الحمد لله المَحمود على كلِّ حال، الدائِم الباقي بلا زوال، أحمده سبحانه وأشكره،
لا يعزُب عنه مثقال ذرَّة في الأرض ولا في السماء ولا تحت أطباق الجِبال،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الغيب والشهادة الكبير المتَعال،
وأشهَد أنَّ سيدنا ونبينا محمَّدًا عبده ورسوله، عظيم المكارم شريف الخصال،
صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل،
والتابعين ومن تبعهم بإحسان بالغدوّ والآصال.
فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتَّقوا الله رحمكم الله،
فلِلَّه درّ أقوامٍ اتَّقوا، وتذكَّروا فأبصَروا، وبادَروا بالأعمالِ الصالحات وشمّروا وما قصَّروا،
الليلُ روح قلوبهم، والصّوم غذاءُ أبدانهم، والصِّدق عادَة ألسنتِهم، والموت نصب أعيُنهم،
بادَروا في الحِذار، وسابَقوا إلى الخيرات بأيدي البِدَار، صابِرون صادقون قانِتون
ومنفقون ومستغفِرون بالأسحار.
أيها المسلمون: معأننعماللهتلاحقنافىكلنفسيملأالصدربالهواء٬
وكلخفقة تدفعالدماءفىالعروق؟فنحنقلمانحسذلكالفضلالغامر
٬أونقدرصاحبهذاالجلال والإكرام!!.
إننانظن أنكلّشىءمهيأمنتلقاءنفسهلخدمتنا،وأنعلىعناصرالوجودتلبيةُ إشارتنا
وإجابةُرغبتنا،لالعلةواضحةسوىأننانريد٬وعلىالكونكلهالتنفيذ!!.
وقدنشعرببعضالجميللظروفمواتية٬أوببعضالجمالفى بيئةمريحةممتعة٬
وعلىمافىهذاالشعورمننقصلانقطاعهعناللهوسوءإدراكنا لنعماه
ولكن كمتتوقعونمنالناسمن يملكههذاالشعور؟للأسف أنها قلةلاتذكر!!.
أماجمهورالبشرفذاهل عمايكتنفهمنآلاءوإنه يتقلبفىخيراتاللهغيرواعلكثرتها
إخوة الإيمان: لقدأراد اللهعزوجلأنينبهالناسإلىماخولهممنبره٬
وإلىمايحيطبهممنآثارقدرتهورحمته
فقال سبحانه و تعالى كأنهيعرِّفنفسهلخلقه
{ اللهالذيجعللكمالليللتسكنوافيهوالنهارمبصراإن اللهلذوفضلعلىالناس
ولكنأكثرالناسلايشكرونذلكماللهربكمخالقكلشيءلا إلهإلاهوفأنىتؤفكون
كذلكيؤفكالذينكانوابآياتاللهيجحدوناللهالذيجعللكم الأرضقرارا
والسماءبناءوصوركمفأحسنصوركمورزقكممنالطيبات
ذلكماللهربكمفتبارك اللهربالعالمين{
فهلبعدهذاالبيانوالتنبيه ياعباد اللهأديناحقالله؟!.
يظهرأنشكرالمنعمواجبثقيل٬وأنناعلى قدرمانحتاجونأخذ٬
علىقدرمانستخفوننسى. بلإنكثيراًمنالناسيتناولأنعمالله وكأنهيستردحقاًمسلوباًمنه٬
أوملكاًخاصاًبه٬ومنثمفهولايرىلأحدفضلاعليه.
وبهذا التفكيرالمعوجلايثمرصنيعولايجىءشكر.
ومن أجل مزيد تعقيب وإيضاح لهذا المعنى، فهذه وقفة سريعة عند سلوك سلبي منتشر في أوساط الناس،
وتصرف لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات، بل إنه العلة الكامنة وراء إحجام كثير
من النفوس عن فعل المعروف وإسداء الجميل، ذلكم ياعباد الله هو الجحود ونكران الجميل.
إنالجحودونكران الفضل أمر فطري وطبيعة إنسانية٬إنهينبتعلىوجهالأرض
كالأعشابالفطريةالتىتخرجدونأنيزرعها أحد،أماالشكرفهوكالزهرةالتىلاينبتها
إلاالرىوحسنالتعهد، إنهلأمرطبيعىأن ينسىالناسواجبالشكر٬
فإذانحنانتظرنامنهمأداءهذاالواجبفنحننجر علىأنفسنامتاعبهىفىغنىعنها.
بيد أنإقفار النفوسمننضارةالشكر٬وانتشارالجفافبهامنكرقبيح٬ينبغىأن يبتعدالناسعنه٬
وأنيتعلمواالحفاوةبمايُسدىإليهممنمعروف٬وتقديرمافيهمنبر ومرحمةوإحسان.
فديننا الحنيفيوجهالمُعطىإلىذكرالنعمةالتىسيقتله٬وإلىالثناء علىمرسلها
وإلىمكافأتهعليهابأيةوسيلة. فإنلميجدالجزاءالمادىالمعادللمانال،
فليشكربلسانالحالوالمقال٬وليدعاللهأنيثيبمنعندهالثوابالذىيشبعُعواطف الشكرفىأفئدتنا٬
قالرسولاللهصلىاللهعليهوسلم :
( من اصطنعإليكممعروفاًفجازوه٬فإنعجزتمعنمجازاتهفادعواله٬
حتىتعلمواأنكمقد شكرتم٬فإناللهشاكريحب الشاكرين .(
( من أُعطىعطاءفوجدفليجزبه٬فإنلميجدفليثن.
فإنمنأثنىفقدشكر٬و منكتمفقدكفر ).
وقال عليه الصلاة والسلام:
)إنأشكرالناسللهتباركو تعالى٬أشكرهمللناس.(
) لايشكرالله منلميشكرالناس. (
وقال صلوات الله و سلامه عليه :
( منلميشكرالقليللميشكرالكثير٬و منلميشكرالناس لميشكرالله٬
و التحدُّثبنعمةاللهشكر٬و تركهاكفر٬و الجماعةرحمة. و الفرقةعذاب. (
معاشر الفضلاء : لا يشك عاقل لبيب، بأن التقاطعبين الأرحام يرجعغالباًإلىكنودالنعم
وجحودالإحسان٬ولايشدأواصرالجماعاتكحفظالمعروفوإكرامأهله٬
ولايفصمعرى الائتلافويعرضلعذابالفرقةإلاغمطالحقوق
وإهمالذويهاوالتنكرلماأسدوهمنجميل.
إلاأنالإسلاممعتوكيدهلواجبالشكر،وتحقيرهلشأنالجاحدين،يطلبمنأولىالخير
أن يجعلواعملهمخالصاًلوجهاللهوأنيبعدواعنمقاصدهمكلدَخَل٬
فإنفسادالنيةيفسد العملويحبطالأجر٬
والمعروفالذىيُقبلويُحترمهوالذىيبذلهصاحبهبدوافعالخير المحض،
لايطلبعليهثناءَبشَرولاشكرَه٬إنمايطيعبهأمراللهويطلبرضوانهومغفرته.
أيها الإخوة في الله: الإسلامبمايفرضهعلىالعملمنإخلاصيريدأنيحررالقلوب
منقيودالأغراضوأن يعلقهابالكمالالمطلق٬فهىتفعلالخيرعنبواعثنقية٬
وعنحبمكينلهورغبةقوية فىتحقيقه،دوننظرإلىمدايحالناسأوتطلعإلىمنزلةبينهم.
وهذاالسموالأخلاقيهو دعامةالإحسان٬وهوالمثلالأعلىلكلخلقكريم.
رُوىأنرجلاتطاولعلىعبد اللهبنعباس رضي الله عنهما٬فقالله عبدالله بن عباس:
إنىلأسمعبالحاكممنحكامالمسلمين يعدلفأحبه ،و لعلىلاأقاضىإليهأبداً!!.
و أسمعبالغيثيصيبالبلدمنبلادالمسلمين فأفرحبهو ليسلىبهسائبةو لاراعية!!.
و آتىعلىالآيةمنكتاباللهفأؤدلوأن المسلمينكلهميعلمونمنهامثلماأعلم ) .
الله أكبر ياعباد الله،هذارجليحبشيوعالحقوالخير والعلم٬ويفرحمنأعماققلبه
لواستمتعالناسبمافيهامنبركات٬ولولميمسهمنذلك حظكبيرأوصغير.
إنهذاالتعلقبالكمالالمطلق،والإحسانالمبرأأهممايطلبهالإسلام منك٬
حينتسدىإلىأحدمعروفا،ًفهو يحثك على أن تقدمالجميلعشقاًلصنائعالمعروف،
وابتغاءمالدىالله منمثوبة. ولاتعولعلىحمدأحدأوتقديره٬
بل كنكماوصفاللهالأبرارمنعباده حين
{ ويطعمونالطعام علىحبهمسكيناويتيماوأسيراإنمانطعمكملوجهالله
و ليسالمقصودأنهميقولونذلكبألسنتهم٬فذاكمستبعدلأنهقديؤذىأصحابالحاجات٬
وإنماذلكترجمةلمافىقلوبهممننياتصافية٬ومشاعرنظيفة.
إخوة الإيمان: هلابتغاءُوجهاللهأمر عسير علىالناس؟.
المؤسفأنأغلبالبشرتهيجهمللعملبواعثمشوبةويطلبونبهغايات شتى٬
وقليلجداًأولئكالذينيتحركونبدافعنقى٬ويرتفعونبمقاصدهمعنمآربهذه الأرض.
إنعشاقالثناءوطلابالظهورليس لهم من أعمالهم إلا التعب والنصب،
وإن الله لايقبل من الأعمال إلا ماكان خالصاً لوجهه الكريم،
ففىالحديث القدسىإناللهتباركوتعالىيقول:
[ أناخيرشريك٬فمنأشركمعىشريكافهولشريكى ]
ياأيهاالناسأخلصواأعمالكم٬فإن اللهتباركوتعالىلايقبلمنالأعمالإلاماخَلُصَله.
ولاتقولواهذهللهوللرحم٬فإنهاللرحم وليسللهمنهاشىء. ولاتقولواهذهللهولوجوهكم٬
فإنهالوجوهكم٬وليسللهمنهاشىء
سبحان الله ياعباد الله، فالمرءإذاقال: “أفعلهذاللهومنأجلخاطرفلان”
٬فالأغلبأنهمنأجل هذاالخاطرالعزيز٬وأناللهليسلهجوارَهذاالخاطرنصيب٬
ولوكانلهنصيبما،فإنهيرده لأنهجلشأنهلايقبلالعملإلاخالصاًلهوحده.
ومنثميجبعليناأننتوجهبحركاتقلوبنا وأيديناللهربالعالمين٬لاننتظرثناءولاإعجاباً٬
ولابروزاًولاظهوراًولاشكورا.ً
قال الإمام الغزالي رحمه الله:
(( وإنه ليخيلإلىأنالعداوةأزليةبينالأمجادوالأوغاد.
بينأصحابالمواهبوالمحرومينمنها. بينفاعلىالخير والعاطلينعنه.
وأخيراًبينمننحسنإليهم٬وبينمنيستكثرونعليناأننكونفىمكانيجيئهممنه إحساننا٬
ويدرعليهمخيرنا. والجريمةالتىارتكبناهاوالتىجعلتقلوبهؤلاءتنحرفعنا
أنناأسعفناهميوماحتاجوا٬وأننالماقدرناعلىذلكلمنبخلبه.
وكماكانتجريمةابنآدم الصالحأناللهقبلعملهولميقبلعملأخيه٬
كذلككانتجريمةأبىبكرأنهأنفقعلى قريبه `مِسطَح ` فكانجزاؤهأن `مِسطَحاً`
ماإنسمعالإشاعاتالكاذبةتدورحول `عائشة` حتىأسرعيعينعلىولىنعمته
ويروجمعالأفاكينقالةالسوء٬بدلأنيرد جميلقريبهبالدفاععنعرضه!!.
إنفىطباعنفرمنالناسكنوداًيعزعلىالدواء٬ولست أدرىأأكثرالناس
معلولونبهذاالداء٬أمتلكقلةعكرتصفوالحياة٬كمايعكرعذوبةَالماء القليلُمنالملح.
أياماكانالأمرفإنالشكوىمنهذاالبلاءقديمةجديدة.
كانمالكبن أنس رضي الله عنه يشكوعلىعهدهقلةالإنصاف٬وهوعهدالتابعين))
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأخلصواأعمالكملله،وأنشدواثوابهوحده٬
ولاتنتظرواالشكر منأحدمنالناس،ولا تضيقوا بتنكرهم للجميل، ونسيانهم للفضل،
ولا يصدنكم ذلك عن فعل الخير، وتقديم المعروف.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
ألا فاتقوا الله ربكم، وفوضوا إليه أموركم، فهو سبحانه الذي يَعلَم عواقبَ الأمور،