بسم الله الرحمن الرحيم
[ تحدي القرآن للعرب أن يأتوا بمثله]
لا شك أن الهدف من تحدي القرآن للناس أن يأتوا بمثله هو إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإثبات أن القرآن من عند الله تعالى ... ومسالة التحدي وحدها كفيلة باستثارة حمية الخصوم من أجل التغلب على من يتحداهم .. لكنهم فشلوا في ذلك .. وفشلهم هذا أكبر دليل أن القرآن كلام تعالى .. وأن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله تعالى ..
وقد كانت أسباب التحدي والمعارضة موجودة عند العرب ولم تُصرف هممهم عن تحدي القرآن كما يقول أصحاب "الصرفة"
ويرد الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله تعالى في كتابه "النبأ العظيم" على شبهتين:
الأولى: قول القائل: أن العرب لم تكترث بالقرآن الكريم لذا لم يسعوا في معارضته.
والثانية: أنهم لمّا حاولوا المعارضة صرفهم عن ذلك مانع خارجي وهو حماية القدرة العليا للقران وصيانتها له عن معارضة المعارضين. فيقول الدكتور رحمه الله:
أما الأول: فإن الأسباب الباعثة على المعارضة كانت موفورة متضافرة، وأي شيء أقوى في استثارة حمية خصمك من ذلك التقريع البليغ المتكرر الذي توجهه إليه معلنًا فيه عجزه عن مضاهاة عملك؟ إن هذا التحدي كافٍ وحده في إثارة حفيظة الجبان وإشعال همته للدفاع عن نفسه بما تبلغه طاقته، فكيف لو كان الذي تتحداه مجبولًا على الأنفة والحمية؟ وكيف لو كان العمل الذي تتحداه به هو صناعته التي بها يفاخر، والتي هو فيها المدرب الماهر؟ وكيف لو كنت مع ذلك ترميه بسفاهة الرأي وضلال الطريق؟ وكيف لو كنت تبتغي من وراء هذه الحرب الجدلية هدم عقائده، ومحو عوائده وقطع الصلة بين ماضيه ومستقبله؟
وأما الثاني: فإن هذه الأسباب قد رأيناها آتت بالفعل ثمراتها، وأيقظت همم المعارضين إلى أبعد حدودها. حتى كان أمر محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقرآن هو شغلهم الشاغل، وهمهم الناصب، فلم يدعوا وسيلة من الوسائل لمقاومته باللطف أو بالعنف إلا استنبطوها وتذرعوا بها: أيخادعونه عن دينه ليلين لهم ويركن قليلًا إلى دينهم أم يساومونه بالمال والملك ليكف عن دعوته، أم يتواصون بمقاطعته، وبحبس الزاد عنه وعن عشيرته الأقربين حتى يموتوا جوعًا أو يسلموه، أم يمنعون صوت القرآن أن يخرج من دور المسلمين خشية أن يسمعه أحد من أبنائهم، أم يلقون فيه الشبهات والمطاعن، أم يتهمون صاحبه بالسحر والجنون ليصدوا عنه من لا يعرفه من القبائل القادمة في المواسم، أم يمكرون به ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، أم يخاطرون بمهجهم وأموالهم وأهليهم في محاربته، أفكان هذا كله تشاغلًا عن القرآن وقلة عناية بشأنه؟! ا.هـ
[ مراحل التحدي]
المرحلة الأولى: تحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثل القرآن من غير تعيين قدر معين. قال تعالى " فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ" الطور 34
المرحلة الثانية: لمّا عجزوا عن الإتيان بمثله تحداهم الله تعالى أن يأتوا بعشر سور مثله. قال تعالى " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)" هود 13، 14
المرحلة الثالثة: لما عجزوا تحداهم الله تعالى أن يأتوا بسورة واحدة فقط قال تعالى " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)" يونس 38
المرحلة الرابعة: تحداهم الله تعالى أن يأتوا بسورة تشبه القرآن ولو بوجه من الوجوه. قال تعالى " وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)" البقرة 23، 24
ويرى بعض الباحثين أن المراحل الثلاث الأولى من التحدي مكية التنزيل وأن الله تعالى تحدى بها العرب فقط ومن الناحية البيانية والبلاغية لأنها بضاعة القوم وما يُحسنون، أما المرحلة الرابعة فإنها خطاب للناس كافة عربهم وعجمهم وأن التحدي يشمل جميع المجالات وليس فقط البيان .. بل التحدي يشمل التشريع والحقائق العلمية والكونية وأخبار الغيب وغيرها. ويدل على ذلك سياق الآيات في قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)" البقرة 21 – 24
توقيع ابو علي الفلسطيني |
تتسامى أرواحُنا للمعالي = قد حَدَاها عزم كحد الظَّــباتِ
هَـمُّــنا بعد الموت عيشُ خلود = لا نرى الموتَ غاية للحياةِ |