرى –من دواعي فخره و اعتزازه ،و سماحته ، فمنذ نزل الرسول صلى الله عليه و سلم يثرب –المدينة المنورة –أعطى اليهود عهد أمان ، يقتضي فسح المجال لهم أمام دينهم و عقيدتهم ،و إقامة شعائرهم في أماكن عبادتهم . ثم سار على هذا النهج الخلفاء الراشدون ، فكتب عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – لأهل إيلياء –القدس- معاهدة جاء فيها : (( هذا ما أعطاه عمر أمير المؤمنين ، أهل ايلياء من الأمان ،أعطاهم أمانا على أنفسهم ،و لكنائسهم و صلبانهم ،،،لا تسكن كنائسهم ولا تهدم و لا ينتقص منها و لا من غيرها و لا من صلبهم ،و لا يكرهون على دينهم ،و لا يضار أحد منهم )) و ها هم علماء أوروبا اليوم ،يشهدون لسماحة الإسلام ، و يقرون له بذلك في كتبهم . قال ((ميشود )) في كتابه (تاريخ الحروب الصليبية ) : (( إن الإسلام الذي أمر بالجهاد ،متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى و هو قد أعفى البطاركة و الرهبان و خدمهم من الضرائب ،و قد حرم قتل الرهبان –على الخصوص – لعكوفهم على العبادات، ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس ،وقد ذبح الصليبيون المسلمين و حرقوا اليهود عندما دخلوها )) أي مدينة القدس ب- حرية الرأي ،و تسمى أيضا بحرية التفكير ، و التعبير وقد جوز الإسلام للإنسان أن يقلب نظره في صفحات الكون المليئة بالحقائق المتنوعة ،و الظواهر المختلفة ،و يحاول تجربتها بعقله ،و استخدامها لمصلحته مع بني جنسه ،لأن كل ما في الكون مسخر للإنسان ،يستطيع أن يستخدمه عن طريق معرفة طبيعته و مدى قابليته للتفاعل و التأثير ،ولا يتأتى ذلك إلا بالنظر و طول التفكير. هذا و لإبداء الرأي عدة مجالات و غايات منها: 1/ إظهار الحق و إخماد الباطل ، قال تعالى : ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون)) فالمعروف هو سبيل الحق ،و لذلك طلب من المؤمن أن يظهره ،كما أن المنكر هو سبيل الباطل ،و لذلك طلب من المؤمن أن يخمده. 2/ منع الظلم و نشر العدل ، و هذا ما فعله الأنبياء و الرسل إزاء الملوك و الحكام و يفعله العلماء و المفكرون مع القضاة و السلاطين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) 3/ و قد يكون إبداء الرأي ،بتقديم الأمور حسب أهميتها و أولويتها ، و هذا أكثر ما يقوم به أهل الشورى في أكثر من بلد ،و أكثر من مجتمع و قد يكون بأي أسلوب آخر ، إذ من الصعب حصرها ،و لكنها لا تعني أن يخوض الإنسان فيما يضره ، ويعود عليه بالفساد ، بل لا بد أن تكون في إطار الخير والمصلحة إذ الإسلام بتقريره حرية الرأي ، إنما أراد من الإنسان أن يفكر كيف يصعد ،لا كيف ينزل ،كيف يبني نفسه و أمته ،لا كيف يهدمها ،سعيا وراء شهوتها و هواها. وباستعراض التاريخ الإسلامي ، نجد أن ((حرية الرأي )) طبقت تطبيقا رائعا ، منذ عصر النبوة ، فهذا الصحابي الجليل ،حباب بن المنذر ، أبدى رأيه الشخصي في موقف المسلمين في غزوة بدر ،على غير ما كان قد رآه النبي صلى الله عليه و سلم ، فأخذ النبي صلى الله علبه و سلم برأيه ، و أبدى بعض الصحابة رأيهم في حادثة الإفك ، و أشاروا على النبي صلى الله عليه و سلم بتطليق زوجته عائشة –رضي الله عنها –إلا أن القرآن برأها ، و غير ذلك من المواقف الكثيرة التي كانوا يبدون فيها آراءهم ج-حرية التعلم : طلب العلم و المعرفة حق كفله الإسلام للفرد ،و منحه حرية السعي في تحصيله ،و لم يقيد شيئا منه ، مما تعلقت به مصلحة المسلمين دينا و دنيا ،بل انتدبهم لتحصيل ذلك كله ،و سلوك السبيل الموصل إليه ، أما ما كان من العلوم بحيث لا يترتب على تحصيله مصلحة ،و إنما تتحقق به مضرة و مفسدة ،فهذا منهي عنه ،و محرم على المسلم طلبه ،مثل علم السحر و الكهانة ،و نحو ذلك. و لأهمية العلم و المعرفة في الحياة ،نزلت آيات القرآن الأولى تأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالقراءة قال تعالى: ((اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق الإنسان من علق ،اقرأ و ربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ،علم الإنسان ما لم يعلم)) و القراءة هي مفتاح العلم ، و لذلك لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ، و نصب عليه الكفار الحرب ، و انتصر المسلمون و أسروا من أسروا من المشركين ، جعل فداء كل أسير من أسراهم ، تعليم القراءة و الكتابة لعشرة من صبيان المدينة و هذا من فضائل الإسلام الكبرى ، حيث فتح للناس أبواب المعرفة ،و حثهم على و لوجها و التقدم فيها ، و كره لهم القعود عن العلم و التخلف عن قافلة الحضارة و الرفاهية و الازدهار . و من أجل ذلك كان على الدولة الإسلامية ،أن تيسر سبل التعليم للناس كافة ،و تضمن لكل فرد حقه في ذلك لأن هذا الحق مضمون لكل فرد من رعاياها ،كسائر الحقوق الأخرى. د- الحرية السياسية : و يقصد بها :حق الإنسان في اختيار سلطة الحكم ،و انتخابها ،و مراقبة أدائها ،و محاسبتها ،و نقدها ،و عزلها ،إذا انحرفت عن منهج الله و شرعه ،و حولت ظهرها عن جادة الحق و الصلاح . كما أنه يحق له المشاركة في القيام بأعباء السلطة ،و وظائفها الكثيرة ،لأن السلطة حق مشترك بين رعايا الدولة،و ليس حكرا على أحد ،أو وقفا على فئة دون أخرى و اختيار الإنسان للسلطة ،قد يتم بنفسه ،أو من ينوب عنه من أهل الحل و العقد و هم أهل الشورى ،الذين ينوبون عن الأمة كلها في كثير من الأمور منها : القيام بالاجتهاد فيما لا نص فيه ، إذ الحاكم يرجع في ذلك ،إلى أهل الخبرة و الاختصاص من ذوى العلم و الرأي ،كما أنهم يوجهون الحاكم في التصرفات ذات الصفة العامة ، أو الدولية ،كإعلان الحرب ، أو الهدنة ، أو إبرام معاهدة ، أو تجميد علاقات ، أو وضع ميزانية أو تخصيص نفقات لجهة معينة أو غير ذلك من التصرفات العامة ،التي لا يقطع فيها برأي الواحد. قال تعالى : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله و لرسوله و لأمة المسلمين و عامتهم ) يتبع بإذن الله ... للمزيد من مواضيعي
الموضوع الأصلي :
القيم و الأخلاق الإسلامية
-||-
المصدر :
مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة
-||-
الكاتب :
د/مسلمة
المزيد من مواضيعي
|
رقم المشاركة :2 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() رابعًا: المساواة : 1/ تعريفها : تعني المساواة :المماثلة و العدالة ، و المراد بها :المماثلة و المشابهة بين الشيئين في القدر و القيمة .فإذا قلنا :الإنسان يتساوى مع أخيه الإنسان ،إنما ذلك يعني أنه يكافئه في الرتبة ،و يعادله في القيمة الإنسانية ،و له من الحقوق مثل ما له ،و عليه من الواجبات مثل ما عليه. 2/ أهميتها : المساواة مبدأ هام في حياة البشر ،أقره الشرع ،و رضيه العقل ،و أملته سنة التمدن و الإجتماع ،و من أجل دفع التميز بين فرد و آخر للحصول على هذه الحاجة أو تلك المنفعة ،كان لا بد من وضع قاعدة مستقيمة ،تحفظ هذا الحق للجميع في ظروف متشابهة، فكانت المساواة أنسب قاعدة له ،إذ عن طريقها يمكن أن تضمن الحقوق البشرية كلها ،فضلا عن الحقوق التى يطلبها اثنان من الناس 3/ أنواعها : للمساواة في الاسلام أنواع كثيرة ،يمكن حصرها و تطبيقاتها في الآتي: أ- المساواة في القيمة الإنسانية : جاء الإسلام و وجد الناس يتفاضلون في الخلق و النشأة ، و يتميزون في الأحساب و الأنساب ،و يتقاتلون للحمية و العصبية ،ناسين أنهم من أصل واحد و مصدر واحد. فقد كان الهنود البراهميون يقرون التفاضل في القيمة الإنسانية، وأنهم يفضلون غيرهم في ذلك. أما اليونان فقد كانوا يعتقدون أنهم شعب مفضل على سائر الشعوب و أنهم خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التي خلقت منها الشعوب الأخرى ،التي أطلقوا عليها اسم ((البربر)). و أما الرومان فقد نصوا في كتبهم أن غير الرومان مجردون من جميع ما يتمتع به الرومان من حقوق، وأنه لم يخلق غيرهم إلا ليكون رقيقا للرومان. و أما اليهود فقد اعتقدوا أنهم شعب الله المختار ،و أن الكنعانيين –بقية الشعوب الأخرى –شعب و ضيع بحسب النشأة الأولى ،و أن الله خلقه لخدمتهم . و أما العرب فقد رأوا أنفسهم أنهم أكمل شعب على الأطلاق و أن بقية الشعوب –التي سموها الأعاجم –شعوب و ضيعة ناقصة الإنسانية. تلك هي الظاهرة الاجتماعية التي كان الناس يعانون منها، و يقاسمون آلامها، حيث فرقت البشر فرقتين ، فرقة الأشراف و فرقة العبيد. المساواة في الإسلام : أما الإسلام فقد حرص كل الحرص على تقرير ((المساواة بين الناس )) في القيمة البشرية، وعدها من الأمور الأساسية التي يجب أن يدين بها كل إنسان ربه ، فقد قرر أن الناس سواسية كأسنان المشط ،في أصل نشأتهم و تكوينهم ،و أنه لا فرق في ذلك بين الذكر و الأنثى ،و لا بين العربي و الأعجمي ،و لا بين الأبيض و الأسود ،و لا بين السيد و العبد ،و لا بين الغني و الفقير ،لأن هؤلاء جميعا ينحدرون من أصل واحد هو آدم ،و آدم من تراب . و عن هذا النوع من المساواة ، نوه القرآن الكريم فقال تعالى : ((و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) والتكرم هنا شامل للجنس كله فجنس الإنسان مكرم عند الله بلا تفرقة بين مجموعة و أخرى،بل كل مجموعة ينظر إليها بمنظار واحد هو ((الإنسانية )) فالإسلام لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى ، كما لا يسمح بتحكم فئة تدعي لنفسها الاستعلاء بالبيئة أو العنصر أو اللون أو الجاه على الفئات الأخرى ، بل إنه ألغى كل سبب يدفع الإنسان إلى الاستعلاء و التحكم في الآخرين فقد قال تعالى ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء)) و قال صلى الله عليه وسلم: (الناس سواسية كأسنان المشط) وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أبا ذر الغفاري –وهو عربي–يعتدي على بلال بن رباح –وهو حبشي– ويقول له :يا ابن السوداء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا و انتهر أبا ذر و قال : (طف الصاع طف الصاع ) ثم اتجه إلى أبي ذر و قال له : (انك امرؤ فيك جاهلية ، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح ) فوضع أبو ذر خده على الأرض ،و أقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته هذه ،و يكفر عنه ما بدر منه من خلق الجاهلية الأولى. هل المساواة في القيمة الإنسانية ينافي التفاضل بين الناس ؟ التفاضل لا يمكن أن يقع في أصل النشأة و التكوين ، بأن يكون هناك فرد أفضل من غيره، أو جماعة تفوق غيرها بحسب عنصرها الإنساني ،أو انحدارها من سلالة معينة، بل إن آدم –عليه السلام وهو أول إنسان وجد على وجه الأرض –يساوي آخر إنسان ينفخ فيه الروح في تلك القيمة الإنسانية. فالتفاضل لا يجري فيما لا يملكه الإنسان كالخلق و التكوين ،و إنما يقع فيما يملكه و يندرج تحت قدرته و طاقته ،كفعل الخيرات و ترك المنكرات ،فالإيمان بالله تعالى و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و نحوه من الأعمال الصالحة ،كلها أعمال يستطيع الإنسان القيام بها ،و أداءها على أحسن وجه و لذلك صح التفاضل فيها بحسب عمل كل واحد منهم و أدائه لها . قال الله تعالى : ((يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) و لهذا فضل المسلم على الكافر لأنه أتى بالأعمال الصالحة التي يريدها الله تعالى ، قال تعالى : ((أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )) بل إن التفاضل في العمل يجري أيضا بين المسلمين أنفسهم كما قال تعالى : ((لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا )) كما امتد هذا التفاضل أيضا إلى الأنبياء و الرسل ،فكان بعضهم أولى من بعض ،و أعلى درجة من بعض ،قال تعالى : ((تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله و رفع بعضهم درجات )) فتفاضلهم ليس واردا على أصل خلقتهم و انتمائهم الإنساني ،و لكنه وارد على الأعمال الجليلة التي قاموا بها والرسالات السماوية التي تحملونها ،فمن بعث إلى قومه خاصة ليس كمن بعث إلى الناس كافة. كيف تكون هناك مساواة و قد خلق الناس مختلفين أمة و شعبا ،و لغة و لونا ؟ نعم هذا الاختلاف موجود كونا ،و ليس بمرعي شرعا ، فهو اختلاف تصنيف و تنويع للدلالة على قدرة الخالق جل و علا ،الذي يتصرف في مخلوقاته كيف يشاء ،و ليس اختلاف تفرق و عداء و لهذا و ردت الحكمة من هذا الاختلاف ،في نفس الآية (ليتعارفوا) أي أن الاختلاف الكوني و جد ليتم بين الناس التعاون و التآلف، و التآزر لمصلحة إنسانيتهم ،فيسعى كل واحد منهم لعبادة ربه و خالقه ،و منفعة نفسه و بني جنسه فتنمو الإنسانية و تسعد بما يقدم لها أبناؤها من مواهب و قدرات إنمائية و حضارية و ثقافية. ب-المساواة أمام الشريعة : إن الله تعالى استقل بالخلق و التشريع ليضع أرسخ قاعدة لكفالة حق الناس في المساواة أمام حكمه و شرعه ،و قطع بذلك السبيل أمام أي فرد أو فئة من الناس قد تدعي لنفسها الفضل و التميز عن غيرها ، و تذهب بالسيادة فتضع لغيرها من الأحكام ما تهواه ، و من أنظمة الحياة ما تشتهيه ،سواء أضرها أم لا ، و لذلك اختص الله وحده بالتشريع ،كما اختص كذلك بالخلق و التكوين قال الله تعالى : ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)) وقال تعالى : ((و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهوائهم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) و إنما اختص الله بالتشريع ،لأن التشريع يراد به إصابة الحق والعدل ، و عدم التحيز للهوى و الشهوات، والإنسان مهما وضع من نظم و قوانين ،فلا يمكنه إصابة الحق و العدل فيها على الدوام ، بل إن أصابه مرة ، أخطأه مرات ،لأنه تتحكم فيه الأهواء و النزعات ،و ينتابه النقص و القصور ، و لهذا امتلأ التاريخ البشري بأنواع كثيرة من الظلم ، في الأحكام التي صنعتها يد الإنسان ، أو تدخلت فيها أما كيف يتساوى الناس أمام الشريعة ، فذلك أن خطاب الشرع عام يشمل جميع الناس ، حكاما و محكومين ، رجالا و نساء ، فالأوامر كلها كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و نحوه ،يطالب الجميع بأدائها و القيام بها ، فيطالب الراعي بالصلاة و نحوها ، كما يطالب بها المرعى ، و كذلك النواهي كالسرقة و الزنا و القذف ، يطالب من الجميع الكف عن ذلك دون استثناء أحد ، و هذا معنى ((المساواة أمام الشريعة )). ج- المساواة أمام القضاء: يعتمد القضاء في الإسلام على التشريع الإلهي ،فإذا كان الناس أمام التشريع سواء ، فهم عند تنفيذه كذلك سواء ، لا تفريق في ذلك بين القاضي و المقضي له ، و الحاكم و المحكوم ، و كل إنسان في الإسلام تطاله يد القضاء كائنا من كان حين يقتضي الأمر ذلك، و قد عمل بالمساواة أمام القضاء منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ، فقد روت عائشة –رضي الله عنها –أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ،فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ، و من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتشفع في حد من حدود الله ؟ ) ثم قام فخطب فقال : (أيها الناس ! إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله !لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) د- المساواة بين المسلمين وأهل الذمة : أهل الذمة :هم المعاهدون من أهل الكتاب ، و من في حكمهم ، الذين يقيمون بدولة الإسلام ، و قد سموا بذلك ، لأن لهم حقوقا قبل المسلمين ، فعقد الذمة، يمنحهم عهدا بإباحة إقامتهم على التأبيد في دولة الإسلام ، كما يمنحهم الأمان على دمائهم و أموالهم و أعراضهم ، أي حمايتهم من العدوان الخارجي ، أو التعدي الداخلي ، و عليهم في مقابل ذلك التزامات معينة. و لقد سوى الإسلام بين المسلمين و غيرهم ، في الحقوق العامة ، و قرر أن الذميين لهم في بلد المسلمين ما للمسلمين من حقوق ، و عليهم ما عليهم من الالتزامات ، سوى ما كان يتعلق منها بشئون الدين و العقيدة ، فلا توقع عليهم مثلا : الحدود الشرعية فيما لا يحرمونه ، و لا يدعون للقضاء في أيام أعيادهم و هناك نصوص و وقائع كثيرة ، تدل على شرعية المساواة بين المسلمين و غيرهم . منها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته ،أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ) ولقد خاصم يهودي عليا – رضي الله عنه – فحضر الخصمان فنادى عمر عليا بقوله : (( قف يا أبا الحسن – ليقف بجانب اليهودي –فبدا الغضب على وجه علي –رضي الله عنه –فقال عمر رضي الله عنه: أكرهت أن نسوى بينك و بين خصمك في مجلس القضاء؟ فقال :لا ، و لكني كرهت منك أن عظمتني في الخطاب و ناديتني بكنيتي )) و من مظاهر التسوية بين المسلمين و غيرهم ما يلي: 1/ المساواة في الانتفاع ببيت المال : فقد اتفق علماء المسلمين على أن للذمي حقا في بيت المال و أنه سواء مع المسلم في هذا الحق ،إذا صار شيخا كبيرا ،أو عاجزا عن الكسب و العمل و قد روي أبو عبيد عن سعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تصدق على بيت من اليهود ثم أجريت عليهم الصدقة من بعد ) و كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه – الى عامله في البصرة –و هو عدي بن أرطاة –فقال: (وانظر من قبلك من أهل الذمة من كبرت سنه ،و ضعفت قوته ،و ولت عنه المكاسب ،فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه )و بهذا كفل الإسلام كافة الحقوق الأساسية لرعايا الدولة الإسلامية ،دون تمييز ،فتعطي للذمي مثلما تعطي للمسلم. 2/ المساواة في التوظيف : يستطيع الذمي أن يتقلد الوظيفة في الدولة الإسلامية إذا كانت من وظائف السلطة التنفيذية، كالمحاسب العام أو المهندس الأعلى أو ناظر البريد، أو فوقه. ويستثنى من ذلك ، ما له صلة مباشرة بالعقيدة والدين ، فان هذا لا يتولاه غير المسلم لخطورته في حياة الدولة الإسلامية . وتولية أهل الذمة المناصب الحكومية الإسلامية ، دليل واضح على المساواة في الإسلام ، والتزام المسلمين بتطبيقها ، مما جعل كتاب الغرب يشهدون للإسلام فضله ، وللمسلمين منقبتهم ، قال "متز" " من الأمور التي نعجب لها ، كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية " وقال آخر:" الواقع أن اليهود والنصارى لم يُمنحوا حرية المعتقد الديني فحسب ، بل عهد إليهم تولي المناصب الحكومية حين كانت مؤهلاتهم الشخصية من القوة بحيث تلفت انتباه الحاكمين" 3/ المساواة في الخراج : والخراج : ضريبة مالية وضعت على الأرض وتؤدى عنها لبيت مال المسلمين فإذا فتح المسلمون أرضا" عنوة (وهي ما أجلي عنها أهلها بالحرب ولم تقسم بين الغانمين ) تصير وقفا" على المسلمين ، و يضرب عليها خراج معلوم ، يؤخذ منها في كل عام ، يكون أجرة لها ، وتقر الأرض في أيدي أصحابها ، ما داموا يؤدون خراجها ، وهذا النوع من الخراج ، يتساوى المسلم والذمي في دفعه والتزامه ، لأن الخراج إنما فرض على الأرض ، لا على أصحابها القائمين بها ، ولا يسقط خراج تلك الأرض بإسلام أربابها ، أو بانتقالها إلى شخص مسلم يتبع بإذن الله ... المزيد من مواضيعي
|
![]() |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
الأخلاق, الإسلامية, القيم |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
أدبني ربي { سلسلة الأخلاق النبوية } | طائر السنونو | الحديث و السيرة | 26 | 05.05.2015 16:59 |
أصول الأخلاق | بن الإسلام | القسم الإسلامي العام | 1 | 29.09.2013 20:51 |
الى كل جاحد او ناكر (انتصار القيم الإنسانية في الفتوح الإسلامية ) | جادي | التاريخ والبلدان | 3 | 05.08.2011 13:01 |
الى كل جاحد او ناكر (انتصار القيم الإنسانية في الفتوح الإسلامية ) | جادي | تعرف على الإسلام من أهله | 3 | 05.08.2011 13:01 |
مما قيل في حسن الأخلاق | مهندس محمد | أقسام اللغة العربية و فنون الأدب | 2 | 07.08.2009 00:06 |