خامسا وأخيرا هل الشر فعل الله وهل لوجوده حكمة؟
الشر من فعل مفعولات الله عزوجل" أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) "وليس من فعل الله عزوجل وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة التى حارت فيها القدرية والجبرية و فهمها هدهد فنقل الله عزوجل قوله فى قرأن يُتلى فى المحاريب الى يوم القيامة وأقام بحجته الحجة
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)النمل
وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"لبيك وسعديك والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك " ،
الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 771
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فالشر ليس من فعل الله جل وعلا والا لوجدنا لذلك أثر افى اسمائه وصفاته ولا يجوز الشر فى حق الله الذى من اسمائه الحسنى الحق القدوس السلام المؤمن السبوح الطيب الحميد وكلها نقائض الشر لأنه منزه عنه كما دلت اسماؤه الحسنى ولأن من اسماء الله الأخبارية الخير(الأسماء الأخبارية غير الأسماء الحسنى فالأسماء الحسنى هى وصف لصفات ذات الله بينما الأسماء الأخبارية فهى وصف لصفات فعل الله وقدرته والأسماء الأخبارية التى وجدتها شخصيا فى الكتاب والسنة تسعة وتسعون مساوية للأسماء الحسنى وسماها الدكتور محمود الرضوانى بالأسماء المقيدة ولى تعليق على بحثه سأنشره بعد اكتماله باذن الله جل وعلا)فأن كان الله خيرا فيستحيل فى فعله الشر
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)النمل
إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)طه
فالشر يقع فى الكون بمشيئة الله جل وعلا لحكمة وليس بفعل الله تبارك وتعالى
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)التغابن
ولعل البعض يسئل كيف يكون الله خالق كل شئ وخلق كل شئ فقدره تقديراكما أثبت القرأن والسنةوهو ليس خالقا لشر؟
الجواب أن الخلق الألهى له ثلاثة صور
أولا خلق بالذات وهذا اسمى الخلق كخلق ادم عليه الصلاة والسلام بيد الله
وثانياخلق بالأمر كخلق بقية البشر والمخلوقات الكونية بالأمر كن فيكون
قال عبد الله بن عمر :" خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش والقلم وآدم وجنة عدن ثم قال لسائر الخلق : كن فكان" .
الراوي: مجاهد بن جبر المكي المحدث: الألباني - المصدر: مختصر العلو - الصفحة أو الرقم: 53
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط مسلم
وثالثا وأخيرا خلق بالمخلوق والمشيئة كخلق السيارات والطائرات وسفن الفضاءمثلا فهى مخلوقة بالأنسان ولكنها من خلق الله بأعتبار انها خلقت بمشيئته واسبابه فحتى المخ البشرى الذى كان من وسائل التصميم هو من مخلوقات الله فما خلقه هو مخلوق لله ايضا كما أن ما يغنمه العبد فى الحرب هو من مكتسبات سيده ومصداق ذلك النوع من الخلق بالمشيئة والأسباب فى القرأن المجيد والسنة المطهرة فى أكثر من موضع
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)الأنفال
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)الصافات
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)الواقعة
وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم"إنَّ اللهَ يصنعُ كلَّصانعٍ و صنعتَه".
الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1637
خلاصة حكم المحدث: صحيح على شرط مسلم
فنحن ننفى أن يكون الله عزوجل قد خلق الشر بذاته أو بأمره ولكن خلق دعاة الشر وصناع الفساد وخلق لهم المقومات ومنحهم حرية الحركة فى كونه بمشيئته لحكمة وهو يعلم سلفا أنهم سيستخدمون الأسباب التى اعطاها اياهم فى الشر فهو خالقهم وخالق فعلهم بخلقه الأسباب ومشيئته حدوث الشر فى الكون وهم خلقوا الشر بنيتهم ثم سعيهم لتحقيق هذه النية فالأعمال بالنيات كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبالتالى الشر مخلوق بمشيئة الله من فعل مخلوقاته كما قال تعالى عن الفراعنة
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)القصص
ويتضح هذا المعنى أكثر وهو خلق الله تبارك وتعالى للأفعال فى هذه الأيات
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)الشمس
وهنا السؤال لماذا يشاء الله تعالى وقوع الشر وقدرته أن يمنعه؟
هذا السؤال ضل فيه كثير من الفلاسفة قديما وحديثا والجواب بسيط:صفة الشىء غير فعله فمثلا رجل غنى ولكنه لا ينفق الا بما يمليه عليه عقله ولله المثل الأعلى فالله تبارك وتعالى قدير تام القدرة والسيادة ولكن فعله فى الكون لا يكون بصفة القدرة-التى هى صفة ذات-فقط بل يشاء حدوث الأشياء بقدرته وعلمه وحكمته ورحمته ونظرا لتعدد صفات ذاته تمايزت افعال الرب جل وعلا فهو يشاء أن يقع الشر والمكروه فى كونه بل يشاء أن يقع الكفر والألحاد فى ملكه وهو يكره ذلك ولكن حكمته البالغة أقتضت وقوع ما يكرهه ورحمته وحلمه أقتصى صبره على الكافرين والأشرار لأستدراجهم وأنظر الى التاريخ اين ذهبت كل الحضارات الكافرة بعد أن طال عليها الأمد؟أين ذهبت النازية والشيوعية؟
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)الأسراء
واخيرا ما الحكمة من كل هذا الشر فى العالم؟
العلامة الحبر ابن القيم الجوزية له كلام رائع مدعم بالأدلة من الكتاب والسنة فى تفصيل هذه المسألة ولكن انا سأختصرها فى جملتين مفيدتين:هناك حكم مخفية عن وحكم ظاهرة فالحكم الظاهرة من خلق الشر هما حكمتان رئيسيتان وحتى نفهمها لنتذكر المثل الشعبى"الرجال مواقف"فالتمييز بين شيئين لا يكون الا بالتجربة والحكمة من الشر:
اولا ظهور صفات الأله لأنه لولا الشر لما ظهرت قدرة الرب على الخلق والخلق المضاد وما ظهرت قدرة الرب على نصرة الأخيار وعقاب الأشرار بل لولا خلق الشر بمشيئة الله جل وعلا ما ظهرت أغلبية الأسماء الحسنى بما تتضمنه من صفات الله عزوجل.
ثانيا ظهور صفات المخلوقين فلولا الشر ما ظهرت الفتن التى تميز الصحيح القلب من السقيم وما ظهر التمايز فى الدنيا بين المؤمن والكافر ولا فى الأخرة بين أهل الجنة وأهل النار فلولا الشر ما كان دخول الجنة عدلا بل ما خلقت اصلا.