الثاني : تفسير القرآن بالسنة :
وهو نوعين:
النوع الأول : التفسير النبوي للقرآن الكريم :
تبيين القرآن الكريم من أهم وظائف الرسول صلى الله عيه وسلم ، فمنذ أن أنزل القرآن على النبي صلى الله عيه وسلم تكفل الله تعالى لنبيه بأنه سيعلمه بيانه :
قال تعالى :
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}( القيامة:18-19 ).
فالنبي صلى الله عيه وسلم كان يعجل بالقرآن وراء جبريل ليحفظه قال تعالى:
{ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ }(طه:114)
، فتعهد الله تعالى له بأنه لن ينسى القرآن .
{سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى }(الأعلى:6)
وقال تعالى في ما يخص بيان الرسول صلى الله عيه وسلم للقرآن :
{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }(النحل:44)
{وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء:113)
و التفسير النبوي للقرآن الكريم يظهر من خلال المثال التالي :
ورد في حديث عقبة بن عامر الجهني أنه قال :
" خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ قوله تعالى :
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ }(الأنفال:60)
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي )
فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر " القوة " في الآية بالرمي .
وهذا تفسير نبوي ، وهو تفسير للقرآن بالسنة ، وهو حجة ، وحجيته مثل حجية تفسير القرآن للقرآن بالقرآن ؛ لأنه صادر من المعصوم عليه الصلاة والسلام .
س : لكن ما هو القدر من القرآن الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته :
" وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ القرآن كما بين لهم معانيه "
فذهب الشراح إلى أن مقصوده أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر القرآن الكريم كاملا ، وقد وجدت كلاما لابن حبان في كتابه المجروحين ذكر فيه معنى بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن ، وأن المقصود باختصار : " أن تبين للناس ما بهم حاجة لبيانه " ؛ ولذلك فإن المسائل التي حفظت من بيان النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن قليلة .
والصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن كل لفظة ؛ فهم أهل اللغة وأهل السليقة ، وشهدوا التنزيل ، ولو تأملتم قولهم في القرآن الكريم [يَسْأَلُونَكَ ] لوجدتم أنها أسئلة محصورة ، وأغلبها في الفقه ، أما أسئلة التفسير فكانت قليلة جدا .
وفهم الصحابة رضي الله عنهم في للقرآن بهذه الطريقة أمر منطقي ، فالقرآن الكريم رسالة الغرض منها العمل ، ومن أهم وأخص خصائص الرسالة أن تكون واضحة لمن ترسلها إليه ، حتى يقوم بتنفيذ ما فيها.
س: لكن ما هو البيان النبوي الذي قصدناه فيما سبق ؟
النبي صلى الله عليه وسلم كان فعله وقوله وأخلاقه كلها بيان للقرآن الكريم ، قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }(التوبة:119)
كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم صدق كلها ؛ ولذلك عندما سئلت عائشة أم المؤمنين رض الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت للسائل :
هل قرأت القرآن ؟
قال : نعم .
قالت : " كان خلقه القرآن "
فمكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته العظيمة تفسير منه عليه الصلاة والسلام للقرآن ، لكن نحن عندما نقول [ البيان ] نقصد البيان القولي اللفظي الظاهر ، بمعنى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم معنى الآية كذا ، وهذا قليل .
النوع الثاني : من تفسير القرآن بالسنة :
وهو أن يأتي من بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيفسر بعض الآيات القرآنية بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، فيأتي صحابي فيقول هذه الصحابة يفسرها قول النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ، وله حكم تفسير الصحابي .
وهنا لا بد من ملاحظة نقطة :
وهي إذا كان التفسير فيما لا مجال للرأي فيه فلا شك أنه حجة .
مثال:
قال تعالى : {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } (الفجر:21 -22-23).
فجاء ابن كثير ففسر قوله تعالى :[ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ] ، فقال معناها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرونها".(أخرجه الإمام مسلم في صحيحه )
ولا شك أن الحديث ظاهر الدلالة على الآية .
فإذن تفسير القرآن بالسنة قد يكون من فعل الصحابي وقد يكون من فعل التابعي ، وقد يكون من فعل المفسرين ، ويتفاوت ظهورا وردا بحسب وضوحه وظهوره وصحته ، وأيضا لابد أن يفسر المفسر الآية بحديث صحيح ، وإلا كان تفسيره مردود.
ويدخل في تفسير القرآن بالسنة ما يسمى بالأحاديث القدسية ففيها تفسير كثير للقرآن الكريم .
يتبع بإذن الله تعالى ..
__________________
{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ }
لله درُ الحاملات أمانةً *** الطامعاتُ بجنةٍ وجزاء