ثالثا :
الكائن الأم لن يجنى أي ثمار من تطوره هذا نظرا لعدم اكتماله شكليا أو وظيفيا (لأنه في مراحله الأولى) بل على العكس سوف يقيد حركته ويحد من حريته إلى الدرجة التي لا تجعله سوى نتوء أو شوكة غرست في ظهره ليس لها أي فائدة ترجى , إن لم تضره فلن تنفعه سواء كان له قدرة للسيطرة أم لا وخصوصا في الأعضاء ذات الوظائف الحيوية كأجنحة الطيور ومشفر الفيل (الخرطوم) الشيء الذي سوف يحفز الانتخاب الطبيعي للقيام بوظيفته المقدسة في القضاء على المخلوق ومحوه من سجل الوجود (1) وخصوصا إذا كان الكائن سوف يمكث ويظل على تلك الحالة المجسدة للقبح والعشوائية حتى مراحل التطور الأخيرة التي يأخذ العضو فيها شكله النهائي الذي يمكنه من ممارسة مهامه على مدى عشرات أو مئات الآلاف من السنين .. فهل يعقل أن يرهق الكائن ذاته تفكيرا وتخطيطا و وتحويرا جسديا لشيء ..
أولا : لن يجنى من ورائه أي فائدة مادية أو معنوية بل على العكس يمكن أن يسبب له أضرار فادحة ..
ثانيا : غير متيقن له النجاح ..
ثالثا : سوف تضعفه دفاعيا وهجوميا لأمد طويل , فما البال , لو كان الكائن مفتقرا لهذه القدرة , على ما اعتقد أن الفشل هو الذي سوف يكون المتيقن وإذا قدر البعض - ممن يدعمون مذهب التطور – أن الانتقال من مرحلة إلى أخرى في عملية التطور يحتاج إلى ملايين السنين فما الذي يجعل كائن يضع نفسه في مأزق خطير مثل هذا ليس له حل أو ثمرة تجنى إلا بعد آماد بعيدة .... كافية لوقوعه في شر إعماله أو المساعدة في انقراضه قبل الوصول إلى مرحلة أخرى .
يقول الدكتور (حليم عطية ) : (كيف استطاع المخلوق الذي اعتبره التحوليون الحلقة المفقودة .. أن يعيش بين الحيوانات الضارية التي تحيط به . فان أصحاب النشوء والارتقاء يقولون : إن هذا المخلوق كان اضعف عقلا من الإنسان الحالي فكيف يمكن لمخلوق ضعيف الجسم , ضعيف العقل وحوله الأسد والفيل والنمر وغيرهما من الحيوانات المفترسة ) (عن كتاب الإنسان – عباس محمود العقاد) الاستمرار في العيش والبقاء دون أن يأتي عليه دور ليكون عشاء أو غداء لأي من هذه الحيوانات .
وهذا يصعب الأمر أكثر وأكثر .
وهناك إضافة لما قاله الدكتور حليم عطية
كيف استطاع الكائن ضعيف العقل أن يتطور إلى ما هو أرقى منه عقليا وذهنيا في حين أن هذا الأرقى لا يستطيع إلى الآن أن يحدث في نفسه شعرة مع كل ما فيه من رقى وكمال (إذا كان الكامل لا يستطيع الوصول إلى الناقص فمن باب أولى أن لا يستطيع الناقص الوصول إلى الكامل).
ويعضد هذه الإضافة ما قاله القاضي الباقلانى في كتابه الإنصاف :
أنا وجدنا أنفس الموجودات في العالم، الحي القادر العاقل المحصل، هو الآدمي، ثم. تم العلم يقينا بأنه كان في ابتداء أمره نطفة ميتة، لا حياة فيها ولا قدرة، ثم نقل إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم من حال إلى حال، ثم بعد خروجه حياً من الأحشاء إلى الدنيا. تعلم وتحقق أنه كان في تلك الحالة جاهلاً بنفسه وتكييفه، وتركيبه، ثم بعد كمال عقله وتصوره وحذقه وفهمه لا يقدر في حال كماله أن يحدث في بدنه شعرة ولا شيئاً، ولا عرقاً فكيف يكون محدثاً لنفسه ومنقلاً لها في حال نقصه من صورة إلى صورة ومن حالة إلى حالة وإذا بطل ذلك منه في حال كماله كان أولى أن يبطل ذلك منه في حال نقصه .
----
(1) لونظرنا الى مشفر الفيل كاحد اعضاء الحيوانات التى تعيش على سطح الارض , نجده يقوم للفيل مقام اليد من الانسان فى ايراد الماء والعلف الى جوفه ولولا ذلك ما استطاع ان يتناول شىء من الارض لانه ليس له عنق كسائر الحيوانات ويتمتع بضخامة الرأس , فلو تطور الفيل عن حيوان ليس له عنق او خرطوم طويل , فسوف يكون عرضة لان تقضى عليه الظروف الطبيعية لانه فى هذه الحالة لن يستطيع ان يتناول غذائه او يدافع عن نفسه , لان المشفر يقوم للفيل مقام اليد والفم المشقوق , وان تطور الفيل عن كائن له عنق ورأس بهذا الحجم فان الامر لن يتغير , لان العنق لن تستطيع ان تتحمل هذا الرأس الهائل الضخامة وينتهى الامر ايضا بالانقراض والهلاك , وان تطور الحيوان عن حيوان له نفس الشكل والهيئة دون الخرطوم , فان التطور التدريجى للخرطوم سوف يقف امامه عائقا فى تناول الغذاء سواء كان التناول به (لان الفائدة لن تتاتى منه الى بعد اكتمال كل مراحل تطوره اما قبل ذلك فلن يكون سوى زائدة ليس لها فائدة ) او بالفم (لان الخرطوم غير المكتمل سوف يعمل كشبه غطاء للفم يقف حائل بينه وبين الطعام)
و يزيد من الامر تقنين للقبح والعشوائية ان يتوازى مع هذه المسيرة او يتبعها ولو بعد طول امد – ولن يغير فى ذلك طور الفترة او قصرها لان المدى الطويل الذى يحدث فيه التطور التدريجى سوف يعطى مجال للتداخل - مسيرة اخرى للتطور خاصة بعضو اخر لنفس الكائن الامر الذى سوف يجعله ملتصق بالقبح والدمامة , لا لاماد بعيدة , بل لاماد شديدة البعد (تشوه + تشوه +..... تشوه اعتقد ان النتيجة لن تخرج عن تشوه) , فيجب الا ننسى التداخل المذكور الذى يمكن ان يحدث بين المسارات المختلفة للطفرات لا مسار واحد ويعطى لامد القبح ارقام فلكية ونعطيه الف اعتبار.
ويمكن ان نوجز ما سبق فى هذا السيناريو , المخلوق الذى ليس لديه اى حواس او اعضاء , سوف ينتظر ملايين السنين لكى تتكون له زوائد واهداب , كاساس مبدأى للحاسة او العضو , وملايين اخرى لكى تتحول هذه الزوائد الى طبقة من طبقات العين او نسيج من انسجتها , وملايين اخرى من السنين , لتتكون زوائد الطبقة الثانية ثم ينتظر ملايين اخرى لتتكون الطبقة الثانية , ثم ينتظر عشرات الملايين الاخرى لكى يتكرر نفس السيناريو بنفس الاحداث والدقة و الترتيب , فيعطى العين الاخرى بنفس الشكل والحجم , ويزيد على ذلك وضع مناسب بالنسبة للعين الاولى والاعضاء الاخرى والجسد ككل , وكذا فى كل الاعضاء المزدوجة , ثم ينتظر ملايين اخرى لكى تتكون له نتوءات وزوائد وزعانف كاساس مبدأى للاطراف , وملايين اخرى لكى تتحول هذه الزعانف الى يد واطراف , وملايين اخرى لكى يتكرر نفس السيناريو فيعطى اليد الثانية وهكذا ايضا بالنسبة للاقدام , وملايين اخرى لكى ترتد الاطراف على عقبيها وتتحول الى نتوءات مرة اخرى فى العديد من السيناريوهات المعكوسة وبذلك تفقد وظيفتها القديمة دون الحصول على وظيفة جديدة , وملايين اخرى ليتحول النتوء الى زعنفة , ثم ملايين اخرى لكى يتحول الى جناح , وهكذا فى باقى الاعضاء والحواس وخصوصا الشفع منها التى تحتاج الى توازن وتناسق خاص من العديد من النواحى يتكرر ضمنيا فى كل جنس وفى كل نوع مما يصعب الامور الى اقصى الحدود , لان كل مخلوق يختلف فى الشكل والهيئة والحجم عن اى مخلوق اخر موجود على ظهر الارض , بينما يتفق فى نفس الهدف (تكوين العضو الثانى المماثل للعضو الاول فى الشكل والوظيفة) , وبناء على هذا السيناريو سوف نجد ان هناك فترات يكون فيها الكائن اضعف ما يكون (وخصوصا فى الفترات الانتقالية التى يتحول فيها عضو الى عضو اخر وبالتالى يفقد وظيفته السابقة دون الحصول على وظيفة جديدة لانه لن يستطيع تأدية مهامه الا بعد اكتمال جميح المراحل وقد فقد مراحل تطوره السابقة ولم يكتمل مراحل تطوره الجديدة بعد وبذلك سوف يشكل فى هذه الحالة عبئا على الكائن الحى بدون ادنى فائدة ترجى من ورائه) , وبالتالى فريسة سهلة للانتخاب الطبيعى والظروف البيئية لكى تطيح به وتقضى عليه , ولو قاوم الكائن الظروف او الانتخاب بهذه الحالة الهشة , فسوف يقطع كل صلته بها كسبب للاستقصاء او الانهيار والانقراض , ان لم يكن على الاطلاق , فبصور كالصور السابقة .. تنعدم فيها الناحية الجمالية , ويختفى فيها التهذيب و التناسق , ويستمر فيها الكائن فى الوجود , بل يتعداها الى مرحلة اخرى ومسيرة اخرى ينشىء عنها عضو اخر , مما يحتم وجود الاف وملايين بل بلايين من تلك الصور والهيئات والاشكال فى عصرنا الحالى ككائنات وسيطة وتسجد التشوه السابق خصوصا اذا اعتبرنا التداخل الحادث بين المسرات المختلفة الذى يمكن ان يؤدى الى تضافر بعض التشوهات وتراكمها.