قال البخاري رحمه الله حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
" كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي أَرْبَعَةٍ وَفَرَضَ لِابْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِائَةٍ فَقِيلَ لَهُ هُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَقَالَ إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ يَقُولُ لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ "
قال ابن حجر : قوله أخبرنا هشام هو بن يوسف الصنعاني قوله عن عمر كان فرض للمهاجرين هذا صورته منقطع لأنه نافعا لم يلحق عمر لكن سياق الحديث يشعر بأن نافعا حمله عن بن عمر ووقع في رواية غير أبي ذر هنا عن نافع يعني عن بن عمر ولعلها من إصلاح بعض الرواة واغتر بها شيخنا بن الملقن فأنكر على بن التين قوله ان الحديث مرسل وقال لعل نسخته التي وقعت له ليس فيها بن عمر وقد روى الدراوردي عن عبيد الله بن عمر فقال عن نافع عن بن عمر قال فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي فذكر قصة أخرى شبيهة بهذه أخرجها أبو نعيم في المستخرج هنا . انتهى
قول ابن حجر " لكن سياق الحديث يشعر بأن نافعا حمله عن بن عمر ووقع في رواية غير أبي ذر هنا عن نافع يعني عن بن عمر ولعلها من إصلاح بعض الرواة "
هذا هو الصحيح مع إثبات قوله " يعني عن ابن عمر " كما في بعض النسخ كما قال الأساتذة وكذلك عند معظم من شرح البخاري رحمه يذكرون هذا التعقيب أن نافع رحمه إنما تلقاه عن ابن عمر ..
وهي قطعاً من بعض الرواة على الأقل ممن هو دون نافع ..
وحل هذا الإشكال أن نافعاً تلقاه من ابن عمر وأنه ساق الخبر في صورة الحكاية كما قال ابن حجر ووضحها بأفضل صورة أخونا الحبيب خادم المسلمين حيث قال :
الكلام هنا في الحديث أتى في سياق الحكاية
فقد حكى نافع رحمه الله تعالى أن عمر رضي الله تعالى عنه كان فرض كذا ...الحديث.
ومفهوم من الكلام هذا السياق
كقول أحدهم مثلا: كان جدي حافظًا فقيهًا، برغم أنه لم يره، وإنما حكى ذلك عن أبيه الذي رآى جده، ويستقيم الأمر كذلك عند حكاية أحدنا عن جد جده أو ماشابه ذلك.
أي أن القصة إنما وصلت إلى نافع رحمه الله تعالى من عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنه أن أباه رضي الله تعالى عنه كان فعل كذا.
وعلى فكرة هذا يدلنا على شيء هام جدًا، وهو صدق الإمام البخاري رحمه الله تعالى في النقل
وله أدلة من صحيحه المبارك أوردها شيخنا الحويني في رد بعض الشبهات، كحك المعوذتين من المصحف
والله أعلم . انتهى كلام أخي خادم المسلمين .
وهو كلام جيد ونضيف عليه أن نافع رحمه الله مع إمامته بريء من التدليس ..
وأيضاً قولهم عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ ... "
كلمة " قال " التي تلي ذكر عمر رضي الله عنه مباشرة عائدة على نافع وليست على عمر رضي الله عنه ويوضح ذلك قوله " كان فرض " أي عمر ..
وهذا يعني أن الأثر مقطوع على نافع له حكم الموقوف لثبوت هذا الحدث من وجوه أخرى كما سنذكر .
والأثر المقطوع لا يعني منقطع وإنما المقطوع اصطلاحاً هو قول التابعي كما أن الأثر الموقوف هو قول الصحابي والمرفوع هو قول النبي صلى الله عليه وسلم ..
فليست هناك علة في نقل نافع رحمه الله هذا الخبر فإنه إنما تلقاه من ابن عمر بل إنما هو أمر واقع عايشه نافع بنفسه ، فإن الذي فُرض للمهاجرين والصحابة من هذه الأموال والمعاشات ومنهم ابن عمر كانت تصرف لهم من بيت المال وبشكل دائم ونافع مولى ابن عمر فكيف لا يعرف المعاش الذي يصرف لمولاه من بيت المال ؟!! فتأمل .
إذاً إنما يحكي نافع واقعاً عايشه وقد ثبتت هذه القصة من غير وجه مما ينفي عن نافع الكذب أو الوهم ، وهذه الفروض كانت منذ أبي بكر ثم عمر ولكن عمر رضي الله عنه فرق فيها بحسب فضل الصحابي الذي يُصرف له ومكانته من النبي صلى الله عليه وسلم ..
كما رواه البزار (1/407) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى غُفْرَةَ ، قَالا : قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَالٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ، فَقَالَ : مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ فَلْيَأْتِ فَلْيَأْخُذْهُ ، قَالَ : فَجَاءَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، فَقَالَ : قَدْ وَعَدَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : إِذَا جَاءَنِي مِنَ الْبَحْرَيْنِ مَالٌ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ قَالَ : خُذْ بِيَدَيْكَ ، فَأَخَذَ بِيَدَيْهِ فَوَجَدَهُ خَمْسَمِائَةٍ ، قَالَ : عُدْ إِلَيْهَا ثُمَّ أَعْطَاهُ مِثْلَهَا ، ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَ النَّاسِ مَا بَقِيَ فَأَصَابَ عَشْرَةَ الدَّرَاهِمِ يَعْنِي : لِكُلِّ وَاحِدٍ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ جَاءَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ فَأَصَابَ كُلُّ إِنْسَانٍ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ، وَفَضَلَ مِنَ الْمَالِ فَضْلٌ ، فَقَالَ لِلنَّاسِ : أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَضَلَ مِنْ هَذَا الْمَالِ فَضْلٌ وَلَكُمْ خَدَمٌ يُعَالِجُونَ لَكُمْ ، وَيَعْمَلُونَ لَكُمْ إِنْ شِئْتُمْ رَضَخْنَا لَهُمْ فَرَضَخَ لَهُمْ خَمْسَةَ الدَّرَاهِمِ خَمْسَةَ الدَّرَاهِمِ ، فَقَالُوا : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ ، لَوْ فَضَّلْتَ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ : أَجْرُ أُولَئِكَ عَلَى اللهِ إِنَّمَا هَذِهِ مَعَايشُ ، الأُسْوَةُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الإثرة ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ ، فَجَاءَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ لأَبِي بَكْرٍ فِي هَذَا الْمَالِ رَأْيٌ وَلِي رَأْيٌ آخَرُ ، لاَ أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَمَنْ قَاتَلَ مَعَهُ ، فَفَضَّلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ ، ... الحديث "
قال الهيثمي في مجمع الزوائد : فيه أبو معشر نجيح ضعيف يعتبر بحديث .
وهو حديث طويل فيه بيان توزيع هذه الفروض لبعض الصحابة وفيه صفة مقتله ..
وهذا وقد ثبت خبر نافع من حديث ابن عمر ذاته أيضا بنحو ما ذكر البخاري في صحيحه ..
فقد روى أبو يعلى في مسنده (1/148) ومن طريقه ابن حبان في صحيحه (10/ 149) من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبيد الله ابن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال:
" فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي، فقلت: إنما هجرتي وهجرة أسامة واحدة، قال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وإنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وإنما هاجر بك أبواك" وضعفها الألباني وهي الرواية التي أشار إليها ابن حجر وقال أنها في مستخرج أبي نعيم .
ورواه ابن سعد في الطبقات (4/70)
قال أخبرنا خالد بن مخلد البجلي قال حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال :
" فرض عمر بن الخطاب لأسامة بن زيد كما فرض للبدريين أربعة آلاف وفرض لي ثلاثة آلاف وخمس مائة فقلت لم فرضت لأسامة أكثر مما فرضت لي ولم يشهد مشهدا الا وقد شهدته فقال إنه كان أحب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم منك وكان أبوه أحب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من أبيك "
وعبد الله بن عمر الذي روى عن نافع ضعيف ..
وهناك روايات كثيرة وشواهد تدل على ثبوت القصة وأن لها أصلاً بل وثبوتها عن ابن عمر نفسه وبها نتيقن تلقي نافع للقصة من مولا ابن عمر وأقل تقدير كما قلنا هو معاصرته لهذه الفروض التي كانت تصرف لمولاه فيعرف من فرضها له وكم فرضها .
وعليه فلا إشكال فيما نقله البخاري بل إنما نقل رحمه الله هذا الإسناد بصورته وأثبته في أصل صحيحه لأنه أصح إسناد لهذه القصة وفيها بيان صدق الإمام ودقته فرحم الله هذا الجبل .
انتهى والحمد لله
وننتظر تصويباتكم وإضافاتكم .
توقيع أبوحمزة السيوطي |
إذا كُنت تشعر انك لاتعيش جيـداً ...فاعلم أنك لاتصلي جيداً |