السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحقيقة أن هذا الموضوع من أجمل ما قرأت فى توضيح عقيدة أهل السنة فى بعض صفات الله عز وجل
و ما أريد المشاركة به ليس مناقشة العقيدة نفسها فالأخ بن عراق قد أوضحها توضيحا جميلا
و لكن أريد أن أشير إلى سبب الخلاف بين الإخوة عند نفى أو إثبات الألفاظ التى لم ترد فى القرآن و السنة
الإشكال هو أن كل شخص يأخذ معنى اللفظ بمفهومه الشخصى هو
فى حين أن الحق أنه يجب التدبر فى المعنى الصحيح للفظ عند القول به
و العمدة فى ذلك هو فهم الصحابة و التابعين و تابعيهم رضى الله عنهم للغة العرب فى فترة الاستدلال الزمنى للغة العربية و التى تنتهى بانتهاء العصر الأموى
و الأساس و المعيار الرئيسى فى ذلك هو الآية الكريمة:
"و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"
فإن التبيين و التبليغ كان بلسان العرب بلغة العرب فى القرون الأولى و به يستدل و يّفهم ما ينبغى فهمه خاصة فى الأمور الغيبية التى لا تثبت إلا بنص قابل للإحتجاج به أى من القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة.
و أكبر خطأ يقع فيه الإنسان هو أن يأخذ اللفظ بمعناه المدرك فى عقله اليوم بدون التدبر فى ذلك اللفظ على منهج الرسول صلىالله عليه وسلم و صحابته.
فمثلا عندما يقول إنسان بإثبات "المكان أو الجهة" كما قال الأخ الكريم بن عراق هنا
فإن ما يرد فى عقل الإنسان بداهة هو المكان المخلوق و الجهة المتحيزة
فتجد من ينفيها صراحة و معه حق فى ذلك
ثم تجد الأخ بن عراق يثبتها صراحة و لكن على باب إثبات وجود الله تبارك و تعالى أصلا و إثبات صفة العلو التى أثبتها الله لنفسه أيضا و معه كل كل الحق فى ذلك
الاثنان محقان تماما.... و لكن كل واحد منهما يستخدم اللفظ نفسه بمعنى مختلف عن الآخر تماما ثم ينكر كل واحد منهما على أخيه لأنه أخذ كلمته بالمعنى الذى فى الحقيقة يرفضه كلاهما
فلماذا لا يأخذ كل منهما من أخيه المعنى الذى يتفق عليه كلاهما؟
المسألة كلها فى عجمتنا نحن من نتسمى بالعرب الآن و افتقار كثير منا الآن إلى التعامل الصحيح مع لغة العرب
فإنه إن استطاع كل أخ من المختلفين أن يخرج فهمه من رأسه و يضعه أمام فهم أخيه المسلم و يقارنه به فسيجد الفهم واحدا
أما عند التعبير عنه بالألفاظ فإن كل منهما ينكر على الآخر و يعاديه فإنا لله و إنا إليه راجعون.
عقيدة أهل السنة التى لا يختلف عليها اثنان من أهل السنة و جماعة الحق الفرقة الناجية:
إثبات العلو لله عز وجل مطلقا. و نقول هنا العلو أى العلو بذاته عز وجل و كفانا قوله تعالى: "سبح إسم ربك الأعلى"
و كافة صفات الله عز وجل بدون تمثيل لمسمياتها من صفات البشر و كما يليق بجلاله تبارك و تعالى
ولا إدراك للعقل البشرى المحدود لكيفية هذه الصفات
ولا نفى أو تعطيل لما أثبته الله عز وجل لنفسه من صفات فى كتابه و من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم
و لذلك
فإن الله بائن عن خلقه غير مختلط معهم
لأن الخلق ... كل الخلق ... موجودون فى أماكن مخلوقة و متحيزة و لهم جهات مكانية مخلوقة
أما الله عز وجل فلا يوحجد فى مكان مخلوق ولا جهة مكانية متحيزة
لأنه هو خالق المكان و الجهة عز وجل
و هو واجب الوجود بذاته عز وجل
و إن العقل يعجز عن تصور معنى العدم أو معنى اللانهاية
فمن باب أولى فإنه أيضا يعجز عن إدراك حقيقة وجود الله عز وجل لكنه يثبته لأنه عز وجل واجب الوجود بذاته علىّ فوق خلقه بلا صفات مخلوقة
فإن قصد قاصد نفى المكان أو الجهة بمعنى نفى العلو أو ما ثبت لله من صفات فى القرآن و السنة فكلامه مردود عليه مرفوض خارج عن عقيدة أهل السنة
و إن قصد قاصد نفى المكان والجهة بمعنى نفى مماثلة الله عز وجل فى صفاته لمخلوقاته أو تحيزه أو اتصافه بأى من كيفيات صفات مخلوقاته فهو الحق و هذه هى عقيدتنا
و الأولى هو الالتزام بما فى القرآن والسنة من ألفاظ
فإن كان لابد مما ليس منه بد .... فليضبط كل قائل ألفاظ قوله و يوضحها جيدا
و أؤكد لكم أن هذا الضبط ليس سهلا بالمرة
و يجب اعتبار حدود العقل البشرى العاجز عن إدراك حقيقة ذات خالقه عز وجل
خاصة فى مجال الحوار مع أهل الصليب الذى يؤمنون بالتجسد و يوقفون عقولهم عن التفكير الصحيح أصلا
و هنا تستعظم الفتنة