ثم علاوة على أن تفسير الكون عن طريق وجود الله لا يمكن التحقق منه بأي شكل كان، فهو حتى لم يعطي الإنسان تفسيراً مرضياً للحياة، بل ترك كثيراً من الأسئلة بدون إي إجابة أو بإجابات متعارضة. و لأن هذا منتدى إسلامي و لأني نشأت في أسرة مسلمة، سأطرح بعض الأمثلة من العقيدة الإسلامية على الإجابات التي يعتورها الخلل.
أولاً: غاية الوجود.
من أول الأسئلة التي يقوم الإنسان بطرحها على نفسه و تجبره طبيعته على سؤالها ”
لماذا أنا هنا؟“ و طبعاً يقوم الناس دائماً بادعاء أنه لا غاية للوجود الإنساني في الإلحاد و أنه يؤدي لا محالة إلى العدمية. و لكن ما هي غاية الوجود في الإسلام؟
جاء في القرآن: ”
ربنا ما خلقت هذا باطلاً“ مما يعني أن للوجود غاية، إذاً ما هي؟ إن سألت لماذا نحن في الدنيا، يرد المسلم ”ليختبرنا الله“ فإذا سألت فلم يختبرنا الله، قال لحكمة لا يعلمها إلاه. لنبدأ بالتحليل المتأني لهذه الجملة.
الله فقط هو من يعرف الحكمة من خلقه لنا.
أي أن هناك حكمة من الخلق بمعنى نتيجة مرتقبة مثلاً أو غاية.
بصيغة أخرى نقول أن الله قبل الخلق قرر أن يخلق الكون لتحصل النتيجة أ مثلاً.
إذاً عندما يخلق الله الكون تحصل النتيجة أ، لاحظ أن هذه صيغة لقاعدة سببية.
لو كانت هذه القاعدة مفروضة على الله سقطت عنه القدرة المطلقة حيث توجد قاعدة لا يستطيع الفعل إلا بمقتضاها.
لو لم تكن مفروضة عليه فهو مبتدعها، فنقول لم ابتدعها؟ فإن كان لغاية قيل نفس ما قيل، و إن لم يكن فليس للوجود غاية، حيث هو قائم على أساس بلا غاية.
إذاً وجود غاية من الخلق يتعارض مع إطلاق القدرة.
ثانياً: الثواب و العقاب.
افترض أن من يسرق يدخل النار و من لا يسرق يدخل الجنة. ثم افترض شخصين
أ و
ب، كل منهما أمامه فرصة للسرقة، فيقوم
أ بالسرقة و يعرض
ب عنها.
الآن لم سرق
أ و لم يسرق
ب؟
نتخيل أولاً موقفاً فيه
أ و
ب شخصين متماثلين تماماً و كل منهما لا يشعر بالاكتراث تجاه السرقة أو عدمها. فأخرج كل واحد منهما عملة معدنية و ألقاها فإن نزلت على وجهها سرق و إن نزلت على ظهرها لم يسرق، فنزلت عملة
أ على وجهها فسرق، و نزلت عملة
ب على ظهرها فلم يسرق.
فإن قلت يدخل
أ النار و
ب الجنة كان هذا ظلماً لأن الصدفة فقط هي من جعلت هذا يسرق و هذا لا.
الآن هذا في حالة شخصين متماثلين تماماً، لكن في حالة اختلاف
أ عن
ب، مثلاً
أ لديه استعداد للسرقة و
ب لا. فمن أين جاء هذا الاستعداد؟ لو قلت
أ مثلاً كثير الذنوب أما
ب فيتقي الله، فمن أين جاء هذا الاختلاف؟ فإن قلت هذا استسلم للشيطان و هذا لا، جاز نفس السؤال. ما الذي جعل هذا يستسلم للشيطان و هذا لا؟ و هكذا، كل
سبب في صيغة فعل إنساني آخر يجوز فيه نفس السؤال ”
لماذا فعل هذا و هذا لم يفعل؟“ حتى نصل لما لا يجوز فيه السؤال و هو ما بين فطرة أو صدفة.
فإما أن الله خلق
أ و
ب متساويين تماماً و في هذه الحالة لم توجههم إلا الصدف و الظروف فتجعل هذا يسرق و هذا لا، و إما أنه خلق هذا باستعداد للسرقة أو باستعداد للانجراف وراء الهوى أو الشيطان أو خلافه و الآخر لا، و الحالتين فيهما ظلم واضح.
ثالثاً: العقاب الأبدي.
تؤكدون دائماً على أن الجزاء من جنس العمل فماذا يعني ذلك؟ هو يعني فيما أرى أن الجزاء يكون من نوع و مقدار الفعل المجزي عليه. إذاً فلماذا العقاب الأبدي؟ الإنسان كائن محدود في الزمان و المكان و كذلك كل أفعاله محدودة لا يمكن أن يصدر عنه ما لا نهاية له، فمهما ارتكب من أخطاء و إن كبر حجمها و استوجبت العقاب، سيكون العقاب الأبدي بزيادة في المقدار على الفعل الإنساني أياً كان هذا الفعل. ثم إن عقاب من هذا النوع لا يسمى عقاباً أصلاً لأن العقاب يكون بغرض الإصلاح و التهذيب، أما العذاب الأبدي فيجب أن يدخل تحت بند الانتقام لا العقاب. و الانتقام هو فعل سيء لا يأتي من إله كامل، فهو يدل على الندية، لأن الشخص ينتقم بإيذاء من آذاه، فلم ينتقم الله إلا لو كانت أفعال البشر قادرة على أذيته؟
رابعاً: رحمة الله.
جاء في القرآن:
”
يوم يعض الظالم على يديه و يقول الكافر ياليتني كنت تراباً“
”
ربنا وسعت كل شيء رحمة و علماً“
”
و هو على كل شيء قدير“
”
و لا يظلم ربك أحداً“
من الآية الأولى و التي تصور موقف الكافر يوم القيامة، يتضح لنا أنه يتمنى كونه معدوماً على خلوده في النار، و طالما هو يرى هذا أفضل له، و أي عاقل بالطبع يرى مثله، فقد كان من رحمة الله به ألا يخلقه من البداية، فلم خلقه؟
لو لم يكن يعلم أنه سيدخل النار يسقط عنه العلم المطلق.
لو خلقه مضطراً سقطت عنه القدرة المطلقة.
لو خلقه مريداً و هو يعلم أنه سيخلد في النار سقطت عنه الرحمة المطلقة.
لو قيل أن الله يختص المؤمنين فقط برحمته سقط عنه العدل المطلق، لأن أي فرق بين المؤمن و الكافر قبل الخلق لا يمكن لأي منهما أن يكون له يد فيه، حيث هو لم يخلق بعد.
و هذه الأمثلة بالطبع أنا لا آخذها بشكل شديد الجدية، فبها أو بدونها أنا لا أرى
الإيمان بالله مبرَّرَاً، و سبب هذا هو ما ذهبت إليه في البداية عن الطريقة العلمية و الأسلوب الصحيح في التفكير و التنظير. و لكني أعرضها كأمثلة لتوضيح أن الدين لم يقدم إجابات مرضية كما يدعي البعض، و لم يجعل الوجود مفهوماً أكثر من ذي قبل، فقط جعله أكثر إرضاءاً من وجهة نظر بشرية خالصة تبحث عن سعادة أبدية و تؤلمها عبثية الحياة.