الانف والانف الحياة والموت
" حاسة الشم لدى الإنسان تستطيع تمييز أكثر من عشرة آلاف نوع من الروائح المختلفة، و يستطيع جنير كيمياوي أن يشخص 100 نوع مختلف من الروائح ضمن عطر واحد106. وهذا التصميم المذهل لأنف الإنسان هو الذي يستلهم منه المصممون في وضع تصاميمهم للأجهزة التي يريد صنعها.
ولهذا السبب تدعى النماذج المصممة في هذه المراكز بالأنف الإلكتروني، وعوضا عن المستقبلات الشمية التي تتألف من البروتينات فقد استخدمت مواد حساسة كيميائيا داخل الأنف الإلكتروني. وهذه المواد الكيماوية تصمم على أساس أنّ كل واحدة منها تتأثر برائحة معينة، وكلما زادت قدرتها في تحسس عدد أكبر من الروائح زادت الصعوبة في تصميمها. وتقوم هذه المُتحسّسات بالتأثر بالروائح المختلفة الموجودة في الوسط الذي توضع فيه، ومن ثم تحول هذا التأثر إلى إشارات منطقية مزدوجة عبر الدوائر الإلكترونية ليتم إيصالها إلى حاسوب يقوم بمعالجتها للحصول على النتيجة ما.
وتلعب الدوائر الإلكترونية دور الأعصاب الشمية في الأنف، أمّا الحاسوب فيقوم بدور المخ في معالجة المعطيات، وتتم برمجة الحاسوب مسبقا ليستطيع معالجة المعطيات القادمة إليه حيث يقوم بتأويلها على شكل روائح مختلفة "

معجزة الشم والتذوق - هارون يحي
وإذا لم يكن الحاسوب مبرمجا مسبقا لن يكون لباقي الأجزاء أي داعي مع العلم بان العقل البشرى لا يمكن برمجته آنيا فلابد أن تكون البرمجة جزء من مفرداته وتكوينه ولا يمكن أن تحدث البرمجة وهى جزء من مفردات العقل وتكوينه (أي هي والعقل كيان واحد) إلا لحظة الخلق بتصميم وإرادة سابقة للخلق بل أن الأمر اكبر واعقد من ذلك مما يأكد الخلق والإبداع فلابد من وجود آليات أخرى مساعدة للحواس عند الإنسان وهذا يزيد من الأمر تعقيدا ويلغى أي اعتبار للمصادفة كآليات التكيف في حاسة الشم .
فأنت "عزيزي القارئ، وأنت تقرأ هذه السطور لا تشعر بملابسك التي هي في حالة تماس مع جلدك، ولكنك لابد وأن شعرت بها عند ارتدائك إياها، وبعد فترة قصيرة يزول هذا الشعور لأنّ المستقبلات الحسية اللمسية الموجودة في الجلد توقف إرسال الإشارات العصبية إلى المخ، ولو لم توجد مثل هذه الآلية لتحولت عملية عادية مثل ارتداء الملابس إلى عملية مزعجة لا تطاق إذ أنّ الإشارات العصبية اللمسية تشدّ انتباهك وتشتت ذهنك في تعاملك مع نشاط الحواس الأخرى، وباختصار تتحول الحياة إلى مجموعة إزعاجات لا تحتمل.
والشيء نفسه يقال بالنسبة إلى حاسة الشم، فعندما تدخل إلى المطعم تفوح منه رائحة المأكولات، تحس بها للوهلة الأولى، ولكن بعد برهة ينتهي إحساسنا بها، ولكن هذا التطور لم ينتج من انخفاض تركيز الروائح في جوّ المطعم وإنما نتج مما ندعوه بـ"التعوّد"، وبعبارة أخرى فإنّ تغير الإحساس بالروائح بالرغم من عدم تغير تركيز تلك الروائح ينتج بفعل آلية خاصة تدعى بـ"التكيف ".
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُم الله حَلاَلاً طَيّبًا وَاتّقُوا الله الذِي أَنتُم بِهِ مُؤمِنُونَ) المائدة – الآية 88.
ويمكن التعبير عن أهمية هذه الآلية بما يلي: لنلاحظ العاملين في ذلك المطعم الذي ذكرناه آنفا والذي يحتوي جوّه على روائح مختلفة وبتركيز عال، وليكن الطبّاخون مثالا على ما ذكرنا، فإذا لم تنخفض حساسية أنوفهم تجاه روائح المطعم بمرور الوقت فإن الأمر يصبح صعبا بل مزعجا جدا بالنسبة إليهم، بالإضافة إلى عدم تحسس مستقبلاتهم الشمية لأية رائحة غريبة قد تكون خطيرة لانشغالها بتحسّس روائح المأكولات.
ويؤكد الباحث فرانك زوفال المعروف بأبحاثه في هذا المجال أن هذا التكيف الشمي ينتج بفعل آليات حياتية معقدة ، وبمعنى آخر هنالك فعاليات حيوية عديدة جدا ومتشابكة تحدث على المستوى الجزيئي ولم يتم التعرف على حقيقتها بعد، ويعتقد العلماء أن الخلايا المستقبلة للروائح تشهد حصول ثلاث آليات مختلفة للتكيف، بالإضافة إلى اعتقادهم بأن المخ يحتوي بدوره على مراكز خاصة لتقييم الإشارات الحسية القادمة من الحواس ونقلها أو عرقلتها.
ولكن كيف يتسنى للخلايا الشمية وخلايا المخ التي تتكون من ذرات كالكربون والنتروجين والأوكسجين وغيرها من الذرات أن تطور أو تولد مثل هذه الآليات الحياتية الخطيرة ؟ كيف تستطيع الخلايا اللاشعورية أن تقرر الإقدام على أداء مهمّة دون الأخرى وفي الوقت المناسب؟ كيف تستطيع تحديد هذا التوقيت المضبوط ؟ كيف تستطيع أن تؤدي هذه المهام الخطيرة دون أن يتدخل الإنسان في عملها ؟
إن الجواب سيكون واضحا أمام الإنسان العاقل المتفكر لأنه سيتوصل حتما إلى أنّ هذه الآليات الحياتية المتحكمة في حاسة الشم تعتبر جزءا من التصميم البارع الذي له أمثلة عديدة في كافة أرجاء الكون والذي وضع وفق مخطط مسبق ومحكم التفاصيل، ولا مكان للحظ أو الصدفة أبدا ضمن هذه التفاصيل، أي أن هذه الآليات الحياتية التي نتحدث عنها والموجودة في أجسامنا عجيبة وعظيمة إلى درجة لا يمكن تفسير وجودها بكلمة الصدفة أبدا، وهي تمثل دليلا قويا ودامغا على حدوث عملية الخلق وترجمانا لعلم الله الواسع، والآية الكريمة تقول:
(يُدَبّرُ الأَمرَ مِِنَ السّمَاءِ إِلَى الأَرضِ ثُمّ يَعرُجُ إِليهِ فِي يَومٍ كًانَ مِقدَارُهُ أَلفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدّونَ ) السجدة – الآية 5".
المرجع السابق