3-المراد بالاية الكريمة.
بداية انا فى غاية الاسف والغضب من الاخوة الذين ينقلون الروايات بدون تحقيقها ويفترض الا يكون ذلك فيمن يرد الشبهة لماذا؟لان الرواية المحققة عن خير القرون حتى لو كان تابعيا هى الاقرب لمراد الوحى اما الرواية غير المحققة فهى اقرب الى البشرية وقد تضيف شبهة الى الشبهة فالرجاء كل الرجاء من الاخوة اساتذتى وترابهم جميعا على رأسى بذل مجهود اضافى فى التحقيق لله جل وعلا فقد حفظ سبخانه وتعالى لنا التفاسير بعلم الاسناد والرجال حتى نستخدمه لا ان ننقل الروايات الضعيفة ونستنتج من الباطل فيكون الحصاد باطلا ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم .نعود الى الاية الكريمة طبعا هناك اقوال عدة فى المراد بالاية الكريمة سأتى بالصحيح المتواترباذن الله جل وعلا واشرحه واوضحه باذن ربى تبارك وتعالى ولكن أولا نطالع هذا القول لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن القلب لنفهم " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا . فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء . وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء . حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا . فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض . والآخر أسود مربادا ، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا . إلا ما أشرب من هواه "[12]
قال الله جل وعلا فى سورة الاحزاب
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
قبل ان نعرف المراد بالاية عند السلف لنلاحظ قوله تبارك وتعالى
ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وقد راجعت استعمالات لفظة ذلكم فى مجموع الايات فى القرأن الكريم فوجدتها تشير الى جميع ما سبقها وبالقياس على هذه الاية نفهم ان كل ماسبق كان ادعاءات بشرية جاهلية نفاها القرأن الكريم ومنها ادعاء القلبين فهناك من ادعى ان له قلبين فنفى ذلك القرأن الكريم
اولا ما القصة الصحيحة المرتبطة بهذه الاية الكريمة؟
هناك رواية لابد من توضيحها
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا حفص بن نفـيـل، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن قابوس بن أبـي ظبـيان أن أبـاه حدثه، قال: قلنا لابن عبـاس: أرأيت قول الله { ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـيْن فِـي جَوْفِه } ما عنى بذلك؟ قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فصلـى، فخطر خطرة فقال الـمنافقون الذين يصلون معه: إن له قلبـين، قلبـاً معكم، وقلبـا معهم، فأنزل الله: { ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَـين فـي جَوْفِهِ }.
الرواية لها طرق كلها تنتهى الى قابوس بن ابى ظبيان وهو ضعيف وبالاخص عن ابيه[13] اما المتن ففيه نظر فكلام المنافقين مع بعضهم غيب لا يعلمه الا الله ورسوله فهل صرح النبى صلى الله عليه واله وسلم بذلك؟ولا ننسى ان القرأن الكريم كان دوما حادا وصريحا فى خطاب المنافقين وكشف مكنونتهم ولكن الرواية رغم ضعفها الشديد مفيدة فهى توضح ان فهم السلف للقلب فى الاية بأنه العقل وسنفصل ذللك لاحقا بأذن الله جل وعلا.اما الصحيح فى قصة الاية الكريمة فهى ما تواتر عن تلاميذ وابناء مدرسة ابن عباس رضى الله عنهما وارضاهما
قال مجاهد رحمه الله تبارك وتعالى"إن رجلاً من بنـي فهر، قال: إن فـي جوفـي قلبـين، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل مـحمد «وكذب»."[14]
قال قتادة رحمه الله تبارك وتعالى كان رجل لا يسمع شيئا إلا وعاه فقال الناس ما يعي هذا إلا أن له قلبين قال وكان يسمى ذا القلبين قال الله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه [15].وزيادة فى التفسير والتوضيح فقد قال قتادة:قال الحسن"كان الرجل يقول إن نفسا تأمرني بكذا ونفسا تأمرني بكذا فقال الله تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه"[16]
ثانيا ما مراد ذى القلبين بادعائه؟
يتضح تماما من الاثار السابقة عن التابعين ان مراد الرجل او مراد الناس من لفظة ذى القلبين اى ذى العقلين.فالعرب تعبر عن العقل بالقلب كما كان العرب يخلطون بين استعمال الفاظ القلب والفؤاد والعقل والمخ وهذه لغتهم وقد نزل القرأن الكريم بلغة العرب واستعمالاتها والا فكيف يفهمونها؟ولكن هذا لم يمنع القرأن الكريم من تمييز القلب كمخلوق والعقل الذى يُراد به عند العرب الجانب المعنوى من القلب كمخلوق غيبى فالقرأن الكريم وضح ان مصدر العقل فى القلب ولكنه لم يصرح ابدا بأن العقل هونفسه القلب اصطلاحا وحتى اية الاحزاب اثبتت القلب العضوى بقوله تعالى قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ كما اسلفت ولكن المراد بالاية ان الرجل له قلب عضوى ومعنوى واحد يعقل لماذا؟ لان الاية كانت ترد خرافة الجاهليين عن وجود عقلين كما ثبت من تواتر الاثار والدليل ايضا هواضافة اللفظة القرأنية الاخيرة ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ فكأنه تبارك وتعالى يقول لا عقل الرجل واحد مصدره قلب واحد لا كما تزعمون فصدق الله العظيم وايضاقد فرق القرأن الكريم بين القلب كمخلوق والفؤاد كمخلوق وسنوضح ذلك لاحقا باذن الله جل وعلا وقد اسلفت فى ذكر القرأن الكريم لدور كل من ادراك القلب وادراك المخ فالقرأن الكريم اقر العرب على استعمالاتهم اللفظية وزاد بتوضيح خصائص كل مخلوق فترفع القرأن العظيم عن الخطأ العلمى وقال للعرب بلغتهم ما يريده من توحيد الاله وطلب الجنة والبعد عن النار بتقوى القلب للمعصية والفتن اما بالنسبة للادلة على ان القلب عند العرب هو العقل فهى متعددة قال الحبيب صلى الله عليه واله وسلم عن الجنة
"ولا خطر على قلب بشر"[17]
ومن لسان العرب باب ع-ق-ل
والعَقْلُ التَّثَبُّت في الأُمور.
والعَقْلُ القَلْبُ، والقَلْبُ العَقْلُ، وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه، وقيل: العَقْلُ هو التمييز الذي به يتميز الإِنسان من سائر الحيوان، ويقال: لِفُلان قَلْبٌ عَقُول، ولِسانٌ سَؤُول، وقَلْبٌ عَقُولٌ فَهِمٌ؛ وعَقَلَ الشيءَ يَعْقِلُه عَقْلاً: فَهِمه.
ويقال أَعْقَلْتُ فلاناً أَي أَلْفَيْته عاقِلاً.
واخيرا قول النبى صلى الله عليه واله وسلم
إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، فإذا قضي أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي أقبل ، حتى يخطر بين الإنسان وقلبه ، فيقول : اذكر كذا وكذا ، حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ، فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا ، سجد سجدتي السهو .
ولكن الحديث الصحيح ورد بلفظة اخرى توضح ما اريد ان اصل اليه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، حتى لا يسمع الأذان ، فإذا قضي الأذان أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل ، حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا وكذا ، ما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى ، فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ، ثلاثا أو أربعا ، فليسجد سجدتين وهو جالس .
[18] .
ولا ننسى ان ذا القلبين الذى رد الله تعالى ادعائه كان يزعم على ما نقله عنه الحسن رحمه الله تبارك وتعالى:
"كان الرجل يقول إن نفسا تأمرني بكذا ونفسا تأمرني بكذا"
واضح تماما من كل ما سبق ان الاية القرأنية عند السلف معناها نفى وجود عقلين لرجل لان الرجل له قلب واحد يعقل به اى عقل واحد اى نفس واحدة والدليل على العقل لقلب واحد قال الله تبارك وتعالى فى سورة ق
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
قال قتادة رحمه الله تعالى" أي من هذه الأمة، يعني بذلك القلب: القلبَ الحيّ. "[19] فحتى لو وجد قلبين فلا يوجد الا قلب واحد يعقل والى هنا لا شبهة باذن الله جل وعلا.
__________
[12]الرواية: كنا عند عمر . فقال : أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن ؟ فقال قوم : نحن سمعناه . فقال : لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره ؟ قالوا : أجل . قال : تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة . ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر . قال حذيفة : فأسكت القوم . فقلت : أنا . قال : أنت ، لله أبوك ! قال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا . فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء . وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء . حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا . فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض . والآخر أسود مربادا ، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا . إلا ما أشرب من هواه " . قال حذيفة : وحدثته ؛ أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر . قال عمر : أكسرا ، لا أبا لك ! فلو أنه فتح لعله كان يعاد . قلت : لا . بل يكسر . وحدثته ؛ أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت . حديثا ليس بالأغاليط . الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 144خلاصة حكم المحدث: صحيح .والحديث صححه العلامة الالبانى رحمه الله تبارك وتعالى فى صحيح الجامع برقم2960
[13]ذكره الحافظ فى تقريب التهذيب باب القاف والجرحانى فى الكامل باب القاف ونقل ابن الجوزى فى الضعفاء باب القاف كلاما خطيرا على الرجل منه مقولة ابن حبان رحمه الله تعالى ان قابوس ينقل عن ابيه ما لا اصل له وكلام ابن حبان يقودنا الى ان رواية المنافقين هذه لا اصل لهاوقد رأيت بنفسى اكثر من حديث موضوع من طريق هذا الرجل.
[14]اصل الرواية المسندةعند الطبرى وقبلها صاحب كتاب تفسير مجاهد واقول طالما صح الاسناد الى ابن ابى نجيح فهى صحيحة لانه كان يملك كتاب تفسير لمجاهدوالروايةلها شاهد ضعيف من طريق العوفى الى ابن عباس رضى الله عنهما وارضاهماعند الطبرى وشاهد اخر الى عكرمة رحمه الله تعالى وغفر له ولم احقق الاخير لعدم اهميته فهذه الطرق الثلاثة يقوى بعضها بعضا وتؤكد ان الثلاثة تلقوا المعلومة من ابن عباس رضى الله عنهما وارضاهما.
[15] الرواية لها طريقين طريق معمر فى مصنف عبد الرزاق وطريق سعيد فى تفسير الطبرى وقد قبلها صاحب رسالة مرويات الامام قتادة.
[16]رواية قتادة عن الحسن لها نفس الطريقين السابقين وحققها نفس المحقق السابق
[17] الحديث عند الشيخين:قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . فاقرؤوا إن شئتم : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3244
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[18]الحديث فى الصحيح عند البخارى ومسلم وصححه الالبانى رحم الله تعالى الجميع وهذا المثل الذى ضربته لتوضيح مقصدى متكرر فى السنة عن النبى صلى الله عليه واله وسلم وصحابته رضوان الله تعالى عليهم.الرواية الاولى للحديث
الراوي أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3285
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الرواية الثانية للحديث
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1231
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[19]اصل الرواية عند الطبرى وحسنها صاحب موسوعة التفسير الصحيح
توقيع عُبَيّدُ الّلهِ |
عبد حقير جاهل يرجو جنتك يابديع السماوات والارض ومابينهما |