اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :71  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:45
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


وهل أسلم أناسٌ من اليهود والنَّصارى ؟



نعم , وسنأخذ ثلاثة أمثلة :
المثال الأوَّل في إسلام عبد اللَّه بن سَلام , وكان حَبْرًا عالِمًا من أحْبار اليَهود : روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن عوف بن مالك الأشجعي رضي اللَّه عنه , قال : انطلقَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأنا معه حتَّى دخَلْنا كَنيسة اليَهود بالمدينة يومَ عيدهم , وكَرهُوا دخُولَنا عليهم . فقال لهم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا معشَر اليَهود , أرُوني اثْنَيْ عَشَر رجُلاً يَشْهدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّه وأنِّي رسولُ اللَّه , يَحُطُّ اللَّهُ عن كلِّ يهودي تحت أديم السَّماء الغضبَ الذي غضبَ عليه . فأَمْسكُوا , وما أجابهُ منهم أحَد . ثمَّ ردَّ عليهم فلَم يُجبْهُ أحَد , ثمَّ ثَلَّثَ فلَم يُجبْهُ أحَد . فقال : أبَيْتُم , فَوَاللَّهِ إنِّي لَأنا الحاشِر وأنا العاقِب وأنا النَّبيُّ المقفّى (وفي رواية للحاكم في مستدركه : وأنا النَّبيُّ المصطَفَى) , آمَنْتُم أو كذَّبتُم .
ثمَّ انصرفَ وأنا معه حتَّى دنَا أن يَخرج , فإذا رجلٌ من خَلْفِنا يقول : كما أنتَ يا محمَّد , ثمَّ قال : أيُّ رجُل تعلَمُوني فيكُم يا معْشَر اليَهُود ؟ قالُوا : ما نعلَمُ أنَّه كان فينَا رجلٌ أعْلَم بكتاب اللَّه ولا أفْقَه منكَ , ولا من أبيكَ من قَبْلِك , ولا من جدِّكَ قبل أبيك . قال : فإنِّي أشهدُ له باللَّه أنَّه نَبيُّ اللَّه الذي تَجِدُونه في التَّوراة . قالُوا : كذبْتَ , ثمَّ رَدُّوا عليه وقالُوا له شَرًّا ! فقال رسولُ اللَّه : كذبْتُم , لَن يقْبَل قَوْلكُم , أمَّا آنِفًا فتُثْنُون عليه من الخيْر ما أثْنَيْتُم , وأمَّا إذا آمنَ كذَّبْتُموه وقُلْتُم ما قُلْتُم؟! فلَن يقْبَل قَوْلكُم .
قال عوف : فخَرجْنَا ونحنُ ثلاثة : رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وأنَا , وعبدُ اللَّه بن سَلام . فأنزلَ اللَّهُ فيه : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 10 } (46- الأحقاف 10) . (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 118 – رقم الحديث 7162) .
وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقَّاص رضي اللَّه عنه , قال : ما سَمِعْتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقولُ لِأحَدٍ يَمْشِي على الأرض إنَّه من أهْل الجنَّة , إلاَّ لِعَبْد اللَّه بن سلام . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1387 – رقم الحديث 3601) .

المثال الثَّاني في إسلام يهودي آخر اسمُه زَيْد بن سعْنة : روى ابنُ حبّان في صحيحه عن زَيْد بن سعْنة رضي اللَّه عنه , قال : لَمْ يَبْقَ من علامَات النُّبوَّة شيءٌ إلاَّ وقد عرفْتُها في وَجْه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حينَ نظرتُ إليه , إلاَّ اثْنَتَيْن لم أخْبرهُما منه : يَسْبِقُ حِلْمُه جهْلَه (أي غَضَبَه) , ولا يزيدُه شدَّةُ الجهْل عليه إلاَّ حِلْمًا . فكنتُ أتَلَطَّفُ له لأن (أي لكي) أُخالِطَه فأعرف حِلْمَه وجهْلَه .
(فذكَر زيد قصَّة إقراضه للنَّبيِّ مالاً) , ثمّ قال : فلَمَّا كان قبلَ محَلِّ الأجلِ بيَومين أو ثلاثة , خرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم في جنازة رجُلٍ من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ونَفَر من أصحابه . فلَمَّا صَلَّى على الجنازة , دَنَا مِن جِدارٍ فجلسَ إليه . فأخذتُ بِمَجامِع قَميصه , ونظرتُ إليه بوَجْهٍ غَلِيظ , ثمّ قلتُ : ألا تَقْضِني يا محمَّد حقِّي ؟! فوَاللَّهِ ما عَلِمْتُكُم بَني عبد المطَّلب بِمُطَل , ولقد كان لي بِمُخالَطتكُم عِلْم .
ونظرتُ إلى عُمر بن الخطَّاب وعَيْناه تَدُوران في وَجْهه كالفُلْك المستدير , ثمَّ رماني ببَصَره وقال : أي عدُوَّ اللَّه , أتقُولُ لرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما أسمعُ , وتفعلُ به ما أرى ؟! فَوَالذي بَعثَه بالحقّ , لولا ما أحاذرُ فوته (أو لَوْمَه) , لَضَربْتُ بسَيْفِي هذا عُنقَك !
ورسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَنْظُر إلى عُمَر في سُكُونٍ وتُؤَدَة , ثمَّ قال : إنَّا كُنَّا أحْوَجَ إلى غيْر هذا منكَ يا عُمر : أن تأمُرَني بِحُسْن الأداء , وتأمُرَه بِحُسْن التّباعة (أو الطَّلَب) ! اذْهَبْ به يا عُمر , فاقْضِهِ حَقَّه وزِدْهُ عشْرين صاعًا من غَيْره مكانَ ما رُعْتَه !
قال زيد : فذهبَ بي عُمَر , فقضَاني حقِّي وزادَني عشرينَ صاعًا من تَمْر . فقلتُ : ما هذه الزِّيادة ؟ قال : أمَرني رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن أَزيدَكَ مكانَ ما رُعْتُك . فقلتُ : أَتَعْرِفُني يا عُمر ؟ قال : لا , فَمَنْ أنت ؟ قلتُ : أنا زيد بن سعنة , قال : الحَبْر ؟! قلتُ : نعم , الحَبْر , قالَ : فَمَا دعاكَ أن تقولَ لِرسُول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما قُلْت وتَفعلُ به ما فعَلْت ؟! فقلتُ : يا عُمر , كلُّ علامات النُّبُوَّة قد عرَفْتُها في وَجْه رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حينَ نَظَرتُ إليه , إلاَّ اثْنَتَيْن لَم أخْتَبِرْهما منه : يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَه , ولا يَزيدُه شِدَّةُ الجهل عليه إلاَّ حِلْمًا , فقد اخْتَبَرْتُهما , فأُشْهِدُكَ يا عُمر أنِّي قد رضيتُ باللَّه رَبًّا وبالإسلام دِينًا وبمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نَبِيًّا , وأُشْهِدُكَ أنَّ شَطْرَ مالي , فإنِّي أكثرها مالاً , صدقةً على أُمَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . فقال عُمر : أو على بَعضِهم , فإنَّكَ لا تَسَعُهم كلُّهم , قلتُ : أو على بعضهم .
فرجعَ عُمر وزيد إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال زيد : أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . (صحيح ابن حِبّان – الجزء 1 – ص 521 – رقم الحديث 288) .

المثال الثَّالث في إسلام نصراني اسمُه سَلْمان الفارسي : روى ابنُ إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن سلْمان الفارسي رضي اللَّه عنه , قال : كنتُ رجلاً فارسيًّا من أهْل أصْبهان (وتُسمَّى اليوم أصْفهان , وهي مدينة في إيران) , من أهل قرْيَة يُقال لها جَيّ . وكان أبي دهقان قرْيَته (أي شَيْخَها) , وكنتُ أحَبَّ خَلْق اللَّه إليه , لم يَزَلْ به حُبُّه إيَّايَ حتَّى حَبَسَني في بيْته كما تُحْبَسُ الجارية . واجْتهَدْتُ في المجوسيَّة (والمجوس هم الذين يُقدِّسُون النَّار) حتَّى كنتُ قَطِنَ النَّار ( أي خادمَها ) الذي يُوقِدُها , لا يَتْركُها تَخْبُو ساعة (أي لا يتركُها تَنْطَفئُ أبدًا) .
وكانتْ لأبي ضَيْعَةٌ عظيمة , فشُغِلَ يوْمًا في بُنْيان له , فقالَ لي : يا بُنَيّ , إنِّي قد شُغِلْتُ في بُنْياني هذا اليوم عن ضَيْعتي , فاذْهَبْ إليْها فاطَّلعْها . وأمَرني فيها ببَعْض ما يُريد , ثمَّ قال لي : ولا تَحْتَبِسْ عنِّي , فإنَّكَ إن احْتَبَسْتَ عنِّي كُنْتَ أهَمّ إليَّ من ضَيْعَتي , وشَغَلْتَني عن كلِّ شيء من أمْري .
فخرجْتُ أريدُ ضَيْعَتَه التي بَعَثَني إليها , فمَررتُ بكَنيسة من كنائِس النَّصارى , وسَمعْتُ أصْواتَهم فيها وهم يُصلُّون , وكنتُ لا أدْري ما أمْرُ النَّاس , لِحَبْس أبي إيَّاي في بَيْته . فدَخلْتُ عليهم أنظُر ما يصْنَعون , فلمَّا رأيْتُهم أعجَبَتْني صلاتُهم ورَغِبْتُ في أمْرهم , وقلْتُ : هذا واللَّهِ خَيْرٌ من الدِّين الذي نحنُ عليه .
فوَاللَّهِ ما بَرحْتُهم حتَّى غَربَت الشَّمسُ , وتركْتُ ضَيْعةَ أبي فلمْ آتِها , ثمَّ قلتُ لهم : أينَ أصْلُ هذا الدِّين ؟ قالُوا : بالشَّام (أي سوريا) . فرجعْتُ إلى أبي , وقد بعثَ في طلَبي وشغَلْتُه عن عمَلِه كُلِّه . فلمَّا جِئْتُه قال : أيْ بُنَيَّ , أينَ كُنْتَ ؟ أوَلَمْ أكُنْ عهدْتُ إليكَ ما عهدْت ؟ قلْتُ : يا أبَتِ , مررتُ بأناس يُصلُّون في كَنيسة لهم , فأعْجبَني ما رأيْتُ من دِينهم , ووَاللَّه ما زلْتُ عندَهم حتَّى غربَت الشَّمس . قال : أيْ بُنَيَّ , ليْس في ذلك الدِّين خيْرٌ , دِينُكَ ودينُ آبائكَ خيرٌ منه , قلتُ : كلاَّ , واللَّهِ إنَّه لَخَيْرٌ من ديننَا . فخافَني , فجعلَ في رِجْلي قيْدًا , ثمَّ حبَسَني في بيْته .
وبعثْتُ إلى النَّصَارى , فقلْتُ لهم : إذا قدم عليْكُم ركْبٌ من الشَّام فأخْبِرُوني بهم . فقدم عليْهم ركْبٌ من الشَّام , تُجَّارٌ من النَّصارى , فأخْبَروني بهم . فقلتُ لهم : إذا قَضَوْا حوائجَهُم وأرادُوا الرّجْعة إلى بلادهم , فآذِنوني بهم . فلمَّا أرادُوا الرّجْعة إلى بلادهم , أخْبروني بهم , فألقَيْتُ الحديدَ من رِجْلي , ثمَّ خرجتُ معهم حتَّى قدمتُ الشَّام . فقلْتُ : مَنْ أفضَلُ أهْل هذا الدِّين عِلْمًا ؟ قالُوا : الأُسْقُف في الكَنيسة . فجِئْتُه وقلتُ له : إنِّي قد رغبْتُ في هذا الدِّين وأحْببتُ أن أكون معك , أخْدمُك في كَنيسَتك , وأتعلَّم منكَ وأصلِّي معك , قال : ادْخُل , فدخلْتُ معه . وكان رجُلَ سُوء : يأمُرُهم بالصَّدقة ويُرَغِّبهم فيها , فإذا جَمعُوا إليه شيْئًا منها اكْتنَزه ولم يُعطِه المساكينَ , حتَّى جَمع سَبْع قِلال من ذَهب وورق ! فأبْغَضْتُه بُغضًا شديدًا لِمَا رأيْتُه يَصنع .
ثمَّ مات , فاجْتمَعت إليه النَّصارى ليَدْفِنُوه , فقلْتُ لهم : إنَّ هذا كان رَجُل سُوء , يأمُركم بالصَّدقة ويُرغِّبُكم فيها , فإذا جئْتُموه بها اكْتَنزها لنَفْسه ولَمْ يُعط المساكينَ منها شيْئًا . قالُوا : وما عِلْمُكَ بذلك ؟ قلت : أنا أدلُّكم على كَنْزه , قالُوا : فدُلَّنا عليه . فأرَيْتُهم مَوْضِعَه , فاسْتخْرَجُوا سبْع قِلال مملوءة ذهبًا وورقًا . فلمَّا رأَوْها قالُوا : واللَّهِ لا نَدْفنه أبدًا . فصَلَبوه ورجَموه بالحجارة .
وجاءُوا برَجُل آخر فجعلُوه مكانَه , فما رأيْتُ رجلاً كان أفضَل منه ولا أزْهد في الدُّنيا ولا أرْغبَ في الآخرة ولا أدْأبَ ليلاً ولا نهارًا منه . فأحببْتُه حبًّا لم أحبَّه شيئًا قبْلَه , وأقمْتُ معه زمانًا . ثمَّ حضَرتْهُ الوفاةُ , فقلتُ له : يا فلان , إنِّي قد كنتُ معك وأحبَبْتُك حبًّا لم أحبَّه شيئًا قبْلَك , وقد حضَرك ما ترى من أمر اللَّه تعالى , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : أيْ بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلَمُ اليومَ أحدًا على ما كنتُ عليه , فقد هلكَ النَّاسُ وبدَّلُوا وتركُوا أكثَر ما كانُوا عليه , إلاَّ رجُلاً بالموْصِل , وهو فُلان , وهو على ما كنتُ عليه , فالْحَقْ به .
فلمَّا مات وغُيِّب (أي دُفِن) لحقْتُ بصاحب الموْصِل , فقلتُ له : يا فُلان , إنَّ فلانًا أوْصاني عند موْته أن ألحقَ بك وأخبَرَني أنَّك على أمْره , فقال لي : أقِمْ عندي . فأقَمْتُ عنده , فوجدْتُه خَيْر رجُل , على أمْر صاحبه . ثمَّ لَمْ يَلْبَث أن حضَرتْه الوفاةُ , فقلتُ له : يا فلان , إنَّ فلانًا أوْصى بي إليك وأمَرني باللُّحوق بك , وقد حضَرك مِن أمر اللَّه ما ترى , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : يا بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلَمُ رجُلاً على مثل ما كُنَّا عليه إلاَّ رجُلاً بنصيبين , وهو فُلان , فالْحَقْ به .
فلمَّا مات وغُيِّب لحقْتُ بصاحب نصيبين , فأخْبَرتُه خبَري وما أمَرني به صاحِباي , فقال : أقِمْ عندي . فأقَمْتُ عنده , فوجدْتُه على أمْر صاحبَيْه , وأقمْتُ مع خَيْر رجُل . فواللَّهِ ما لَبثَ أن حضرهُ الموتُ , فقلتُ له : يا فُلان , إنَّ فلانًا كان أوْصى بي إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إليك , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : يا بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلمُه بقِيَ أحدٌ على أمْرنا آمُرك أن تأتيه , إلاَّ رجُلاً بعَمُّوريَّة من أرض الرُّوم , فإنَّه على مثْل ما نحنُ عليه , فإن أحْبَبْتَ فأْته , فإنَّه على أمْرنَا .
فلمَّا ماتَ وغُيِّبَ لحقْتُ بصاحب عمُّوريَّة , فأخْبَرتُه بخَبري , فقال : أقِمْ عندي . فأقمتُ عند خيْر رجُل على هَدْي أصحابه وأمْرهم , واكتسبْتُ حتَّى كانتْ لي بقراتٌ وغُنَيْمة , ثمَّ نزلَ به أمْرُ اللَّه . فلمَّا حُضِر قلتُ له : يا فُلان , إنِّي كنتُ مع فُلان فأوْصى بي إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إليك , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : أي بُنيَّ , واللَّهِ ما أعْلَمُه أصْبح اليومَ أحدٌ على مثْل ما كُنَّا عليه من النَّاس آمُركَ به أن تأتيه , ولكنَّه قد أظَلَّ زمانُ نَبيٍّ , وهو مَبعوثٌ بدِين إبراهيم عليه السَّلام , يَخْرج بأرْض العَرب , مُهاجَرُه إلى أرْضٍ بين حرَّتَيْن بينهما نخْلٌ (هذه الأرضُ هي المدينة التي هاجر إليها محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) , به عَلاماتٌ لا تَخْفَى : يأكلُ الهديَّة , ولا يأكلُ الصَّدقة , وبين كَتِفَيْه خاتَمُ النُّبُوَّة , فإن استطعْتَ أن تلْحقَ بتلْكَ البلاد فافْعَلْ .
ثمَّ ماتَ وغُيِّب , ومكثْتُ بعمُّوريَّة ما شاء اللَّه أن أمكُث . ثمَّ مَرَّ بي تُجَّارٌ , فقلْتُ لهم : احْمِلُوني إلى أرْضِ العَرب وأعْطِيكُم بَقَراتي هذه وغُنَيْمتي , قالُوا : نَعَم . فأعْطَيْتُهُموها , وحمَلُوني معهُم , حتَّى إذا بَلَغُوا وادي القرى ظَلَمُوني , فبَاعُوني إلى رجُلٍ يَهودي عبدًا . فكنتُ عِنْدَه , ورأيْتُ النَّخْلَ , فرَجَوْتُ أن يكونَ هذا البلَدُ الذي وَصَفَ لي صاحبي , ولم يَحِقَّ في نَفْسي . فبيْنما أنا عِنْدَه إذ قَدم عليْه ابنُ عمٍّ له من بَني قُرَيْظة , فابْتاعَني منه واحْتملَني إلى المدينة , فوَاللَّهِ ما هو إلاَّ أن رأيْتُها فعَرَفْتُها بصِفَة صاحبي , فأقَمْتُ بها .
وبُعِثَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فأقامَ بمكَّة ما أقام , لا أسْمعُ له بذِكْرٍ مع ما أنا فيه من شُغْل الرِّقِّ . ثمَّ هاجر إلى المدينة , فوَاللَّهِ إنِّي لَفِي رأْس نَخْلَةٍ لِسَيِّدي أعْملُ فيه بعضَ العَمَل وسيِّدي جالسٌ تحتها , إذ أقْبلَ ابنُ عمٍّ له حتَّى وقفَ عليه فقال : يا فُلان , قاتلَ اللَّه بَني قيلَة , واللَّهِ إنَّهم الآن لَمُجْتَمِعون بقُباء على رجُلٍ قدمَ عليْهم من مكَّة اليوم , يزْعُمون أنَّه نَبيّ . فلمَّا سمعْتُها , أخَذَتْني مثْل الرّعْدة من البرد حتَّى ظننتُ أنّي سأسْقُط على سيِّدي . فنزلْتُ عن النَّخْلة , وجعلْتُ أقول لابن عمِّه ذاك : ماذا تقول ؟! فغضب سيِّدي ولَكَمَني لكْمةً شديدة , ثمَّ قال : مالَكَ ولهذا ؟! أقْبِلْ على عمَلِك . قلتُ : لا شيء , إنَّما أردْتُ أن أسْتَثْبِتَه عمَّا قال .
وقد كان عندي شيءٌ قد جمعْتُه , فلمَّا أمْسيْتُ أخذْتُه ثمَّ ذهبْتُ به إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو بقُبَاء . فدخلْتُ عليه وقلْتُ له : إنَّه قد بلَغَني أنَّك رجلٌ صالح , ومعك أصحابٌ لك غُرباء ذَوُو حاجة , وهذا شيءٌ قد كان عندي للصَّدقة , فرأيْتُكم أحَقّ به من غيركم . فقرَّبتُ إليه , فقال لأصحابه : كُلُوا , وأمْسَكَ يَدَه فلمْ يأكُل . فقلتُ في نَفْسي : هذه واحدة , ثمَّ انصرفْتُ عنه .
وتحوَّلَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المدينة , فجمعْتُ شيْئًا ثمَّ جئْتُه به , فقلْتُ له : إنّي قد رأيتُكَ لا تأكلُ الصَّدقة , فهذه هديَّة أكرمْتُكَ بها . فأكلَ منها , وأمَر أصحابَه فأكلُوا معه , فقلتُ في نفْسي : هاتان اثْنَتان .
ثمَّ جئْتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو ببَقيع الغَرقَد قد تبعَ جنازة رجُلٍ من أصحابه , علَيَّ شَمْلَتان لي , وهو جالسٌ في أصحابه . فسلَّمتُ عليه , ثمَّ اسْتدرْتُ أنظُر إلى ظهره هل أرى الخاتَم الذي وصَفَ لي صاحبي . فلمَّا رآني رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم اسْتَدْبَرْتُه , عرفَ أنِّي أسْتَثْبِتُ من شيء وُصِفَ لي , فألْقى رداءَه عن ظهْره , ونظرتُ إلى الخاتَم (أي خاتَم النُّبوَّة) فعَرفْتُه . فأكْبَبْتُ عليه أُقَبِّلُه وأبكِي , فقال لي : تحوَّلْ , فتحوَّلتُ وجلسْتُ بينَ يديْه , وقصصتُ عليه حديثي , فأعجبَهُ أن يسمع أصحابُه ذلك .
وأسلَم سَلْمان رضي اللَّه عنه , ثمَّ عاد إلى سيِّده .
قال سلْمان : وبعد مُدَّة , قال لي رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : كاتِبْ يا سلْمان (والمكاتبة هي أن يتَّفق مع سيِّده على مَبلغ من المال أو عملٍ يُؤدِّيه له لكي يُحرِّره من الرِّقّ) . فكاتبتُ سيِّدي على ثلاثُمائة نخْلَة أُحْييها له , وأربعين أوقية من ذهَب (والأوقية هي جزءٌ من الرَّطل) . فقالَ النَّبيُّ لأصحابه : أعِينُوا أخاكُم , فأعانُوني بالنَّخْل : الرَّجُلُ بثلاثين وَدِيَّة , والرَّجُلُ بعشرين , والرَّجُلُ بعشْر , يُعينُ الرَّجُلُ بقَدْر ما عنْده , حتَّى اجْتمعتْ لي ثلاثمائة وَديَّة (والوَديَّة هي الفَسِيلةُ الصَّغيرة من النَّخْل , تُغرَسُ لتُصبح نخلَة) . فقال لي رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : اذْهبْ يا سلْمان , ففَقِّرْ لها (أي احفِرْ لها) , فإذا فرغْتَ فأْتني أكُنْ أنا أضعُها بيَدي . ففقَّرتُ وأعانَني أصحابي , حتَّى إذا فرغْتُ جئْتُه فأخْبرتُه , فخرجَ معي إليها , فجعلْنا نُقرّبُ إليه الوديَّ ويضعُه النَّبيُّ بيَدِه حتَّى فَرغْنا . فوَالذي نفسُ سلْمان بيَده ما ماتتْ منها ودِيَّةٌ واحدة !
فأدَّيتُ النَّخلَ وبقيَ علَيَّ المالُ , فأتَى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمثْل بَيْضة الدَّجاجة من ذهَب , وقال لأصحابه : ما فعلَ الفارسيُّ المكاتب ؟ فدُعيتُ له , فقال : خُذْ هذه فأدِّها مِمَّا عليك يا سلْمان , قلتُ : وأين تقعُ هذه مِمَّا علَيَّ يا رسولَ اللَّه ؟! قال : خُذْها , فإنَّ اللَّهَ سيُؤَدِّي بها عنك . فأخذْتُها ووزنتُها لِسيِّدي , فوَالذي نفْسُ سلْمان بيَده : أرْبعين أوقية ! فأوْفَيْتُه حقَّه وأعتَقني , فشهدْتُ مع رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم معركة الخندق حُرًّا , ثمَّ لم يَفُتْني معه أيُّ مَشْهد .

هذه إذًا شهادات جديدة بأنَّ اليهود والنَّصارى كان لهم عِلْمٌ بأنَّهُ سَيُبعَثُ نَبيٌّ في جزيرة العرب (السّعوديَّة) , يكون نبيَّ آخر الزَّمان , وكانُوا يعرفُون صِفاتَه , وكانُوا أُمِرُوا باتِّبَاعه .

ربَّما تقول يا ابني الكريم : ولكن ليس هناك دليلٌ واحد على أنَّ هذه القصص وقعتْ فعلاً .
أقول : لكنَّ ما جاء فيها يتَّفقُ تَمامًا مع آيات القرآن التي عرضْنَاها سابقًا , والتي أعلَنتْ بوضُوح أنَّ محمَّدًا مذكورٌ في التَّوراة والإنجيل , وأنَّه خاتم الأنبياء . وإذا كنت ما زلت في شكٍّ من أنَّ القرآن كلام اللَّه , تعالَ معي نقوم بجولة جديدة مع بعض آياته المعجزة .
---------------------------
التالي بإذن الله تعالى: في الذُّباب آية !








توقيع كلمة سواء


رد باقتباس