
02.02.2012, 18:29
|
|
______________
|
|
الملف الشخصي
التسجيـــــل: |
24.01.2012 |
الجــــنـــــس: |
أنثى |
الــديــــانــة: |
الإسلام |
المشاركات: |
82 [ عرض ] |
آخــــر نــشــاط |
27.08.2012
(14:16) |
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
|
|
|
|
|
دليل الإلزام العقلي بين الوجود والعدم من كتاب العقيدة الإسلامية وأسسها تأليف الشيخ: عبد الرحمن حبنكة الميداني 1-الأصل في الخالق الوجود فوجوده واجب .
2-والأصل في الكون العدم فوجوده ممكن .
3- ولا يمكن أن يكون السبب في إيجاد الممكن إلّا واجب الوجود.
المرحلة الأولى من الدليل:
لا يشك عاقل في الدنيا بأن الوجود يقابله العدم، وأنه لا ثالث بين الوجود والعدم, ولا ثالث وراء الوجود والعدم.
هذان اثنان إذا ثبت أحدهما انتفى الآخر لا محالة، وإذا انتفى أحدهما ثبت الآخر لا محالة.
وهنا نتساءل مع أنفسنا فنقول : أيهما الأصل؟ هل الوجود الذي يقابله العدم العام هو الأصل، أو العدم العام هو الأصل؟
وللإجابة على هذا التساؤل: لابد أن نسلك مسلك افتراض أن أحدهما هو الأصل، ثم ننظر هل يتعارض معه –على أنه الأصل- ما ينقضه أو لا؟
وعلى هذا فلنفرض أن الأصل لكل ما يخطر في الفكر وجوده هو: العدم.
ومعنى العدم: نفي ذات ما يخطر بالبال، ونفي صفاته. فلا ذات ولا قوة ولا إرادة ولا علم ولا حياة ولا أي شيء.
وبحسب هذا الافتراض نتساءل: كيف استطاع العدم –الذي هو الأصل- أن يتحول إلى الوجود؟ ألسنا نشعر بوجود أنفسنا؟ ألسنا نرى موجودات كثيرة من حولنا؟! والعدم معناه كما عرّفناه هو النفي العام لكل ما يخطر بالبال، فكيف يأتي من هذا العدم العاد ذوات وصفات وقوى فتنطلق بنفسها من العدم إلى الوجود، وانطلاقها لا يكون إلّا بقوة، والمفروض أن هذه القوة عدم أيضاً؟!!
إنه من المستحيل بداهةً أن يتحول العدم بنفسه إلى الوجود، أو أن يوجد العدمُ أيَّ شيء.
وقد جاءت الإشارة إلى ذلك في القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة الطور:
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴿٣٥﴾
أي: هل انتقلوا من العدم إلى الوجود من غير خالق؟ أم هل كانوا هم الخالقين لأنفسهم في هذا الانتقال؟ وكلاهما من الأمور المستحيلة بداهةً.
وهكذا: لو كان العدم هو الأصل العام لم يوجد شيء من هذه الموجودات التي لا حصر لها، ولذلك كان علينا أن نفهم حتماً أن الأصل هو الوجود.
وبهذا الدليل ثبت بشكل عقلي قاطع أنه لا يصح أن يكون العدم هو الأصل.
وحيث كان الأمر كذلك، فقد ثبت بشكل عقلي قاطع أيضاً: أن الأصل هو الوجود، أن الوجود –كما سبق- نقيض العد ولا واسطة بينهما.
ثم نقول: إنّ ما كان هو الأصل بين شيئين متناقضين لا يحتاج وجوده إلى تفسير أو تعليل، لأنه متى ما احتاج وجوده إلى تعليل لم يكن أصلاً، وإنما تطلب الأسباب والتعليلات للأشياء التي ليست هي الأصل.
وبهذا الاستدلال ظهر لدينا بوضوح شيئان:
أ . أن الأصل هو الوجود.
ب . أن الأصل لا يتطلب في حكم العقل سبباً ولا تعليلاً أكثر من أن يُقال: إنه هو الأصل.
المرحلة الثانية من الدليل:
إذا كان الوجود هو الأصل لا محالة، فهل يمكن أن يكون لهذا الأصل بداية؟ وهل يمكن أن يلحقه العدم؟
وللإجابة على هذا التساؤل نقول:
1-إن ما كان وجوده هو الأصل لا يصح عقلاً أن يكون لوجوده بداية، لأن ما كان لوجوده بداية، فلا بد أن يحتاج في وجوده إلى سبب أوجده، وما كان كذلك لا يمكن أن يكون وجوده هو الأصل.
2-إن ما كان وجوده هو الأصل لا يمكن أن يلحقه العدم, لأن كل زمن لاحق نفرض أن يطرأ فيه العدم على ما أصله الوجود، نقول فيه أيضاً: لا يزال الوجود هو الأصل, ولا سبب لأن يطرأ عليه به العدم أبداً، لأنه لا يطرأ العدم على أب موجود من الموجودات، إلّا بوصف أن يكون العدم فيه هو الأصل، وإنما انتفى ذلك في زمن ما بسبب من الأسباب، فهو ينتظر زوال السبب حتى يعود إلى أصله, ولقد ثبت لدينا أن العدم من حيث هو مستحيل أن يكون هو الأصل العام ضد الوجود.
ولذلك يستحيل عقلاً أن يطرأ العدم على وجودٍ علمنا أنه هو الأصل.
وإلى هذه الحقيقة جاءت الإشارة في قوله تعالى في سورة الفرقان:
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ..﴿٥٨﴾
فالحي الذي لا يموت هو من كان وجوده هو الأصل، وكذلك حياته وصفات الكمال فيه، فلذلك لا يمكن أن يطرأ عليه العدم أو الموت.
المرحلة الثالثة من الدليل:
علمنا في المرحلتين السابقتين:
أ . أن الوجود من حيث هو يجب عقلاً أن يكون هو الأصل.
ب . أن ما كان وجوده هو الأصل استحال أن يكون له بداية، وأن يطرأ عليه العدم.
والآن: فلنلق نظرة على الموجودات التي تقع تحت مجال إدراكنا الحسي في هذا الكون الكبير، لنرى هل تنطبق عليها فعلاً الحقيقة الأولى، وهي أن الأصل فيها لذاتها الوجود؟
أو ينطبق عليها ضدها، وهي أن الأصل فيها العدم؟
وهنا تبدو لنا حقيقة: أننا لم نكن ثم كنا، ونحن صنف ممتاز التكوين في هذا العالم. قال تعالى في سورة التين:
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴿٤﴾
وأن أشياء كثيرةً كانت في طي العدم في أشكالها وصورها، ثمّ وجدت كما هو مشاهد لنا باستمرار.
كما تبدو لنا صورة التغيرات الكثيرة الدائمة، في كل جزء من أجزاء هذه المواد الكونية التي نشاهدها أو نحس بها، أو ندرك قواها وخصائصها.
فمن موت إلى حياة، ومن حياة إلى موت، ومن تغيرات في الأشكال والصور، إلى تغيرات في الصفات والقوى، وكل ذلك لا يُعلَلَّ في عقولنا وفق قوانين هذا الكون الثابتة التي استفدناها من الكون نفسه، إلا بالأسباب المؤثرة التي تحمل سرَّ هذه التغيرات الكثيرة المتعاقبة في كل شيء من هذا الكون، على اختلاف جواهره وصفاته، سواء منها المتناهي في الصغر، أو المتناهي في الكبر.
ومن هذه الأسباب ما نشاهده، ومنها ما نستنتجه استنتاجاً، ولا نزال نتسلسل مع الأسباب حتى نصل إلى سبب مجهول الذات هو سبب الأسباب الأَول.
وهنا نقول: لو كان الأصل في هذه الموجودات المعروضة على حواسنا هو الوجود، لم تكن عرضة للتحول والتغير، والزيادة والنقص، والبناء والفناء، ولم تحتج صُوَر وجوداتها وتغيُّراتها إلى أسباب ومؤثرات.
وحيث إنها عرضة للتحول والتغير، وحيث إن قوانينها تفرض احتياجاتها إلى الأسباب والمؤثرات، لزم عقلاً أن لا يكون الأصل فيها هو الوجود، وإنما يجب عقلاً أن يكون الأصل فيها هو العدم.
لذلك: فهي تحتاج في وجودها إلى سبب موجد، وسنعرض إلى مبدأ السببية في دليل خاص.
وبهذه المرحلة من الدليل ثبت لدينا ما يلي:
أ . أن الأصل هو العدم في جميع هذه الأشياء الكونية القابلة للإدراك الحسي، وكل ما شابهها في الصفات.
ب . وحيث كان الأصل في جميع هذه الأشياء الكونية العدم: وجب عقلاً أن يكون لها سبب مؤثر، نقلها من العدم إلى الوجود في مرحلة وجودها الأولى، ولا يزال يؤثر باستمرار في جميع صور تغيراتها المتقنة الحكيمة.
وقد عرض القرآن إلى حقيقة أن الأصل فينا العدم، وأننا لم نكن ثم كنا، في قول تعالى في سورة الإنسان:
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴿١﴾إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴿٢﴾
ومعلوم بداهة أن المسبوق بالعدم لا بدَّ له من موجد أوجده، وخالق خلقه وصوره.
المرحلة الرابعة والأخيرة من الدليل:
علمنا من المراحل الثلاث السابقة الحقائق الثلاث التالية،
1 . أن الوجود من حيث هو يجب عقلاً أن يكون الأصل.
2 . أن ما كان وجوده هو الأصل استحال أن يكون له ابتداء، وأن يطرأ عليه العدم.
3 . أن هذه الأشياء الكونية المعروضة على حواسنا ومداركنا –والتي نحن جزء منها- وكذلك كل ما شابهها: الأصل فيها العدم، ويحتاج وجودها إلى سبب موجد.
وهنا نقول: حيث اجتمعت لدينا هذه الحقائق الثلاث التي لا مفر منها، ولا محيد عنها، فلابد لنا من التوفيق بينها بشكل تقبله العقول قبولاً تاماً من غير اعتراض، وذلك لا يكون إلّا وفق صورة واحدة لا ثانية لها، وهي أن نقول:
أولاً: لا بد عقلاً من وجود موجد عظيم: وجوده هو الأصل في الكائنات، وعدمه مستحيل، لذلك فهو (واجب الوجود عقلاً).
ثانياً: هذا الكون المشاهد بما فيه من أرض وسماوات، ونجوم ومجرات، وجامد ونبات، وأحياء وأموات: الأصل فيه العدم، ولابد من إخراجه من العدم إلى الوجود من سبب موجد.
ثالثاً: لا يكون السبب الموجد للكون بجميع ما فيه إلّا موجوداً عظيماً، وجوده هو الأصل، وهو واجب الوجود.
وذلك هو: (الله سبحانه وتعالى).
خاتمة حول هذا الدليل:
وبهذه الطريقة من الاستدلال يسقط نهائياً تساؤل المتسائلين: كيف وُجد الله سبحانه؟ لأنه تساؤل لا يعتمد على منطق وعقل، ذلك أن مثل هذا التساؤل إنما يرد في موجود تثبت قوانينه وصفاته أن الأصل فيه العدم، فهو يحتاج إلى موجد حتى يوجده ويبدعه من العدم.
أما الموجود الذي يجب عقلاً أن يكون الأصل فيه الوجود، ولا يجوز عليه العدم، فلا يمكن أن يتعرض وجوده إلى مثل هذا التساؤل بحال من الأحوال. وإيراد تساؤل من هذا النوع يتنافى مع الحقيقة العلمية الثابتة وهي: أن الأصل فيه هو الوجود.
|