اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :2  (رابط المشاركة)
قديم 02.02.2012, 18:28

a.s

عضو

______________

a.s غير موجود

فريق الترجمة 
الملف الشخصي
التسجيـــــل: 24.01.2012
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 82  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
27.08.2012 (14:16)
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
افتراضي


النفس والعالم
من كتاب العقيدة الإسلامية وأسسها
من تأليف الشيخ: عبد الرحمن حبنكة الميداني -رحمه الله-
"جزاه الله خير على ما قدم "

(1)
قوة الإنسان الإدراكية

في داخل الإنسان قوة إدراكية كبيرة ولكن مُدرًكًاتها لا تنبع من داخلها وإنما تأتيها من العالم الخارجي عنها. ولهذه القوة الإدراكية في الإنسان منافذ تطل منها على العالم الخارجي ألا وهي (الحواس الخمس): حاسة البصر، وحاسة السمع، وحاسة الشم، وحاسة الذوق، وحاسة اللمس. كما لها صلات أخرى تطل منها على عالم النفس وهي تتمثل بحاسة الانفعالات: كالرضا والغضب، والحب والكراهية، وحاسة الأم، وحاسة التوازن، وحاسة الشهوات ...الخ

فبمقدار ما تنقل هذه الحواس من حقائق للقوة الإدراكية تستطيع أن تتخيل وتدرك، وتحلل وتركّب، وتستنتج القواعد العامة، وتقيس الأشباه والنظائر على بعضها، ولا تستطيع شيئاً غير ذلك ولا أكثر من ذلك.

فالعميان مثلاً الذين يولدون وهم فاقدو الأبصار، مهما أوتوا من الذكاء لا يستطيعون أن يتصوروا في مخيلتهم شيئاً عن الألوان مهما حاولنا أن نقرب لهم ذلك بالتشبيه والتمثيل، حيث لم يسبق لهم أن اتصلوا بإدراك حقيقة أي لون من الألوان عن طريق البصر.

فلو قلت لهم: أبيض، أحمر، أخضر، أزرق، أو نحو ذلك، لم يستطيعوا أن يتخيلوا صورة لهذه الألوان أبداً ما لم تنفتح نافذة أبصارهم على الوجود فيروا الأشياء الملونة فعلاً معروضة أمامهم، وإذا ذاك يدركونها ويتخيلون أشباهها ونظائرها.

وكذلك الذين يولدون صماً لا يستطيعون أن يتخيلوا عن الأصوات شيئاً مهما أوتوا من الذكاء حتى تفتح نافذة أسماعهم على الوجود فيستمعوا إلى الأصوات.

ومثل ذلك الطفل الصغير قبل البلوغ مهما أوتي من نبوغ لا يستطيع أن يتصور شيئاً عن الغريزة الجنسية، ولا يزال في تكهنات غير صادقة عنها حتى تدب فيه الغريزة بشكلها المركَّز، وكل إنسان –رجلاً كان أو امرأة- لابد أنّه مرًّ بهذه المرحلة بالذات فهو يسلّم بذلك دونما جدل. وهكذا سائر العواطف والانفعالات لا نستطيع أن ندرك حقيقتها ما لم نمرَّ بتجربة لها.

ونحن جميعاً لا نستطيع أن نتخيل طعماً من الطعوم لم يسبق لنا أن تذوقناه حتى نأتي به ونتذوقه فعلاً، وهكذا بقية الحواس في الإنسان.

ونستخلص مما سبق: أن النفس إنما تدرك الأشياء المنتشرة في هذا الكون الكبير عن طريق منافذها التي تطلُّ منها على العالم، ولولاها لم تدرك من الوجود الخارجي عنها شيئاً، ولبقيت في جهل كامل. وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة المسلَّم بها في قوله تعالى في سورة البقرة:

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴿١٧١﴾

وقوله تعالى في سورة الأنفال:

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّـهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿٢٢﴾

(2)
النقص في أجهزة الحس لدينا

وما يدرينا لو مُنحنا بعض حواس أخرى –غير التي هي داخلة في تركيبنا- لا كتشفنا من حولنا أشياء كثيرة هي مُغَيَّبة الآن عنا لأننا لا نحس بها، إذ لا توجد لدينا الحاسة الخاصة التي نتمكن بوساطتها أن نكتشفها وندركها؟

أليس في هذه الأجهزة التي تدل على درجات الحرارة، وعلى درجات الضغوط الجوية، وعلى مقادير الكثافة –إلى غير ذلك من الأجهزة المختلفة- ما يشير إلى نقص كبير في حواسنا؟!

وقد كان من الممكن عقلاً أن نؤتى الحواس التي نُدرك بها ما تتحسس به هذه الأجهزة وتدل عليه.

كيف بنا لو أوتينا قوة الإحساس بالمعادن من وراء الحجب؟ فإذا مررنا بمعدن الحديد أحسسنا به دون أن نراه كما يحس به المغناطيس، أو بمعدن الذهب أو الفضة أو الماس أو نحوها، أحسسنا بها وهي في داخل جبالها، وفي طبقاتها من الأرض. ألسنا نكون أوسع في حواسنا مما نحن عليه الآن لو كان الأمر كذلك؟! أليس في المخلوقات الأخرى من الإحساسات ما ليس فينا؟

فما أكثر نقصنا! على أننا أكمل من غيرنا في الخلق!!

(3)
حدود الحواس

أما حواسنا التي هي السبيل الوحيد لنا للتعرف على الوجود من حولنا، فهي منافذ قصيرة المدى، محدودة كمّاً وكيفاً.

وقد اكتشف العلم الحديث أن الفضاء مملوء بالصور التي لا نستطيع أن نشاهدها بأبصارنا لفقد الانسجام والتوافق بين وضعها ووضع أبصارنا، كما أنه لو مملوء بالأصوات التي هي فوق مستوى سمعنا أو دون مستواه ونحن لا نسمع من ذلك شيئاً. كما استطاع العلم الحديث أن يكتشف الأجهزة الخاصة التي باستطاعتها التقاط الأصوات والصور من الجو، لتنقلها إلينا بعد أن تحولها إلى صور وأصوات تتناسب مع مستوى ووضع أسماعنا وأبصارنا.

فإذا جزمنا بأن مكاناً ما مثلاً لا يوجد في أي صوت –لا بشكل ظاهر ولا بشكل خفي- نعجز عن إدراكه، ثم جيء إلينا بالأجهزة القادرة على التقاط الصوت الخفي من نفس ذلك المكان، ثم أديرت بحيث تلتقط الصوت وتنقله لنا، لكان ذلك تكذيباً لنا فيما ادعينا سابقاً، وبرهان الحس الجديد المشاهد فيها أعظم شاهد. ولا يخفى ما يتضمنه الكشف الجديد من الإعلان عن جهلنا في جزمنا السابق، وفي إلقائنا الأقوال التي نؤكدها ونجزم بها جزافاً، دون روية أو عقل نافذ للحقيقة، بصير بالكوامن.

وحيث إن حواسنا –كما أوضحنا- محدودة كمّاً وكيفاً، فلا يصح لنا عقلاً ولا واقعاً أن ننكر أشياء من حقائق الكون –مهما كان نوعها- إنكاراً باتاً قطعياً لمجرد أننا لم نرها ولم نسمع صوتها ولم نتصل بها بأية حاسة من حواسنا، إلا أن نقيم دليلاً عقلياً وبرهاناً واضحاً يسلِّم به المنطق السليم.

أما الادعاء بأنها غير موجودة لأننا لم نحس بها فذلك أمر ترفضه العقول رفضاً باتاً، كيف لا ونحن نعلم حقاً –من ألوف التجارب اليومية- أن حواسنا محدودة كمّاً وكيفاً؟!

فمن حيث الكمُّ، متى تجاوز البعد المسافة التي تسمح لنا بالإحساس ظهر عجز حواسنا عن إدراك الأشياء.

فحاسة البصر مثلاً التي هي أبعد حواسنا مدى، كلما تباعد عنا الشيء المرئي صغر حجمه في أبصارنا، حتى تنعدم الرؤية تماماً بسبب البعد.

وكذلك حاسة السمع.

أما حاسة اللمس فشروطها أشد لأنها تحتاج إلى الالتصاق المباشر.

ومن حيث الكيف لا بد من مرافقة شروط خاصة لكل حاسة فينا حتى نستطيع بوساطتها إدراك الأشياء المعروضة على حسنا.

فحاسة البصر فينا مثلاً تحتاج في رؤية الأشياء إلى الضوء، ومتى انعدم الضوء وحل الظلام الدامس انعدمت الرؤية تماماً. وكذلك متى ما صغرت الأشياء المرئية إلى المراتب الدنيا في الصغر، لم نستطع رؤيتها إلا بوساطة المجاهر المكبرة إلى عشرات المرات أو ألوفها أو ملايينها.

وهنالك أشياء كثيرة جداً في واقعنا نؤمن بها إيماناً قوياً دون أن نتصل بها عن طريق الحواس اتصالاً مباشراً، وإنما نؤمن بها عن طريق الاستنتاج.

مثلاً: تسمع وأنت في داخل غرفتك طرقاً على الباب فتستنتج بلا تردد أن طارقاً ما يطرق الباب عليك دون أن تراه أو تسمع صوته، ذلك لأنك تعلم يقيناً أن الباب لا يدق نفسه بنفسه، فتقول: لابد أن يكون هنالك طارق طرقه.

ولابد أن ألفت النظر هنا إلى خرافة يتحامق بها بعض صغار العقول من الملحدين فيقولون: إننا لا نسلم بوجود أشياء لا نحس بها. كأنهم يتصورون أن حواسهم تستطيع أن تكشف كل شيء من حولهم! والعلم في كل يوم يكتشف أشياء جديدة هي من حولنا، بل هي داخله في تركيبنا، والناس في أجيالهم العديدة، وقرونهم المديدة، لم يحسوا منها طوال الزمان الغابر شيئاً. وكم يسهمون بأنفسهم بسبب إنكارهم لها –لو أنكروها- في الإعلان عن ضآلة أفهامهم، ومنتهى جهلهم، إنهم يبرهنون على أنفسهم في هذا بأنهم جهلاء، صغار العقول، مجازفون في إنكار حقائق الكون القائمة دلائلها فيه!!

وهذه قصة طريفة في هذا الباب:

لقد رد طفل صغير بإشراق فطرته على بعض هؤلاء المتحامقين من الملاحدة رداً لاذعاً، فيه التهكم والإقناع معاً. قال المتحامق: نحن لا نؤمن بوجود أي شيء حتى نراه، ولانسلم به حتى نشاهده. وجعل يضرب الأمثلة الواهية على ذلك، إلى أن توصل إلى موضوع وجود الله فقال: نحن لم نشاهد الخالق فهو إذن غير موجود. فقام الطفل الصغير المنصت في زاوية مجلس هذا المتحامق الملحد فقال له: يا أستاذ نحن كلنا لم نر عقلك الذي تفكر به فأنت إذن لا عقل لك، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين.

(4)
الخيال وحدوده

ولدينا في مركب قدرة الإدراك زاوية خاصة قادرة على تخيل أشياء غير موجودة أمامنا وفق هذا التركيب التخيلي. لكننا مهما حاولنا أن نتخيل صورة ما من الصور، ومهما سبحنا فيها مع الأوهام الخرافية، فإننا لا نستطيع أن نفعل أكثر من أن نضم أجزاء موجودة فعلاً في الكون بعضها إلى بعض، وهذه الأجزاء قد أدركناها فعلاً عن طريق حواسنا، ولكننا بهذا التخيل ضممنا هذه الأجزاء الموجودة بشكل متباعد فتخيلناها على شكل وحدة متماسكة في صورة.

فأنبغ الشعراء، وأبرع الأدباء، وأحذق القصاصين الخرافيين لا يستطيعون أن يتخيلوا شيئاً ما لم يدركوا بحواسهم أجزاء متفرقة في الكون من حولهم. ولنضرب لذلك مثلاً صورة خيالية خرافية نحاول أن نتخيلها:

صوت تجسد على شكل حيوان غريب له عشرون جناحاً، جناح من عطور، وآخر من طعوم، وثالث من ورق الشجر، ورابع من ذهب، وهكذا ... وله أعين يرى منها في وسط كل جناح، وكل عين عبارة عن بركة كبيرة من عين أو عسل أو ماء، وهكذا .. ثم بالغ ما شئت في وضع هذه الصورة الخيالية، حتى إذا رأيت نفسك قد أغربت وأبدعت، عُد لنحللَ لك كل جزء من أجزاء هذه الصورة الخيالية، ثم لنرده إلى أصله من الكون، ولنضعه في مكانه، لنريك أنك لم تستطع أن تتخيل أية جزئية من الجزئيات –صغيرة كانت أو كبير- إلا وقد أدركتها بحاسة من حواسك في شيء من موجودات الكون.

ونستنج مما سبق: أن خيالنا محصور حصراً تاماً فيما فيما تدركه حواسنا، فنحن مهما أوتينا من قدرة خيالية فلا نستطيع أن نتخيل حقيقةً ما من الحقائق ما لم ندرك نموذجاً عنها بحواسنا.

ومن ذلك يستحيل علينا أن نتخيل حقيقة الدار الآخرة وما فيها في صورة، لأننا لم نتصل بأي شيء مما فيها عن طريق أية حاسة من حواسنا. وكذلك يعسر علينا أن نتخيل حقيقة تكوين الملائكة والجن وأمثال ذلك من مخلوقات بعيدة عن مجال حسّنا.

وحقيقة الذات الإلهية أبلغ من ذلك، فكيف نستطيع أن نتخيل حقيقةً ما لذات الخالق العظيم الذي لم نتصل بذاته العليّة بحاسة من حواسنا؟! ولذلك قال العقلاء قديماً: (كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك).

(5)
العقل وحدوده

العقل مقيد بعالم الحس لا عمل له في الحكم على عالم الغيب (الميتافيزيك).

ذلك بأن القوة العاقلة فينا التي تجمع بين المصورة والذاكرة والمخيلة والذكاء، تقوم بعملها الجبار في التحليل والتركيب، والجمع والتفريق، واستنتاج القواعد العامة والكليات، وقياس الأشباه والنظائر على بعضها، بعد أن تنقل الحواس المختلفة إلى المصورة أشرطة مشاهداتها في الكون: شريط المرئيات، وشريط المسموعات، وشريط المذوقات، وشريط المشمومات، وشريط الملموسات، وشريط الوجدانيات الداخلة في الإنسان، ثم تكون أحكامها مقيدة بحدود هذه الأشياء التي جاءتها عن طريق الحس.

وهذه القوة العاقلة فينا لا تستطيع أبداً أن تصدر أحكامها على مغيبات لم يعرض أمامها شريط مسجل عنها، لأن كل حكم تحكم به إنما تقوله متأثرةً بواقع أشرطة الحواس التي جاءتها. وقد يختلف عالم الغيب عن عالم الحس كل الاختلاف فلا يمكن الحكم عليهما بالتشابه، والقاعدة الثابتة عند العلماء: (أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره).

فعالم الغيب لا تستطيع عقولنا أن تحكم على شيء فيه بإثبات أو نفي استقلالاً ذاتياً، إلّا أن يأتيها خبر يشهد العقل بإمكان وجوده وبصدق ناقله، وعند ذلك تسلم بمضمونه تسليماً تاماً دون مناقشة أو اعتراض.

وحيث أن عالم الحس فينا محدود فالعقل فينا محدود أيضاً من وجهين:

الوجه الأول: محدود بين شيئين هما الزمان والمكان. لذلك يسأل العقل دائماً: متى؟ وأين؟

ذلك أن جمع الأشياء التي اتصل بها حسنا لابد أن توجد في مكان، وأن يجري عليها زمان، ولا يستطيع العقل أن يتصور أو يتخيل موجودات لا أمكنة لها، أو أشياء لا يجري عليها زمان. علماً بأن من الأصول المقررة عند جميع العقلاء الواعين المنصفين، أن ذات الله تعالى لا يجري عليها زمان، وليست بحاجة إلى مكان، لأن الله هو خالق الزمان والمكان.

الوجه الثاني: محدود حينما يعلن عجزه عن التسليم بواحد من احتمالين في الكون لا ثالث لهما.

فمثلاً: يتساءل كل إنسان عاقل بينه وبين نفسه: هل هذا الكون متناهي الحدود، أو غير متناهي الحدود؟

وهنا دعنا نجرِ وراء التصور. فأول ما يصادفنا إذا انطلقنا من الغلاف الأرضي فراغ، ثم بعده بؤرة لمجموعة من النجوم، وبعد ذلك بؤرة لمجموعة أخرى من النجوم، وبعد ذلك الانطلاق من المجرة التي تعتبر أرضنا شيئاً صغيراً جداً فيها، وبعد ذلك مجموعات أخرى من المجرات.

ولننتقل إلى التسمية بالسماء الأولى، ثم الثانية، إلى السابعة، ألى الكرسي، إلى العرش، ولندع الفكر يسبح ما شاء له الوهم أن يسبح. ثم بعد ذلك لابد أن يصل العقل أخيراً إلى نقطة يظل فيها حيران عاجزاً عن التفكير، لا يستطيع أن يقتنع باللانهاية، ولا يستطيع أن يسلم بالنهاية.

فإذا قال لنفسه: انتهى الكون، قال له وهمه: وماذا بعد النهاية؟ وإذا قال لنفسه: الكون لا نهاية له، قال في نفسه: كيف يكون شيء لا نهاية له؟!

ثم هو مضطر –عقلاً- أن يتردد بين هذين الاحتمالين، ولا ثالث لهما، وهو لا يسلّم بواحد منهما، وما ذلك إلّا لأن العقل محدود.

فإذا كان العقل عاجزاً عن فهم أشياء في الكون من حوله، وعاجزاً عن الإحاطة بصورتها الحقيقية، فهو عن إدراك صورة لحقيقة الأمور الغيبية التي هي وراء الطبيعة أضعف وأعجز.

وإذا كان العقل محدوداً كما رأينا، فكيف يستطيع أن يحيط بالله سبحانه وتعالى؟! وهو عز وجل غير محدود!!

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في بيان أن العقل محدود:

(إن للعقل حداً ينتهي إليه كما أن للبصر حداً ينتهي إليه).

وقال الإمام الغزالي عليه رحمة الله:

(ولا تستبعد أيها المعتكف في عالم العقل أن يكون وراء العقل طور قد يظهر فيه مالا يظهر في العقل)"1".

وبما سبق تتلخص لدينا الحقائق التالية:

1 . إن حواسنا التي هي طرق العلم لدينا محدودة لا تتناول كل شيء موجود.

2 . إن قدرة التخيل فينا محدودة في حدود ما يردنا عن طريق الحواس.

3 . إن عقولنا محدودة لا تستطيع أن تدرك جميع الحقائق الكائنة إدراكاً واضحاً وإن اضطرت إلى التسليم بها عقلاً.

وللأستاذ علي الطنطاوي كلام جيد حول هذه الحقائق في مقال: (بحث في الإيمان) بكتابه (فِكَر ومباحث).




1: وللغزالي استدراك جميل على هذه الحقيقة في خاتمة الفصل الأول من كتابه "المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى" ، خلاصته: أن ما وراء العقل قد يكون بعيداً عن تصور العقل وتوهمه بعداً بالغ النهاية، لأن العقل محجوب عنه في حدوده التي لا يستطيع أن يتعداها، لكنه لا يمكن أن يكون وراء العقل أشياء يحكم العقل حكماً قاطعاً باستحالتها. فهناك فرق كبير بين ما لا يدركه العقل فهو لا يتناوله بنفي ولا إثبات لأنه ليس من الأمور التي يتناولها بأحكامه، وبين ما يحكم العقل قطعاً بنفيه أو إثباته. فمن الأشياء التي لا يمكن أن يكون وضعها فيما وراء العقل، على خلاف وضعها في أحكام العقل القاطعة لأنها من المستحيلات العقلية: أن يكون لله تعالى شريك، أو أن يكون في مقدور الخالق جل وعلا أن يخلق مثل نفسه، أو أن يجعل الحادث قديماً، أو ما أشبه ذلك.





رد باقتباس