{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 103 ) }
سورة آل عمران .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَتَعَلَّقُوا بِأَسْبَابِ اللَّه جَمِيعًا . يُرِيد بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ , وَعَهْده الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ فِي كِتَابه إِلَيْكُمْ مِنْ الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع عَلَى كَلِمَة الْحَقّ وَالتَّسْلِيم لِأَمْرِ اللَّه . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى الِاعْتِصَام وَأَمَّا الْحَبْل , فَإِنَّهُ السَّبَب الَّذِي يُوصَل بِهِ إِلَى الْبُغْيَة وَالْحَاجَة , وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَمَان حَبْلًا , لِأَنَّهُ سَبَب يُوصَل بِهِ إِلَى زَوَال الْخَوْف وَالنَّجَاة مِنْ الْجَزَع وَالذُّعْر , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : وَإِذْ تُجَوِّزهَا حِبَال قَبِيلَة أَخَذْت مِنْ الْأُخْرَى إِلَيْك حِبَالهَا وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } 3 112 وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5973 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْجَمَاعَة . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : حَبْل اللَّه : الْجَمَاعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الْقُرْآن , وَالْعَهْد الَّذِي عَهِدَ فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5974 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } حَبْل اللَّه الْمَتِين الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُعْتَصَم بِهِ : هَذَا الْقُرْآن . 5975 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : بِعَهْدِ اللَّه وَأَمْره . 5976 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ شَقِيق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : إِنَّ الصِّرَاط مُحْتَضَر تَحْضُرهُ الشَّيَاطِين , يُنَادُونَ : يَا عَبْد اللَّه هَلُمَّ هَذَا الطَّرِيق ! لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه . فَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه , فَإِنَّ حَبْل اللَّه هُوَ كِتَاب اللَّه . 5977 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } أَمَّا حَبْل اللَّه : فَكِتَاب اللَّه . 5978 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِحَبْلِ اللَّه } : بِعَهْدِ اللَّه . 5979 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { بِحَبْلِ اللَّه } قَالَ : الْعَهْد . 5980 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : حَبْل اللَّه : الْقُرْآن . 5981 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْقُرْآن . 5982 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كِتَاب اللَّه , هُوَ حَبْل اللَّه الْمَمْدُود مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ إِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5983 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } يَقُول : اِعْتَصِمُوا بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْده 5984 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْحَبْل : الْإِسْلَام . وَقَرَأَ { وَلَا تَفَرَّقُوا }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَفَرَّقُوا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَفَرَّقُوا } : وَلَا تَتَفَرَّقُوا عَنْ دِين اللَّه وَعَهْده الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِي كِتَابه مِنْ الِائْتِلَاف وَالِاجْتِمَاع عَلَى طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره . كَمَا : 5985 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَرِهَ لَكُمْ الْفُرْقَة وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ فِيهَا , وَحَذَّرَكُمُوهَا , وَنَهَاكُمْ عَنْهَا , وَرَضِيَ لَكُمْ السَّمْع وَالطَّاعَة وَالْأُلْفَة وَالْجَمَاعَة , فَارْضُوا لِأَنْفُسِكُمْ مَا رَضِيَ اللَّه لَكُمْ إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ , وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ . 5986 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبَى الْعَالِيَة : { وَلَا تَفَرَّقُوا } : لَا تُعَادُوا عَلَيْهِ , يَقُول : عَلَى الْإِخْلَاص لِلَّهِ , وَكُونُوا عَلَيْهِ إِخْوَانًا . 5987 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ الْأَوْزَاعِيّ حَدَّثَهُ , أَنَّ يَزِيد الرَّقَاشِيّ حَدَّثَهُ , أَنَّهُ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل اِفْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة , وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلّهمْ فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة " . قَالَ : فَقِيلَ يَا رَسُول اللَّه , وَمَا هَذِهِ الْوَاحِدَة ؟ قَالَ : فَقَبَضَ يَده وَقَالَ : " الْجَمَاعَة " { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } * - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَمِعْت الْأَوْزَاعِيّ يُحَدِّث عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 5988 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ ثَابِت بْن قطنة المري , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَة فَإِنَّهُمَا حَبْل اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ , وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَة وَالطَّاعَة هُوَ خَيْر مِمَّا تَسْتَحِبُّونَ فِي الْفُرْقَة . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ ثَابِت بْن قطنة , قَالَ : سَمِعْت اِبْن مَسْعُود وَهُوَ يَخْطُب , وَهُوَ يَقُول : يَا أَيّهَا النَّاس , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَفْص الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا مُجَالِد بْن سَعِيد , عَنْ عَامِر , عَنْ ثَابِت بْن قطنة المري , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَة , فَإِنَّهَا حَبْل اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } : وَاذْكُرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع عَلَى الْإِسْلَام . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي قَوْله : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة فِي ذَلِكَ : اِنْقَطَعَ الْكَلَام عِنْد قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } , ثُمَّ فُسِّرَ بِقَوْلِهِ : { فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } وَأَخْبَرَ بِاَلَّذِي كَانُوا فِيهِ قَبْل التَّأْلِيف , كَمَا تَقُول : أَمْسَكَ الْحَائِط أَنْ يَمِيل . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : قَوْله { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } تَابِع قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } غَيْر مُنْقَطِعَة مِنْهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْله : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } مُتَّصِل بِقَوْلِهِ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } غَيْر مُنْقَطِع عَنْهُ . وَتَأْوِيل ذَلِكَ : وَاذْكُرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ حِين كُنْتُمْ أَعْدَاء : أَيْ بِشِرْكِكُمْ , بِقَتْلِ بَعْضكُمْ بَعْضًا , عَصَبِيَّة فِي غَيْر طَاعَة اللَّه وَلَا طَاعَة رَسُوله , فَأَلَّفَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ بَيْن قُلُوبكُمْ , فَجَعَلَ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ إِخْوَانًا بَعْد إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء تَتَوَاصَلُونَ بِأُلْفَةِ الْإِسْلَام وَاجْتِمَاع كَلِمَتكُمْ عَلَيْهِ . كَمَا : 5989 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } كُنْتُمْ تَذَّابَحُونَ فِيهَا , يَأْكُل شَدِيدكُمْ ضَعِيفكُمْ حَتَّى جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , فَآخَى بِهِ بَيْنكُمْ , وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنكُمْ . أَمَا وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , إِنَّ الْأُلْفَة لَرَحْمَة , وَإِنَّ الْفُرْقَة لَعَذَاب ! 5990 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } : يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَيَأْكُل شَدِيدكُمْ ضَعِيفكُمْ , حَتَّى جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , فَأَلَّفَ بِهِ بَيْنكُمْ , وَجَمَعَ جَمْعكُمْ عَلَيْهِ , وَجَعَلَكُمْ عَلَيْهِ إِخْوَانًا . فَالنِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَى الْأَنْصَار الَّتِي أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَذْكُرُوهَا هِيَ أُلْفَة الْإِسْلَام وَاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ عَلَيْهَا , وَالْعَدَاوَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ , الَّتِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } فَإِنَّهَا عَدَاوَة الْحُرُوب الَّتِي كَانَتْ بَيْن الْحَيَّيْنِ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِي الْجَاهِلِيَّة قَبْل الْإِسْلَام , يَزْعُم الْعُلَمَاء بِأَيَّامِ الْعَرَب , أَنَّهَا تَطَاوَلَتْ بَيْنهمْ عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة . كَمَا : 5991 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانَتْ الْحَرْب بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة , حَتَّى قَامَ الْإِسْلَام وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَكَانَتْ حَرْبهمْ بَيْنهمْ وَهُمْ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمّ , فَلَمْ يُسْمَع بِقَوْمٍ كَانَ بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْحَرْب مَا كَانَ بَيْنهمْ . ثُمَّ إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَطْفَأَ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ , وَأَلَّفَ بَيْنهمْ بِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِذْ وَعَظَهُمْ عَظِيم مَا كَانُوا فِيهِ فِي جَاهِلِيَّتهمْ مِنْ الْبَلَاء وَالشَّقَاء بِمُعَادَاةِ بَعْضهمْ بَعْضًا وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَخَوْف بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَمَا صَارُوا إِلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَاتِّبَاع الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَان بِهِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الِائْتِلَاف وَالِاجْتِمَاع , وَأَمِنَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَمَصِير بَعْضهمْ لِبَعْضٍ إِخْوَانًا . وَكَأَنَّ سَبَب ذَلِكَ مَا : 5992 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة الْمَدَنِيّ , عَنْ أَشْيَاخ مِنْ قَوْمه , قَالُوا : قَدِمَ سُوَيْد بْن صَامِت أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف مَكَّة حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا . قَالَ : وَكَانَ سُوَيْد إِنَّمَا يُسَمِّيه قَوْمه فِيهِمْ الْكَامِل لِجَلَدِهِ وَشِعْره وَنَسَبه وَشَرَفه . قَالَ : فَتَصَدَّى لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَمِعَ بِهِ , فَدَعَاهُ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الْإِسْلَام , قَالَ : فَقَالَ لَهُ سُوَيْد : فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَك مِثْل الَّذِي مَعِي ! قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا الَّذِي مَعَك ؟ " قَالَ مَجَلَّة لُقْمَان - يَعْنِي حِكْمَة لُقْمَان - فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِعْرِضْهَا بِهَا عَلَيَّ ! " فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ , فَقَالَ : " إِنَّ هَذَا الْكَلَام حَسَن , مَعِي أَفْضَل مِنْ هَذَا , قُرْآن أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَيَّ هُدًى وَنُور " . قَالَ : فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام , فَلَمْ يَبْعُد مِنْهُ , وَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْقَوْل حَسَن ثُمَّ اِنْصَرَفَ عَنْهُ , وَقَدِمَ الْمَدِينَة , فَلَمْ يَلْبَث أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَج , فَإِنْ كَانَ قَوْمه لَيَقُولُونَ : قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِم , وَكَانَ قَتْله قَبْل يَوْم بُعَاث . حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ أَحَد بَنِي عَبْد الْأَشْهَل : أَنَّ مَحْمُود بْن أَسَد أَحَد بَنِي عَبْد الْأَشْهَل , قَالَ : لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْجَيْش أَنَس بْن رَافِع مَكَّة , وَمَعَهُ فِتْيَة مِنْ بَنِي عَبْد الْأَشْهَل فِيهِمْ إِيَاس بْن مُعَاذ , يَلْتَمِسُونَ الْحِلْف مِنْ قُرَيْش عَلَى قَوْم مِنْ الْخَزْرَج , سَمِعَ بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ , فَقَالَ " هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْر مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ ؟ " قَالُوا : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : " أَنَا رَسُول اللَّه بَعَثَنِي إِلَى الْعِبَاد أَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه أَنْ يَعْبُدُوا اللَّه وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْكِتَاب " . ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ الْإِسْلَام , وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآن , فَقَالَ إِيَاس بْن مُعَاذ , وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا : أَيْ قَوْم , هَذَا وَاَللَّه خَيْر مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ ! قَالَ : فَأَخَذَ أَبُو الْجَيْش أَنَس بْن رَافِع حَفْنَة مِنْ الْبَطْحَاء فَضَرَبَ بِهَا وَجْه إِيَاس بْن مُعَاذ , وَقَالَ : دَعْنَا مِنْك , فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا ! قَالَ : فَصَمَتَ إِيَاس بْن مُعَاذ , وَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ , وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَة , وَكَانَتْ وَقْعَة بُعَاث بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج . قَالَ . ثُمَّ لَمْ يَلْبَث إِيَاس بْن مُعَاذ أَنْ هَلَكَ قَالَ : فَلَمَّا أَرَادَ اللَّه إِظْهَار دِينه , وَإِعْزَاز نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْجَاز مَوْعِده لَهُ , خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْسِم الَّذِي لَقِيَ فِيهِ النَّفَر مِنْ الْأَنْصَار يَعْرِض نَفْسه عَلَى قَبَائِل الْعَرَب كَمَا كَانَ يَصْنَع فِي كُلّ مَوْسِم . فَبَيْنَا هُوَ عِنْد الْعَقَبَة , إِذْ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَج أَرَادَ اللَّه لَهُمْ خَيْرًا . قَالَ اِبْن حُمَيْد : قَالَ سَلَمَة : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : فَحَدَّثَنِي عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , عَنْ أَشْيَاخ مِنْ قَوْمه , قَالُوا : لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : " مَنْ أَنْتُمْ ؟ " قَالُوا : نَفَر مِنْ الْخَزْرَج , قَالَ : " أَمِنْ مَوَالِي يَهُود ؟ " قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : " أَفَلَا تَجْلِسُونَ حَتَّى أُكَلِّمكُمْ ؟ " قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَجَلَسُوا مَعَهُ , فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَام , وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآن . قَالَ : وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّه لَهُمْ بِهِ فِي الْإِسْلَام أَنَّ يَهُود كَانُوا مَعَهُمْ بِبِلَادِهِمْ , وَكَانُوا أَهْل كِتَاب وَعِلْم , وَكَانُوا أَهْل شِرْك , أَصْحَاب أَوْثَان , وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ بِبِلَادِهِمْ , فَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنهمْ شَيْء , قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ نَبِيًّا الْآنَ مَبْعُوث قَدْ أَظَلَّ زَمَانه , نَتَّبِعهُ وَنَقْتُلكُمْ مَعَهُ قَتْل عَادَ وَإِرَم . فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَر , وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْم تَعْلَمُوا وَاَللَّه إِنَّهُ لَلنَّبِيّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُود , وَلَا يَسْبِقُنَّكُمْ إِلَيْهِ ! فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ , وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِسْلَام , وَقَالُوا لَهُ : إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمنَا , وَلَا قَوْم بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالشَّرّ مَا بَيْنهمْ , وَعَسَى أَنْ يَجْمَعهُمْ اللَّه بِك , وَسَنَقْدُمُ عَلَيْهِمْ , فَنَدْعُوهُمْ إِلَى أَمْرك , وَنَعْرِض عَلَيْهِمْ الَّذِي أَجَبْنَاك إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّين , فَإِنْ يَجْمَعهُمْ اللَّه عَلَيْهِ , فَلَا رَجُل أَعَزّ مِنْك ! ثُمَّ اِنْصَرَفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادهمْ , قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا , وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي سِتَّة نَفَر . قَالَ : فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَة عَلَى قَوْمهمْ , ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَام , حَتَّى فَشَا فِيهِمْ , فَلَمْ يَبْقَ دَار مِنْ دُور الْأَنْصَار إِلَّا وَفِيهَا ذِكْر مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَام الْمُقْبِل , وَافَى الْمَوْسِم مِنْ الْأَنْصَار اِثْنَا عَشَر رَجُلًا , فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ , وَهِيَ الْعَقَبَة الْأُولَى , فَبَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَة النِّسَاء , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ تُفْتَرَض عَلَيْهِمْ الْحَرْب . 5993 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة نَفَر مِنْ الْأَنْصَار , فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ , فَأَرَادَ أَنْ يَذْهَب مَعَهُمْ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ بَيْن قَوْمنَا حَرْبًا , وَإِنَّا نَخَاف إِنْ جِئْت عَلَى حَالك هَذِهِ أَنْ لَا يَتَهَيَّأ الَّذِي تُرِيد . فَوَعَدُوهُ الْعَام الْمُقْبِل , وَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه نَذْهَب , فَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يُصْلِح تِلْكَ الْحَرْب ! قَالَ : فَذَهَبُوا فَفَعَلُوا , فَأَصْلَحَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْحَرْب , وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا لَا تُصْلَح ; وَهُوَ يَوْم بُعَاث فَلَقَوْهُ مِنْ الْعَام الْمُقْبِل سَبْعِينَ رَجُلًا قَدْ آمَنُوا , فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ النُّقَبَاء اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } 5994 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } فَفِي حَرْب { فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } بِالْإِسْلَامِ . 5995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْر عَائِشَة مَا كَانَ , فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَوْعِدكُمْ الْحَرَّة ! فَخَرَجُوا إِلَيْهَا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } . .. الْآيَة , فَأَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَزَلْ يَتْلُوهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى اِعْتَنَقَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَحَتَّى إِنَّ لَهُمْ لَخَنِينًا , يَعْنِي الْبُكَاء . وَسُمَيْر الَّذِي زَعَمَ السُّدِّيّ أَنَّ قَوْله { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } عَنَى بِهِ حَرْبه , هُوَ سُمَيْر بْن زَيْد بْن مَالِك أَحَد بَنِي عَمْرو بْن عَوْف الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِك بْن الْعَجْلَان فِي قَوْله : إِنَّ سُمَيْرًا أَرَى عَشِيرَته قَدْ حَدِبُوا دُونه وَقَدْ أَنِفُوا إِنْ يَكُنْ الظَّنّ صَادِقِي بِبَنِي النَّ جَّار لَمْ يَطْعَمُوا الَّذِي عُلِفُوا وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاء الْأَنْصَار أَنَّ مَبْدَأ الْعَدَاوَة الَّتِي هَيَّجَتْ الْحُرُوب الَّتِي كَانَتْ بَيْن قَبِيلَتَيْهَا الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَأَوَّلهَا كَانَ بِسَبَبِ قَتْل مَوْلًى لِمَالِكِ بْن الْعَجْلَان الْخَزْرَجِيّ , يُقَال لَهُ : الْحُرّ بْن سُمَيْر , مِنْ مُزَيْنَة , وَكَانَ حَلِيفًا لِمَالِكِ بْن الْعَجْلَان , ثُمَّ اِتَّصَلَتْ تِلْكَ الْعَدَاوَة بَيْنهمْ إِلَى أَنْ أَطْفَأَهَا اللَّه بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْل السُّدِّيّ : حَرْب اِبْن سُمَيْر .
وَأَمَّا قَوْله : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَأَصْبَحْتُمْ بِتَأْلِيفِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَكَلِمَة الْحَقّ وَالتَّعَاوُن عَلَى نُصْرَة أَهْل الْإِيمَان , وَالتَّآزُر عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر , إِخْوَانًا مُتَصَادِقِينَ لَا ضَغَائِن بَيْنكُمْ , وَلَا تَحَاسُد . كَمَا : 5996 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ مَسْعُود : كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ ؟ قَالَ : أَصْبَحْنَا بِنِعْمَةِ اللَّه إِخْوَانًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار } : وَكُنْتُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج عَلَى حَرْف حُفْرَة مِنْ النَّار , وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَل لِكُفْرِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَهْدِيهِمْ اللَّه لِلْإِسْلَامِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُنْتُمْ عَلَى طَرَف جَهَنَّم بِكُفْرِكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ , قَبْل أَنْ يُنْعِم اللَّه عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ , فَتَصِيرُوا بِائْتِلَافِكُمْ عَلَيْهِ إِخْوَانًا , لَيْسَ بَيْنكُمْ وَبَيْن الْوُقُوع فِيهَا إِلَّا أَنْ تَمُوتُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُفْركُمْ , فَتَكُونُوا مِنْ الْخَالِدِينَ فِيهَا , فَأَنْقَذَكُمْ اللَّه مِنْهَا بِالْإِيمَانِ الَّذِي هَدَاكُمْ لَهُ . وَشَفَا الْحُفْرَة : طَرَفهَا وَحَرْفهَا , مِثْل شَفَا الرَّكِيَّة وَالْبِئْر , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ سَجْلَهْ نَابِتَة فَوْق شَفَاهَا بَقْلَهْ يَعْنِي فَوْق حَرْفهَا , يُقَال : هَذَا شَفَا هَذِهِ الرَّكِيَّة مَقْصُور , وَهُمَا شَفَوَاهَا . وَقَالَ : { فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } : يَعْنِي فَأَنْقَذَكُمْ مِنْ الْحُفْرَة , فَرَدَّ الْخَبَر إِلَى الْحُفْرَة , وَقَدْ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْ الشَّفَا , لِأَنَّ الشَّفَا مِنْ الْحُفْرَة , فَجَازَ ذَلِكَ , إِذْ كَانَ الْخَبَر عَنْ الشَّفَا عَلَى السَّبِيل الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذِهِ الْآيَة خَبَرًا عَنْ الْحُفْرَة , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : رَأَتْ مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي كَمَا أَخَذَ السِّرَار مِنْ الْهِلَال فَذَكَرَ مَرَّ السِّنِينَ , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْخَبَر عَنْ السِّنِينَ . وَكَمَا قَالَ الْعَجَّاج : طُول اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي وَقَدْ بَيَّنْت الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5997 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته } كَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب أَذَلَّ النَّاس ذُلًّا , وَأَشْقَاهُ عَيْشًا , وَأَبْيَنه ضَلَالَة , وَأَعْرَاهُ جُلُودًا , وَأَجْوَعه بُطُونًا , مَكْعُومِينَ عَلَى رَأْس حَجَر بَيْن الْأَسَدَيْنِ : فَارِس , وَالرُّوم , لَا وَاَللَّه مَا فِي بِلَادهمْ يَوْمئِذٍ مِنْ شَيْء يُحْسَدُونَ عَلَيْهِ , مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَاشَ شَقِيًّا وَمَنْ مَاتَ رُدِّيَ فِي النَّار , يُؤْكَلُونَ وَلَا يَأْكُلُونَ , وَاَللَّه مَا نَعْلَم قَبِيلًا يَوْمئِذٍ مِنْ حَاضِر الْأَرْض , كَانُوا فِيهَا أَصْغَر حَظًّا , وَأَدَقّ فِيهَا شَأْنًا مِنْهُمْ , حَتَّى جَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِسْلَامِ , فَوَرَّثَكُمْ بِهِ الْكِتَاب , وَأَحَلَّ لَكُمْ بِهِ دَار الْجِهَاد , وَوَضَعَ لَكُمْ بِهِ مِنْ الرِّزْق , وَجَعَلَكُمْ بِهِ مُلُوكًا عَلَى رِقَاب النَّاس , وَبِالْإِسْلَامِ أَعْطَى اللَّه مَا رَأَيْتُمْ , فَاشْكُرُوا نِعَمه , فَإِنَّ رَبّكُمْ مُنْعِم يُحِبّ الشَّاكِرِينَ , وَإِنَّ أَهْل الشُّكْر فِي مَزِيد اللَّه , فَتَعَالَى رَبّنَا وَتَبَارَكَ . 5998 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَوْله : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار } يَقُول : كُنْتُمْ عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ , { فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } : مِنْ ذَلِكَ , وَهَدَاكُمْ إِلَى الْإِسْلَام . 5999 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : كُنْتُمْ عَلَى طَرَف النَّار مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ أُوبِقَ فِي النَّار , فَبَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْحُفْرَة . 6000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا حَسَن بْن حَيّ : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } قَالَ : عَصَبِيَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ رَبّكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , مِنْ غِلّ الْيَهُود , الَّذِي يُضْمِرُونَهُ لَكُمْ , وَغِشّهمْ لَكُمْ , وَأَمْره إِيَّاكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فِيهَا , وَنَهْيه لَكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَالْحَال الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا فِي جَاهِلِيَّتكُمْ , وَاَلَّتِي صِرْتُمْ إِلَيْهَا فِي إِسْلَامكُمْ , يُعَرِّفكُمْ فِي كُلّ ذَلِكَ مَوَاقِع نِعَمه قِبَلكُمْ , وَصَنَائِعه لَدَيْكُمْ , فَكَذَلِكَ يُبَيِّن سَائِر حُجَجه لَكُمْ فِي تَنْزِيله , وَعَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَعْنِي : لِتَهْتَدُوا إِلَى سَبِيل الرَّشَاد , وَتَسْلُكُوهَا فَلَا تَضِلُّوا عَنْهَا .
المصدر :
تفسير الطبري .
|