آخر 20 مشاركات
تحذير من التنصير الخفي للأطفال في المدارس المسيحية (الكاتـب : الشهاب الثاقب - آخر مشاركة : * إسلامي عزّي * - )           »          أفئدة تهوي وقلوب تنوي لبيك رحمة وغفرانا شاكرون ولربهم حامدون (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          ملة أبيكم إبراهيم (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          دليل الحاج و المعتمر (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          عن جواز ضرب المرأة في المسيحيّة قالوا !؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          إمسك ...... حرامي ! (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          حكاية لطيفة جداً للبابا تواضروس الثاني تكشف كيف يتم كتابة الأناجيل (الكاتـب : الشهاب الثاقب - آخر مشاركة : * إسلامي عزّي * - )           »          The ratlines: What did the Vatican know about Nazi escape routes? (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          بابا الفاتيكان يفضل خمرة التكيلا كعلاج من الأسقام ! (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          أعمال المسيحيين الصالحة تتساوى و نجاسة فوط ألويز ألترا ! (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          عندما يُتقرّب للإله بواسطة القذارة !!!؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          تلاوة مباركة من سورة الأنعام : الشّيخ القارئ عبدالله الجهني (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          لماذا يُربط زوراً و بهتاناً الإرهاب و التطرف بإسم الإسلام ؟؟!! (الكاتـب : د/ عبد الرحمن - آخر مشاركة : * إسلامي عزّي * - )           »          أشبال القرآن : القارئ عبدالله أحمد شعبان (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          C'est une femelle ! Un livre dont les merveilles ne cessent jamais (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Les diplomates du Pape (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          دبلوماسيو البابا ! (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          الأصول الوثنية للمسيحية : أرنب الفصح (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          سورة مريم : القارئ إسلام صبحي ( تسجيل جديد) (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          إقتباسات كتاب النّصارى المقدس من الأشعار الوثنية (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )

من دلائل النبوة .. د. منقذ السقار

تعرف على الإسلام من أهله


رد
 
أدوات الموضوع أنواع عرض الموضوع
   
  رقم المشاركة :1  (رابط المشاركة)
قديم 03.11.2010, 05:18
صور ابو الياسمين والفل الرمزية

ابو الياسمين والفل

عضو

______________

ابو الياسمين والفل غير موجود

فريق الترجمة 
الملف الشخصي
التسجيـــــل: 06.07.2010
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 474  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
12.02.2015 (03:08)
تم شكره 35 مرة في 31 مشاركة
افتراضي




الجيش))، قال عبد الله بن بشر الخثعمي راوي الحديث: فدعاني مسلمة بن عبد الملك، فسألني فحدثته، فغزا القسطنطينية. لقد جزم مسلمة بتحقق هذه النبوءة، فأراد أن يحوز شرفها، فغزا القسطنطينية، لكن الله اختبأها لفتى بني عثمان محمدٍ الفاتح رحمه الله، فكان فتحُه لها دليلاً آخر على نبوة النبي . لكن العجيب المدهش الذي يلوي الأعناق من أخبار الفتوح أن بعض هذه الأخبار كانت في وقت ضيق المسلمين، وعلى خلاف ما توحي به الأحداث، بل على عكسه ونقيضه ، لقد كان النبي يتنبأ - وهو في ضنك البلاء وأُوار المحنة - بما لا يمكن لأحد أن يحلُم به ولو في رؤياه.
ومنه أنه خرج على أصحابه وهم يعذبون بالنار والحديد في بطحاء مكة، وفيهم خباب بن الأرَتّ، الذي تقدم إليه شاكياً فقال: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال : ((كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه".
ثم بشره النبي ببشارة عظيمة مذهلة فقال: ((والله ليَتِمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).
إنه يتنبأ بتمام أمر دينه، وبأمن أصحابه في زمنٍ ما كانوا يجرؤون فيه على إعلان دينهم خوفاً من بطش قريش وعذابها. وفي المدينة المنورة ألقى الخوف بظلاله على المسلمين، ولنسمع إلى أُبي بن كعب وهو يصف حالهم: لما قدم رسولُ الله وأصحابُه المدينة، وآواهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا في السلاح، ولا يصبحون إلا فيه. فقالوا: ترون أنـَّا نعيشُ حتى نبيتَ مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل؟ فنزل قوله تعالى: } وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً{ (النور: 55) وكان كذلك، فقد أمَّنهم الله من بعد خوفهم، وسوَّدهم الأرض، واستخلفهم فيها من بعد ذلتهم، ومكَّن لهم دينهم في مشارق الأرض ومغاربها.
قال القرطبي: " وقد فَعلَ اللهُ ذلك بمحمدٍ وأمتِه، ملّكَهُم الأرض، واستخلفهم فيها، وأذل لهم ملوكاً تحت سيف القهر بعد أن كانوا أهل عز وكبر، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم } وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد { (الزمر: 20)". وفي موقف آخر من المواقف الصعبة التي عانى منها الصحابة أتى عدي بن حاتم النبي ، وبينما هو عنده؛ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل. فالتفت النبي إلى عَدي، وقال: ((فلعلك إنما يمنعك عن الإسلام أنك ترى من حولي خصاصة، أنك ترى الناس علينا إلْباً)). ثم ألقى النبي نبوءة مفاجئة أذهلت عَدياً، فقد قال له: ((يا عدي، هل رأيت الحيرة؟)) فأجابه: لم أرها، وقد أُنبئت عنها. فقال : ((فإن طالت بك حياة لترين الظعينة [أي المرأة] ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلا الله)).
يقول عدي، وهو يتشكك من وقوع هذا الخبر: قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّار [لصوص] طيءٍ الذين سعروا البلاد؟ وقبل أن يفيق عدي من ذهوله وحديثه مع نفسه أسمعه النبي نبوءة أعظمَ وأبعد، فقال: ((ولئن طالت بك حياة لتُفتحنَّ كنوزُ كسرى)). ولم يصدق عديٌ مسمعه، فسأل النبيَّ مستوثقاً: كسرى بنِ هُرمز؟ فأجابه النبي بلسان الواثق من ربه - رغم ضعف حاله وفاقة أصحابه -: ((كسرى بنِ هرمز، ولئن طالت بك حياة لتريَنَّ الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبلُه)).
ثلاث نبوءات لا يمكن لغير مؤمنٍ أن يُصدق بوقوعها في ذلك الزمان وفي مثلِ تلك الظروف، لكنها دلائل النبوة وأخبار الوحي الذي لا يكذب. يقول عدي: فرأيتُ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوفَ بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بنِ هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم [عن الرجل] يخرج ملء كفه. وصدق عدي ، فقد تحققت الثالثة زمن الخليفةِ الراشدِ عمرَ بنِ عبد العزيز.
ومثله قوله : ((لا تقوم الساعة حتى يسير الراكب بين العراق ومكة؛ لا يخاف إلا ضلال الطريق) إنها من أخبار الغيب الدالة بتحققها على نبوة محمد . ولما أتت جموع الأحزاب إلى المدينة، يرومون استئصال المسلمين؛ أمر النبي بحفر الخندق حول المدينة، وبينما هم يحفرون عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله وأخذ المعول، ووضع رداءه ناحية الخندق، وقال: ]وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم[ (الأنعام: 115) فندر ثُلث الحجر، وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربةِ رسول الله برْقة. ثم ضرب الثانية والثالثة .. فكان مثله. فتقدم إليه سلمان فقال: يا رسول الله رأيتُك حين ضربتَ، ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة! فقال له رسول الله : ((يا سلمان رأيتَ ذلك؟)) فقال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله.
قال: ((فإني حين ضربت الضربة الأولى رُفعت لي مدائنُ كسرى وما حولها ومدائنٌ كثيرة حتى رأيتُها بعينيّ)). فقال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا .. فدعا رسول الله بذلك. ((ثم ضربتُ الضربة الثانية، فرُفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعينيّ)). قالوا: يا رسول الله ادع الله أن يفتحها علينا .. فدعا رسول الله بذلك.
((ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني)).
وقبل أن يطلب الصحابة منه الدعاء لهم بفتحها؛ بادرهم النبي بالقول: ((دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)). وقد أطلع الله نبيه على ما يكون من أخبار الحبشة والترك، وما تحدثه حروبهم من النكال بالمسلمين، فكره قتالهم ، وأوصى باجتنابهم.
أما الحبشة فإنهم يهدمون الكعبة في آخر الزمان ، فقد قال : ((يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة)). وأما الترك فمنهم التتار الذين استباحوا بغداد، وقتلوا فيها ما يربو على مليونين من المسلمين عام 658هـ. قال ابن كثير: "وفي هذه السنة [643هـ] كانت وقعة عظيمة بين جيش الخليفة وبين التتار لعنهم الله، فكسرهم المسلمون كسرة عظيمة، وفرقوا شملهم، وهزموا من بين أيديهم، فلم يلحقوهم، ولم يتبعوهم خوفاً من غائلة مكرهم، وعملاً بقوله : ((اتركوا الترك ما تركوكم))". وعلل بعض أهل العلم الأمر بترك قتالهم بـأنه "لأن بلاد الحبشة وغيرهم، بين المسلمين وبينهم مهامِهُ وقِفار، فلم يكلِّف المسلمين دخول ديارهم لكثرة التعب وعظمة المشقة، وأما الترك فبأسهم شديد، وبلادهم باردة، والعرب وهم جند الإسلام كانوا من البلاد الحارة، فلم يكلفهم دخول البلاد، فلهذين السِّرين خصصهم". ولما انقضت غزوة الأحزاب، ولت جموعهم الأدبار، وقبل أن ينقشع غبارُ إدبارهم أخبر النبي بنبوءة ما كان له أن يطلع عليها لولا إخبار الله له، فقال: ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم)).
وهكذا كان، إذ كانت غزوة الأحزاب آخر غَزاة غزتها قريش في حربها مع النبي ، وقد غزاهم المسلمون بعدها، وفتحوا مكة بعون الله وقدرته، فمن الذي أعلم النبي أن هذه الألوف التي دهمت المدينة لن تعود إليها بعد هذه الكَرَّة الخاسرة؟ إنه الله رب العالمين.
قال ابن حجر عن قوله : ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا)): "وفيه علمٌ من أعلام النبوة، فإنه اعتمر في السنة المقبلة، فصدّتهُ قريش عن البيت، ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها، فكان ذلك سببَ فتح مكة، فوقع الأمر كما قال

إخباره بأخبار آخر الزمان وعلامات الساعة

وإن من دلائل النبوة ما أخبر أنه يكون بين يدي الساعة، ونراه أو نرى بعضه في حياتنا اليوم، وهو ما يسميه العلماء بأشراط الساعة الصغرى، وهذا الحاضر - الذي نراه اليوم - كان غيباً أطلع الله عليه نبيه ، ليكون شاهداً على نبوته ورسالته.
ومن الأخبار المتعلقة باقتراب الساعة ما يحدثنا عنه بقوله: ((من أشراط الساعة أن يقِلَّ العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقِلَّ الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)).
وزاد في رواية في الصحيحين: ((ويُشربَ الخمر، ويَظهرَ الزنا)).
وفي رواية أخرى: ((وتكثُرَ الزلازل، ويتقاربَ الزمان، وتَظهرَ الفتن، ويكثُرَ الهرْج، وهو القتل)).
وفي رواية: ((يتقاربُ الزمان، ويَنقصُ العمل، ويُلقى الشح)).
فهذه ثمان علامات تكون بين يدي الساعة.
أولها: ظهور الجهل وقلة العلم الشرعي بين الناس، وذلك لقبض العلماء وظهور الرؤوس الجهال الذين يفتون بغير علم، فيَضلون ويُضلون، وقد قال رسول الله : ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يُقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَترُك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)). قال ابن بطال: "وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط، وقد رأينا عياناً، فقد نَقص العلم وظهر الجهل". وتعقبه ابن حجر فقال: "الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله [أي العلم]، والمراد من الحديث استحكامُ ذلك، حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر .. فلا يبقى إلا الجهل الصِرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم؛ لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك". ولئن كان ذلك في زمن ابن بطال ثم ابن حجر فإنه في زماننا أظهر وأبْيَن، ولا يخفى هذا على عاقل يرى ما رُزئنا به اليوم من موت العلماء، وتصدر الأدعياء. وأما العلامة الثانية من علامات النبوة التي أخبر بها فهي شيوع شرب الخمر بين المسلمين، وقد أنبأ أن الذين سيشربونها؛ يسمونها بغير اسمها، وأنهم يستحلونها، ولا يرون أنها الخمر التي حرمها الله، قال : (( يشرب ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها))، وزارد في رواية الدارمي: ((فيستحلونها)). وبيانُه فيما أخرجه البخاري عن النبي أنه قال: ((ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف)). وقد كان هذا - وللأسف - عند بعض جهال المسلمين، غفلة منهم وجهلاً، فتعاطوا هذه المحرمات، لما رأوها سميت بالمنشطات أو المخدِّرات أو المشروبات الروحية، والحق أنها جميعاً خمر حرمها الله ولعن شاربها وبائعها وصانعها، وقد قال عمر على المنبر وهو يخطب في المسلمين: (أما بعد، نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل)، أي غطاه، فكل ذلك خمر.
قال القرطبي: " في هذا الحديث عَلم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع؛ فوقعت، خصوصاً في هذه الأزمان".
وأما ثالث أشراط الساعة المذكورة في الأحاديث آنفاً؛ فهو انتشارُ الزنا وشيوعُه بين الناس، وهو أمر يكثر - عياذاً بالله – عند غير المسلمين، وهذه الشناعة استقبحتها الأمم طوال تاريخ الإنسانية، وأصبحت الآن تعرض في وسائل التقنية الحديثة، وعمدت بعض الدول إلى تقنينها، وأجازتها قوانينها وتشريعاتها، بل جعلها بعضهم ضرباً من ضروب التجارة والكسب.
ورابع الأشراط التي ذكرها النبي ؛ كثرة الفتن وما يستتبعها من كثرة الهرج الذي هو القتل، وقد أبانه النبي فقال: ((والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قَتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قُتِل)).
ونجد مصداق هذه النبوءة النبوية في كثرة الحروب والفتن التي يقتل فيها الأبرياء، فلا يدري القاتل من يقتُل، ولا لماذا يقتُل، ومثلُه المقتول. أجارنا الله من الفتن.
وهذا يفسر لنا العلامة الخامسة من علامات النبوة، الواردة في قول النبي : ((وتكثرَ النساء ويقلَ الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد))، فإن الرجال هم وقود الحروب والفتن دون غيرهم. قال ابن حجر: "قيل سببه أن الفتن تكثر، فيكثر القتل في الرجال؛ لأنهم أهل الحرب دون النساء ... والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر، بل يُقدِّر الله في آخر الزمان أن يقِلَ من يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث ".
وإلى صدق هذه النبوءة وقرب تحققها تشير الإحصاءات العالمية، حيث وصلت نسبة الذكور حسب إحصاءات الأمم المتحدة عام 2002م إلى 48%، وتتوقع دائرة الإحصاءات الأمريكية أن تصل نسبة الذكور عام 2100م إلى 38% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يؤكد أن ما أخبر به في طريقه إلى التحقق.
وأما العلامة السادسة مما يكون بين يدي الساعة فهي تقارب الزمان، فقد قال : ((لا تقوم الساعة حتى يُقبضَ العلم، وتكثُرَ الزلازل، ويتقاربَ الزمان..)).
وقال: ((يتقاربُ الزمان، ويَنقصُ العمل، ويُلقى الشح)).
قال التوربشتيُ: "يُحمل ذلك على قلة بركة الزمان، وذهابِ فائدته في كل مكان، أو على أن الناس لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والشدائد وشُغْلِ قلبهم بالفتن العظام؛ لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم".]
وقال الخطابي: "معناه قِصَر زمان الأعمار وقلة البركة فيها .. وقيل: قِصر مدة هذه الأيام والليالي؛ على ما روي أن الزمان يتقارب حتى يكون السنة كالشهر، والشهرُ كالجمعة، والجمعةُ كاليوم، واليومُ كالساعة، والساعةُ كاحتراق السَعَفَة".
وهكذا فقد حمل العلماء الحديث على ثلاثة معانٍ: قصرُ الأعمار أو ذَهابُ بركتها أو تقاربُ الزمان حقيقة.
فأما المعنيان الأولان فهما مشاهدان بكثرة بين الناس اليوم، وبخاصة ذَهاب بركة العمر، حيث تنقضي السنة، والواحد منا يظنها شهراً، وينقضي الشهر، ولا نحسبه إلا أسبوعاً.
وأما المعنى الثالث الذي يقضي بتناقص الزمان حقيقة، فلعله يكون قبيل الساعة، حين يختل الكثير مما نعهده من نواميس الكون التي جعلها الله، فتشرقُ الشمس من مغربها، وتتكلمُ السباع، إلى غيره مما هو خارج عن مألوفنا في سنن الله الكونية.
وسابع أشراط الساعة التي تنبأ النبي أنها تكون؛ كثرةُ الزلازل ونقارب أوقاتها، وهو أمر يعجب المرء لكثرته في هذه الأيام، وهو في ازدياد مستمر، حتى لا يكاد يمضي الشهر إلا وتهتز الأرض هنا أو هناك، فمن الذي أعلم النبي بهذا الغيب قبل ألف وأربعِ مائةٍ سنة؟ إنه الله علام الغيوب.
وأما ثامن علامات الساعة ودلائل النبوة فهو إخباره عن كثرة الشح بين الناس لقوله : ((ويُلقى الشح)). قال ابن حجر: " فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم، حتى يبخل العالم بعلمه، فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد وجود أصل الشح؛ لأنه لم يزل موجوداً".
وهذا كله قد كثر في أهل الزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وروى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثُر المال، ويفيضَ حتى يَخرجَ الرجلُ بزكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعودَ أرض العرب مروجاً وأنهاراً)). ولما سبق الحديث عن كثرة المال فإنا نتحدث هنا عن عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، فالبشارة النبوية تضمنت خبرين: أولُهما: أن أرضَ العرب - أي جزيرة العرب - كانت مروجاً وأنهاراً، أي كانت خضراءَ كثيرةَ المياه، والثاني: أنها ستعود كذلك قبل قيام الساعة.
ومن المعلوم أن جزيرة العرب تنعدم الأنهار فيها اليوم، وتقل المساحات الخضراء في ربوعها، بينما يخبر الحديث أنها كانت وسترجع إلى غير هذه الحال.
وحين تحدث القرآن عن قوم نبي الله هود، قومِ عاد الذين عاشوا في جنوب جزيرة العرب وقريباً من صحراء الربع الخالي، قال ممتناً عليهم: ] واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون [ (الشعراء: 132-134)، فذكر أن بلادهم المقفرةَ اليومَ كانت مروجاً وبساتين كثيرة المياه. وليست بلادُ عاد الوحيدةَ من المدائن القديمة التي دفنتها ذرات رمال الصحراء، التي أغرقت بكثبانها الكثير من المدن التي كانت عامرة في غابر الأيام، كمدينة الفاو ومدينة أوبار المكتشفَتين حديثاً في جنوب جزيرة العرب، ومثل هذه المدن لا تُشاد في صحراءَ جرداء، بل في واحة خضراءَ كثيرةِ المياه.
وهذا الخبر نجد مصداقه أيضاً عند علماء الجولوجيا والآثار، حيث يؤكدون أن جزيرة العرب كانت قبل عشرين ألف سنة رقعة خضراء كثيرة المياه والأنهار، وفيها الكثير من أنواع الحيوانات التي تتواجد عادة في المراعي والغابات، كما شهد بذلك ما بقي من آثارهم.
كما أكد صدقَ هذا الخبر النبوي الدكتور هال ماكلور في أطروحته للدكتوراه والتي كانت عن الربع الخالي، فذكر أن البحيراتِ كانت تغطي هذه المنطقة الصحراوية خلال العصور المطيرة التي انقضت قبل ثمانية عشرَ ألفَ سنة.
ووافقه العالـم الجيولوجي الألماني الشهير البروفسور الفريد كرونر في مؤتمر علمي أقيم في جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية.
وأضاف بأن عود جزيرة العرب إلى تلك الحال مسألة معروفة عند العلماء، وأنها حقيقة من الحقائق العلمية، التي يوشك أن تكون، وقال: هذه حقيقة لا مفر منها.
ولما أُخبِر بقول النبي ((وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)) تعجب، وقال: "إن هذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي من أعلى" أي من عند الله.
وقال: "أعتقد انك لو جمعت كل هذه الأشياء، وجمعت كل هذه القضايا التي بسطت في القرآن الكريم والتي تتعلق بالأرض وتكوين الأرض والعلم عامة، يمكنك جوهرياً أن تقول: إن القضايا المعروضة هناك صحيحة بطرق عديدة، ويمكن الآن تاكيدها بوسائل علمية، ويمكن إلى حد ما أن نقول: إن القرآن هو كتاب العلم الميسر للرجل البسيط، وإن كثيراً من القضايا المعروضة فيه في ذلك الوقت لم يكن من الممكن إثباتها، ولكنك بالوسائل العلمية الحديثة الآن في وضع تستطيع فيه أن تثبت ما قاله محمد منذ 1400 سنة".
ويحسُن هنا التذكير بما حملته إلينا الأخبار عن تصوير جزيرة العرب من الفضاء، واكتشاف العلماء من خلال هذه الصور أنها تَسبح فوق نهر من المياه الجوفية، يمتد من غرب الجزيرة العربية إلى شرقها, ناحية الكويت, حيث أوضحت الصور أن مساحةً شاسعة من شمال غرب الكويت عبارة عن دلتا لهذا النهر العملاق . فمن الذي أخبر محمداً بحال جزيرة العرب قبل آلاف السنين؟ ومن الذي أنبأه بما سيكون عليه حالها في قابل الأيام؟ إنه وحي الله الذي يشهد له بالرسالة .
ومن أشراط الساعة الأخرى التي تنبأ النبي أنها تكون بين يدي الساعة، ونراها تكثر في حياة الناس اليوم قوله : ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام)).
وقال ابن التين: " أخبر النبي بهذا تحذيراً من فتنة المال، وهو من بعض دلائل نبوته لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين، وإلا فأخذ المال من الحلال ليس مذموماً من حيث هو".
وابتلي المسلمون اليوم بانتشار الربا ودخول معاملاته في شتى صور الحياة الاقتصادية، حتى إنه يصيب بقتامه حتى أولئك الذين ينأون عنه، ليصدق فينا قول النبي : ((يأتي على الناس زمان يأكلون الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره)).
قال السندي متحدثاً عن هذه البلية: " هو زماننا هذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وفيه معجزة بينة له صلى الله تعالى عليه وسلم".
وهو في زماننا أظهر وأبين، فقد أضحت البنوك الربوية ملاذاً يحفظ الناس فيه من الضياع أموالهم، بل ينالون منها رواتبهم وحقوقهم، وعن طريقها يدفعون أثمان بضائعهم وغيره، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وروى الإمام أحمد أمراً آخرَ تنبأ النبي بأنه يكون في آخر الزمان، ونراه يكثر في أيامنا، ألا وهو أن يخص المرء بسلامه معارِفَه دون بقية المسلمين، فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال: ((إن من أشراط الساعة أن يسلّم الرجل على الرجل، لا يُسلم عليه إلا للمعرفة)).
وفي رواية أخرى أنه قال: ((إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفُشُوَّ التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم)).
وهكذا فإخبار النبي عما يصنعه اليوم كثير من الناس، وهو تسليم المرء على خاصته من أقرباء وأصدقاء دون بقية المسلمين الذين لا يعرفهم، هذا الإخبار منه علامة على نبوته، لأنه إخبار بغيب لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله عليه.
وقد تضمن الحديث السالف أموراً أخرى كثرت في دنيا الناس، وبخاصة قطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان الحق. كما ذكر الحديث أمراً عجباً حين أخبر عن فشو التجارة ومشاركة المرأة زوجها فيها، وهو ما يكثر في زماننا. وأعجب منه قوله : (( وظهور القلم))، أي تعلم الناس الكتابة، وهو أمر لم يتحقق إلا في هذا القرن، حيث تراجعت نِسب الأمية بين شعوب العالم، وهي في طريقها إلى الزوال، وبخاصة مع تيسر سبل التعليم وتقدم وسائط الاتصالات.
والسؤال ، كيف عرف النبي قبل أربعة عشر قرناً أن الكتابة تفشو بين الناس، لقد أنبأ به في عصر كان عدد الكتبة فيه لا يكاد يتجاوز الألف. إنه عَلم آخر من أعلام النبوة.
ومن براهين النبوة المتعلقة بأشراط الساعة قوله : ((من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد)). قال أنس: (يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً).
ولما تيقن ابن عباس بتحقق هذا الخبر النبوي قال: (لتزخرفُنها كما زخرفت اليهود والنصارى).
قال ابن رسلان: "هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس".
ومن هذه الأخبار العجيبة الباهرة إخباره بتطاول الناس في البنيان، قال هذا في وقت ما عرف الناس فيه شاهق البنيان، ففي صحيح مسلم أن جبريل سأل النبي عن أمارات الساعة، فقال : ((أن تلد الأَمَة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالةَ رِعاء الشاء يتطاولون في البنيان)).
قال النووي : "معناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان". وقد تحقق هذا في زماننا ، فتقدم العلم، وكثر المال، وارتفع - بفضل الله - البنيان، ووصل الأمر بالناس إلى التفاخر فيه، وأغدق الله من فضله وجوده على بلاد كانت تشكو الفقر، فأضحت - بفضل الله - أغنى بلاد الدنيا، فتطاول أهلها مع غيرهم في البنيان، وهو مصداق ما أنبأ عنه . ومما أخبر أنه يكون قبيل الساعة، وتحقق في زماننا؛ استغناء الناس عن ركوب الدواب، التي استبدلوها بما أنتجته التقنية الحديثة من السيارات والطائرات وغيرها من وسائل الانتقال، وهو أمر حديث أشار إليه القرآن بقوله: ]والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً ويخلق ما لا تعلمون[ (النحل: 8) فإذا ما خلق الله هذه الوسائل الجديدة تحققت نبوءة رسول الله : ((ولتُتركن القِلاص فلا يُسعى عليها)).
وذكر النبي في حديث آخر بعض صفات المركوبات التي سيستحدثها الناس وبعض ما سيرافقها من المنكرات فقال: ((سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال، ينزلون على أبواب المسجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهم كأسنمة البخت العجاف )).
وأخبر النبي عن بعض الشرور التي تصيب أمته بين يدي الساعة، ونرى كثيراً منها بين المسلمين اليوم، ومنها أنّا نرى في بعض بلاد المسلمين من يقرأ القرآن في المآتم وعلى القبور أو على أبواب المساجد، يرجو من ذلك المال أو الشهرة ، لا الأجر والثواب، بل إن بعضهم يقرأ بحسب ما يعطى من المال، وهذا مصداق لما أخبر النبي عنه حين قال: ((من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس)).
وفي رواية البيهقي: ((فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأ لله عز وجل)).
والناظر في أحوال الكثيرين من شباب وفتيات المسلمين يسوؤه ما يراه من تقليد للآخرين في زيهم وشاراتهم وعاداتهم وتقاليدهم، بل وقصات شعورهم، فقد صدق فيهم قول النبي : ((لتتبعن سَنن من كان قبلكم شبراَ شبراَ، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جُحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟)).
قال النووي: "السَنَن بفتح السين والنون، وهو الطريق، والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات، لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله ، فقد وقع ما أخبر به
وأما ما ينتشر بين المسلمات من تبرج وتكشف في جلابيبهن وملابسهن التي أضحت صورة من صور الغواية لا الستر؛ فهذا تحقيق لما أخبر عنه النبي بقوله: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)). ومعنى قوله : ((رؤوسهن كأسنمة البخت)) كما نقل النووي: "يعظمن رؤوسهن بالخمُر والعمائم وغيرها مما يلفّ على الرأس، حتى تشبه أسنمة الإبل".
قال النووي: "هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع ما أخبر به، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة، أما الكاسيات ففيه أوجه [منها أن المرأة] تكشف شيئاً من بدنها إظهاراً لجمالها، فهن كاسيات عاريات يلبسن ثياباً رقاقاً تصِف ما تحتها، كاسيات [في الصورة، لكنهن] عاريات في المعنى". ولئن كان بعض هذا في زمن النووي رحمه الله؛ فإنه في عصرنا أظهر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. ومما يكون بين يدي الساعة أيضاً ضياع الأمانة بين الناس، وهو ما تنبأ به النبي حين جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟
يقول أبو هريرة : فمضى رسول الله يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: ((أين أراه السائل عن الساعة؟)) قال: ها أنا يا رسول الله.
فقال : ((فإذا ضيِّعت الأمانة فانتظر الساعة))، قال: كيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)).
قال ابن بطال في معناه: "أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده، وفرض عليهم النصيحة لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلَّدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها".
فمن ضياع الأمانة في آخر الزمان أن تسند المسؤوليات لا إلى أربابها من أصحاب الكفاءات، بل إلى ما يملكه المرء من معارف وأموال يسترضي بها الآخرين.
وما تزال الأمانة تقل بين الناس حتى يأتي عليهم زمان تنقلب فيه الموازين، وترفع فيه الأمانة (( فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)).
وتعاني أمة الإسلام حالة غريبة من التشرذم والضعف، وأصبحت بلادها كلأً مستباحاً للقاصي والداني، ولم يشفع لها أنها جاوزت المليار والربع من المسلمين، فهم غثاء كغثاء السيل، فصدق فيهم حديث النبي : ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)) فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن))، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)). إنه نبوءة من لا ينطق عن الهوى، وهو علم آخر من أعلام نبوته ورسالته. وهكذا فإن وقوع ما أخبر النبي بعد مضي هذه القرون من تنبئه بهذه الأحداث وتلك المظاهر، لبرهان صدق ودليل حق على نبوة النبي .

المعجزات الحسية للرسول
وإن من أعظم دلائل النبوة ما يؤتيه الله أنبياءه من خوارق العادات التي يعجز عن فعلها سائر الناس، وتمكينهم من هذه الخوارق إنما هو بتكريم وتأييد من الله، وهو دليل رضا الله وتأييدِه لهذا الذي أكرمه الله بالنبوة أو الرسالة، ولا يمكن أن يؤيد الله بعونه وتوفيقه من يدعي الكذب عليه ويُضل الناسَ باسمه.
ومن هذه المعجزات التي أوتيها الأنبياء والمرسلون؛ حبس الله الشمس عن الغروب لنبيه يوشع بن نون، قال : ((غزا نبي من الأنبياء .. فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنتِ مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ شيئاً، فحبست عليه حتى فتح الله عليه )).لقد خرق الله سنته في جريان الشمس إكراماً لنبي الله يوشع، واستجابة لدعائه لله.
وبمثله أيد الله موسى عليه السلام، فقد شقّ الله له البحر لما ضربه بعصاه، فصار طرقاً ممهدة يمشي بنو إسرائيل عليها في دعة وسكينة.
وبمثله أيضاً أيد الله نبيه وخاتم رسله، فصنع الله بيديه باهر المعجزات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته , ومعجزاته تزيد على ألف معجزة".
وقال ابن القيم بعد أن ذكر معجزات موسى وعيسى عليهما السلام: "وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين، مع بُعد العهد وتشتت شمل أمّتيْهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظن بنبوة محمد , ومعجزاتُه وآياتُه تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونقلُها ثابت بالتواتر قرناً بعد قرن؟".
لقد أيد الله نبيه محمداً بالمعجزات الدالة على نبوته، ورأى مشركو مكة الكثير منها ، لكنهم لم يؤمنوا، ولم يذعنوا للحق، بل طلبوا على سبيل العناد والاستكبار المزيد من الآيات } وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنةٌ
من نخيلٍ وعنبٍ فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً{ (الإسراء:90-93).
وحتى يقيم الله حجته على قريش؛ فإنه آتى نبيه معجزة من جنس ما طلبوه على سبيل التعجيز، ألا وهي انشقاق القمر، وهو حدث عظيم لا يقع إلا بتقدير العزيز العليم.
فقد روى الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود أنه قال: انشق القمر على عهد رسول الله فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه, فقال رسول الله : ((اشهدوا)).
قال الخطابي: "انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجاً من جبلة طباع ما في هذا العالم، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر".
قال ابن كثير بعد أن ساق روايات عدة لحادثة انشقاق القمر: "فهذه طرق عن هؤلاء الجماعة من الصحابة، وشهرة هذا الأمر تغني عن إسناده، مع وروده في الكتاب العزيز .. والقمر في حال انشقاقه لم يزايل السماء، بل انفرق باثنتين، وسارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء، والأخرى من الناحية الأخرى، وصار الجبل بينهما، وكلتا الفرقتين في السماء، وأهل مكة ينظرون إلى ذلك، وظن كثير من جهلتهم أن هذا شيء سُحرت به أبصارهم، فسألوا من قدم عليهم من المسافرين، فأخبروهم بنظير ما شاهدوه، فعلموا صحة ذلك وتيقنوه".
وهذا الذي حكاه الله بقوله: } اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آيةً يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمرٍ مستقر { (القمر: 1-3)، فلم يكذبوا رؤيتهم للقمر منشقاً، ولم يجدوا أمام هذه الآية الباهرة إلا أن يتهموا نبي الله بالسحر.
واليوم في عصر العلم والمعرفة تتجدد هذه الآية العظيمة، فقد نشرت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في موقعها على شبكة الإنترنت صورة للقمر، وقد اخترطه خط طويل من أقصاه إلى أقصاه، ويعتقد العلماء أنه أثر لانشقاق حصل في القمر قديماً } سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيءٍ شهيدٌ { (فصلت: 53).
ومن خوارق العادات المعجزة التي آتاها الله نبيه ما أعطاه من استجابة الجماد لأمره، والمعهود فيه خلاف ذلك، فقد أتى النبيَ رجلٌ من بني عامر، فقال له رسول الله : ((ألا أريك آية؟)) قال: بلى. فنظر إلى نخلة، فقال العامري للنبي : ادع ذلك العِذق!
قال: فدعاه، فجاء ينقز حتى قام بين يديه، فقال له رسول الله : ((ارجع)) فرجع إلى مكانه.
فقال العامري: يا آل بني عامر، ما رأيتُ كاليوم رجلاً أسحر.
وفي رواية لابن حبان أن العامري قال: "والله لا أكذبك بشيء تقوله أبداً"، ثم قال: "يا آل عامر ابن صعصعة، والله لا أكذبه بشيء يقوله".
إن تحرك الشجرة من مكانها وذهابها ومجيئها لهوَ آية معجزة وبرهان دامغ على صدقه ونبوته.
ويروي الإمام مسلم نحو هذه المعجزة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: سِرنا مع رسول الله حتى نزلنا وادياً أفْيَح [أي واسعاً] فذهب رسول الله يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله ، فلم ير شيئاً يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي.
فانطلق رسول الله إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: ((انقادي عليَّ بإذن الله)) فانقادت معه كالبعير المخشوش [المربوط بالحبل] الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: ((انقادي علي بإذن الله)) فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما؛ لأم بينهما - يعني جمعهما - فقال: ((التئما عليّ بإذن الله)) فالتأمتا.
ثم يمضي جابر في حديثه ويخبرنا بعود الشجرتين إلى حالهما بعد قضاء النبي حاجته، يقول: فإذا أنا برسول الله مقبلاً، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق".
قال الإمام أحمد: "في الحديث آيات من دلائل نبوة النبي منها: انقلاع الشجرتين واجتماعهما، ثم افتراقهما".
وفي جنبات مكة ثبّت الله قلب حبيبه في مواجهة المحن بآية من هذا الجنس، فقد جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله ، وهو حزين قد خضب وجهه بالدماء، قد ضربه بعض أهل مكة، فقال: مالك؟ فقال: ((فعل بي هؤلاء، وفعلوا)) فقال جبريل: أتحب أن أريك آية؟ قال: ((نعم أرني)).
فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، قال: ادع تلك الشجرة، فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: قل لها: فلترجع، فقال لها، فرجعت، حتى عادت إلى مكانها، فقال رسول الله : ((حَسْبي)).إنه دليل آخر من براهين نبوته .
ومن معجزات الأنبياء ما أعطاه اللهُ داودَ عليه السلام، ذلك النبي الأواب الذي كان يسبح الله، فتجيبه الجبال الرواسي والطيور مسبحة الله تعالى معه } وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين { (الأنبياء: 79). } ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد { (سبأ: 10).
وبمثل هذه المعجزة العظيمة أيد الله نبيه محمداً ، فسبح للهِ بين يديه الجمادُ ، وشهد له بالنبوة والرسالة.
يقول ابن مسعود: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل. أي بين يدي النبي .
ويقول أبو ذر : إني شاهد عند النبي في حَلْقَة، وفي يده حصى، فسبّحنَ في يده. وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فسمع تسبيحَهن مَنْ في الحَلْقَة، ثم دفعهن النبي إلى أبي بكر ، فسبحن مع أبي بكر ، سمع تسبيحهن من في الحلقة ، ثم دفعهن إلى النبي فسبَّحنَ في يده ، ثم دفعهنّ النبي إلى عمر، فسبحن في يده، وسمع تسبيحهنّ مَنْ في الحلقة، ثم دفعهن النبي إلى عثمان بن عفان، فسبّحن في يده، ثم دفعهنَّ إلينا، فلم يسبّحن مع أحدٍ منا.
ويقارن ابن كثير بين هذه المعجزة ومعجزة أخيه نبي الله داود عليهما السلام، فيقول: "ولا شك أن صدور التسبيح من الحصى الصغار الصمّ التي لا تجاويف فيها؛ أعجب من صدور ذلك من الجبال؛ لما فيها من التجاويف والكهوف، فإنها وما شاكلَها تردِّدُ صدى الأصوات العالية غالباً .. ولكن من غير تسبيح؛ فإن ذلك [أي تِردادَها بالتسبيح] من معجزات داود عليه السلام، ومع هذا كان تسبيح الحصى في كف رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان أعجب".
وصدق الشاعر إذ يقول:
لئن سبـَّحتْ صمُّ الجبال مجيبة لداود أو لان الحديدُ المصفَّح فإن الصخور الصم لانَتْ بكفه وإن الحـصا في كفه ليُسبِّحُ
وإن من معجزاته العظيمة نطقُ الجمادات بين يديه، فالجمادات لا تعقل ولا تنطق، فإذا أنطقها الله بتصديقه، فهو دليل رضاهُ عن النبي في قوله بنبوة نفسه وتصديقه حين قال بإرسال الله إياه.
وقد بدئ بآية من هذا النوع قبل نبوته ، فكان الحجر يسلم عليه، يقول رسول الله : ((إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن)).
قال النووي: "فيه معجزة لرسول الله وبعد البعثة رأى الصحابة ذلك، يقول علي: (كنا مع رسول الله بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله).
ولم تتوقف هذه الآيات والمعجزات عند السلام عليه والتسبيح بين يديه وأيدي أصحابه، بل أنطقها الله بالشهادة له بالنبوة والرسالة.
يقول ابن عمر رضي الله عنهما: كنا مع النبي في سفر فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله : ((أين تريد؟)) قال: إلى أهلي، قال: ((هل لك في خير؟)) قال: وما هو؟ قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله)).
قال الأعرابي: ومن يشهد على ما تقول؟ فأشار النبي إلى شجرة، وقال: ((هذه السلَمَة))، فدعاها رسول الله وهي بشاطئ الوادي، فأقبلَتْ تَخُدُّ الأرض خداً حتى قامت بين يديه, فاستشهدها ثلاثاً، فشهدت ثلاثاً أنه كما قال.
ثم رجعت إلى مَنبَتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، وهو يقول للنبي : إن اتبعوني أتيتُكَ بهم، وإلا رجعتُ فكنتُ معك.
ومن عظيم خوارق العادات التي أوتيها النبي حنين الجذع التي كان يخطب عليها في يوم الجمعة، وهي قصة مشهورة شهدها الكثير من أصحاب النبي ، يقصها علينا

للمزيد من مواضيعي

 








توقيع ابو الياسمين والفل
الله ربى والاسلام دينى والقرآن الكريم كتابى ودستورى ومحمد رسول الله ورسولى واشهد ان لا آله الا الله وحده لا شريك له فى ملكه وان محمد رسوله بلغ الرساله وادى الامانه ونصح الامه وازال الغمه ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم


رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :2  (رابط المشاركة)
قديم 05.11.2010, 06:25
صور ابو الياسمين والفل الرمزية

ابو الياسمين والفل

عضو

______________

ابو الياسمين والفل غير موجود

فريق الترجمة 
الملف الشخصي
التسجيـــــل: 06.07.2010
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 474  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
12.02.2015 (03:08)
تم شكره 35 مرة في 31 مشاركة
افتراضي


جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فيقول: كان النبي  يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبراً؟ قال: ((إن شئتم)). فجعلوا له منبراً.
فلما كان يوم الجمعة خرج إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي ، فضمها إليه، تئن أنين الصبي الذي يُسكَّن، قال جابر: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها.
قال ابن حجر: "إن حنين الجذع وانشقاق القمر نُقل كلٌ منهما نقلاً مستفيضاً، يفيد القطع عند من يطَّلع على طرق ذلك من أئمة الحديث ".
قال البيهقي: "قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف , ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف". أي لشهرتها وذيوع أمرها.
قال الشافعي: ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً , فقال له عمرو بن سواد: أعطى عيسى إحياء الموتى! قال: أعطى محمداً حنينَ الجِذعِ حتى سمع صوته , فهذا أكبر من ذلك".
قال ابن كثير: "وإنما قال: فهذا أكبر منه؛ لأن الجذع ليس محلاً للحياة، ومع هذا حصل له شعور ووجد لما تحوّل عنه إلى المنبر، فأَنَّ وحنَّ حنين العِشار [أي الناقة الحامل]، حتى نزل إليه رسول الله  ، فاحتضنه.. ".

تكثير الطعام والشراب والوضوء ببركة النبي 
وإن من المعجزات الخارقة لعادات البشر التي تشهد بالنبوة للأنبياء ما يجعله الله على أيديهم من البركة التي ينتفع بها الناس.
قال الله على لسان نبيه المسيح:  قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أين ما كنت ‎وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً  (مريم: 30-31).
ونبينا أيضاً كان نبياً مباركاً، وكان ما ساقه الله من البركة على يديه دليلاً ساطعاً وبرهاناً دامغاً على نبوته ورسالته.
وقد كثُرت في ذلك الأخبارُ وتكاثرت وهي تتحدث عما كتب الله من تكثير القليل ببركة نبيه ، وحملتها إلينا الأسانيد الصحاح التي بلغتْ بها مَبلغَ التواتر، قال النووي: "وقد تظاهرت أحاديثُ آحادٍ بمثل هذا، حتى زاد مجموعها على التواتر، وحصل العلمُ القطعيُ بالمعنى الذي اشتركت فيه هذه الآحاد، وهو انخراق العادة بما أتى به من تكثيرِ الطعامِ القليلِ الكثرةَ الظاهرة، ونبعِ الماء وتكثيرِه، وتسبيحِ الطعام، وحنينِ الجِذْعِ وغيرِه ... ".
ومن هذه الأخبار الكثيرة التي تواتر معناها ما رواه لنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حيث قال: تُوفي أبي وعليه دينٌ، فعرضتُ على غرمائه في الدَّين أن يأخذوا التمر بما عليه، فأبوا، ولم يروا أن فيه وفاءً.
يقول جابر: فأتيتُ النبي فذكرتُ ذلك له، فقال: ((إذا جَدَدتَه فوضعتَه في المِرْبد آذنتَ رسول الله ))، أي طلب منه إذا جمع التمر في مكانه أن يخبر النبي .
قال جابر: فجاء رسول الله ومعه أبو بكر وعمر، فجلس على المِربَد، ودعا بالبركة، ثم قال : ((ادعُ غُرَماءَك فأوفِهم))، قال جابر: فما تركتُ أحداً له على أبي دَيْنٌ إلا قضيتُه، وفَضَل ثلاثةَ عشر وسْقاً ...
فوافيتُ مع رسول الله المغرِب، فذكرتُ ذلك له، فضحك، وقال: ((ائت أبا بكر وعمر فأخبرهُما))، فقالا: لقد علمنا إذ صنعَ رسول الله ما صنعَ أنْ سيكون ذلك. أي أن أبا بكر وعمرَ توقعا أن يقضي التمرُ - مع قِلّته - الدَّين ، وذلك ليَقِينهما ببركة النبي .
قال ابن حجر: " وفيه عَلم ظاهر من أعلام النبوة، لتكثيرِ القليل إلى أن حصل به وفاء الكثير، وفَضَل منه".
وأعجب منه رآه جابر في يوم آخر، وذلك يوم الخندق، فقد رأى بالنبي جوعاً شديداً، يقول: فانكفأْتُ إلى امرأتي، فقلتُ لها: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله خَمَصَاً شديداً، قال: فأخرجَت لي جِراباً فيه صاعٌ من شعير، ولنا بهيمةٌ داجنٌ، فذبحتُها ...
ثم ولّيتُ إلى رسول الله ، فقالت امرأةُ جابر: لا تفضحني برسول الله ومن معه.
لقد خشيتْ أن يدعو جمْعاً لا يكفيه الطعام، فتفضح بين النساء بعجزها عن إطعامهم.
يقول جابر: فجئتُه فسارَرْتُه، فقلتُ: يا رسول الله، إنا قد ذبحنا بهيمة لنا، وطحنتُ صاعاً من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفرٍ معك.
يقول جابر: فصاح رسول الله وقال: ((يا أهل الخندق، إن جابراً قد صنع لكم سُوراً، فحيَّ هلاً بكم)).
وقال رسول الله لجابر: ((لا تُنزلِنَّ بُرمَتكم، ولا تخبِزُنَّ عجينَتَكم حتى أجيء)).
قال جابر: فجئت وجاء رسول الله يَقْدُمُ الناسَ حتى جئتُ امرأتي، فقالت: بكَ وبكَ.
لقد لامته وقرّعته على دعوةِ العدد الكبير إلى طعامهم القليل، إذ ظنت أنه أهمل طلبتها.
يقول جابر: فقلتُ: قد فعلتُ الذي قلتِ لي.
قال جابر: فأخرجتُ له عجينتنا، فبصق فيها وبارك، ثم عمَد إلى بُرْمَتِنا، فبصق فيها وبارك، ثم قال لامرأتي: ((ادعي خابزةً فلتخبز معَكِ، واقدحي من بُرْمتِكم ولا تُنـزِلوها)).
قال جابر: وهم ألفٌ، فأقسم بالله، لأكلوا حتى تركوه .. وإن بُرْمَتنا لتغِطُّ كما هي، وإن عجينتنا لتُخبَز كما هو.
لقد أطعم النبي ألف رجل من طعام لا يكاد يكفي البضعَ من الرجال، يقول النووي: "حديث طعام جابر فيه أنواع من فوائد وجُمَل من القواعد: منها: الدليلُ الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوةِ رسول الله ... وقد تضمن هذا الحديث عَلَمَينِ من أعلام النبوة: أحدُهُما: تكثيرُ الطعام القليل، والثاني: عِلمُه بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسةَ أنفسٍ أو نحوَهم سيَكْثُر، فيكفي ألفاً وزيادة، فدعا له ألفاً [أي من أصحابه] قبل أن يصل إليه، وقد عُلم أنه [أي طعامُ جابر] صاعُ شعير وبهيمة".
وأعجب منه وأعظم في البركة ما قصّه علينا عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما حين قال: كنا مع النبي ثلاثين ومائة، فقال النبي : ((هل مع أحدٍ منكم طعام؟)) فإذا مع رجل صاعٌ من طعام أو نحوُه، فعُجِن، ثم جاء رجلٌ مشرك مُشعَانٌ طويلٌ بغنم يسوقها، فقال النبي : ((بيعاً أم عطية؟ أو قال: هِبة؟)) فقال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاةً، فصُنِعَت.
وأمر النبي بسواد البطن [أي الكبد] أن يُشوى، وأيْمُ الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حَزّ له رسول الله r حُزَّة من سواد بطنها، إن كان شاهداً أعطاه إياه، وإن كان غائباً خبّأ له، فجعل منها قصعتين، فأكلوا أجمعون، وشبعنا، فَفَضَلت القصعتان، فحملناه على البعير.
قال النووي: " وفي هذا الحديث معجزتان ظاهرتان لرسول الله : إحداهما: تكثيرُ سوادِ البطن حتى وسِع هذا العدد، والأخرى تكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم أجمعين ، وفَضَلَت منه فَضْلةً حملوها لعدم حاجة أحد إليها".
وأدرك أبو هريرة  ما عليه النبي  من البركة، فطمع أن ينال حظه منها، فأتى النبي بتمرات فقال: يا رسول الله، ادع الله لي فيهن بالبركة، قال: فصَفّهن بين يديه، ثم دعا، فقال لي: ((اجعلهن في مِزْود [وعاء]، وأدخل يدك ولا تَنثُرْه)) قال: فحملت منه كذا وكذا وسْقاً في سبيل الله، ونأكل ونطعِم، وكان لا يفارق حقوي [أي معْقِدَ الإزار].
فلما قُتل عثمان رضي الله عنه انقطع المِزود عن حقويّ، فسقط.
لقد بقي  يأكل من الجراب زُهاء خمس وعشرين سنة، كل ذلك ببركة النبي ، ليكونَ شاهداً آخرَ على نبوة النبي .
ولهذا ولغيره لما أورد القاضي عياض أحاديثَ بركات النبي من تكثير الطعام وبركة الدعاء قال: "وقد اجتمع على معنى حديثِ هذا الفصلِ بضعةَ عشر من الصحابة، رواه عنهم أضعافُهم من التابعين، ثم من لا ينعدُّ بَعدَهم، وأكثرها في قصصٍ مشهورة ومجامعٍ مشهودة، ولا يمكن التحدّث عنها إلا بالحق، ولا يسكت الحاضرُ لها على ما أُنكِر منها".
وهكذا فإنه يرى هذه الأخبار منقولةً بطريق أشبه التواتر، فقد شهد كلَّ واحدة منها الكثيرون من الصحابة وغيرِهم، فلم يعارِض أحدٌ رواتَها، وهم يروون هذه الأخبار لشهرتها وصدقها.
ويخرج سلَمةَ بنِ الأكوع مع رسول الله في غزوة فيصيبهم جَهدٌ، حتى همّوا بنحر بعض إبِلِهِم، يقول سلمة: فأمر نبي الله ، فجمعنا مزاوِدَنا، فبسطنا له نِطَعاً، فاجتمع زاد القوم على النِطَع.
قال سلمة: فتطاولتُ لأَحزِرَه كم هو؟ فحَزرْتُه كرَبضة العنْز ، ونحن أربعَ عشرةَ مائة، قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعاً، ثم حشونا جُرُبَنا، فقال نبي الله : ((فهل من وضوء؟)) قال: فجاء رجلٌ بإدَاوةٍ له، فيها نُطفَة [أي القليل من الماء]، فأفرغها في قَدَح، فتوضأْنا كلُنا.
قال النووي: " وفي هذا الحديث: معجزتان ظاهرتان لرسول الله ، وهما: تكثيرُ الطعام، وتكثير الماء هذه الكثرةَ الظاهرة، قال المازِرِي: في تحقيق المعجزة في هذا، أنه كلما أُكِل منه جزءٌ أو شُرِب جزء، خلق الله تعالى جزءاً آخر يخلُفُه ".
ومن أخبار بركاته  المتكاثرة المتواترة في معناها، ما يرويه أبو هريرة ، فلنستمع إليه وهو يقول: كنا مع النبي  في مسير، قال: فنفِدَت أزواد القوم، حتى هَمّوا بنحر بعضِ حمائلهم. فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعتَ ما بقي من أزواد القـوم، فدعوتَ اللهَ عليها.
قال أبو هريرة: ففعل .. فدعا عليها، حتى ملأ القومُ أزْوِدَتهم. فقال  عند ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غيرَ شاك فيهِما، إلا دخل الجنة)).
لقد بارك الله فيما تبقى من أزوادهم، فكَثُر قليلُ طعامهم ببركة النبي  ، قال النووي: "وفي هذا الحديث عَلم من أعلام النبوة الظاهرة، وما أكثرَ نظائره التي يزيد مجموعها على شرط التواتر، ويحصل العلم القطعي، وقد جمعها العلماء، وصنفوا فيها كتباً مشهورة".
وفي دليل آخر من دلائل نبوته  يروي الشيخان في الصحيحين أن أبا طلحة دخل ذات يوم على زوجه أمِ سُلَيم، فقال لها: لقد سمعتُ صوتَ رسول الله  ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم.
قال أنس: فأخرجتْ [أي أمَّه أُم سُليم] أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها، فلفّتِ الخبز ببعضه، ثم دسّته تحت يدي، ولاثتني ببعضه [أي لفتني ببعضه]، ثم أرسلتني إلى رسول الله .
فذهبتُ به، فوجدتُ رسول الله  في المسجد ومعه الناس، فقُمتُ عليهم، فقال لي رسول الله : آرسلكَ أبو طلحة [أي: هل أرسلكَ أبو طلحة]؟ فقلت: نعم. قال: بطعام؟ فقلت: نعم. فقال رسول الله  لمن معه: قوموا.
قال أنس: فانطلق وانطلقتُ بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة فأخبرتُه، فقال أبو طلحة: يا أم سُليم، قد جاء رسول الله  بالناس، وليس عندنا ما نطعِمُهم. فقالت: الله ورسولُه أعلم.
فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسولَ الله ، فأقبل رسولُ الله  وأبو طلحةَ معه، فقال رسول الله : هلُمي يا أم سُليم، ما عندك؟
فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله  ففُتَّ، وعَصرت أُمُّ سليمٍ عُكَّةً [قربةً فيها سمنٌ] فأَدَمَتْه [أي جعلتْه إداماً]، ثم قال رسول الله  فيه ما شاء الله أن يقول [أي من دعاء الله بالبركة].
ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ائذن لعشرةٍ))، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)). فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا .. [وهكذا] فأكل القوم كلُّهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً.
قال النووي: "قوله : (( آرسلك أبو طلحة؟)) وقوله: ((ألطعامٍ؟)) هذان عَلَمان من أعلام النبوة [أي لإخباره  بما غاب عنه], وذهابُه  بهم علَم ثالثٌ [أي لعلمه  بحصول البركة] , وتكثيرُ الطعام عَلَم رابع ".
وهذه القصة وأمثالُها حضرها الجمع من الصحابة، ولا يمكن الكذب في مثل هذه الأخبار لكثرةِ شهودها وظهورِ خبرها بين الناس.
قال النووي: " إذا روى الصحابي مثل هذا الأمر العجيب, وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة, وهم يسمعون روايته ودعواه, أو بلَغهم ذلك ولا ينكرون عليه, كان ذلك تصديقاً له يوجب العلم بصحة ما قال".
وذات مرة كان النبي  وأصحابه في سفر ، فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل، فدعا اثنين من أصحابه، فقال: ((اذهبا فابتغيا الماء))، فانطلقا، فتَلقيا امرأةً بين مزادتين من ماء، على بعير لها .. فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي  بإناء، ففرَّغَ فيه من أفواهِ المزادتين، وأوْكأ أفواهَهما .. ونُودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء.
وأما المرأةُ صاحبةُ المزادتين، فكانت قائمةً تنظر إلى ما يُفعل بمائها، وأيم الله لقد أقلع عنها، وإنه ليُخيَّل إلينا أنها أشدُ مِلأَة منها حين ابتدأ فيها.
وأراد النبي  تطييب خاطرها، فقال: ((اجمعوا لها من بين عجوة ودقِيقَة وسَويقَة)) حتى جمعوا لها طعاماً، فجعلوها في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، وقـال لها : ((تعلمين ما رَزِئْنا من مائِكِ شيئاً [أي لم نُنقِص منه شيئاً]، ولكن الله هو الذي أسقانا)).
فأتت المرأة أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجبُ، لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له: الصابئ، ففعل كذا وكذا، فواللهِ إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه، [أي السماء والأرض] أو إنه لرسولُ الله حقاً. ثم دعت قومها للإسلام، فأسلموا.
لقد استدلت المرأة على صدق النبي  ونبوته بما رأته من دليل باهر ومعجزة عظيمة حصلت ببركة النبي ، وكيف لا تعجب وقد شرب القوم من مائها القليل، فكفاهم رغم كثرتهم، من غيرِ أن يَنقُص شيء من مائها.
قال ابن حجر: " وقد اشتمل ذلك على عَلمٍ عظيمٍ من أعلام النبوة ... وظاهره أن جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده, وأنه لم يختلط فيه شيء من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلِطًا, وهذا أبدعُ وأغربُ في المعجزة .. ويُحتمل أن يكون المراد: ما نَقصْنَا من مِقدار مائِك شيئاً ".
وخرج النبي  وأصحابه في سفر آخر فقال: ((إنكم إنْ لا تدركوا الماء غداً تعطشوا)) ... ثم سار وسرنا هُنَيهةً، ثم نزل، فقال: ((أمعكم ماء؟)) قال أبو قتادة: قلتُ: نعم، معي ميضأة فيها شيء من ماء.
فقال : ((ائتني بها))، فأتيته بها، فقال: ((مَسُّوا منها، مَسُّوا منها))، فتوضأ القوم، وبقيتْ جُرعة، فقال : ((ازدهر بها [أي احتفظ بها] يا أبا قتادة، فإنه سيكونُ لها نبأ))...
يقول أبو قتادة: فلما اشتدت الظهيرة خرج لهم رسول الله ، فقالوا: يا رسول الله، هلكنا عطشاً، تقطعت الأعناق، فقال: ((لا هُلْكَ عليكم)). ثم قال: ((يا أبا قتادة ائت بالميضأة))، فأتيتُ بها، فقال: ((اِحلِل لي غُمري)) يعني قدَحَه، فحَللتُه، فأتيتُ به، فجعل يصبُ فيه، ويسقي الناس، فازدحم الناس عليه.
فقال رسول الله : ((يا أيها الناس أحسِنوا الملَأْ، فكُلكم سيصدُر عن رِيّ))، فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغيرَ رسولِ الله ، فصب لي، فقال: ((اشرب يا أبا قتادة)). قلت: أنت يا رسول الله. قـال: ((إن ساقيَ القومِ آخرُهم))، فشربتُ وشرِب بعدي، وبقي في الميضأة نحوٌ مما كان فيها، وهم يومَئذ ثلاثُ مائة.
قال النووي: "وفي حديث أبي قتادة هذا معجزاتٌ ظاهراتٌ لرسول الله  إحداها: إخباره بأن الميضأة سيكونُ لها نبأ، وكان كذلك. الثانيةُ: تكثيرُ الماء القليل. الثالثةُ: قوله : ((كلكم سيَرْوى)), وكان كذلك".
وقد كان لأهل الصُّفة أضياف الإسلام نصيب من بركة النبي ، فقد أمر أبا هريرة  أن يدعوهم، فحضروا جميعاً، ثم قال له النبي : ((يا أبا هِر)) قال: قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((خذ فأعطهم)).
قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل، فيشربُ حتى يَرْوى، ثم يردُّ علَيّ القدح، فأعطيه الرجلَ، فيشربُ حتى يَرْوى، ثم يرد عليّ القدح، فيشربُ حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي وقد رَويَ القومُ كلُهم.
فأخذ القدح ، فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم، فقال: ((أبا هِرّ)) قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((بقيتُ أنا وأنت))، قلتُ: صدقتَ يا رسول الله، قال: ((اقعد فاشرب))، فقَعَدتُ فشربتُ، فقال: ((اشرب)) فشرِبتُ، فما زال يقول: ((اشرب)) حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسْلَكاً، قال: ((فأرني)) فأعطيته القدح، فحمِد الله وسمّى، وشرِب الفَضْلة.
قال ابن حجر: "ووقع في حديث أبي هريرة الماضي في علامات النبوة أنهم كانوا سبعين، وليس المرادُ حصرَهم في هذا العدد، وإنما هي عِدَّةُ من كان موجوداً حين القصة المذكورة ... وفيه معجزة عظيمة، وقد تقدم لها نظائر في علامات النبوة من تكثير الطعام والشراب ببركته r ".
ويحكي لنا سمُرة  آية أخرى كثَّر الله فيها الطعام على يديه  ، فيقول: كنا مع النبي ، إذ أُتي بقصعة فيها ثريد، فأكلَ وأكل القوم: فلم يزل يتداولونها إلى قريب من الظهر: يأكل كل قوم ثم يقومون، ويجيء قوم فيتعاقبوه، فقال رجل لسمُرة: هل كانت تُمَدُّ بطعام؟ قال: (أما من الأرض فلا، إلا أن تكون كانت تُمَد من السماء).
قال المباركفوري: " لا تكون كثرةُ الطعام فيها إلا من عالم العَلاء بنزول البركة فيها من السماء".
وهذا دُكَين ٍالخثعمي أتى النبي  يسأله الطعام في رهط من قومه ، وهم أربعونَ وأربعُ مائة. فقال النبي  لعمرَ بن الخطاب: ((قم فأعطهم)).
قال: يا رسـولَ الله، ما عندي إلا ما يَقيظُني والصبيةَ. قال: ((قم فأعطِهم)) ، قال عمر: يا رسولَ الله سمعاً وطاعة.
قال دُكَين: فقام عمر، وقمنا معه، فصعد بنا إلى غرفةٍ له، فأخرج المفتاح من حُجزَتـِه، ففتح الباب، فإذا بالغرفة شبيه الفصيل الرابض.
قال: شأنكم، فأخذ كل رجل منا حاجَته ما شاء الله. قال دُكين: ثم التفتُّ، وإني لمن آخرهم، وكأنا لم نرْزَأْ منه تمرة. أي لم ينقص التمر شيئاً.
وهكذا نرى تكرار هذه الأخبار التي شهدها جموع الصحابة، فهي أصدقُ الأخبار وأوثقُها، وهي بمنزلة المتواتر المقطوع بصحته وحجيته لتكرر أفرادها.
قال النووي عن أمثال هذه المعجزات: " تواترت على المعنى كتواتُرِ جودِ حاتِمِ طيئ وحِلمِ الأحنفِ بنِ قيس, فإنه لا ينقل في ذلك قصةٌ بعينِها متواترة, ولكن تكاثرت أفرادُها بالآحاد, حتى أفاد مجموعُها تواترَ الكرمِ والحِلْم [أي لحاتم والأحنف], وكذلك تواترُ انخراقِ العادةِ للنبي  بغيرِ القرآن".
ومن هذه الأخبار ما جاء في حديث مسلم عن جابر  أن النبي  كان في سفر مع أصحابه، فقال: ((يا جابر ناد بوَضوء))، فقلت: ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟
ولما لم يردَّ أحد قلتُ يا رسول الله، ما وجدتُ في الركبِ من قطْرة، وكان رجل من الأنصار يبرِّد لرسول الله  الماء في أشْجابٍ له.
قال جابر: فقال لي: ((انطلق إلى فلان ابن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟)) فانطلقتُ إليه، فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة، لو أني أُفرِغُه لشرِبه يابِسه [أي يابسُ السِقاء لقلة مائه]، فأتيت رسول الله  فقلت: يا رسول الله، إني لم أجد فيها إلا قطرة...
قال: ((اذهب، فأتني به))، فأتيته به، فأخذه بيده، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه فقال: ((يا جابر نادِ بجفْنَة)) [وهي إناء كبير] ... فأُتيتُ بها تُحمل، فوضعتُها بين يديه، فقال رسول الله  بيده [أي وضعها] في الجفنَة هكذا، فبسطها، وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة.
وقال: ((خذ يا جابر، فصُب عليَّ [أي قطرة الماء التي وجدتها عند الأنصاري]، وقل: باسم الله))، فصببتُ عليه، وقلت: باسم الله.
فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله  ، ثم فارت الجفنة [بالماء]، ودارت حتى امتلأت فقال: ((يا جابر، ناد من كان له حاجةٌ بماء)) قال: فأتى الناس، فاستقوا حتى رووا.
فقلتُ: هل بقي أحدٌ له حاجة؟ فرفع رسول الله  يده من الجفنة وهي ملأَى.
قال الـمُزني: "نبع الماء من بين أصابعه  أبلغ في المعجزة من نبعَةِ الماء من الحجر حيث ضربه موسى عليه السلام بالعصا، فتفجرت منه المياه، لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروجه من بين اللحم والدم ".
وصدق القائل:
وإن كان موسى أنبع الما من العصا فمن كفه قد أصبح الماء يطفح
وقال القرطبي: "هذه المعجزة تكررت من النبي  مرات عديدة في مشاهد عظيمة، وجموع كثيرة، بلغتنا بطرقٍ صحيحة من رواية أنس، وعبد الله بن مسعود، وجابر، وعمران بن حصين، وغيرهم ممن يحصل بمجموع أخبارهم العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، وبهذا الطريق حصل لنا العلم بأكثر معجزاته الدالة على صدق رسالاته".
وفي موقف آخر يرويه البخاري في صحيحه نزل النبي  بالناس يوم الحديبية بأقصاها على ثَمَد قليلِ الماء يتبرَّضُه الناس تبرُضاً، فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول الله  العطشُ، فانتزع سهماً من كِنانته، ثم أمرهـم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرَّي، حتى صدروا عنه.
قال ابن حجر: " وفي هذا الفصل معجزاتٌ ظاهرة , وفيه بركةُ سلاحه وما ينسب إليه, وقد وقع نبعُ الماء من بين أصابعه في عِدة مواطن ".
ولما أتى معاذ بن جبل  عين تبوك مع رسول الله ، رأى قلة مائها فوصفها، فقال: والعين مثل الشِراك تَبِضُّ بشيء من ماء، فجعل الصحابة يغرفون بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع لهم شيء من مائها.
قال معاذ: وغسل رسول الله فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء منهمر - أو قال: غزير - حتى استقى الناس.
فقال له عليه الصلاة والسلام: ((يوشك يا معاذ - إن طالت بك حياة - أن ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً)).
وفي هذا الخبر دليلان من دلائل النبوة: أولهما: تفجر العين ببركة دعاء النبي ، والآخر: إخبار النبي بما نراه اليوم من وفرة المياه واتساع الرقعة الخضراء في منطقة تبوك.
وبعض بركة النبي  استمر دهراً طويلاً بعد وفاته ، ومن ذلك ما ترويه عائشة رضي الله عنها بقولها: توفي رسول الله ، وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطرُ شعيرٍ في رفٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ، فكِلْتُه ففني.
ومثل هذا الخبر يحكيه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفيه أن رجلاً أتى النبي  يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفَهما حتى كاله، فأتى النبيَّ ، فقال عليه الصلاة والسلام: لو لم تكِلْه لأكلتم منه، ولقام لكم.
وروى مسلم أيضاً مثلَ هذا الخبر في قصة أم مالك، وكانت تهدي سمناً للنبي  في عُكّة لها، فيأتيها بَنوها، فيسألون الأُدْم [أي ما يؤتدَم به الخبز، وهو ما يسمى في أيامنا إداماً]، وليس عندهم شيء، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي  ، فتجد فيه سمناً، فما زال يقيم لها أُدْمَ بيتِها حتى عصرَته، فأتت النبي  فقال: ((عصرتيها؟)) قالت: نعم قال: ((لو تركتيها ما زال قائماً)).
قال النووي: " قوله : ((لو تركتيها ما زال قائماً)) أي موجوداً حاضراً" .
ثم بيّنَ رحمه الله سبب فناء سمنِ العُكّة والشعير حين عُصِرت أو كِيل ، فقال: "الحكمة في ذلك أن عصرَها وكَيْلَه مضادةٌ للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى, ويتضمن التدبيرَ, والأخذَ بالحول والقوة, وتكلُفَ الإحاطةِ بأسرار حِكم الله تعالى وفضله , فعوقب فاعِلُه بزواله". أي كأنه خرج من التسليم لقدرة الله وعظيمِ فِعله، إلى الطمع في معرفة سبب أرضي ومادي له، فانقطع لذلك.
وكما ظهرت بركة النبي  في الطعام والشراب؛ فإنها ظهرت في تكثيره لماء الوضوء حين احتاج الصحابة إليه، يقول أنس : (رأيتُ رسول الله وحانت صلاةُ العصر، فالتمس الناسُ الوَضُوءَ، فلم يجدوه، فأُتي رسولُ الله بوَضوءٍ، فوضع رسولُ الله في ذلك الإناءِ يدَه، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه، قال أنس: فرأيتُ الماء ينبع من تحت أصابعه، حتى توضؤوا من عندِ آخرهم).
وفي رواية لأحمد من حديث ابن مسعود أنه قال: ((فرأيتُ الماءَ يتفجرُ من بين أصابع النبي ثم قال: ((حي على الوَضُوء، والبركةُ من الله)).
قال جابر: كنا ألفاً وخمسَ مائة.
قال الطيبي: "وإنما طلب فَضْلةً من الماء كيلا يُظَنَّ أنه مُوجِد الماء، فإن الإيجاد إليه سبحانه، وإليه أشار بقوله: ((والبركةُ من الله)) أي أن هذا الذي رأيتم من زيادة الماء أيضاً ليس مني، إنما هو بركةٌ من الله تعالى وفضل". إنه دليلٌ آخرُ من دلائل نبوته .
ويروي الشيخان عن أنسِ بنِ مالكٍ شاهداً آخر من شواهد نبوته ودلائل رسالته، فيقول: كان النبي وأصحابه بالزَوراء، والزَوراء موضع في المدينة.
قال أنس: فدعا بقدحٍ فيه ماء، فوضع كفّه فيه، فجعل ينبُع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال قتادة: كم كانوا يا أبا حمزة؟ فقال أنس: كانوا زُهاء الثلاثِ مائة.
قال القاضي عياض: "هذه القصة رواها الثقاتُ من العدد الكثير عن الجم الغفير، عن الكافّة متصلةً بالصحابة، وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومَجمَع العساكر، ولم يرد عن أحد منهم إنكارٌ على راوي ذلك، فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته".
وفي يوم الحديبية عطش الناس ولم يجدوا ماء للوضوء والشراب إلا قليلاً بين يدي النبي  في رَكْوة، فتوضأ، فتسابقوا إلى الماء لقِلَّته، فقال: ((مالكم؟)) قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأُ ولا نشربُ إلا ما بين يديك.
فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثورُ بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا.
فسأل سالم راوي الحديث جابراً: كم كنتم؟ فقال مستنكراً: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمسَ عشرةَ مائة [أي ألفاً وخمسَ مائة].
قال القرطبي: "قضية نبع الماء من بين أصابعه تكررت منه في عدة مواطن في مشاهدَ عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعُها العلمَ القطعيَ المستفادَ من التواتر المعنوي".
وفي موضع آخر يخبرنا أنس  أن النبي  دعا ذات يوم بماء، فأُتي بقدح رَحراحٍ [أي متسعِ الفم]، فجعل القوم يتوضؤون.
ويذكر لنا أنس عدد من كفاهم هذا الماء، فيقول: (فحزِرت ما بين الستين إلى الثمانين، قال أنس: فجعلت أنظرُ إلى الماء، يَنبُعُ من بين أصابعه).
قال النووي: "وأكثر العلماء أن معناه: أن الماءَ كان يخرج من نفسِ أصابعه  , وينبُع من ذاتها. قالوا: وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجرٍ ... يُحتَمل أن الله كثّرَ الماء في ذاته, فصار يفور من بين أصابعه، لا من نفسِها, وكلاهما معجزةٌ ظاهرة, وآية باهرة ".
وروى الحاكم عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي  وأبو بكر في الهجرة مستخْفيين من مكة؛ مرا بعبد يرعى غنماً، فاستسقَياه من اللبن، فقال: ما عندي شاة تُحلب غير أن ههنا عَناقاً حَملت أول الشتاء، وقد أخدجَت [أي أسقطت ولم تكمل حملها]، وما بقي لها لبن.
فقال : ((ادعُ بها))، فدعا بها، فاعتقلها النبي ، ومسح ضَرعها، ودعا حتى أنزلت (اللَبن) قال: فحلب ، فسقى أبا بكر، ثم حلب، فسقى الراعي، ثم حلب فشرب.
فقـال الراعي: بالله من أنت؟ والله ما رأيتُ مثلَك قط؟ قال: ((أوَ تُراكَ تكتُم عليَّ حتى أخبرْك؟)) قال: نعم. قال: ((فإني محمد رسول الله)) فقال: أنتَ الذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: إنهم ليقولون ذلك.
قال: فأشهدُ أنك نبي، وأشهد أن ما جئتَ به حق، إنه لا يفعلُ ما فعلتَ إلا نبي، وأنا متبعُك. قال: ((إنك لا تستطيع ذلك اليوم. فإذا بلغك أني قد ظهرتُ فأْتِنا)).
وروى الإمام أحمد في مسنده مثلَه عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي مُعيط، فمر بي رسول الله ، وأبو بكر فقال: ((يا غلام هل من لبن؟)) قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: ((فهل من شاة لم ينزُ عليها الفحل؟)) فأتيته بشاة فمسح ضروعها، فنزل لبنٌ، فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: ((اقلِص))، فقلَص.
قال ابن مسعود: ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول. قال: فمسح رأسي، وقال: ((يرحمك الله، فإنك غُليم مُعلَّم).
قال أبو المحاسن الحنفي: "سأله شاة لم يصبها فحل، ليريه في ذلك آيةً معجزة تقوم له بها الحجة عليه وعلى غيره، وفي ذلك منفعة لصاحب الشاة بتلبين ضرعها، فلم يكن له في اللبن حق، لأن الله تعالى جعله في ضرعها حينئذ ... فلذلك شربه  وسقاه أبا بكر".
ومن دلائل نبوته  وأخبار بركته ما يذكره بُريدة  ، وهو يحكي خبر عِتاق سلمان من سيده اليهودي، حيث شرط اليهودي لعتاقه أن يغرس نخلاً، فيعملَ سلمان فيها حتى يَطْعَم النخلُ.
قال بُريدة: فغرس رسول الله  النخل إلا نخلةً واحدةً غرسها عمر، فحملتِ النخل من عامها، ولم تحمل النخلة [أي التي زرعها عمر] فقال رسول الله : ((ما شأن هذه؟)) قال عمر: أنا غرستُها يا رسولَ الله. فنزعها رسول الله  ثم غرسها، فحملت من عامها.
والمعلوم عند الزُّراع أن النخل لا يثمر إلا بعد غرسه بمدة طويلة، وحملُ النخل في سنة غِراسه معجزة ظاهرة للنبي  ودليل باهر من دلائل نبوته، إذ تم ذلك ببركة الله لهذا النبي العظيم.
وهكذا فهذه الأخبار المتكاثرة تشهد ببَركة النبي ، وهذه البَركة ليست موروثاً يحمله الأحفاد عن الأجداد ، ولا علماً يتلقاه المرء بالكد والاجتهاد، إنه عطيةُ الله وبركتُه يؤتيها من شاء، فلِمَ أعطاها محمداً r إنْ لم يكن لنبوتِه ورسالتِه؟

شفاء المرضى بنفْثِه وريقه

لما أرسل الله نبيَّه وكلمته المسيحَ عليه السلام، آتاه من الآيات ما يقيم به الحجة على بني إسرائيل، ومن ذلك إبراء الله الأكمه والأبرص على يديه وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني  (المائدة: 110)، فكان برهاناً ساطعاً ودليلاً قاطعاً عند قومه على نبوته .
وكذلك أيد الله خاتم أنبيائه وعظيم رسله بمثل هذا الدليل والبرهان ، حين شفى على يديه بعضاً من أصحابه.
من ذلك أنه  قال يوم خيبر: ((لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحبُ اللهَ ورسولَه، ويحبُه اللهُ ورسولُه))، قال: فبات الناس يدوكون [أي يتحدثون] ليلتهم أيهم يعطاها، قال: فلما أصبح الناس غَدوا على رسول الله  كلهم يرجوا أن يُعطاها.
فقال عليه الصلاة والسلام: ((أين عليُ بنُ أبي طالب؟)) فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، فقال: ((فأرسلوا إليه))، فأُتي به ، فبصق رسول الله  في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.
وفي رواية لابن ماجه أنه  تفل في عينيه وقال: ((اللهم أذهب عنه الحر والبرد)). قال علي: فما وجدتُ حراً ولا برداً بعد يومِئذ ، وكان أصحابه ربما رأوه يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف.
قال الشوكاني: "فيه معجزة ظاهرة للنبي  ".
وقبل أن يغادر النبي  أرض خيبر حقق آية أخرى تدل على نبوته ورسالته، فقد شفى الله بنفثه ساق سلمة بن الأكوع الذي أصيب في الغزوة، يقول يزيد بن أبي عُبيد: رأيت أثرَ ضربةٍ في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أُصيب سلمة، فأتيت النبي ، فنفث فيه ثلاث نَفَثات، فما اشتكيتُها حتى الساعة.
إن الجموع التي رأت ساق سلمة مضرجة بدمائها، ثم رأوه لا يشتكي منها ألماً ولا وجعاً ببركة ريق النبي  ونفثه عليها، إن هذه الجموع لا يسعها أمام هذه المعجزة الباهرة إلا أن تشهد للنبي  بالنبوة والرسالة، إذ مثل هذا لا يقدر عليه بشر، إنه دليل من دلائل نبوته .
ويرسل النبي  عبدَ الله بن عتيك ورجالاً من الأنصار لردع سلّامِ بنِ أبي الحُقَيق، وبينما هو راجع في الطريق وقع، فانكسرت ساقه، فعصبها بعمامة.
ولنستمع إليه وهو يقص علينا الخبر، فيقول: فانتهيت إلى النبي ، فقال: ((ابسط رجلك))، فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنها لم أشتكِها قطّ.
لقد تكرر ذلك منه  مراراً وعلى مرأى من الصحابة الكرام، يقول بريدة : إن رسول الله  تفل في رجل عمرو بن معاذ حين قُطِعت رجله فبرأ. فهل كان هذا فناً من فنون الطب أم معجزة وبرهاناً من براهين نبوته ؟
ويروي الإمام أحمدُ عن أمُ جُندُب أنها رأت رسول الله  يرمي جمرة العقبة .. فأتته امرأة خثعمية بابْن لها فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا ذاهب العقل، فادع الله له. قال لها: ((ائتيني بماء)).
فأتته بماء في تَورٍ من حجارة، فتفل فيه، وغسل وجهه، ثم دعا فيه، ثم قال: ((اذهبي، فاغسليه به، واستشفي الله عز وجل)).
قالت أم جُندب: فقلت لها: هَبِي لي منه قليلاً لابني هذا، فأخذت منه قليلاً بأصابعي، فمسحتُ بها شِقَّة ابني، فكان من أبر الناس.
فسألتُ المرأة بعد: ما فعل ابنها؟ قالت: برِئ أحسن بَرء.
وفي الحديث معجزة عظيمة له ، بل معجزتان: إحداهما شفاء ابن الخثعمية ببركة مجّة النبي  في الماء الذي غسلته أمه فيه، والأخرى: هداية ابن أم جندب بمسح أمه وجهَه ببعض هذا الماء.
وتحدِّثُ أم جميل ابنها محمدَ بن حاطب عن خبر حدث له إبّان طفولته، فقد أقبلت به إلى النبي ، وقد انكفأت قدر تغلي على ذراعه، تقول أم جميل: فأتيتُ بك النبي  فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، هذا محمد بن حاطب، فتفل في فيك، ومسح على رأسك، ودعا لك، وجعل يتفُل على يديك ويقول: ((أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)) فقالت: فما قمتُ بك من عنده حتى برِأَت يدك.
وهكذا فإن الله الشافي قدر الشفاء لكثيرين ، وجعل نفثه  وريقه سبباً في ذلك ، ليكون برهاناً آخر من براهين نبوته .[/SIZE][/CENTER]





رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :3  (رابط المشاركة)
قديم 06.11.2010, 05:49
صور ابو الياسمين والفل الرمزية

ابو الياسمين والفل

عضو

______________

ابو الياسمين والفل غير موجود

فريق الترجمة 
الملف الشخصي
التسجيـــــل: 06.07.2010
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 474  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
12.02.2015 (03:08)
تم شكره 35 مرة في 31 مشاركة
افتراضي


استجابة الله دعاءه


ومن باهر ما يدل على النبوة إجابة الله دعاء النبي حين يدعوه، فإذا ما رفع نبي الله يديه داعياً ربه ومولاه ؛ قبِل الله دعاءه وأجابه، وتكرارُ ذلك وديمومتُه دليل على صدقه، لأن الله لا يؤيد كاذباً ولادعياً يدعي عليه الكذب ، فالكاذب من أظلم الناس وأبعدِهِم عن الله ] فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون [ (يونس: 17).
وهكذا؛ فإن الله لا يؤيد بتأييده الكاذب الذي يلجأ إليه، بل يهلِكُه ويفضَحُه، كما قال موسى مخاطباً سحرة فرعون: }ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبًا فيُسحِتَكم بعذابٍ وقد خاب من افترى { (طه: 61).
فالمفترون على الله لا يؤيدهم الله بعونه، ولا يمدهم بمدده، قال تعالى: } قل إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون { (يونس: 69) ، وقال: } إنّ اللّه لا يهدي من هُو كاذبٌ كفّارٌ { (الزمر: 3).
لكن النبي ما خاب ولا خسر، بل هُدي وأفلح في كل صعيد، فدينُه أعظمُ الأديان في الأرض وأكثرُها - بحمد الله - انتشاراً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومعلوم أن من عوّده الله إجابة دعائه، لا يكون إلا مع صلاحه ودينه، ومن ادّعى النبوة، لا يكون إلا من أبرّ الناس إن كان صادقاً، أو من أفجرهم إن كان كاذباً، وإذا عوّده الله إجابة دعائه، لم يكن فاجراً، بل برّاً، وإذا لم يكن مع دعوى النبوة إلا برّاً، تعيّن أن يكون نبياً صادقاً، فإن هذا يمتنع أن يتعمّد الكذب، ويمتنع أن يكون ضالاً يظن أنه نبي".
وقد وقعت هذه الآية البينة لنبينا ، فأجاب الله دعاءه في مواطن كثيرة، كل منها دليل من دلائل النبوة الشاهدة على صدقه .
ونبدأ بسنة جدبة أصابت الناس؛ وقف النبي فيها على المنبر يخطب الجمعة ، فقام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال, وجاع العيال، فادع الله لنا.
يقول أنس بن مالك: فرفع يديه، وما نرى في السماء قزْعة [أي قطعة من السحاب]، فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال, ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته , فمُطرنا يومنا ذلك ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمُعَة الأخرى.
وفي الجمعة الأخرى قام ذلك الأعرابي، أو قال: غيره، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا)).
يقول أنس: فما يشير بيده إلى ناحيةٍ من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجَوْبة ، وسال الوادي قناة شهراً، ولم يجىء أحدٌ من ناحيةٍ إلا حدّث بالجُوْد".
لقد نزل المطر بدعائه واستمر أسبوعاً ، ثم توقف بدعائه بعد أسبوع من هطوله، كما انفرجت السحابة عن المدينة لقوله: ((اللهم حوالينا ولا علينا))، ، أليس ذلك كلُه من أمارات نبوته وعلامات صدقه؟
قال النووي: "ومراده بهذا؛ الإخبار عن معجزة رسول الله وعظيم كرامته على ربه سبحانه وتعالى، بإنزال المطر سبعة أيام متوالية متصلاً بسؤاله من غير تقديم سحاب ولا قزَع، ولا سببٍ آخر، لا ظاهرٍ ولا باطن".
وقال ابن حجر: "وفيه عَلَمٌ من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقِبه أو معَه، ابتداء في الاستسقاء، وانتهاء في الاستصحاء، وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة".
وصدق من قال:
دعـا اللهَ خـالقَه دعـوة أُجيبتْ وأشخَص منه البصر
ولم يك إلا كـقلب الرداء وأسـرعَ حتى رأينـا المطر
وفي بعض الأحيان خص النبي بعضاً من أصحابه بشيء من دعائه فأجاب الله سؤله، وقبل دعاءه، ومنه دعاؤه لخادمه الوفي أنس بن مالك ، فقد كافأه النبي على خدمته له بدعوة أجابها الله تعالى، فعاش أنس مجللاً ببركتها مائة سنة.
يقول أنس : جاءت بي أمي إلى رسول الله ، وقد أزّرتني بنصف خمارها، وردّتني بنصفه، فقالت: يا رسول الله، هذا أُنيس ابني، أتيتك به يخدمك، فادع الله له.
فقال: ((اللهم أكثِر مالَه وولده))، قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي ووَلَدَ وَلَدي ليتَعادُّون على نحو المائة اليوم.
وفي رواية قال أنس: فما ترك خير آخرة ولا دنيا؛ إلا دعا لي به قال: ((اللهم ارزقه مالاً وولداً، وبارك له فيه)).
وقد أجاب الله دعوة نبينا، يقول أنس: (فإني لمن أكثر الأنصار مالاً، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دُفن لصُلبي مَقْدَم حجاج البصرةَ بضعٌ وعشرون ومائة).
قال ابن حجر: "وفيه التحدّث بنعم الله تعالى، وبمعجزات النبي لما في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد".
ودعا بالبركة لعروةَ البارقي في ماله، لما أعطاه النبي ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه.
وفي رواية أنه قال: ((اللهم بارك له في صفْقة يمينه)). يقول عروة: فلقد رأيتُني أقف بكُناسة الكوفة، فأربحُ أربعينُ ألفاً قبل أن أصِل إلى أهلي".
قال ابن حجر: "المقصود منه الذي يدخل في علامات النبوة دعاء النبي لعروة فاستجيب له، حتى كان لو اشترى التراب لربح فيه".
وإذا أردنا أن نعرف سر الحافظة التي أوتيها راوية الإسلام أبو هريرة، فلنستمع إليه وقد جاء إلى النبي يشكو كثرة نسيانه للحديث، فيقول: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساهُ، فقال له عليه الصلاة والسلام: ((ابسط رداءك))، فبسطتُه، قال: فغرفَ بيديه، ثم قال: ((ضُمّه))، فضممتُه، فما نسيتُ شيئاً بعده.
قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لأبي هريرة، ومعجزة واضحة من علامات النبوة؛ لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يَكثُر منه، ثم تخلف عنه [أي النسيان] ببركة النبي ".
وثمة دعوة أخرى من رسول الله نال أبا هريرةَ خيرُها، ألا وهي دعاء النبي لأمِّه بالهداية، فقد كان يدعوها إلى الإسلام، وهي مشركة تأبى الإسلام وتصده عنه، يقول أبو هريرة: فدعوتُها يوماً، فأسمَعَتني في رسول الله ما أكره، فأتيتُ رسولَ الله وأنا أبكي، قلتُ: يا رسول الله، إني كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى عليّ، فدعوتُها اليومَ، فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهديَ أمَّ أبي هريرة.
ولم يخيب رسولُ الله صاحبَه الوفي، فقال: ((اللهم اهدِ أمَّ أبي هريرة))، فخرج مستبشراً فرحاً بدعوة نبي الله ، يرجو أن تكون سبباً في إسلام أمه.
يقول: فلما جئتُ، فصِرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعتْ أمي خَشْفَ قدميّ [أي صوت مشيي]، فقالت: مكانكَ يا أبا هريرة، وسمعتُ خضْخضَة الماء، فإذا هي تغتسل للإسلام، وتشهد بشهادة التوحيد.
قال: فرجعتُ إلى رسول الله ، فأتيتُه وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله أبشر، قد استجاب اللهُ دعوتك، وهدى أمَّ أبي هريرة.
لقد أتى أول النهار يبكي حُزناً على تمنُّعِ أمِّه عن الإسلام وسِباِبها للنبي ، فما لبِث أن عاد يبكي فرَحاً بإسلامها ببركة دعاء النبي .
قال النووي: "وفيه استجابة دعاء رسول الله على الفَور بعين المسؤول، وهو من أعلام نبوته ".
وسرورُ أبي هريرة وفرحُه لم ينسياه أن يطلب من النبي دعوةً ثالثة، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يحبِّبَني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحبِّبَهم إلينا. فقال رسول الله : ((اللهم حبِّب عُبَيدَك هذا وأمَه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهمْ المؤمنين)).
يقول أبو هريرة: فما خُلِق مؤمن يسمع بي ولا يراني؛ إلا أحبني.
وهكذا فحبُ المؤمنين في كل عصر لراوية الإسلام العظيم أبي هريرة، هو دليل باهر وبرهان ظاهر على استجابة الله دعاء نبيه وحبيبه .
وأما عبدُ الله بن عباس حبرُ الأمة وتَرْجُمَانُ القرآن، فإن ما أوتيَه من العلم والحكمة كان بفضل الله الذي استجاب دعاء النبي له، وذلك أنه لما كان غلاماً جهز وَضُوءَ النبي فقال النبي شاكراً صنيعه: ((اللهم فقهه في الدين)).
وفي مرة أخرى وضع رسول الله يده على كتِف ابن عباس وقال: ((اللهم فقهه في الدين، وعلِّمه التأويل)).
وهذه الدعوة مما تحققتْ إجابةُ اللهِ النبيَ فيها، فقد شبَّ ابن عباس، فكان عمر يُجلِسه مع أكابر الصحابة يستشيره ويأخذ برأيه، على حداثة سنه، فقد فاق أقرانه، بما آتاه الله من الفقه في الدين وما علمه من محاسن التأويل، حتى صح عن ابن مسعودٍ فقيهِ الصحابة أنه قال فيه: " لو أدرك ابنُ عباس أسنانَنا؛ ما عاشره منا رجل" أي لنبوغه وفقهه، وكان يقول: " نِعم تَرْجُمَانُ القرآنِ ابنُ عباس ".
وكما يستجيب الله دعاء أنبيائه لأصحابهم؛ فإنه يستجيب لهم إذا دعوا على الكافرين بنبوتهم أو على العاصين من أتباعهم.
فقد أجاب الله دعاء نوح عليه السلام لما قال: }رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً  إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً { (نوح: 26)، فاستجاب الله له وأغرق الكافرين } فدعا ربه أني مغلوبٌ فانتصر  ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمرٍ  وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر  وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ  تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر { (القمر: 10-14).
وموسى عليه السلام ، دعا فرعونَ الطاغية إلى توحيد الله وطاعته، فأبى واستكبر، فدعا عليه: }وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم{ (يونس: 88)، فاستجاب الله دعاءه، فغرق فرعون وملؤه، وجعل يستجدي النجاة عند الموت } حتى إذا أدركه الغرق قال آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين { (يونس: 90).
وهكذا كان حالُ خاتم النبيين ، فقد سجد ذات مرة، فوضع المشركون سَلَا الجزور وقذرَها على ظهره الشريف، وأخذوا يتضاحكون، فدعا عليهم عليه الصلاة والسلام وقال: ((اللهم عليك بقريش)) ثلاث مرّات.
يقول ابن مسعود: فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته.
ثم قال: ((اللهم عليك بأبي جهلِ بن هشام، وعتبةَ بنِ ربيعةَ، وشيبةَ بنِ ربيعةَ، والوليدِ بن عتبةَ، وأميةَ بنِ خلفٍ، وعقبةَ بنِ أبي مُعَيط)).
يقول ابن مسعود : وذكر السابع ولم أحفظه، فوالذي بعث محمداً بالحق، لقد رأيتُ الذين سمّى صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب، قليبِ بدر.
قال ابن حجر: "وهذا يحتمل أن يكون من تمام الدعاء الماضي، فيكون فيه عَلمٌ عظيم من أعلام النبوة".
ولما هاجر إلى المدينة ورأى إدبار قريش وإعراضهم وصدهم عن الإسلام، قال: ((اللهم سبعٌ كسبع يوسف)).
قال ابن مسعود: فأخذتهم سَنةٌ حصّت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع.
فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادعُ الله لهم.
وفي رواية لأحمد في مسنده أن أبا سفيان قال: أي محمد، إن قومك قد هلكوا، فادع الله عز وجل أن يكشف عنهم، قال: فدعا. ثم قال: ((اللهم إن يعودوا فعُدْ )).
ثم قرأ : ]فٱرتقب يوم تأتي ٱلسَّماء بِدخانٍ مُّبين[ إلى قوله: }إنكم عائدون  يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون{ (الدخان: 10-16) قال: فالبطشةُ يومُ بدر.
لقد علم كفار قريش أن رسولَ الله مجابُ الدعوة عندَ الله ، فجاؤوا يطلبون السقيا بدعائه، لأنهم علموا أن الله لا يرد نبيه وحبيبه } فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون { (الأنعام: 33).
واستهزأ عتيبة بن أبي لهب بالقرآن ، فكُتب مع أبويه في سجل الهالكين؛ فقد دعا عليه النبي أن يموت بين أنياب السبُع، فقال: ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك))، فكانت دعوة نبي أجابها الله، حين خرج عتيبة في قافلة يريد الشام، فنزل منزلاً، فقال: إني أخاف دعوةَ محمد .
فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد فانتزعه، فذهب به.
وفي رواية لابن عساكر أن أبا لهب قال: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد.
ولله درُّ حسان بن ثابت وهو يقول:
من يُرجع العام إلى أهله فما أكيلُ السبعِ بالراجع
وقعد بُسر الأشجعي بين يدي النبي ، وجلس يأكل بشماله، فلما ذكّره رسول الله بالأكل باليمين استكبر عن قبول الحق فقال: لا أستطيع، فقال النبي : ((لا استطعت، ما منعه إلا الكبر))، فما رفعها إلى فيه . أي عاجلته استجابة الله ، فشُلت يمينه للتو، بدعاء النبي عليه ، جزاءَ استكباره عن قبول الحق والإذعان له.
وحاقت دعوتُه أيضاً بأعرابي دخل عليه النبي يَعُوده في مرضه، فقال مواسياً: ((لا بأسَ، طهور إن شاء الله))، فأجاب الأعرابي بجواب ملؤه القنوط وسوء الظن بالله: قلتَ: طهور؟ كلاّ، بل هي حُمّى تفُور - أو تثور - على شيخ كبير، تُزيرُه القبور، فقال النبي : ((فنَعَمْ إذاً)).
قال ابن حجر: "في بعض طرقه زيادة تقتضي إيراده في علامات النبوة، أخرجه الطبراني وغيره ... وفي آخره: فقال النبي : ((أما إذا أبيتَ فهي كما تقول، قضاءُ الله كائن)) فما أمسى من الغد إلا ميتاً".
وهكذا؛ فإن هذه الدعوات المجابة وأمثالها دليل على رضا الله عن نبيه وتأييده له، ولو كان يتقوّل على ربه النبوة والرسالة لخذله اللهُ وأهلكه: } ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين[ (الحاقة:41-47).

حماية الله لنبيه


وإن من دلائل النبوة حمايةُ الله لأنبيائه، وإنجاؤه لمن شاء منهم من أيدي أعدائهم، رغم ما يتربص بهم السفهاءُ من السوء.
ولقد قال نوح عليه السلام متحدياً كفارَ قومه: } يا قوم إن كان كبُر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمرُكم عليكم غُمةً ثم اقضوا إليّ ولا تنظِرون { (يونس:71)، فلم يصلوا إليه بسوء لحماية الله له.
ومثله قول أخيه هود : }قال إني أُشهِد الله واشهدوا أني بريءٌ مما تشركون  من دونه فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون  إني توكلت على الله ربي وربكم { (هود: 54-56).
ولما أراد السفهاء قتل إبراهيم عليه السلام، وألقوه في النار أنجاه الله منها بقدرته وفضله قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين  قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم  وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين (الأنبياء: 68-70).
وكذا كان الحال مع نبينا ، فقد أنجاه الله من المؤامرات التي واجهتْه من لدن بعثتِه عليه الصلاة والسلام، وقد أخبره الله وأنبأه بسلامتِه من كيدهم وعدوانهم ، فقال له: يـا أيها ٱلرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته وٱلله يعصمك من ٱلناس (المائدة: 67).
قال ابن كثير: "أي بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظُك وناصرُك ومؤيدُك على أعدائك ومُظفِرُك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل إليك أحدُ منهم بسوء يؤذيك".
تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي يُحرس حتى نزلت هذه الآية: وٱلله يعصمك من ٱلناس (المائدة: 67)، فأخرج رسول الله رأسَه من القبة، فقال لهم: ((يا أيها الناس، انصرفوا عني، فقد عصمني الله)).
وفي الآية دليلان من دلائل النبوة، أولهما: إخبار الله له بحفظه، وقد كان.
قال الماوردي: "فمن معجزاتِه: عصمتُه من أعدائه، وهم الجمُّ الغفير، والعددُ الكثير، وهم على أتم حَنَقٍ عليه، وأشدُّ طلبٍ لنفيه، وهو بينهم مسترسلٌ قاهر، ولهم مخالطٌ ومكاثر، ترمُقُه أبصارُهم شزراً، وترتد عنه أيديهم ذُعراً، وقد هاجر عنه أصحابه حذراً حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليماً، لم يكْلَم في نفسٍ ولا جسد، وما كان ذاك إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه اللهُ تعالى بها فحققها، حيث يقول:والله يعصمك من الناس فعَصَمَه منهم".
والدليل الآخرُ في الآية من دلائل النبوة، يظهر لمن عرف أن النبي كان مقصوداً بالقتل من أعدائه، فكان الصحابة يحرُسونه خوفاً عليه، فلما نزلت الآية صرفهم عن حراسته، ليقينه بما أنزل الله إليه، ولو كان دعياً لما غرر بنفسه، ولما عرَّض نفسَه للسوء.
وقد صدق المستشرق بارتلمي هيلر في قوله:"لما وعد الله رسوله بالحفظ بقوله: والله يعصمك من الناس، صرف النبي حراسه، والمرء لا يكذب على نفسه، فلو كان لهذا القرآن مصدر غير السماء لأبقى محمد على حراسته".
قال ابن تيمية مستدلاً لنبوة النبي بتأييد الله لنبيه وحفظه له ونصره لدينه: "وقد أيده تأييداً لا يؤيد به إلا الأنبياء، بل لم يؤيَد أحدٌ من الأنبياء كما أُيِّد به، كما أنه بُعث بأفضل الكتب إلى أفضل الأمم بأفضل الشرائع، وجعله سيد ولد آدم ، فلا يعرف قط أحد ادعى النبوة وهو كاذب؛ إلا قطع الله دابره وأذله وأظهر كذبه وفجوره.
وكل من أيده الله من المدعين للنبوة لم يكن إلا صادقاً، كما أيد نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان، بل وأيد شعيباً وهوداً وصالحاً، فإن سنة الله أن ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وهذا هو الواقع، فمن كان لا يعلم ما يفعله الله إلا بالعادة، فهذه عادة الله وسنته يعرف بها ما يصنع، ومن كان يعلم ذلك بمقتضى حكمته؛ فإنه يعلم أنه لا يؤيد من ادعى النبوة وكذب عليه".
وصور حماية الله لنبيه كثيرة، منها أن قريشاً اجتمعت في الحِجر، فتعاقدوا باللاتِ والعزى ومناة الثالثةِ الأخرى ، لو قد رأينا محمداً ، قمنا إليه قيام رجل واحد، فلم نفارقْه حتى نقتلَه.
فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها تبكي، حتى دخلت على رسول الله فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك، لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عَرف نصيبه من دمك.
فقال: ((يا بنية، أريني وَضوءاً)) فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا. وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقِروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصراً، ولم يقم إليه منهم رجل.
فأقبل رسول الله حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضة من التراب، فقال: ((شاهت الوجوه)) ثم حصَبهم بها، يقول ابن عباس: فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصى حصاةً إلا قُتل يوم بدر كافراً.
الله أكبر، قريشٌ بخُيلائها وكِبْرِها تتعاهد على قتل رجل أعزل، وتقسم على ذلك بآلهتها، ثم لا يقوم منهم واحد لتنفيذ عزمتهم، بل قام على رؤوسهم يحصِبُهم بالحصى متحدياً عجزهم، مبيناً سِفالَ أمرهم وهوانَه، وكيف لا؟ والله العظيم يؤيده ويقويه، فيقول: والله يعصمك من الناس (المائدة: 67).
وأما أبو جهل فرعون هذه الأمة فقد رام أيضاً قتل النبي ، حين أقبل يختال ذات يوم في جنبات مكة فقال: هل يعفِّر محمدٌ وجهَه بين أظهرِكم [يعني بالسجود والصلاة]؟ فقيل: نعم.
فقال: واللاتِ والعزى، لئن رأيتُه يفعلُ ذلك لأطأنَّ على رقَبَتِه، أو لأعفِّرنَّ وجهَه في التراب.
فأتى رسولَ الله وهو يصلي، زعمَ ليطأَ على رقَبَتِه، قال: فما فجِئهم منه إلا وهو ينكُص على عقبيه، ويتقي [أي يحتمي] بيديه.
فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نارٍ وهوْلاً وأجنحة، فقال رسول الله : ((لو دنا مني لاختطفته الملائكةُ عُضواً عضواً)).
وهذه معجزة عظيمة رآها عدو الإسلام أبو جهل، فقد رأى أجنحة ملائكة الله وهي تحمي النبي ، وأيقن بأن الله حماه بجنده وعونه، لكن منعه الكِبْرُ وحبُ الزعامة والحرصُ عليها من الإذعان للحق والانقياد له، فحاله وحال غيرِه من المشركين كما قال الله: فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (الأنعام: 33).
قال النووي: "ولهذا الحديث أمثلة كثيرة في عصمته من أبي جهل وغيرِه , ممّن أراد به ضرراً, قال اللّه تعالى: واللّه يعصمك من النّاس".
وكما حمت الملائكة النبي من أبي جهل ، فقد تنزلت لحمايته يوم أُحد، حين أطبق عليه المشركون، وتفرق عنه أصحابه منهزمين، ففي الصحيحين يقول سعدُ بن أبي وقاص : (رأيت عن يمين رسول الله وعن شماله يوم أُحدٍ رجُلَين، عليهما ثيابٌ يَيَاض، ما رأيتهما قبلُ ولا بعد). يعني جبريلَ وميكائيلَ عليهما السلام.
قال النووي: "فيه بيان كرامةِ النبي على الله تعالى، وإكرامِه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيانُ أن الملائكة تقاتِل، وأن قتالَهم لم يَختصَّ بيوم بدر".
ولم يتوان المشركون من أقرباء النبي عن إيذائه والكيد له، ومن ذلك أنه لما نزل قوله تعالى: تبت يدا أبى لهبٍ وتب (المسد: 1)، جاءت أم جميلٍ ، امرأةُ عمه أبي لهب إلى النبي ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيَك، فلو قُمت، قال: ((إنها لن تراني)).
فجاءت أم جميل، فقالت لأبي بكر: إن صاحبك هجاني! قال: لا، وما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مُصَدق، وانصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لم ترَك؟! قال: ((لا، لم يزل ملك يسترني عنها بجناحه)).
وكذا أرادت قريش أن تقتل النبي مراراً قبل هجرته، لكن الله نجاه منهم وحماه، فلما عزم النبي على الخروج من مكة مهاجراً، رصدوا له على باب بيته، فخرج عليه الصلاة والسلام من بينهم، وقد أعمى الله أبصارهم عنه، فلم يروه حال خروجه.
وفي هذا يقول سبحانه: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (الأنفال:30)، لقد رد الله مكرهم في نحورهم ، ونجى نبيه عليه الصلاة والسلام.
وخرج من مكة مستخفياً تحوطه عناية الله، حتى وصل وصاحبُه إلى غار ثور، واختبآ فيه عن أعين المشركين الذين جدّوا بالبحث عنه حتى وصلوا إلى الغار، ووقفوا ببابه، وظن أبو بكر الهلكة، فقال للنبي : لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا، فأجابه النبي بلسان الواثقِ من ربه، المتوكل عليه، العالمِِِِ بأنه لا يسْلمه إلى مرام أعدائه: ((ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثُهما؟)).
نعم فالله معه ينصره ويحميه إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم (التوبة:40).
وهكذا نجّى النبي من بين أيديهم ، واتجه صوب المدينة المنورة من جديد، تحوطُه رعاية الله ، وتكلؤه عنايته.
أما قريش فلم تستسلم، ولم تفتر عزيمتُها في محاولة قتلِ النبي والنيلِ منه، فأرسلوا إلى قبائل العرب يضعون لهم الجوائز إن همُ قتلوا النبيَ وصاحبَه، لكنهما كانا يسيران في حفظ الله ورعايته.
وجاز النبي قُديداً، فأدركه سراقة بن مالك، يقول الصديق : وتبِعنا سراقة بن مالك، ونحن في جَلَدٍ من الأرض [أي في أرض صلبة]، فقلت: أُتينا يا رسول الله, فقال: ((لا تحزن, إن الله معنا)) فدعا عليه رسول الله ، فارتطمت فرسه إلى بطنها.
وفي رواية للبخاري يروي سراقة الخبر فيقول: (حتى إذا سمعت قراءة رسول الله - وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات - ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخَرَرت عنها، ثم زجرتُها فنهضتْ، فلم تكَد تُخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثَرِ يديها عُثانٌ ساطع في السماء مثل الدخان...).
فقال سراقة: (إني قد علمت أنكما قد دعوتما عليّ، فادعوَا لي، فـاللهَ لكما أن أرُدّ عنكما الطلب، فدعا اللهَ فنجا، فرجع لا يلقى أحداً من الطَلَب إلا قال: قد كُفيتكم ما ها هنا، فلا يلقى أحداً إلا ردّه).
قالَ أنس: (فكان أوَّل النهار جاهداً على نبي اللَّه ، وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له).
فكان إنجاء الله نبيه من بين يدي سراقة سبباً في إسلامه وذوده عن النبي ، فقال وهو يخاطب أبا جهل:
أبا حكمٍ والله لو كنتَ شاهداً لأمر جوادي إذ تسوخُ قوائمه
علمتَ ولم تَشْكُك بأن محمداً رسولٌ ببرهانٍ فمن ذا يقاومه
ولما رجع مشركو مكة من بدر مدحورين - بقوة الله - ، أقبل عمير بن وهب حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحِجِر ، فقال صفوان: قبَّح اللهُ العيش بعد قتلى بدر.
فقال عمير: أجل والله ما في العيش خيرٌ بعدَهم ، ولولا دينٌ عليَّ لا أجد له قضاء، وعيالٌ لا أدع لهم شيئاً ، لرحلت إلى محمد فقتلتُه إن ملأتُ عينيّ منه ، فإن لي عنده عِلّة أعتل بها عليه ، أقول: قدِمت من أجل ابني هذا الأسير.
ففرح صفوان بإقدام عمير وخُطته، ومضى يزيل عوائق تنفيذها، فقال: علي دينُك، وعيالُك أُسوةُ عيالي في النفقة ، لا يسعني شيء فأعجزُ عنهم.
فاتفقا، وحمله صفوان وجهزه، وأمر بسيف عمير فصُقل وسُمَّ ، وقال عمير لصفوان: اكتم خبري أياماً.
وقدم عمير المدينة، فنزل بباب المسجد، وعَقَل راحلته ، وأخذ السيف، وعمَد إلى رسول الله r، فنظر إليه عمر وهو في نفر من الأنصار، ففزع ودخل إلى رسول الله ، فقال: يا رسول الله لا تأمنه على شيء.
فقال : ((أدخله علي)).
فخرج عمر، فأمر أصحابه أن يدخلوا إلى رسول الله ويحترسوا من عمير، وأقبل عمر وعمير حتى دخلا على رسول الله ، ومع عمير سيفُه ، فقال رسول الله لعمر: ((تأخر عنه)).
فلما دنا عمير قال له: ((ما أقدمك يا عمير ؟)) قال :قدِمت على أسيري عندكم ، تفادونا في أسرانا، فإنكم العشيرة والأهل.
فقال : (( ما بال السيف في عنقِك؟)). فأجاب عمير: قبحها الله من سيوف ، وهل أغنت عنا شيئاً؟ إنما نسيته في عنقي حين نزلت.
فقال رسول الله : ((اصدقني، ما أقدمك يا عمير؟)). فقال: ما قدمت إلا في طلب أسيري.
فبغته النبي بقوله: ((فماذا شرطتَ لصفوان في الحِجر؟))، ففزع عمير وقال: ماذا شرطتُ له؟
فأجاب من علَّمه الله الخبير فقال: ((تحمّلْتَ له بقتلي؛ على أن يعول أولادَك ، ويقضيَ دَيْنَك ، واللهُ حائلٌ بينك وبين ذلك)).
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله ،كنا يا رسول الله نكذبُك بالوحي وبما يأتيك من السماء، وإن هذا الحديثَ كان بيني وبين صفوان في الحِجِر لم يطلع عليه أحد، فأخبرك الله به ، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق.
ففرح به المسلمون، وقال له رسول الله : ((اجلِس يا عمير نواسِك)).
وقال لأصحابه: ((علموا أخاكم القرآن))، وأطلق له أسيره ، فقال عمير: ائذن لي يا رسولَ الله ، فألحق بقريش ، فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعل الله أن يهديَهم .. ثم قدم عمير فدعاهم إلى الإسلام، ونصحهم بجُهده ، فأسلم بسببه بشر كثير.
وهكذا نجى الله نبيه وحبيبه من كيد عميرٍ وصفوان ، فلم يجدْ عميرٌ أمام هذه المعجزة الباهرة والآية القاهرة إلا أن يشهد للنبي بالنبوة، وللرب الذي حماه بالوحدانية.
ومن صور حماية الله لنبيه وحبيبه قصة شاة اليهودية، إذ أن النبي أتى خيبر، فقدمت له يهودية من أهل خيبر شاةً مشوية مسمومة، فأخذ رسول الله الذراعَ، فأكل منها، وأكل رهطٌ من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله : ((ارفعوا أيديِكم))، وفي رواية: ((ارفعوا أيديكم، فإنها أخبرتني أنها مسمومة)).
وأرسل رسول الله إلى اليهودية فدعاها، فقال لها: ((أسمَمْت هذه الشاة؟)) قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: ((أخبرتني هذه في يدي)). للذراع ، قالت: نعم .
قال: ((ما أردت إلى ذلك؟)) قالت: قلتُ: إن كان نبياً فلن يضرَه ، وإن لم يكن نبياً استرحنا منه . فعفا عنها رسولُ الله ولم يعاقبها.
وفي رواية للخبر في الصحيحين أن رسول الله سألها عن ذلك ،فقالت: أردت لأقتلكَ. فقال : (( ما كان الله ليسلطَكِ عليّ )).
قال النووي: " قوله ((ما كان الله ليسلطك عليّ)) فيه بيانُ عصمتِه من الناس كلِّهم، كما قال الله: وٱلله يعصمك من ٱلناس (المائدة: 67)، وهي معجزة لرسول الله في سلامته من السُّمِّ المهلِك لغيرِه، وفيه إعلامُ الله تعالى له بأنها مسمومةُ، وكلامُ عضوٍ منه له، فقد جاء في غير مسلم: ((إن الذراع تخبرني أنها مسمومة)).
ويحدث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه غزا مع رسول الله قِبَل نجد، فلما رجع رسول الله أدركتهم نومة القيلولة في وادٍ كثير الشجر.
يقول جابر: فنزل رسول الله وتفرق الناس ، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله تحت سمُرَةٍ، فعلق بها سيفه، فنِمنا نومةً، ثم إذا رسول الله يدعونا فجئناه، فإذا أعرابيٌ جالس، فقال رسول الله : ((إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظتُ وهو في يده صَلتاً، فقال لي: من يمنعُك مني؟ قلت: اللهُ، فها هو ذا جالس)) ثم لم يعاقبْه رسولُ الله .
وفي رواية لأحمد أنه قام على رأس رسول الله بالسيف فقال: من يمنعك مني؟ فقال : ((اللهُ عز وجل)).
فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله فقال: من يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن كخير آخذ.
فقال : ((أتشهد أن لا إله إلا الله؟)) قال: لا، ولكني أعاهدُك أن لا أقاتِلَكَ، ولا أكونَ مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فذهب إلى أصحابه، فقال: قد جئتُكم من عندِ خير الناس.
وفي هذا الحديث دلائلُ مختلفة على نبوة النبي ، منها: ثبات النبي بتأييد الله له، ثم حمايةُ الله له من القتل.
ومنها تأييدُه له بالملائكة، فقد وقع في رواية لابن إسحاق أن جبريل دفع بصدر المشرك فسقط سيفه.
وأخيراً: عفوُ النبي عن الرجل مع رفضه للإسلام، وذلك خلق من أخلاق النبوة، وإلا فمن يصنع ذلك مع غريمه وعدوه الذي كاد أن يقتله؟ وقد صدق الأعرابي حين قال: جئتُكم من عندِ خير الناس.
أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فماله من هاد (الزمر: 36)، وفي هذا كله ما يشهد له بالنبوة لتأييد الله إياه وحفظه له.





رد باقتباس
رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية
النبوة, دلائل


الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 2 ( 0من الأعضاء 2 من الزوار )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة موضوعات جديدة
لا تستطيع إضافة رد
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

رمز BB تمكين
رمز[IMG]تمكين
رمز HTML تعطيل

الانتقال السريع

الموضوعات المتماثلة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى ردود آخر مشاركة
سلسلة اخترت لكم من دلائل النبوة مجدي فوزي الإعجاز فى القرآن و السنة 11 12.03.2012 23:56
هل المسيح إله ؟؟ د. منقذ السقار البتول قسم المحاضرات 0 25.09.2011 19:08
هل المسيح إله ؟؟ د. منقذ السقار البتول التثليث و الألوهية و الصلب و الفداء 0 25.09.2011 19:08
من دلائل النبوة .. د. منقذ السقار ابو الياسمين والفل الحديث و السيرة 12 02.05.2011 05:41
دلائل النبوة - الشيخ عرب فى ضيافة الشيخ عماد المهدى - قناة الحافظ Ahmed_Negm البشارات بالنبي الكريم في كتب النصارى 1 12.07.2010 14:14



لوّن صفحتك :