اعرض النسخة الكاملة : أما آن لك أن تعتنق الإسلام دين كل الأنبياء؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:40
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما آن لك أن تعتنق الإسلام دين كل الأنبياء؟!
هذا هو كتاب أنقله لكم بمنتهى الأمانة بإذنه تعالى عل ذوي العقول والقلوب يسمعون ويدركون
\
كلمة المؤلف
أما آن لك أن تعتنق الإسلام .. دين كلّ الأنبياء ؟! - الجزء الأول
وَاللَّهِ الذي لا إلهَ غيرُه , لو لَم يَبقَ على وجه الأرض مسلِمٌ غيري لَما شككتُ لحظةً واحدة أنَّني على الدِّين الحقّ . ذلك لتعلم , أيُّها القارئ الكريم , أنَّ ما ستقرأه في هذا الكتاب نابعٌ عن قناعتي التَّامَّة بالإسلام , دين العقل والفطرة والمنطق .
عامر أبو سميّة
كلمة سواء
16.01.2011, 13:41
في هذا الكتاب
كلُّ الإجابات عن كلِّ ما يشغل بالك من تساؤلات حول الكون والخالق والدِّيانات والجنَّة والنَّار , بأسلوب علمي ومنطقي , واضح وسهل , ربَّما لم تعهدْهُ في أيِّ كتاب آخر .
ولو قرأتَ كلَّ الأجزاء , من أوَّل صفحة إلى آخرها , بقليل من الانتباه وبنيَّة البحث عن الحقيقة , فبإذن اللَّه , بإذن اللَّه , لن تملك بعد ذلك إلاَّ أن تنطق بالشَّهادتين وتدخل في الإسلام .
أسأل اللَّهَ أن يشرح صدرك لهذا الدِّين العظيم , دين إبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد وكلّ الأنبياء عليهم السَّلام . ويا ربّ اهْدِ كلَّ النَّاس إلى دينك الحقّ فإنَّ أكثرهم لا يعلمون , ولو علموا وصدقوا مع أنفسهم لَأَسلموا .
إهداء
إلى خاتم الأنبياء والمرسلين , المبعُوث رحمة للعالمين , سيِّد البشريَّة على الإطلاق , محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , الذي شرَّفه ربُّه بالرِّسالة فبلَّغها على أكمل وَجه .
يَحكي عنه عمر بن الخطَّاب حادثَةً مُعبِّرة , فيقول : دخلْتُ على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو على حصير . فجلَسْتُ , فإذا عليه إزارٌ وليسَ عليه غَيْرُه , وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبه , وإذا أنا بقَبْضَة من شعير نحو الصَّاع وقرظ في ناحيَة في الغُرفة , وإذا إهابٌ مُعَلَّق . فابْتَدرتْ عَيْناي (أي دمعَتْ) , فقال : ما يُبْكِيكَ يا ابنَ الخطَّاب ؟ فقلتُ : يا نَبيَّ اللَّه , وما لي لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبك , وهذه خزانتكَ لا أرى فيها إلاَّ ما أرى , وذلكَ كِسْرَى (ملك الفُرس) وقَيْصَر (ملك الرُّوم) في الثِّمار والأنهار , وأنتَ نبيُّ اللَّه وصَفْوَته وهذه خزانَتك ! فقال : يا ابنَ الخطَّاب , ألا ترضَى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدُّنيا ؟! قلتُ : بلى ! (سنن ابن ماجة – الجزء 2 – ص 1390 – رقم الحديث 4153) .
إلى الصَّحابة الكرام والتَّابعين الأفاضل , الذين ضحَّوْا بأنفسهم وأَمْوالهم وبكلِّ ما لَديهم في هذه الدُّنيا , مِن أجل إيصال دَعْوَة الإسلام إلينا .
إلى كلِّ مَن عَمل ويَعمل لِنُصرة هذا الدِّين ودَعْوة النَّاس إليه , أُهدي هذا الكتاب , راجِيًا من اللَّه أن أكون قد ساهمتُ معهم بهذا العمل في إرشاد المسلمين الحَيَارَى إلى طريق اللَّه , حتَّى تعلُو كلمةُ اللَّه من جديد , وتَعود العزَّةُ لهذا الدِّين العظيم وأهله .
ألف شكر !
لقد استعنتُ في تأليف هذه الأجزاء بِمَراجع عديدة ومُتنوِّعة , منها الكُتب , ومنها المقالات الصّحفيَّة , ومنها المحاضرات , ومنها الحوارات التّلفزيونيَّة . وأجِدُ من واجبي أن أتقدَّم بالشُّكر الجزيل إلى أصحاب هذه المراجع , لِلخدمة الجليلة التي قدَّمُوها لي بطريقة غير مباشرة . فأنا لم أكن لِأَستطيع أن أكتب هذه الأجزاء , لو لَم أعتمد على ما وصل إليه الشَّيخ الجليل عبد المجيد الزّنداني مثلاً , وغيره من العلماء , في ميدان الإعجاز العلمي في القرآن , وما تفضَّل به بعض عُلماء المسلمين من فتاوى بخصوص مسائل دقيقة , وما كَتَبَتْهُ بعض السَّيِّدات الفُضْلَيَات من آراء قيِّمة حول المرأة .
وأنا لا أملِكُ إلاَّ أن أسألَ اللَّهَ لهؤلاء جميعًا , وأيضًا لكلِّ من ساعدَني في تصميم هذا الكتاب وطباعته ونشره , أن يُعطيهم من الخير ما يَتمَنَّون , وأن يَختِمَ بالصَّالحات أعمالَهم , وأن يكْتُبَهم من أصحاب جنَّة الفردوس , آمين .
ولا أنسَى أن أَخُصَّ بالشُّكر أصحابَ القصص الواقعيَّة التي وَردتْ في هذا الكتاب , لِشجاعَتهم في نَشر تفاصيلَ مُؤلمة من حياتهم على مواقع إسلاميَّة , حِرْصًا منهم على تَحذير غيرهم من المسلمين أن يَقعُوا في مثل ما وَقعُوا هُم فيه . أسألُ اللَّهَ العظيم أن يَقبلَ تَوبَتهُم , وأن يجعل في ميزان حسناتهم الأجرَ الكبير عن كلِّ قارئ يتَّعِظُ بقصصهم ويأخذ منها العبرة .
أخيرًا , لا بُدَّ من التَّنبيه إلى أنَّني اجتهدتُ قدر المستطاع أن تكون كلّ المعلومات الواردة في هذا الكتاب مُنتقاة من مصادر موثوق منها , وأن تكون مُوافِقة لِمَا يُنادي به الإسلام . لكنّ الإنسان يُخطئُ ويُصيب . وعلى هذا , فإنْ وافقَ ما كَتَبْتُه الحقَّ فذلك بتَوفيقٍ من اللَّه , وإن أخطأتُ في بعض المسائل فالخطأ منِّي وليس من الإسلام .. اللَّهُمَّ فاشْهَدْ !
(http://hurras.org/vb/newreply.php?do=newreply&p=67673)
كلمة سواء
16.01.2011, 13:44
هل ماتت الغيرةُ في قلبك ؟!
في البداية , استمعْ معي يا أخي الكريم لهذه الرِّسالة المبكية , وابكِ .. إن كان في قلبكَ غيرةٌ على الإسلام وأَهله !
الرِّسالة كُتِبَتْ يوم الجمعة 5 ذي القعدة 1425 هـ (17 ديسمبر 2004 م) , ونُشِرت يوم السّبت 6 ذي القعدة 1425 هـ (18 ديسمبر 2004 م) على موقع مفكّرة الإسلام . وقد نقلْتُ الخبرَ من موقع عودة ودعوة , وهو كما يلي :
مفكّرة الإسلام (خاصّ) : رسالةٌ خَطِّيَّة جديدة أرسلَتْها إحدى المعتقلات في سجن أبو غريب , كشفَتْ فيها عن بعض بَشاعة ما تتعرَّض له عفيفاتُ العراق مِن اغتصابٍ وانتهاك لِلأعراض , وسطَ صَمْت عربي وإسلامي وعالمي ليس له نظير !!
وقد تلقَّى مُراسل مفكّرة الإسلام نسخةً من هذه الرِّسالة , وهذا نَصُّها :
بسم اللَّه الرَّحمن الرَّحيم
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 اللَّهُ الصَّمَدُ 2 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ 3 وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ 4 } (112- الإخلاص 1-4) .
اخترتُ هذه السُّورة الكريمة من كتاب اللَّه لأنَّها أَشدّ وقْعًا على نفسي ونفسكُم , ولها رهبة في قلُوب المؤمنين خاصَّة .
إخوتي المجاهدين في سبيل اللَّه , ماذا أقولُ لكم ؟! أقولُ لكم : لقد امتلأتْ بطونُنا مِن أولاد الزِّنَا مِن الذين يَغتصبُونَنا مِن أبناء القردة والخنازير ؟! أم أقولُ لكم : لقد شوَّهُوا أجسادَنا وبَصقُوا في وجوهِنا ومزَّقُوا المصاحف التي في صدُورنا ؟ اللَّه أكبر , هل أنتم لا تعقلُون حالَنا ؟!! هل حقيقةً أنَّكُم لا تعلَمُون بنا ؟!! نحنُ أخواتُكم , سيُحاسِبُكم اللَّهُ يوم غَد !
وَاللَّهِ لَم تَمضِ ليلة علينا ونحنُ في السِّجن إلاَّ وانقضَّ علينا أحد القردة والخنازير بشهوة جامحة مزَّقَت أجسادَنا , ونحنُ الذين لم تُفَضَّ بكارتُنا خشيةً من اللَّه .. فاتَّقُوا اللَّه .. اقتلُونا معهم .. دمِّرونَا معهم ولا تدَعُونا هكذا لِيَحلُو لهم التَّمتُّع بنا واغتصابنا , كرامةً لِعرش اللَّه العظيم .. اتَّقُوا اللَّه فينا .. اترُكُوا دبَّاباتهم وطائِراتهم في الخارج وتَوَجَّهوا إلينا هنا في سجن أبو غريب .
أنا أختكُم في اللَّه فاطمة , لقد اغتصبُوني في يومٍ واحد أكثر من 9 مرَّات , فهل أنتم تعقلون ؟! تصوَّرُوا إحدى أخواتكُم يَتِمُّ اغتصابُها ! فلماذا لا تتصوَّرون , وأنا أختُكُم ؟! معي الآن 13 فتاة كلّهنَّ غير مُتزوِّجات , يَتمُّ اغتصابُهنَّ تحت مَسمع ومرأى الجميع . وقد مَنعُونا من الصَّلاة . لقد نَزعُوا ثيابَنا ولم يَسمحُوا لنا بارتداء الثِّياب .
وأنا أكتبُ هذه الرِّسالة , انتحرَتْ إحدى الفتيات والتي تَمَّ اغتصابُها بِوَحشيَّة , حيثُ ضربَها جنديّ , بعد أن اغتصبَها , على صدرها وفخذها , وعذَّبَها تعذيبًا لا يُصَدَّق , فأخذتْ تضربُ رأسَها بالجدار إلى أن ماتتْ , حيثُ لم تتحمَّلْ , مع أنَّ الانتحار حرامٌ في الإسلام , ولكنّي أعذُر تلكَ الفتاة , أرجُو من اللَّه أن يَغفر لها لأنَّه أرحمُ الرَّاحمين .
أخوتي , أقولُ لكم مرَّة أخرى : اتَّقُوا اللَّه ! اقتلُونا معهم لعلَّنا نَرتاح , وامُعْتَصماه .. وامُعْتَصماه .. وامُعْتَصماه !
(نقلاً عن موقع عودة ودعوة www.awda-dawa.com (http://www.awda-dawa.com/))
يقولُ مراسل مفكّرة الإسلام : مِن العجائب في هذه القصَّة أنَّ الرِّسالة خرجَتْ من السِّجن يوم الجمعة , ووصلَتْ إلينا في نفس اليوم , ولم تُنشَر سوى يوم السّبت بعد التَّحقُّق منها .
(نقلاً عن موقع مفكّرة الإسلام www.islamemo.cc (http://www.islamemo.cc/))
وبعد ثلاثة أسابيع مِن هذه الرِّسالة , نشرتْ مفكّرة الإسلام خبرًا بعنوان : بعد أن ماتَ المعتصم , استشهادُ فاطمة العراق ليلة البارحة !
وهذا نصُّ الخبر :
مفكّرة الإسلام : الجمعة 26 ذي القعدة 1425 هـ (7 يناير 2005 م) : شَنَّت المقاومَةُ هجومًا صاروخيًّا على سجن أبو غريب عند السَّاعة الواحدة قَبل فجر اليوم الجمعة , بصواريخ أبابيل شديدة التَّدمير وصواريخ كراد . واستمرَّ القصفُ على السِّجن أكثر من 15 دقيقة , أدَّى إلى استشهاد أربعة عراقيِّين , ومُعتَقَلَة واحدة وهي فاطمة , صاحبة الرِّسالة التي وجَّهَتْها قبل ثلاثة أسابيع ونَشرتْ مفكّرة الإسلام نَصَّها حول اغتصابها من قِبَل جنُود الاحتلال , كما جُرِحَت أيضًا فتاةٌ تبلُغُ من العمر 22 عامًا , وإصابتُها بَليغة .
وحسبَ ما صرَّح به مسؤولٌ عراقي مُهمّ يَعملُ في سجن أبو غريب , فإنَّ أكثر مِن 68 جنديًّا أمريكيًّا قُتِلُوا جرَّاء القَصف , وأنَّ الصَّواريخ استهدفَتْ ثكنَاتهم العسكريَّة بالتَّحديد , إلاَّ أنَّ القُوَّات الأمريكيَّة قامتْ قبلَ ليلة واحدة فقط بِتَحويل أكثر من 500 أسير وأسيرة إلى الجهة الشَّرقيَّة من السِّجن , للاحتماء بهم كَعادتِها في التَّترُّس بالنِّساء والأطفال والمعتقَلين , مِمَّا أدَّى إلى مَقْتل عَدَد من السُّجناء .
فيما قامَت الشُّرطة العراقيَّة بإيصال جُثمان فاطمة إلى منزلها الكائن في قَرية الذَّهب الأبيض 45 كم بمنطقة أبو غريب . وبسبَب الحالة النَّفسيَّة لِذَوي فاطمة , لم يَستطع مُراسلُنا هناك من إجراء لِقاء مع ذَويها . إلاَّ أنَّ جارَهم تكلَّم مع مُراسلنا , فقال : سبحان اللَّه ! لقد كان أخو فاطمة الأكبر , وهو أحد المجاهدين الذين تَبحثُ عنهم قُوَّاتُ الاحتلال , في صلاة العشاء ليلةَ الخميس الماضي بالمسجد , وأثناء القُنوت صار يَدعُو بِبُكَاء حارّ , وكلُّ مَن في المسجد كان يسمعُه وهو يقُول : اللَّهُمَّ اقبضْ روحَها , اللَّهُمَّ خُذْها إليكَ شهيدة , اللَّهُمَّ إنَّه العارُ فاغْسِلْه , أنتَ قادر , أنتَ قادر , أنتَ قادر !
فقام إليه أحدُ المصلِّين بعد انتهاء الصَّلاة , ووَبَّخهُ على قوله : اللَّهُمَّ إنَّه العارُ فاغْسِلْه , وقال له : بل قُلْ : إنَّه الشَّرفُ فارْفَعْهُ وأكْرِمْه ! نحنُ مَن تَنطبقُ علينا كلمة العار , لا فاطمة ! إنَّها أشرف وأزكَى وأطهر فتاة , وأنا أطلبُ يَدها منكَ بعد خُروجها من السِّجن إن شاء اللَّه .
وأكملَ ذلك الجارُ لِمُراسلنا قائلاً : لقد شَنَّ أخو فاطمة مع مجموعته القتاليَّة أكثر من خمسين هجومًا صاروخيًّا على السِّجن بعد رسالة فاطمة وقَبْلها , وكلّ يَوم يَصطادُ سيَّارة أو اثنتين مِن سيَّارات الاحتلال ...
وأمَّا فاطمة , فحدَّثَتْنا عنها زوجة هذا الجار , تقول : قبل اعتقالها بشَهر , وزَّعتْ فاطمة حلوى وأَصابع العرُوس , وهي أُكلة عراقيَّة شعبيَّة معروفة , على أهالي الشَّارع بسبب أنَّها أكملَتْ حفظ 13 جزءًا من القرآن الكريم . وكانت تقولُ للنِّساء : البقَرة , وحَفِظْناها ! باقي القرآن , هيِّن الحفظ . امنحُوني ثلاثة أشهر أخرى , وسترَوْنَ مَن الأحسن : أنا أمِ الشّيخ خالد ؟ والشّيخ خالد هو إمام مَسجد الحيّ الذي تسكنُ فيه فاطمة .
وتَصفُها تلك السَّيِّدة بقولها : إنَّها كانتْ تَستحي مِن كلّ شيء . وأذكُرُ مرَّةً في حفلَة زفاف لِأحد شَباب المنطقة أنَّ بقيَّة البنات طلَبْنَ منها أن تخلَع حجابَها حيثُ لم يكُن بيننا رجالٌ , ولكنَّها رفضَتْ هذا مِن شدَّة حيائها .
فيما ذكَر مراسلُنا هناك أنَّ فاطمة شُيِّعتْ عند السَّاعة الواحدة ظهرًا من هذا اليوم الجمعة , وَسطَ تهليل وتكبير من الأهالي . وخَلَتْ جنازتُها من إخْوَتها وأبيها بسبَب خَوْفهم من قُوَّات الاحتلال مِن أن تُلقي القبضَ عليهم حيثُ أنَّهم مَطلُوبُون لديهم , وحيثُ أنَّ القوَّات الأمريكيَّة كانتْ تُطوِّقُ الجنازة من المنزل إلى المقبرة .
ويَذكُر التَّقريرُ الطِّبِّي أنَّ إصابَتَها كانتْ في الرَّأس , وكانتْ إصابةً مُميتة , وفارقَت الحياةَ حالَ إصابَتها بِسُرعة .
الآن هناك أعلامٌ بَيضاء تُرفعُ على دار فاطمة , حيثُ قام أهالي المنطقة باستقبال المُعَزِّين في دارها , وكأنَّ فاطمة الآن تقولُ في قَبرها لكلِّ المعَزِّين :
فلَيْتَكَ تَحلُو والحياةُ مَريرةٌ ولَيْتَكَ تَرضَى والأنامُ غِضابُ
إذا صحَّ منكَ الودُّ فالكُلُّ هَيِّنٌ وكلُّ الذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ
فاطمة الآن تَرقدُ في قَبرها في مقبرة الكرخ الإسلاميّة غرب بغداد , وقد أبْكَت الملايينَ من خلال رسالَتِها والتي استغاثَتْ فيها بِمَن يُغيثُ صَرخة وامُعْتَصِماه , غيرَ أنَّنا في زمَنٍ قَلَّ فيه مَن يُسَمَّوْن بالرِّجال !
وتتقدَّمُ أسرةُ مفكِّرة الإسلام بتعازيها إلى شعب العراق الحُرّ , والذي أصبحتْ له فاطمة رمزَ شَرفٍ وعِزّ يَفتخرُ بها العراقيُّون في كلِّ مَجمع ومَحفل , حتّى أنَّ قصَّتَها أصبحتْ على لسان الصَّغير والكبير , الذَّكَر والأنثى . ونَرجُو من اللَّه أن يَجمَعها وذَويها وإيَّانا في جنَّةٍ عرضُها السَّماوات والأرض . ونسألُ اللَّه أن يَنطبقَ عليها وَعدُ النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ما مِن مُسلم يَموتُ يومَ الجمعة أو ليلة الجمعة إلاَّ وَقاهُ اللَّهُ فتنة القبر (أخرجه أحمد) .
(نقلاً عن موقع مفكّرة الإسلام www.islamemo.cc (http://www.islamemo.cc/))
ولم تَنته القصَّة بعد ! فقد نَشرتْ مفكّرة الإسلام بعد أربعة أسابيع أخرى مِن هذا الحدث خبرًا جديدًا , هذا نَصُّه :
مفكّرة الإسلام (خاصّ) : الخميس 24 ذي الحجّة 1425 هـ (3 فبراير 2005 م)
اندلَعت اليوم الخميس اشتباكات مسلَّحة حامية بينَ عناصر المقاومة العراقيَّة مِن جهة وقوَّات الاحتلال الأمريكيَّة مِن جهة أخرى في مدينة القائم , غرب العاصمة العراقيَّة بغداد ...
ولقد استُشهِد من جانب المقاومة 14 مقاتلاً , وأصيب خمسة آخرون بجراح , أحدُهم في حالة خطيرة ...
وألمح مراسلُنا إلى أنَّه كان مِن بين الشُّهداء رجلٌ يُدعى خالد , وهو شقيق فاطمة أَسيرة أبو غريب , حيثُ استُشهِد في معارك اليوم بعد أن أبلَى البلاء الحسَن وأثخنَ في قُوَّات الاحتلال , حسْبَما أكَّدهُ شهودُ عيان .
وحرصًا من مراسلي مفكّرة الإسلام في العراق عمومًا وفي الأنبار خاصّة على متابعة هذا النَّبأ , فإنَّ مراسلنا في أبو غريب أكَّد أنَّ الشَّهيد رحمه اللَّه انتقلَ إلى مدينة القائِم للقتال فيها , لكي لا يُقال : إنَّه قاتَلَ في أبو غريب وماتَ ثأرًا لِأخته . ولذلك آثَر الخروج إلى أَبْعد نُقطة في الأنبار , للقتال إلى جانب إخوانه في القائم . وهذه المعلومات نقلَها مراسلُنا عن أحد المقرَّبين من الشَّهيد في مدينة أبو غريب على مسافة 30 كم غرب بغداد .
(نقلاً عن موقع مفكّرة الإسلام www.islamemo.cc (http://www.islamemo.cc/))
اللَّهمَّ ارحَمْ فاطمة وخالدًا , واغفرْ لِأُختنا التي لم تَتحمَّل العذاب وهَتْك عرضها , واجعلهم جميعا من أصحاب الجنَّة .. آمين .
قبل أن نبدأ
سُئِلَت فتاةٌ في الرَّابعة عشر من عمرها عن سبب اعتناقها للإسلام , فكان مِمَّا قالَتْه : إنَّ المسيحيَّة هي الذَّهاب مرَّة واحدة في الأسبوع إلى الكنيسة , ومحاولة أن تكون إنسانًا طيِّبًا , بينما الإسلام منهج حياة كامل ! (نقلاً عن موقع طريق الإسلام www.islamway.com (http://www.islamway.com/) )
نحن نعيش اليوم في عصرٍ تاهَ أغلبُ النّاس فيه عن المقاييس الصَّحيحة , فغرقوا في فَوضى عامّة , لم يعودوا يُميِّزون فيها بين الحسن والقبيح , بين الصَّواب والخطأ . وبالرَّغم من التَّقدُّم العلمي الهائل الذي حقَّقَتْهُ البشريَّةُ في هذا العصر , إلاَّ أنَّها ابتعدتْ كثيرًا عن الدِّين الحقّ , فضاعت أخلاقُها وفسدتْ مجتمعاتُها .
نعم , كلُّ المشاكل التي يتخبَّط فيها العالَم اليومَ سببُها الأساسي هو ابتعاد الإنسان عن المنهج الصَّحيح الذي سطَّرهُ له خالقُه , تمامًا مثلما يتشوَّش عملُ غسَّالة الثِّياب مثلاً إذا شُغِّلَتْ على خلاف الدَّليل الذي وضعهُ لها صانعُها .
لا سبيل إذًا لصلاح المجتمعات إلاَّ باتِّباع منهج اللَّه , وهو الإسلام , دين كلِّ الأنبياء . وهذا ما سنحاول تفصيله في هذه الأجزاء , بالأدلَّة العلميَّة والمنطقيَّة .
عامر أبو سميّة
كلمة سواء
16.01.2011, 13:45
لماذا تحوَّلا من المسيحيَّة إلى الإسلام ؟!
اسمحي لي , سيِّدتي الكريمة , سيِّدي الكريم , أن أبدأ هذا الجزء بقصَّتيْن واقعيَّتَيْن :
القصّة الأولى في إسلام السّيّد Gary Miller ، وكان من كبار الدُّعاة إلى المسيحيَّة في الكندَا . وفي أحد الأيَّام , أراد أن يقرأ القرآن الكريم عَلَّهُ يَجِدَ فيه بعض الأخطاء التي تُعزِّزُ موقفه عند دَعْوَته المسلمينَ إلى الدُّخول في المسيحيَّة . كان يَتوَقَّع أن يَجِدَ القرآنَ الذي أُنزِلَ منذ حوالي أربعة عشر قرنًا , كتابًا بدائيًّا يتحدَّثُ عن القبائل والصَّحراء وما إلى ذلك . لكنَّه ذهِلَ عندما وجدَ فيه معلومات كثيرة لا تُوجد في أيِّ كتاب آخر ! وكان يتوقَّع أن يَجِدَ فيه ذِكْرًا لِبَعض الأحداث العصيبة التي مَرَّ بها النَّبيُّ محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , مثل وفاة زوجته خديجة رضي اللَّه عنها في الوقت الذي كان في أشدّ الحاجة إليها , ومثل وفاة أغلب أطفاله في حياته : القاسم وعبد اللَّه وإبراهيم ورُقَيَّة وأمّ كلثوم , ولكنَّه لَم يَجِدْ شَيْئًا من ذلك .
واحتار عندما وجدَ سورةً كاملة في القرآن تُسمَّى سورة مريم , فيها تشريفٌ لها عليها السَّلام , لا يوجَدُ له مثيلٌ في كُتُب النَّصارى ولا في أناجيلهم ! وفي المقابل , لَم يَجد سورة واحدة باسم عائشة رضي اللَّه عنها , زوجة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , ولا باسم ابنته فاطمة رضي اللَّه عنها . واحتار أكثر عندما وجد اسمَ النَّبيِّ عيسى عليه السَّلام ذُكِر خمسًا وعشرين مرَّة في القرآن , بينما لَم يُذكَرْ فيه اسم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلاَّ أربع مرَّات فقط .
وأخذ يقرأ القرآن بِتَمَعُّن أكثر علَّه يَجِدُ مَأخَذًا عليه , فاسْتَوقَفَتْهُ آية عجيبة , هي قول اللَّه تعالى : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا 82 } (4- النّساء 82) .
يقول Gary : لا يُوجَد أيُّ كاتب في العالم يكتبُ كتابًا ثمَّ يقول : هذا الكتابُ خالٍ من الأخطاء . بينما اللَّهُ تعالى تحدَّى كلَّ النَّاس أن يَجدُوا أخطاء في القرآن , وأعلنَ أنَّهم لن يَجِدُوا .
ومن بين الآيات التي توقَّف عندها Gary أيضًا , قول اللَّه تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ 30 } (21- الأنبياء 30) .
يقول Gary : إنَّ هذه الآية هي بالضَّبط موضوع البحث العلمي الذي حصلَ على جائزة نوبل سنة 1973 م ! كان الموضوع عن نظريَّة الانفجار الكبير , والتي مُلَخَّصُها أنَّ الكون كان كُتْلَة واحدة ثمَّ انْفَجر , وتكوَّنتْ مِن هذا الانفجار الكواكبُ والنُّجوم . والآية تَنُصُّ فعلاً أنَّ الكون , بِمَا فيه من سماوات وأرض وكواكب , كان رتقًا , أي مُتماسِكًا , أي كُتْلَة واحدة , ثمَّ تفتَّق , أي تَفَكَّك !
توقّف Gary أيضًا عند قول اللَّه تعالى : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ 210 وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ 211 إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ 212 } (26- الشّعراء 210-212) , وقول اللَّه تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 98 } (16- النّحل 98) .
يقول Gary مُعلِّقًا على هذه الآيات : إذا كان القرآنُ قد تَنزَّلتْ به الشَّياطينُ على محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كما ادَّعى بعضُ الكفَّار سابقًا وكما يدَّعي اليومَ بعضُ النَّاس من الدّيانات الأخرى , فهل من المعقول أن تُوحِي الشَّياطينُ بكتابٍ إلى محمَّد وتقول له أن يكتبَ فيه : وما تَنزَّلتْ به الشَّياطين , وما يَنْبَغي لهم , وما يَسْتَطيعُون ؟! بل أغرب من ذلك : تطلبُ منه أن يَتعوَّذ باللَّه منها قبل أن يقرأ هذا الكتاب , وتصف نفسها بأنَّها ملعونة !
وتوقَّف Gary أيضًا عند قول اللَّه تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ 2 سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ 3 وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ 4 فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ 5 } (111- المسد 1-5) .
يقول Gary : أبو لَهَب المذكور في هذه السُّورة كان يكرهُ الإسلام كُرهًا شديدًا , إلى دَرجَة أنَّه كان يَتْبعُ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أَيْنَمَا ذَهَب لِيُشَكِّكَ في كلامه . فكان إذا رآهُ تكلَّم إلى أُناسٍ غُرَباء , يَنتظرُهُ حتَّى يَنتهي من ذلك , ثمَّ يذهبُ إليهم ويسألُهم : ماذا قالَ لكُم مُحَمَّد ؟ إن قالَ لكُم أبيض , فهو أسْوَد , وإن قالَ لكُم لَيْلٌ , فهو نَهار !
وقبل عشر سنوات من وفاة أبي لَهب , نزلتْ هذه السُّورة لِتُعلِنَ لكلِّ النَّاس أنَّ أبا لَهب سيكونُ من أهل النَّار , أي أنَّه لَنْ يُسْلِمَ أبدًا ! وسمعَ كُفَّارُ قُريش هذا التَّحدِّي , وسَمعَه أيضًا أبو لهب . وخلال عشر سَنوات كاملة , كانت الفُرصة سانِحَة أمام هذا الرَّجل لكي يُبطلَ هذا التَّحدِّي , بأن يَقف أمام النَّاس ويقول : محمَّدٌ يَدَّعي أنَّني لَنْ أسْلِمَ أبدًا وسأدخلُ النَّار , ولكنَّني أعلنُ الآن أنَّني أريدُ أن أدخُل في الإسلام ! فما رأيُكُم ؟ أليس محمَّدٌ كاذبًا في ما ادَّعاه من أنَّني لن أسلم ؟!
لكنَّ أبا لَهَب لَمْ يَفعلْ ذلك ! وخلال عشر سنوات كان بإمكانه أن يُسلِم , أو أن يتظاهر بالإسلام , ولكنَّه لَمْ يَفْعَلْ , وماتَ كافرًا كما أعلنَ القرآن ! فأن يَضعَ محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هذا التَّحدِّي , ليس له إذًا إلاَّ مَعْنى واحِد , وهو أنَّ القرآنَ وحيٌ من عند اللَّه الذي يعلَمُ الغيب , ويعلمُ أنَّ أبا لَهب لَنْ يُسلِم .
ومن بين الأمور التي أدهشتْ Gary أيضًا : أسلوب القرآن في سَرْد الأحداث الغيبيَّة . فهو يَسْرد الحدَث , ثمَّ يُعقِّبُ عليه قائلاً : لَم تكن تَعلمه من قبل .
مثال ذلك : يقول اللَّه تعالى في قصَّة مريم عليها السَّلام : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ 44 } (3- آل عمران 44) . ويقول تعالى في قصَّة النَّبيّ نوح عليه السَّلام : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ 49 } (11- هود 49) . ويقول تعالى في قصَّة النَّبيّ يوسف عليه السَّلام : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ 102 } (12- يوسف 102) .
يقول Gary : لا يُوجَد كتابٌ مِمَّا يُسَمَّى بالكُتب المقَدَّسة , يتكلَّم بهذا الأسلوب . فالأناجيل المحرَّفة الموجودة لَدى النَّصارى مثلاً , عندما تسردُ قصص القُدامَى تقول : الملِكُ فلان عاش هنا , والقائد فلان خاضَ المعركة الفلانيَّة هناك , وفُلان كان له عدد كذا من الأبناء , أسماءهم فلان وفلان , إلخ . بينما القرآنُ يَسردُ المعلومة , ثمَّ يقول لك : إنَّها معلومة جديدة , بل ويطلبُ منك أن تتأكَّد من صِحَّتها إن كنتَ في شَكٍّ من ذلك ! وقد كان قومُ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يسمعون هذا التَّحدِّي وقتَ نزوله , ولَم يَحدثْ أبدًا أن قالُوا أنَّهم يَعرفون هذه المعلومات أو أنَّهم يعرفُون مصدرها .
هذه إذًا بعض التَّأمُّلات في القرآن الكريم , والتي دَعت السَّيِّد Gary إلى التَّحوُّل من المسيحيَّة إلى الإسلام , فالحمدُ للَّه ربّ العالمين أن شرح صدرهُ لهذا الدّين العظيم . (نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد القصّة , عن موقع طريق الإسلام www.islamway.com (http://www.islamway.com/)) .
القصّة الثَّانية في إسلام السَّيِّدة Mary Watson , وكانت من كبار الدُّعاة إلى المسيحيّة في الفيلبِّين .
تقول Mary : أحمد اللَّه على نعمة الإسلام . وُلِدْتُ بأمريكا , وعشتُ مُعظَم شبابي بين لوس أنجلوس والفيلبِّين . لَدَيَّ سبعة أطفال , بنين وبنات , مِن زوج فيلبِّيني . بعد إسلامي والحمد للَّه , تسمَّيتُ بخديجة . وقد اخترتُ هذا الاسمَ لأنَّ السَّيِّدة خديجة رضي اللَّه عنها كانت أرملَة , وكذلك أنا أرملَة , وكان لديها أولاد , وأنا كذلك , وكان عُمرها أربعين سنة عندما تزوَّجت من النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وآمنتْ به , وكذلك أنا كنتُ في الأربعينات عندما اعتنقتُ الإسلام . كما أنَّني مُعجَبَةٌ جدًّا بشَخصِيَّتها , لأنّها عندما نزلَ الوحْيُ على محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , آزرَتْهُ وشجَّعَتْهُ دون تردُّد .
كنتُ لاهوتيَّة , وأستاذة محاضرة , وراهبة , ومُنَصِّرة , وعملتُ في محطَّة إذاعيَّة في الوَعْظ المسيحي , وكنتُ ضيفةً على برامج تلفزيونيَّة , وكتبتُ مقالات ضدَّ الإسلام قبل توبتي , أسألُ اللَّهَ أن يغفر لي , فقد كنتُ مُتعصِّبة جدًّا للمسيحيَّة .
نقطةُ التَّحوُّل بدأَتْ عندما كنتُ مرَّةً مدعوَّة لإلقاء بعض المحاضرات في الفيلبِّين في إطار الحملات التَّنصيريَّة , فاسترعَى انتباهي وجود مُحاضِر فيلبِّيني جاء من إحدى الدُّول العربيَّة . لاحظتُ عليه أمورًا غريبة , فألححتُ عليه بالسُّؤال حتَّى عرفتُ أنَّه أسلمَ هناك , ولا أحد يعرفُ بإسلامه .
عند ذلك راودَتْني أسئلة كثيرة : لماذا استبدل دينَه بالإسلام ؟! وما الذي وجدهُ في هذا الدِّين الجديد ؟! فتذكَّرتُ صديقةً لي فيلبِّينيَّة كانتْ تعمَلُ في السّعوديَّة وأسْلَمَتْ , فذهبتُ إليها وبدأتُ أسألُها عن وضعيَّة المرأة في الإسلام , لأنَّني كنتُ أعتقد أنَّ المرأة المسلمة مُضْطَهَدة , وأنَّها تتعرَّض للضَّرب من طرف زوجها , وأنّها تختبئُ في منزلها ولا تخرجُ منه أبدًا ! ارتحتُ كثيرًا لإجاباتها , فسألتُها عن اللَّه عزَّ وجلّ , وعن النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . ثمَّ عرضَتْ عليَّ أن أذهبَ إلى المركز الإسلامي , فتردَّدتُ , ثمَّ ابتهلْتُ إلى " الرَّبِّ " أن يَهديني , ثمَّ ذهبت إلى المركز . فاندهشُوا جدًّا من معلوماتي الغزيرة عن المسيحيَّة , ومعتقَداتي الخاطئة عن الإسلام ! فصحَّحوا لي هذه الأخطاء , وأعطَوْني بعض الكُتيِّبات . فحمَلْتُها معي , وأخذتُ أقرأ فيها كلَّ يوم , وأتحدَّثُ معهم بالهاتف . وكانت هذه أوَّل مرَّة أقرأ فيها كُتبًا كَتبها مُسلِمُون , فاكتشفتُ أنَّ الكُتبَ التي كنتُ قرأتُها لِكُتَّاب نَصارى , كانت مملوءة بالمغالطات عن الإسلام والمسلمين !
بعد أسبوع واحد , عرفتُ أنَّ الإسلام هو الدِّينُ الحقُّ , وأنَّ اللَّهَ إلهٌ واحدٌ لا شريك له , وأنَّه هو الذي يغفرُ الذُّنوبَ والخطايا , وهو الذي يُنقِذُنا من عذاب الآخرة . ولكنَّني لَم أُسلِمْ وَقْتها , لأنَّ الشَّيطان كان يَزرعُ في نفسي الشُّكُوك والمخاوف . فكثَّف لي المركزُ الإسلامي مِن المحاضرات , وابتهلتُ إلى اللَّه أن يهديني إلى الدِّين الحقِّ .
وذاتَ ليلَة , كنتُ مُستلقِيَةً على فراشي , لَمْ أنَم بعدُ , فشعرتُ بشيء غريب يستقرُّ في قلبي . فاعتدلتُ بسُرعة , وقلتُ : يا ربّ , أنا مؤمنة بك وحدك , ثمَّ نطقتُ بالشَّهادتَيْن , وشعرتُ بعدها باطمئنان وراحة يعُمَّان كلَّ بَدَني . فالحمدُ للَّه على نعمة الإسلام , ولَمْ أندمْ أبدًا على ذلك اليوم الذي يُعتَبرُ يوم ميلادي .
بعد إسلامي , أصبحتُ أعملُ بالمركز الإسلامي بالفيلبِّين , فكنتُ أُحْضِرُ للبيت بعضَ الكُتَيِّبات والمجلاَّت الإسلاميَّة , وأضعُها مُتعمِّدة على الطَّاولة , عسَى اللَّهُ أن يَهدي ابني Christopher إلى الإسلام , إذ أنَّه الوحيد الذي يعيش معي . فبدأَ بالفعْل , هو وصديقه , يَقْرآنها ثمّ يَتْركانها كما هي تمامًا . وكان لَدَيَّ مُنَبِّه أذان , فكان يستمعُ إليه وأنا بالخارج . ثمَّ أخبرني بعد ذلكَ برغبته في الدُّخول في الإسلام , ففرحتُ جدًّا وشجَّعتُه , وجاء بعضُ الأخوة من المركز الإسلامي لِلحديث معه , وعلى إثْر ذلك نطقَ بالشَّهادتَيْن , وسَمَّى نفسَهُ عُمر . هو ابني الوحيد الذي اعتنقَ الإسلام , وأدعُو اللّهَ أن يَهدي البقيَّة . (نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد القصّة , عن موقع اللّجنة العالميّة لنصرة خاتم الأنبياء www.icsfp.com (http://www.icsfp.com/)) .
كلمة سواء
16.01.2011, 13:45
هذا الكون .. حقًّا , ما أوسعه !
نعم , هذا ما وصلتْ إليه آخرُ الأبحاث العلميَّة . فالأرضُ التي نعيش فوقها تُمثِّل قطرة ماء في محيط عظيم , أو حبَّة رمل في صحراء شاسعة ! وقبل أن نغوص في أسرار هذا الكون الفسيح , لا بُدَّ لنا أن نختار وحدةً لقياس مسافاته الهائلة . في ظنِّك , ما هي هذه الوحدة ؟ هل هي الكيلومتر ؟ الألف كيلومتر ؟ المليون كيلومتر ؟
أبدًا ! إنَّ المسافات بين النُّجوم لا يكفي لقياسها حتَّى المليون كيلومتر , بل لا بُدَّ من مليون المليون ! ذلك أنَّ أقرب نجمٍ إلينا بعد الشَّمس , وهو ما يُسمَّى بالفرنسيَّة Proxima Centauri والذي ينتمي إلى النِّظام المتعدِّد النُّجوم Alpha du Centaure , يَبعدُ عنّا حوالي 41 ألف مليار كيلومتر !!
نعم , هذا أقرب نجم ! فَما بالُك ببقيَّة النُّجوم ؟! لذلك , اتّجهَ العلماء في حساب المسافات الفلكيّة إلى استعمال سُرعة الضّوء التي تبلغ 300 ألف كلم في الثَّانية . لكنّ هذا الرَّقم , على كِبَره , غير كافٍ أيضًا ! فوقع الاتِّفاقُ إذًا على السَّنة الضَّوئيَّة , وهي المسافة التي يقطعُها الضَّوءُ في سَنة من الزَّمن , كَوحْدة للقياس .
السَّنة الضَّوئيّة = 9.5 ألف مليار كيلومتر .
وعلى هذا , فَعِوَضًا أن نقول أنَّ المسافة التي تَفصلُنا عن النَّجم Proxima Centauri هي 41 ألف مليار كلم , نقول أنَّها تساوي حوالي 4.3 سَنة ضوئيَّة , أي أنَّ هذا النَّجم يبعد عنَّا مسيرة 4.3 سَنة بسرعة الضَّوء , أي أنَّه لو أرسلَ إلينا شُعاعًا من نُوره لَوَصل إلينا هذا الشُّعاع بعد 4 سنوات وثلاثة أشهر ونصف تقريبًا !
أين تقع أرضنا في هذا الكون الفسيح ؟
الأرضُ هي كوكب ينتمي إلى المجموعة الشَّمسيَّة , وهذه المجموعة تتكوَّن من :
- الشّمس , طبعًا , وهي نجم , وهي المركز الذي تدور حوله الكواكبُ والأقمار التَّابعة لها .
- ثمَّ تِسْع كواكب , وهي , ابتداء من أقربها إلى الشَّمس : عُطارد Mercure , ثمَّ الزّهرة Vénus , ثمَّ الأرض Terre , ثمَّ المرِّيخ Mars , ثمَّ المشتري Jupiter , ثمَّ زُحل Saturne , ثمَّ أورانس Uranus (اكتُشف سنة 1781 م) , ثمَّ نبتيون Neptune (اكتُشف سنة 1846 م) , ثمَّ بلوتو Pluton (اكتُشف سنة 1930 م) .
وتنتمي المجموعة الشَّمسيَّة إلى مجموعة أخرى أكبر منها بكثير تسمَّى مَجَرَّة دَرْب التّبَّانة (Voie Lactée) , ويُسمِّيها البعضُ مَجَرَّة طريق اللَّبن , وهي تضمُّ حوالي 100 مليار نجم !
ويبلغ طولُ هذه المجرَّة حوالي 100 ألف سنة ضوئيَّة , وارتفاعها حوالي 10 آلاف سنة ضوئيَّة ! وتقع المجموعة الشَّمسيَّة , بما فيها الأرض , على بُعد 30 ألف سنة ضوئيَّة من مركز هذه المجرَّة , وعلى بُعد 20 ألف سنة ضوئيَّة من أقرب طَرف لها , وحوالي في وسط ارتفاعها !
لا شكَّ سيِّدي الكريم أنَّك مندهش لهذه الأرقام التي لا يستطيع العقلُ البشري أن يَستَوْعبها لِضَخامتها ! ولكنَّها حقائق , أكَّدها علماء الفلك في مختلف بلدان العالم .
وسوف تزداد دهشتك إذا علمتَ أنَّ مجرَّتنا , درب التّبَّانة , ليست هي كلّ الكون ! أبدًا , فالجزءُ مِن الكون الذي تَوصَّل العلماءُ اليوم إلى اكتشافه بواسطة مَراصدهم العملاقة , يحتوي على حوالي 100 مليون مجرَّة ! ولكن بَقِيَ جزءٌ أكبر لم تطُلْهُ أعيُنُ المراصد , ومِن المحتمل أنَّه يحتوي أيضًا على عدد أكبر من المجرَّات !
والمدهش أكثر أنَّ المسافة بين هذه المجرَّات تُقدَّر بملايين السِّنين الضَّوئيَّة ! وهذا يعني أنَّ الكون , بالرَّغم من احتوائه على مليارات المليارات من النُّجوم , إلاَّ أنَّه فارغٌ بأتمِّ معنى الكلمة ! وأنتَ عندما تَستلقي على ظهرك تتأمَّلُ السَّماء , في ليلةٍ ظلماء لا يَشوبُها سحاب , تُشاهد حشدًا هائلا من النُّجوم , فتظنُّ أنَّ الكون مُزدحم . لكنَّ الحقيقة أنّك لو ركبتَ مثلا مركبةً فضائيَّة لِتَنْقُلَكَ من نجم لآخر , لَبقيَتْ تسير بك ملايين السِّنين في فراغ مُوحش وسواد شديد , لا يعترضُكَ فيه أيُّ شيء حتَّى تصل إلى النَّجم المقْصُود !
فهل عرفتَ الآن سيِّدي الفاضل كم هو فسيح جدًّا هذا الكون , وكم هي صغيرةٌ جدًّا جدًّا جدًّا .. هذه الأرض التي نعيشُ فوقَها ؟!
يتبع بإذن الله
كلمة سواء
16.01.2011, 13:50
الكلُّ يجري بسرعات خياليَّة !
إذا كنتَ سيِّدي أُصبتَ بالدَّهشة والذُّهول مِن سعة هذا الكون وكثرة كواكبه ونجومه , فلتعلَمْ أيضًا أنَّ كلّ ما فيه يَجري ويَدور !
إليك هذه الأرقام التي وصلَ إليها علماءُ الفلَك :
تدور الأرضُ حول محورها مرَّةً كلَّ 23 ساعة و56 دقيقة و4.1 ثانية , وذلك بسُرعةٍ تزيد قليلاً عن 1600 كلم في السَّاعة بالنِّسبة لِنُقطةٍ عند خطِّ الاستواء . نعم , إنَّ الأرض تدور بنا بهذه السُّرعة المجنونة , ونحن لا نشعر بِدَوَرانِها على الإطلاق !
وليس هذا فقط , فهي في نفس الوقت تدورُ , ومعها القمر , حول الشَّمس في مَدار إهليلي مرَّةً كلَّ 365 يومًا وربع اليوم , بسرعة 105 ألف كلم في السَّاعة , ونحنُ لا نشعُرُ أيضًا بأيِّ شيء ! في حين أنَّنا لو ركِبْنَا مثلاً سيَّارةً تجري بنَا بسرعة 300 كلم في السَّاعة , لَأصابَنا الدُّوار , ولَكادَ قلبُنا أن يَسقط من الخوف . فكيف يكون حالُنا لو أنَّنا كنَّا نُحسُّ فعلا بحركة الأرض , وهي تدور بنا حول نفسها بأكثر من خمسة أضعاف سرعة هذه السَّيَّارة , وفي نفس الوقت تجري بنا حول الشّمس بأكثر من ثلاثمائة ضعف هذه السُّرعة ؟!
وتدور الشَّمسُ حول مركز مجرَّة درب التّبَّانة بسرعة 69500 كلم في السّاعة , بالنّسبة لِمَا حولها من النُّجوم , حاملةً معها الأرض وبقيَّة المجموعة الشَّمسيَّة !
وتدور مجرَّة درب التّبَّانة في مدار حلزوني حول مركزها الهندسي بسرعة 972 ألف كلم في السَّاعة , حاملةً معها الأرض والشَّمس وبقيَّة نجوم المجرَّة !
شيء أقرب للخيال منه للواقع , ومع ذلك فهو واقع , أكَّدَتْهُ الدِّراساتُ الفلكيَّة في مختلف البلدان .
وهنا , اسمحْ لي أن أسألكَ سيِّدي الكريم : هل يَقبَلُ عقلُكَ أنَّ هذا الكون الفسيح , بِما فيه من مليارات الكواكب والنُّجوم والمجرَّات , وبِما فيه من بَشَر ودوابّ , وُجِدَ عن طريق الصُّدفة , وكُلُّ ما فيه يَتحرَّكُ بالصُّدفة ؟!
أليس الأقرب إلى المنطق أن يكون وراء وُجُوده وحركَته صانعٌ أو خالق , على أكمل قَدْر من العظمة والقُدرة ؟
كلمة سواء
16.01.2011, 13:50
الكون في اتّساع مستمرّ !
في بداية القرن العشرين , كانت نتائج بحوث علماء الفلك تُشير إلى أنَّ أكثر المجرَّات تتباعد عن مجرَّتنا درب التّبَّانة . ولكن لم يتمَّ التَّأكُّد من ذلك إلاَّ سنة 1929 م , عندما تمكَّن عالم الفلك الأمريكي Edwin Hubble من إثبات أنَّ كلَّ المجرَّات تتباعد عن بعضها البعض , وأنَّ الكون في اتِّساعٍ دائم ! ووضعَ هذا العالِمُ قاعدةً لحساب سرعة تباعد المجرَّات .
وهذا الاكتشاف يدعُونا لِأَن نقف للمرَّة الأولى مع القرآن الكريم , الكتاب المقدَّس للمسلمين , المنزَّل من اللَّه تعالى على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , عن طريق الملَك جبريل عليه السَّلام , لأنَّ فيه إشارة إلى هذا الموضوع . يقول اللّه تعالى : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ 47 } (51- الذّاريات 47) . ففي هذه الآية أعلنَ اللَّهُ تعالى أنَّه هو الذي بَنَى السَّماء , ثمَّ أضاف قائلاً : { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } . فهل جاءت هذه الجملةُ اعتباطًا ؟http://hurras.org/vb/images/smilies/x020.gif
مستحيل ! فكلُّ مَنْ يبحثُ في القرآن يعرف أنَّ كلَّ كلمة فيه لها معناها الدَّقيق , ولو أُبدِلَتْ بغيرها لَضاع المعنى الصَّحيح للآية .
لعلَّ اللَّهَ إذًا أراد فعلاً الإِشارة إلى الحقيقة التي تَوصَّل إليها العلماء حديثًا , مِن أنَّ الكون يتَّسع ويتَّسع , دون توقُّف !
كلمة سواء
16.01.2011, 13:51
لماذا أقسم اللَّهُ تعالى بمواقع النُّجوم ؟
يقول علماءُ الفلك أنَّ كلَّ النُّجوم تجري في السَّماء دون توقُّف ! فهي تدور باستمرار حول مركز المجرَّة التي تنتمي إليها , وفي نفس الوقت تجري مع هذه المجرَّة , مبتعدة بذلك عن نجوم وكواكب المجرَّات الأخرى . ونظرًا إلى أنَّ المسافات بين الأرض التي نعيش فوقها والنُّجوم التي نراها في السَّماء تُقدَّر بآلاف السِّنين الضَّوئيَّة (أي ملايين المليارات من الكيلومترات) , فإنَّ الذي نراه نجمًا في السَّماء هو في الحقيقة ضوء ذلك النَّجم الذي بَدأ سفَرهُ إلينا من ذلك المكان منذ آلاف السِّنين !
نعم , فالنَّجم الذي يبعد عنَّا مثلاً ألف سنة ضوئيَّة , ونراه الآن في السَّماء , نحن نرى في الحقيقة ضوءَه الذي أرسلَه إلينا منذ ألف سنة من ذلك الموقع , فلم يصلْنا إلاَّ الآن فقط ! أمَّا النَّجم نفسُه , فقد انتقل منذ ذلك الزَّمن إلى موقع آخر , ثمَّ إلى مواقع أخرى , بسبب جريانه المستمِرّ !
وهنا , أجدُ من الضَّروري أن نقف وقفة أخرى مع القرآن الكريم , لأنَّ فيه إشارة إلى هذه الحقيقة ! يقول اللَّه تعالى : { فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ 75 وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ 76 إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ 77 فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ 78 لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ 79 تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ 80 } (56- الواقعة 75-80) .
فلو أقسَمَ اللَّهُ تعالى في الآية 75 بالنُّجوم , لَكان القسَمُ عاديًّا . لكنَّه أقسَمَ بِمَواقعها , رُبَّما لِيَلْفِتَ انتباهنا إلى أنَّ النُّجوم تجري في الفضاء , وأنَّ ما نراه في السَّماء نجمًا , هو في الحقيقة مَوْقعه .http://hurras.org/vb/images/smilies/ramadhan05.gif
وإذا كان هذا الاستنتاجُ صحيحًا , فإنَّ بقيَّة الآيات , التي أعلنتْ أنَّ القرآن الكريم تنزيلٌ من ربِّ العالَمين , لا بُدَّ أن تكون صحيحة أيضًا . هذا ما يقوله المنطق ! أم أنَّ لك رأيًا آخر ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:51
ولكن , كيف بدأ هذا الكون ؟
يقول علماءُ الفلك أنَّ الكون , بكلِّ ما فيه من نجوم وكواكب وغيرها , كان قبل حوالي 13 مليار سنة خليطًا من جُسَيْمات أوَّليَّة وإشعاعات , أي كان خليطًا من مادَّة وطاقة منضغطة في حَيِّز صغير . وكان هذا الخليط شديد الكثافة , وعالي الطَّاقة جدًّا , تزيد درجة حرارته على 100 مليار درجة !
ثمَّ انفجر هذا الخليط انفجارًا عظيمًا , يسمِّيه علماء الفلك Big Bang , وتفرَّقت أجزاءُه مبتعدة عن بعضها البعض . ثمَّ , وبعد ملايين السِّنين , تحوَّلت هذه الأجزاء إلى دخان .
وتُنسَب هذه النَّظريَّة إلى عالم الفيزياء النَّوويَّة , الأمريكي George Gamow , الذي نشرها سنة 1948 م , واعتمد في التَّدليل عليها على ظاهرة تباعد المجرَّات عن بعضها البعض , مِمَّا يُؤكِّد حدوث الانفجار . وقد شاهد علماء الفلك فعلاً سنة 1965 م صورة دخان , كأثَرٍ للانفجار العظيم , أتتْهُم من بُعْد أكثر من 10 مليار سنة ضوئيَّة (أي أنَّ هذه الصُّورة حدثتْ منذ أكثر من 10 مليار سنة) !
هكذا إذًا بدأ الكون : خليطٌ من مادَّة وطاقة انفجر انفجارًا عظيمًا , ثمَّ نشأ دخانٌ من هذا الانفجار , ثمَّ تكوَّنت النُّجومُ والكواكب والأقمار من هذا الدُّخان .
وهنا , اسمحي لي يا ابنتي الفاضلة أن أتوقَّف عند آيتين في القرآن الكريم , ربَّما فيهما إشارة إلى هذه الحقائق !
الآية الأولى ذكَرتْ أنَّ السَّماء , بما فيها من نجوم وأجرام أخرى , كانت دُخانًا قبل أن تُصبح على الصُّورة التي هي عليها اليوم ! يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن ذاته العليَّة : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ 11 } (41- فصّلت 11) .
وقد سُئل الأستاذ الياباني Yoshide Kozai , وكان مديرًا لِمَرصد ميتاكا بطوكيو , عن كيفيَّة بداية هذا الكون , فقال : لقد أصبح اليومَ واضحًا أنَّ كلَّ هذا الكون نشأ من دخان . فقيل له : ولكنَّ بعض العلماء يستعملون كلمة ضباب . فأجاب بأنَّ هذه التّسمية لا تصحُّ , وأنَّ الوصفَ الأكثر دقَّة هو دخان , لأنَّ الضَّباب بارد بينما الدُّخان الكوني يُخفي حرارة عالية .
فإذا كان محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قد أتى بالقرآن من عنده , فكيف علم أنَّ السَّماء كانت دخانًا ؟!
الآية الثَّانية فيها إشارة إلى أنَّ السَّماوات والأرض نشَأتَا من مصدر واحد ! يقول اللَّه تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ 30 } (21- الأنبياء 30) . والرَّتقُ في اللُّغة : ضدّ الفَتْق . وبالتَّالي , فإنَّ هذه الآية تُشير إلى أنَّ السَّماوات والأرض كانتا مُلْتصقَتَين , ثمّ انفصلتَا بأمْر خالقهما . وقد أكَّد العلماء فعلاً أنَّ السَّماوات والأرض نشأتَا من خليط واحد .
وقد عُرضت هذه الآية على الأستاذ الأمريكي Alfred Kroner , أحد علَماء الجيولوجيا البارزين وأستاذ ورئيس سابق لقسم الجيولوجيا في جامعة ألمانيَّة , فقال : إنَّ رجلاً جاء منذ حوالي 1400 سنة , لا يعرف شيئًا عن الفيزياء النَّوويَّة , لا يستطيع في نظري أن يكتشف ولو بعقله ومنطقه فقط أنَّ السّماوات والأرض خُلِقتَا من مصدر واحد **.
ثمَّ عُرضت عليه آيات قرآنيّة أخرى عن تكوين الأرض , فقال : إنِّي مندهشٌ جدًّا لِوُجود هذه الحقائق العلميَّة في القرآن !
من أين جاءت المادَّة الأولى ؟
إذا كان كلُّ الكون انبثق عن خليط من جُسَيْمات أوَّليَّة وإشعاعات , فكيف جاء هذا الخليط الأوَّل ؟
جوابُ العلماء : لا أحد يدري !
جوابُ بعض النّاس من غير العلماء : جاء عن طريق الصُّدفة ! وطبعا هذه الإجابة لا يقبلُها العقلُ ولا المنطق .
لكنّ القرآن له جوابٌ واضح عن هذا السُّؤال . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 40 } (16- النّحل 40) . ويقول تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ 73 } (6- الأنعام 73) . ويقول تعالى : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ 81 إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 82 فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 83 } (36- يس 81-83) .
فالمادّة الأولى للكون , خلَقها اللَّهُ تعالى الذي يقول للشَّيء كُن فيكون . نعم , فالذي قَدَر على خَلْق هذا الكون بكلِّ ما فيه , له أيضًا القدرة على أن يخلق الشَّيءَ مِنْ لا شيء !
أليس هذا التَّفسير هو الأقرب للمنطق ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:51
ماذا لو سقطت السَّماء على الأرض ؟!
اطمئنِّي سيِّدتي ! فلن يحدث هذا الأمر طالَما لم تَحِنْ نهايةُ العالَم . إنَّ الذي خلَق هذا الكونَ سَنَّ فيه قوانينَ دقيقة , تكفي وحدها للتَّدليل على وجود هذا الخالق وعلى عظمته المطلقة !
من بين هذه القوانين : قانون الجاذبيَّة الذي اكتشفه وصاغَه عالِمُ الرِّياضيَّات والفيزياء الإنجليزي Isaac Newton . وقصّة هذا العالم مشهورة , وهي أنَّه كان يومًا مستلقيًا تحت شجرة تفّاح , فسقطت تفَّاحة على الأرض , فتساءل في نفسه : لماذا نزلت التُّفَّاحة إلى الأسفل ولم تصعد إلى فوق ؟ ثمَّ قام ببحوث واكتشف قانون الجاذبيَّة .
وقد استنتج الكثير من النَّاس من هذه القصَّة أنَّ الجاذبيَّة هي من خاصِّيَّات الأرض فقط . لكنَّ الحقيقة هي غير ذلك , فكلُّ الأجرام السَّماويَّة لها جاذبيَّة , وكلُّها تتجاذب فيما بينها , غير أنّ هذه الجاذبيّة تختلف قوَّتُها من جِرْم لآخر .
ولم يكن Newton لِيَستطيع أن يَصوغ قانون الجاذبيَّة بسهولة ودقَّة , لو اقتصر في حساباته على الأرض فقط . لذلك اعتمد في بحوثه على ما وصل إليه مَن سَبقه من علماء الفلك , مثل الألماني Johannes Kepler الذي صاغ القوانين التي تحكُم دوران الكواكب حول الشَّمس . وبذلك تَوَصَّل Newton إلى اكتشاف قانون الجاذبيّة الشّامل الذي نشره في كتابه Philosophiae Naturalis Principia Mathematica سنة 1687 م .
وهنا لا بُدَّ من ملاحظة شيء هامّ : وهو أنَّ علماء الفلك قد اكتشفوا منذ بداية القرن السَّادس عشر أنَّ النُّجوم والكواكب في السَّماء , بالرَّغم من عددها الذي لا يُحصى , وبالرَّغم من المسافات الخياليَّة التي تفصل بينها , إلاَّ أنَّها في الأخير تخضع كلُّها لِقَوانين وسُنَن واحدة !
وهذا ما ساعدَهم في الوصول ببحوثهم إلى ما وصلوا إليه اليوم . وأصبح عالِمُ الفلك في عصرنا هذا يحسِبُ حركةَ الأجرام السَّماويَّة على الوَرق , بناءً على القوانين التي وقعَتْ صياغتها , ثمَّ يَطلُعُ علينا ليقول أنّه بعد ثلاثين سنة مثلاً , في يوم كذا , على السّاعة كذا , سيحدث كسوفٌ للشَّمس . وتَمُرُّ السِّنين , ويأتي اليوم الموعود , ويحدث الكسوف فعلاً ! فيكون ذلك دليلاً قاطعًا على صحَّة القوانين التي اعتمدها في حساباته .
وقد ذكَر الدّكتور أحمد زكي في كتابه القيّم : مع اللَّه في السَّماء , قصَّة طريفة في هذا المجال , مُلَخَّصها أنَّه سنة 1781 م , بينما الفلكي الإنجليزي William Herschel يَرصد جانبًا من السَّماء بمرصده , إذ به يكتشف كوكبًا جديدًا في المجموعة الشَّمسيَّة , فأسماه العلماء أورانس Uranus . وحسبُوا حركتَه ومدارَه معتمدين على قوانين الحركة والجاذبيَّة , ولكنَّهم حارُوا في أمرهم : إنَّ مَداره المرصود بالعين ليس كمداره المحسوب على الورق ! فأعادُوا حساباتهم بالاعتماد على قوَّة جاذبيَّة الشَّمس وقوَّة جاذبيَّة الكواكب الأخرى لهذا الكوكب الجديد . غير أنَّ المدار الواقعي والمدار المحسوب لم يتطابقَا .
وهنا , بما أنَّ قوانينَهم صحيحة , افترض عالم الفلك الفرنسي Urbain Le Verrier أنَّه لا بُدَّ أن تكون هناك قوَّة جاذبيَّة أخرى آتية من كوكب آخر أَبْعد . إنَّ أحدًا لم يَرَ هذا الكوكب , ولكن كان لا بُدَّ من وجوده إذا ما صدق قانونُ الجاذبيَّة ! وما أسرع ما كشف عنه Le Verrier بالحساب سنة 1846 م . وكتب إلى العاملين بمرصد برلين يخبرهم بذلك . فوَجَّهوا مراصدهم إلى الموضع المحدَّد , ورأوا الكوكب الذي يبحثون عنه رأي العين , كشَف عنه عالم الفلك الألماني Johann Galle , وسمّوه نبتيون Neptune .
وبَقي اختلاف صغير في مدار أورانس , فافترض العلماء من جديد أنَّه لا بُدَّ أن يكون هناك كوكب آخر أبعد من نبتيون مختبئ في السَّماء ! وأطلقوا وراءه مراصدهم تبحث , وما كان أبعده , ومع هذا اكتَشفوه أخيرًا سنة 1930 م , اكتشفهُ عالم الفلك الأمريكي William Tombaugh , وأسموه بلوتو Pluton .
فهل تريدين سيِّدتي الفاضلة دليلاً أقوى من هذا على أنَّ هذا الكون , بالرَّغم من اتِّساعه الهائل , يَسير وفْق نظام واحد , سطَّره خالق واحد ؟! وهل بعد هذا مبرّرٌ للحديث عن الصُّدفة في خلق السَّماوات والأرض ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:52
لكنَّ الجاذبيَّة وحدها لا تكفي لتماسك الكون
نعم , فلو كان الكون قائمًا فقط على قانون الجاذبيَّة , لَكَانت الغَلَبةُ للأقوى , ولَجَذبت الشَّمسُ كلَّ الكواكب والأقمار التَّابعة لمجموعتها , فارتطمت بها واحترقت فيها !
لذلك , سَنَّ خالقُ هذا الكون قانونًا آخر , وهو قانون الحركة , لكي لا تصطدم الكواكبُ والنُّجوم ببعضها . ولكي تفهم هذا القانون , خُذْ سيّدي حبلاً قصيرًا , اربطْ في أحد طَرفَيْه حجرًا صغيرًا , وامسك الطَّرف الآخر بِيَدك . ارفعْ يدكَ إلى فوق , وابدأ في إدارة الحبل فوق رأسك شيئًا فشيئًا . عندما يكتسب الحجرُ سرعة معيَّنة , أوقِفْ يَدك عن الدَّوران , واترك الحجر يدور مع الحبل . ماذا تلاحظ ؟
ستلاحظ أنَّ الحبل يجذب على يدك , وكأنَّ الحجر يريد أن يهرب وينطلق بعيدًا عن الدَّائرة التي يدور فيها . لماذا ؟
لأنَّ الحجر لَمَّا أصبح يدور بسرعة معيَّنة , أكسبهُ هذا الدَّورانُ قوَّة دَفْع (أو طَرْد) , أخذت تحاول طَرْدَ الحجر بعيدًا عن مركز الدَّوران , أي بعيدًا عن يدك . غير أنَّ الحجر لا يستطيع الهروب , لأنَّ هناك قوَّة مضادَّة تمنعه من ذلك , وهي قوَّة الجذب التي تُحْدِثُها يدك .
مثال آخر : ربَّما دخلتَ في صغرك حديقة ألعاب , وجلستَ فوق حصان خشبي يدور حول مركز , ومشدود إلى هذا المركز بواسطة عصًا معدنيَّة غليظة . عندما بدأ الحصانُ في الدَّوران وازدادت السُّرعة , شعرتَ ولا شكَّ كأنَّ قوَّةً مَا تريد أن تَطْرُدك من مكانك وتقذف بك بعيدًا . ذلك أنَّ الدَّوران حول مركز يُحْدث قوَّة طَرْد , مضادَّة لقوَّة الجذب .
وهذا هو السِّرُّ الكبير في تماسك الكون . فنحن نعلم أنَّ الأرض تدُور حول الشَّمس بسرعة كبيرة جدًّا . وهذا الدَّورانُ يُكْسبها قوَّةَ طَرْد تحاول دَفْعَها خارج مدارها . غير أنَّ الشَّمس لها قوَّة جذب مُضادَّة ومُساوية لقوَّة الطَّرْد , تجذب الأرض إليها وتمنعها من الهروب .
فلَولا جاذبيّة الشّمس , لهربت الأرض وتاهت في السَّماء . ولولا دوران الأرض حول الشَّمس الذي يُكسبها قوَّة دَفْع مُضادَّة للجاذبيَّة , لَجَذَبت الشَّمسُ الأرضَ إليها فتحطَّمتْ فوقها !
وهذا هو الحال بالنِّسبة لكلِّ الأجرام السَّماويَّة , من كواكب ونجوم وأقمار وغيرها . كلٌّ منها يدور بسرعة هائلة في مدار خاصٍّ به , لا يمكن أن يحيد عنه أبدًا , لأنَّه خاضع لجاذبيَّة نجم أو كوكب آخر تمنعه من الهروب .
وهذا هو الحال أيضًا بالنِّسبة لِمَجموعتنا الشَّمسيَّة التي نعرفها أكثر . فهل سمعتَ يومًا أنَّ الأرض اصطدمت عبر تاريخ البشريَّة بكوكب عطارد مثلاً أو الزّهرة , أو أنَّ القمر سقط على الأرض ؟!
لا , فالكلُّ يسير وفق نظام دقيق .
وهنا , لا أستطيع أن أتابع قبل أن أذكر لك آيتين في القرآن الكريم , أشارتا بوضوح إلى هذه الحقائق !
يقول اللّه تعالى في الآية الأولى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 33 } (21- الأنبياء 33) . واللَّيلُ والنَّهار هنا يشيران إلى الأرض , لأنَّه لو كان المقصود بالسِّباحة الشَّمس والقمر فقط , لقال تعالى : يَسْبَحان . ولكنَّه قال : يسبحُون , أي الأرضُ والشّمسُ والقمر . ولَفْظ السّباحة يعني الانتقال من مكان لآخر . وقد ذكرْنا فعلاً أنّ كلّ الأجرام السّماويّة تجري .
ويقول تعالى في الآية الثّانية : { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 40 } (36- يس 40) . وفي هذا إشارةٌ إلى أنّ الشّمس والقمر والأرض لا يمكنُ أن يصطدم أحدُها بالآخر , لأنّ كلّ واحد منها يجري في مَداره الخاصّ به , لا يمكن أن يحيد عنه .
فكيف جاء محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بهذه المعلومات الدّقيقة , إن لم يكن خالقُ الأرض والسّماء هو الذي أخبره بذلك ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:53
نظام واحد يدلُّ على خالق واحد
http://hurras.org/vb/images/smilies/x020.gif
إنَّ الذي سَنَّ قانُونَي الجاذبيَّة والحركة في السَّماء , حَسَبَ كلَّ شيء حسابًا دقيقًا يعجزُ عن تصوُّره العقل , فجعل قُوَى الجاذبيَّة تتوازن مع قُوَى الطَّرْد ليتماسك الكون ! بل , ووضع كلَّ شيء في المكان الذي يجب أن يكون فيه بالضَّبط ! فلو أنَّ الأرض مثلاً كانت أقرب إلى الشَّمس مِمَّا هي عليه الآن , لاحترقَتْ بِمَن عليها ! ولو أنّها كانت أبْعَد منها ممَّا هي عليه الآن , لَتَجمَّد كلُّ شيء فوقها !
والذي سَنَّ هذين القانونَين عَلِم أنَّ الأرض ستمارسُ جاذبيَّتها على كُلِّ مَن فَوقها من أحياء وجماد , فيَلتصقُوا بها , لا يستطيعون حراكًا . لذلك , جعلها تدور حول نفسها لِتَكْتسب قوَّة طَرْد مضادَّة لجاذبيَّتها , فيحصلُ التَّوازن , ويستطيع الأحياءُ المشيَ والحركة !
وهذا الدَّورانُ محسوب أيضا بدقّة , بحيث لو كان أسرع مِمَّا هو عليه الآن , لَتَناثر كلُّ مَن على الأرض مِن بَشَر ودوابّ وغير ذلك , ولو كان أقلَّ مِمَّا هو عليه الآن , لَوَجد النَّاسُ صعوبة كبيرة في الحركة !
ولأنَّ الكونَ يسيرُ وفْقَ نظام واحد , فقد سَنَّ خالقُه سُنَّةَ الدَّوران أيضًا على كلِّ الكواكب والنُّجوم والأقمار الأخرى , فجعلها كلُّها تدور حول نفسها !
والأعجب من هذا أنَّها كلُّها تدور من الغرب إلى الشَّرق , على عكس دَوران عقارب السَّاعة إذا نظرنا إليها من فوق , سواء عندما تدور حول نفسها , أو عندما تجري في مدارها حول النَّجم أو المركز الذي تدور حولَه !
فالأرض تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق , وتدور في مدارها حول الشَّمس , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! والقمر يدور حول نفسه من الغرب إلى الشَّرق , ويدور مع الأرض حول الشَّمس , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! وكلُّ كواكب المجموعة الشَّمسيَّة تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق , ويدور كلٌّ منها في مداره حول الشَّمس , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق ! والشَّمس تدور حول نفسها من الغرب إلى الشَّرق , وتدور في مدارها حول مركز مجرَّة درب التّبَّانة , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق !
والأعجب من العجب أنَّنا إذا انتقلنا من المجرَّة , التي هي أكبر شيء في هذا الكون , ونظرنا في أصغر شيء فيه , وهو الذَّرَّة التي هي أَصْل كلِّ مادَّة , لَوَجدناها تتكوَّن من نَواةٍ في الوَسط , تدور حولها إلكترونات , أيضًا من الغرب إلى الشَّرق , في مداراتٍ كما تدور الكواكب حول الشَّمس ! فالنَّواة هي شمس هذه الإلكترونات , و "من الغرب إلى الشَّرق" هي قاعدة ثابتة في هذا الكون !
ومن اللاّفت للانتباه حقًّا أنَّ المسلمين عندما يؤدُّون فريضة الحجّ , يقومون بالطَّواف بالكعبة , فيدُورون حولها من الغرب إلى الشَّرق ! نعم , مثل الكواكب والنُّجوم والإلكترونات !
أفلا يدعو هذا الأمر إلى التَّساؤل : أيكونُ المسلم هو الإنسان الوحيد الذي ينسجم مع هذه القاعدة الكونيَّة , فيدور مع كلِّ شيء في هذا الكون , من الغرب إلى الشَّرق ؟!
أيكون الإسلام هو الدِّينُ الحقُّ الذي اختاره خالقُ هذا الكون لعباده , فبعثَ به كلَّ أنبيائه , وسنَّ لكلِّ نبيٍّ تشريعات تُناسب عصره , حتَّى اكتمل الإسلامُ ببعثة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , آخر الأنبياء والمرسلين ؟!
حقًّا إنّه أمرٌ مهمٌّ , لا بُدَّ من الوقوف عنده !
(http://hurras.org/vb/newreply.php?do=newreply&p=71463)
كلمة سواء
16.01.2011, 13:54
ماذا لو كانت مكَّة هي مركز الأرض ؟!
في شهر يناير 1977 م , نَشر الدُّكتور المصري حسين كمال الدِّين , دكتور في المساحة التَّصويريَّة (أو الطُّوبوغرافيا) , نتيجة أبحاث قام بها في السّعوديَّة .
يقول الدُّكتور أنَّه كان يبحث عن اكتشاف وسيلة تُساعد المسلمَ في أيِّ مكان من العالم على تحديد اتِّجاه مكَّة , حيث توجد الكعبة , قِبْلة المسلمين في الصَّلاة . فبدأ بحثَه برَسْم خريطة تَشملُ المسافات التي تفصلُ كلَّ مدينة على وجه الأرض , عن مدينة مكَّة . واستعان في بحثه هذا بالكمبيوتر , لِرَسم خطوط الطُّول والعرض للكرة الأرضيَّة , ولحساب المسافات والانحرافات . فكانت دهشتُه عظيمة عندما اكتشف أنَّه يستطيع أن يرسم دائرة , مركزُها مدينة مكَّة , ومحيطُها يدور مع حدود (أو أطراف) جميع القارَّات . وتأكَّد بذلك أنَّ مكَّة المكرَّمة هي مركز الأرض اليابسة , وأنَّ كلَّ مُدُن العالَم مُوَزَّعة حولها توزيعًا منتظمًا !
يقول الدُّكتور حسين : حينئذ استطعتُ أن أفهم بعض آيات القرآن فهمًا جديدًا , مثل قوله تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } (6- الأنعام 92) . والمقصود هنا بأُمّ القرى : مكَّة . أي لتُنذِر مكّة ومَن حولها , وكأنّ في هذا إشارة إلى أنّ مكّة في الوسط , وكلّ مدن العالَم محيطة بها .
فهل يكون موقعُ مكَّة المركزي هو السَّبب في اختيار خالق هذا الكون لها لِتُبنى فيها الكعبةُ المشرَّفة , بيته الحرام , ولتنطلقَ منها دعْوةُ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , خاتم الأنبياء والمرسلين والمبعوث إلى النَّاس كافَّة , ولتكون مَقْصد كلِّ المسلمين يأتون إليها من كلِّ بقاع العالم للحجِّ والعمرة ؟! وهل أراد خالقُ الكون بِجَعْل مكَّة مركز الأرض , أن تكون فعلاً قلْبَ العالَم النّابض , تهفو إليها قلوبُ المسلمين في جميع أنحاء الأرض إلى يوم القيامة ؟!
وماذا لو كانت الكعبة المشرَّفة , التي توجد وَسَط مكَّة , هي بالتَّحديد مركز الأرض ؟! يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ 96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97 } (3- آل عمران 96-97) . والمقصود هنا ببَكَّة : مكَّة .
يقول العالم الثِّقَة إسماعيل ابن كثير , صاحب التّفسير المشهور للقرآن الكريم , تعليقًا على هاتين الآيتين , ما مُلَخَّصُه أنَّ في السَّماء السَّابعة بيتًا يُسمَّى البيت المعمور , يُعتَبر بالنِّسبة لأهل تلك السَّماء بمثابة الكعبة الشَّريفة لأهل الأرض . وموقعُه في السَّماء السَّابعة هو قُبالة كعبة الأرض من فوق , بحيثُ لو سقط لسقط عليها ! وكذلك الحال بالنِّسبة لِبَقيَّة السَّماوات !
فإذا كانت الكعبة الشَّريفة هي أوَّل بيت بُنِيَ للنَّاس , واختارها اللَّهُ تعالى لتكون بيتَه الحرام فوق الأرض , فليس غريبًا أن يكون اختارها أيضًا لتكون مركز الأرض اليابسة .
أفلا يدعو هذا الأمر أيضًا إلى الوقوف عنده مليًّا ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:56
وماذا لو كان الأذان يدور حول الأرض ؟!
يُعْتَبر الأذانُ بالنّسبة للمسلمين إعلامًا بدُخُول وقت واحدةٍ من الصَّلوات الخمس المفروضة عليهم في اليوم واللَّيلة . ودخولُ الوقت هذا مُرتبطٌ بحركة الشَّمس الظَّاهرة حول الأرض .
فوَقْتُ صلاة الفجر يبدأ عند طلوع الفجر الصَّادق , وهو الضَّوء الأبيض الذي يُعْلِن انتهاءَ اللّيل وبداية النَّهار ويسبق شروق الشَّمس .
ويبدأ وقتُ صلاة الظُّهر مباشرة بعد زوال الشَّمس , أي حالَمَا تنحرف الشَّمس عن وَسط السَّماء .
ويبدأ وقتُ صلاة العصر عندما يَصلُ ظِلُّ كلّ شيء مثلَه ويبدأ في الزِّيادة .
ويبدأ وقتُ صلاة المغرب عندما يغيب قُرْصُ الشَّمس كاملاً .
ويبدأ وقتُ صلاة العشاء عند مغيب الشَّفق الأحمر .
وبما أنَّ الأرض تدور حول نفسها , فإنَّ ضوء الشَّمس يَبقى ينتقل من خطِّ طولٍ على الكرة الأرضيَّة لِخَطِّ طول آخر . ونتيجةً لذلك , فإنَّ غروب الشَّمس مثلاً لا يتمُّ على كامل الأرض في نفس اللَّحظة , وإنَّما تغربُ الشَّمس على بعض المناطق على خطِّ طولٍ مُعيَّن , ثمَّ تغرب بعد بضع دقائق على مناطقَ مجاورة على نفس خطِّ الطُّول , ثمَّ على مناطق أخرى على خطِّ الطُّول الموالي , ثمَّ الذي يليه , وهكذا . وكلُّنا يعرف أنَّ هناك فارقًا في التَّوقيت من بلد لآخر , وأنَّ النَّهار يطلعُ في بلد ليبدأ اللَّيلُ في نفس الوقت في بلد آخر .
نعودُ إلى قضيَّة الأذان , ونأخذُ مثلاً صلاة المغرب التي يبدأ وقتها بغروب الشَّمس . فبِناءً على ما فَصَّلْنا سابقًا , فإنَّ وقت صلاة المغرب لا يحين في نفس اللَّحظة في كلِّ بلدان العالم , وإنَّما يحين في بعض المدن على نفس خطِّ الطُّول , ثمَّ يحين في المدن المجاورة على خطِّ الطُّول المجاور , ثمَّ الذي يليه , وهكذا . وهذا ينطبق أيضًا على صلوات : العشاء والفجر والظُّهر والعصر .
وبما أنَّ دخولَ الوقت يتمُّ الإعلان عنه بالأذان , والذي يستغرق بضع دقائق , فإنَّه ما أن ينتهي المؤذِّن من الأذان لصلاةٍ مَا في بلدٍ مَا , حتَّى يرتفع صوت مؤذِّن آخر في بلد مُجاور ليؤذِّن لنفس الصَّلاة ! ويبقى الأذان يدور هكذا حول الأرض التي مركزها الكعبة , مِن خطِّ طولٍ لِخَطِّ طولٍ آخر , دون توقُّف إلى قيام السَّاعة !
وبِما أنَّ الصَّلوات الخمس المفروضة مُوَزَّعة على ساعات اللَّيل والنَّهار , فيمكن الجزم بأنَّه في كلِّ لحظةٍ من ليلٍ أو نهار , يرتفع صوت مؤذِّنٍ في بقعة من بقاع العالم , لينادي للصَّلاة !
هل تدري يا ابني الكريم ماذا يقول المؤذِّن ؟
إنَّه يقول : اللَّه أكبر , اللَّه أكبر .
أشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه , أشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه .
أشهد أنَّ محمَّدًا رسول اللَّه , أشهد أنَّ محمَّدًا رسول اللَّه .
حيّ على الصَّلاة , حيّ على الصَّلاة .
حيّ على الفلاح , حيّ على الفلاح .
اللَّه أكبر , اللَّه أكبر .
لا إله إلاَّ اللَّه .
إنَّه توحيدٌ مُطلَقٌ للَّه , وشهادةٌ بأنَّ محمَّدًا رسول اللَّه , ودعوةٌ إلى إقام الصَّلاة في وقتها . هذه الصَّلاة التي هي موعدٌ يومي مع خالق هذا الكون , لِطَلب العون والهداية والتَّوفيق منه , والاستغفار والتَّوبة من الذُّنوب والخَطايا .
أفلا تجد يا بُنَيَّ بعد كلِّ هذا رغبةً مُلِحَّة في التَّعرُّف على الإسلام , بعيدًا عن التَّشويهات والأكاذيب ؟
واللَّهِ الذي لا إله غيره , لو تابعتَ قراءة بقيَّة الأجزاء بنِيَّة البحث عن الحقيقة , لَأَخذَ اللَّهُ بِيَدك , بفضله ورحمته , ولَهَداكَ إلى ما تبحثُ عنه .
كلمة سواء
16.01.2011, 13:56
وماذا لو كان الإسلام دين كلّ الأنبياء ؟!
لو قرأتِ سيِّدتي الكريمة القرآنَ من أوَّله لآخره , لَوجدتِ فيه ذكْرًا للعديد من الأنبياء والرُّسُل , مثل إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وسليمان وموسى وعيسى ومحمَّد , عليهم الصَّلاة والسَّلام , غير أنَّكِ لن تجدي آيةً واحدة تذكُر أنَّ موسى عليه السَّلام دعا بني إسرائيل إلى الدِّين اليهودي , أو أنَّ عيسى عليه السَّلام دعا قومه إلى الدِّين المسيحي ! هل تعرفين لماذا ؟
لأنَّ الدِّين عند اللَّه , منذ خلَقَ البشريَّة , هو دينٌ واحدٌ , وهو الإسلام ! وكلُّ الأنبياء والرُّسُل كانوا مسلمين , ودعَوْا أقوامهم إلى الإسلام ! إنَّما فقط اختلفت التَّشريعاتُ من نبيّ لآخر , حتَّى اكتملت بشريعة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , خاتم الأنبياء والمرسلين .
لِنستمعْ لما يقول القرآن في هذا الموضوع : يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 19 فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 20 } (3- آل عمران 19-20) . وهذا إعلانٌ صريحٌ بأنَّ الدِّين عند اللَّه هو الإسلام .
ويقول تعالى : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ 130 إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ 131 وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 132 أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 133 تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ 134 وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 135 قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 136 } (2- البقرة 130-136) . وهذا إعلانٌ آخر , واضحٌ وجليٌّ , بأنَّ إبراهيم عليه السَّلام (أبو الأنبياء) , ويعقوب (وهو إسرائيل , وإليه ينتسبُ اليهودُ فيُقال لهم بَنُو إسرائيل) , هذان النَّبيَّان كانَا مُسلِمَيْن , وأَوْصَيَا أبناءهما أن يموتُوا على الإسلام !
ويقول تعالى : { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ 140 } (2- البقرة 140) . وهذا إعلانٌ ثالثٌ , لا لُبْس فيه , بأنَّ إبراهيم وإسماعيل والأسباط عليهم السَّلام لم يكونوا يهودًا ولا نصارى ! بل حتَّى إسحاق ويعقوب عليهما السَّلام , وهما أوَّل أنبياء بني إسرائيل , نَفَى اللَّهُ تعالى عنهما أنَّهما كانا يهوديَّيْن ! لقد كانوا كلُّهم مسلمين كما ذكَرْنا !
ويقول تعالى : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 67 } (3- آل عمران 67) .
ويخبرنا تعالى عن النَّبيِّ يوسف عليه السَّلام أنَّه قال : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ 101 } (12- يوسف 101) .
ويقول تعالى عن النَّبيِّ نوح عليه السَّلام : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ 71 فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ 72 } (10- يونس 71-72) . كلُّ هذه الآيات تُعلنُ إذًا بوضوح أنَّ كلَّ الأنبياء كانُوا مسلمين .
فلَمَّا بعثَ اللَّهُ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , جعله خاتم الأنبياء والمرسلين , فلا نَبيَّ بعده إلى يوم القيامة . يقول اللَّه تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا 40 } (33- الأحزاب 40) .
وأرسلَه إلى كلِّ النَّاس , في حين أنَّ الأنبياء قبلَه كانُوا يُبعثون إلى أقوامهم فقط . فهو نبيُّ البشريَّة جمعاء إلى يوم القيامة . يقول تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 28 } (34- سبأ 28) .
وأكملَ له الدِّين , فأصبح الإسلامُ ببعثته أكمل الشَّرائع السَّماويَّة . يقول تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا } (5- المائدة 3) . وقد نزلتْ هذه الآية , والنَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فوق جبل عرفات بمكَّة , في حجَّة الوداع . فلم يلبث بعد ذلك إلاَّ ثلاثة أشهر ثمّ تُوُفِّي .
ربَّما يكون تعليقكِ سيِّدتي على ما ذكرتُه لكِ , أنَّني اعتمدتُ فقط على آيات قرآنيَّة , والقرآنُ لا يُعتَبَرُ مرجعًا موثوقًا منه بالنِّسبة لك .
كلامكِ مقبول ! لهذا سأحاول في الصَّفحات القادمة أن أبيِّن لكِ علميًّا أنَّ هذا القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة إلى قيام السَّاعة , وأنَّه وحيٌ من خالق هذا الكون , وبالتَّالي فإنَّ كلَّ ما جاء فيه حقٌّ لا ريب في ذلك .
تابعي القراءة , وستفهمين كلَّ شيء !
كلمة سواء
16.01.2011, 13:57
فكسَونا العظام لحمًا !
تحدَّثنا سيِّدي الكريم عن كيفيَّة خلق هذا الكون , وسنتحدَّث الآن عن خَلْقِنَا نحن , وكيف جئنا لهذا الوجود .
نقطةُ البدء هي طبعًا جماعٌ بين الرَّجل وزوجته , فيقذفُ ماءَه في عنق رَحِمِها . فهل تعلم سيِّدي كم يحتوي هذا الماء من حيوان منوي ؟
مائة ؟ ألف ؟ مليون ؟
إنَّه يحتوي على حوالي أربعمائة مليون حيوان منوي , كلُّها تمضي في سباقٍ نحو بُوَيْضة المرأة لِتَلْقيحها , فلا يصلُ في الأخير إلاَّ حيوانٌ منوي واحد فقط , الأقوى والأفضل , ويموتُ كلُّ الباقين !
ويتمُّ التَّلاقح , ويبدأ الجنين رحلَته في التَّخلُّق . فيكون في البداية عَلَقة , قيل لأنَّه يتعلَّق ويلتصق بجدار الرَّحِم , وقيل لأنَّه على شكل العَلَقة , وهي دودة صغيرة تعيش في بركة الماء وتمتصُّ دماء كائنات أخرى . وفي هذه المرحلة تتكوَّن المشيمة , ويتكوَّن معها معلاق يتعلَّق فيه الجنين . هذا المعلاق يتحوَّل فيما بعد إلى حَبْل سُرِّي , يستمدُّ الجنينُ عَبْرَه الغذاءَ والأكسيجين وموادّ المناعة ضدَّ الأمراض , ويَطرد المخلَّفات الضَّارَّة .
ثمَّ يتحوَّل الجنين إلى مرحلة المضغة , فَيبدو فعلاً وكأنَّه مُضغة مَضَغها إنسانٌ وقَذفها , فبدَتْ فيها أسنانُه . وتبدأ عمليَّة التَّخلُّق في الطَّبقة الباطنيَّة للمضغة , بينما تبقى الطَّبقة السَّطحيَّة غير مخلَّقة بعد .
وهنا , لنا وقفةٌ مع القرآن الكريم . يقول اللَّه تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ 5 ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 6 وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ 7 } (22- الحجّ 5-7) .
انتبه سيِّدي الكريم ! إنَّ هذه الآيات نزلَتْ منذ حوالي أربعة عشر قرنًا , وتتحدَّث عن معلومات دقيقة عن مراحل تطوُّر الجنين , لم يتمَّ اكتشافها إلاَّ خلال القرن العشرين بواسطة آلات غاية في الدِّقَّة !
بل إنَّها ذكَرتْ أيضًا أنَّ الإنسان مخلوق من تراب ! وقد أثبت العلم الحديثُ فعلاً أنَّ جسم الإنسان يتركَّب من عدَّة عناصر موجودة في التُّراب , مثل : الحديد والكالسيوم والماغنسيوم , وغيرها .
أليس في هذا إذًا دليلٌ علمي قويّ على أنَّ هذه الآيات ليست من صُنع بَشر , وإنَّما هي كلامُ اللَّه الذي خَلَقني وخلَقك ؟
وإذا كان الأمر كذلك , أليس من المنطق أن نُصدّق كلَّ ما جاء فيها , أي أنَّ اللَّه قادرٌ على كلِّ شيء , وأنَّه سوف يُحيينا بعد موتنا لِيُحاسبنا على أفعالنا ؟
نعود إلى مراحل تطوُّر الجنين :
فبَعْد المضغة , ينتقل الجنين إلى مرحلة العظام , ليأخذ شكل الهيكل العظمي . ثمَّ تبدأ العضلات بالظُّهور , ويبدأ اللَّحم يُحيط بالعظام ويكْسُوها كما يكسو الثَّوبُ البَدَن . وهنا لا بُدَّ من ملاحظة أنَّ علماء الأجنَّة كانُوا إلى وقت قريب مُجْمِعين على أنَّ المضغة تتحوَّل إلى لحم , ثمَّ تبدأ العظامُ بالظُّهور . لكنَّهم , وبعد دراسات مخبريَّة طويلة ودقيقة جدًّا , اكتشفُوا أنَّ العكس هو الصَّحيح , أي أنَّ العظام تتكوَّن قبل اللَّحم !
فهل تعلم سيِّدي أنَّ القرآن سَبَقهم إلى الإعلان عن هذه الحقيقة منذ حوالي أربعة عشر قرنا ؟!
استمع معي : يقول اللَّه تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ 12 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ 13 ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ 14 ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ 15 ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ 16 } (23- المؤمنون 12-16) .
لقد سمع أحد علماء الأجنَّة الغربيّين هذه الآيات , فبُهتَ ثمَّ قال : لو كان هذا القرآن عندنا , نحن النَّصارى , لأقَمْنا الدُّنيا ولم نُقعدها !
حتَّى العبارات التي تَفرَّد بها القرآنُ لِتَسميَة الجنين في كلِّ مرحلة (علقة , مضغة , فكسونا العظام لحمًا , ثمَّ أنشأناه خلقًا آخر) هي من الدِّقَّة العلميَّة بحيث أدهشَتْ عُلماء هذا العصر !
وقد عُرضتْ هذه الآياتُ القرآنيَّة وغيرها على Keith Moore , أستاذ في الجراحة وعلْم الأجنَّة في جامعة تورنتو بكندا , وصاحب كتاب The Developing Human الذي يُعتبر من أفضل المراجع العلميَّة في هذا الميدان , فكانت دهشة الأستاذ كبيرة , عبَّر عنها قائلاً في المؤتمر الطِّبِّي السَّابع بالدَّمَّام بالسّعوديَّة سنة 1981 م : كيف أمكن لمحمَّد أن يصف منذ حوالي 1400 سنة تطوُّر الجنين بدقَّة تامَّة , بينما لم يتوصَّل العلماء إلى اكتشافه إلاَّ منذ 30 سنة فقط ؟!
ثمَّ إنَّه أخذ صورةً لِجَنين في مرحلة العلَقة ووضعها بجانب صورة علَقة , وهي الدُّودة التي تعيش في الماء , فوَجَد بينهما تشابُهًا تامًّا في الشَّكْل ! وأخذ صورة ثانية لِجَنين في مرحلة المضغة ووضعها بجانب قطعة عجين مَضغها في فَمه حتَّى بدتْ فيها أسنانُه , فوَجَد أيضًا بينهما تشابُهًا كبيرًا في الشَّكْل !
وقد نشرت بعضُ الجرائد الكنديّة مقالات لـ Keith Moore عن توافق الآيات القرآنيَّة مع آخر الاكتشافات العلميَّة , وخصَّصت له التَّلفزة عدَّة حصص من برامجها للحديث عن هذا الأمر . ولَمَّا سُئِل : هل تعتقد أنّ القرآن كلام اللّه ؟ أجاب : لم أجدْ أيّة صعوبة في الإقرار بذلك .
فقيلَ له : كيف , وأنت تؤمن بالمسيح ؟!
فقال : أعتقد أنَّهما ينحدران من مدرسة واحدة .
ثمَّ إنَّه سَمحَ لِلَجنة من العلماء المسلمين أن يُضيفوا الآيات القرآنيَّة وأحاديث النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الخاصَّة بتطوُّر الجنين , إلى الأماكن المناسِبَة في كتابه عن تطوُّر الإنسان , وطُبع الكتابُ في إصدار جديد مشتملاً على هذه الإضافات . (ويمكن الرُّجوع في هذا الموضوع إلى شريط فيديو This is the Truth وكتاب Editions IQRA – Ceci est la Vérité) .
نعم , أنَّى لِمُحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يأتي بهذه المعلومات , إن لم يكن اللَّهُ تعالى هو الذي أوحى له بذلك ؟!
ولم ينسَ القرآنُ ذكْر مرحلتين أساسيَّتين بعد الولادة , وهما :
- الموت , وهي الحقيقة التي لا يستطيع أحدٌ إنكارها .
- والبعث يوم القيامة , الذي ينقسم فيه النَّاس إلى مؤمن , وشاكّ , ومُنكِر .
فهل يقبلُ العقلُ أن نُقرَّ بإعجاز الآيات التي تحدَّثتْ عن مراحل تطوُّر الجنين , ثمَّ نُنكر الآيات التي ذكرتْ أنَّ بعد الموت بعثًا ونشورًا ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:57
الرَّحم , قرار مكين !
ذكَرْنا أنَّ الجنين يبدأ نُطفة , ثمَّ يَمرُّ بمراحل عديدة في التَّخلُّق إلى أن يُصبح كامل الخِلْقة قبل الولادة . وهذا التَّخلُّق لا يمكن أن يتمَّ بسلام إلاَّ إذا تَوَفَّر لهذا المخلوق الضَّعيف مكانٌ أمين , معزول عن كلِّ المخاطر . هذا المكان تكفَّل الخالقُ بتوفيره , فكان فِعْلاً قرارًا مكينًا !
يقول تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ 12 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ 13 } (23- المؤمنون 12-13) . هذا القرار هو طبعًا رَحِمُ المرأة . وقد جعله الخالقُ في تجويف الحَوْض , محاطًا بالعظام من كلِّ جانب , حتَّى لا يكون مُعرَّضًا مباشرة للصَّدمات .
والأعجب من هذا أنَّ علماء الأجنَّة اكتشفوا مؤخَّرا أنَّ الجنين داخل الرَّحم يكون محاطًا بثلاثة أغشية تجعله في معزل تامٍّ عن العالَم الخارجي , هي :
- الغشاء الذي يُحيط بسائل الأمْنِيُوم (liquide amniotique) الذي يسبح فيه الجنين . وهذا السَّائل , كما هو معلوم , يَقِي الجنينَ من الصَّدمات المباشرة التي يمكن أن يتلقَّاها الرَّحم , ويسمح له بالحركة , ويُسهِّل خروجه عند الولادة .
- يَلِيه جدارُ الرَّحم .
- يَلِيه جدارُ البطن .
وبهذا يكونُ الجنين في ظُلُمات ثلاث , خالية من الضَّوء , وفي قرار مكين , بعيداً عن الصَّدمات .
وإذا كانت الآية السَّابقة قد تعرَّضت للقرار المكين , فإنَّ هناك آية أخرى أشارت إلى الظُّلُمات الثَّلاث . يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن ذاته العليَّة : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ 6 } (39-الزّمر 6) .
وقد عُرضت هذه الآية أيضًا على الأستاذ Keith Moore , فأثبتَ توافُقها مع آخر الاكتشافات العلميَّة . وهذا يدعُونا إلى الجزم بأنَّ كلَّ ما جاء فيها حقٌّ , أي أنَّ اللَّه هو ربُّنا , وأنَّ له مُلْك كلّ شيء , وأنَّه إله واحد لا شريك له . أم أنَّ لك رأيًا آخر ؟!
بقيتْ ملاحظة هامَّة : لم ينسَ الخالق سبحانه أنَّ الجنين ينمو داخل الرَّحم , وأنَّ طولَه سوف ينتقلُ من أقلّ من ملِّيمتر إلى عشرات السّنتيمترات , وأنَّ وزنه أيضًا سوف ينتقلُ من أقلّ من ملِّيغرام إلى بضع كيلوغرامات , فخَلَق للمرأة رَحِمًا مَرنة , تتمدَّد وتتَّسع بحسب متطلَّبات الجنين , حتَّى تصل إلى حوالي ثلاثة آلاف ضِعْف حَجْمها العادي , وجعَلَها مَتِينة بحيث تستطيع تحمُّل وزن الجنين والمشيمة الذي يصل إلى بضع كيلوغرامات ! والأعجب من هذا أنَّ الرَّحم تعود لحجمها الطَّبيعي مباشرة بعد الولادة ! فماذا لو نَسي الخالقُ هذه الجزئيَّة , وبقيت المرأة بعد الوضع منتفخة البطن بقيَّة حياتها ؟!
أخيرًا , يقول الأطبَّاء أنَّ للرَّحم تقلُّصات قويَّة من حين لآخر قبل الحمل , ولو تمادت هذه التَّقلُّصات في فترة الحمل أيضًا لأدَّتْ إلى قتل الجنين أو دفعه خارجًا ! لكنَّ الخالق العليم أَمَر أن ترتفع نسبة هرمون البروجسترون Progestérone في بَدن المرأة مباشرةً بعد تلقيح بُوَيْضتها , فلا يتقلَّص الرَّحم بعد ذلك إلاّ بما يُريح الجنين ويعدّلُ وَضعه !
أفلا يدعو كلُّ هذا إلى الاعتقاد يقينًا بأنَّنا لم نأت إلى هذه الدُّنيا عن طريق الصُّدفة , وإنَّما خلقَنا اللَّهُ تعالى , القادر على كلِّ شيء , والذي يعلم بالتَّدقيق ما ينفعُنا وما يضرُّنا ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:57
نطفة الرَّجل هي التي تحدِّد جنس المولود !
ذكَرْنا أنَّ الرَّجلَ عندما يُجامع زوجته ويقذف ماءه في عنق رحمها , تنطلق الحيواناتُ المنويَّة في سباقٍ نَحْوَ البُوَيضة , ولا يصل في الأخير إلاَّ حيوان منوي واحد فقط , ويموت كلُّ الباقين . ويتمُّ التَّلاقح بأن يُدْخِل الحيوانُ المنوي رأسَه في جدار البُوَيْضة , فتتَّحدُ كْرُوموزومات Chromosomes الحيوان المنوي , وعددها 23 , بِكْرُوموزومات البُوَيْضة , وعددها 23 أيضًا , لِتَتكوَّنَ الخليَّةُ الأولى للجنين , وتسمَّى الزِّيجوت Zygote , وعدد كْرُوموزوماتها 46 . هذه الكْرُوموزومات هي التي تحمل البرنامج الوراثي , وهي بالتَّالي المسؤولة عن نقْل الصِّفات الوراثيَّة للجنين , مثل لون الشَّعر والجلد .
وقد كانت دهشةُ علماء الأجنَّة كبيرة عندما اكتشفوا , فقط خلال القرن العشرين , أنَّ نطفة الرَّجل هي وحدها التي تُحَدِّد جنْسَ المولود , ذكرًا أم أنثى , وليس لِبُوَيْضة المرأة أيّ دَخْل في هذا الأمر !
ذلك أنَّ نطفة الرَّجل تحتوي على نَوعين من الحيوانات المنويَّة :
- النَّوع الأوَّل يحتوي على 22 كْرُوموزوم جسمي + 1 كْرُوموزوم جنسي يُشار إليه بحرف x .
- والنّوع الثّاني يحتوي على 22 كْرُوموزوم جسمي + 1 كْرُوموزوم جنسي يُشار إليه بحرف y .
أمّا بُوَيْضة المرأة فهي من نوع واحد , وتحتوي على 22 كْرُوموزوم جسمي + 1 كْرُوموزوم جنسي يُشار إليه بحرف x .
فإذا التقَى حيوان منوي من النَّوع الأوَّل ببُوَيْضة المرأة , تكُون الصِّبغة الجنسيَّة للزِّيجوت xx , فيأتي المولود أنثى . وإذا التقَى حيوان منوي من النَّوع الثَّاني ببُوَيْضة المرأة , تكُون الصِّبغة الجنسيَّة للزِّيجوت xy , فيأتي المولود ذكرًا . فنَوعُ الحيوان المنوي للرَّجل هو الذي يُحدِّد إذًا جنْسَ المولود .
وهنا لا بُدَّ من الوقوف عند بعض الآيات في القرآن الكريم , فيها إشارة إلى هذه الحقيقة . يقول اللّه تعالى : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى 36 أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى 37 ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى 38 فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى 39 أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى 40 } (75- القيامة 36-40) .
ويقول تعالى : { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى 42 وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى 43 وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا 44 وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى 45 مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى 46 } (53- النّجم 42-46) . ففي هذه الآيات ذكَر اللَّه تعالى أنَّه خلَق الذَّكر والأنثى من نطفة إذا تُمنَى (وفي الآيات السَّابقة : من نُطفة من منيّ يُمنَى) , أي من ماء الرَّجل , أي أنَّ جنس المولود , ذكرًا أم أنثى , حدَّده ماءُ الرَّجل فقط !
ويقول تعالى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ 223 } (2- البقرة 223) . وفي هذه الآية أيضًا إشارة إلى أنَّ جِنْس المولود , ذكرًا أم أنثى , يحدِّدهُ مَنِيُّ الرّجل فقط , وأنَّ رَحِمَ المرأة هو بِمَثابة حَرْث , إذا بذَر فيه الرَّجلُ حيوانًا مَنَويًّا من نوع x كانت الثَّمرة أنثى , وإذا بَذَر فيه حيوانًا مَنَويًّا من نوع y كانت الثَّمرة ذكرًا .
أليس في هذا دليلٌ علميّ آخر قويّ على أنَّ القرآن وحيٌ من عند اللَّه تعالى؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 13:58
عندما ينضج الجلد يتوقّف الإحساس بالألم !
يتكوَّن جلدُ الإنسان من طبقة سطحيَّة رقيقة تُسمَّى البشرة Epiderme , تحتها طبقة أخرى تُسمَّى الأدَمة Derme . وقد كانت دهشة الباحثين في مجال الطِّبِّ والجراحة كبيرة عندما اكتشفوا أنَّ الأعصاب المسؤولة في الجسم عن الإحساس بالحرارة والبرودة والألم , تنتهي أطرافُها في الأدَمة . ووجدوا تحت البشرة شبكة هائلة جدًّا من الألياف العصبيَّة , مُهمَّتُها نَقْل هذه الأحاسيس إلى الدِّماغ .
معنى هذا أنَّ كلَّ أنواع الإحساس في الجسم , يستقبلُها الجلد , ثمَّ ينقُلُها بسرعة هائلة عبر الأعصاب إلى الدِّماغ , فيُترجمها , ويشعر عندئذ الإنسان بالإحساس المعيَّن . وإذا حدث أن تمزَّقت أنسجةُ الجلد بسبب تعرُّضها لاحتراق شديد , فإنَّ الأعصاب الموجودة في هذا الجلد تموت , فينقطع بذلك الاتِّصال بمراكز الإحساس في الدِّماغ , ويَختفي عندها الشُّعور بالألم بعد أن كان قد بلَغ ذرْوَته !
نعم , قد تعجبين سيِّدتي لهذا الأمر , لكنَّ هذا ما يحدث فِعْلاً !
وستزداد دهشتك إذا قلتُ لك أنَّ للقرآن الكريم كلمة في هذا الموضوع ! يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا 56 وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً 57 } (4- النّساء 56-57) .
فقد ذكر اللَّه تعالى هنا أنَّ الكفَّار سيَصلَون نارًا , كلَّما نضجتْ فيها جلُودُهم (وليس لُحومُهم) أُبدِلُوا جلودًا أخرى لِيَذوقوا العذاب ! ذلك أنّ نُضج الجلد يُؤدِّي إلى موت الأعصاب , وبالتَّالي إلى تَوقُّف الشُّعور بالألم , فوَجب عند ذلك إبدال الجلد المحترق بجلد جديد , لِيَتواصل العذاب ! وهذه الآية 56 تُعتَبر دليلاً صريحًا وواضحًا على أنَّ الذين يكْفرون باللَّه وآياته , سوف يَصلَوْن نارًا حقيقيَّة , ويشعرون فيها فعْلا بعذاب جسدي محسوس , شديد ومتواصل .
انتبهي سيِّدتي ! إنَّ الذين سيَصْلَوْن هذه النَّار حتَّى ينضجُوا فيها , هم بشرٌ مثلي ومثلك , غير أنَّهم لَم يكُونُوا على الدِّين الحقّ ! أفهذَا النُّزل خيرٌ , أم جنَّاتٌ تجري من تحتها الأنهار وأزواج مُطهَّرة , أعدَّها اللَّه تعالى للَّذين آمنُوا وعملُوا الصَّالحات , خالدين فيها أبدًا ؟!
وقد عُرضتْ هذه الآية على Tejatat Tejasen , رئيس سابق لقسم الجراحة وعلْم الأجنَّة في جامعة Chiang Mai بتايلاندا , فقال : إنَّ الإحساس بالألم ينبعثُ فِعْلاً من الجلد , ويتوقَّف في حالة الاحتراق الشَّديد . ثمَّ سُئل إن كان يعرف الأستاذ Keith Moore , فأجاب : طبعًا أعرفه , إنَّه من رجال العلم البارزين في العالم . وبعد ذلك , عُرضت عليه آيات قرآنيّة وأحاديث نبويَّة عن تطوُّر الجنين , فزادت دهشتُه وقال : من المستحيل أن تكون هذه المعلومات من عند محمَّد أو من عند بَشر آخر !
وبعد سنوات قليلة , استُدعي هذا الأستاذ لحضور المؤتمر الطِّبِّي الثَّامن في الرِّياض (بالسّعوديَّة) , حيث استمع لمحاضرات عن الإعجاز الطِّبِّي في القرآن الكريم وأحاديث النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فما كان منه إلاَّ أن أخذ الكلمة في آخر يوم في المؤتمر , وكان من جملة ما قال : أنا على يقين أنَّ كلَّ ما جاء في القرآن الكريم صحيحٌ , ويمكن التَّدليل على ذلك بالوسائل العلميَّة . وبما أنَّ محمَّدًا كان لا يعرف القراءة ولا الكتابة , فمِنَ الواضح أنَّنا بحضرة رسولٍ يأتيه الوَحيُ من عند الخالق العليم , وهذا الخالق هو اللَّه . لهذا , حان الوقت لي أن أشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا رسول اللَّه !
كلمة سواء
16.01.2011, 13:59
معجزة البصمات , دليل آخر على قدرة الخالق !
من المعروف اليوم أنَّ بصمات الأصابع هي خاصِّيَّةٌ مميَّزة لكلِّ إنسان . فهي لا تُورَث من الوالدين , بالرَّغم من أنَّ الأبناء يَرثون صفات كثيرة من أبَوَيْهم . ولا يُوجد اثنان فوق الكرة الأرضيَّة لهما نفس البصمات , حتَّى التَّوأمان من بطن واحدة ! ثمَّ إنَّ الطَّفل ينمو ويكبر , ولا تتغيَّر بصماتُ أصابعه !
وهذه الحقيقة لم يتمَّ اكتشافها إلاَّ في القرن التَّاسع عشر , وكان أوَّل من أشار إليها العالم التِّشيكوسلوفاكي Purkinje المختصّ في وظائف الأعضاء , والذي اقترح سنة 1823 م نظامًا لترتيب البيانات على أساس بصمات الأصابع . ومنذ ذلك الوقت , اعتُمِدت البصماتُ في بطاقات التَّعريف وفي سجلاَّت الشُّرطة , كدليل قاطع على شخصيَّة الإنسان .
فهل أشار القرآن لهذا الأمر أيضا ؟!
نعم ! يقول اللَّه تعالى : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ 3 بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ 4 } (75- القيامة 3-4) . فقد ذكَر اللَّهُ تعالى في الآية 4 قُدْرته على إعادة تركيب البَنَان , بينما كان بإمكانه مثلاً أن يذكُر قدرته على إعادة تركيب المخِّ أو الجهاز العصبي , الذيْن هما , بالنِّسبة لنا , أصعب وأَدقّ في الصُّنع من أطراف الأصابع . فما السِّرُّ في ذلك يا تُرى ؟
لعلَّ اللَّه تعالى أراد إذًا أن يُشير بهذه الآية إلى معجزة البصمات , أي أنَّه قادرٌ على إحياء كلِّ النَّاس بعد موتهم , وإعادة بَنان كلّ واحد منهم ببصماته المميَّزة .
وأيًّا كانت الإجابة , فإنَّ هذه المعجزة هي في حدِّ ذاتها دليلٌ قاطع على أنَّ اللَّه واحد لا شريك له , وأنَّ قدرته مطلَقة . وإلاَّ , فكيف لا يتشابه اثنان في بصماتهما , والنَّاس يُعدّون بمئات المليارات منذ بدء الخليقة ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:00
ماذا لو لم يقبل اللَّه غير الإسلام ؟!
أرجوك أيُّها القارئ الكريم , ركِّز اهتمامك معي في هذا العنصر بالخصوص , لأنَّه هامٌّ جدًّا جدًّا بالنّسبة لك !
لقد ذكرتُ لك أنَّ إبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّدًا , وكلَّ الأنبياء عليهم السَّلام , دَعَوْا إلى عبادة إلهٍ واحد , وهو اللَّهُ سبحانه وتعالى , وإلى اعتناق دين واحد , وهو الإسلام . وكلّ نبيٍّ دعَا قومه إلى الإيمان بجميع الأنبياء الذين سبَقُوه , وبالكُتُب التي أُنْزلَتْ عليهم , وهذا بدليل القرآن .
وبِحُكْم تَغَيُّر الأزمان وازدياد عدد سكَّان الأرض , كان لا بُدَّ , عند إرسال نبيٍّ جديد , من إدخال بعض التَّعديلات على التَّشريعات التي قبلَه , حتَّى تكون أكثر ملاءمة لاحتياجات النَّاس في الزَّمن الجديد . فكان التَّشريعُ الجديد ينسخ بعض التَّشريع الذي قبْله , والكتابُ الجديد ينسخ بعض ما جاء من تشريعاتٍ في الكتاب الذي سَبقه .
طبعًا , أصولُ العقيدة , مثل وحدانيَّة اللَّه تعالى , والإيمان بالملائكة والرُّسُل واليوم الآخر والحساب والجنَّة والنَّار , بقيَتْ ثابتة .
فلمَّا بعثَ اللَّهُ تعالى محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نبيًّا للنَّاس جميعًا , وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين , كان من المنطقي أن يُمِدَّه بتشريع يكون ملائمًا , ليس لِزَمانه فقط , وإنَّما لكلِّ الأزمان التي ستأتي بعده . لهذا , أكملَ له دينَ الإسلام ونسخَ كلَّ الشَّرائع التي قبْله , وأَنزلَ عليه القرآن ونسخَ كلَّ الكتُب السَّماويَّة التي سَبَقَتْه . فتشريعاتُ الإسلام هي أكملُ الشَّرائع , والقرآنُ الكريم هو معجزة كلّ الأزمان . وعلى هذا , فلن يقبلَ اللَّهُ بعد بعثة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وحتَّى قيام السَّاعة , غير الإسلام دينًا والقرآن منهاجًا .
ولِتَوضيح هذا الأمر , لِنأخُذْ مثالاً مِمَّا هو معمولٌ به في مختلف بلدان العالم : المعروف أنَّ إدارة التَّعليم تقوم كلَّ بضع سنوات بإدخال بعض التَّعديلات على البرامج الدِّراسيَّة , آخذةً بعَيْن الاعتبار اكتشافاتٍ علميَّة جديدة أو طُرُق تعليم حديثة , لِتكُون البرامجُ الجديدة أكْثَر ملاءمة لاحتياجات الجيل الجديد من الطَّلَبة والمدرِّسين .
وبالطَّبع , يصدر على إثر ذلك كتابٌ جديد خاصّ بالمادَّة المنَقَّحة , ويُلْغَى العملُ بالكتاب القديم . وفي العادة , يتفهَّمُ كلُّ الأطراف هذا التَّجديد لأنَّ الغرض منه هو مصلحتهم جميعًا .
ولو نظرْنَا في كلِّ الميادين تقريبًا , لَوَجدنا أنَّ القوانين تُنَقَّح , والأوراق النَّقديَّة تُبدَّل , فيُلْغى العملُ بالنِّظام القديم ويحلُّ محلَّه النِّظامُ الجديد . وحتَّى إن وُجد بعضُ المعارضين , فإنَّهم لا يعارضون التَّجديد إطلاقًا , وإنَّما تجد لهم بعض الاعتراضات على القانون الجديد لأنَّه ليس بالضَّبط كما أرادوه أن يكون .
هذا تقريبًا ما فعله الخالقُ سبحانه مع خَلْقه , ولِلَّه المثَلُ الأعلى . فقد اختار الإسلامَ دينًا لِكُلِّ البشريَّة منذ بداية الخليقة , ثمَّ سَنَّ لِكُلِّ نبيٍّ جديد تشريعات جديدة تُناسِبُ المجتمع الذي بعثه إليه , وربَّما أنزلَ عليه كتابًا جديدًا . فلمَّا بعث محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم خاتمًا لكلِّ الأنبياء , أكملَ له الدِّين , يقول تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا } (5- المائدة 3) . وببعْثَة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , ألْغَى اللَّهُ تعالى العملَ بالتَّشريعات التي قبْله , وبالكُتب التي قبله . فلَنْ يقبلَ بعد ذلك , وحتَّى قيام السَّاعة , غيْرَ الإسلام الذي أكملَه لمحمَّد , ولن يقبل غيْرَ القرآن الذي أنزله على محمَّد . وهذا بِنَصَّ القرآن : يقول اللَّه تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ 83 قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 84 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85 } (3- آل عمران 83-85) .
الآية 85 إذًا واضحة وصريحة : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85 } .
طبعًا , اليهودُ الذين عاشُوا مِن زَمن موسى عليه السَّلام إلى قبل مجيء عيسى عليه السَّلام , والنَّصارى الذين عاشُوا من زَمن عيسى عليه السَّلام إلى قبل مجيء محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وكلُّ مَن تبع نبيَّ زمانه قبل أن يأتيه نبيٌّ آخر , كلّ هؤلاء , إذا اتَّبعُوا نَبيَّهُم واستقامُوا على شريعته ولَم يُبَدِّلُوا ولَم يُحرِّفُوا بعده شيئًا , فإنَّهم يُعتبَرُون مسلمين وماتوا على الإسلام , وإن شاء اللَّه يدخلُوا جنَّة الرَّحمن . يقولُ اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 62 } (2- البقرة 62) . فاليهُود والنَّصارى والصَّابئين (يُقال أنَّهم أتباعُ النَّبيِّ إدريس عليه السَّلام) المذكُورون في هذه الآية , هم فقط الذين عاشُوا قبل نُبوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لأنَّ القرآن لا يُناقض نفسَه .
أمَّا بَعد نُبوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وحتَّى قيام السَّاعة , فلَن يقبل اللَّهُ غير الإسلام الذي أكملَه لمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . وكلُّ مَنْ بلَغَتْه دعوةُ الإسلام , مِن نَصارَى ويهود وغيرهم , مِن بَعد نُبوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وحتَّى قيام السَّاعة , فلم يقبلْها ومات على ذلك , سيُحرَم من دخول الجنَّة , ومن رؤية اللَّه عزَّ وجلَّ , وسيكون مصيرُه إلى النَّار خالدًا فيها ! هذا ما ذكَره القرآن : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85 } .
وأرجوكَ أيُّها القارئ الكريم , لا يكن ردّ فِعْلك على هذا الكلام أن تقول أنَّ هذا تعصُّبٌ للإسلام , وعدم اعتراف بالدِّيانات الأخرى ! بل فكِّرْ بهدوء , بعقلك وبمنطقك ! ارْجع إلى المثال الذي أخذناه فيما يخصّ التَّنقيحات في البرامج الدِّراسيَّة , واسمح لي أن أسألك : لو أنَّ إدارة التَّعليم في بَلَدك أدْخَلَتْ على مادَّة مُعيَّنة تعديلات تخدم مصلحة الطَّلَبة والمدرِّسين , وأصدرتْ بهذه المناسبة كتابًا جديدًا , ثمَّ أعلنتْ أنَّه ابتداءً من ذلك اليوم , سوفَ يقع العَمَل بالبرنامج الجديد وبالكتاب الجديد , ويُلغَى بالتَّالي العملُ بالكتاب القديم , هل ستَعتبر أنَّ قرار الإدارة ظالِم , أم بالعكس حكيمٌ وعادل ؟
بالطَّبع ستقول أنَّه قرارٌ حكيمٌ لأنَّه يتماشَى مع احتياجات الجيل الجديد , ويخدم مصلحتهم .
حسنًا ! فماذا لو رفض بعضُ الطَّلبة والمدرِّسين البرنامج الجديد , لا لشيء إلاَّ لأنَّهم يُريدون أن يتشبَّثوا بالكتاب الذي درسَ به آباءُهم ؟
أغلبُ الظَّنِّ أنَّك ستقول أنَّ هؤلاء مُتَزمِّتون لأنَّهم يَرفضون ما فيه منفعتهم ! أليس كذلك ؟
فلماذا تجد إذًا صعوبة في قبول ما ذكرْتُه لَك , من أنَّ اللَّه عندما أنزل القرآن ألْغَى العملَ بالتَّوراة والإنجيل وغيرهما من الكُتب المقدَّسة , وعندما أكملَ الإسلامَ للنَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ألْغَى العملَ بالشَّرائع التي جاء بها موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء , عليهم السَّلام ؟ هل لأنَّ الأمر يتعلَّق بالدِّين ؟!
وإذا كنت تظُنُّ أنَّ إلغاء العمل بالكُتب السَّابقة يعني عدم الاعتراف بها وبِمَنْ جاء بها , فهذا غير صحيح ! فالمسلمُ يُؤمنُ حقيقةً , وليس مجرَّد كلام , بجميع الأنبياء السَّابقين , ويعتبرُهم أشْرف النَّاس , ويُؤمنُ بكلِّ الكُتب التي أُنزلتْ عليهم , ويعتبرها كُتبًا مقدَّسة . ويؤمنُ أيضًا أنَّ كلَّ مَنْ تَبِعَ نَبيَّ زمانه يكونُ إن شاء اللَّه من الفائزين برضاء اللَّه وجنَّته يوم القيامة .
فأين المشكلة إذًا ؟! ومَنْ هو المتعصِّب في هذه الحالة : الذي امتثلَ لِقَرار اللَّه , فقَبِلَ التَّشريع الجديد وعملَ بالكتاب الجديد , أم الذي أصرَّ على العَمَل بالتَّشريع القديم وبالكتاب القديم ؟!
أخيرًا , لا تَنسَ أنَّ الآيات التي ذكرتُها لك في هذا العنصر , والتي أعلنتْ أنَّ اللَّه لَنْ يقبل غير الإسلام , مأخوذةٌ من القرآن الكريم , الكتاب الذي تحدَّثَ عن حقائق علميَّة لم يتمَّ اكتشافُها إلاَّ حديثًا , مِمَّا يدلُّ على أنَّه مُنزَّلٌ من عند اللَّه . فهذه الآيات هي إذًا كلامُ اللَّه , لا شكَّ في ذلك . فهل لديك اعتراضٌ على كلام خالِقِك ؟!
أسأل اللَّه أن يُزيل الغشاوة عن قلبك ويهديك إلى الإسلام . فربَّما تكون هذه أوَّل مرَّة تسمع فيها هذا الكلام , وربَّما لن تتوفَّر لك فرصة سماعه مرَّة أخرى , فتنشغل بأمور الدُّنيا , وتموت على غير الإسلام , فتخسر كلّ شيء ! نعم , تخسر كلّ شيء ! هذا ما ذكَرتْهُ الآية بكلِّ وضوح : { وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85 } .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:02
ما يجب معرفته بخصوص التّوراة والإنجيل
ذكَر اللَّهُ تعالى في القرآن الكريم أنَّه أنزل التَّوراة على موسى والإنجيل على عيسى , عليهما السَّلام , وأنَّه أَوْكَلَ إلى أتباعهما حِفْظَ الكتابَيْن من أن تقع فيهما زيادة أو نقص أو تحريف .
يقول تعالى بخصوص التَّوراة : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ 44 } (5- المائدة 44) .
فاللَّهُ تعالى جعلَ إذًا الأحبارَ حَفَظَةً على التَّوراة . لكنَّهم لم يُحافِظوا عليها , وحرَّفُوها وبدَّلُوا فيها حَسْب أهوائهم , فأصبحتْ خليطًا مِن حَقّ وباطل . ففضَحهم اللَّه تعالى بقوله : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ 79 } (2- البقرة 79) .
وقال أيضًا عنهم : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 78 } (3- آل عمران 78) .
وقال أيضًا : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ 44 وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا 45 مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً 46 } (4- النّساء 44-46) .
وقال : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 71 } (3- آل عمران71) .
وقال : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 75 } (2- البقرة 75) .
وقال : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ 91 } (6- الأنعام 91) .
وقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 174 } (2- البقرة 174) .
وقال : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ 15 } (5- المائدة 15) .
كلُّ هذه الآيات إذًا تُبَيِّنُ أنَّ أحبار اليهود لَم يُحافِظُوا على التَّوراة التي أُنزِلَتْ على موسى عليه السَّلام , وحذفُوا منها وزادُوا مِن عندهم كما طاب لهم ! وعليه , فإنَّ التَّوراة الموجودة اليوم بين أيدي اليهود مُحَرَّفة بشهادة اللَّه في القرآن .
ولِلْعلم , فإنَّ هذه التَّوراة , والتي ينسبُها اليهودُ إلى موسى عليه السَّلام , تتكوَّن من خمسة أسفار , هي : سفْر التَّكوين , وسفْر الخروج , وسفْر اللاَّويِّين , وسفْر العدد , وسفْر التَّثنية .
ولكن هناك أسفارٌ أخرى ينسبُها اليهود إلى أنبياء بني إسرائيل :
- منها أسفار تاريخيَّة , وعددُها اثنَا عشر , وهي : سفْر يشوع , سفْر القضاة , سفْر راعوث , سفْر صموئيل الأوَّل , سفْر صموئيل الثَّاني , سفْر الملوك الأوَّل , سفْر الملوك الثَّاني , سفْر أخبار الأيَّام الأوَّل , سفْر أخبار الأيَّام الثَّاني , سفْر عزرا , سفْر نحميا , سفْر أستير .
- ومنها أسفار الشِّعر والحكمة , وتُنسَبُ أغلبُها إلى داوُد وسليمان عليهما السَّلام , وعددها خمسة , وهي : سفْر أيُّوب , سفْر المزامير , سفْر الأمثال , سفْر الجامعة , سفْر نشيد الإنشاد .
- ومنها الأسفار النَّبويَّة , وعددها سبعة عشر , وهي : سفْر أشعياء , سفر أرمياء , سفْر مراثي أرمياء , سفْر حزقيال , سفْر دانيال , سفْر هوشع , سفْر يوئيل , سفْر عاموس , سفْر عوبديا , سفْر يونان , سفْر ميخا , سفْر ناحوم , سفْر حبقوق , سفْر صفينا , سفْر حجي , سفْر زكريَّا , سفْر ملاخي .
هذا إذًا بخصوص التَّوراة .
أمَّا عن الإنجيل , فيقول اللَّه تعالى : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 46 } (5- المائدة 46) .
ويُصرِّح اللَّهُ تعالى في آية أخرى أنَّ مجيء النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مذكُورٌ في التَّوراة التي أُنزلتْ على موسى وفي الإنجيل الذي أُنزل على عيسى , عليهما السَّلام , فيقول تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 157 } (7- الأعراف 157) .
فالرَّسولُ النَّبيُّ الأُمِّيُّ المذكور هنا , هو محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . وحتَّى لا يترُكَ اللَّهُ تعالى لنا مجالاً للشَّكِّ في هذا الأمر , ذكَر في آية أخرى أنَّ عيسى عليه السَّلام بَشَّر أتباعَه أنَّه سيأتي من بعده نبيٌّ يُسمَّى أحمد (وهو محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) . يقول تعالى : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ 6 } (61- الصّفّ 6) .
لكنَّ النَّصارى لم يتحدَّثُوا أبدًا بهذه البشارة , وعندما جاء النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كَفَرُوا بِنُبُوَّته !
وإذا كان أحبارُ اليهود قد حرَّفُوا توراة نبيِّهم , فإنَّ النَّصارى أضاعُوا الإنجيل الذي أُنزِلَ على عيسى عليه السَّلام , ثمَّ كتبُوا من عندهم كُتُبًا عديدة أسْمَوْها أناجيل , وضمَّنُوها عقائد مُحرَّفَة بعيدة كُلَّ البُعد عن شريعة عيسى عليه السَّلام ! بل ووصل بهم الأمر أن ادَّعَوْا أنَّ عيسى ابنُ اللَّه , تعالى اللَّه عن قولهم عُلُوًّا كبيرًا !
فردَّ اللَّهُ تعالى على ادِّعائهم هذا ردًّا عنيفًا في مواضع عديدة من القرآن الكريم , من ذلك قوله تعالى : { وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 30 اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 31 } (9- التّوبة 30-31) .
وسنتحدَّثُ عن هذا الأمر بالتّفصيل , في عناصر لاحقة من هذا الكتاب بإذن اللَّه .
هذا إذًا بعض ما ذكَره القرآنُ عن التَّوراة والإنجيل .
أمَّا الباحثون في تاريخ الدِّيانات , فيقولون أنَّ التَّوراة الأصليَّة التي أُنزِلتْ على موسى عليه السَّلام أُتْلِفَت بعد موته خلال حرُوب بني إسرائيل مع بعض الملوك الطُّغاة , مثل بُخْتنصر Nabuchodonosor II سنة 586 قبل ميلاد المسيح . فحاولوا فيما بعدُ كتابتَها من جديد بالاعتماد على ذاكرتهم , فخلَطوا فيها كثيرًا من المعتقدات البعيدة عن شريعة نبيِّهم !
والتَّوراةُ الموجودة عند اليهود اليوم منقولة عن مخطوطات مختلفة , كَتَبَها كُتَّاب مختلفون , ليس في حياة موسى عليه السَّلام , وإنَّما بعد وفاته بأكثر من خمسة عشر قرن .. فقط ! فهي إذًا , بشهادة المؤرِّخين , ليست التَّوراة الأصليَّة .
وبالنِّسبة للإنجيل الذي أُنزلَ على عيسى عليه السَّلام والمذكُور في القرآن الكريم , فلَم يَجِد المؤرِّخون له أثَرًا ! ولكنَّ الذي ثَبتَ لَدَيْهم أنَّ بعضَ تلاميذ عيسَى عليه السَّلام , وبعضَ مَن جاء بعدَهم , كتَب كلّ واحد منهم كتابًا عن سيرة هذا النَّبيِّ الكريم وأقواله وتعاليمه , ولم يَقصد أبدًا من كتابته أن تُصبح مقدَّسة . فكانت هذه الكُتب تُسَمَّى "موعظة" , ثمَّ أُطلِقَ عليها اسم "مذكّرات الرُّسُل" , وذلك حوالَيْ سنة 150 م , ثمَّ سُمِّيَت أناجيل , وذلك عندما شعُرت الكنيسة بضَرورة أن يكون لديها أسفارٌ مُقَدَّسة مثل التي عند اليهُود ! ثمَّ بدأت الخلافات بين الكنائس في اختيار الأناجيل التي يُمكنُ اعتمادها , وفي ترتيبها في الكتاب المقدَّس !
وفي سنة 325 م , عُقِد أوَّل مجمع للكنائس 1er Concile de Nicée بِطَلب من إمبراطور روما قسطنطين الأوَّل , وكان الهدف منه الفصل في الخلاف الحاصل حول حقيقة عيسى عليه السَّلام . وانفضَّ المجمع بإقرار أنَّ عيسى ابنُ اللَّه ! وتَمَّ اختيار أربعة أناجيل فقط من بين حوالي سبعين إنجيلاً ! وهذه الأناجيل الأربعة هي المعتَمَدة اليوم عند مختلف فِرَق النَّصارى , وهي : إنجيل متى Saint-Matthieu , وإنجيل مرقس Saint-Marc , وإنجيل لوقا Saint-Luc , وإنجيل يوحنَّا Saint-Jean .
ومَنْ تأمَّل فيها , وجدَ بينها اختلافات جوهريَّة كثيرة , وهذا باعتراف النَّصارى أنفُسهم ! ويمكن الرُّجوع في هذا الأمر إلى أيّة موسوعة غربيَّة عن الدِّيانات .
ويُضيف المسلمون أنَّ هذه الأناجيل ليس هناك ما يُثبتُ صحَّة نسبتها إلى أصحابها , وأنَّها ليست مقدَّسة لأنَّها عملٌ بَشَري , وأنَّ فيها أقاويل مغلوطة لا يمكن أبدًا نِسْبَتها إلى اللَّه تعالى ولا إلى نبيِّه الكريم عيسى عليه السَّلام . وسنذكر في العناصر الموالية أمثلة عن ذلك , وسنذكر أيضًا أمثلة عن التَّحريفات الموجودة في توراة اليهود .
ثمَّ إنَّ أيَّ باحث عن الحقيقة بإخلاص , يستطيع بفطرته السَّليمة وبعقله أن يتفطَّن , من خلال قراءته لهذه الكتب , إلى أنَّ فيها أقاويل لا يمكن أن تصدر عن خالق هذا الكون أو عن أحد أنبيائه الكرام .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:06
لو كان موسى بيننا لتبرَّأ من توراة اليهود !
لِماذَا ؟! لِأنَّها ببساطة ليست هي التَّوراة المذكورة في القرآن , والتي أنزلَها اللَّهُ عليه ! وسأعرض عليك , سيِّدتي الكريمة , سيِّدي الكريم , فيما يلي العديد من الأدلَّة على ذلك , مع ملاحظة أنَّ التّرجمة العربيَّة لِنُصوص الكتاب المقدّس التي سنَستشهدُ بها في هذا الكتاب , مأخوذة كلُّها من موقع نصراني (http://www.bible.com/), أي ترجمة النَّصارى أنفُسهم لِكِتابهم المقدَّس :
جاء في سفْر التَّثنية : فَماتَ هناكَ موسَى عَبْدُ الرَّبّ في أرض مُوآب حَسبَ قَوْل الرَّبِّ . ودفَنَه في الجِوَاء في أرض مُوآب مُقَابل بَيْت فَغُور , ولَمْ يَعرفْ إنسانٌ قَبْرَه إلى هذا اليَوم . وكان مُوسَى ابنَ مائة وعشرين سنة حينَ ماتَ , ولَم تَكِلْ عَينُه ولا ذهبتْ نَضارتُه . فَبَكَى بَنُو إسرائيل مُوسَى في عَربات مُوآب ثلاثينَ يومًا , فكملتْ أيَّامُ بُكاء مَناحة مُوسَى . (سفْر التّثنية – الإصحاح الرّابع والثّلاثون 5 – 8) .
المعروفُ أنَّ التَّوراة أُنزلتْ على موسَى عليه السّلام في حياته . فهل يُعقَل إذًا أن يكون فيها خبرٌ , في الماضي وليس تنبُّؤ في المستقبل , أنَّك يا موسى قد مُتَّ ابن مائة وعشرين سنة , ودُفنتَ في أرض مُوآب , وبَكَى عليكَ بَنُو إسرائيل ثلاثين يَومًا ؟!
طبعًا لا يُعقَل ! وإنّما الأقرب إلى العقل أنَّ هذا الكلام كتبهُ إنسانٌ بعد وفاة موسى عليه السَّلام ودَفْنه وبُكَاء بني إسرائيل عليه . ولو كان هذا الأمر معقولاً , لَأصبح إذًا من المعقول أيضًا أن تكتبَ أنت في مذكِّراتك الشَّخصيَّة مثلاً : أنا متُّ عن سنِّ مائة سنة , ودُفنتُ في مكان كذا , وسنة 7000 م وقع كذا وكذا !!
وجاء في سفْر العدد : وأمَّا الرَّجلُ مُوسَى فكانَ حليمًا جدًّا , أكثر من جميع النَّاس الذين على وجه الأرض . (سفْر العدد – الإصحاح الثّاني عشر 3) .
فهذا الثَّناءُ على موسى عليه السَّلام جاء بصيغة الماضي , وبالتَّالي ليس من المعقول أن يكون قد أوحيَ إليه في حياته من طرف اللَّه عزَّ وجلَّ ! وإنَّما المنطقُ يقول أنَّ هذا الكلام كتبه إنسانٌ بعد وفاة موسى عليه والسّلام , يَمدحُ فيه حِلْمَه .
وجاء في سفْر التّكوين : فلمَّا سمع أبرامُ أنَّ أخاه سُبِيَ , جَرَّ غِلْمانَه المتمرِّنين ولْدانَ بيته ثلاث مائة وثمانية عشر وتَبعَهُم إلى دان . (سفْر التّكوين – الإصحاح الرّابع عشر 14) .
وهذا الكلام لا يُمكنُ أن يكون أوحيَ على موسى عليه السَّلام , لأنَّ مدينة دان لم تُسَمَّ بهذا الاسم إلاَّ في عهد القُضاة , أي بعد وفاة موسى بأكثر من قرن ! والدَّليل على ذلك ما ذُكِر في سفْر القُضاة : ولَم يكُنْ مَن يُنقِذُ لأنَّها بعيدةٌ عن صيدُون , ولَم يكُن لهم أمرٌ مع إنسان وهي في الوادي الذي لِبَيْت رَحُوب . فَبَنَوا المدينة وسكَنُوا بها . ودَعوا اسمَ المدينة دانَ , باسْم دان أبيهم الذي وُلِدَ لإسرائيل . ولكنَّ اسمَ المدينة أوَّلاً لاَيش . (سفْر القضاة – الإصحاح الثَّامن عشر 28 – 29) .
وجاء في سفْر التّكوين , في قصَّة نوح عليه السّلام , أنَّ اللَّه أمَره أن يحمل معه في السَّفينة مِن كلِّ حَيٍّ زوجَيْن اثنين , ذكرًا وأنثَى : ولكن أقيمُ عهدي معكَ , فتدخلُ الفُلكَ أنتَ وبَنُوكَ وامرأتُكَ ونساءُ بنيكَ معكَ . ومن كلِّ حَيٍّ من كلِّ ذي جَسَدٍ اثْنَيْن من كُلٍّ تُدخِلُ إلى الفُلْك لاسْتِبْقائها معكَ , تكونُ ذكرًا وأنثَى . منَ الطُّيُور كأجْناسها ومنَ البهائم كأجناسها ومن كلِّ دبَّابات الأرض كأجناسه , اثْنَيْن من كُلٍّ تُدخِلُ إليكَ لِاسْتِبْقائها . (سفْر التّكوين – الإصحاح السّادس 18 – 20) .
ولكن جاء في نفس السِّفْر أنّ اللّهَ أمرَ نوحًا أن يحمل معه في السَّفينة من الطُّيور والبَهائم سبعة أزواج , وليس زوجَيْن اثنين : وقالَ الرَّبُّ لِنُوح : ادخُلْ أنتَ وجميع بيتكَ إلى الفُلْك لِأنِّي إيَّاكَ رأيتُ بارًّا لَديَّ في هذا الجيل . من جميع البَهائم الطَّاهرة تأخذُ معكَ سبعةً سبعةً , ذكَرًا وأنثَى , ومن البهائم التي ليستْ بطاهرَة اثْنَيْن : ذكَرًا وأنثَى . ومن طُيُور السَّماء أيضًا سبعةً سبعةً : ذكَرًا وأنثَى , لِاسْتِبْقاء نَسْلٍ على وَجْه كُلِّ الأرض . (سفْر التّكوين – الإصحاح السّابع 1 – 3) .
وهذا تناقض واضحٌ بين النُّصوص !
وجاء في سفْر الخروج أنَّ الإنسان لا يقدرُ أن يرى اللّه تعالى : وقال (أي اللَّهُ تعالى لِمُوسَى) : لا تقدر أن تَرَى وَجْهي لِأنّ الإنسانَ لا يَراني ويَعيش . (سفْر الخروج – الإصحاح الثّالث والثّلاثون 20) .
ولكن جاء في نفس السِّفْر أنَّ موسى وشيُوخ إسرائيل رأوا اللّه : ثمَّ صعدَ موسَى وهارونُ ونادابُ وأبيهُو وسبعُون من شُيُوخ إسرائيل . ورأوا إلَهَ إسرائيلَ وتحتَ رجْلَيْه شِبْهُ صَنعةٍ من العقيق الأزرق الشَّفَّاف وكذَاتِ السَّماء في النَّقاوة . (سفْر الخروج – الإصحاح الرّابع والعشرون 9 – 10) .
فأيُّ النَّصَّين أصحّ ؟!
حتَّى الأسفار التي ينسبُها اليهود إلى بعض أنبيائهم , تضمَّنتْ أيضًا تناقضات بين النُّصوص !
فقد جاء مثلاً في سفْر حزقيال : لِأجْل ذلك هكذا قال السَّيِّدُ الرَّبُّ : من أجْل أنَّكم ضججْتُم أكثر من الأمَم التي حَوالَيْكُم ولَم تسلُكُوا في فرائضي , ولَم تعملُوا حسبَ أحكامي ولا عملْتُم حسبَ أحكام الأمَم التي حوالَيْكُم . (سفْر حزقيال – الإصحاح الخامس 7) .
ولكن جاء في نفس السِّفر : فتعلَمُون أنِّي أنا الرَّبُّ الذي لَم تسلُكُوا في فرائضه ولَم تعملُوا بأحكامه , بل عملتُم حسبَ أحكام الأمَم الذين حولَكُم . (سفْر حزقيال – الإصحاح الحادي عشر 12) .
فهل عملَ بَنُو إسرائيل حسب أحكام الأمَم المجاورة أم لم يعملُوا ؟!
وجاء في سفْر صموئيل الثّاني : ولَم يَكُنْ لِميكالَ بنْتِ شاوُل وَلدٌ إلى يَوم موتها . (صموئيل الثَّاني – الإصحاح السَّادس 23) .
ولكن جاء في نفس السِّفْر : فأخذَ الملِكُ ابْنَيْ رصْفَة ابنَة أيَّة اللَّذَيْن ولَدَتْهُما لِشَاوُل : أرموني ومَفِيبُوشَث , وبَنِي مِيكالَ ابنَة شَاوُل الخمسَة الذين وَلَدَتْهُم لِعَدْرئيلَ بن بَرزلاّي المحوليّ . (صموئيل الثّاني – الإصحاح الحادي والعشرون 8) .
فهل كان لِميكالَ بنت شاوُل أولاد أم لا ؟!
وتضمَّنت هذه الأسفار أيضًا ذكْر أحداثٍ , بصيغة الماضي , وقعَتْ بعد وفاة النَّبيِّ الذي يُنسبُ إليه السِّفْر !
فقد جاء مثلاً في سفْر النَّبيِّ يشوع بن نون , وصيّ موسى , عليهما السَّلام : وكانَ بعدَ هذا الكلام أنّه ماتَ يَشُوع بن نُون عبدُ الرَّبِّ ابن مائة وعَشر سنين . فدفنُوه في تُخُم مُلْكه , في تِمْنَة سارح التي في جَبَل أفْرايم شمالي جَبَل جاعش . (سفْر يشوع – الإصحاح الرّابع والعشرون 29 – 30) .
فكيف يمكنُ أن يكتُبَ يَشُوع عن نَفْسه أنّه ماتَ وعمرُه مائة وعشر سنين , ودُفِنَ في مكان كذا ؟!
وجاء في سفْر صموئيل الأوَّل : وماتَ صموئيلُ , فاجتمعَ جميعُ إسرائيل ونَدبُوه ودفنُوه في بَيْته في الرَّامَة , وقامَ داوُد ونزلَ إلى بَريَّة فارَان . (سفْر صموئيل الأوَّل – الإصحاح الخامس والعشرون 1) .
فكيف يُعقل أن يَكتُب النَّبيُّ صموئيل عن نفسه أنَّه مات ودُفن ؟! وإذا كان خبرُ موته قد ذُكِر في السِّفر الأوَّل , فمَن أَكملَ كتابة هذا السِّفْر ؟! ومَن كتبَ السِّفْر الثّاني الذي يُنسبُ أيضًا لهذا النَّبيّ ؟!
وتبقى الأمثلة كثيرة في هذا المجال .
ولو أنَّكَ سيِّدي سألتَ اليهود عن مصدر التَّوراة التي بين أيديهم اليوم , لَقالُوا جميعًا أنّها كلامُ اللَّه أنزلهُ على موسى عليه السَّلام ! لكن لو سألتَهُم كيف شقَّتْ طريقها عبر آلاف السِّنين حتّى وصلَتْ إليهم بأمانة , دون أيِّ تحريف ؟ ومَن الذي نسخَها عن مَن , حتَّى نصل إلى موسى عليه السَّلام ؟ وما ردُّكم على التّناقضات الواضحة التي تحتوي عليها ؟ لَما وجدتَ أحدًا يُجيبُك عن هذه الأسئلة ! وإن أجابك البعضُ , فستجد إجاباتهم متناقضة جدًّا , ولا ترتكز على عقل ولا منطق **!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:07
ولو كان موسى بيننا لتبرَّأ من اليهود !
لِماذَا ؟! لأنَّهم نسبُوا النّقائص إلى اللَّه سُبحانه , واتَّهموا أنبياءه بالزِّنا وشُرب الخمر , وحرَّفُوا التّوراة وأضافُوا إليها أكاذيب تقشعرّ منها الأبدان , وادَّعَوا أنَّ كلّ ذلك وحيٌ من عند اللَّه ! وسأعرض عليك , سيِّدتي الكريمة , سيِّدي الكريم , فيما يلي العديد من الأدلَّة على ذلك :
أمَّا الأكاذيب على أنبياء اللَّه , فقد جاء في سفْر التّكوين : وصَعدَ لُوط من صُوغَر , وسكنَ في الجبَل وابْنَتاه معه لأنَّه خافَ أن يسكُنَ في صُوغَر . فسكنَ في المغَارة هو وابْنتاهُ . وقالت البكْرُ للصَّغيرة : أبُونا قد شاخَ وليسَ في الأرض رجلٌ لِيَدخُلَ علينا كعادة كلِّ الأرض . هلُمَّ نَسْقِي أبانَا خَمْرًا ونَضْطجع معه فَنُحْيِي مِنْ أبينَا نَسْلاً . فَسَقَتَا أبَاهُما خَمْرًا في تلكَ اللَّيلة , ودخلَت البِكْرُ واضْطَجَعَتْ مع أبيها ولَمْ يَعْلَمْ باضْطِجاعِها ولا بقِيَامها . وحدثَ في الغَد أنَّ البكْرَ قالتْ للصَّغيرة : إنِّي قد اضْطَجَعتُ البارحةَ مع أبي , نَسْقِيه خَمْرًا اللَّيلَة أيضًا , فادْخُلي اضْطَجِعِي معه فَنُحْيِي مِنْ أبينَا نَسْلاً . فَسَقَتَا أباهُما خَمْرًا في تلكَ اللَّيْلَة أيضًا , وقامَت الصَّغِيرة واضْطَجعَتْ معه ولَم يَعْلَم باضْطِجاعِها ولا بِقِيَامِها . فحَبَلَت ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أبيهِما . فوَلَدَت البكْرُ ابْنًا ودَعَت اسْمَهُ مُوآب , وهو أبُو الموآبِيِّين إلى اليَوم . والصَّغيرةُ أيضًا ولَدَت ابْنًا ودَعَت اسْمَهُ بنْ عَمِّي , وهو أبُو بَني عَمُّونَ إلى اليَوم . (سفْر التّكوين – الإصحاح التّاسع عشر 30 - 37) .
سُبحان اللّه ! هل تُصدِّق سيِّدي الكريم أنَّ النَّبيَّ لوطًا عليه السَّلام الطَّاهر العفيف , يشربُ خمرًا ثمَّ يزني بابْنَتَيْه , فيُنجِبان له ولَدَين , ثمَّ يفضحُ اللَّه تعالى نبيَّه هذا في التَّوراة المقدَّسة !!
واللَّهِ إنَّ هذا لكذبٌ وافتراءٌ على اللَّه تعالى وعلى نبيِّه الطَّاهر الشَّريف . ويكفي لوطًا فخرًا أنَّ اللَّهَ تعالى شهد له في القرآن الكريم بأنَّه كان من الصَّالحين , يقول تعالى : { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ 74 وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ 75 } (21- الأنبياء 74-75) .
وجاء في سفْر التّكوين : فأُخْبِرَتْ ثَامار : هُوَ ذَا حَمُوكِ صاعدٌ إلى تِمْنَة لِيَجُزَّ غَنَمَهُ . فخَلعَتْ عنها ثِيَابَ تَرَمُّلِها وتَغطَّتْ ببُرْقُع وتلَفَّفَتْ , وجلَسَتْ في مَدْخَل عَيْنَايم التي على طريق تِمْنَة , لِأنَّها رأتْ أنَّ شِيلَة قَد كَبُرَ وهي لَم تُعْطَ له زوجة . فنَظَرها يَهُوذَا وحَسِبَها زانِيَة لِأنَّها كانتْ قد غَطَّتْ وَجْهها . فَمالَ إليْها على الطَّريق وقال : هاتِي أدخُلْ علَيْكِ , لِأنَّه لَم يَعلَمْ أنَّها كنَّته , فقالتْ : ماذا تُعْطِيني لِكَيْ تَدْخُلَ علَيَّ ؟ فقالَ : إنِّي أُرْسلُ جَدْيَ مِعْزَى مِنَ الغَنَم , فقالتْ : هلْ تُعْطيني رَهْنًا حتَّى تُرْسِلَه ؟ فقالَ : ما الرَّهْنُ الذي أعْطِيكِ ؟ فقالتْ : خاتمكَ وعِصابتك وعصاكَ التي في يَدِك , فأعطاها , ودخلَ عليْها , فحَبَلَتْ منه . (سفْر التّكوين – الإصحاح الثّامن والثّلاثون 13– 18) .
فهل يُعقَل سيِّدتي الكريمة أن يحكي اللَّه تعالى على صفحات كتابه المقدَّس كيف يزني الأبُ بزوجة ابنه ؟!! هل يُعقل أن تكون هذه هي التَّوراةُ التي وصفها اللَّهُ في القرآن الكريم بأنَّ فيها هُدًى ونُورًا ؟!
أبدًا , لا يُعقل ! ولا يُمكنُ لأيِّ عاقل أن يُصدِّق أنَّ هذا الكلام وحيٌ من عند اللَّه .
وجاء في سفْر التّكوين : وابتدأ نُوح يكونُ فلاَّحًا وغرَسَ كَرْمًا . وشربَ من الخمْر فسَكرَ وتَعرَّى داخلَ خبائه . فأبصرَ حامٌ أبُو كَنْعان عَوْرةَ أبيه وأخبرَ أخَوَيْه خارجًا . فأخذَ سامٌ ويافَثُ الرِّداء ووضعاهُ على أكتافهما , ومَشَيَا إلى الوراء وسَتَرَا عَوْرةَ أبيهما ووجهاهُما إلى الوراء , فلم يُبصِرا عَوْرةَ أبيهما . فلمَّا استيقظَ نوحٌ من خَمره علمَ ما فعلَ به ابنهُ الصَّغير . فقالَ : مَلعونٌ كَنعانُ , عبدُ العبيد يكونُ لإخوته . وقال : مُباركٌ الرَّبُّ إلهُ سام , ولْيَكُنْ كنعانُ عبدًا له . (سفْر التّكوين – الإصحاح التّاسع 20 – 26) .
فهل يُعقل أن يَشرب نوحٌ عليه السَّلام الخمر ويتعرَّى , ثمَّ يفيقُ ويعلمُ بِمَا فعل ابنُه حام , فيصُبُّ غضبه على كنعان (ابن حام) , الذي ليس له أيّة علاقة بالأمر ؟!!
واللَّهِ إنَّ كلّ هذا لَكذبٌ وافتراء على نبيّ اللَّه نوح عليه السَّلام ! وأين هذا من تكريم اللَّه سُبحانه له في القرآن الكريم , حيث يقول تعالى : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ 75 وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ 76 وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ 77 وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ 78 سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ 79 إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 80 إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ 81 ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ 82 } (37- الصّافّات 75-82) .
وجاء في سفْر العدد : فلمَّا سمع موسَى الشَّعبَ يبكونَ بعشائرهم , كلُّ واحد في باب خَيمته وحَميَ غضبُ الرَّبِّ جدًّا , ساء ذلكَ في عَيْنَيْ موسَى . فقال موسَى للرَّبّ : لِماذَا أسأتَ إلى عبدِكَ , ولِماذَا لَم أجِدْ نِعمَة في عَيْنَيْكَ حتّى أنَّكَ وضعتَ ثِقْلَ جميع هذا الشَّعب عَلَيَّ ؟ ألَعَلِّي حبلْتُ بجميع هذا الشّعب أو لَعَلِّي ولدتُه حتَّى تقولَ لي احْمِلْهُ في حِضنكَ كما يحملُ المربِّي الرَّضيعَ إلى الأرض التي حلفْتَ لِآبائه ؟ من أينَ لي لَحمٌ حتَّى أعطي جميعَ هذا الشّعب لأنَّهم يبكونَ عَليَّ قائلين : أعطِنَا لَحمًا لِنأكُلْ . لا أقدرُ أنا وحدي أن أحملَ جميعَ هذا الشّعب لأنَّه ثقيلٌ علَيَّ . فإن كنتَ تفعلُ بي هكذَا فاقْتُلْني قتلاً إن وجدتُ نِعْمَة في عَيْنَيْكَ فلا أرى بَلِيَّتي . (سفْر العدد – الإصحاح الحادي عشر 10 - 15) .
حتَّى موسَى عليه السَّلام , أعظم أنبياء بني إسرائيل , لَفَّق له اليهودُ هذا الكلام الذي فيه إساءة أدَب في الحديث إلى اللَّه , وهو منه براء !!
وجاء في سفْر الخروج : ولَمَّا رأى الشَّعبُ أنَّ موسَى أبطأ في النُّزول من الجبل , اجتمع الشَّعبُ على هارون وقالُوا له : قُم اصنعْ لنا آلهةً تسيرُ أمامنا لأنَّ هذا موسَى الرَّجل الذي أصعَدَنا من أرض مَصْر لا نعلمُ ماذا أصابَه . فقالَ لهم هارون : انزعُوا أقراطَ الذَّهب التي في آذان نسائكُم وبَنيكُم وبناتكُم وأتُونِي بها . فنزعَ كلُّ الشّعب أقراطَ الذَّهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون . فأخذ ذلكَ من أيديهم وصَوَّره بالإزميل وصَنعه عِجْلاً مَسْبُوكًا , فقالُوا : هذه آلِهتُكَ يا إسرائيلُ التي أصعدتكَ من أرض مصر . (سفْر الخروج – الإصحاح الثّاني والثّلاثون 1 – 4) .
فهل يُعقَل أن يُتَّهَم هارون عليه السَّلام بأنَّه هو الذي صنع لِبَني إسرائيلَ عجلاً من الذَّهب لِيَعبُدوه ؟!! حاشَى له وكلاَّ أن يفعل ذلك !
ونكتفي بمثال واحد من الأسفار التي ينسبُها اليهود إلى أنبيائهم : جاء في سفْر صموئيل الثَّاني : وكانَ في وقْت المساء أنَّ داوُد قامَ عن سريره وتَمشَّى على سطح بيت الملِك , فرأى مِنْ على السَّطح امرأةً تَستحِمُّ , وكانت المرأةُ جميلَةَ المنظر جدًّا . فأرسلَ داوُد وسألَ عن المرأة , فقال واحدٌ : أليسَتْ هذه بَتْشَبَع بِنْت أليعَام امرأةَ أوريَّا الحِتِّي . فأرسلَ داوُد رُسُلاً وأخذَها , فدخلتْ إليه فاضطجعَ معها وهي مُطَهَّرةٌ من طَمْثِها , ثمَّ رجعتْ إلى بيتها . وحبلَت المرأةُ , فأرسلَتْ وأخبرتْ داوُد وقالتْ : إنِّي حُبْلَى . فأرسلَ داوُد إلى يُوآب يقول : أرسلْ إلَيَّ أوريَّا الحِتِّي , فأرسلَ يُوآب أوريَّا إلى داوُد . فأتَى أوريَّا إليه , فسألَ داوُد عن سلامة يُوآب وسلامة الشَّعب ونَجاح الحرْب . وقالَ داوُد لِأوريَّا : انزلْ إلى بيتكَ واغسلْ رجْلَيكَ . فخرجَ أوريَّا من بيت الملِك , وخرجتْ وراءهُ حِصَّة من عند الملِك . ونامَ أوريَّا على باب بيت الملِك مع جميع عبيد سيِّده , ولَم ينزلْ إلى بيته . فقالُوا لِداوُد : لَم ينزلْ أوريَّا إلى بيته . فقالَ داوُد لِأوريَّا : أمَا جئتَ من السَّفر ؟ فلماذَا لَم تنزلْ إلى بيتكَ ؟ فقال أوريَّا لِداوُد : إنَّ التَّابُوتَ وإسرائيل ويَهُوذا ساكنُون في الخيام , وسيِّدي يُوآب وعبيدُ سيِّدي نازلُون على وجه الصَّحراء , وأنا آتي إلى بيتي لِآكُلَ وأشربَ وأضطجع مع امرأتي ! وحياتِكَ وحياة نفسكَ لا أفعلُ هذا الأمر . فقال داوُد لِأوريَّا : أقِمْ هنا اليومَ أيضًا , وغدًا أطْلقُك . فأقامَ أوريَّا في أورشَليم ذلكَ اليومَ وغَده . ودعاهُ داوُد فأكلَ أمامه وشربَ وأسْكَره . وخرج عند المساء لِيَضطجعَ في مَضجعه مع عبيد سَيِّده , وإلى بيته لَم ينزلْ . وفي الصَّباح كتبَ داوُد مكتوبًا إلى يُوآب وأرسلهُ بيد أوريَّا . وكتب في المكتوب يقول : اجعلُوا أوريَّا في وَجه الحرب الشّديدة , وارجعُوا من ورائه فيُضرب ويَموت . وكان في مُحاصرة يُوآب المدينة أنَّه جعلَ أوريَّا في الموضع الذي علِمَ أنَّ رجالَ البأس فيه . فخرج رجالُ المدينة وحاربُوا يُوآب , فسقطَ بعضُ الشَّعب من عبيد داوُد , ومات أوريَّا الحِتِّي أيضًا . (سفْر صموئيل الثّاني – الإصحاح الحادي عشر 2 – 17) .
نعم , هكذا يجترِئُ أحبارُ اليهود على أنبياء اللَّه , ويُلْصِقُون بهم أكبر الفواحش , وهم منها بَراء , ويَنشرون هذه الفضائح على صفحات كتابهم المقدَّس , ويدَّعون أنَّ كلَّ ذلك وحيٌ من عند اللَّه !!
فهل يُعقَل أن يزني النَّبيُّ داوُد عليه السَّلام بزوجة أحد جنوده الذي خرج للحرب , ثمَّ يُدبِّر مكيدة لِقتل هذا الجنديّ حتَّى لا يفتضح الأمر ؟!
هل يُعقَل أن تكون هذه أخلاقُ أنبياءٍ اصطفاهُم اللَّهُ من بين خلْقه ليحملُوا رسالاته ويكونُوا قُدوة للنَّاس ؟!!
أبدًا , لا يُعقل ! فالأنبياء جميعُهم , بدون استثناء , هم صَفْوةُ البَشَر , وكانُوا على أفضل خُلُق , وقد شهد اللَّه تعالى لهم بذلك في آيات عديدة من القرآن الكريم .
وأمَّا الأكاذيبُ على اللَّه تعالى , فقد جاء في سفْر التّكوين : وفرغَ اللَّهُ في اليوم السَّابع من عَمَله الذي عَمل . فاستراح في اليوم السَّابع من جميع عَمَله الذي عَمل . وباركَ اللَّهُ اليومَ السَّابع وقدَّسهُ لأنَّه فيه استراح من جميع عَمَله الذي عمل اللَّهُ خالقًا . (سفْر التّكوين – الإصحاح الثّاني 2 – 4) .
فهل يُعقَل أنَّ خالق هذا الكون بِما فيه , يتعبُ مثل البشَر ويحتاج إلى الرَّاحة بعد ستَّة أيَّام من العمل المتواصل ؟!! أبدًا , لا يُعقل !
وجاء في سفر التّكوين أيضًا : ورأى الرَّبُّ أنّ شَرَّ الإنسان قد كثُر في الأرض , وأنّ كلَّ تَصَوُّر أفكار قَلبِه إنَّما هو شِرِّيرٌ كلَّ يوم . فحزنَ الرَّبُّ أنَّه عملَ الإنسانَ في الأرض وتأسَّف في قلبه . فقال الرَّبُّ : أمْحُو عن وجه الأرض الإنسانَ الذي خَلَقْتُه : الإنسان مع بهائم ودبَّابات وطيور السَّماء لأنِّي حزنتُ أنِّي عملْتُهم . (سفْر التّكوين – الإصحاح السّادس 5 – 7) .
فهل يُعقَل أنَّ خالق هذا الكون بِما فيه , والعليم بما كان وما سيكون , يحزن ويتأسَّف ويندم أنَّه خلق الإنسان ثمَّ يُقرِّر مَحوه عن وجه الأرض ؟!! أبدًا , لا يُعقل !
وجاء في سفْر الخروج : وقالَ الرَّبُّ لِمُوسى وهارون في أرض مصر ... فإنِّي أجتازُ في أرض مصر هذه اللَّيلة , وأضربُ كلَّ بكْر في أرض مصر من النَّاس والبهائم , وأصنعُ أحكامًا بكلِّ آلهة المصريِّين , أنا الرَّبّ . ويكونُ لكم الدَّمُ علامة على البُيُوت التي أنتم فيها , فأرى الدَّمَ وأعبُر عنكم , فلا يكونُ عليكم ضربة للهلاك حينَ أضربُ أرضَ مصر . (سفْر الخروج – الإصحاح الثّاني عشر 1 – 13) .
أي أنَّ اللّهَ , حسبَ زعم اليهود , يحتاج أن يرى علامةَ الدَّم على بيوت بني إسرائيل , لكي لا يُخطئ ويُعاقبهم أيضًا عندما ينزل لمعاقبة المصريِّين ! تعالى اللَّهُ عَمَّا يقولون عُلُوًّا كبيرًا !!
وجاء في سفْر الخروج أيضًا : وقالَ الرَّبُّ لِموسَى : رأيتُ هذا الشَّعبَ وإذا هو شعبٌ صُلبُ الرّقَبة . فالآن اتْرُكني لِيَحمَى غضَبي عليهم وأُفنيهم فأصَيِّرَك شعبًا عظيمًا . فتضرَّع موسَى أمام الرَّبِّ إلَهه , وقال : لِماذا يا رَبّ يَحْمَى غَضَبُكَ على شعبكَ الذي أخرجْتَهُ من أرض مصر بقُوَّة عظيمة ويَدٍ شديدة ؟ لِماذا يَتكلَّمُ المصريُّون قائلين : أخرجَهُم بِخُبْث لِيَقتُلَهم في الجبال ويُفنيهم عن وجه الأرض ؟ ارجعْ عن حُمُوِّ غَضَبك وانْدَم على الشَّرِّ بشَعبك . واذكُرْ إبراهيمَ وإسحاقَ وإسرائيل عبيدَك الذين حلفْتَ لهم بنَفْسِكَ وقلتَ لهم أكَثِّرُ نسلَكُم كنُجُوم السَّماء وأعطي نسلَكُم كلَّ هذه الأرض التي تكلَّمتُ عنها فيَملكُونَها إلى الأبَد . فندمَ الرَّبُّ على الشَّرِّ الذي قال إنَّه يَفعلُه بِشَعْبه . (سفْر الخروج – الإصحاح الثّاني والثّلاثون 9 – 14) .
فهل يُعقل أنَّ اللَّه الحكيم العليم فكَّر في فعل شيء , فوَعظهُ موسَى وطلب منه العدول عن ذلك , فاتَّعظ اللَّهُ وندم على ما كان سيفعلُه ؟!! بل , هل يُعقل أن يَنسبَ اللَّهُ تعالى إلى نفسه كلَّ هذه النَّقائص , ثمَّ يُنزلُها في توراته المقدَّسة لكي يقرأها موسى على بني إسرائيل , ثمَّ تتناقلُها الأجيالُ من بعده ؟!!
طبعًا لا يُعقل ! ومع ذلك فإنَّ اليهود اليوم يقرأون هذه الأكاذيب , ويُصرُّون على أنَّها كلام اللَّه !!
وجاء في سفْر اللاَّويِّين : وقالَ الرَّبُّ لِمُوسَى : قُل لِهارون : إذا كان رجُلٌ من نَسْلِكَ في أجيالِهم فيه عيبٌ فلا يتقدَّم لِيُقَرِّبَ خُبْزَ إلَهه , لأنَّ كُلَّ رجُل فيه عيبٌ لا يتقدَّم . لا رجُلٌ أعمَى ولا أعرج ولا أفطَس ولا زوائدي . ولا رجُل فيه كَسْرُ رِجْلٍ أو كَسْرُ يَد . ولا أحدَبُ ولا أكثم ولا مَنْ في عينه بياض ولا أجْرب ولا أكْلَف ولا مَرضُوض الخصَى . كلُّ رجُل فيه عَيْبٌ مِن نَسْل هارون الكاهن لا يتقدَّم لِيُقرِّب وَقَائِدَ الرَّبّ , فيه عيبٌ لا يتقدَّم لِيُقرِّب خُبْزَ إلَهه , خُبْز إلَهه مِنْ قُدس الأقداس , ومنَ القُدْس يأكُل , لكن إلى الحجاب لا يأتي , وإلى المذبح لا يقتربُ , لأنَّ فيه عَيْبًا لِئلاَّ يُدنِّسَ مَقدسي لأنِّي أنا الرَّبُّ مُقدِّسُهم . (سفْر اللاَّويِّين – الإصحاح الحادي والعشرون 16 – 23) .
فهل يُعقل أنَّ اللَّه العادل الرَّحيم , لا يقبلُ ذبائح أصحاب الإعاقات الجسديَّة , ويَمنعهُم حتَّى من الاقتراب من المذبح بدعْوى أنَّهم نَجَس ؟!! هل يُعقل أنَّ اللَّه الحليم الكريم , ينظرُ إلى الأعمى والأعرج والأحدب ومكسور اليد أو الرِّجْل , على أنَّهم نَجَس ؟!! أيُّ افتراء هذا على اللَّه سُبحانه وأيُّ اجتراء على جلاله وعظمته ؟!!
وتضمَّنت الأسفار التي ينسبُها اليهود إلى بعض أنبيائهم أكاذيبَ أيضًا على اللَّه لا يقبلُها عقلٌ ولا منطق ! ونكتفي بذكر ثلاثة أمثلة فقط حتّى لا نُطيل :
جاء في سفْر ميخا أنَّ اللَّه تعالى قال عن نفسه : من أجل ذلكَ أنُوحُ وأُوَلْوِلُ , أمشِي حافيًا وعريانًا , أصنعُ نَحيبًا كبنات آوى , ونَوحًا كرعال النَّعام . (سفْر ميخا – الإصحاح الأوّل 8) .
وجاء في سفْر المزامير : فاستيقظَ الرَّبُّ كَنائِم , كجبَّار مُعَيِّط من الخمْر , فضربَ أعْداءَه إلى الوراء , جعلَهم عارًا أبديًّا . (سفْر المزامير – المزمور الثّامن والسّبعون 65) .
فهل يُعقل أن يُوصَف خالقُ السَّماوات والأرض وكلّ شيء في هذا الكون , بأنَّه يَنوح ويُوَلْولُ ويمشي حافيًا عريانًا , ويستيقظ مثل المخمور ؟!! تعالى اللّه عن قول الظّالمين عُلُوًّا كبيرًا !!
وجاء في سفر صموئيل الثّاني : هكذا قال الرَّبّ : هائَنَذَا أُقيمُ عليك الشَّرَّ من بيتكَ , وآخُذُ نساءَكَ أمام عَيْنَيْكَ وأُعطيهنَّ لِقَريبِكَ , فيَضْطجع مع نِسائكَ في عَيْن هذه الشَّمس . (سفْر صموئيل الثّاني – الإصحاح الثّاني عشر 11) .
فهل يُعقل أنَّ اللَّه تعالى يُعاقبُ داوُد عليه السَّلام بأن يأخذَ نساءَه ويُعطيهنَّ لِقَريبه لِيَزني بهنَّ !! أيّة وقاحة هذه وأيُّ بُهتان عظيم على اللَّه سبحانه ؟!!
وبالإضافة إلى الافتراءات على اللَّه تعالى وعلى أنبيائه الكرام , فقد تضمَّنت هذه الأسفار أيضًا قصصًا جنسيَّة يندَى لها جبينُ الحياء خجلاً !! وواللَّهِ إنَّ أيَّ إنسان عاقل لَيستطيع فقط بمجرَّد قراءتها أن يتيقَّن أنّها يستحيلُ أن تكون نصوصًا مُقدَّسة , وأنَّ مكانها الحقيقي هو .. كتُب الجنس !! وسأنقلُ لك سيّدي الفاضل بعض الأمثلة , وأرجو المعذرة لِقُبح ما ستقرأه , ولولا اضطراري للاستشهاد بها لَما سمحتُ لِنَفسي أن أنقلها في هذا الكتاب :
جاء في سفْر حزقيال : وكان إلَيَّ كلامُ الرَّبّ : يا ابنَ آدم , كانت امرأتَان ابْنَتَا أمٍّ واحدة , زَنَتَا بِمصْر في صِبَاهما , هناك دُغْدِغَتْ ثُدِيُّهُما , وهناك تزغْزَغَتْ ترائبُ عُذْرَتهما . واسمُها أهُولة الكبيرة وأهُوليبة أخْتُها ... ولَم تترُكْ زِنَاها من مصر أيضًا لأنّهم ضاجعُوها في صِبَاها وزغزغُوا ترائبَ عُذرتها وسكبُوا عليها زِنَاهُم ... فأتاها بَنُو بابل في مَضْجع الحُبِّ ونَجَّسُوها بزِنَاهُم , فتنجَّستْ بهم وجفَتْهُم نَفْسُها . وكشفَتْ زناها وكشفتْ عورَتها , فجَفَتْها نَفْسي كما جفتْ نَفْسي أخْتَها ... وعشقَتْ مَعشُوقيهم الذين لَحْمُهم كلَحْم الحمير ومَنِيُّهم كَمَنِيِّ الخَيْل ... (سفْر حزقيال – الإصحاح الثّالث والعشرون 1 – 21) .
فهل يُعقَل أن تأتي هذه الجُمل القذرة من اللَّه سُبحانه وتعالى ؟!!
أبدًا , لا يُعقَل !
وهل يجرؤُ رجالُ الدِّين على قراءة هذا الكلام الفاضح في المناسبات الدِّينيَّة , أمام الرِّجال والنِّساء والأطفال ؟!!
طبعًا لا يَجرؤون على فعل ذلكَ !
وجاء في سفْر الأمثال المنسُوب إلى النَّبيِّ سُلَيْمان عليه السَّلام : هَلُمَّ نَرْتَوِ وُدًّا إلى الصَّباح , نتلذَّذُ بالحبِّ لِأنَّ الرّجُلَ ليس في البيت , ذهبَ في طريق بعيدة . (سفْر الأمثال – الإصحاح السّابع 18 – 19) .
وجاء في سفْر نشيد الأناشيد المنسُوب أيضًا إلى النَّبيِّ سُلَيْمان عليه السّلام : ما أجملَ رِجْلَيْكِ بالنَّعلَيْن يا بنتَ الكريم , دوائرُ فَخذَيْكِ مثل الحليِّ صَنْعَة يَدَيْ صنَّاع , سُرَّتكِ كأسٌ مُدَوَّرة لا يُعْوِزُها شرابٌ ممزوجٌ . بَطْنُكِ صُبرةُ حِنْطَة مُسَيَّجة بالسَّوسن . ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْن تَوْأمَيْ ظَبْيَة ... (سفْر نشيد – الإصحاح السّابع 1 – 4) .
باللّه عليكِ سيِّدتي الفاضلة , كيف يُمكنُ لِأمٍّ أن تقرأ هذا الكلام الفاضح على بَنيها وبناتها , دون أن تشعُر بالخجل والاشمئزاز ؟!! بل كيف يمكنُ أن تحتفظَ في بيتها بكتابٍ يحتوي على هذه العبارت الجنسيَّة المخزيَة ؟!!
وجاء في سفْر إشعيا أنَّه قال لبني إسرائيل : أمَّا أنتم فتقدَّمُوا إلى هنا يا بَني السّاحرة , نَسْلَ الفاسق والزَّانية . (سفْر إشعياء – الإصحاح السّابع والخمسون 3) .
وجاء في سفْر حزقيال : فلذلكَ يا زانيَة اسمعي كلامَ الرَّبّ . هكذَا قال السَّيِّدُ الرَّبّ : من أجل أنَّه قد أُنفِقَ نُحاسُكِ , وانكشفَتْ عَورتُكِ بزناكِ بِمُحِبِّيك وبكلِّ أصنام رجاسَتِكِ , ولدماء بَنيكِ الذين بَذَلْتِهم لها , لذلك هائنذا أجمع جميع مُحِبِّيكِ الذين لذَذْتِ لهم , وكلّ الذين أحْبَبتهم مع كلِّ الذين أبْغَضْتِهم , فأجمعُهم عليكِ من حَولِكِ وأكشفُ عَوْرَتَكِ لهم لِيَنظُروا كلَّ عَوْرَتَك . (سفْر حزقيال – الإصحاح السّادس عشر 35 – 37) .
سبحان اللَّه وتعالى عمّا يفترون !! هل تدرين سيِّدتي كيف يُدافعُ الأحبار والرُّهبان عن هذه النُّصوص ؟
إنّهم يقولون بأنَّ هذه القصص الجنسيَّة المثيرة للشَّهوة , هي للعبرة والموعظة !!
وجاء في سفْر الملوك الأوَّل : وشاخَ الملِكُ داوُد , تقدَّم في الأيَّام , وكانُوا يُغَطُّونه بالثِّيَاب فلَم يَدفَأ , فقال له عَبيدُه : لِيُفَتِّشُوا لِسَيِّدِنا الملِك على فتاة عَذْراء , فَلْتَقِفْ أمامَ الملِك , ولتَكُن له حاضِنَة , ولْتَضْطَجِعْ في حِضْنِكَ فَيَدْفَأ سَيِّدُنا الملِك . (سفْر الملوك الأوّل – الإصحاح الأوّل 1- 2) .
وجاء في سفْر صموئيل الثّاني : وجرَى بعد ذلك أنَّه كان لِأبشالُوم بن داوُد أختٌ جميلةٌ اسمُها ثامار , فأحبَّها أمْنُون بن داوُد ... ثمّ قال أمْنُون لِثَامار : ائتِ بالطَّعام إلى المخدع فآكُل من يَدِك , فأخذتْ ثامارُ الكعكَ الذي عَمِلَتْه وأتَتْ به أمْنُون أخاها إلى المخْدَع , وقدَّمتْ له لِيَأكُل , فأمسكَها وقال لها : تعالَي اضْطَجِعي معي يا أختي , فقالتْ له : لا يا أخي , لا تُذِلَّني لأنَّه لا يُفعَلُ هكذا في إسرائيل , لا تعملْ هذه القباحة , أمَّا أنا فأينَ أذهبُ بِعَاري , وأمَّا أنتَ فتكُون كَواحد من السُّفهاء في إسرائيل , والآن كلِّم الملِكَ لأنَّه لا يَمنعُني منك , فلَم يَشأ أن يسمع لِصَوتها , بل تَمكَّن منها وقهرها واضطجعَ معها . (سفْر صموئيل الثّاني – الإصحاح الثّالث عشر 1 – 14) .
ألهذا الحدِّ يجترئ أحبار اليهود على أنبيائهم ويُدنِّسون شرفهم وشرف عائلاتهم ؟!!
لا غرابة إذًا أن ينتشر الزِّنا وشرب الخمر في أُمَّة تقرأ في كتابها المقدَّس أنَّ أنبياءها كانُوا يشربُون الخمر حتَّى الثُّمالة , ويزنُون بأخواتهم وبناتهم وأزواج معارفهم , مِن غير أن يُعاقبهم اللَّه !!
ولا غرابة أن يلعنَ اللَّهُ تعالى اليهودَ في عدّة آيات من القرآن الكريم , ويَصِفهم بأنَّهم المغضوب عليهم ! من ذلك قوله تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ 64 } (5- المائدة 64) .
ومن ذلك قوله تعالى : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ 112 } (3- آل عمران 112) .
ومن ذلك قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً 51 أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا 52 } (4- النّساء 51-52) .
فهل يمكنُ أن نصدِّق بعد هذا ما يَدَّعيه اليهود من أنَّهم شعبُ اللَّه المختار , وأنَّهم أحبَّاءُه , وأنَّهم أرفع درجة من الملائكة ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:09
هل هذه نصوص مقدّسة ؟!
إضافةً إلى الأكاذيب على اللَّه تعالى وعلى أنبيائه الكرام والقصص الجنسيَّة الفاضحة , تضمَّنت الأسفار التي ينسبُها اليهود إلى أنبيائهم , وأيضًا أسفار الأشعار , نصوصًا لو قرأها طفلٌ صغير لَما صدَّق أنَّها مقدَّسَة !! إليك بعض الأمثلة :
جاء في سفْر الجامعة : لِكُلّ شيء زَمان , ولِكُلّ أمْر تَحتَ السَّماوات وَقْت , للولادة وَقْت وللمَوْت وَقْت , للغَرس وَقْت ولِقَلْع المغْروس وَقْت , للقَتْل وَقْت وللشِّفاء وَقْت , للهَدم وَقْت وللبناء وَقْت , للبكاء وَقْت وللضّحك وَقْت , للنَّوح وَقْت وللرَّقص وَقْت , لِتَفريق الحجارة وَقْت ولِجَمع الحجارة وَقْت , للمعانَقة وَقْت وللانفصال عن المعانقة وَقْت , للكَسْب وَقْت وللخسارة وَقْت , للصّيانة وَقْت وللطَّرح وَقْت , للتَّمزيق وَقْت وللتَّخييط وَقْت , للسُّكوت وَقْت وللتَّكلُّم وَقْت , للحبِّ وَقْت وللبُغْض وَقْت , للحرب وَقْت وللصُّلح وَقْت . (سفْر الجامعة – الإصحاح الثَّالث 1 – 8) .
فهل يُعقَل أن يكون هذا الكلام وحيٌ من عند اللَّه ؟! وما الذي أفاد البشريَّة معرفة ذلك ؟!
وجاءت في سفْر القضاة حكايات خرافيَّة عن بطولات شمشون الجبَّار , لا يُصدِّقها أيُّ عاقل ! مِن ذلك : وذهبَ شَمشون وأمسكَ ثلاث مائة ابن آوَى , وأخذَ مَشاعل وجعلَ ذَنَبًا إلى ذَنَب , ووضعَ مَشعلاً بين كلّ ذَنَبَيْن في الوَسَط . ثمَّ أضرمَ المشاعل نارًا وأطلَقها بين زُروع الفلسطينيِّين , فأحرقَ الأكداسَ والزَّرع وكُرُوم الزَّيتون . (سفر القضاة – الإصحاح الخامس عشر 5 – 6) .
فكيف جمعَ شمشون هذه الثَّعالب , وكيف ربطها ؟!!
ومِن ذلك أيضًا : ووجدَ فَكَّ حِمار طَريًّا فأخذه وضرب به ألفَ رجُل , فقال شَمشون : بِفَكِّ حِمار كُومة كُومَتَيْن , بِفَكَّ حِمار قتلتُ ألْفَ رَجُل . (سفر القضاة – الإصحاح الخامس عشر 15 – 16) .
فماذا كان يحدث لو كان فَكُّ الحمار يابسًا وليس طريًّا ؟!!
وشبيهًا ببطولات شمشون , ما جاء في سفْر الأيَّام الأوَّل عن البطل يشبعام : وهذا هو عددُ الأبطال الذين لِدَاوُد : يَشُبْعام بن حكْمُوني رئيسُ التَّوالث , هو هزَّ رُمْحَه على ثلاث مائة , قتلَهُم دُفعةً واحدة . (الأيَّام الأوَّل – الإصحاح الحادي عشر 11) .
فكيف يا تُرى قتلَ ثلاث مائة بضربة واحدة ؟!!
وجاء في سفْر اللاَّويِّين تشريعات غريبة بخصوص داء البَرَص ! مِن ذلك : وأمَّا الثَّوبُ , فإذا كان فيه ضَربةُ بَرَصٍ ثَوبُ صوف أو ثَوبُ كتَّان , في السّدى أو اللّحمة من الصّوف أو الكتَّان أو في جلد أو في كلِّ مَصنوع من جلد , وكانت الضَّربةُ ضاربة إلى الخضرة أو إلى الحمرة في الثَّوب أو في الجلد في السّدى أو اللّحمة في مَتاعٍ ما من جلد , فإنّها ضَربةُ بَرَص , فتُعرَضُ على الكاهن . فيرى الكاهِنُ الضَّربة ويَحجِزُ المضروبَ سَبْعة أيَّام ... هذه شَريعةُ ضَربة البَرَص في الصُّوف أو الكتَّان في السَّدى أو اللّحمة أو في كلِّ مَتاع من جلد , للحُكم بطَهارته أو نَجاسته . (سفر اللاَّويِّين – الإصحاح الثَّالث عشر 47 – 59) .
ومِن ذلك أيضًا : مَتَى جئتُم إلى أرض كَنْعان التي أعطيكُم مُلْكًا , وجعلْتُ ضَربةَ بَرَص في بيتٍ في أرض مُلْكِكُم . يأتي الذي له البيتُ ويقولُ للكاهن : قد ظهر لي شِبْهُ ضربةٍ في البيت . فيأمرُ الكاهنُ أن يُفرِغُوا البيتَ قبل دخول الكاهن لِيَرى الضَّربةَ لِئَلاَّ يتنجَّسَ كلُّ ما في البيت , وبعد ذلك يَدخلُ الكاهنُ لِيَرى البيت , فإذا رأى الضَّربةَ , وإذا الضَّربةُ في حيطان البيت نُقَرٌ ضاربةٌ إلى الخضرة أو إلى الحمرة ومَنظرُها أعمَقُ من الحائط , يَخرجُ الكاهنُ من البيت إلى باب البيت ويُغلِقُ البيتَ سبعة أيَّام , فإذا رجع الكاهنُ في اليوم السَّابع ورأى وإذا الضَّربةُ قد امتدَّتْ في حيطان البيت , يأمرُ الكاهنُ أن يَقلَعوا الحجارةَ التي فيها الضَّربةُ ويَطرحُوها خارج المدينة في مكانٍ نَجِس , ويُقَشِّرُ البيتَ من داخلٍ حَوالَيْه , ويَطرحون التّرابَ الذي يُقشّرونه خارج المدينة في مكانٍ نَجِس , ويأخُذون حجارةً أخرى ويُدخِلُونَها في مكان الحجارة , ويأخذُ ترابًا آخر ويُطيّنُ البيت , فإن رجعَتِ الضَّربةُ وأفرخَتْ في البيت بعد قَلْع الحجارة وقَشْر البيت وتَطْيينه , وأتى الكاهنُ ورأى , وإذا الضَّربةُ قد امتدَّتْ في البيت , فهي بَرَصٌ مُفْسِدٌ في البيت , إنَّه نَجِس , فيَهدمُ البيتَ : حجارتَه وأخشابَه وكلَّ تراب البيت ويُخرِجُها إلى خارج المدينة إلى مكانٍ نَجِس ... لكن إن أتى الكاهنُ ورأى وإذا الضَّربةُ لم تَمتدّ في البيت بعد تَطْيين البيت يُطهِّرُ الكاهنُ البيتَ لأنَّ الضَّربةَ قد بَرئَتْ , فيأخذُ لِتَطهير البيت عصفورَيْن وخَشَب أرْز وقِرْمِزًا وزُوفا , ويَذبحُ العصفورَ الواحد في إناء خَزَف على ماء حَيّ , ويأخذُ خشَب الأرْز والزّوفا والقِرْمِزَ والعصفورَ الحيّ , ويَغمسُها في دَم العصفور المذبوح وفي الماء الحيِّ ويَنضِحُ البيتَ سبعَ مرَّات , ويُطهِّرُ البيت بِدَم العصفور وبالماء الحيِّ وبالعصفور الحيِّ وبخشَب الأرْز وبالزُّوفا وبالقِرْمز . ثمَّ يُطلِق العصفورَ الحيّ إلى خارج المدينة على وَجه الصَّحراء ويُكَفّر عن البيت فيَطْهُر , هذه هي الشَّريعةُ لِكُلّ ضربةٍ من البَرَص وللقَرع , ولِبَرَص الثَّوب والبيت . (سفر اللاَّويِّين – الإصحاح الرَّابع عشر 34 – 55) .
فهل سمعتَ سيِّدي الكريم في حياتك بثيابٍ ومنازلَ تُصابُ بالبَرَص ؟! والمصيبة أنَّ هذا الدَّاء إذا انتشر في الحيطان , يُحكَم على البيت بالهدم ! وإذا لَم ينتشر , يُطَهَّرُ البيتُ بالدَّم , في حين أنَّ الدَّم , كما هو معروف اليوم , هو أفضل ناقل للأمراض والبكتيريا !!
وجاء في سفْر العدد تشريعات غريبة بخصوص النَّجاسة والطَّهارة ! مِن ذلك : مَن مَسَّ مَيِّتًا , مَيِّتةَ إنسانٍ مَا , يكونُ نَجِسًا سبعةَ أيَّام , يتطهَّرُ به في اليوم الثَّالث , وفي اليوم السَّابع يكونُ طاهرًا . وإن لم يتطهَّر في اليوم الثَّالث ففي اليوم السَّابع لا يكونُ طاهرًا , كلّ مَن مَسَّ مَيِّتًا , مَيِّتةَ إنسانٍ قد مات , ولم يتطهَّر يُنَجِّس مَسْكَن الرَّبّ . فتُقطَعُ تلكَ النَّفسُ من إسرائيل لأنَّ ماء النَّجاسة لم يُرَشَّ عليها تكونُ نَجِسَة , نجاستُها لم تَزَلْ فيها , هذه هي الشَّريعة : إذا مات إنسانٌ في خَيْمة , فكلّ مَن دخلَ الخيمة وكلّ مَن كان في الخيمة يكونُ نَجِسًا سبعة أيَّام . وكلّ إناء مفتوح ليس عليه سِدادٌ بعصابة فإنَّه نَجِس , وكلّ مَن مَسَّ على وَجْه الصَّحراء قتيلاً بالسَّيْف أو مَيِّتًا أو عَظْم إنسان أو قَبْرًا يكونُ نَجِسًا سبعةَ أيَّام ... وأمَّا الإنسانُ الذي يَتَنجَّسُ ولا يَتطهَّر , فتُبادُ تلك النَّفسُ من بين الجماعة لأنَّه نَجَّس مَقدس الرَّبِّ . ماءُ النَّجاسة لَم يُرَشَّ عليه . إنَّه نَجِس . (سفر العدد – الإصحاح التَّاسع عشر 11 – 20) .
حسب هذا التَّشريع إذًا , فإنَّ مَن ماتتْ له ابنةٌ مثلاً , فبكى عليها وقبَّل وجهها قبل أن تُدفَن أو لامَس يَدها , يُصبحُ نجسًا سبعة أيَّام , ويجبُ أن يتطهَّر في اليوم الثَّالث ! وإذا نسي أن يتطهَّر بسبب الحزن وصعوبة الوضع الذي يَمرُّ به , فإنَّه يُعاقَب بالإبادة والقتل !! وكذلك الحالُ بالنِّسبة لِكُلِّ مَن دخل خيمةً فيها مَيِّت , أو كان سائرًا في الصَّحراء ولامس عظم إنسان أو قبرًا !!
والأغربُ من هذا ما جاء في كيفيَّة التَّطهُّر من النَّجاسة : فيأخذون لِلنَّجِس مِن غُبار حريق ذَبيحة الخَطيَّة , ويجعلُ عليه ماء حيًّا في إناء , ويأخذُ رجُلٌ طاهرٌ زُوفَا ويَغمِسُها في الماء ويَنضحُه على الخيمة وعلى جميع الأمتِعَة , وعلى الأنفُس الذين كانُوا هناك وعلى الذي مَسَّ العظْمَ أو القتيل أو الميِّت أو القبر , يَنضحُ الطَّاهِرُ على النَّجِس في اليوم الثَّالث واليوم السَّابع . ويُطهّرُه في اليوم السَّابع فيغسلُ ثيابهُ ويَرحضُ بِماءٍ فيكونُ طاهرًا في المساء . (سفر العدد – الإصحاح التّاسع عشر 17 – 20) .
فالصُّعوبة هنا هي في إحضار غُبار حريق ذَبيحة الخَطيَّة الذي لا تحصلُ الطَّهارة إلاَّ به . فقد جاء في سفر العدد صفات هذه الذَّبيحة , والتي تجعل من الصَّعب جدًّا الحصول عليها : هذه فريضةُ الشَّريعة التي أمَر بها الرَّبّ : كَلِّمْ بَني إسرائيل أن يأخذُوا إليكَ بَقرةً حَمراء صحيحة لا عَيْب فيها ولَم يَعْلُ عليها نير , فتُعطونها لألِعازار الكاهن , فتُخرَجُ إلى خارج المحلة وتُذبَحُ قُدَّامه ... وتُحرَقُ البقرةُ أمام عَيْنيه , يُحرَقُ جِلْدُها ولَحْمُها ودَمُها مع فَرثِها , ويأخذ الكاهنُ خَشَب أرْز وزُوفا وقِرْمِزًا ويَطرحُهنَّ في وسط حريق البقرة ... ويجمعُ رجُلٌ طاهرٌ رمادَ البقرة ويَضعُه خارج المحلة في مكان طاهر , فتكونُ لِجماعة بَني إسرائيل في حِفْظٍ ماء نَجاسة , إنَّها ذَبيحةُ خَطيَّة . (سفر العدد – الإصحاح التَّاسع عشر 2 – 9) .
فماذَا لو قبَّل رجلٌ جبينَ أمّه الميّتة , ثمَّ لم يَجدْ بقرة حمراء للتَّطهُّر ؟ هل يُقتَل لهذا السَّبب ؟!!
نعم سيّدي الفاضل , سيّدتي الفاضلة , كلُّ هذا موجود في التَّوراة المحرَّفة ! وبَدلَ أن تَحتوي هذه التَّوراة على نُصوص تحثُّ على فعل الخير والإحسان إلى الغير , نجدُها بالعكس تَحتوي على نصوص تُثير الغرائز الحيوانيَّة , وأخرى تُعلِّمنا كيف يقترفُ الأنبياء الفواحش العظيمة , وأخرى لا تُفيدُنا في أيِّ شيء !
والغريب أنَّنا لو بَحثنا في هذه التَّوراة عن ذِكْرٍ ليوم القيامة والحساب والجنةَّ والنَّار , لَما وجدنا فيها أيّ شيء من ذلك !! فما الهدف إذًا من إرسال الأنبياء إلينا , وما الفائدة من فعل الخير واجتناب الشَّرِّ إذا لم يكُن هناك بعد ذلك حساب وجزاء ؟!!
بقي أن نلاحظ أنَّ أسفار التَّوراة الخمسة والأسفار التَّاريخيَّة والأسفار الشِّعريَّة وأسفار الأنبياء , لا يُؤمن بها اليهودُ فقط , وإنَّما النَّصارى أيضًا الذين يعتقدون أنَّ أنبياءَ اللَّه هم الذين كَتبُوها بإلهامٍ من روح القدس ! وقد أقرَّ مجمع ترنت (Concile de Trente) الكاثوليكي ما بين سنة 1545 م وسنة 1563 م , ومجمع بيت المقدس الأرثودوكسي سنة 1672 م , شرعيَّة كلَّ هذه الأسفار ! معنى هذا أنَّ النَّصارى أيضًا يعتقدون أنَّ النُّصوص التي ذكَرْناها , والتي تصف اللَّه تعالى بما لا يليق به , وتجعل من أنبيائه زُناةً وشاربي خمر وقتَلَة , وتتحدَّث عن الجنس القذر , كلُّها نُصوص مُقدَّسة !!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:12
لو كان المسيح بيننا لتبرَّأ من أناجيل النَّصارى !
لِماذَا ؟! لِأنَّها ببساطة ليست هي الإنجيل المذكور في القرآن , والذي أنزلَه اللَّهُ عليه . وسأعرض عليك , سيّدتي الكريمة , سيّدي الكريم , فيما يلي العديد من الأدلَّة على ذلك . لكن قبل هذا , هناك ملاحظتان : أوّلاً : استعملنا في هذا الكتاب اسم : نصارى , إشارةً إلى المسيحيّين , وذلك لأنّ القرآن الكريم سَمَّاهم بهذا الاسم .
ثانيًا : ورد اسمُ المسيح عليه السّلام في العديد من التّرجمات العربيّة على أنّه : يسوع , مِمَّا جعل بعض النّصارى يدّعون أنّه ليس هو المسيح الذي ورد في القرآن الكريم باسم : عيسَى . وللرّدّ على هؤلاء , نُحِيلُهم إلى ما جاء في موقع الإنجيل الشّريف
قولهم : " درجَتْ مُعظم التّرجمات العربيّة على استخدام إسم : يسوع , نقلاً عن اللّغة العِبْريّة حيث يأتي فيها : يشوع . استخدَمَتْ هذه التّرجمة , وبالتّحديد نَصّ العهد الجديد (الإنجيل الشّريف) , إسم : عيسَى الذي يأتي في اللّغة اليونانيّة – لغة الإنجيل الأصليّة – : إيسوس , الذي يُقابله : عيسَى بالعربيّة " .
وعلى هذا , فإنّ المسيح المذكور في الإنجيل هو نفس المسيح المذكور في القرآن باسم عيسَى .
نعود الآن للتّدليل على أنّ أناجيل النّصارى ليست هي الإنجيل الحقيقي الذي أنزله الله على المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام :
يعترفُ النَّصارى أنَّ الأناجيل التي بين أيديهم لَم يكْتُبها عيسى عليه السَّلام ولَم يُمْلِلْها على أتباعه , وإنَّما حرَّرها مُحرِّرُون من الجيل الأوَّل والجيل الثَّاني من النّصرانيَّة , فأصبحتْ تُنسَبُ إليهم ! فهي إذًا من تأليف بَشَر , وبالتَّالي لا يُمكنُ أن تكون هي الإنجيل الذي أنزلهُ اللَّهُ على عيسى عليه السَّلام .
ويعتمدُ النَّصارى اليوم على أربعة أناجيل , هي : إنجيل متى Saint-Matthieu , وإنجيل مرقس Saint-Marc , وإنجيل لوقا Saint-Luc , وإنجيل يوحنَّا Saint-Jean . وهي , مع الرَّسائل الملحَقَة بها , تُكَوِّنُ العهد الجديد Le Nouveau Testament . أمَّا أسفار التَّوراة الخمسة , مع الأسفار المنسُوبة إلى أنبياء بني إسرائيل , فتُسَمَّى العهد القديمAncien Testament . ويُكوِّنُ العهدُ القديم مع العهد الجديد ما يُسمَّى بالكتاب المقدَّس La Bible .
وقد تتلْمذَ متى ويوحنَّا على السَّيِّد المسيح , أمَّا مرقس ولوقا فلَم يَريَاه . وتُنسَبُ الرَّسائلُ الملْحَقَة بالأناجيل إلى : بولس , وله أربعة عشر رسالة , وهو لم يَلْقَ المسيح , وإلى بطرس ويعقوب ويهوذا ويوحنَّا , وكلّهم صَحِبُوا المسيح عليه السَّلام .
ويعتقدُ النَّصارى أنَّ الأناجيلَ والرَّسائلَ هي كلمةُ اللَّه التي ألْهَمَها الرُّوحُ القدسُ إلى بعض تلاميذ المسيح وتلاميذهم , فكتَبُوها بأمانة , فأصبحتْ كتاباتُهم مُقدَّسة لهذا السَّبب . ويُوضِّحون هذا الأمر قائلين أنَّ اللَّه تعالى اختار هؤلاء التَّلاميذ , فألْهَمَهُم ما يُريد إبلاغه إلى عباده , وعَصَمَهُم من الخطأ في التَّحرير والكتابة , فكَتبُوا الإلهامَ في أناجيل ورسائل , وأصبحتْ هذه الكتابات مُقَدَّسة وتُنسب إلى اللَّه .
فهل فعلاً هذه الكتابات مُقَدَّسة وخالية من الأخطاء ؟
يقول المؤرِّخُون أنَّ أقدم المخطوطات التي نُسِخَت عنها الأناجيلُ والرَّسائلُ , تعود إلى القرن الرَّابع الميلادي . وهذه المخطوطات ليستْ بِخَطِّ كُتَّاب الأناجيل , وإنَّما بِخَطِّ كُتَّابٍ جاءوا بعدَهم بأكثر من قَرنَيْن من الزَّمان , ولا يُعرَفُ أيّ سَنَد يَصِلُهم بالكُتَّاب الأصليِّين ! أيْ أنَّ إنجيل متى مثلاً , الذي يقرأه النَّصارى اليوم , ليس منسوخًا عن المخطوطة الأصليَّة التي كتبَها متى , وإنَّما منسوخًا عن مخطوطةٍ كتَبها إنسانٌ جاء بعده بأكثر من مائتي سنة , ولا تُعرفُ أيّة علاقة بين الرَّجُلَين !!
وهذا الأمرُ يكْفي وحدهُ للتَّشكيك في صحَّة نسبة الأناجيل والرَّسائل إلى أصحابها . وحتَّى لو سلَّمْنا بأنَّها منسوبةٌ إليهم فعلاً , فلا أحد يستطيعُ أن يجْزِمَ بأنَّ المخطوطات التي تعود للقرن الرَّابع مُطابقة حرفيًّا للأناجيل التي كَتبها متى ومرقس ولوقا ويوحنَّا !
ويَردُّ النَّصارى على هذا التَّشكيك بأنَّ المخطوطات التي وُجِدتْ عن الأناجيل والرَّسائل تُعَدُّ بالآلاف , وبالتَّالي لا حاجة لِمُقارنتها بالكُتب الأصليَّة التي كَتبها تلاميذ المسيح .
هذا ما يقولونه , ولكنَّ الذي يُخفُونه أنَّ هذه الآلاف من المخطوطات , على كَثْرتِهَا , ليس بينها مخطوطتان مُتَّفقتان في كلِّ النُّصوص ! نعم , فقد تعرَّضتْ جميعُها إلى الزِّيادة والنَّقص حسبَ مزاج النُّسَّاخ !! ثمَّ تراكمَ هذا التَّبديلُ على مَرِّ القرون حتَّى أصبحت الأناجيل والرَّسائل اليوم مملوءة بالأخطاء !!
وقد قام العديد من المحقِّقين النَّصارى في القرن العشرين بالبحث في كُتب العهد الجديد , فَوصلُوا إلى حقيقة خطيرة وهي أنَّه ليس ثَمَّة أيّ دليل واقعي على صحَّة نسبة الأناجيل إلى أصحابها ! بل إنَّ أكثر الأدلَّة تؤكِّد أنَّ الأناجيلَ الأربعة لا يُمكن أن تكون من تأليف تلاميذ المسيح !!
نعم , فقد تَوصَّلوا مثلاً إلى أنَّ العديد من نصوص إنجيل متى مُقتَبَسة عن إنجيل مرقس . وهذا يستوجبُ أن يكون متى قد كتبَ إنجيلَه بعد مرقس . لكنَّ التَّاريخ يُثبت أنَّ متى قد عاصر المسيح وصحِبَه , بخلاف مرقس الذي كان عمره وقتها حوالي عشر سنوات ! فكيفَ يَنقُلُ الشَّاهدُ للأحداث عن الغائب الذي لَم يحضُرها ؟!
كذلك , جاء في إنجيل متى : وفيمَا يَسُوعُ مُجتازٌ من هناكَ رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجِبَايَة اسمُه مَتَّى , فقال له : اتْبَعْني , فقامَ وتَبِعَه . (إنجيل متى – الإصحاح التَّاسع 9) . وهذا يدلُّ على أنَّ متى ليس هو كاتب هذا الكلام , لأنَّه لو كان كذلك , لقال : وفيمَا يَسُوعُ مُجتازٌ من هناكَ رآني جالسًا عند مكان الجِبَايَة , فقال لي : اتْبَعْني , فقُمتُ وتَبِعْتُه !
لهذا , نجدُ اليوم العديد من الباحثين النَّصارى ينكرُون صحَّة نسبة إنجيل متى إليه , ويقولون : إنَّه ليس من تأليف الحواري متى , تلميذ المسيح عليه السَّلام , وإنَّما هو لِمُؤلِّفٍ مجهول أخفَى شخصيَّته !
وأمَّا الرَّسائل : فإنَّ أغلَبها يُنسبُ إلى بولس الذي يُعتَبر مؤسِّس النّصرانيَّة المحرَّفة ! وأجدُ من المهمِّ الوقوف قليلاً عند هذا الرَّجل . وُلِدَ بولس لِأبَوَيْن يهوديَّيْن , وكان اسمه شاول , ثمَّ سَمَّى نفسه بولس بعد أن تَنَصَّر . وسبب تنصُّره أنَّه , حسب زعمه , رأى المسيح عليه السَّلام (بعد رفعه إلى السَّماء بسنوات , ولَم يكن رآه من قبل) , فأعطاه حينئذ منصب النُّبوَّة !!
والحادثة رواها بنفسه في أعمال الرُّسل , يقول : ولَمَّا كنتُ ذاهبًا في ذلك إلى دمشق بسُلْطان ووصيَّة من رُؤساء الكَهَنة , رأيتُ في نصْف النَّهار في الطَّريق , أيُّها الملِكُ , نُورًا من السَّماء أفضَل من لَمعان الشَّمس قد أبرقَ حوْلي وحولَ الذَّاهبين معي , فلَمَّا سقَطنا جميعُنا على الأرض سمعتُ صَوتًا يُكَلِّمُني باللُّغة العبرانيَّة : شَاوُل شاوُل , لِماذَا تَضطهدُني ؟ صعبٌ عليكَ أن ترفُس مَناخس , فقلتُ أنا : من أنتَ يا سَيِّد ؟ فقال : أنا يَسُوع الذي أنت تضطَهِدُه , ولكن قُم وقِفْ على رجلَيْكَ , لأنِّي لهذا ظهرتُ لكَ لأنتَخِبَكَ خادِمًا وشاهِدًا بِمَا رأيتَ وبِمَا سأظْهرُ لكَ به , مُنقِذًا إيَّاكَ من الشَّعب ومن الأمَم الذينَ أنا الآن أرسِلُكَ إليهم , لِتَفتحَ عُيُونَهم كيْ يَرجعُوا من ظُلُماتٍ إلى نُور ومن سُلطان الشَّيطان إلى اللَّه حتَّى ينالُوا بالإيمان بي غُفرانَ الخَطايَا ونصيبًا مع المقَدَّسين . (أعمال الرّسل – الإصحاح السَّادس والعشرون 12 – 18) .
ولكنَّ اللاَّفت للانتباه أنَّ هذه الحادثة الهامَّة ذُكِرتْ في عدَّة مواضع من أعمال الرُّسل , لكن بتفاصيل متناقضة ! فقد جاء في هذه الرِّواية أنَّ نورًا أبرقَ حول بولس وحول الذَّاهبين معه , وأنَّهم سقطُوا جميعًا على الأرض , وأنَّه سمع وحده صوتًا .
ولكن جاء في رواية أخرى : وأمَّا الرِّجالُ المسافرُون معه , فوَقَفُوا صامتينَ يسمعُون الصَّوتَ ولا ينظُرونَ أحدًا . (أعمال الرّسل – الإصحاح التَّاسع 7) . فهل سمع بولس الصَّوت وحده أم سمعه الذين معه أيضًا ؟!
وذُكِر هنا أنَّ الذين معه لَم يرَوا شيئًا , ولكن جاء في رواية أخرى : والذين كانُوا معي نَظرُوا النُّور وارتَعَبُوا , ولكنَّهم لم يسمعُوا صوتَ الذي كلَّمَني . (أعمال الرّسل – الإصحاح الثَّاني والعشرون 9) . وهذا معاكسٌ تَمامًا لِمَا جاء في الرِّواية السَّابقة ! وحدثٌ بمثل هذه الأهمِّيَّة في تاريخ النّصرانيَّة لا يُقبَل أن تقع فيه مثل هذه الاختلافات !!
ثمَّ إنَّ بولس كان قبل تنصُّره شديد العداوة للنَّصارى , وألحقَ بهم ألوانَ العذاب , وهذا بشهادته هو عن نفسه , حيث يقول : فأنا ارتأيتُ في نفسي أنَّه ينبغي أن أصنعَ أمورًا كثيرةً مُضادَّة لاسم يَسُوع النَّاصري . وفعلتُ ذلكَ أيضًا في أورشَليم , فحَبَسْتُ في سُجونٍ كثيرينَ من القِدِّيسينَ آخِذًا السُّلطانَ مِنْ قِبَل رُؤَساء الكَهَنَة , ولَمَّا كانُوا يُقْتَلُون ألقَيْتُ قُرْعَة بذلك , وفي كلِّ المجامع كنتُ أعاقِبُهم مِرارًا كثيرة وأضْطَرَّهم إلى التَّجديف , وإذ أفرَطَ حَنَقي عليهم كنتُ أطرُدُهم إلى المدُن التي في الخارج . (أعمال الرّسل – الإصحاح السَّادس والعشرون 9 – 11) .
فرُبَّما يَقبلُ العقلُ أن يَدخُل بُولس في النّصرانيَّة بعد أن كان شديد العداوة لها . لكن أن يُصبح قدِّيسًا ونبيًّا , فلا ! فجميع الأنبياء عليهم السَّلام لَم يكُونوا كفَّارًا أو معادين للرِّسالات السَّماويَّة الأخرى قبل نُبُوَّتهم .
ويُشَكِّكُ المحقِّقون من ناحية أخرى في نبوَّة بولس وقدِّيسيَّته لأنَّه يستبيحُ الكذب والنِّفاق للوصول إلى غايته , وهذا باعترافه هو حيث يقول : فصرْتُ لليهود كَيَهودي لِأربحَ اليهود , وللّذينَ تحت النَّاموس كأنّي تحت النَّاموس لِأربحَ الذين تحت النَّاموس , وللَّذين بِلا نامُوس كأنّي بِلا نامُوس , مع أنّي لستُ بِلا ناموس للَّه بل تحتَ نامُوسٍ للمسيح , لِأربح الذينَ بِلا ناموس . (كورنثوس 1 – الإصحاح التَّاسع 20 – 21) .
ويأخذه الغرور في موضع آخر , فيقول : ولكنَّها أكثرُ غبطةً إن لَبثَتْ هكذا بِحَسب رأيي . وأظنُّ أنِّي أنا أيضًا عندي روحُ اللَّه . (كورنثوس 1 – الإصحاح السَّابع 40) .
ويُسيء الأدبَ مع اللَّه في موضع آخر , فيقول : لأنَّ جهالةَ اللَّه أحْكَم من النَّاس , وضعفَ اللَّه أقوَى من النَّاس . ( كورنثوس 1 – الإصحاح الأوَّل 25) .
ويستحلُّ المحرَّمات , فيقول : كلُّ الأشياء تَحِلُّ لي لكن ليسَ كُلُّ الأشياء تُوافق . كلُّ الأشياء تَحِلُّ لي لكن لا يتسلَّطُ عَلَيَّ شيء . (كورنثوس 1 – الإصحاح السَّادس 12) .
وقد تَوقَّفنا هنا عند بولس لأنَّ النَّصارى اعتمدُوا على رسائله بالكامل لِبناء عقيدة الصّلب والفداء ! فهل يُعقَل أن يبني ملايينُ البشر عقيدتهم على أقوال شخص ادَّعَى النُّبوَّة وليس له شاهدٌ ولا دليل على ذلك , ولم يتتلمذ على السَّيِّد المسيح عليه السَّلام , ولم يأخُذ منه مبادئ النّصرانيَّة الصَّحيحة , وفوق كلِّ ذلك يكذب وينافق لِيَصل إلى مراده , ويُسيء الأدب مع اللَّه ؟!!
طبعًا , غير معقول ! ومع ذلك فإنَّ النَّصارى اتَّخذُوه مُشرِّعًا لهم !
هذا إذًا ما يقوله المؤرِّخون بخصوص الأناجيل والرَّسائل . أمَّا إذا حاولْنا التَّعمُّق في النُّصوص , فسنجدُ فيها العديد من الأخطاء والتَّناقضات والأقاويل التي لا يُمكن أبدًا نسبتُها إلى اللَّه تعالى , وإلى عبده ورسوله عيسى عليه السَّلام , ولا إلى الحواريِّين الذين صَحبُوا موسى عليه السَّلام وتتلمذُوا على يديه ونَصرُوه . وهذا ما سنبيِّنُه في العنصر الموالي بعون اللَّه .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:14
هل هذا إلهامٌ أم قول بشر ؟!
ذكَرْنَا أنَّ النَّصارى يعتقدُون أنَّ متى ويوحنَّا ومرقس ولوقا , أصحاب الأناجيل الأربعة , كَتَبُوا أناجيلَهم بإلْهام من الرّوح القُدس , وعصَمهُم اللَّهُ تعالى من الخطأ في الكتابة . وكذلك الحال بالنِّسبة لِبولس وبطرس ويعقوب ويهوذا , أصحاب الرَّسائل . لكنَّ الغريب أنَّ كلَّ هؤلاء الكتَّاب , ما عدى بولس , لَم ينسبُوا الإلهامَ إلى أنفُسِهم ! بل الأغرب من ذلك : تحدَّثُوا عن أناجيلهم ورسائلهم على أنَّها مجهودٌ بشري بَحْت .
فقد كتب لوقا في مقدِّمة إنجيله : إذْ كان كثيرُون قد أخذُوا بتأليف قصَّةٍ في الأمور المتَيَقَّنَة عندنَا , كَما سلَّمَها إلينا الذينَ كانُوا منذُ البدْء مُعاينينَ وخُدَّامًا للكَلِمَة . رأيتُ أنا أيضًا , إذْ قد تَتبَّعْتُ كلّ شيء من الأوَّل بتَدقيقٍ , أن أكتبَ على التَّوالي إليكَ أيُّها العزيزُ ثاوُفيلُس لِتَعرفَ صحَّةَ الكلام الذي عُلِّمت به . (إنجيل لوقا – الإصحاح الأوَّل 1 – 4) .
فلم يذكُر لوقا في مقدِّمته شيئًا عن الإلهام الإلهي , وإنَّما ذكَر بالعكس أنَّ كتابهُ رسالةٌ شخصيَّة , كَتبها بِدَافع شخصي !
ولو تأمَّلْنا في الرَّسائل لَوَجدنا فيها العديد من المواضيع الشَّخصيَّة التي لا علاقة لها بالوحي أو بالإلهام !
فمثلاً , جاء في رسالة بولس : الرِّداءُ الذي تركْتُه في تَرواس عند كارْبُس , أحْضِرْهُ مَتَى جِئْتَ , والكُتُب أيضًا ولا سيَّما الرُّقُوق . (تيموثاوس 2 – الإصحاح الرَّابع 13) .
وجاء في رسالة يوحنَّا : سلامٌ لك , يُسلِّم عليكَ الأحبَّاء , سَلِّم على الأحبَّاء بأسمائهم . (يوحنَّا 3 – الإصحاح الأوَّل 15) .
ولو تأمَّلْنا في الأناجيل والرَّسائل لَوَجدنا فيها أيضًا بعض العبارات التي من المستحيل أن تكون وحيًا !
فمثلاً , جاء في إنجيل لوقا : ولَمَّا ابتدَأ يَسُوعُ كانَ له نَحْو ثلاثينَ سَنَة , وهو , على ما كان يُظَنُّ , ابن يُوسُف بن هالي . (إنجيل لوقا – الإصحاح الثَّالث 23) . فهل يُعقَل أنَّ اللَّه تعالى الذي ألْهَم لوقا في كتابة إنجيله , لا يعرفُ بالتَّدقيق متى ابتدأ يسوع , فقال : نَحْو ثلاثين سنة , ولا يعرفُ نَسبه بالضَّبط , فقال : وهو , على ما كانَ يُظَنُّ , ابن يُوسف ؟!!
وجاء في رسالة بولس : لستُ أقولُ على سبيل الأمر , بل باجْتِهاد آخَرين , مختبرًا إخلاصَ مَحَبَّتكُم أيضًا . (كورنثوس 2 – الإصحاح الثَّامن 8) . فهذا الكلام بالتَّأكيد ليس بإلهام !
ولو تأمَّلْنا في الأناجيل والرَّسائل لَوَجدنا فيها أيضًا أخطاء , شهد التَّاريخُ بخطئها !
فقد جاء في إنجيل متى : فإنَّ ابنَ الإنسان (أي المسيح) سوفَ يأتي في مَجْد أبيه مع ملائكَته , وحينَئِذ يُجازي كُلّ واحد حَسبَ عَمَلِه . الحَقَّ أقولُ لكُم , إنَّ مِنَ القِيَام هَهُنا قومًا لا يَذُوقون الموْتَ حتَّى يَرَوُوا ابنَ الإنسان آتِيًا في مَلَكُوته . (إنجيل متى – الإصحاح السَّادس عشر 27 – 28) .
وجاء في موضع آخر من إنجيل متى : ومَتَى طَردُوكُم في هذه المدينة فاهرُبُوا إلى الأخرى , فإنِّي الحقَّ أقولُ لكُم , لا تُكَلِّمون مُدُنَ إسرائيلَ حتَّى يأتي ابنُ الإنسان (أي المسيح) . (إنجيل متى – الإصحاح العاشر 23) .
وجاء في موضع آخر أيضًا من إنجيل متى : وفيمَا هو جالسٌ على جَبل الزَّيتون , تقدَّم إليه التَّلاميذُ على انفراد قائلين : قل لنا متَى يكونُ هذا وما هيَ علامةُ مَجيئكَ وانقضاء الدَّهر ؟ فأجاب يَسُوع : ... وحينَئذ تَظْهرُ علامةُ ابن الإنسان في السَّماء . وحينَئذ تَنُوح جميعُ قبائل الأرض ويُبصرُون ابنَ الإنسان (أي المسيح) آتِيًا على سَحاب السَّماء بقُوَّة ومَجْد كثير ... الحقّ أقولُ لكُم : لا يَمضِي هذا الجيلُ حتَّى يكون هذا كُلّه . (إنجيل متى – الإصحاح الرَّابع والعشرون 3 – 34) .
ففي هذه النُّصوص , يزعُم كاتب هذا الإنجيل أنَّ المسيح عليه السَّلام أخبر تلاميذه عن قُرب نهاية العالَم , وحدَّدها بأنَّها ستكُون في جيلهم : " لا يَمضِي هذا الجيلُ حتَّى يكون هذا كُلّه " , حتَّى أنَّه ذكَر بأنَّ بعضهم سيكون حاضرًا : " إنَّ مِنَ القِيَام هَهُنا قومًا لا يَذُوقون الموْتَ حتَّى يَرَوُوا ابنَ الإنسان (أي المسيح) آتِيًا في مَلَكُوته " .
ولكنَّ الواقع يشهدُ بأنَّ الجيل الأوَّل انقضَى , وانقضتْ بعده أجيال وأجيال , ومَرَّت أكثر من ألفَيْ سنة , ولم تتحقَّق هذه النُّبوءة المنسوبة كذبًا إلى المسيح عليه السَّلام !
وطبعًا , هذه النُّصوص سبَّبَتْ إحراجًا كبيرًا للنَّصارى , فلم يجدُوا إلاَّ الرَّدَّ بأنَّ المقصود هو قِيَامة المسيح بعد أيَّامٍ مِن صَلْبه ! لكنَّ الذي تجاهلُوه هو أنَّ هذه النُّصوص أشارت بوضوح إلى عودة المسيح في نهاية الزَّمان , وذلك واضحٌ في سُؤال تلاميذه له : " وما هيَ علامةُ مَجيئكَ وانقضاء الدَّهر ؟ " .
ثمَّ إنَّ هذه النُّصوص بَيَّنتْ أنَّ هذا المجيء سيكُون كما يَلي : " ويُبصرُون ابنَ الإنسان (أي المسيح) آتِيًا على سَحاب السَّماء بقُوَّة ومَجْد كثير " . بينَما ذكَرت الأناجيل أنَّ المسيحَ لَمَّا قام بعد صلبه المزعوم , كان مُتَخَفِّيًا , ولَم يأتِ على سحاب بقُوَّة ومَجْد !!
ومن النُّصوص التي شهد التَّاريخُ بِخَطَئِها أيضًا , ما جاء في خاتمة إنجيل مرقس , بعد حديثه عن صلب المسيح وقيامته وظهوره لبعض النَّاس : أخيرًا ظهرَ لِلأحَدَ عَشَر (وهم تلاميذه) وهم مُتَّكِئُون , ووبَّخَ عدَم إيمانِهم وقَسَاوةَ قُلُوبهم لِأنَّهم لَم يُصَدِّقُوا الذين نَظَرُوه قد قام . وقال لهم : اذْهَبُوا إلى العالَم أجْمَع واكْرِزُوا بالإنجيل لِلخَليقة كُلِّها . مَنْ آمَن واعتَمَد خَلص , ومَنْ لَم يُؤمِنْ يُدَنْ . وهذه الآياتُ تَتبعُ المؤمنينَ : يُخرِجُون الشَّياطينَ باسْمِي , ويتكلَّمون بألْسِنَة جديدة . يَحْملُون حَيَّاتٍ , وإن شَربُوا شيئًا مُميتًا لا يَضُرُّهم , ويَضَعُون أيْديهم على المرْضَى فَيَبرأون . (إنجيل مرقس – الإصحاح السَّادس عشر 17 – 18) .
وجاء في موضع آخر من إنجيل مرقس : فتذكَّر بُطْرس وقال له : يا سَيِّدي , انظُر التِّينَةَ التي لَعَنْتَها قد يَبسَتْ . فأجاب يَسُوع : لِيَكُنْ لَكُم إيمانٌ باللَّه لِأنِّي الحقَّ أقولُ لكُم : إنَّ مَنْ قالَ لِهذَا الجبَل انْتَقِلْ وانطَرِحْ في البحر , ولا يَشُكُّ في قَلْبه بل يُؤمنُ أنَّ ما يَقوله يكُون , فَمَهْما قال يكونُ له . لذلكَ أقولُ لكم : كلّ ما تَطْلُبونَه حينَما تُصَلُّون , فآمِنُوا أن تَنالُوه فيكُون لكم . (إنجيل مرقس – الإصحاح الحادي عشر 21 – 24) .
وجاء في إنجيل يوحنَّا : الحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم : مَن يُؤمِنُ بي , فالأعمالُ التي أنا أعملُها يَعمَلُها هو أيضًا , ويَعملُ أعظَم منها لأنّي ماضٍ إلى أبي . (إنجيل يوحنَّا – الإصحاح الرَّابع عشر 12) .
ففي هذه النُّصوص يزعُم كاتبُو هذه الأناجيل أنَّ المسيح عليه السَّلام ضمنَ لهم أنَّ كلَّ من يُؤمن به (أي كلّ نصراني) يَستطيعُ صُنعَ المعجزات التي صنَعَها هو , مِن شفاء المرضَى وإحياء الموتى !!
بل ويُؤكِّدُ لهم في نصٍّ آخر أنَّ مَنْ يعجزُ عن فعْل مثل هذه المعجزات , فهو ليس بِمُؤمن !! فقد جاء في إنجيل متى : ولَمَّا جاءُوا إلى الجمْع تقدَّم إليه رجُلٌ جاثِيًا له وقائلاً : يا سَيِّد , ارْحَم ابْني فإنَّه يُصرَعُ ويتألَّم شديدًا ويقعُ كثيرًا في النَّار وكثيرًا في الماء , وأحضَرْتُه إلى تلاميذكَ فلَم يَقْدِرُوا أن يشْفُوه . فأجابَ يَسُوع : أيُّها الجِيلُ غَيْر المؤمن الملْتَوي , إلى مَتى أكونُ معكُم ؟ إلى مَتى أحْتَمِلُكم ؟ قَدّموه إلَيَّ هَهُنا . فانتَهره يَسُوع , فخرج منه الشَّيطانُ , فشُفِيَ الغلامُ من تلكَ السَّاعة . ثمَّ تقدَّم التَّلاميذُ إلى يَسوع على انفراد وقالُوا : لِماذا لم نَقدِرْ نحنُ أن نُخرجَه ؟ فقال لهم يَسوع : لِعَدم إيمانكُم . فالحقَّ أقولُ لكم : لو كان لكُم إيمانٌ مثل حَبَّة خَردَل لَكُنتم تقولون لهذا الجبَل : انْتَقِلْ من هنا إلى هناك , فينتقلُ ولا يكونُ شيءٌ غير مُمكِن لَدَيْكُم . (إنجيل متى – الإصحاح السَّابع عشر 14 - 21) .
ولكنَّ التَّاريخ يَشهد بأنَّ النَّصارى , بِما فيهم الباباوات والقساوسة , لم يستطع أحدٌ منهم أن يفعل ولو معجزة واحدة طوال حياته ! فإمَّا أنَّهم كلّهم ليس في قلْبهم مقدار حبَّة خَردل من إيمان , أو أنَّ ما جاء في الأناجيل ليس بصحيح !!
بل إنَّ النَّصارى ذهبُوا أكثر من ذلك في الافتراء على المسيح عليه السَّلام . فقد جاء في إنجيل يوحنَّا أنَّ المسيح قال : إن كان أحدٌ يحفظُ كلامي , فلَنْ يَرَ الموتَ إلى الأبد . (إنجيل يوحنَّا – الإصحاح الثَّامن 51) . فهلْ يستطيع النَّصارى أن يُخبرونا : لِماذا إذًا مات تلاميذُ المسيح عليه السَّلام , ومات بولس الرَّسول المزعوم , ولَم يُخلَّد أحدٌ من الباباوات ؟!! هل أنَّ أحدًا منهم لم يستطع أن يحفظَ كلام المسيح ؟!!
ومن النُّصوص التي شهد التَّاريخُ بِخَطَئِها أيضًا , ما جاء في إنجيل مرقس : وابتدأ بُطْرس يقول له : ها نحنُ قد تركْنَا كلَّ شيء وتَبعْناكَ . فأجابَ يَسوع : الحقَّ أقول لكُم : ليس أحدٌ تركَ بيتًا أو أخوةً أو أخوات أو أبًا أو أمًّا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً لِأجلي ولِأجل الإنجيل , إلاَّ ويأخذُ مائة ضِعْف الآن في هذا الزَّمان بُيوتًا وأخوةً وأخوات وأمَّهات وأولادًا وحقولاً مع اضطهادات , وفي الدَّهر الآتي الحياة الأبديَّة . (إنجيل مرقس – الإصحاح العاشر 28 - 30) .
فهل يستطيع النَّصارى أن يُفهمونا : كيف يُمكنُ لِأتباع المسيح أن يُصبح لهم مائة ضعف من البيوت والحقول والأخوة والأخوات والأمَّهات والأولاد ؟!! والنَّصُّ واضح الدَّلالة أنَّ هذا التَّعويض يكون في الدُّنيا : " في هذا الزَّمان " .
طبعًا , لن يستطيعُوا الإجابة لأنَّ التَّاريخ يشهد بأنَّ أتباع المسيح لم ينالُوا شيئًا من كلِّ هذا !
ولو تأمَّلْنا في الأناجيل والرَّسائل لَوَجدنا فيها أيضًا أحداثًا يَرفضها العقل والمنطق !
فقد جاء في إنجيل متى مثلا عن العجائب التي حصلَتْ بعد الصَّلب المزعوم للمسيح : فصرخَ يسُوعُ أيضًا بصَوت عظيم وأسلمَ الرُّوح . وإذا حجابُ الهيكل قد انشقَّ إلى اثنيْن من فوق إلى أسفل , والأرضُ تزلزلَتْ والصُّخورُ تشقَّقتْ , والقبور تفتَّحتْ , وقام كثيرٌ منْ أجساد القِدِّيسين الرَّاقدين , وخرجُوا منَ القُبور بعد قِيَامَته ودخلُوا المدينةَ المقدَّسة وظهرُوا لِكَثيرين . (إنجيل متى – الإصحاح السَّابع والعشرون 50– 53) .
فالحديث عن قيامة كثير من القدِّيسين من قبورهم وظهورهم للنَّاس , هو كذبٌ لا محالة , لأنَّه لو كان وقعَ لتحدَّثتْ به كلُّ الأناجيل نظرًا لأهَمِّيَّته ! ولكنَّ هذا الحدث ذكَره متى فقط ! ثمَّ إنَّه لم يذكُر بعدَه ما كان من أمر هؤلاء القدِّيسين : هل عادوا إلى أهليهم وعاشوا معهم , أم أنَّهم ماتُوا في نفس اليوم ؟!
ولو تأمَّلْنا في الأناجيل والرَّسائل لَوَجدنا بينها تناقضات كثيرة !
فقد جاء في إنجيل مرقس مثلاً عند الحديث عن الصّلب المزعوم للمسيح عليه السَّلام : وأعطَوْه خَمرًا ممزوجةً بِمُرٍّ لِيَشربَ , فلَم يَقبلْ . (إنجيل مرقس – الإصحاح الخامس عشر 23) .
لكنَّ متى نقلَ هذه الجملة عن مرقس , ثمَّ بدَّلَ فيها بعض الألفاظ , فأصبحتْ : أعطَوْه خَلاًّ مَمزوجًا بِمَرارة لِيَشربَ . ولَمَّا ذاق لَم يُردْ أن يَشرب . (إنجيل متى – الإصحاح السَّابع والعشرون 34) .
فأبدلَ متى الخمر بالخَلِّ , والمرّ بِمَرارة !
وجاء في إنجيل مرقس عن آخِر أقوال المسيح عليه السَّلام عند صلبه المزعوم : وفي السَّاعة التَّاسعة صرخَ يَسوعُ بِصَوت عظيم قائلاً : إلُوي , إلُوي , لِمَ شَبَقْتَني (الذي تفسيره : إلَهي , إلَهي , لماذا تَركْتَني ؟!) . (إنجيل مرقس – الإصحاح الخامس عشر 34) .
لكنَّ لوقا لَم تُعجبه هذه الجملة , لأنَّه رأى أنَّها لا تتوافق مع عقيدة الفداء التي تقول بأنَّ المسيح عليه السَّلام صُلِبَ لِيَفتديَ أتباعه , فنقلَها لوقا عن مرقس ثمَّ أبدلَها لِتُصبح : ونادَى يَسوع بِصَوت عظيم : يا أبَتاه , في يَدَيْكَ أسَتَودِعُ رُوحي . (إنجيل لوقا – الإصحاح الثَّالث والعشرون 46) .
وجاء في إنجيل مرقس أنَّ المسيح عليه السَّلام شَفَى رجُلاً أعمَى . يقول مرقس : وجاءُوا إلى أريحَا . وفيما هو خارجٌ من أريحا مع تلاميذه وجَمْع غفير , كان بارتيمَاوس الأعمى ابنُ تيمَاوس جالسًا على الطَّريق يَسْتعطي . فلَمَّا سمع أنَّه يَسوعُ النَّاصري , ابتدأ يَصرخ ويقول : يا يَسوع بن داود ارحَمني . فانتهرهُ كثيرون لِيَسكُت , فصرخ أكثر كثيرًا : يا ابنَ داود ارحَمني . فوقفَ يَسوع وأمَر أن يُنادَى , فنادَوا الأعمى قائلين له : ثِقْ , قُمْ , هُوَذَا يُناديك . فطرح رداءهُ وقام وجاء إلى يَسوع . فسأله يَسوع : ماذا تُريدُ أن أفعل بك ؟ فقال له الأعمى : يا سَيِّدي , أن أبْصِر . فقال له يَسوع : اذْهَبْ , إيمانُكَ قد شَفاكَ . فَلِلْوَقِتِ أبصرَ , وتبعَ يَسوعَ في الطَّريق . (إنجيل مرقس – الإصحاح العاشر 46 - 52) .
لكنَّ متى روى نفس القصَّة , فجعلَ الرَّجل الأعمى رجُلَين اثنَيْن ! يقول : وفيمَا هم خارجُون من أريحَا تَبِعهُ جَمعٌ كثير . وإذَا أعْمَيان جالسان على الطَّريق . فلَمَّا سَمعَا أنَّ يَسوع مُجتازٌ صرخَا قائلَيْن : ارحَمنا يا سيِّدُ يا ابنَ داوُد . فانْتَهرهُما الجمعُ لِيَسكُتا , فكانَا يَصرُخان أكثَر قائلَيْن : ارحَمنا يا سيِّدُ يا ابنَ داوُد . فوقفَ يَسوع وناداهُما وقال : ماذا تريدان أن أفعلَ بكُما ؟ قالا له : يا سيِّدُ , أن تنفتحَ أعيُنُنا . فتحنَّن يَسوعُ ولَمس أعْيُنهما , فَلِلْوقت أبصرتْ أعيُنُهما فتَبعاه . (إنجيل متى – الإصحاح العشرون 29 – 34) .
وجاء في إنجيل متى ذِكْرٌ لِنَسَب المسيح عليه السَّلام على هذا النَّحو : كتابُ ميلاد يَسوع المسيح ابن داوُد ابن إبراهيم . إبراهيم ولَد إسحاق . وإسحاق ولَد يعقوب . ويعقوب ولَد يَهوذا وإخوته ... (إنجيل متى – الإصحاح الأوَّل 1 – 17) .
لكنَّ لوقا ذكَر نسبًا آخر للمسيح مختلفًا عمَّا ذكَره متى , يقول : ولَمَّا ابتدأ يَسوع كان له نحو ثلاثين سنة , وهو على ما كان يُظَنُّ , ابنُ يُوسُف بن هالي بن مَتثات بن لاوي بن ملكي بن يَنَّا بن يُوسف ... (إنجيل لوقا – الإصحاح الثَّالث 23 – 38) .
فهل يُعقَل أنَّ روح القدس , الذي ألهمَ متى ولوقا في كتابة إنجيلَيْهما , اختلطت المعلومات في ذهنه , فأوحى لكلِّ واحد منهما نسبًا مختلفًا ؟! ثمَّ لِماذا لم يذكُر مرقس ويوحنَّا نسَب المسيح ؟! هل أنَّ روح القدس نسيَ أن يُمْلِلْه عليهما أم أنَّه لم يَرَ في ذكْر ذلك أيَّة أهمِّيَّة ؟! وإذا كان الأمرُ كذلك , فكيفَ لنا أن نثق في ما جاء في هذه الأناجيل من أخبار أخرى عن المسيح عليه السَّلام وغيره ؟!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل أيضًا : اختلافها في أسماء تلاميذ المسيح ! فقد جاء في إنجيل لوقا : ولَمَّا كان النَّهار دعا تلاميذه واختار منهم اثْنَيْ عشر الذين سَمَّاهم أيضًا رُسُلاً : سِمْعان الذي سمَّاه أيضًا بُطرس , وأندراوس أخاه , يعقوب , ويوحنَّا , فيلبس , وبرتولَماوس , متى , وتوما , يعقوب بن حلفَى , وسِمعان الذي يُدعى الغَيُور , يَهوذا بن يعقوب , ويَهوذا الإسخَريُوطي الذي صار مُسَلِّمًا أيضًا . ( إنجيل لوقا – الإصحاح السَّادس 13- 16) .
بينما جاء في إنجيل متى : وأمَّا أسماء الاثنَيْ عشَر رسولاً فهي هذه : الأوَّلُ سِمعان الذي يُقال له بُطرس , وأندراوس أخوه , يعقوب بن زَبْدي , ويُوحنَّا أخوه , فيلبس , وبرتولَماوس , توما , ومتى العشَّار , يعقوب بن حلْفَى , ولبَّاوس الملقَّب تَدَّاوس , سِمعان القانَويّ , ويَهوذا الإسخريوطي الذي أسْلَمه . (إنجيل متى – الإصحاح العاشر 2 – 4) .
فلوقا ذكَر : يهوذا بن يعقوب , بينما ذكَر متى بدلا عنه : لَبَّاوس الملقَّب تدَّاوس ! وذكَر لوقا : سِمعان الذي يُدعى الغَيُور , بينما ذكَر متى : سِمعان القانَويّ !
فأيُّ الأناجيل أصحُّ إذًا ؟!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل ما ورد في وصيَّة المسيح لتلاميذه . فقد جاء في إنجيل مرقس : ودَعا الاثنَي عشر , وابتدأ يُرسلُهم اثْنَين اثْنَين , وأعطاهم سلطانًا على الأرواح النَّجسة . وأوصاهم أن لا يحملُوا شيئًا للطَّريق غير عصًا فقط , لا مِزْودًا ولا خُبزًا ولا نُحاسًا في المنطقة , بل يكونُوا مَشدُودين بنِعال ولا يلبسُوا ثَوبَين . (إنجيل مرقس – الإصحاح السَّادس 7 – 9) .
ولكن جاء في إنجيل لوقا : ودَعا تلاميذه الاثنَي عشر ... وقال لهم : لا تحمِلُوا شيئًا للطَّريق , لا عصًا ولا مِزْودًا ولا خُبزًا ولا فضَّة , ولا يكون للواحد ثَوبان . (إنجيل لوقا – الإصحاح التَّاسع 1- 3) .
فهل أوصى المسيحُ تلاميذَه بأخذ العصا أم بتركها ؟!
وجاء في إنجيل متى : هؤلاء الاثنا عشر أرسلَهم يَسوع وأوصاهم قائلاً : ... لا تَقْتَنُوا ذَهبًا ولا فضَّة ولا نُحاسًا في مناطقكم , ولا مِزْودًا للطَّريق ولا ثَوبَين ولا أحذيَة ولا عصًا لأنَّ الفاعل مُستحقٌّ طعامه . (إنجيل متى – الإصحاح العاشر 5 – 10) .
فهل أوصى المسيحُ تلاميذَه بأخذ الأحذية أم بتركها ؟!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل : جاء في إنجيل لوقا : وكان عبدٌ لِقائد مائة مريضًا مُشرفًا على الموت , وكان عزيزًا عنده . فلمَّا سمعَ عن يَسوع أرسلَ إليه شُيوخَ اليهود يسألُه أن يأتي ويَشفي عبدَه . فلَمَّا جاءُوا إلى يَسوع طلبُوا إليه باجتهاد قائلين : إنَّه مُستحِقٌّ أن يُفعَل له هذا لأنَّه يُحبُّ أمَّتنا وهو بَنَى لنا المجمع . (إنجيل لوقا – الإصحاح السَّابع 2 – 6) .
ولكن جاء في إنجيل متى : ولَمَّا دخلَ يَسوعُ كَفْر ناحُوم , جاء إليه قائدُ مائة يطلبُ إليه ويقول : يا سيّد , غلامي مَطروحٌ في البيت مَفلوجًا متعذّبًا جدّا . فقال له يَسوع : أنا آتي وأشفيه . (إنجيل متى – الإصحاح الثَّامن 6 – 7) .
فهل جاء القائدُ بنفسه إلى المسيح أم أرسل إليه شيوخ اليهود ؟!
قد تقول سيِّدي الكريم : ولكنَّ هذه التَّناقضات ليست لها أهمِّيَّة كبيرة . المهمُّ أنَّ القصَّة حدثَتْ فعلاً .
أقول : كلامكَ صحيح لو كنَّا نتحدَّث عن اختلافات بين بشر في رواية أحداث تاريخيَّة . لكن أن تكون هذه الاختلافات في كُتب يَدَّعي النَّصارى أنَّها وحيٌ من عند اللَّه , فهذا الأمر لا يُقبَل أبدًا !!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل ما ورد في قصَّة إبليس لعنه اللَّه مع المسيح عليه السَّلام . فقد جاء في إنجيل متى : ثمَّ أخذه إبليسُ إلى المدينة المقدَّسة وأوقَفه على جناح الهيكَل , وقال له : إن كنتَ ابنَ اللَّه , فاطرحْ نفسَكَ إلى أسفل لأنَّه مكتوبٌ أنَّه يوصي ملائكتَه بكَ , فعَلَى أياديهم يَحمِلُونك لكي لا تَصدِمَ بِحَجَر رِجْلَك . قال له يَسوع : مكتوبٌ أيضًا : لا تُجَرّب الرَّبَّ إلَهك . ثمَّ أخذهُ أيضًا إبليسُ إلى جبل عالٍ جدًّا وأراهُ جميعَ مَمالِك العالَم ومَجْدها , وقال له : أعطيكَ هذه جميعَها إن خررتَ وسجدتَ لي . (إنجيل متى – الإصحاح الرَّابع 5 – 9) .
ولكن جاء في إنجيل لوقا ترتيبٌ آخر : ثمَّ أصعدهُ إبليسُ إلى جبل عالٍ وأراهُ جميعَ مَمالك المسكونة في لحظة من الزَّمان . وقال له إبليس : لكَ أعطي هذا السُّلطان كلَّه ومَجْدهنَّ لأنَّه إلَيَّ قد دُفع , وأنا أعطيه لِمَن أريد . فإن سجدتَ أمامي يكون لكَ الجميع . فأجابه يَسوع : اذهبْ يا شيطان , إنَّه مكتوبٌ : للرَّبِّ إلَهكَ تسجُد وإيَّاهُ وَحده تعبُد . ثمَّ جاء به إلى أورشَليم وأقامَه على جناح الهيكَل وقال له : إن كنتَ ابنَ اللَّه فاطرح نَفسكَ من هنا إلى أسفل لأنَّه مكتوبٌ أنَّه يُوصي ملائكَته بكَ لكي يحفظوكَ , وأنَّهم على أياديهم يَحملونكَ لكي لا تَصدِم بِحَجر رِجْلَك . (إنجيل لوقا – الإصحاح الرَّابع 5 – 11) .
فهل كانت التَّجربة الأولى على الجبل والثَّانية على جناح الهيكل أم العكس ؟!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل : جاء في إنجيل مرقس : ثمَّ قام قومٌ وشهدُوا عليه زُورًا قائلين : نحنُ سمعناهُ يقول : إنِّي أَنقُضُ هذا الهيكلَ المصنُوع بالأيادي , وفي ثلاثة أيَّام أبْنِي آخر غير مَصنوع بأيادٍ . (إنجيل مرقس – الإصحاح الرَّابع عشر 57 - 58) . معنى هذا أنَّ المسيح عليه السَّلام لم يقُل هذا الكلام , وأنَّ القوم شهدُوا عليه زورًا .
ولكن جاء في إنجيل يوحنّا : فسألَه اليهود : أيَّة آية تُرينا حتَّى تفعلَ هذا ؟ أجاب يَسوع : انْقُضُوا هذا الهيكل , وفي ثلاثة أيَّام أُقيمُه . (إنجيل يوحنّا – الإصحاح الثَّاني 18- 19) .
وهذا يعني أنَّ المسيح عليه السَّلام قال فعلاً هذا الكلام ! فهل نُصدِّق مرقس أم يوحنّا ؟!
وتنسِبُ الأناجيلُ إلى المسيح عليه السَّلام أقوالاً متناقضة !
فقد جاء في إنجيل متى مثلاً أنَّ المسيح مدحَ بطرس , فقال : وأنا أقول لك أيضًا : أنتَ بُطرس , وعلى هذه الصَّخرة أَبْني كنيستي وأبوابُ الجحيم لن تَقْوى عليها . وأعطيكَ مفاتيحَ ملكُوت السَّماوات , فكلّ ما تربطُه على الأرض يكون مربوطًا في السَّماوات , وكلّ ما تَحُلّه على الأرض يكون محلولاً في السَّماوات . (إنجيل متى – الإصحاح السَّادس عشر 18- 19) .
لكن ورد نقيضُ هذا المديح بعد ذلك بأسطر قليلة ! فجاء في نفس الإنجيل ونفس الإصحاح : فالتفتَ وقال لِبُطرس : اذهبْ عنِّي يا شيطان . أنت مَعْثرةٌ لي لأنَّك لا تهتمّ بِمَا للَّه لكن بِمَا للنَّاس . (إنجيل متى – الإصحاح السَّادس عشر 23) .
فأيُّ الأقوال تصدُق في حقِّ بطرس : هل هو رسولٌ أم شيطان ؟! ثمَّ ما هو مصير المسيح عليه السَّلام وقد وصف تلميذه بالشَّيطان , حسب زعم متى , بينما جاء في نفس الإنجيل أنَّ المسيح قال : وأمَّا أنا فأقول لكم : إنَّ كلَّ مَنْ يغضبُ على أخيه باطلاً يكونُ مُستَوجِبَ الحُكْم , ومَنْ قال لأخيه رقَا يكونُ مُستَوجِبَ المجمَع , ومَنْ قال يا أحمَق يكونُ مُستَوجِبَ نار جهنَّم . (إنجيل متى – الإصحاح الخامس 22) .
فإذا كان الذي يقول : يا أحمق , يستَوجِبُ النَّار , فمَا هو إذًا جزاءُ مَن يقول لأخيه : يا شيطان ؟!
طبعًا مصيرُ المسيح عليه السَّلام سيكون إن شاء اللَّه مع النَّبيِّين في أعلى درجات الجنَّة . هذا ما ذكره اللَّه تعالى في القرآن الكريم , وما أكَّده نبيُّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في أحاديثه الشَّريفة . أمَّا ما ورد في إنجيل متى من أقوال منسوبة إلى المسيح عليه السَّلام , فهو منها براء !
قد تقولين سيِّدتي الفاضلة : ولكن كيف لم يُلاحظ النَّصارى واليهود وجود كلّ هذه الأخطاء في كُتبهم المقدَّسة ؟!
أقول : لأنَّ التَّوراة والأناجيل والرَّسائل وغير ذلك من الكتابات المقدَّسة , لم تكن في البداية في مُتناول عامَّة النَّاس , وإنَّما كانت تنتقل فقط بين رجال الكنيسة وأحبار اليهود ! ثمَّ ظهرت الطّباعة , فبدأت هذه الكتاباتُ تنتشر بين العامَّة في القرن السَّادس عشر , وصاحَبَ ذلك مَوْجةٌ من التَّساؤلات أُمطِرَ بها رجالُ الدِّين ! فراح هؤلاء يبحثُون عن إجابات مقنعة , ولَمَّا لم يجدُوا , أصبحُوا يُردِّدون كلامًا معقَّدًا وغامضًا , لا يفهمه أحد ولا يقبله عقلٌ ولا منطق !!
والغريبُ أنَّ الكثير اليوم من أحبار اليهود ورجال الكنيسة على عِلْم تامٍّ بالأغلاط والتَّناقضات الموجودة في الكتاب المقدَّس . ولكن , عِوَض أن يَدفعهم هذا العلمُ إلى البحث عن مدى صحَّة ديانتهم , أغلقُوا بالعكس عقولَهُم في وجه الحقيقة , فضَلُّوا وأضلُّوا !!
وإنَّ أيَّ إنسان عاقل ونزيه يستطيع أن يجزم بأنَّ التَّناقضات والأغلاط التي تعرَّضنا لها في هذا العنصر , لا تقبلُ التَّأويل , بل تدلُّ بوضوح على أنَّ الأناجيل والرَّسائل لا يمكنُ أن تكون وحيًا من عند اللَّه , وإنَّما هي من تأليف بشَر ومِن تفكيرهم الخاصّ , ولم يُساعدهم في كتابتها روحُ القُدس كما يدَّعي النَّصارى .
وصدق اللَّهُ العظيم حين أعلن أنَّ كلَّ كتاب يحتوي على تناقضات وأغلاط , لا يُمكنُ أن يكون وحيًا من عنده . يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا 82 } (4- النّساء 82) . فقد وُجِدتْ فعْلاً الاختلافاتُ والأغلاطُ والافتراءاتُ على اللَّه سبحانه وعلى أنبيائه الكرام , في التَّوراة الموجودة اليوم عند اليهود والأسفار المصاحبة لها , وفي الأناجيل والرَّسائل الموجودة اليوم عند النَّصارى , فهي إذًا من عند غير اللَّه !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:16
ولو كان المسيح بيننا لتبرَّأ من النَّصارى !
لِماذَا ؟! لأنَّهم رفعوه عن مكانة العبد الرَّسول , فجعلُوا منه ابنًا للَّه , وعبدُوه , ونَسبُوا إليه أقوالاً وأفعالاً مليئة بالكفر , وهو منها براء !
وقد تتساءل سيِّدي الكريم : ولكن , من أين جاء النَّصارى بعقيدة الصَّلب والفداء والخلاص المذكورة خاصَّة في رسائل بولس وإنجيل يوحنَّا ؟
أقول : أمَّا عن الصَّلب , فقد وقع فعْلاً , وسجَّلَتْهُ كتبُ التَّاريخ ! لكنَّ الذي صُلِبَ حقًّا لَم يكُن المسيح عليه السَّلام وإنَّما أحد تلاميذه , ألقَى اللَّهُ عليه شبَه عيسَى , فأخذه اليهودُ في ذلك الزَّمان وصلَبُوه ووضعُوا الشَّوكَ على رأسه , ظانِّين أنَّه المسيح . ورفَع اللَّهُ عيسى عليه السَّلام إلى السَّماء , وسيعود في آخر الزَّمان , ليس لِيُخلِّص النَّصارى , وإنَّما لِيحكُم بالإسلام ولا يقبل دينًا غيره !
نعم , هذا ما ذكره القرآن ووضَّحه النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وسنتحدّثُ عن هذا الأمر بشيء من التَّفصيل في عناصر لاحقة إن شاء اللَّه . وقد كان بعضُ تلاميذ عيسى عليه السَّلام حاضرين معه عندما رفعَه اللَّه إليه , وهؤلاء بَقوا على دينه الحقّ , يَدعُون إلى ما دعا إليه مِن عبادة اللَّه وحده , ويقولون أنَّ عيسى عبدُ اللَّه ورسولُه , ولم يقولُوا أبدًا بعقيدة الفداء والخلاص !
لكنَّ الذين وقعُوا في الخطأ , هم فريقٌ آخر من النَّصارى أصرُّوا على أنَّ الذي صُلِبَ هو المسيح عليه السَّلام . ولَمَّا لم يجدُوا أيّ تفسير عقائدي لهذا الصَّلب , بَحثُوا في الدِّيانات الوثنيَّة السَّائدة وَقتها , فوجدُوا فيها أنَّ الإلهَ يمكن أن يكون له أبناء وزوجة وشُركاء , وأنَّه يمكن أن ينزل إلى الأرض أو يَبعث إليها مَن يَنُوبه ليُحارب الشَّرَّ ويُخلِّص أتباعه ثمَّ يعود إلى السَّماء , وأنَّ الآلهة المتعدِّدة يُمكن أن تُجمَع في صورة إله واحد ذي عدَّة أقانيم ! ويكفي أن تدرس سيِّدي بعض الآلهة , مثل الفيشنو Vishnou والكرشنا Krishna في الدِّيانة الهندوسيَّة , والبوذا Bouddha في الدِّيانة البوذيَّة , وبعل Baal عند البابليِّين القُدامى , لِتَجد كلَّ هذه المعتقدات !
فاستوحى النَّصارى إذًا من هذه الدِّيَانات مسألة الفداء والخلاص , واستحدثُوا نَظريَّة الخطيئة الموروثة لِتبرير الصَّلْب المزعوم للمسيح , وتبنَّوْها كعقائد وأصبحُوا يَدعُون إليها ! فقد جاء في رسالة يوحنَّا : يا أولادي , أكتبُ إليكُم هذا لكي لا تُخطِئُوا . وإن أخطأ أحدٌ فلَنا شفيعٌ عند الآب , يَسوع المسيح البارّ . وهو كفَّارة لِخَطايانا . ليس لِخَطايانا فقط , بل لِخَطايا كلّ العالَم أيضًا . (يوحنّا 1 – الإصحاح الثَّاني 1 - 2) .
وجاء في رسالة بولس : إذ الجميعُ أخطأوا وأعْوَزَهم مَجدُ اللَّه , مُتَبَرّرينَ مَجَّانًا بِنعْمَتِه بالفِدَاء الذي بِيَسُوع المسيح الذي قدَّمه اللَّهُ كفَّارة بالإيمان بدَمه , لإظهار بِرّه من أجل الصَّفح عن الخطايا السَّالفة بإمهال اللَّه . (رومية – الإصحاح الثَّالث 23 – 25) .
وجاء في رسالة بولس : لأنَّه (أي اللَّه) جعلَ الذي لَم يَعرِفْ خَطِيَّةً (أي المسيح) خَطِيَّةً لأجلنا , لِنَصيرَ نحنُ بِرُّ اللَّه فيه . (كورنثوس 2 – الإصحاح الخامس 21) .
وجاء في إنجيل يوحنَّا : لأنَّه هكَذا أحبَّ اللَّهُ العالَم حتَّى بذلَ ابنَه الوحيدَ لكي لا يَهلك كلّ مَن يُؤمن به بل تكونُ له الحياةُ الأبَديَّة . (إنجيل يوحنّا - الإصحاح الثَّالث 16) .
فعقيدة النَّصارى إذًا تتلخَّص في أنَّ كلَّ إنسان يولَد خاطئًا , وارثًا للخطيئة من أبيه آدم الذي عصى اللَّهَ وأكلَ مِن الشَّجرة المحرَّمة . وأنَّ السَّبيل الوحيد لِمَحْو الخطيئة هو سَفْك دَم . يقول بولس في رسالته إلى العبرانيِّين : وكلُّ شيء تقريبًا يَتطهَّرُ حسبَ النَّاموس بالدَّم . وبدون سَفْك دَم لا تَحصُلُ مَغْفرة . (العبرانيِّين – الإصحاح التَّاسع 22) .
لهذا , بعث اللَّهُ ابنَه الوحيد يَسُوع المسيح لِيُصلَب ويموت , لكي يفتدي خطيئة آدم وخطايا البَشَر ! وكلُّ مَن يُؤمن أنَّ المسيح قام بعد الصّلب , يَخلُص وينجُو من العذاب يوم القيامة ! فقد جاء في رسالة بولس : لأنَّكَ إن اعترفْتَ بِفَمِكَ بالرَّبِّ يَسُوع وآمنتَ بقَلبكَ أنَّ اللَّه أقامَه من الأموات , خَلصْت . لأنَّ القلبَ يُؤمنُ به لِلبرّ , والفَمَ يعترفُ به لِلْخَلاص . (رومية – الإصحاح العاشر 9 – 10) .
فَما فائدة العَمل إذًا بعد هذا ؟!!
إنَّ هذه العقيدة تتعارض بلا شكّ مع الفطرة والمنطق , ومع صفة العدل عند اللَّه , لأنَّها تُلغي مَبدأ القصاص يوم القيامة وأَخْذ حَقّ المظلوم من الظَّالِم ! بل إنَّها تُشكِّل خطرًا كبيرًا على الإنسانيَّة , لأنَّها تُشجِّع الفرد على فعل ما يُريد بدون قيد أو شرط , دون أن يخاف من العقاب , لأنَّه على كلِّ حال سوف يَخلُص ويَنجُو منه طالَما آمنَ برُبُوبيَّة المسيح وبصلبه وقيامته !!
ولو أنَّ حاكمًا أعلن لِشَعبه أنَّ كلَّ مَن يُؤمن بشَرعيَّته وكفاءته في الحكْم يَستطيع أن يفعل ما يشاء دون أن يُعاقَب , لانقلب المجتمعُ إلى فَوضى , ولانتشر السَّلبُ والنَّهبُ والقتلُ والاغتصاب !
وقد ظهرت آثارُ هذه العقيدة الباطلة فعلاً في كلام بولس , رسول النَّصارى والمشَرِّع لهم , فأصبح يستبيح المحرَّمات ويُحلِّلُها لِأتباعه ! مِن ذلك ما جاء في رسالته : كلُّ شيء طاهرٌ للطَّاهرين , وأمَّا لِلنَّجِسينَ وغير المؤمنين فلَيسَ شيءٌ طاهرًا , بل قد تَنجَّس ذِهنُهم أيضًا وضميرُهم . (تيطس – الإصحاح الأوَّل 15) .
وأباح لهم شُربَ الخمر , فقال في رسالته : لا تكن في ما بعدُ شرَّابَ ماء , بل استعملْ خَمرًا قليلاً من أجل معدتكَ وأسقامِكَ الكثيرة . (ثيموثاوس 1 – الإصحاح الخامس 23) .
وتَجدرُ الملاحظة هنا أنَّ مسألة الخطيئة الموروثة لَم تَرِدْ على لسان أحدٍ من الأنبياء قبل عيسى عليه السَّلام , ولا وُجود لِأيِّ ذِكْرٍ لها في التَّوراة ! فهل يُعقَل أنَّ اللَّه تعالى أخفَى شأنَها عن أنبيائه بالرَّغم من عِلْمِه بأنَّ خلاص البشريَّة لا يَتمُّ إلاَّ بِسَفكِ دَمٍ للتَّكفير عن هذه الخطيئة ؟! وماذا عن مصير البشر الذين جاءوا قبل المسيح إذًا ؟! ولِماذا انتظر اللَّهُ آلاف السِّنين قبل أن يُرسِلَ المسيح لِيُخلِّص البشريَّة ؟!
وإذا كان المسيحُ جاء فعلاً لهذه المهمَّة , فما معنى ما جاء في إنجيل مرقس عن آخِر أقواله (أي المسيح) عند صلبه المزعوم : وفي السَّاعة التَّاسعة صرخَ يَسوعُ بِصَوت عظيم قائلاً : إلُوي , إلُوي , لِمَ شَبَقْتَني (الذي تفسيره : إلَهي , إلَهي , لماذا تَركْتَني ؟!) . (إنجيل مرقس – الإصحاح الخامس عشر 34) . فإمَّا أنَّه أُرسِلَ مُكْرَهًا أو أنَّه لَم يُرسَلْ أصلاً للفداء !
ثمَّ , هل يَقبلُ العقلُ أن يبذلَ اللَّهُ ابنَه الوحيد المزعوم , لِيُصلَب على خشَبة ويتألَّم ويُهان ويُبصَق في وجهه ويموت , افتداءً لِخطيئة آدم ولِخطايا البَشَر ؟! ألم يكن بإمكان اللَّه , وهو المتصرِّف وحده في كلِّ شيء , أن يَغفر لعباده خطاياهم دون أن يُضحِّي بفلذة كبده ؟! هل يُعقل أن يكون اللَّهُ بمثل هذه القسوة , فيُلقي بابنه إلى الإهانة والعذاب ؟! ومِن أجل ماذا ؟! من أجل حَفنةٍ من البَشَر يعيشُون فوق كوكب صغير لا يُمثِّلُ ذرَّةً في كونه الفسيح !!
واللَّهِ إنَّ عقيدةَ الفداء والخلاص هُراءٌ لا يقبلُه عقلٌ ولا منطق , ولا يليقُ بجلال اللَّه وعدله وحكمته وكماله , سبحانه وتعالى عمَّا يقولُ الظَّالمون عُلُوًّا كبيرًا !
ثمَّ إنَّ اللَّهَ قد تاب برحمته على آدم وحوَّاء منذ أن كانا في الجنَّة , وانتهَت القضيَّة ! يقول تعالى في القرآن الكريم : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 35 فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36 فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37 قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 38 وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 39 } (2- البقرة 35-39) .
فليس هناك إذًا خطيئةٌ موروثة , وكلُّ إنسان مسؤولٌ فقط عن أفعاله , يقول تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 164 } (6- الأنعام 164) .
ولم يكتف النَّصارى بتحريف شريعة المسيح عليه السَّلام , بل نسبُوا إليه أيضًا أقوالاً وأفعالاً لا تليق بهذا النَّبيِّ الكريم ! فقد جاء مثلاً في إنجيل يوحنَّا : وفي اليوم الثَّالث كان عُرسٌ في قانا الجليل , وكانت أمّ يَسوع هناك . ودُعِيَ أيضًا يَسوعُ وتلاميذُه إلى العُرس . ولَمَّا فرغت الخَمرُ قالت أمّ يَسوع له : ليس لهم خَمر . قال لها يَسوع : مالي ولَكِ يا امرأة ! لَم تأتِ ساعَتي بَعدُ . (إنجيل يوحنّا – الإصحاح الثَّاني 1 – 4) .
فهل يُعقَل أنَّ المسيح عليه السَّلام يَنهرُ أمَّه بهذه الطَّريقة ؟!
أبدًا لا يُعقَل , فقد شهد له اللَّهُ تعالى في القرآن الكريم بأنَّه كان بارًّا بوالدته , حيث قال تعالى : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31 وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32 } (19- مريم 30-32) .
وهل يُعقَل أنَّ مريم عليها السَّلام تطلبُ من ابنها أن يُحَوِّل الماءَ إلى خَمْر يَشربُه أهلُ العريس ؟!
أبدًا لا يُعقَل , فقد شهد لها اللَّهُ تعالى في القرآن الكريم بالطَّهارة وعُلُوِّ الدَّرجة , حيث قال تعالى : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ 42 } (3- آل عمران 42) .
ومِن الأقوال المنسوبة زورًا إلى المسيح عليه السَّلام , ما جاء في إنجيل لوقا : وقال لآخر : اتْبَعْني . فقال : يا سَيِّدُ ائذَنْ لي أن أمضي أوَّلاً وأدفِنَ أبي . فقال له يَسوع : دَع الموتَى يَدفِنُون موتاهُم , وأمَّا أنت فاذْهَبْ ونادِ بِمَلكُوت اللَّه . وقال آخرُ أيضًا : أتبعُكَ يا سَيِّدُ ولكن ائذَنْ لي أوَّلاً أن أوَدِّع الذين في بَيتي . فقال له يَسوع : ليس أحدٌ يضعُ يَده على المحراث وينظُر إلى الوراء يَصلحُ لِملكُوت اللَّه . (إنجيل لوقا – الإصحاح التَّاسع 59 – 62) .
فهل يُعقل أن يَمنعَ نبيُّ اللَّه عيسى عليه السَّلام أحدَ أتباعه من دفن والده , ويَمنع آخر من وداع أهله ؟!
أبدًا لا يُعقَل , لأنَّ كلَّ الأنبياء كانُوا يَحُثُّون على برِّ الوالدين والإحسان إلى الزَّوجة والأهل .
ومِن مظاهر إساءة النَّصارى إلى المسيح عليه السَّلام : تَصديقهم لِما أشاعه اليهود من علاقة أمِّه مريم , الطَّاهرة العفيفة , بِرجُلٍ يُدعَى يوسف النَّجَّار , فنَسبُوه (أي نَسَبُوا المسيحَ) إليه . والحقيقة أنَّ عيسى عليه السَّلام خلقهُ اللَّه مِن أمٍّ بلا أب , معجزةً منه , مثلما خلقَ آدمَ عليه السَّلام بدون أب ولا أمّ .
أفلا يكفي كلُّ هذا لكي يتبرَّأ المسيحُ عليه السَّلام من النَّصارى وعقائدهم الباطلة ؟!!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:17
كلمة عن إنجيل برنابا
ذكَرْنا أنَّه ظهر في البداية حوالي سبعون إنجيلاً , أمَر إمبراطورُ الرُّوم سنة 325 م بإحراقها , بعد أن اختار مجمعُ الكنائس منها الأربعة المعروفة اليوم . وذكَرْنا أيضًا أنَّهُ أُقِرَّ في هذا المجمع بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه , تعالى اللَّهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا ! ولكن ليس كلُّ النَّصارى في ذلك الوقت كانُوا يعتقدُون هذا الاعتقاد , بل كان منهم مُوَحِّدون , يؤمنون بأنَّ اللَّه إله واحد , وأنَّ المسيح عليه السَّلام عبدُه ورسوله . وهؤلاء لَم يَتَبَنَّوْا قرارات المجمع , فضيَّق عليهم إمبراطورُ الرُّوم الخناق , وهدَّم كنائسهُم وشرَّدهم وطردهم من ديارهم ! وبِمُرور السِّنين والقرون , اضمحلَّت مذاهب هؤلاء , ولَم يبقَ من أتباعهم أحدٌ تقريبًا .
ومِن بين الأناجيل الأولى التي كُتِبتْ , إنجيل برنابا (Barnabé) , كتَبهُ برنابا , واسمه الحقيقي يوسف بن لاوي , أمَّا برنابا فهو لقبٌ أطلَقه عليه الحواريُّون (Les Apôtres) , فقد جاء في سِفْر أعمال الرُّسُل : ويوسف الذي دُعِيَ من الرُّسُل بَرْنابا الذي يُتَرجَم ابن الوَعْظ , وهو لاوي قُبرُسي الجنس . (أعمال الرُّسل – الإصحاح الرَّابع 36) .
وُلِدَ برنابا بقبرص , وتُوفِّي بها مقتولاً سنة 61 م . وقد عاصَر المسيحَ عيسى عليه السَّلام ورآهُ وصحِبَه , وصحبَ أيضًا مرقس Saint-Marc وقد عُرِفَ برنابا بصلاحه وتَفانيه في الدَّعوة إلى المسيحيَّة , ويشهد له الحواريُّون بذلك , حيثُ جاء في سِفْر الأعمال : فسُمِعَ الخَبرُ عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشَليم , فأرسلُوا بَرْنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية . الذي لَمَّا أتى ورأى نعمة اللَّه فرحَ ووعظَ الجميعَ أن يثبتُوا في الرَّبِّ بعزم القلب , لأنَّه كان رجلاً صالِحًا ومُمتلئًا من الرّوح القُدُس والإيمان , فانضمَّ إلى الرَّبِّ جمعٌ غفير . (أعمال الرُّسل – الإصحاح الحادي عشر 22 – 24) .
والسَّببُ في وقوفنا هنا عند إنجيل برنابا , هو أنَّه يُخالفُ الأناجيل الأربعة المعروفة اليوم في أمور جوهريَّة , منها أنَّه رَدَّ زَعْم النَّصارى ألوهيَّة المسيح عليه السَّلام , فقال بأنَّه عبدٌ ورسول , ورَدَّ ادِّعاءَهم صَلْبَه , فقال بأنَّه لم يُصلَبْ , وذكر صراحةً في عدَّة مواضع من إنجيله بشارةَ المسيح عليه السَّلام بِمَجيء النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مِنْ بعده !!
نعم , كلُّ هذا مذكورٌ في إنجيل برنابا , وهو ما يُفسِّرُ صدور أمْرٍ سنة 366 م من البابا دماس الأوَّل (Damase 1er) ثمَّ من باباوات مِن بعده , بعَدم قراءة هذا الإنجيل !
وفي دراسة قيِّمة جدًّا للدُّكتور منقذ بن محمود السقار عن كُتُب العهد القديم والعهد الجديد , استعنتُ بها في كتابة العناصر السَّابقة وموجودة على موقع الحقيقة www.alhakekah.com (http://www.alhakekah.com/) , يذكُر الدُّكتور أنَّ ذِكْرَ إنجيل برنابا اختفَى قُرونًا عديدة , حتَّى عُثِر سنة 1709 م على نُسخة منه مكتوبة بالإيطاليَّة , مُجَلَّدَة وعليها نقوش ذهبيَّة , استقرَّت سنة 1738 م في البلاط الملكي في فيينَّا , عاصمة النّمسا . وقد تُرجِمتْ هذه النُّسخة إلى العربيَّة على يد الأستاذ خليل سعادة .
ويَردُّ بعضُ النَّصارى اليوم بأنَّ النُّسخة الإيطاليَّة من إنجيل برنابا مُزوَّرة , وأنَّ الذي كتبها مسلم !
أمَّا المسلمون فيقولون بأنَّ هذا لا يصحُّ , لأنَّ هذا الإنجيل , وإن كان يُوافق معتقدات المسلمين بخصوص عدم ألوهيَّة المسيح عليه السَّلام , ونجاته من الصّلب , وبشارته بمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , إلاَّ أنَّه يحتوي على العديد من الأشياء التي لا يقول بها أيُّ مسلم , مثل وصف اللَّه تعالى بالرُّوح والعجيب والمبارك , واستعمال أسماء ملائكة غير معهودة , مثل : رفائيل وأوريل , والقول بأنَّ السَّماوات تسع !
وعلى كلِّ حال , يبقَى إنجيلُ برنابا في نَظر المسلمين , حالُه مثل حال بقيَّة الأناجيل المعروفة , كلُّها مِن وضْع بَشَر , وليست هي الإنجيل الحقيقي الذي أنزلهُ اللَّه تعالى على نبيِّه عيسى عليه السَّلام , والمذكور في عدَّة مواضع من القرآن الكريم .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:17
ما يمكن استخلاصه بخصوص التَّوراة والأناجيل
ما يمكنُ استخلاصُه إذًا من كلِّ ما سَبق هو أنَّ التَّوراة الموجودة اليوم عند اليهود ليست هي التي أُنزِلَتْ على موسى عليه السَّلام , وذلك بشهادة القرآن الذي أعلَن أنَّ التَّوراة الأصليَّة حُرِّفَتْ بعد موت موسى , وبشهادة الباحثين في تاريخ الأديان الذين قالُوا أنَّها أُتْلِفَتْ أثناء الحروب , هذا بالإضافة إلى الأدلَّة التي ذكَرناها والتي لا تتركُ مجالا للشّكّ أنَّ هذه التَّوراة تحتوي على نصوص لا يقبل العقل ولا المنطق أن تكون صادرة عن خالق هذا الكون بِمَا فيه .
كذلك , الأناجيل الموجودة اليوم عند النَّصارى ليست هي الإنجيل الذي أُنزِلَ على عيسى عليه السَّلام , وذلك بشهادة القرآن الذي ذكَر إنجيلاً واحدًا أُنزِلَ على عيسى , بينما نجدُ اليوم أربعة , والبقيَّة أُحرِقَتْ , وبشهادة النَّصارى أنفسهم والمؤرِّخين الغربيِّين الذين يعترفُون أنَّ هذه الأناجيل لَمْ يَكتُبها المسيح ولم يُمْلِلها على أتباعه , وإنَّما كَتبها أُناسٌ بعد موته بأكثر من قرن ونصف , ونَسبُوها إلى تلاميذه من الجيلَيْن الأوَّل والثَّاني , هذا بالإضافة أيضًا إلى الأدلَّة التي ذكَرناها والتي تُبيِّن أنَّ هذه الأناجيل تحتوي على تناقضات عديدة وأقوال باطلة لا يقبل العقل ولا المنطق نسبتها إلى اللَّه سبحانه وتعالى .
لا يَصحُّ إذًا , بأيِّ حال من الأحوال , اعتماد التَّوراة أو الأناجيل أو الرَّسائل المصاحبة لها , كمراجع دينيَّة من عند اللَّه تعالى , ولا يُقبلُ الاستشهاد بها في أيّ مسألة من المسائل .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:18
القرآن الكريم , معجزة كلّ الأزمان !
ليس هناك أيّ وَجْه مقارنة بين القرآن الكريم , وبين توراة اليهود وأناجيل النَّصارى , لا في الأسلوب ولا في المحتوى ! فالقرآن كتابٌ مُقدَّس فريدٌ من نوعه , مُعجِزٌ ببلاغته ومحتَوى آياته , وهو دليلُ الإنسان في كلِّ مجالات حياته , في كلِّ البلدان وكلِّ الأزمان إلى قيام السَّاعة !
وبخلاف الكُتب السَّماويَّة السَّابقة التي بُدِّلَتْ وحُرِّفت , فإنَّ القرآن قد تكفَّل اللَّهُ سبحانه بحفظه , ليكون شاهدًا على وجود الخالِق , وليكون منهاجًا لِخَلْقِه إلى آخر الزَّمان , لأنَّه لا نبيَّ بعد محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . يقول اللّه تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 9 } (15- الحجر 9) . والمقصود بالذِّكْر هنا : القرآن الكريم , تعهَّد اللَّهُ بحفظه . فهل يستطيع أيُّ مخلوق بعد هذا أن يُبدِّل أو يحرِّف كلمة واحدة منه ؟!
إطلاقًا ! ولو اجتمعتْ على ذلك الإنسُ والجنّ . فإذا كان اللَّه تعالى قد استطاع بقُدرته حفظَ السَّماوات والأرض من الوقوع منذ مليارات السِّنين , فهل يُعجزهُ أن يَحفظ القرآن من التَّحريف بعد أن تعهَّد بذلك ؟!
أبدًا ! والدَّليل أنَّك تطوفُ العالَم اليوم شبرًا شبرًا , فلا تجدُ إلاَّ قرآنًا واحدًا , هو بالضَّبط الذي أَنزلَه اللَّهُ تعالى , بواسطة الملَك جبريل عليه السَّلام , على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم منذ حوالي 1400 سنة .
ثمَّ إنَّ الآيات التي عرضتُها عليك من قبل , والتي تُشير إلى حقائق علميَّة دقيقة لم يستطع العلماءُ الوصول إليها إلاَّ منذ وقت قريب وبعد سنوات من التَّجارب الدَّقيقة والملاحظة المستمرَّة , هذه الآيات لا تَدَعُ مجالاً للشَّكِّ في أنَّ هذا القرآن وحيٌ من عند اللَّه , وأنَّه لم يَدخُلْ عليه أيّ تغيير أو تبديل , وأنَّ كلّ ما جاء فيه حقٌّ . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ 41 لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 42 } (41- فصّلت 41-42) .
ذلك أنَّ اللَّه تعالى لَمَّا بعثَ أنبياءَه أيَّدَهم بمعجزات تتناسب مع أَزْمانهم :
فالنَّبيُّ موسى عليه السَّلام بُعِثَ في عصْرٍ اشتهَر بانتشار السّحْر وتقدُّم السَّحَرة في هذا المجال , فأيَّده اللَّهُ تعالى بعصا , تحوَّلَتْ بإذنه (أي بإذن اللَّه) إلى حيَّة , وأبطَلَتْ حِيَل كبَار السَّحرة . ويَحكي لنا القرآنُ تفاصيل هذه الحادثة بأسلوبه الفريد الذي يشهد لِوَحده أنَّه كلام اللَّه , فيقول متحدِّثًا عن فرعون : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى 56 قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى 57 فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى 58 قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى 59 فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى 60 قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى 61 فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى 62 قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى 63 فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى 64 قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى 65 قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى 66 فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى 67 قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى 68 وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى 69 فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى 70 قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى 71 قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا 72 إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى 73 إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى 74 وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى 75 جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى 76 } (20- طه 56-76) .
فكِبارُ السَّحرة الذين جَمَعَهُم فرعونُ لِنُصْرته رأَوْا بأَعيُنهم , وهم المتخصِّصون في هذا الميدان , أنَّ العملَ الذي قام به موسى عليه السَّلام يستحيلُ أن يكون سحرًا , وإنَّما هو معجزةٌ أيَّده اللَّهُ تعالى بها . فلم يتردَّدوا في الإيمان بموسى وبخالقه , بالرَّغم من تهديد فرعون ووعيده لهم !
وأمَّا النَّبيُّ عيسى عليه السَّلام , فقد بعثه اللَّه تعالى في عصْرٍ تَطوَّر فيه الطِّبُّ , فأيَّده بقُدرات غير عاديَّة على مداواة الحالات المرَضيَّة المستعصِيَة وحتَّى إحياء الموتى , كلُّ ذلك بإذن اللَّه . يقول تعالى مفصِّلاً هذه المعجزة : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ 110 } (5- المائدة 110) .
كلُّ قُدُرات عيسى عليه السَّلام كانت إذًا معجزات من عند اللَّه تعالى . فإذا كان النَّصارى قد اتَّخَذُوا من هذه المعجزات سببًا لِتَأليه المسيح وادِّعاء أنَّه ابنُ اللَّه , فلماذا لا يكون إبراهيمُ عليه السَّلام كذلك وقد رُميَ في النَّار فخرج منها سالِمًا ؟! ولماذا لا يكون موسى عليه السَّلام كذلك وقد ضَرب البحرَ بعصاه فانفلق إلى نصفين , فاخترقَه هو وأتباعُه فلم يغرقوا , وتبعهم فرعونُ وجنوده فغرقوا ؟!
بل , هل يَقبل العقل والمنطق أن يكون لِخَالق هذا الكون الهائل ابنٌ أو زوجة ؟! تعالى اللَّه عمَّا يقول الظَّالمون علُوًّا كبيرا !
أمَّا محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقد بعثه اللَّهُ تعالى في عصْر البلاغة والفصاحة , فأيَّده بالقرآن الكريم الذي أَعجز الفُصحاءَ والأدباءَ والشُّعراء في ذلك الوقت . وإذا كانت معجزةُ كلُّ نبيٍّ قد انقطعت بموته , فإنَّ معجزة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم خالدة إلى قيام السَّاعة ! يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن الكفَّار : { وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ 50 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 51 قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 52 } (29- العنكبوت 50-52) .
فالكفَّارُ مِن قَوْم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم طَلبُوا منه أن يُريهم مُعجزات ملموسة , كما فعل الأنبياء مِن قبله , لِيَتحقَّقُوا أنَّه مبعوثٌ من عند اللَّه . فأجابهم اللَّهُ تعالى بأنَّ القرآنَ الكريم كافٍ وحده ليكُون معجزةً لهم خاصَّة , وللنَّاس عامَّةً في كلِّ الأزمان .
ولو طلبنا اليومَ من نصراني أن يُرينا كيف كان المسيح عليه السَّلام يُبرئ الأبرص ويُحيي الموتى , لَعَجز عن ذلك . وكذا الحالُ لو طلبنا من يهودي أن يُرينا كيف كانت عصا موسى عليه السَّلام تتحوَّل إلى حيَّة .
أمَّا لو طلبنا من مسلم أن يُرينا معجزة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فسَيَجِدُها دون تعب ! إنَّها القرآنُ الكريم الذي سَحَر ببلاغته فُصحاء العرب في كلِّ عصر , وبَهَر بمحتواه كلَّ النَّاس . فهو فعلاً مَرْجعٌ في الأخلاق , والعلاقات الاجتماعيَّة , والمعاملات الماليَّة , والقضاء , وأخبار السَّابقين , وأخبار العوالم الأخرى من ملائكة وجنٍّ وشياطين , والأخبار الغيبيَّة عن البعث والحساب . وها نحنُ اليوم في عصر العلم لا نزال حائرين أمام إعجاز القرآن العلمي في مختلف الميادين , وكذلك إعجازه البلاغي والتَّشريعي !
(http://hurras.org/vb/newreply.php?do=newreply&p=74385)
كلمة سواء
16.01.2011, 14:20
كيف أُنزل القرآن الكريم ؟
أُنزلَ القرآنُ وحيًا باللُّغة العربيَّة , مِن اللَّه تعالى على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , بواسطة الملَك جبريل عليه السَّلام . يقول اللَّه تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ 192 نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ 193 عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ 194 بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ 195 } (26- الشّعراء 192-195) .
ولم ينزل القرآنُ مرَّةً واحدة , وإنَّما نزلَ متفرِّقًا , بحسب الأحداث , على مدى 23 سنة . يقول اللَّه تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً 106 } (17- الإسراء 106) .
فكان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَحفظ ما أُنزل عليه من آيات , ثمَّ يتلُوها على أصحابه , فيَحفظونها في صدورهم ويكتبوها . وكان مِن بين أصحابه مَن كان مُكلَّفًا بكتابة الوحي , مثل : زيد بن ثابت وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهما , فكانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يُملي عليهم ما يَنزلُ عليه من الآيات , فيكْتبوها فَوْر نُزولها .
ولا يمكن أن نشكَّ في جَوْدة حفْظ النَّبيِّ للقرآن , لأنَّ اللَّه تعالى تكفَّلَ بتحفيظه له ! يقول تعالى مخاطبًا إيَّاه : { لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17 فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 18 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ 19 } (75- القيامة 16-19) .
ذلك أنَّ الملَكَ جبريل عليه السَّلام كان يأتي إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِيُوحِي إليه آيات جديدة من القرآن , فكان النَّبيُّ يتعجَّلُ في ترديد ما يقرأه عليه الملَك حتَّى لا يَنسى أيَّ حرف منه . فطَمْأنه اللَّهُ تعالى في هذه الآيات بأنَّه تكفَّل بأن يجمع له القرآنَ في صدره فلا ينساه أبدًا , ويُبيِّن له معناه ويُوَضِّحه له . ما عليه إذًا إلاَّ أن يُنْصت إلى الملَك , ثمَّ يقرأ وراءه بكلِّ طمأنينة .
وكان للنَّبيِّ بعد ذلك موعدٌ سنوي مع جبريل عليه السَّلام , لِيَعرض عليه ما نزل حتَّى ذلك اليوم من القرآن . فقد روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : كان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يعرضُ القرآن في كلِّ رمضان على جبريل , فيُصبحُ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مِن لَيْلَته التي يعرضُ فيها ما يعرض وهو أَجْوَد من الرِّيح المرْسَلَة , لا يُسألُ عن شيء إلاَّ أعطاه , حتَّى كان الشَّهر الذي هلكَ (أي تُوفِّيَ) بعده , عرضَ فيه عرضَتَيْن (أي مرَّتين) . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 326 – رقم الحديث 3012) .
ولَم ينزل القرآنُ بالتَّرتيب الحالي الذي نَعرفُه اليوم , وإنَّما كانت الآيات تنزلُ بِحَسَب الأحداث , فكان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول لِكُتَّاب الوحي : ضَعُوا الآية كذا في موضع كذا من السُّورة كذا .
فقد روى الحاكم في مُستدركه عن عثمان بن عفَّان رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان يأتي عليه الزَّمان تنزلُ عليه السُّوَر ذوات عدد , فكان إذا نزلَ عليه الشَّيء يَدعُو بعضَ مَن كان يكتبُه , فيقول : ضَعُوا هذه في السُّورة التي يُذكَر فيها كذَا وكذَا , وتنزلُ عليه الآية فيقولُ : ضَعُوا هذه في السُّورة التي يُذكَر فيها كذَا وكذَا . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 2 – ص 241 – رقم الحديث 2875) .
ولَمَّا تُوفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كانَ المئاتُ من الصَّحابَة يحفظون القرآن كاملاً عن ظهر قَلْب . لكن وقعت معركةٌ شديدة في عهد الخليفة الأوَّل أبي بكر الصِّدِّيق , بين المسلمين وبين بعض العرب الذين التفُّوا وراء رجُلٍ اسمه مُسَيْلمة , ادَّعَى النُّبوَّة . فاستُشهِد في هذه المعركة , وهي معركة اليمامة , عدد كبير من حُفَّاظ القرآن , مِمَّا دَفعَ بالصَّحابي عمر بن الخطَّاب أن يَطلب من أبي بكر أن يَجمع القرآنَ في مصحف واحد مكتوب .
فقد روى البَيْهقي في سُنَنه عن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه , قال : بعثَ إليَّ أبو بكر رضي اللَّه عنه , مَقْتَل أهل اليمامة (أي إثر معركة اليمامة) , وعندهُ عُمَر (بن الخطَّاب) رضي اللَّه عنه . فقال أبو بكر : إنَّ عُمَر أتاني فقال : إنَّ القتل قد استحر (أي اشتدَّ وكَثُر) يَومَ اليمامة بقُرَّاء القُرآن , وإنِّي أخشَى أن يستحر القتلُ بقُرَّاء القرآن في المواطن كلِّها (أي في المعارك الموالية مع الكفَّار) فيذهب قرآنٌ كثيرٌ , وإنّي أرى أن تأمرَ بِجَمع القرآن . قلتُ : كيف أفعلُ شيئًا لَمْ يفعلْهُ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ؟! فقال عمر : هو واللَّهِ خير . فلَمْ يَزلْ عُمَر يُراجعُني في ذلك حتَّى شرحَ اللَّهُ صدري لِلَّذي شرحَ له صدْرَ عُمَر , ورأيتُ في ذلك الذي رأى عُمَر .
قال زيد : ثمَّ قال لي أبو بكر : وإنَّك رجلٌ شابّ عاقل , لا نتَّهمُك , قد كنتَ تكتبُ الوحيَ لِرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فَتَتَبَّعِ القرآنَ فاجمعهُ .
فَوَاللَّهِ لَو كَلَّفَني بنَقْلَ جبل من الجبال ما كانَ بأثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كلَّفني من جمع القرآن ! فقلتُ : كيفَ تفعلان شيئًا لَمْ يفعلْهُ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ؟! فقال أبو بكر : هو واللَّهِ خير . فلَمْ يَزلْ يُراجعُني في ذلك حتَّى شرحَ اللَّهُ صدري لِلَّذي شرح له صدْرَ أبي بكر وعُمر , ورأيتُ في ذلك الذي رأيَا . فتتبَّعتُ القرآنَ أجمعهُ من العسب والرِّقاع واللِّخاف وصدور الرِّجال , فوجدتُ آخر سورة التَّوبة : { لقد جاءكُم رسولٌ من أنفُسكُم ... } إلى آخر السُّورة , مع خُزيْمة وأبي خُزيمة , فألحَقْتُها في سورتها . فكانت الصُّحُف عند أبي بَكر حياتَه , ثمَّ عند عُمَر حياتَه حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه , ثمَّ عند حفصة بنت عُمَر . (سنن البيهقي الكبرى – الجزء 2 – ص 40 – رقم الحديث 2202) .
قال ابنُ حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري : كان القرآنُ قد كُتِبَ كلّه في حياة النَّبيّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , ولكنَّه لَم يَكُن مجموعًا في مكان واحد .
فلَمَّا اختِيرَ زيدُ بن ثابت لِجمع القرآن , وكان أحد كتَّاب الوحي الممَيَّزين في حياة النَّبيّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وكان يحفظُ القرآن كاملاً , استعانَ في مهمَّته الثَّقيلة هذه بثلاثة آخرين من حُفَّاظ القرآن المعروفين بأمانتهم . وبالرَّغم من أنَّهم الأربعة كانُوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب , إلاَّ أنَّ زيدًا , زيادةً في الحيطة , كان خلال جمعه للقرآن لا يَقبلُ إلاَّ ما كُتِبَ في حياة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وشهد شاهدان ثقات بصحَّته .
تَمَّ جمعُ القرآن إذًا في مصحف واحد في عهد الخليفة الأوَّل أبي بكر الصِّدِّيق , وبقي كذلك في عهد الخليفة الثَّاني عمر بن الخطَّاب . فلمَّا تولَّى عثمانُ بن عفَّان الخلافة بعد عُمَر , كلَّف زيدَ بن ثابت بجمع القرآن مرَّة ثانية , ثمَّ بعثَ نُسَخًا منه إلى أنحاء الدّولة الإسلاميَّة . والسَّببُ في ذلك ما رواه النّسائي في سُنَنه عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه , أنَّ حُذَيْفة (بن اليَمان) قدم على عثمان (بن عفَّان) , وكان يُغازي أهل الشَّام مع أهل العراق في فتح أرمينية وأذربيجان , فأفزعَ حُذَيفةَ اختلافَهم في القرآن , فقالَ لِعُثمان : يا أمير المؤمنين , أدْرِكْ هذه الأمَّة قبل أن يختلِفُوا في الكتاب كما اختلفَت اليهودُ والنَّصارى ! فأرسلَ عُثمانُ إلى حَفصة أن أرسلِي إلينا بالصُّحُف ننسخُها في المصاحف ثمَّ نَرُدُّها إليكِ . فأرسلَتْ بها إليه , فأمَر زيدَ بن ثابت , وعبد اللَّه بن الزُّبير , وسعيد بن العاص , وعبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام , أن يَنسخُوا الصُّحُف في المصاحف , فإن اختلفُوا وزيدَ بن ثابت (أي إن اختلف الثَّلاثة القُرَشيُّون مع زيد) في شيء من القرآن , فاكتبوهُ بلسان قُرَيْش , فإنَّ القرآنَ نزلَ بلسانهم . ففعلُوا ذلك , حتَّى إذا نَسخُوا الصُّحُف في المصاحف , رَدَّ عُثمانُ الصُّحُفَ إلى حفصة , وأرسلَ إلى كُلِّ أُفُقٍ مُصحفًا مِمَّا نسخُوا . (السّنن الكبرى – الجزء 5 – ص 6 – رقم الحديث 7988) .
والاختلاف الذي ذكَره حُذَيْفة هنا في القرآن , هو اختلاف اللَّهجات بين أهل الحجاز وأهل سوريا وأهل العراق . وكلُّ مَن يجوبُ الأقطارَ العربيَّة اليوم يُلاحظ اختلافَ العرب في نُطق بعض الحروف , مثل القاف , والجيم , وغيرهما . وهذا ما دعا الخليفةَ عثمان بن عفَّان رضي اللَّه عنه أن يجمع القرآن مرَّة ثانية . وكُلِّفَ زيدُ بن ثابت مرَّة أخرى بهذه المهمَّة الثَّقيلة مع ثلاثةٍ من الصَّحابة , وجُمِع القرآنُ مرَّة أخرى في مصحف واحد سُمِّيَ بِمُصحف عثمان . ثمَّ وقعَت كتابة بعض النُّسخ منه , أرسِلَتْ إلى الكوفة , والبصرة , وسوريا , وقيل : وأيضًا إلى اليمن , والبحرين , ومكَّة . واحتفَظَ عثمان بنسخة في المدينة , ونسخة أخرى في بيته .
ومنذ ذلك اليوم , أصبحت هذه النُّسخة من مُصحف عُثمان هي النُّسخة الوحيدة المعتَمَدة في طبع القرآن في كلِّ بقاع العالم .
هكذا إذًا أُنْزلَ القرآن , وهكذَا حفظه اللَّه تعالى من التَّحريف والزّيادة والنُّقصان , وسيبقَى محفوظًا إلى يوم القيامة .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:21
لماذا ترك الفَنَّ والشُّهرة واعتنق الإسلام ؟!
نختم هذا الجزء بقصَّتين واقعيّتين :
القصَّة الأولى في إسلام السَّيِّد Cat Stevens , المغنِّي الانجليزي الذي اشتهر نجمُه في موسيقى البوب (pop music) في بداية السَّبعينات , والذي أَطلق على نفسه بعد إسلامه اسم يوسف إسلام .
يقول Cat : كانت أسرتي تَدينُ بالمسيحيَّة , فتربَّيْتُ على تلك الدِّيانة , وتعلَّمتُ أنَّ اللَّه موجود ولكن لا يُمكنُنا الاتِّصالُ به مباشرة , بل لا بُدَّ أن يكون ذلك عن طريق المسيح عليه السَّلام ! وبالرَّغم من اقتناعي الجزئي بهذه الفكرة إلاَّ أنَّ عقلي لم يتقبَّلْها بالكُلِّيَّة ! وكنتُ أنظرُ إلى تماثيل المسيح , فأراها حجارةً لا حياة فيها ! وكانت عقيدةُ التَّثليث تُحيِّرُني وتُقلقُني , ولكنَّني لم أكن أناقشُها احترامًا لِمُعتقدات والديَّ .
ثمَّ بدأتُ أبتعدُ شيئًا فشيئًا عن نشأتي الدِّينيَّة , وانخرطتُ في مجال الموسيقى والغناء , وكنتُ أطمحُ أن أُصبحَ مغنِّيًا مشهورًا . وأخذَتْني تلك الحياة البرَّاقة بِمَباهجها ومفاتنها , فأصبحَتْ هي إلهي , وأصبح الثَّراءُ المطلَق هو هدفي . وبالطَّبع , كان للمجتمع من حولي تأثيرٌ بالغ في ترسيخ هذه الفكرة بداخلي , حيثُ أنَّ الدُّنيا كانت تعني لهم كلّ شيء .
وانغمستُ في هذه الحياة بكلِّ طاقتي , وقدَّمتُ الكثير من الأغاني , وحققَّتُ نجاحًا واسعًا خلال فترة قصيرة , وأصبحتُ نجمًا عالَميًّا وأنا لَمْ أتَعَدَّ التَّاسعة عشر من عمري ! ووصلَتْ مُعظَم أغانيَّ إلى قمَّة المسابقات العالميَّة في أواخر السِّتِّينات وأوائل السَّبعينات , وحقَّقَتْ ألبُوماتي نجاحًا تجاريًّا وأرقامًا قياسيَّة في المبيعات , واجتاحتْ صُوَري وأخباري وسائل الإعلام المختلفة . ولَم يكنْ يشغلُني طوال تلك الفترة سوى الحصول على المال والشُّهرة والمجد , مِمَّا أنساني الدِّينَ تَمَامًا .
بعد مُضيِّ عام تقريبًا من النَّجاح المادِّي وتحقيق الشُّهرة , أُصِبْتُ بمرض السُّلّ ودخلتُ المستشفَى لِفتْرة طويلة . وكانت هذه الأزمة فرصة لي لِأَتأمَّل في حالي وأُعيد التَّفكير في هدفي في هذه الحياة . فبدأتُ أقرأُ في الدِّيانات الشَّرق آسيويَّة التي كانت سائدة في ذلك الوقت , وبدأتُ لِأوَّل مرَّة أُفكِّر في الموت . وأهمُّ ما توصَّلتُ إليه في تلك المرحلة أنَّني لستُ جسدًا فقط , وإنَّما أنا جسدٌ وروح , وأنَّه لا بُدَّ أن يكون هناك انسجامٌ بين الاثنين .
بعد شفائي من مرضي , عدتُ إلى عالَم الموسيقى والغناء ثانية , ولكن في هذه المرَّة بدأَتْ أغانيَّ تعكسُ أفكاري وقَناعاتي الجديدة . وازدادَتْ شُهرتي في هذا الميدان , ولكنَّني كنتُ أعاني في نفس الوقت من صراع داخلي لأنَّني كنتُ أبحثُ عن الحقيقة .
واقتنعتُ وقْتَها أنَّ البوذيَّة قد تكون عقيدة نبيلة وراقية , ولكنَّني لَم أكُن مستعدًّا أن أتفرَّغ للعبادة وأنعزل عن العالَم , لأنَّني كنتُ متعلِّقًا بالدُّنيا . فحاولتُ أن أجد ضالَّتي في علْم الأبراج والأرقام , ثمَّ في معتقدات أخرى , ولكنَّني لم أقتنع بأيّ شيء منها . ولم أكنْ حتَّى تلك اللَّحظة أعرفُ شيئًا عن الإسلام .
وصادفَ أن سافر أخي الأصغر David إلى القُدس , وعاد مبهورًا بالمسجد الأقصى وبالحيويَّة التي تعجُّ بين جَنَباته , على خِلاف الكنائس المسيحيَّة والمعابد اليهوديَّة التي دائمًا ما تكون خاوية ! وأحضَر لي أخي من القُدس نسخة مُترجَمة لِمعاني القرآن الكريم بالانجليزيَّة . وعلى الرَّغم من أنَّه لَم يَعْتنق الإسلام , إلاَّ أنَّه أحَسَّ بشيء غريب تُجاه هذا الكتاب , وتَوَقَّع أن يُعجبَني وأن أجد فيه ضالَّتي .
فقرأتُ الكتاب , ووجدتُ فيه فعلاً ما كنتُ أبحثُ عنه : وجدتُ فيه أجْوبَة عن حقيقة الكون , وأصل البشريَّة , ومن أين أتيتُ , والهدف من الحياة . وعندها أيقنتُ أنَّ الإسلام هو الدِّين الحقُّ , وأنَّ حقيقته تختلف عن فكرة الغرب عنه , وأنَّه ليس مجرَّد طقُوس لِكبار السِّنِّ مثل المعتقدات الأخرى .
وأدركتُ أنَّ كلَّ شيء هو مِن خَلْق اللَّه وصُنعه , وأنَّ اللَّه لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم , وأنَّه أرسلَ الأنبياء برسالة واحدة . ووجدتُ في القرآن ردُودًا منطقيَّة ومعقولة عن ادِّعاء النَّصارى أنَّ المسيح ابنُ اللَّه . وأُعجبتُ بأسلوب هذا الكتاب في دعوته إلى التَّفكُّر والتَّأمُّل وإعمال العقل للوصول إلى الحقيقة , واقتنعتُ أنَّه ضالَّتي المنشودة , وضعَها اللَّهُ في طريقي .
لَم أعتنق الإسلام وقْتَها , ووجدتُ صعوبة في ذلك لأنَّ كلَّ مَن حولي كانُوا لا يعرفُون شيئًا عن هذا الدِّين . ثمَّ فكَّرتُ في الذّهاب إلى القُدس , مثلما فعل أخي , لزيارة المسجد الأقصى . فسافرتُ إلى هناك , وبين جَنَبات هذا المسجد المهيب قرَّرتُ الدُّخول في الإسلام . فعدتُ إلى لندن , وقابلتُ أختًا مسلمة اسمُها نفيسة , وأخبرتُها برغبتي في اعتناق هذا الدِّين . فدلَّتْني على أحد أكبر المساجد في بريطانيا , وكان ذلك سنة 1977 م , بعد حوالي سنة ونصف من بداية قراءتي لترجمة معاني القرآن الكريم . ويوم الجمعة , بعد الصَّلاة , اقتربتُ من الإمام ونطقتُ بالشَّهادتين بين يديه .
والآن , أصبحتُ أستطيع أن أدعو اللَّه مباشرة في كلِّ وقت , على خلاف المسيحيَّة والدِّيانات الأخرى ! وأذكرُ أنَّ سيّدةً هندوسيَّة قالتْ لي يومًا : نحنُ نؤمنُ بإله واحد , ولكنَّنا نستخدمُ هذه التَّماثيل للتَّركيز ! معنَى كلامها أنَّه يجبُ أن تكون هناك وسائط لِتَصِلَنا باللَّه ! لكنَّ الإسلام أزال كلَّ هذه الوسائط والحواجز .
بعد إسلامي , شعرتُ براحة نفسيَّة كبيرة , وتخلَّصتُ من أفكاري المتناقضة والتي لا حصر لها , وصار الطَّريقُ واضحًا أمامي . وقطعتُ على نفسي عهدًا أن أُسَخّر حياتي لخدمة هذا الدِّين والدَّعوة إليه ونَقْل تجربتي للآخرين .
هذه إذًا قصَّة إسلام السَّيِّد Cat Stevens الذي وُلِدَ في 21 يوليو 1948 م من أب يوناني وأمّ سويديَّة , وهو يُسمَّى اليوم يوسف إسلام . وقد تعدَّدت نشاطاتُه بعد إسلامه , حيثُ أنشأ عام 1986 م جمعيَّة للمعونة الإسلاميَّة , وتولَّى رئاسة أربع جمعيَّات تهتمُّ بالتَّعليم وحقوق الإنسان , وصار أحد أبرز أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى في بريطانيا , وتولَّى مهمَّة تصحيح العديد من المفاهيم الغربيَّة الخاطئة عن الإسلام .
أنشأ مدرسة إسلاميَّة في كيل بورن , شمال لندن , لتعليم الأطفال القرآنَ والسُّنَّة وكيفيَّة أداء العبادات الإسلاميَّة . ونتيجة لنشاطاته ومَركزه , فقد قبلَت الحكومة العراقيَّة وَساطَته أثناء اندلاع حرب الخليج الأولى , وأفرجتْ عن أربعة أسرى إنجليز . كما وافقَت الحكومتان السّعوديَّة والكويتيَّة إقامة مُخيَّمات على حدودهما لِفَريقٍ من دُعاة السَّلام , على رأسهم يوسف إسلام . قام بالعديد من الزِّيارات إلى البُوسنة , وعقَدَ العديد من الحفلات الدِّينيَّة في سَراييفُو .
تحوَّل إلى الإنشاد الدِّيني , وأصدر ألبومًا أوَّلاً تضَمَّن أغنيةً عن النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . ثمَّ أصدر ألبومًا آخر سنة 1997 م عن مأساة حرب البُوسنة . سجَّل أيضًا عددًا من الأغاني الإسلاميَّة للأطفال , وُزِّعتْ منها ملايين النُّسَخ في العالَم الغربي والإسلامي . (نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد القصَّة , عن موقع مجلَّة رياض الجنَّة www.nozhanet.net (http://www.nozhanet.net/) , وعن موقع الشَّبكة الإسلاميَّة www.islamweb.net (http://www.islamweb.net/)) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:21
هكذا أوصله عقلُه إلى الإسلام !
القصَّة الثَّانية في إسلام : علي سلمان بنوا , وهو طبيبٌ من أسرة فرنسيَّة كاثوليكيَّة . يروي علي قصَّة إسلامه , يقول : كنتُ أؤمن بوجود اللَّه , إلاَّ أنَّ الطُّقوس الدِّينيَّة المسيحيَّة لم تكُن لِتَبعث في نفسي الإحساس بوجوده ! وقد كان شعوري الفطري بوحدانيَّة اللَّه يَحُولُ بيني وبين الإيمان بعقيدة التَّثليث , وبتأليه عيسى المسيح !
كنت لا أستسيغُ دعوى الكاثوليك أنَّ مِن سُلطانهم مغفرةَ ذنوب البشَر نيابةً عن اللَّه , ولم أكن أؤمن أبدًا بالعشاء الرَّبَّاني والخبز المقدَّس الذي يُمثِّل جسد المسيح . ومِمَّا كان يُباعدُ بيني وبين المسيحيَّة أنَّها لا تحوي في تعاليمها شيئًا يتعلَّق بطهارة البدَن , لا سيَّما قبل الصَّلاة , فكنتُ أرى في ذلك انتهاكًا لِحُرمة الرَّبّ . كذلك , فإنَّ المسيحيَّة التزمت الصَّمت في ما يتعلَّق بغرائز الإنسان الفيزيولوجيَّة , بينما نرى أنَّ الإسلام هو الدِّين الوحيد الذي ينفرد بمراعاة الطَّبيعة البشريَّة .
أمَّا العامل الأساسي في اعتناقي للإسلام , فهو القرآن الكريم . وأنا مَدينٌ بالفضل إلى الأستاذ مالك بن نبي , صاحب كتاب الظَّاهرة القرآنيَّة . فقد اقتنعتُ بعد قراءتي لهذا الكتاب بأنَّ القرآن هو حقًّا وحيٌ مُنَزَّل من عند اللَّه . وعرفتُ أيضًا أنَّ بعض آياته أشارت منذ حوالي أربعة عشر قرنًا إلى حقائق علميَّة لم يتمَّ اكتشافها إلاَّ حديثًا .
وهكذا ذهبتُ يوم 20-2-1953 م إلى مسجد باريس , وأعلنتُ إسلامي . فسجَّلني عميد المسجد في سجلاَّت المسلمين , وحملتُ اسمي الجديد : علي سلمان . وأنا أشعر اليوم بالغبطة الكاملة في ظلِّ عقيدتي الجديدة , وأُعلن مرَّة أخرى : أشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله . (نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد القصَّة , عن موقع www.newmuslims.tk (http://www.newmuslims.tk/)) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:22
فريقٌ في الجنَّة وفريقٌ في السَّعير !
ربَّما تَعجبين يا ابنتي الكريمة من انتقالي الآن للحديث عن الجنَّة والنَّار , وأنا لم أُعرِّفْكِ بَعدُ باللَّه تعالى وبمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وبالإسلام . الحقيقة أنَّني أردتُ أن أُعطيكِ فكرة صغيرة عمَّا أعدَّه اللَّهُ تعالى لعباده يوم القيامة , لعلَّها تكون لكِ حافزًا على مواصلة قراءة الأجزاء الأخرى من هذا الكتاب , قبل أن تنشغلي عن ذلك بدراستك أو بعملك .
فكَما أنَّ التَّلميذ محتاجٌ لأن يعرف ماذا سَيجْني من اجتهاده في الدّراسة , والعامل محتاج لأن يعرف كم سيأخذ أجرًا على تَعَبه في العمل , فكذلك العبد محتاجٌ لأن يعرف ماذا سيكون جزاءه إذا اتَّبع دين اللَّه , حتَّى يكُون له ذلك حافزًا على الاستقامة في السُّلوك والإخلاص في العبادة والاستزادة من فعل الخير .
يَصِفُ اللَّهُ تعالى بعض ما أعدَّهُ لأهل الجنَّة , فيقول في القرآن الكريم : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً 122 } (4- النّساء 122) .
ويقول تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 72 } (9- التّوبة 72) .
ويقول تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ 14 قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 15 الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 16 } (3- آل عمران 14-16) .
نعم , إنَّ هذا حقًّا هو الفوز الحقيقي : جنَّات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيِّبة وأزواج مطهَّرة وكلّ ما تشتهي الأنفس , ورضوان من اللَّه أكبر ! كلُّ هذا لِمُدَّةٍ أطول من مليار مليار مليار … سنة ! إنَّه الخلود في الجنَّة !
ويقول تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ 41 وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ 42 كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 43 إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 44 } (77- المرسلات 41-44) .
وفي المقابل , يصفُ اللَّهُ تعالى بعض حالِ أهل النَّار , فيقول : { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ 49 قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ 50 } (40- غافر 49-50) .
هل أدركتِ يا ابنتي خطورة الموقف ؟! إنَّ الذي يموتُ على غير الإسلام سوف يدخلُ نارًا حامية جدًّا , حتَّى أنَّه من شدَّة العذاب يتمنَّى أن يُخفِّف اللَّهُ عنه يومًا واحدًا منه ! فكيف به وهو سيقضِّي فيها , ليس سنة , ولا عشر سنوات , ولا ألْف سنة , بل رقْمًا لا نهائي من السَّنوات , أو إن شئتِ : أكثر من مليار مليار مليار ... سنة !!
هل تخيَّلتِ حَجْمَ العذاب ؟!
لو أنَّ سجينًا في الدُّنيا محكوم عليه بعشر سنوات , طلبَ من القاضي أن يطرح من عقوبته يومًا , لَظنَّ أنَّه يسخر منه ! فما بالُكِ بِمَنْ يطلبُ حقيقةً أن يُطرح عنه يومٌ من مليار مليار مليار ... يوم في جهنَّم !
ربَّما تقولين : ولكن , إذا كانت جهنَّم نارًا حامية جدًّا كما جاء في القرآن , فمعنى هذا أنَّ الذين فيها سيموتون في لحظة .. وينتهي الأمر !
أقول : تعالي أذكِّرك إذًا بآية سبق أن تعرَّضْنا لها عند الحديث عن جلْد الإنسان . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا 56 } (4- النّساء 56) .
فأصحابُ النَّار تُبدَّلُ جلُودُهم إذًا كلّ لحظة , فيستمرّ العذاب إلى ما لا نهاية .
قد تقولين : ولكنَّ أصحاب النَّار سيموتون في النِّهاية , سواء من شدَّة العذاب أو من شدَّة الفزع !
استمعي إذًا لِمَا يَلي : يقول اللَّه تعالى : { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ 15 مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ 16 يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ 17 } (14- إبراهيم 15-17) .
نعم , يأتيه الموتُ من كلِّ مكان , ولكنَّه لن يموت ! إنَّه خلودٌ في النَّار إلى الأبد !
ويقول تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ 36 وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ 37 } (35- فاطر 36-37) .
وإذا لم يستطع عقلُكِ أن يقبل فكرة الخلود في النَّار , فلماذا قَبِلَ إذًا ما ذكَره عُلَماء الفلك من أنَّ هذا الكون يحتوي على مئات المليارات من النُّجوم , تفصلُ بينها مسافات خياليَّة تُقدَّر بملايين المليارات من الكيلومترات , وأنَّ الأرض تدور بنا بسرعة مجنونة , ونحن لا نشعر بشيء ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيره , لنْ يُفلِتَ بَشرٌ من الحساب يوم القيامة . ويا تَعْس يومئذٍ مَن كان مصيره الخلود في النَّار بسبب لحظة عِنَاد في الدُّنيا أعمَتْهُ عن اتِّباع الحقّ .
تعاليْ نُكمل الحديث عن حال أهل النَّار : يقول تعالى : { وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا 10 يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ 11 وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ 12 وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 13 وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ 14 كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى 15 نَزَّاعَةً لِلشَّوَى 16 تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى 17 وَجَمَعَ فَأَوْعَى 18 } (70- المعارج 10-18) .
هل يُعقَل أن يُفكِّر الكافر يومئذ أن يُقدِّم زوجته وأبناءه وكلَّ مَن على الأرض , لكي يَفتدِيَ نفسَه من عذاب النَّار ؟!
نعم , ولن يُغني ذلك عنه شيئًا !
ويقول تعالى : { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ 33 يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36 لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ 37 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ 38 ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ 39 وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ 40 تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ 41 أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ 42 } (80- عبس 33-42) .
الكلُّ إذًا مشغولٌ بنفسه , ولا يفكِّر إلاَّ في المصير الذي ينتظره !
ويقول تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ 19 يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ 20 وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ 21 كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ 22 } (22- الحجّ 19-22) .
ويقول تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ 50 الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ 51 } (7- الأعراف 50-51) .
ويقول تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ 44 الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ 45 } (7- الأعراف 44-45) .
ويقول تعالى : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 6 إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ 7 تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ 8 قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ 9 وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ 10 فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ 11 } (67- الملك 6-11) .
آياتٌ تهزُّ المشاعر والقلوب ! هل يُعقل أن تكُون كلُّها خيالٌ من صنع بَشَر ؟!
أبدًا ! إنَّها واللَّهِ كلامُ اللَّه , يُقيم به الحجَّة على كلِّ مَنْ غَرَّتْهُ الحياةُ الدُّنيا وآثَر الكُفْر على الإيمان .
إنَّ يوم القيامة سيأتي لا محالة . وسأقف أنا وأنت والنَّاس أجمعون للحساب . ثمَّ , إمَّا خُلودٌ في جنَّاتٍ ونعيم , وإمَّا إلى نارٍ وحميم وعذاب لا نهاية له !
أسأل اللَّه أن يهديك إلى الإسلام , ويجعلك وإيَّاي وكلّ المسلمين من أصحاب الجنَّة , آمين .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:23
وبعد , أيُّها القارئ الكريم !
ألم يحن الوقت بعدُ أن تؤمن بأنَّ هذا الكون لم يُخلَق عن طريق الصُّدفة ؟ !
إنَّ هذه الأرض التي تعيش فوقها تزن حوالي خمسة آلاف مليون مليون مليون طنّ , وهي معلَّقة منذ مليارات السِّنين في الفضاء دون أن تسقط , وتدور حول نفسها بدقَّة متناهية وبسرعة معدَّلها 1600 كلم في السَّاعة , دون أن تشعر بذلك ! فهل يُعقل أن يكون كلُّ هذا نِتاج صدفة ؟!
ثمَّ إنَّك لكي تستطيع العيش فوق هذه الأرض , كان لا بُدَّ أن تكون جميعُ العوامل اللاَّزمة لذلك متوفِّرة كلّها في وقت واحد , ومنذ أوَّل تجربة . وهذا ما حدث فعلاً . فلا أحد من المؤرِّخين أو العلماء ذكَر أنَّ الإنسان الأوَّل وُجِدَ في البداية بدون جهاز تنفُّس , فاختنق ومات , ثمَّ أتى إنسان بعدهُ برئتَيْن ولكن لم يكن هناك هواء فوق الأرض , فمات أيضًا , ثمَّ جاء إنسان بعده .. وهكذا !
وهذه العناصر جميعها لَم تكن لِتَتوفَّر وحدها بالصُّدفة , بل توفَّرَتْ بتدبيرِ وتنسيقِ خالقٍ لا حدود لِقُدرته , هو اللَّه تعالى .
ولو تمعَّنتَ أيُّها القارئ في القرآن الكريم , لتأكَّدتَ أنَّه وحيٌ مُنزَّلٌ من عند اللَّه على نبيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وأنَّ هناك حياةٌ بعد الموت لِيُجازي اللَّهُ كلَّ إنسان بما فعل في الدُّنيا , ثمَّ إمَّا إلى جنَّة وإمَّا إلى نار .
أم أنَّكَ تقول أنَّه , حتَّى لو كان ذلك صحيحا , فإنَّ يوم القيامة ما زال بعيدًا !
واللَّهِ إنَّه لا يفصلُك عنه سوى الموت ! وإنَّ الموتَ لَأقرب إليك من شراك نَعْلَيْك ! فكَمْ من شابٍّ ماتَ وهو في أوْج قُوَّته , وكم من فتاة نامت وهي لا تعلم أنَّ ذلك آخر عهدها بالدُّنيا !
باللَّه عليك , لا تتوقَّف إذًا عند هذا الجزء , فلن تخسر شيئًا من مواصلة القراءة . فمازلتُ سأحدِّثك عن اللَّه تعالى , وعن النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وعن الإسلام , وعن القبر والحساب والجنَّة والنَّار , ومازلتُ سأعرضُ عليك العديد من الآيات القرآنيَّة التي حيَّرتْ عُلَماء هذا العصر , كلُّ ذلك بأسلوب علميٍّ سهل , مختلف عمَّا تعوَّدْتَ عليه في الكتب الأخرى .
قبل أن أتركك , أختم بهذه الآيات , يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ 161 خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ 162 وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ 163 } (2- البقرة 161-163) .
مُلتقانا في الجزء الثَّاني بإذن اللَّه , لنتحدّث عن حقيقة المسيح عليه السّلام , عن صفات اللّه سبحانه وتعالى , وعن سيرة محمّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:26
الجزءالثاني
ماذا لو سألنا القرآن عن حقيقة المسيح ؟!
يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 119 لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 120 } (5- المائدة 116-120) .
إنَّ خالِقَ السَّماوات والأرض وما بينهما هو ذاتٌ حقيقيَّة , ولكنَّه سبحانه عالَمٌ لِوَحده , وكلُّ ما في الوجود عالَمٌ آخر . ومِنَ الخطأ العظيم والجهل الكبير أن نُحاول الخلْطَ بين العالَمين , مثل أن نتصوَّر أنَّ للخالِق عينَيْن لينظر بهما أو يَدَيْن لِيَعمل بهما , أو أنَّه يأكل ويشرب وينام ويتزوَّج ! إنَّه تعالى خارجَ الزَّمان والمكان , ونحن لن نستطيع أبدًا بعقُولنا وحواسِّنا الدُّنْيَويَّة المحدودة أن نتخيَّل صورَته أو أن نُدرك كيف يُسيِّر هذا الكون .
ولكي تفهم سيِّدي هذه النُّقطة , أضربُ لك مثالاً بسيطًا : نجَّارٌ صنعَ طاولة من خَشب . فلو سألتُك : هل هناك وَجْه شَبَهٍ بين الطَّاولة وصانعها ؟ لَأَجبْتَني : إطلاقًا ! لا في الشَّكل ولا في أيِّ شيء آخر !
أقول : فكذلك الحال فيما يتعلَّق بالخالِق والمخلوق , ليس هناك أيّ وَجْه شَبَه بينهما .
فلماذا يدَّعي النَّصارى إذًا أنَّ لِلَّه ولدًا ؟!
إنَّ الطَّوائف الرَّئيسيَّة الثَّلاث في المسيحيَّة :
- الكاثوليك Les Catholiques , وهم الذين يَتْبعون البابا في الفاتيكان , وهم أكثر الأوروبِّيِّين الغربيِّين وشعوب أمريكا الجنوبيَّة , وتُسمَّى كنيستُهم الكنيسة الغربيَّة .
- والأُرْتُودكس Les Orthodoxes , وهم النَّصارى الشَّرقيّون , وتُسمَّى كنيستهم الكنيسة الشَّرقيَّة , وهم لا يَتْبعون البابا في الفاتيكان ولا يجتمعون تحت لواء كنيسة واحدة , وإنَّما كلُّ كنيسة مستقلَّة بنفسها , وهم منتشرون في أوروبَّا الشَّرقيَّة وروسيا والبلدان العربيَّة .
- والبْرُوتستانت Les Protestants , ويُسمَّون أيضا : الإنجيليُّون Les Evangélistes , وهم أيضًا لا يَتْبعون البابا في الفاتيكان ولا يجتمعون تحت كنيسة واحدة , وهم أتباع الألماني Martin Luther , الذي دعا سنة 1517 م إلى إصلاح الكنيسة وتخليصها من الفساد , وهم موجودون في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا الشَّماليَّة .
كلُّ هذه الطَّوائف إذًا , مع اختلافاتهم العديدة في قضايا جوهريَّة في العقيدة , متَّفقُون على أنَّ المسيح عليه السَّلام : ابنُ اللَّه ! وأنَّه نزل إلى الأرض لِيُصلَب تكفيرًا عن خطيئة آدم عليه السَّلام وعن خطايا البَشَر , وأنَّه قام بعد صلْبه وصعد إلى السَّماء ليجلس على يمين اللَّه ويحاسب معه النَّاس يوم القيامة !!
أيّ تخريف هذا ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو كان المسيح عليه السَّلام بيننا لَتبرَّأَ من كلِّ هذه الافتراءات ! بل إنَّه سيعود فعلاً في آخر الزَّمان , كما أخبر بذلك النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وسيَقْتُل المسيح الدَّجَّال , ويَكْسر الصَّليب , ولا يقبلُ غير الإسلام !
إنَّ خَلْقَ عيسى عليه السَّلام مِن دون أب هو مثالٌ من بين أمثلة عديدة لِقُدرة اللَّه المطْلَقة . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 59 } (3- آل عمران 59) . فاللَّهُ خَلَق آدمَ عليه السَّلام , مِن قَبْل عيسى , مِن دون أب ولا أمّ , وهذا أبلغُ في الإعجاز . فهل يعني هذا أنَّ آدم ابنُ اللَّه ؟! تعالى اللَّهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا !
ولكي يُقيمَ اللَّهُ سبحانه الحجَّةَ على مَن يدَّعون أنَّ المسيح ابنُ اللَّه , تَوَجَّه إليهم مباشرةً بالخطاب , فقال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً 171 لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا 172 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا 173 } (4- النّساء 171-173) .
والغريب أنَّ بعض النَّصارى توقَّفُوا عند قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ } , وزَعمُوا أنَّ ذلك يُمثِّلُ شهادةً قويَّة من القرآن بألوهيَّة المسيح , وأنَّه موافقٌ لِما جاء في إنجيل يوحنّا : في البَدْءِ كان الكلمة , والكلمةُ كان عند اللَّه , وكان الكلمةُ اللَّه . (إنجيل يوحنّا – الإصحاح الأوَّل 1) .
ولو فتحَ هؤلاء النَّصارى أعيُنَهم على بقيَّة الآية , لَوَجدُوا فيها ردًّا واضحًا على زعمهم , حيث يقول تعالى : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } . أمَّا قولُه تعالى : { وكَلِمَتُه } , فقد قال العلماء أنَّ المقصودَ بها : إرادةُ اللَّه المتمثِّلة في كلمة " كُنْ " , مصداقًا لقوله تعالى : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 } (3- آل عمران 47) . فخَلْقُ المسيح عليه السَّلام ابتداءً في رَحِم مريم العذراء لَم يَكُن بِواسِطة نُطفة بَشريَّة , وإنَّما كان بكلمةٍ من اللَّه أن يَتِمَّ هذا الخَلْقُ , فتَمَّ مِن لا شيء .
ويقصُّ اللَّهُ تعالى علينا قصَّة ولادة المسيح عليه السَّلام بأسلوبه الرَّائع , فيقول : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا 16 فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا 17 قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا 18 قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا 19 قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا 20 قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا 21 فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22 فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا 23 فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24 وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا 25 فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا 26 فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا 27 يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا 28 فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 29 قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31 وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32 وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 33 ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34 مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 35 وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 36 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 37 } (19- مريم 16-37) .
باللَّه عليك يا ابني الكريم , هل يمكن لصاحب عقل ومنطق بعد هذا البيان المفصَّل أن يُجادِل في حقيقة المسيح عليه السَّلام ؟! إنَّ أوَّل جملة نطقَ بها عيسى وهو صغيرٌ في المهد : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (وليس ابنُه) , آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ( وليس إلَهًا) . وكلامُه هذا , وهو رضيع , كان معجزةً من عند اللَّه لِتَبرئة مريمَ عليها السَّلام من الفاحشة التي اتَّهمها بها قومُها .
ثمَّ قال عيسى : وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي (وليس أبي) وَرَبُّكُمْ .
وحتَّى لا يبقى هناكَ أيُّ مجال للشَّكِّ والاختلاف , أكَّد اللَّهُ تعالى كلامَ عيسى , فقال : { ما كان لِلَّه أن يَتَّخِذَ من وَلَدٍ سُبحانَه } .
ويقول تعالى في سورة آل عمران : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 45 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 46 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 48 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 49 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 51 } (3- آل عمران 45-51) .
نعم , استغربَتْ مريَمُ عليها السَّلام أن تَلِدَ ولم يَمْسَسْها بَشَر , فأجابها الملَكُ الكريم أنَّ اللَّه تعالى إذا قَضَى أمرًا فإنَّما يقولُ له كُنْ فَيَكُون ! وهذه القُدْرة المطلَقَة هي من صِفَات اللَّه وحده , لا يُشاركُه فيها أحدٌ من خَلْقه , لا الملائكةُ ولا الأنبياء ولا أيّ مَخْلُوق . لهذا , فكَمَا أنَّ الملَك الذي أرسلَه اللَّهُ إلى مريم لَمْ يَنْسِبْ إلى نَفْسه معجزة ولادة عيسى , فكذلك عيسى عليه السَّلام لم يَنْسِبْ إلى نَفْسه القُدرة على شِفاء المرضَى وإحياء الموتَى , وإنَّما أعلَن أنَّها كُلّها تَتِمُّ بإذن اللَّه وقُدرته . وحتَّى لا يلتبسَ الأمرُ على أتباعه , قال لهم : إِنَّ اللَّهَ رَبِّي (وليس أبي) وَرَبُّكُمْ , فَاعْبُدُوهُ (وليس فاعبُدُوني) .
وبالرَّغم من كلِّ هذا الوضوح في الكلام , تَجدُ رجالَ الكنيسة يَتعنَّتون ويُغالطون أنفسهم وأتباعهم , فيُحاولون عبثًا إيجاد تفسير يَقبله العقل والمنطق عن ألوهيَّة المسيح عليه السَّلام , وعن عقيدة التَّثليث , ولكن دون جدوى .
والعجيب أنَّهم يقولون أنَّ التَّثليث هو وحدانيَّة ! وأنَّهم يؤمنُون بإله واحد , مثل المسلمين , غير أنَّ هذا الإله هو ثلاثة أقانيم , أقنوم الأب وهو الذَّات , وأقنوم الابن وهو الكلمة , وأقنوم روح القُدُس وهو الحياة ! واختلفُوا في الأقانيم , فقال البعض هي أشخاص , وقال آخرون هي صفات . واختلفُوا كذلك في المسيح , فقال البعض له طبيعة واحدة إلهيَّة , وقال آخرون له طبيعتان , واحدة إلهيَّة والأخرى إنسانيَّة , فلذلك صحَّ منه الأفعال الإلهيَّة من إحياء الموتى وشفاء المرضى , والأفعال الإنسانيَّة من الأكل والشُّرب !
ولا أظنُّ من المفيد إضاعة الوقت في مناقشة الأطروحات العديدة لرجال الكنيسة بخصوص عقيدة التَّثليث ومفهوم الأقانيم , لأنَّها لا ترتكزُ على عقلٍ ولا منطق ! والأغرب من هذا أنَّ رجال الكنيسة أنفُسهم لم يَستطيعُوا فَهْمها إلى اليوم ! ولو سألْتَ أحدَهُم عن معناها , لَاكْتَفَى بتَرديد تفسيرات غامضة ومتناقضة , حَفِظَها بِدَوْره عن غيره دون أن يكون مقتنعًا بها ! مِنْ ذلك تشبيه الأقانيم الثَّلاثة بالشَّمس التي هي حسب رأيهم : قُرْصٌ وشُعاعٌ وحرارة فقط , أو تشبيهها بالإنسان الذي يتكوَّن حسب رأيهم من دم وروح وجسد !
لكنَّ هذه التَّشبيهات لا تستقيم طبعًا لأنَّ الشُّعاع مثلاً ليس هو الشَّمس ولا يستطيع أن يَستقلَّ عنها , وكذلك الدَّم ليْسَ هو الإنسان ولا يستطيع أن يعمل بعيدًا عنه . بينما الأقانيم , وهي الأب والابن وروح القدس , هي ذَوات مستقلَّة عن بعضها وقائمة بذاتها , ويعملُ كلٌّ منها بعيدًا عن الآخر .
ثمَّ إنَّنا يكفي أن نقرأ قانون الإيمان المسيحي الذي يُؤمن به كلّ النَّصارى في العالَم , ويُقرَأ في الكنائس بصِيَغ تختلف قليلاً من كنيسة لأخرى , لِيَتَّضح لنا أنَّهم يُؤمنون فعلاً بثلاثة آلهة .
ففي سنة 325 م , اجتمع من كافّة أنحاء العالَم عددٌ من الأساقفة النّصارى في مدينة نيقية , وهو ما يُسمّى بمجمع نيقية المسكوني الأوّل عام 325 م , ووضعُوا : قانون الإيمان النيقاوي .
وكان الغرض من هذا القانون تلخيص العقيدة المسيحيّة , وحماية الكنيسة من البِدَع التي ظهرت في ذلك الوقت . ثمّ أُكمِل هذا القانون في مجمع القسطنطينية المسكوني الثّاني عام 381 م .
وهذا نصّ قانون الإيمان القسطنطيني (المعروف باسم النّيقاوي – القسطنطيني) :
نؤمن بإله واحد , آب ضابط الكلّ , خالق السّماء والأرض , كلّ ما يُرى وما لا يُرى .
وبربّ واحد يسوع المسيح , ابن اللّه الوحيد , المولود من الآب قبل كلّ الدّهور , إله من إله , نور من نور , إله حقّ من إله حقّ , مولود غير مخلوق , مساو للآب في الجوهر , الذي به كان كلّ شيء , الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السّماء وتجسّد بالرّوح القدس من مريم العذراء , وصار إنسانا وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطي , تألّم ومات وقُبر , وقام في اليوم الثّالث كما جاء في الكتب , وصعد إلى السّماء وجلس عن يمين الآب , وسيأتي أيضا بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه .
وبالرُّوح القدس الرّبّ المحيي , المنبثق من الآب (والابن) , الذي هو مع الآب والابن يُسجد له ويُمجد , النّاطق بالأنبياء .
وبكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة , ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا , وننتظر قيامة الأموات والحياة في الدّهر الآتي . آمين .
(النص منقول من موقع الموسوعة العربية المسيحية
##### (http://www.christusrex.org/www1/ofm/1god/index.html) ) .
فلو سألتَ طفلاً صغيرًا في السَّادسة من عمره : كَم عدد الآلهة في هذا النَّصّ ؟ لأجاب بدون تردّد : طبعًا ثلاثة ! ولو قلتَ له : أبدًا , إنَّها كلُّها تُمثِّلُ إلها واحدًا , لَرَدَّ مُستغربًا : كيف ذلك , والنَّصُّ يُعلِنُ بوضوح أنَّ يسوع وُلِدَ من أبيه ؟! فهناك أبٌ , وهناك ابن . والأبُ لا بُدَّ أن يكون أقدم من الابن ومستقلاًّ عنه في التَّصرّف والحركة ! وفي النَّصِّ أيضًا أنَّ الابن صُلِبَ ودُفِنَ وقام وصعد إلى السَّماء . فهو إذًا كائنٌ قائمٌ بذاته ويتصرَّف بكلِّ حرِّيَّة . وفي النَّصِّ أيضًا أنَّ الابنَ جلس عن يَمين أبيه . فكيف يجلسُ الابنُ بجانب الأب إذا كان الاثنان شيئًا واحدًا ؟!
قد تقول يا ابني الكريم : ولكن لِماذا لا يقول النَّصارى بأنَّهم يعبدون ثلاثة آلهة مختلفة , وانتهى الأمر ؟!
الجواب أنَّهم بهذا سيصطدمون مباشرةً بعقيدة أنبياء العهد القديم الذين دَعَوْا إلى عبادة اللَّه فقط . ولو بَحثْتَ في أسفار التَّوراة , لَما وَجدتَ فيها أيّ ذِكْرٍ للأقانيم والتَّثليث . لذلك , لَم يَجد النَّصارى مَخرَجًا إلاَّ باستحداث الإله ذي الثَّلاثة أقانيم : الآب , والابن , وروح القدس , ثمَّ القول بأنَّها شيءٌ واحد , وأنَّهم يعبدون إلها واحدًا !
وظَنُّوا أنَّهم بذلك قد حَلُّوا المشكلة , ولكنَّهم اصطدمُوا هذه المرَّة بالعقل والمنطق , وأصبح عليهم أن يشرحُوا للنَّاس كيف أنَّ : 1 + 1 + 1 = 1 , وليس ثلاثة ! فسقطوا في دوَّامة تفاسير وتشبيهات غامضة , لم يستطيعُوا الخروج منها إلى اليوم ! بل , ولن يستطيعُوا الخروج منها إلى قيام السَّاعة , لأنَّ عقيدتهم باطلة من الأساس , عندما ادَّعَوْا بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه وأنَّه جاء ليُصلَب تكفيرًا عن خطيئة آدم وخطايا البشر . وكلُّ ما بُني على أساس باطل , فهو باطل .
على كلِّ حال , فإنَّ الآيات القرآنيَّة التي ذكَرْناها في هذا العنصر كافية جدًّا لِنَقْض عقائد الصَّلب والفداء والخلاص والتَّثليث , مِن أساسها . وسنتحدَّثُ بالتَّفصيل عن حقيقة اللَّه تعالى وصفاته في عنصر لاحق من هذا الجزء بإذن اللَّه .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:27
حوار هادئ بين مسلم ونصراني
المسلم : مَن الذي خلقَ هذا الكون وخلَقَك وخلَقنا جميعًا ؟
النّصراني : اللَّه .
المسلم : مَن هو اللَّه ؟
النّصراني : المسيح .
المسلم : هل أفهمُ مِن هذا أنَّ المسيح خَلَقَ أمَّهُ مريم ؟! وخَلَقَ موسى الذي جاء قَبْلَه ؟!
النّصراني : المسيح ابنُ اللَّه .
المسلم : وإذا كان هو ابنُ اللَّه حَسْبَ قَولك , فهل تُؤمنُ بأنَّه قد صُلِبَ على الصَّليب ؟!
النّصراني : نعم .
المسلم : هل أفهمُ من هذا أنَّ اللَّهَ لم يَستطعْ إنقاذَ ابنه من الصَّلب ؟!
النّصراني : إنَّ اللَّهَ أرسلَ ابنَه لِتَكفير خَطايَا ابن آدم . أقصدُ أنَّ اللَّهَ هو الذي نزلَ في بَطْن العذراء مريَم , وولَدَ يَسوع , فهو تَجسَّد في يسوع .
المسلم : إذا كان الرَّبُّ قد نزلَ إلى الأرض لِيَدخُلَ في بطن أمِّه , ويَتغذَّى جنينًا تسعةَ أشهر , ويَخرج مولودًا مُلَطَّخًا بالدِّماء , ثمَّ يَتربَّى ويَتعلَّم القراءة والكتابة والأدب , ثمَّ يَكبُر فيُعلِّم أصحابَه الشَّريعة , ثمَّ يَثُور عليه اليهود , فيَهرب منهم كما جاء في كتابكُم المقدَّس , ويَطلُبوه ويَدلُّهم عليه أحد تلاميذه (يَهوذا الأسخريوطي) , فيَجدُوه , وإلى خشبة الصَّلب يَدقُّوه , ثمَّ بِتَاج الشَّوك يُتَوِّجوه , ثمَّ من شراب الخلِّ والمرِّ يَسْقُوه , ثمَّ يَقتلُوه , ثمَّ يَدفنوه , ثمَّ يقوم بعد ثلاثة أيَّام من قَبْره لِيَصعد إلى السَّماء , فقُلْ لي بِرَبِّكَ : لِمَ هذه المعاناة وهذه المآسي ؟! وهل تَرضَى أن يكونَ لك ربٌّ كهذا يُعامَل معاملَة المجرمينَ الخارجين عن القانون ؟! وهل هذا هو الذي خَلقَ الكونَ والبَشَر ؟! وإذا كان قد دُفِنَ ثلاثة أيَّام في قَبره مَيِّتًا , فَمَنْ كان يُدَبِّرُ شؤون العالَم في ذلك الوقت ؟!
وإذا كنتَ تعتقدُ أنَّ المسيح إلَهًا لأنَّه وُلِدَ مِن غير أب , فَمِنْ باب أوْلَى أن يكونَ آدم عليه السَّلام إلَهًا لأنَّه خُلِق مِن دون أب ولا أمّ , أليس كذلك ؟!
ثمَّ قُلْ لي بِرَبِّك : هل تُؤمنُ حقّا بأنَّ المسيحَ صُلِبَ على الصَّليب ؟
النّصراني : نعم .
المسلم : إذًا اسْتَمعْ إلى ما جاء في سفر التَّثنية : وإذا كان على إنسانٍ خَطيَّةٌ حَقّها الموتُ , فَقُتِلَ وعَلَّقْتَه على خشبة , فلا تَبِتْ جُثَّتُه على الخشبة بل تَدْفِنُه في ذلك اليوم لأنَّ المعَلَّقَ مَلْعونٌ من اللَّه . فلا تُنَجّسْ أرضَكَ التي يُعطيكَ الرَّبُّ إلَهكَ نَصيبًا . (سفْر التَّثنية - الإصحاح الحادي والعشرون 22 - 23) .
فهل يُعقَل أن يكونَ المسيح مَلْعُونًا ؟!
النّصراني : لَم يَقُل ذلك أيُّ مسيحي .
المسلم : استَمِعْ إذًا لِما يَقوله شاؤول الذي تُسَمُّونه بولس , وهو من أقدس النَّاس عندكم , وبالتَّحديد في رسالته إلى أهالي غلاطية : المسيحُ افتَدانا مِن لَعنة النَّاموس , إذْ صار لَعنةً لِأجلنا , لأنَّه مكتوبٌ : مَلعونٌ كلُّ مَن عُلِّق على خشبة . (غلاطية – الإصحاح الثَّالث 13) .
أرأيتَ أنَّنا نُحِبُّ المسيحَ أكثر منكم , ونُنَزِّههُ مِمَّا تَرْمونَه به ؟!
(نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد الحوار , عن موقع www.islamicweb.com (http://www.islamicweb.com/)) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:28
إنَّهم كفروا , ولكنَّهم لا يعلمون !
نعم , إنَّ كلَّ من يعتقد أنَّ المسيح عليه السَّلام هو اللَّه , أو أنَّه ابن اللَّه , أو أنَّ اللَّه ثالثُ ثلاثة , فقد كَفر ! هكذا أخبر اللَّهُ في القرآن الكريم . يقول تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 17 } (5- المائدة 17) .
فهل هناك أَوْضح من هذا التَّعبير ؟!
ويُفصِّل اللَّهُ هذا الأمر في موضع آخر من القرآن , فيقول تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ 72 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 73 أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 74 مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 75 قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 76 قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ 77 } (5- المائدة 72-77) .
انتبهي يا ابنتي الفاضلة ! إنَّ هذه الرُّدود على ادِّعاءات النَّصارى ليستْ من عند المسلمين , وإنَّما مِنْ عند اللَّه مُباشرةً ! وهو نفسُه الذي أعلنَ في هذه الآيات أنَّ كلَّ مَن يعتقد أنَّ المسيح هو اللَّه أو أنَّه ثالثُ ثلاثة , فهو كافرٌ , تَحْرُم عليه الجنَّة ومأواه النَّار ! وبما أنَّ عقيدة التَّثليث هذه هي عقيدة كلِّ الطَّوائف المسيحيَّة بدون استثناء , فهذا يعني أنَّهم كلُّهم كفَّار ومأواهم جهنَّم , إذا لم يتُوبوا مِن هذا الشِّرك !
فماذا ينتظر النَّصارى لِيَتوبُوا ؟! لماذا العناد والمراوغة ؟! إنَّ كلام اللَّه واضحٌ كلَّ الوضوح : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ } .
ثمَّ قال : مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (وليس ابنُ اللَّه) إِلاَّ رَسُولٌ (مثل إبراهيم وموسى ومحمَّد , عليهم الصَّلاة والسَّلام) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ !
فهل سمعتِ بإلَهٍ يأكلُ الطَّعام , ثمَّ يقضي حاجته بعد ذلك مثل البشَر ؟!
صحيحٌ أنَّ كثيرًا من النَّصارى يعتقدون عن حسن نيَّة أنَّ المسيح ابنُ اللَّه , لأنَّ هذا هو الذي تَعَلَّمُوه في الكنيسة . ولكن , أليست لهم عقولٌ يفكِّرون بها ؟! فالمنطق السَّليم لا يَقْبَل إطلاقًا أن يكون للخالِق العظيم لهذا الكون زوجة وأبناء مثل البشر !
صحيحٌ أيضًا أنَّ المسلمين يتحمَّلون قسطًا من المسؤوليَّة لأنَّهم لَم يَبذُلُوا كُلَّ جُهدهم لِتَبْيين الحقيقة للنَّاس . وإنَّ مِمَّا دفعني إلى التَّأكيد مرارًا على أنَّ اللَّه لن يقبل غير الإسلام , هو ما أراه يوميًّا من نَصارى من عامَّة النَّاس , أخلاقُهم طيِّبة ويقومون بواجباتهم الدِّينيَّة على أكمل وَجْه ويرجُون دخول الجنَّة , كمْ ستكون خيبةُ أَمَلِهم كبيرة يوم القيامة إذا ماتُوا على غير الإسلام وكان مصيرهم إلى النَّار خالدين فيها ؟!
أليستْ مُغالَطة , بل خيانة , أن أُجامِل مَن أعرف منهم وأُفهِمَهم أنَّهم أيضًا على هُدى , وأنَّهم إذا قاموا بما يأمرهم به دينُهم فسيكون مصيرُهم إلى الجنَّة , وأنا أعلم يقينًا أنَّ عكس ذلك هو الصَّحيح ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:28
وماذا لو سألنا القرآن عن قضيَّة الصَّلب ؟!
إذا كان القرآن قد تحدَّث عن حقائق علميَّة دقيقة لم يتمَّ اكتشافها إلاَّ بعد حوالي 1400 سنة من نزوله , فلماذا لا نبحثُ فيه عن مسألة صلْب المسيح عليه السَّلام , هل هي حقيقة أم لا ؟!
يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن اليهود : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا 156 وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا 157 بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 158 } (4- النّساء 156-158) .
ففي هذه الآيات يُعلنُ اللَّهُ تعالى بوُضوح تامٍّ , لا يدعُ مجالاً للشَّكِّ أو الاختلاف , أنَّ المسيح عليه السَّلام لم يُقْتَل ولم يُصْلَب , كما ادَّعى اليهود وكما يَدَّعي النَّصارى اليوم , بل رَفَعه اللَّهُ إليه .
أمَّا تفصيل الحادثة , فيَرْويها لنا العالِمُ الثّقة إسماعيل ابن كثير في تفسيره للقرآن الكريم , يقول ما مُلَخَّصُه : لَمَّا ولَدَتْ مريمُ عيسَى عليه السَّلام , اتَّهَمَها اليهودُ في ذلك الزَّمان بالزِّنَا .
حاشَى لَها وكلاَّ , وهي الصِّدِّيقة الطَّاهرة , أن تكون كما قالُوا ! ويكفي مريَمَ فخرًا أن شهد اللَّهُ تعالى لها بالعفَّة , شهادةً تُتْلَى على مسامع كلِّ النَّاس إلى يوم القيامة , فقال : { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ 12 } (66- التّحريم 12) . بل إنَّ اللَّه أنزل سورة كاملة سمَّاها سورة مريم , تكريمًا لها !
قال ابن كثير : ولَمَّا شرَّفَ اللَّهُ عيسَى عليه السَّلام بالنُّبُوَّة , كفَر به اليهودُ ولم يُؤمنُوا برسالته , وحسَدُوه على ما أجْرَى اللَّهُ على يَدَيْه من معجزات , مثل إبْراء الأكْمَه والأبْرَص وإحياء الموْتَى بإذن اللَّه . فحاولُوا إيذاءه بكلِّ ما أمكنَهم , ثمَّ سعَوْا إلى مَلِك دِمَشْق (بسُوريا) في ذلك الزَّمان , وكان مُشركًا من عُبَّاد الكواكب , وقالُوا له إنَّ في بيت المقدس رجلاً يَفْتِنُ النَّاسَ ويُضِلُّهم ويُفسد على الملِكِ رعاياه . فغضبَ , وكتب إلى وَاليه ببَيْت المقدس أن يقبضَ على عيسى عليه السَّلام ويَصْلِبَه , ويضَع الشَّوك على رأسه , ويكُفَّ أذاه عن النَّاس .
فلمَّا وصَلَهُ الكتاب , امتثَلَ الوالي لِأمْر الملِك , وذهبَ هو وطائفة من اليهود إلى البيت الذي كان فيه عيسى عليه السَّلام , فحاصَرُوه هناك . وكان عيسى في جماعة من أصحابه , قيل كانُوا اثْنَيْ عَشَر نَفَرًا , وقيل أكثر . فلَمَّا أحَسَّ بِمَنْ حول البيت , وأنَّه لا مَفَرَّ من دخُولهم عليه أو خروجه إليهم , قال لأصحابه : أيُّكُم يُلْقَى عليه شَبَهي , فيُقْتَلُ مكاني , وهو رفيقي في الجنَّة ؟
فقام شابٌّ مِن أحْدَثِهم سِنًّا , فكأنَّ عيسى اسْتَصْغَره . فأعاد الطَّلبَ ثانية وثالثة , وفي كلِّ مرَّة يقوم ذلك الشَّابّ . فقال له : أنتَ هو . وألْقَى اللَّهُ عليه شَبَهَ عيسى عليه السَّلام , حتَّى كأنَّه هو ! ثمَّ فُتِحَتْ كُوَّةٌ في سقف البيت , وأخذَتْ عيسى عليه السَّلام سِنَةٌ من النَّوم , فَرُفِع إلى السَّماء على هذه الحال , وكان عُمُره حينئذ ثلاثًا وثلاثين سنة .
وخرجَ أصحابُ عيسى عليه السَّلام من البيت , فلمَّا رأى اليهودُ ذلك الشَّابَّ ظَنُّوه عيسَى , فأخذُوه وقتَلُوه وصَلَبُوه , ووَضَعُوا الشَّوكَ على رأسه زيادةً في إهانته . ثمَّ تبجَّح اليهود بأنَّهم قَتلُوا عيسى عليه السَّلام وصلَبُوه , وصدَّقهم النَّصارى في ذلك , وهذا الأمرُ مذكورٌ في أناجيلهم .
وتَمُرُّ حوالي ستَّة قُرون على هذه الحادثة , ويَنزلُ القرآن من عند اللَّه ليُعلِنَ لكلِّ النَّاس أنَّ عيسى عليه السَّلام لم يُقْتَلْ ولم يُصْلَب , ولكن شُبِّه ذلك لِمَن كان حاضرًا في ذلك الزَّمان , وأنَّه رُفِعَ إلى السَّماء بقُدْرة اللَّه الذي يقولُ للشَّيء كُنْ فَيَكُون .
وسيعود عيسى عليه السَّلام إلى الأرض في آخر الزَّمان ! نعم , هكذا أخبرنا النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في عدَّة أحاديث , منها ما رواه الإمام أحمد في مُسْنَده عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : الأنبياءُ أخْوَةٌ لِعِلاَّت (أي غير أشقّاء) , أمَّهاتُهم شَتَّى ودينُهم واحِد (وهذا تأكيدٌ لِمَا ذكره القرآن من أنَّ كلَّ الأنبياء كانُوا على دين واحد , وهو الإسلام) . وأنا أوْلَى النَّاسِ بعِيسَى بن مَرْيَم لِأنَّه لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وبَيْنَه نَبِيٌّ . وإنَّه نازلٌ , فإذَا رأيْتُموه فاعْرِفُوه : رجُلاً مَرْبُوعًا (أي متوسّط القامة) إلى الحُمْرة والبَيَاض , علَيْه ثَوْبان ممصران (أي فيهما صفرة خفيفة) , كأنَّ رأسَهُ يَقْطُرُ وإن لَم يُصِبْهُ بَلَل . فيَدُقُّ الصَّليبَ (أي يَكْسِره) , ويَقْتُلُ الخنزير , ويَضَعُ الجِزْيَة , ويَدْعُو النَّاسَ إلى الإسلام . فيُهْلِكُ اللَّهُ في زمانه المِلَلَ كلَّها إلاَّ الإسلام , ويُهلِكُ اللَّهُ في زمانه المسيحَ الدَّجَّال . وتقعُ الأمنَةُ على الأرض , حتَّى تَرْتَعَ الأسُودُ مع الإبل , والنِّمار مع البَقَر , والذِّئاب مع الغَنَم , ويَلْعَبُ الصّبْيانُ بالحَيَّات لا تَضُرُّهم . فيَمكُثُ أربعينَ سنة , ثمَّ يُتَوفَّى ويُصلِّي عليه المسلمون . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 2 – ص 406 – رقم الحديث 9256) .
والمُلفِتُ للانتباه حقًّا في هذا الحديث أنَّه يَذكرُ أنَّ الذي سيعودُ في آخر الزَّمان هو عيسى عليه السَّلام , وليس محمَّدًا ! أفلا يدلُّ هذا مرّة أخرى على أنَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم صادقٌ في نُبُوَّته , لأنَّه لو لَم يكُن كذلك لَادَّعَى أنَّه هو الذي سيَعُود في آخر الزَّمان لِيَقُود العالَم من جديد بالإسلام , ولَمَا تركَ هذا الشَّرف لعِيسَى !
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , إنَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم رسولٌ كريمٌ من عند اللَّه , وكلُّ الأنبياء أخوَةٌ ليس بينهم أيّ عِداء , ودينُهم واحد وهو الإسلام .
وعندما يعود عيسى عليه السَّلام إلى الأرض في آخر الزَّمان ولا يقبلُ غير الإسلام دينًا , سوف يُسلِمُ كلُّ النَّصارى لأنَّهم لَنْ تَبْقَ لهم أيّة حُجَّة في البقاء على عقيدتهم الباطلة ! يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن عيسى : { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 158 وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا 159 } (4- النّساء 158-159) . يقول عُلَماء التَّفسير : أي عندما ينزلُ عيسى عليه السَّلام في آخر الزَّمان ولا يقبلُ غير الإسلام دينًا , سوف يؤمنُ به جميعُ النَّصارى أو أغلبُهم قبل موته , ويَدخلون في هذا الدِّين .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:29
ولكن , هل يُعقَل أن يكون رجال الدِّيانات الأخرى
على خطأ ؟!
هل يُعقَل أن يكون رجالُ الكنيسة , وأحبارُ اليهود , وغيرهم من زعماء الدِّيانات الأخرى , على عقائد باطلة ؟!
نعم , هم ليسُوا على الدِّين الحقِّ ! وكُلُّ مَن بَلَغَتْه دعْوَةُ الإسلام , بعد بعْثَة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فلَم يَقبَلْها , فهو كافر , ومصيرُه جهنَّم خالدًا فيها إذا مات على تلك الحال . وقد ذكَرْنَا الآيات القرآنيَّة الدَّالَّة على ذلك بوضوح .
بل إنَّ موقفَ زُعماء الدِّيانات الأخرى سيكون أصعب يوم القيامة من أتباعهم من عامَّة النَّاس , لأنَّ مركَزَهم يقتضي أن يكون عندهم عِلْمٌ أكثر من غيرهم , سواء بديانتهم أو بالدِّيانات الأخرى , وبالتَّالي كان الأَوْلَى بهم أن يتثبَّتُوا من صحَّة معتقداتهم , وإذا عرفُوا الحقَّ , ألاَّ يُصرُّوا على الباطل .
لكنَّ المدهش حقًّا أنَّ أغلب هؤلاء سمعوا فعلاً بما يقوله القرآن بخصوص حقيقة عيسى عليه السَّلام خاصَّةً , وحقيقة الأنبياء والرُّسُل عامَّةً , وصفات اللَّه تعالى , وأنَّ اللَّه لن يقبل غير الإسلام , وأنَّ كلّ من يموتُ على غير هذا الدِّين سيكون جزاءه جهنَّم خالدًا فيها , لكنَّهم عِوَضَ أن يتَّبعُوا الحقَّ الذي جاءهم , أعرضُوا وراحُوا يُحاولُون عبثًا أن يجدُوا تبريرات يستطيعون بها الرَّدَّ على تساؤلات أتباعهم العديدة , دون جدوى ! فماذا ستكون حُجَّتُهم أمام اللَّه عندما يَسألُهم يوم القيامة لماذا أصرُّوا على معتقداتهم الخاطئة ولم يُسلِمُوا , فضَلُّوا وأَضَلُّوا غَيْرَهم ؟!
أمَّا أتباعُهم من عامَّة النَّاس , فإذا أصرُّوا على اتِّباعِهم دون تفكير , فاستمعْ لِمَا يقوله القرآنُ فيهم وفي أمثالهم : يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا 64 خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا 65 يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ 66 وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا 67 رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا 68 } (33- الأحزاب 64-68) .
والسَّاداتُ والكُبراء هنا هم رجالُ الدِّيانات الأخرى غير الإسلام , وأيضًا كلّ مَن يستغلّ سُلطَته أو شُهرته أو مالَه لِيُضِلَّ غيره عن طريق اللَّه .
أمَّا أتباعُهم , فسَوْفَ يَعضُّون أصابعَهم يوم القيامة من النَّدَم أنَّهم لم يتَّبعُوا الأنبياء , ثمَّ لن يَملِكُوا إلاَّ أن يَدْعُوا اللَّهَ أن يُؤتي كُبَراءَهم ضعفَيْن من العذاب بِسَبب إضلالِهم لهم .
(http://hurras.org/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=75362)
http://hurras.org/vb/mwa2009/mwa07/misc/mwa/border/mwa07-border-l.gif
كلمة سواء
16.01.2011, 14:30
أليس في هذا الكلام اعتداء على حُرمة رجال الدِّين ؟!
إطلاقًا ! فما ذكَرناه سابقًا لَم يَكُن أبدًا شَتْمًا لِرجال الدِّين أو استهزاءً بهم , وإنَّما كان بِقَصْد تَنبيههم , هم وأتباعهم , إلى الأخطاء الموجودة في معتقداتهم من وجهة نَظر الإسلام , وهم في الأخير أحرارٌ في قَبُول أو رفض هذا التَّنبيه !
ويعلَمُ اللّه أنَّ الدَّافع الأساسي لِذِكْري لِمَا يقولُه القرآن في الدِّيانات الأخرى , هو حِرْصي على أن يُراجع أتباعها معتقداتهم , لعلَّ اللَّه يهديهم إلى الإسلام , فيَنْجون بذلك من العذاب الشَّديد يوم القيامة . فلِماذا هذه الحساسيَّات المفرطة تُجاه كلّ ما يتعلَّق بالدِّين ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:30
أليس فيه إذًا عداءٌ لليهود والنَّصارى ؟!
أبدًا ! فهذا الكتاب مُوَجَّه إلى غير المسلمين عامَّة , وإلى اليهود والنَّصارى خاصَّة , لِدَعوتهم إلى الإسلام . وبما أنَّ هؤلاء (أي اليهود والنَّصارى) يعبدون اللَّهَ الذي يعبده المسلمون , كان لا بُدَّ من تنبيههم إلى ما يقوله هذا الإله بخصوص عقائدهم حتَّى يُعيدوا النَّظر فيها .
ربَّما تقول سيِّدي : وما شأنُك بهم ؟! دَعْهُم يعبدون ربَّهم كما يشاءون واعبدْ أنت ربَّك كما تشاء ؟!
أقول : وهل تقبل أنت أن تقف مكتوف اليدين وأنت ترى إنسانًا يَمشي في طريق , هو يعتقد أنَّ فيها سعادته , وأنت على يقين أنَّها ستؤدِّي به إلى السُّقوط في النَّار ؟!
طبعًا لا تقبل ! فكيف تريد إذًا من المسلم أن يدرس أو يشتغل مع يَهودي مثلاً أو يسكُن بجواره , ثمَّ لا يدعوه إلى الإسلام , وهو يعلم يقينًا أنَّ جاره هذا أو زميله في الشُّغل لو مات على يَهوديَّته فإنَّه سيُحرَم من دخول الجنَّة ويكون مصيره إلى النَّار ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , إنَّ هذا الجار اليَهودي سيحتجُّ أمام اللَّه يوم القيامة أنَّ جاره المسلم لم يَدْعُهُ إلى الدِّين الحقِّ , وسيَسألُ اللَّهُ تعالى المسلِمَ عن ذلك !
فالدَّعوةُ إلى الإسلام إذًا هي واجبٌ إنساني وأخلاقي على المسلم . لكن للأسف كما ذكَرْنا سابقًا , كثيرٌ من النَّاس يتعاملون بحساسيَّة مُفرطة مع كلِّ ما يتعلَّق بالدِّين ! وهذا الأمر جعلَ العديد من المسلمين يتجنَّبون دعوةَ اليهود والنَّصارى إلى الإسلام , حتَّى لا يُتَّهمُوا بإثارة الفِتَن في المجتمعات !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:30
هل يقبلُ اللَّه عُذر من ماتَ على غير الإسلام ؟
أمَّا مَنْ ماتَ على غير دين , فماذا سيكون عُذْره عندما يقف أمام اللَّه يوم الحساب , بعد أن عاش طول حياته يَمشي في أرضه , ويأكل من رزقه , ويتنعَّم بنِعَمه التي لا تُحصَى , من هواء وسمع وبَصر ونُطق وغير ذلك , دون أن يَجد إلزامًا على نفسه أن يبحث عن هذا الخالق لِيَشكُره ؟!
ألا يُعتبر هذا مُنتهى الجحود وسوء الخلُق ؟! هل تقبلُ أنت أن تُقدِّم خِدْمةً لِأَحدٍ مَا , ثمَّ عِوَض أن يشكُرك , يُقابلك بالنُّكْران والإساءة , أو يُعرض عنك ويشكر أحدًا غيرك ؟! هل من المعقول أن يعيش الإنسان طيلة حياته يعملُ ويأكلُ وينام ويلهُو , دون أن يَجد الوقت لكي يبحثَ عمَّن خلَقَه ؟!
لا , غير معقول ! وليس لهؤلاء أيّ عذر إذا ماتُوا على كُفرهم .
وأمَّا مَنْ مات نصرانيًّا أو يهوديًّا , بعد نُبُوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أو كان يعبدُ شيئًا آخر غير اللَّه , فأين كان عقلُه ومنطقُه ؟! ولماذا لم يبحث في حياته عن الدِّين الحقِّ كما كان يبحثُ عن الطَّعام والرِّزق ؟! وهل يُعقَل أنَّه لم يسمع طول حياته بالإسلام ؟!
إنَّ وسائل الإعلام تَملأ كلَّ الدّنيا في عصرنا هذا , وأغلب الظَّنِّ أنَّ كلَّ النَّاس تقريبًا سمعوا بالإسلام . لكنَّ أكثر هؤلاء لم يُكلِّفُوا أنفسهم عناء التَّعرُّف عليه , على الأقلّ للتَّثبُّت من مدى صحّة معتقداتهم . ولو اطَّلَعوا على القرآن الكريم بلُغَته العربيَّة , أو ترجمة معانيه باللُّغات الأخرى , لَكَفاهم ذلك لِلوصول إلى الحقيقة . وواللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو أنَّ أيَّ إنسان بَحثَ بصدق عن الدِّين الحقِّ , لَهَداه اللَّه تعالى إليه , بعدله ورحمته .
ليس لهؤلاء إذًا أيّ عذر أمام اللَّه يوم القيامة .
وهنا لا بُدَّ من ملاحظة شيء هامّ : إنَّ مجرَّد القول بأنَّ محمَّدًا نبيٌّ مثل إبراهيم وموسى وعيسى , وأنَّ الإسلام دينٌ مثل اليهوديَّة والمسيحيَّة , هذا القول لا يُنجي صاحبه من الخلود في النَّار يوم القيامة , إذا لم يدخل هذا الشَّخصُ فعْلاً في الإسلام وينطق بالشَّهادتين .
وأمَّا مَن لم تبلُغه دعوةُ الإسلام , أو وَصلَتْه بصورة مُشَوَّهة , أو الذي مات صغيرًا من أبناء الكفَّار , أو المجنون , أو غير ذلك من الحالات الخاصَّة , فإنَّ أمْرَهُم إلى اللَّه يوم القيامة , يَحكُم فيهم بما يشاء . وعلى كلِّ حال , فالمؤكَّد أنَّ اللَّهَ تعالى لن يُعامِلَهم مثل معامَلَته لِمَن بلَغَتْهُ دعوةُ الإسلام فأعرضَ عنها , لأنَّ اللَّه لا يظلم أحدًا من خلقه . يقول تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 44 } (10- يونس 44) .
أمَّا أنت أيُّها القارئ الكريم , فلَم يَعُد لك أيُّ عُذر بعد الآن إذا متَّ على غير الإسلام , لأنَّ الدَّعوة إليه قد بَلَغَتْكَ فعْلاً عن طريق هذا الكتاب ! أرجُو اللَّهَ أن يشرح صدركَ لهذا الدِّين العظيم .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:31
وماذا عن الذي سخَّر حياته لفعل الخير ؟!
أليسَ من الظُّلم أن يُعذِّبه اللَّهُ بالخلود في النَّار إذا مات على غير الإسلام ؟!
قبل الإجابة على هذا السُّؤال , لِنَستمعْ لهذا الحديث الذي رواه ابن حبَّان في صحيحه عن الأسود بن سريع رضي اللَّه عنه , قال : قال النَّبيُّ (محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أربعةٌ يَحتجُّون يومَ القيامة : رجلٌ أصَمّ , ورجلٌ أحمق , ورجلٌ هرم , ورجلٌ مات في الفترة . فأمَّا الأصمّ فيقول : يا ربّ , لقد جاء الإسلام وما أسمعُ شيئًا . وأمَّا الأحمقُ فيقول : ربِّ , قد جاء الإسلامُ والصِّبْيانُ يَحْذفُونَني بالبَعر . وأمَّا الهرم فيقول : ربِّ , لقد جاء الإسلامُ وما أعْقِل . وأمَّا الذي مات في الفترة فيقول : ربِّ , ما أتاني لك (أي منك) رسول . فيأخُذُ مَواثيقَهم لَيُطيعُنَّه , فيُرسلُ إليهم رسولاً أن ادخُلُوا النَّار . قال : فَوَالذي نَفْسي بيَدِه , لو دَخلُوها كانت (أي لَكانَتْ) عليهم بَرْدًا وسلامًا . (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 356 – رقم الحديث 7357) .
وروى أبو يعلَى في مُسنَده عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يُؤتَى بأربعةٍ يومَ القيامة : بالمولود , وبالمعتُوه , وبِمَنْ ماتَ في الفترة , والشَّيخ الفاني , كلُّهم يتكلَّم بِحُجَّته . فيقولُ الرَّبُّ تباركَ وتعالَى لِعُنق من النَّار : ابرُزْ . ويقول لهم : إنِّي كنتُ أبعثُ إلى عبادي رُسُلاً من أنفُسِهم , وإنِّي رسولُ نَفْسي إليكُم , ادخُلُوا هذه (أي هذه النَّار) ! فيقولُ مَنْ كُتِبَ عليه الشَّقاء : يا رَبِّ , أنَّى نَدْخُلها ومنْها كُنَّا نَفِرّ ؟!
ومَنْ كُتِبَتْ عليه السَّعادة يَمضي , فيَقْتحمُ فيها مُسرعًا .
فيقولُ اللَّهُ تبارك وتعالى (لِمَنْ رَفَضُوا دخول النَّار) : أنْتُم لِرُسُلي أشَدّ تكذيبًا ومَعْصِيَة .
فيدخُلُ هؤلاء الجنَّة (أي مَن أطاع واقتحم في النَّار) , وهؤلاء النَّار (أي مَن عَصَى) . (مسند أبي يعلى – الجزء 7 – ص 225 – رقم الحديث 4224) .
فمِنْ عَدْل اللَّه إذًا ورحمته أنَّه لا يُعذِّبُ أحدًا من عباده حتَّى يُقيم عليه الحُجَّة , إمَّا في الدُّنيا أو في الآخرة ! والذين ماتُوا قَبْلَ أن تبلُغهم فعْلاً دعْوةُ الإسلام , سَيُمتَحنون في الآخرة كما امتُحِنَ غيرُهم في الدُّنيا . فمَنْ أطاع كان من أهل الجنَّة , ومَن عصَى دخلَ النَّار خالدًا فيها .
أليسَ هذا مُنتهَى العدل ؟!
وأمَّا مَنْ بلَغَتْه دعوةُ الإسلام فأعرض عنها وأصرَّ على البقاء على المسيحيَّة أو اليهوديَّة أو الإلحاد أو غير ذلك , فهو الذي ظلَم نفسَه في هذه الحالة لأنَّه عانَد وتكبَّر , وسيكون مصيره بلا شكّ : الخلود في جهنَّم .
وبِمَا أنَّ اللَّهَ أكْرم وأعدل مِن أن يظلم مثقال ذرَّة من خير عمِلَه عبدٌ من عباده , فكلُّ مَا يَفعلُه الكافرُ من خير , يُجازيه اللَّهُ تعالى عليه إمَّا في الدُّنيا أو في الآخرة أو في الاثنين معًا .
أمَّا في الدُّنيا , فَيُوَسِّعُ عليه في الرِّزق , أو يَصرف عنه بعض المصائب , أو يُعطيه من الخير ما تمنَّى , أو غير ذلك .
وأمَّا في الآخرة , فيُخفِّفُ عنه العذاب . فالنَّارُ دركات , والجنَّة درجات . يقول اللَّه تعالى مثلاً في منزلة المنافقين : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا 145 } (4- النّساء 145) .
لا يَضيعُ إذًا أيُّ شيء في ميزان اللَّه , سواء كان العبدُ مسلمًا أو كافرًا . يقول اللَّه تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 8 } (99- الزّلزلة 7-8) .
فهل هناك أعدل من اللَّه ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:31
إنَّ اللَّه لا يغفر أن يُشرَك به
ربَّما تقول سيِّدي الفاضل : ولكنَّ النَّصارى واليهود يعبدون اللَّه , فلماذا يكون مصيرُهم إلى النَّار خالدين فيها مثل الملحدين والظَّالمين والقَتَلَة ؟!
استمعْ إذًا لِمَا يلي : يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا 48 } (4- النّساء 48) .
فأعظمُ الذُّنوب عند اللَّه : أن يُشرَك في عبادته شيءٌ آخر .
والنَّصارى أشركُوا مع عبادة اللَّه : عبادتَهُم للمسيح عليه السَّلام , وادِّعاءَهم أنَّه ابنُ اللَّه . بينما اليهود ادَّعَوْا مِن قبلُ أنَّ العُزَيرَ ابنُ اللَّه , ثمَّ نسبُوا إلى اللَّه سبحانه نَقائص لا تليقُ بكَمَاله , ونَسبُوا لأنبيائه أيضًا نقائص لا تليق بهم , وقد عَرَضْنا أمثلةً لذلك . فأيُّ ظُلم أكبر من هذا ؟! يقول اللَّه تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 30 اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 31 } (9- التّوبة 30-31) .
فهل تقبلُ أنتَ أن تُنفِق على أطفالكَ حتَّى يكبروا , وتُوَفِّر لهم كلّ ما يحتاجوه من مأكل وملبس ورعاية , ثمَّ بعد ذلك يَشْتموك , أو يَنْسبُوا الفضلَ في ما وصلُوا إليه إلى شخص آخر غيرك ؟!
طبعًا لا تَقْبل ! فكيف تريدُ إذًا من الخالق سُبحانه أن يقبل أن ينتقص اليهودُ مِن صفاته بعد أن عَرفوها , وأن يستهزئُوا بأنبيائه ويُحرِّفُوا توراته ؟! وكيف تريده أن يقبل أن ينسب إليه النَّصارى ابنًا , ثمَّ يعبُدوا الابنَ المزعوم وينسبُوا إليه كلَّ الفضل , ويتركُوا الخالق ؟! أليس هذا مُنتهى الظُّلم ؟!
وقد روى الطَّبراني في مسند الشَّاميِّين عن أبي الدَّرداء رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : قال اللَّه عزَّ وجلَّ : إنِّي والجِنَّ والإنسَ في نَبَأ عظيم , أخلُقُ ويُعْبَدُ غَيْري , وأرزُقُ ويُشْكَرُ غَيْري ! (مسند الشّاميّين – الجزء 2 – ص 93 – رقم الحديث 974) .
ومِثْلُ هؤلاء في الظُّلم : مَنْ يَدْعُو إلى فصل الدِّين والخالق عن الحياة , ويحتجُّ قائلاً : ما ضرورةُ الدِّين , إذا كنتُ أسعَى لِنَشْر المحبَّة والسِّلْم بين النَّاس ؟!
فهل تقبلُ أنت أن يترُكَك أطفالُكَ جانبًا ويعزلوك عن حياتهم ولا يذكُرونَك مُطلَقًا , بدَعوى أنَّهم على كلِّ حال يَعملُون لإحلال السِّلْم في هذا العالَم ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , لو حصل أطفالُك على عشرات الأَوْسمة من المنظَّمات الإنسانيَّة , ولو أجمعَ كلُّ النَّاس على أنَّهم أفرادٌ يَستحقُّون التَّقدير والإعجاب , لَمَا أطفأ ذلكَ غضبكَ الشَّديد عليهم بسبب تَنَكُّرهم لكَ ! بل لو علِمَ النَّاسُ بِجُحود أطفالك لك , لأنكَرُوا عليهم ذلك , ولَرُبَّما جرَّدُوهم من كُلِّ الأَوْسمة التي حصلُوا عليها .
فما بالُكَ بِمَنْ يُنعِمُ عليه اللَّهُ تعالى بأرضٍ يعيشُ فوقها , وهواء يتنفَّسُه , وشمس تُدفئُه , وعَقْل يُفكِّر به , وحواسّ , وجوارح , وغير ذلك , ثمَّ يَتَنكَّرُ لِخالقه ولا يعبدُه , بدَعْوى أنَّه على كلِّ حال يَسْعَى لِنَشر المحبَّة بين النَّاس ؟!
واجبٌ إذًا على كلِّ إنسان يَملكُ ذرَّةً مِن أخلاق أن يَنسب الفَضْلَ لِصاحبه , فيعترف بنِعَم اللَّه التي لا تُحصَى عليه , ويعبُده وحده ولا يُشرك به شيئًا , ويتَّبع دينَه الذي ارتضاه له , ويؤمن بجميع أنبيائه , ويمتثل لأوامره . باختصار : واجبٌ على كلِّ إنسان أن يكون مسلِمًا لِيُحقِّقَ هذه الأمور .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:31
الإسلام شرطٌ لدخول الجنَّة
نعم , وكم ستكون كبيرة خيبةُ أمل النَّصارى واليهود وكلّ مَن أشرك شيئًا آخر مع اللَّه أو عبدَ غيره , وكم ستكون حسرتُهم عظيمة يوم القيامة عندما يُذهبُ بهم إلى النَّار , وقد كانُوا يَظنُّون أنَّهم سيُقابَلُون بالحفاوة والتَّكريم والجنَّة ! يقول اللَّه تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ 39 } (24- النّور 39) .
ويقول تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ 18 } (14- إبراهيم 18) .
ويقول تعالى : { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا 22 وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا 23 } (25- الفرقان 22-23) .
وهذا لا يتنافَى مع ما ذكرناهُ سابقًا من أنَّ الكُفَّار سيُجازَون على عملهم الصَّالح , إمَّا في الدُّنيا أو في الآخرة . لكنَّ هذه الآيات تُبيِّن أنّ عملَهم هذا لَن يَشفع لهم لدخُول الجنّة . وكم ستكونُ خيبةُ أملِهم كبيرة لأنَّهم كانُوا يَنتظرون أن يُستقبَلُوا بالحفاوة والتَّكريم والمدح , تقديرًا لِمَا فعلُوا في الدُّنيا من أعمال خيريَّة أو خدمات لصالح الوطن أو غير ذلك , فوَجدُوا عكس ذلك تمامًا , ثمَّ انتهى بهم المطاف إلى الخلود في النَّار !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:32
وهل سيدخلُ المسلم العاصي إلى النَّار ؟!
يومَ القيامة سيُنصَبُ ميزانٌ لِوَزن أفعال كلّ إنسان , فمَنْ رجحتْ سيِّئاتُه من المسلمين ولَم تَنَلْهُ شفاعةُ الشّافعين , فإنَّه يُعذَّبُ في النَّار ما شاء اللَّه , ثمَّ يدخلُ الجنَّة . الفرقُ إذًا بين المسلم وغير المسلم هنا , أنَّ الأوَّل إذا عُذِّب في النَّار بذُنوبه فإنَّه لا يُخلَّد فيها , بل يدخُل فيما بعدُ إلى الجنَّة , بينما الثَّاني يُخلَّد في النَّار ولا يدخلُ الجنَّة أبدًا .
وإنَّ من عَدْل اللَّه تعالى أنَّه يوم القيامة سيقتصُّ لِكُلِّ ظالم مِمَّن ظلَمَه , حتَّى لو كان الظَّالم مسلمًا والمظلوم كافرًا !
نعم , يقول تعالى في القرآن الكريم : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ 47 } (21- الأنبياء 47) .
ويُفصِّل لنا النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هذا القِصَاص , في حديث رواه البَيْهقي في سُنَنه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : أتَدْرونَ مَن المفْلِس ؟ قالُوا : المفْلِس فينا مَنْ لا دِرهَم له ولا مَتاع . فقال : إنَّ المفْلِس مِن أمَّتي يأتي يومَ القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي قد شَتَم هذَا , وقذفَ هذا , وأكلَ مالَ هذا , وسفَكَ دَمَ هذا , وضربَ هذا , فَيُعطَى هذا من حَسَناته , وهذا من حَسَناته , فإن فَنِيَتْ حَسَناتُه قبل أن يُقضَى عنه ما عليه , أخذَ من خطاياهُم فطُرحَتْ عليه , ثمَّ طُرح في النَّار . (سنن البيهقي الكبرى – الجزء 6 – ص 93 – رقم الحديث 11284) .
نعم , الذي طُرح في النَّار هنا هو مسلمٌ كان يُؤدِّي فرائضَ اللَّه من صلاة وصيام وزكاة , ولكنَّه نسيَ أنَّ اللَّه العادلَ لن يتركَه قبل أن يُحاسبه على ظُلْمِه لتلك المرأة المسلمة , وسَرقته لِمَال ذلك النّصراني , وضَرْبه لذلك اليهودي , وشهادته زورًا ضدَّ ذلك الملْحِد .
فهل هناكَ أعدل من اللَّه ؟!
قد تقول : ولكن ما الَّذي سيستفيدهُ الكافرُ يومَ القيامة من الاقتصاص له من المسلم , وماذا سيفعلُ بالحسنات التي ستُضاف إلى ميزانه بِمَا أنَّه سيُخلَّد في النَّار ؟!
أقول : سيرتاح نفسيًّا لأنَّه أخذ أخيرًا حقَّه مِمَّنْ ظلَمَه , وسيُخفَّف عنه العذابُ بهذه الحسنات , لأنَّ النَّارَ دركَاتٍ كما ذكَرْنَا .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:33
لا إكراه في الدِّين
قد تقولين سيِّدتي الكريمة : ولكنَّني , مع كلِّ ما ذَكَرْتَه حتَّى الآن , لا أريد أن أدخُلَ في الإسلام . فهل يُمكنُ لأحدٍ أن يُجبرني على ذلك ؟!
أقول : طبعًا لا ! وحتَّى لو كنتِ تعيشين في بلَدٍ أهلُه مسلمُون , لا أحد يستطيع أن يفرضَ عليكِ اعتناقَ الإسلام . يقول اللَّه تعالى : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 256 } (2- البقرة 256) . ففي هذه الآية إعلانٌ صريح بأنَّ الإسلام لا يُكْرِه أحدًا على الدُّخول فيه .
ذلكَ أنَّ المسلم مُطالَبٌ بدَعْوة النَّاس إلى دينه بالحكمة واللِّين , كما قال تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 125 } (16- النّحل 125) .
أمَّا النَّتيجة , فيترُكها للَّه , لأنَّه هو وحده الذي بيده الهداية . يقول تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 4 } (14- إبراهيم 4) . ويقول تعالى : { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 56 } (28- القصص 56) . ويقول تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ 272 } (2- البقرة 272) .
وعلى هذا , فلا يَحِقُّ للمسلم أن يتعرَّض لغير المسلمين بالسُّوء , سواء بالقول أو بالفعل , بِحُجَّة أنَّهم امتنعُوا عن الدُّخول في الإسلام . بل إنَّ الإسلام يُحرِّم تحريمًا قاطعًا على المسلم أن يغشَّ غيرَ المسلم في بيعٍ أو تجارة , أو يسرق منه شيئًا , أو يشتغل عنده فيَخُونه , أو يكذب عليه , أو يسكن في بلَدٍ لا يَدينُ بالإسلام فيَسرق من المغازات , ويركب الحافلة دون أن يدفع ثمن التَّذكرة , ويُخرِّب الممتلكات العامَّة , كلُّ ذلك بدَعْوى أنَّ أهل هذا البلد كفَّار !
ولا يكتفي الإسلام بتحريم هذه الأفعال , بل يحُثُّ المسلمَ أن يتحلَّى بالأخلاق العالية مع كلِّ النَّاس , أيًّا كانت عقيدتهم ! مِن ذلك أن يزور صديقَه النّصراني إذا مرض , ويُعين جارَه اليهودي بالمال إذا ضاق به الحال , ويُقدِّم هديَّة إلى زميله الملحد في العمل بمناسبة زواجه , وينصح زميله الآخر بِمَا يراه منفعة له .
نعم , هذا هو الإسلام , وهذه أخلاق المسلم !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:33
ولكن , أليس الإسلام دين إرهاب ؟!
أبدًا ! فهل يُعقَل أن يَشترِطَ اللَّهُ تعالى لِدُخول الجنَّة أن يكُون المسلمُ تقيًّا وعلى قدْر عالٍ من الأخلاق , ثمَّ يأمره بالاعتداء على كلِّ مَن خالَفه في الدِّين ؟!
إطلاقًا ! يقول اللَّه تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 8 إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 9 } (60- الممتحنة 8-9) .
قال الإمام الطَّبري في تفسير الآية 8 : أي لا ينهاكُم اللَّهُ عن الذين لم يُقاتِلُوكم في الدِّين , مِن جميع أصناف المِلَل والأديان , أن تَبَرُّوهم وتَصِلُوهم وتُقسِطُوا إليهم .
وإذا كان الإسلام يُحرِّم , كما ذكَرْنا سابقًا , الاعتداءَ بالقول أو بالفعل على غير المسلمين بدَعْوى أنَّهم كُفَّار , فهو يُشَدِّدُ التَّحريم عندما يتعلَّق الأمرُ بإيذاء غير المسلمين الذين لهم مُعاهدات مع المسلمين أو الذين يعيشون في البلدان الإسلاميَّة . فقد روى أبو داود في سُنَنه عن صفوان بن سليم عن عدد من أبناء أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ألاَ مَنْ ظَلَم مُعاهِدًا , أو انتقَصَه , أو كلَّفَه فوق طاقَته , أو أخذَ منه شيئًا بغَيْر طِيب نَفْس , فأنا حجيجُه يومَ القيامة . (سنن أبي داود – الجزء 3 – ص 170 – رقم الحديث 3052) .
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : مَنْ قَتَل مُعاهِدًا لَمْ يرحْ رائحةَ الجنَّة , وإنَّ ريحَها تُوجَد من مَسيرة أربعين عامًا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1155 – رقم الحديث 2995) .
وعلى هذا , فإنَّ الإسلام بريء من كلِّ التَّفجيرات التي تَستهدفُ غيرَ المسلمين الذين يعيشون آمنين في بُلدانهم , أو يعيشُون مُسالِمين في ضيافة البُلدان الإسلاميَّة . بل إنَّ التَّاريخ يشهد أنَّ غيرَ المسلمين كانُوا يُلاقُون أفضل المعاملة في ظلِّ الخلافة الإسلاميَّة .
ثمَّ إنَّ كلَّ الأنبياء والرُّسُل بعثَهم اللَّه جميعًا , ليس لِتَرْويع النَّاس وإرهابهم , وإنَّما لِدَعْوَتهم إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسَنَة . حتَّى الطُّغاة يجبُ دعوتُهم إلى دين اللَّه بالرِّفق واللِّين ! يقول اللَّه تعالى مخاطبًا نبيَّه موسى عليه السَّلام : { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى 17 فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى 19 } (79- النّازعات 17-19) .
وواللَّهِ إنَّ كلَّ مسلم لَيَفرح أشدَّ الفرح عندما يَهدي اللَّهُ على يديه رجلاً أو امرأة إلى الإسلام , لأنَّه يشعُر حقيقةً أنَّه كان سببًا في إنقاذ هذا الشَّخص من الخلود في النَّار . وقد روى الإمام أحمد في مُسنَده عن أنَس بن مالِك رضي اللَّه عنه , أنَّ غلامًا يهوديًّا كان يضَع للنَّبيِّ (محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وُضوءه ويُناوله نَعْلَيْه , فمَرِض . فأتاهُ النَّبيُّ فدخلَ عليه , وأبُوه قاعدٌ عند رأسه , فقال له النَّبيُّ (أي قال للغلام) : يا فُلان , قلْ لا إله إلاَّ اللَّه . فنظَرَ إلى أبيه , فسَكَت أبوه , فأعاد عليه النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فنظَرَ إلى أبيه , فقال أبوه : أَطِعْ أبا القاسِم ! فقالَ الغلام : أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّكَ رسولُ اللَّه . فخرج النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم (من عنده) وهو يقول : الحمدُ للَّه الذي أخْرجه بي من النَّار . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 3 – ص 175 – رقم الحديث 12815) .
فهل يُعقَل بعد هذا أن نقول أنَّ الإسلام دين إرهاب وتفجيرات ؟! واللَّهِ إنَّه دعوةٌ للرَّحمة والتَّعاون ونَشْر الفَضيلة بين كلِّ البشَر . وستزداد معرفتك به , سيِّدي الفاضل , عند قراءتك للأجزاء الأخرى
كلمة سواء
16.01.2011, 14:34
لماذا يُتَّهم الإسلام فقط بالإرهاب ؟!
لِماذا يُتَّهم المسلِمُون في الإعلام الغربي بأنَّهم إرهابيُّون , ولا يُتَّهم بذلك اليهودُ ولا النَّصارى ؟! لِماذا الادِّعاءات بأنَّ القرآن الكريم يحثُّ على القتل والإرهاب , ولا تُوصَف بذلك التَّوراةُ والأناجيلُ الموجودة اليوم عند أتباعها ؟!
لأنَّها لا تدعُو إلاَّ إلى السِّلم ونشر المحبَّة بين النَّاس ؟!
فما رأيُ النَّصارى إذًا فيما جاء في إنجيل متّى , ما نُسِبَ للمسيح عليه السَّلام أنَّه قال : لا تظُنُّوا أنِّي جئتُ لِأُلْقِي سلامًا على الأرض . ما جئتُ لِأُلْقِي سلامًا , بل سَيْفًا , فإنِّي جئْتُ لِأُفرِّقَ الإنسانَ ضِدَّ أبيه , والابنةَ ضِدَّ أمِّها , والكَنَّةَ ضِدَّ حَماتِهَا , وأعداءُ الإنسان أهلُ بَيْتِه . (إنجيل متّى – الإصحاح العاشر 34- 36) .
ألا يتناقضُ هذا الكلام مع ما يَدَّعيه النَّصارى من أنَّهم رُوَّادُ العالَم في الدَّعوة إلى التَّسامح ونَبذ الحروب ؟!
وما رأيُ اليهود في ما جاء في سِفْر التّثْنِيَة : حينَ تَقْرُبُ من مَدينة لِتُحاربَها , اسْتَدْعِها لِلصُّلْح . فإن أجابَتْكَ إلى الصُّلْح وفَتَحَتْ لَك , فكُلُّ الشَّعْب الموجُود فيها يكُون لَكَ لِلتَّسْخير ويُسْتَعْبدُ لكَ . (سِفْر التّثْنِيَة – الإصحاح العشرون 9 -11) .
وما رأيُهم في ما جاء في سِفْر العَدَد : وسَبَى بَنُو إسرائيل نِسَاءَ مِدْيَانَ وأطْفَالَهم , ونَهَبُوا جَميعَ بَهائِمهم وجَميعَ مَوَاشِيهم وكلَّ أملاكِهم . وأَحْرقُوا جَميعَ مُدُنِهِم بِمَسَاكِنِهم وجَميعَ حُصُونِهم بالنَّار . وأخَذُوا كُلَّ الغَنيمَة وكُلَّ النَّهْب من النَّاس والبَهائم . وأتوا إلى مُوسَى وألِعَازَار الكاهِن وإلى جَمَاعَة بَني إسْرائيل بالسَّبْي والنَّهْب والغَنيمَة إلى المحَلة إلى عَربَات مُوآب التي على أرْدُنَّ أريحَا . فخرجَ مُوسَى وألِعَازَار الكاهِنُ وكُلّ رؤساء الجمَاعَة لِاسْتِقْبَالِهم إلى خَارج المحَلة . فسَخطَ مُوسَى على وُكَلاء الجَيْش رُؤسَاء الألُوف ورُؤسَاء المِئَات القَادِمينَ من جُنْد الحَرْب , وقالَ لَهُم مُوسَى : هلْ أبْقَيْتُم كُلَّ أنْثَى حَيَّة ؟ إنَّ هؤلاء كُنَّ لِبَني إسْرائيل حَسَبَ كَلام بَلعَام سَبَبَ خِيَانةٍ لِلرَّبّ في أمْر فَغُور فكَانَ الوَبَاء في جَمَاعة الرَّبّ . فالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَر منَ الأطْفَال , وكُلّ امْرَأةٍ عَرَفَتْ رجُلاً بِمُضَاجَعة ذكَر اقْتُلُوها . (سِفْر العَدَد – الإصحاح الحادي والثَّلاثون 9 – 17) .
ومديانُ المذكورة هنا هي التي مكثَ فيها موسَى عليه السَّلام عدَّة سنوات , فهل يُعقَل أن يَأمُر فيما بعدُ بني إسرائيل بأن يقتُلوا أهلَها شَرَّ قتْلَة ؟! ثمَّ , كيف للجنود أن يعرفُوا النِّساء الغير عذارى لِيَقتلوهنّ : " وكُلّ امْرَأةٍ عَرَفَتْ رجُلاً بِمُضَاجَعة ذكَر اقْتُلُوها " ؟! هل أمَرَهُم موسى باغتصاب كلّ النّساء لمعرفة ذلك ؟! طبعًا , كلُّ هذا افتراءٌ على نبيِّ اللَّه عليه السَّلام !
وما رأيُ اليهود في ما جاء في سفْر يوشع , وصيّ موسى عليهما السَّلام : وصعدَ الشَّعبُ إلى المدينة , كلُّ رجُل مع وجهه , وأخذُوا المدينة . وحرَّمُوا كلَّ ما في المدينة من رجُل وامرأة , من طفل وشيخ , حتَّى البَقَر والغَنَم والحمير بِحَدّ السَّيف . (سفْر يوشع – الإصحاح السَّادس 20 – 21) .
وما رأيُهم في ما جاء في سفْر يوشع أيضًا أنَّه قال : أَحرِقُوا المدينة بالنَّار مع كلّ ما بها . (سفْر يوشع – الإصحاح السَّادس 24) .
فهل يُتَّهم يُوشع عليه السَّلام بأنَّه وحش , يَحرق كلَّ ما في المدينة بالنَّار , ويقتلُ الرِّجال والنِّساء والشُّيوخ والأطفال , بل حتَّى البَقر والغنم والحمير ؟! حاشى له وكلاَّ أن يكون كذلك !
وما رأيُ اليهود في ما جاء في سفر صموئيل الأوَّل : فأخبر عبيدُه داوُدَ بهذا الكلام , فحسُنَ الكلامُ في عَيْنَيْ داوُد أن يُصاهرَ الملِك . ولَم تَكْمُل الأيَّام حتَّى قامَ داوُدُ وذهبَ هو ورجالُه وقتلَ من الفِلِسطينيّين مائتَيْ رَجُل , وأتَى داوُدُ بِغُلْفِهم فأكْملُوها للملِك لِمُصاهَرة الملِك , فأعطاهُ شاوُلُ ميكالَ ابنتهُ امرأةً . (سفْر صموئيل الأوّل – الإصحاح الثّامن عشر 26 – 27) .
فهلْ يُعقَل أن يَقتُلَ النَّبيُّ داوُد مائتَيْ رجُل , ثمَّ يكشفُ عوراتهم ويُمسِكُ بذُكُورهم ويقطعُ غُلفهم (وهي الجلدة التي تُقطع في الختان) , ويُقدِّمها مُهرًا لكي يتزوَّج من ابنة ملك إسرائيل الأوَّل (طالوت) ؟! حاشى له وكلاَّ أن يفعل ذلك !
وما رأيُ اليهود في ما جاء في سفْر صموئيل الثّاني : فجمعَ داوُدُ كلَّ الشَّعب وذهبَ إلى ربَّة وحاربَها وأخذها . وأخذَ تاجَ مَلِكِهم عن رأسه ووزنه وزْنَة من الذَّهب مع حجَر كريم , وكان على رأس داوُد , وأخرجَ غنيمةَ المدينة كثيرةً جدّا , وأخرجَ الشَّعبَ الذي فيها ووضَعهُم تحت مناشير ونَوارج حديد وفُؤوس حديد , وأمَرَّهُم في أتُون الآجُرّ , وهكذا صنعَ بِجَميع مُدُن بَني عَمُّون , ثمَّ رجعَ داوُدُ وجميعُ الشَّعب إلى أورشَليم . (سفْر صموئيل الثّاني – الإصحاح الثّاني عشر 29 – 31) .
وما رأيُهم في ما جاء في سفْر صموئيل الثّاني أيضًا : وبعد ذلك ضربَ داوُدُ الفلسطينيِّين وذَلَّلَهم , وأخذ داوُدُ زِمامَ القصَبة مِنْ يَد الفلسطينيِّين . وضربَ الموآبيِّينَ وقاسَهُم بالحَبْل . أضْجَعَهُم على الأرض , فقاسَ بِحَبْلَيْن للقَتْل وبِحَبْلٍ للاسْتِحْياء . وصار الموآبيُّونَ عبيدًا لِدَاوُدَ يُقدِّمون هدايَا . (سفْر صموئيل الثَّاني – الإصحاح الثَّامن 1- 2) .
أي أنَّ داوُدَ , حسبَ زعم اليهود , طرح الموآبيِّينَ على الأرض في صفوف , ثمَّ أخذ يقتلُ صفَّيْن ويَستبقي صفًّا , ثمَّ جعل مَن استبقاهُم عبيدًا له ! حاشى لهذا النَّبيِّ الكريم أن يقوم بهذا الفعل الشَّنيع !
وما رأيُ اليهود في ما جاء في سفْر الملوك الثَّاني : ثمَّ صعد من هناك (أي النَّبيُّ اليشع) إلى بَيْت إيل . وفيما هو صاعدٌ في الطَّريق , إذا بصبْيَان صِغَار خرجُوا من المدينة وسَخِرُوا منه وقالُوا له : اصعَدْ يا أقرع ! اصعَدْ يا أقرع ! فالْتَفتَ إلى ورائه ونظرَ إليهم ولَعَنَهم باسْم الرَّبّ . فخَرَجَتْ دبَّتان من الوَعْر وافْتَرَسَتَا منهم اثْنَيْن وأربعينَ وَلدًا . (سفْر الملوك الثَّاني – الإصحاح الثَّاني 23 – 24) .
وما رأيُهم في ما جاء في سفْر الملوك الثَّاني أيضًا : وكان جوعٌ شديد في السَّامرة . وهم حاصَرُوها حتَّى صار رأسُ الحمار بثَمانين من الفضَّة , ورُبْع القاب من زبْل الحمام بخمس من الفضَّة . وبينما كان مَلِكُ إسرائيل جائزًا على السُّور , صرختْ امرأةٌ إليه : خَلِّصْ يا سَيِّدي الملك . فقال : لا ! يُخَلّصكِ الرَّبُّ . مِن أينَ أخلِّصكِ ؟ أمِنَ البَيْدَر أو من المعْصَرة ؟ ثمَّ قال لها الملك : مالَكِ ؟ فقالتْ : هذه المرأةُ قالتْ لي : هاتي ابْنَكِ فنأكُله اليَومَ ثمَّ نأكلُ ابني غدًا . فسَلَقْنَا ابني وأكَلْناه . ثمَّ قلتُ لها في اليوم الآخر : هاتي ابْنَكِ فنأكُله , فخَبَّأت ابْنَها . (سفْر الملوك الثَّاني – الإصحاح السَّادس 25– 29) .
انتبه يا ابني الكريم ! إنَّ هذه المجازر البشعة ليست منقولَة عن كتاب في التَّاريخ , وإنَّما عن توراة اليهود المحرَّفة !!
لا غرابة إذًا أن تُنزَع الرَّحمةُ من أُناسٍ يقرأون في كتابهم المقدَّس أنَّ أنبياءَهم كانُوا يُقتِّلُون الأبرياءَ من النِّساء والشُّيوخ والأطفال , بل حتَّى الحيوانات لم تَسلَمْ من وَحشِيَّتهم , وكلُّ ذلك بِمُباركةٍ من اللَّه حسبَ زَعْمهم !!
وما أكبرَ الفارقَ بين هذه النُّصوص التي تقطر دمًا , وبين وصايا النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وخُلفائه الكرام إلى جيوش المسلمين : بالرِّفق بالبَشر والدَّوابِّ وحتَّى بالأشجار ! فقد روى البيهقي في سُنَنه عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال (وهو يُودّعُ الجنود) : انْطَلِقُوا باسم اللَّه , وباللَّه , وعلى مِلَّة رسول اللَّه . لا تَقْتُلُوا شَيخًا فانِيًا , ولا طفلاً , ولا صغيرًا , ولا امرأةً , ولا تَغلوا , وضُمُّوا غنائمَكُم , وأصْلِحُوا وأحْسِنُوا إنَّ اللَّه يُحِبُّ المحسنين . (سنن البيهقي الكبرى – الجزء 9 – ص 90 – رقم الحديث 17932) .
وروى البيهقي أيضًا في سُنَنه عن أبي عمران الجوني , أنَّ أبا بكر رضي اللَّه عنه بعثَ يزيد بن أبي سفيان إلى الشَّام , فمَشَى معه يُشَيِّعُه . فقال يزيد بن أبي سفيان : إنِّي أكرهُ أن تكونَ ماشيًا وأنا راكِب . فقال : إنَّكَ خرجْتَ غازيًا في سبيل اللَّه , وإنِّي أحتَسِبُ في مَشْيي هذا معك . ثمَّ أوصاهُ فقال : لا تَقْتُلُوا صَبيًّا , ولا امرأةً , ولا شَيْخًا كبيرًا , ولا مريضًا , ولا راهبًا , ولا تَقْطَعُوا مُثْمِرًا , ولا تُخَرِّبُوا عامِرًا , ولا تَذْبَحُوا بعيرًا ولا بقرةً إلاَّ لِمَأكَل , ولا تغرقُوا نَخْلاً ولا تحرقُوه . (سنن البيهقي الكبرى – الجزء 9 – ص 90 – رقم الحديث 17931) .
واللَّهِ إنَّها لَوصايَا عظيمة تَعجز جمعيَّاتُ حقوق الإنسان عن الإتيان بمثلها ! فباللَّه عليك يا ابني الفاضل , أيُّ الفريقين يَصلُحُ أن يُتَّهم بالإرهاب ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:35
الإسلام دين العقل والفطرة
نعم , الإسلام هو فعلاً الدِّينُ الوحيد الذي يتَّفق مع العقل والمنطق والفطرة السَّليمة .
فالمسلمُ يؤمنُ بوجود خالق واحد لكلِّ شيء , وهو اللَّه سبحانه . ونحن , عندما تعرَّفْنا في الجزء الأوَّل من هذا الكتاب على عظَمة هذا الكون وتَناسق كلّ شيء فيه , استنتجْنَا أنَّه لا بُدَّ أن يكون وراءَه خالقٌ واحد , عظيم القدرة .
والمسلمُ يؤمنُ بأنَّ اللَّه سبحانه , الذي قَدرَ على خلْق السَّماوات والأرض والإنسان وكلّ شيء , يستحيلُ عقليًّا ومنطقيًّا أن يكون له ابنٌ أو زوجة . بل يستحيل أن يكُون شبيهًا لِخَلْقِه بأيِّ حال من الأحوال .
والمسلمُ يؤمنُ بأنَّ اللَّه سبحانه مُتَّصفٌ بكلِّ صفات الكمال , مِثْل كمال القُدرة , فلا يُعجِزُه أيّ شيء , وكمال العِلْم , فلا يغيبُ عن علمه أيّ شيء . وهذا ما يتوافق أيضًا مع العقل والمنطق والفطرة السَّليمة , لأنَّه لو كان الخالقُ يأكلُ ويشرب ويتعب وينام مثل العباد , لَاختلَّ نظامُ كلّ شيء في هذا الكون , بل لَمَا وُجِدَ أصلاً أيُّ تناسق في أيِّ شيء .
والمسلمُ يؤمنُ حقيقةً بجميع الأنبياء والرُّسُل , مثل إبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد , عليهم الصَّلاة والسَّلام , ويعتبرُهم أفضل النَّاس وأشرفهم . وهذا ما يتوافق أيضًا مع العقل والمنطق والفطرة السَّليمة , لأنَّ كلَّ الأنبياء بُعِثُوا مِن عند إلهٍ واحد , وليس من المقبول عقليًّا ولا أخلاقيًّا أن يؤمن الإنسانُ بِنَبيٍّ ويُنكِر الآخرين أو ينسب إليهم النَّقائص !
والمسلمُ يؤمنُ بأنَّ هذه الدُّنيا ليست إلاَّ دار امتحان واختبار , وأنَّ اللَّهَ الذي خلَقَنا مِن لا شيء , قادرٌ على أن يُحْيينا من جديد بعد الموت لكي يُحاسبنا على كلِّ أفعالنا ويقتصَّ للمظلوم من الظَّالم , ثمَّ يُجازي المحسِنَ بالجنَّة ويُعاقب المسيءَ بالنَّار . وهذا ما يتوافق أيضًا مع العقل والمنطق والفطرة السَّليمة , لأنَّه لو لم يكُن هناك حسابٌ وجنَّة ونار , لَمَا كانتْ هناك أيّة فائدة من الحياة على هذه الأرض , ولَمَا كان هناك مَعْنى للخير والشَّرّ , ولَمَا اتَّفقَ هذا الأمرُ مع ما يتَّصفُ به اللَّهُ من عدْلٍ وحكْمة .
والمسلمُ يؤمنُ بأنَّ اللَّه الذي خَلَقَنا هو أعْلَم بِمَا ينفعُنا وما يَضُرُّنا , وأنَّه أنزلَ القرآنَ الكريم على خاتم أنبيائه لِيَكُون دليلاً للنَّاس في كلِّ زمان ومكان , يستمدُّون منه تشريعاتهم في كلِّ شؤونهم . وهذا ما يتوافق أيضًا مع العقل والمنطق والفطرة السَّليمة , لأنَّه ليس من المعقول أن يكون الإنسانُ أعلم مِن خالقه بِما يصلح له , كما أنَّ اللَّهَ الذي يتَّصف بكلِّ صفات الكمال لَم يكن لِيُغلِقَ بابَ النُّبُوَّة بعد بعْثَة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم دون أن يَترُكَ لِعباده دليلاً يُرشِدُهم إلى الطَّريق السَّويّ . لذلكَ تركَ لهم القرآن الكريم دليلاً صالِحًا لكلِّ العصور .
فإذا كان هذا هو الإسلام , أليس من الحِكْمَة إذًا , أيُّها القارئ الكريم , أن تعتنق هذا الدِّين , على الأقلّ لِتنجو من الخلود الحتمي في النَّار لو مُتَّ على غيره من الأديان ؟!
أم أنَّ الأفضل إنكار وجود الخالق , مع ما في هذا الاختيار من مَغَبَّةٍ كبيرة , نهايتُها السُّقوط في قعر جهنَّم خالدًا فيها , لا شكَّ في ذلك , والحرمان الأبَدي من رؤية هذا الخالق ؟!
أو اتِّباع المسيحيَّة , بما فيها من عبادةٍ للمسيح عليه السَّلام , وأقاويل على اللَّه لا يقبلُها العقل , وتناقضات في أصول العقيدة , والسُّقوط أيضًا في النِّهاية في قعر جهنَّم خالدًا فيها ؟!
أو اتِّباع اليهوديَّة , بِمَا فيها من نَسْب نقائص إلى اللَّه سبحانه , وإساءة بالقول لعيسى ومريم ومحمَّد وغيرهم من الأنبياء عليهم السَّلام , والسُّقوط أيضًا في النِّهاية في جهنَّم خالدًا فيها ؟!
أو اتِّباع أيّ شيء آخر , يَعقُبُه عذابٌ شديدٌ ومتواصل يوم القيامة ؟!
أم أنَّ مركزك الاجتماعي , كأن تكون رئيس دولة , أو وزيرًا , أو رجل كنيسة , أو حِبْرًا من أحبار اليهود , يمنعك من الدُّخول في الإسلام ؟!
واللَّهِ لَو دخلتَ فيه وأنت في هذا المركز المرموق , لجازاكَ اللَّهُ أحسنَ الجزاء , لأنَّك ربَّما تكون سببًا في دخول المئات أو الآلاف من النَّاس لهذا الدِّين , يقتدون بك .
إنَّها واللَّهِ نارٌ حاميةٌ تنتظر الكفَّار , وظلام حالكٌ لا يمكن وصفه أو التَّعبير عنه ! فاخترْ لنفسكَ ما دُمتَ في الدُّنيا , قبْل أن يداهمك الموتُ فلا تستطيع تدارُك ما فات !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:35
ضيق التَّنفُّس عند الصُّعود في السَّماء !
نقف الآن مرّة أخرى مع بعض الآيات القرآنيَّة المعجزة .
لو سألنا عامَّة النَّاس : أين تنتهي طبقةُ الهواء التي نعيش وسَطها ؟ لأجاب أكثرُهم : طبعًا , تمتدُّ في السَّماء إلى ما لا نهاية .
وهذا ما كان يعتقده العلماء فعْلاً في العصور الماضية . ولكن , لَمَّا صعد الإنسان إلى السَّماء بالمنطاد في أواخر القرن الثَّامن عشر , اكتشف أنَّه كلَّما زاد عُلُوًّا في الجوِّ كلَّما شعر بالاختناق نتيجة نقص في الأكسيجين .
ثمَّ جاء عصرُ الطَّائرات والمركبات الفضائيَّة , وتأكَّد العلماء فعلاً أنَّه كلَّما صعدْنَا إلى أعْلَى , كلَّما نَقص سُمْكُ طبقة الهواء , وبالتَّالي ينقصُ الأكسيجين وينخفضُ الضَّغط الجوّي . لذلك , نرى اليوم رائد الفضاء يلبسُ بَدْلةً مُكيَّفة للضَّغط , ويحمل فوق ظهره أنبوبة أكسيجين للتَّنفُّس .
فهل هناك إشارة في القرآن الكريم لهذه الحقيقة ؟!
نعم , يقول اللَّه تعالى : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ 125 } (6- الأنعام 125) .
فهذه الآية تُشير بوُضوح إلى أنَّ الإنسان عندما يَصَّعَّدُ في السَّماء , أي يصعد فيها تدريجيًّا , يُصبح صدْرُه ضَيِّقًا حَرجًا , وذلك لِشُعوره بالاختناق نتيجة نقص الأكسجين .
فكيف عَلِمَ محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بهذه الظَّاهرة منذ حوالي 1400 سنة , إذا كان القرآنُ من تأليفه ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:35
الغلاف الجوِّي أو السَّقف المحفوظ !
عندما صعد أوَّلُ روَّادٍ إلى الفضاء وابتعدُوا عن الكرة الأرضيَّة , أُصيبُوا بدهشة كبيرة لأنَّ ما اكتشفُوه كان خِلافًا لكلِّ تَوقُّعاتهم : ظلامٌ حالكٌ رهيبٌ يُحيط بكلِّ الأجرام السَّماويَّة , وصمتٌ مُطبِقٌ مُخيف بسبب عدَم وجود هواء , وبَرْد شديد قاتِل , وخَطَر الشُّهُب الكثيرة والإشعاعات المميتَة !
ما حدث مع هؤلاء الرُّوَّاد هو ربَّما الذي أشار إليه اللَّهُ تعالى في القرآن الكريم حين قال مُتحدِّثًا عن الكفَّار : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ 14 لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ 15 } (15- الحجر 14-15) .
فأوَّل أُناس صَعِدُوا إلى الفضاء كانُوا فعْلاً كُفَّارًا , وكانوا في حالةٍ من الذُّهول والدَّهشة , كأنَّهم تحت تأثير سِحْر , لا يُصدِّقون ما تراه أعيُنهم !
ثمَّ لاحِظْ أنَّ اللَّهَ تعالى قال : { يَعرُجون } , ولم يقلْ : يَصعدون . والعروجُ هو الصُّعود في مَسارٍ مُنْحَنٍ , مائل . ولو سألتَ علماء الفضاء لَقالُوا لك أنَّ مَسار الصَّواريخ التي يُطلقونها نحو السَّماء يكون دائمًا مائلاً , نظرًا لِعَوامل الجاذبيَّة الأرضيَّة وغيرها ! فهل هذه الدِّقَّة في اختيار ألفاظ القرآن هي من قَبيل الصُّدفة ؟!
لا , ليست من قَبيل الصُّدفة ! والدَّليلُ أنَّ اللَّه تعالى استعملَ لفظ العروج في مواضع أخرى من القرآن الكريم , عند حديثه عن الصُّعود بعيدًا في السَّماء , مثل قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ 1 يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ 2 } (34- سبأ 1-2) .
لَمَّا عَرجَ العُلَماء إذًا في السَّماء , اكتشفُوا أنَّ الأرض وكُلَّ الأجرام السَّماويَّة تَسبحُ في ظلام كَوني دامس ! أمَّا السَّماء الزَّرقاء التي نراها فوقنا في النَّهار , فليست إلاَّ نتيجة تَلاقي ضوء الشَّمس مع ما يُسَمَّى بالغلاف الجوِّي للأرض Atmosphère terrestre . فلولا هذا الغلاف , لرأينا سماءً سوداء طول الوقت .
يبدأ الغلاف الجوِّي من سطح الأرض ويَمتدُّ حتَّى بُعْد حوالي 600 كلم إلى الأعلى , مُحيطًا بالأرض من كلِّ جوانبها . وهو يتكوَّن من الهواء , وجزئيَّات الغازات , وبُخار الماء , والجسَيْمات التُّرابيَّة . فطبقة الهواء الذي نتنفَّسه تنتهي إذًا عند نهاية الغلاف , لِتَبْدأ بعدها الغازات الكونيَّة الخطيرة , والتي تحتوي على غازَي الهيدروجين والهليوم بنسبة 98 بالمائة .
من مَزايا الغُلاف الجوِّي أنَّه يَمنع بُرودةَ الفضاء المهْلِكة والغازات الكونيَّة القاتلة والإشعاعات الخطيرة , أن تَتسرَّب إلى الأرض . وهو كذلك يَحْمي الأرض من ملايين الشُّهُب والنَّيازك التي تتساقطُ دَوْريًّا نحوها فتصطدم بالغلاف وتَتَفتَّت .
فهل تعلمين يا ابنتي أنَّ اللَّه تعالى تحدَّث عن الغُلاف الجوِّي في القرآن الكريم منذ حوالي 1400 سنة , وأسماه بالسَّقف المحفوظ ؟!
يقول اللَّه تعالى : { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ 32 } (21- الأنبياء 32) .
وكما أنَّ اللَّه جعل هذا السَّقف حافظًا لنا من الأخطار الخارجيَّة , فقد جعله أيضًا حافظًا لنا من الموت ! نعم , فهو يَمنعُ غاز الأكسيجين من الهروب بعيدًا عن الأرض .
وهنا لا بُدَّ من ملاحظة أنَّ نسبة الأكسيجين في الهواء هي 21 بالمائة , وهي بالضَّبط النِّسبة التي يجبُ أن تكون , بحيثُ لو نقصَتْ , لاختَنقَ الإنسانُ والحيوان , ولو زادَتْ , لَاشتعلَت الحرائق في كلِّ مكان ولَما أمكن إطفاءها !
أليسَ في هذا إذًا دليلٌ آخر على وجود إله واحد وراء هذا الكون , وأنَّه خلقَ كلَّ شيء بنِسَب غايةٍ في الدِّقَّة ؟ يقول اللَّه تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا 1 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا 2 } (25- الفرقان 1-2) .
والغُلاف الجوِّي لا يَمنعُ الأكسيجين فقط من الهروب , بل يَمنع أيضًا الهواءَ وبخار الماء من ذلك . ولو هرب الهواءُ عن الأرض , لَخَيَّم عليها صمتٌ مُطْبق , ولَمَا استطاع النَّاسُ التَّخاطب فيما بينهم ولا سماع أيّ شيء , لأنَّ الهواء هو الذي يسمح بانتقال الموجات الصَّوتيَّة . ولو هربَ بُخار الماء , لَمَا تَكوَّنتْ بعد ذلك سُحُبٌ ولا أمطار , ولَهلَكَ كلُّ الأحياء فوق الأرض .
أليْسَ إذًا من واجبنا أن نشكُر اللَّهَ على نعمة الغلاف الجوِّي ؟
أم أنَّنا رَكِبَنا الغُرورُ بسَبب ما وصلْنَا إليه من تقدُّم علمي , فأصبحْنَا نَترفَّع عن شُكْر اللَّه , ونحنُ أعجز عن أن نستردَّ نعمةً يسلُبها اللَّهُ منَّا ؟! يقول اللَّه تعالى : { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ 18 } (23- المؤمنون 18) .
نعم , لو ذهبَ اللَّهُ بالماء وحَرَمَنا المطَر , لَمَا استطاعت البشريَّةُ مُجتمعة أن تفعل أيَّ شيء لإنزال قَطرة ماءٍ واحدة من السَّماء !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:36
ظاهرة اللَّيل والنَّهار
لو صعدْتِ يا ابنتي الكريمة في مركبة فضائيَّة وابتعدَتْ بكِ خارج الغلاف الجوِّي , لَبَدَتْ لكِ الشَّمسُ قُرصًا أصفر يَحُوطه السَّواد من كلِّ جانب , ولَعجبْتِ من رؤية الأرض كُرةً تسبحُ في ظلام كوني حالك !
نعم , فالسَّماء الزَّرقاء التي نراها فَوْقَنا هي , كما ذكَرْنا سابقًا , نتيجة تفاعُل ضوء الشَّمس مع الغُلاف الجوِّي للأرض . وتفصيلُ ذلك أنَّ الشَّمسَ عندما ترسلُ أشعَّتها إلى الأرض , يَتصدَّى الغلافُ الجوِّي لهذه الأشعَّة , فيَمنَع الضَّارَّ منها من العُبور ويأذن للنَّافع بالاجتياز ! وهذا أيضًا من مزايَا هذا السَّقف المحفوظ .
الأشعَّة النَّافعة التي تَمُرُّ , منها ما هو مَنْظورٌ , تراه العين , ومنها ما هو غير مَنْظور . أمَّا المنْظور : فهو الذي يُكَوِّنُ ضوءَ النَّهار , وهو يتألَّف من الألوان السَّبعة لِلطَّيْف , والتي نراها في قَوْس قُزَح إثر نُزول المطر . وهي تصاعديًّا : الأحمر , البرتقالي , الأصفر , الأخضر , الأزرق , النِّيلي , والبنفسجي .
وأمَّا الغير مَنْظور : فهي الأشعَّة تحت الحمراء , والتي تُستخدم مثلاً في مجال الاتِّصالات اللاَّسلكيَّة , ويُقابلُها في الطَّرف الآخر من السُّلَّم : الأشعَّة فوق البنفسجيَّة , والتي لها عدَّة استخدامات في المجال الطِّبِّي وغيره .
عندما تَنفذُ أشعَّةُ الشَّمس إذًا من الغلاف الجوِّي للأرض , تصطدم بجُزئيَّات الهواء , فتَتَشتَّت . وأكثر ما يتشتَّتُ منها اللَّونُ الأزرق , فيَطغَى على ألوان الطَّيف الأخرى , فتظهرُ السَّماءُ زرقاءَ فوق سطح الكرة الأرضيَّة الموَاجِه للشَّمس , ويكون في هذا الوجه نهار , بينما يكُون في الوجه الآخر لَيْلٌ . ثمَّ تدور الأرض حول نفسها , فيدور معها السَّطحُ الذي كان مُوَاجِهًا للشَّمس , فيَحلُّ فيه اللَّيلُ , ويَحُلُّ في السَّطح الآخر نهار .
وهنا , نتوقَّف عند بعض آيات من القرآن الكريم فيها إشارة لهذه الظَّواهر ! يقول اللَّه تعالى : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا 1 وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا 2 وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا 3 وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا 4 } (91- الشّمس 1-4) . فالآياتُ تذكُر هنا أنَّ النَّهار هو الذي يُجَلِّي الشَّمسَ , أي يُظهرُها ساطعة جَلِيَّة . وهذا ما أثبته فعْلاً عُلَماءُ العَصْر الحديث . فالشَّمسُ لا تُضيءُ الأرضَ مباشرةً مِن نَفْسها , كما كان يعتقدُ النَّاسُ إلى وقت قريب , وإنَّما اختراقُ أشعَّتِها لِلجُزء المقابل لها من الغُلاف الجوِّي للأرض , هو الذي يجعلُ النَّهارَ يَحلُّ على ذلك الجزء من الكرة الأرضيَّة , فتبدُو عند ذلك الشَّمسُ ساطعة فيه . والدَّليلُ أنَّنا لو صعدْنَا بعيدًا عن الغُلاف الجوِّي , لَاخْتَفَى هذا الضَّوءُ السَّاطع , ولَبَدَت الشَّمسُ عند ذلك قُرصًا أصفر وسط ظلام الكَون الدَّامس .
ويقول تعالى في آية أخرى : { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ 37 } (36- يس 37) . فسَلْخُ النَّهار من اللَّيل يدلُّ على إزالة الفَرْع من الأصل , والمؤقَّت من الدَّائم . وهذا ما يحدُثُ فعْلاً , فالأصلُ في الكون هو الظَّلام , وضَوْءُ النَّهار لا يُمثِّلُ إلاَّ جزءًا صغيرًا جدًّا من هذا الظَّلام . فهو إذًا فَرْعٌ , لِصِغَر المساحة التي يحتلُّها بالنِّسبة للظَّلام الكوني , ولأنَّه مُؤقَّت , يظهر ثمّ يختفي . بينما الظَّلام الكوني يحتلُّ مساحة لا حُدُود لها , وهو دائمٌ لا يَزول , فهو إذًا الأصل .
ونلاحظُ مرَّة أخرى دقَّة اللَّه سُبحانه في اختيار الألفاظ . فقد استعملَ تعالى فِعْل " نسلخُ " , ونحن نعلم أنَّ النَّهار لا يغيبُ مرَّة واحدة , وإنَّما يغيبُ شيئًا فشيئًا مع دوران الأرض حول نفسها . فكأنَّما يُسلَخُ فعْلاً من اللَّيل , لِيَحُلَّ هذا الأخيرُ مكانَه ! وهذا اللَّيلُ ليس سِوَى الظَّلام الكوني الذي يُحيط بالأرض وبكلِّ الأجرام السَّماويَّة بصفة دائمة .
أليس من الواجب علينا إذًا أن نشكر اللَّه تعالى على نعْمَتَي اللَّيل والنَّهار ؟! ولو أراد اللَّه أن يحرمَنا منهما , لَمَا استطاع أحدٌ أن يفعل أيّ شيء ؟! يقول اللَّه تعالى : { وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 70 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ 71 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ 72 } (28- القصص 70-72) .
قد تتساءلين يا ابنتي الفاضلة : ولكنَّ الكونَ يحتوي على ملايين النُّجوم العملاقة التي يصل حجمُها إلى ملايين المرَّات حجم الشَّمس , وقوَّة إضاءتها أكبر منها بآلاف المرَّات , فلِمَاذَا لا يُجلِّي النَّهارُ أضواءَ هذه النُّجوم , مثلما يُجلِّي ضوءَ الشَّمس ؟!
الجوابُ هو أنَّها بعيدة جدًّا عنَّا . أمَّا الشَّمس فهي أقرب نجم إلى الأرض , تبعد عنها حوالي 150 مليون كيلومتر . فلمَّا ترسلُ بضوئها إلينا , يصل في بضع دقائق فقط , ويطغى على أضواء النُّجوم الأخرى , فيَحجُبها عنَّا .
أليس إذًا من الواجب علينا أيضًا أن نشكر اللَّه تعالى على شمسنا , حيثُ قَدَّر بُعدَها ونُورَها وحرارتها , فجعل كلّ ذلك مناسبًا تمامًا لنا ؟! ولو شاء لَذَهب بالشَّمس وأحلَّ محلَّها واحدًا من النُّجوم العملاقة , إذًا لَاحترقَت الأرضُ بِما فيها ومَن عليها !
وواللَّهِ إنِّي لأستغربُ حقًّا من عُلَماء الفَلَك خاصَّة , كيف لا يؤمنون باللَّه وهم يُشاهدون يوميًّا دلائل وجوده وعظمته من خلال حركة الأرض والنُّجوم وكلّ شيء في هذا الكون ؟!
هل هي مجرَّد غفلة ؟! أم أنَّ الإيمان بوجود خالق وأنبياء وجنَّة ونار أصبح تخلُّفًا في عصر التَّحرُّر والعلم ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:36
القمر نور والشَّمس سراج !
لو سألتَ الكثير من عامَّة النَّاس عن ضوء القمر , مِن أين يأتي ؟ لأجابوا : طبعًا , من داخل القمر نفسه , وهو أضعف بكثير من ضوء الشَّمس , لذلك لا نراه إلاَّ في اللَّيل .
لكنَّ علماء العصر الحديث لهم رأيٌ آخر ! فهم يقولون أنَّ الشَّمس تحتوي في باطنها على فُرْن , تَتمُّ بداخله تفاعلات نَوَويَّة . هذه التَّفاعلات تُوَلِّدُ ضوءًا وحرارة يَذْهبان في كلِّ اتِّجاه , فيسقُطان على الكواكب والأقمار التَّابعة للشَّمس , فيُنيرانها ويُزوِّدانها بالحرارة بنِسَب مختلفة . وكذلك الحال بالنِّسبة لكلِّ النُّجوم .
أمَّا القمر , فهو لا يُنتِج ضوءًا ولا حرارة . وإنَّما هو يستقبلُ ضياءَ الشَّمس , فيعكِسُ جزءًا منه على الأرض على شكْل نُور , لا حرارة فيه .
وقد أشار اللَّهُ تعالى في القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة أيضًا منذ حوالي 1400 سنة ! يقول تعالى : { وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا 16 } (71- نوح 16) . فالآية هنا ذكَرتْ أنَّ القَمَر نورٌ , أي أنَّ ضوءَه هذا ليس مُتوَلِّدًا عنه , وليس فيه حرارة . بينما ذكَرت في المقابل أنَّ الشَّمس سراجٌ , أي أنَّها مصدرٌ للضَّوء والحرارة . أليس في هذا إذًا دليلٌ آخر على أنَّ كلَّ لفظٍ في القرآن هو من عند اللَّه ؟!
ولِمُحاولة فَهْم ما يحدثُ داخل الشَّمس من تفاعلات , لِنَستمع لِمَا يقوله عُلَماءُ الفيزياء النَّوويَّة في هذا الشَّأن : إنَّ أكثر العناصر الموجودة في الشَّمس , وفي كلِّ نجم أيضًا , هي غاز الهيدروجين (71 بالمائة) وغاز الهلْيُوم (27 بالمائة) . ويَتمُّ التَّفاعلُ النَّووي بأن تتجمَّع كلُّ ذرتين من الهيدروجين وتندمج فيما بينها , فتَتولَّد عند ذلك ذرَّةُ هلْيُوم , ويُصاحب هذا التَّوَلُّد صدور طاقة نَوويَّة هائلة جدًّا . ثمَّ يتمُّ تفاعلٌ جديد , وتَصدر طاقة جديدة , ويَبقى النَّجم يتوهَّج لِمليارات السِّنين دون أن ينطفئ . نعم , إنَّ اتِّحاد ذرَّات الهيدروجين يُنتجُ طاقةً عظيمة . وعُلَماءُ الذَّرَّة اليوم يعرفون جيِّدًا أنَّ القنبلة الهيدروجينيَّة أقوى وأخطر بكثير من القنبلة الذّرِّيَّة .
وتُقَدَّر درجة حرارة سطح الشَّمس بحوالي 6000 درجة , بينما تبلُغ حرارة باطنها حوالي 16 مليون درجة !
فالحمد للَّه الذي سخَّر لنا الشَّمسَ مصدرًا للضَّوء والحرارة , وجعلها سراجًا وهَّاجًا لا ينطفئ إلى قيام السَّاعة , وإلاَّ لَمَات كلُّ مَن على وجه الأرض بِمَوْت .. الشَّمس !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:36
أصغر من الذَّرَّة !
المعروفُ لَدَى عامَّة النَّاس أنَّ أصغر شيء في الكون هو الذَّرَّة , وتُسَمَّى باليُونانيَّة Atomos , أي الشَّيء الذي لا يتجزَّأُ ولا ينقسم . وهي تتكوَّن من نَواة في الوسط تدور حولها إلكترونات ذات شحنة سالبة . ووزنُ النَّواة يكادُ يكون هو نفسه وزن الذَّرَّة , لأنَّ الإلكترونات لا تكاد تزن شيئًا .
وتَتِمُّ التَّفاعلات الكيماويَّة بين الذَّرَّات بأن تتشابك الإلكتروناتُ فيما بينها , فتتَّحد وتُكوِّن مُرَكَّبًا جديدًا . مثال : عندما تتَّحدُ ذرَّتان من الهيدروجين مع ذرَّة أكسيجين , يَنتُج عن هذا الاتِّحاد : الماء . ويُمكنُ أيضًا حَلّ المركَّبات بتَفكيك الإلكترونات .
وكم كانت دهشةُ العلماء كبيرة عندما اكتشفوا في أواخر القرن التَّاسع عشر أنَّ نَواة الذَّرَّة تنقسم ! ووَجدوا فيها بروتونات Protons ذات شحنة كهربائيَّة موجبة , ونيترونات Neutrons بدون شحنة كهربائيَّة . وبدأ الخطر العظيم عندما استغلَّ البعضُ هذا الاكتشاف , فصنعُوا القنبلة الذّرِّيَّة , حيث تنشقّ فيها نواة ذرَّات اليورانيوم وتتفرَّق أجزاءها , فتُصدِرُ طاقة هائلة جدًّا من الحرارة والإشعاعات القاتلة .
وهنا لنا وقفة مع القرآن الكريم . يقول اللَّه تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ 61 } (10- يونس 61) . فقد ذكَرت هذه الآية أنَّه لا شيء , في الأرض أو في السَّماء , يمكنُ أن يغيب عن عِلْم اللَّه , حتَّى ولو كان هذا الشَّيءُ في وزن الذَّرَّة أو أصغر من ذلك !
فهل أراد اللَّهُ تعالى أن يشير بهذا إلى أنَّ هناك فعْلاً ما هو أصغر من الذَّرَّة , أي النَّواة والإلكترونات ؟ أم أنَّه أراد الإشارة إلى إمكانيَّة تقسيم النَّواة ؟
أيًّا كانت الإجابة , فإنَّ الآية مُعْجزة .
فكيف لِمُحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , النَّبيّ الأمِّيّ , الذي لم يتعلَّم القراءة والكتابة , أن يعرف أنَّ هناك ما هو أصغر من الذَّرَّة , إن لم يكُن اللَّهُ تعالى هو الذي أخبره بذلك ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:37
عندما يتحدَّث اللَّه تعالى عن نفسه
بعد أن بَيَّنَّا سيِّدي الكريم أنَّ وراء هذا الكون خالِقًا عظيم القدرة , وأنَّه هو الذي خلقَنا وخلقَ كلَّ شيء في هذا الوجود , وأنَّ القرآن كلام اللَّه , سنحاول الآن التَّعرُّف على بعض صفات هذا الخالق من خلال ما ذكَره سبحانه عن نفسه في القرآن الكريم .
يقول تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 اللَّهُ الصَّمَدُ 2 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ 3 وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ 4 } (112- الإخلاص 1-4) . ففي هذه السُّورة القصيرة , يعلنُ تعالى باختصار مُدهش ووضوح تامّ أنَّه إلهٌ واحد لا شريك له , وأنَّه لا والد ولا زوجة ولا ولَد له , وأنَّه ليس له شبيهٌ أو مثيلٌ في الوجود قَطّ . يقول تعالى في آية أخرى : { فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 11 } (42- الشّورى 11) .
ويُشدِّد اللَّهجةَ في آيات أخرى على من يَنسب له ولدًا , فيقول تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا 88 لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا 89 تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا 90 أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا 91 وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا 92 إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا 93 لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا 94 وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا 95 } (19- مريم 88-95) .
باللَّه عليك سيِّدي , هل قرأْتَ أو سمعْتَ في حياتك نصًّا بِمثل هذه البلاغة وبِمثل هذا التّعبير ؟! هل تريدُ فعلاً أدلَّة أخرى على أنَّ القرآن يستحيلُ أن يكون من تأليف بَشَر ؟!
ويقول تعالى في آية عظيمة تُسمَّى آية الكرسي : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 255 } (2- البقرة 255) .
فاللَّه سبحانه واحد , حيٌّ لا يموت , لا ينام ولا يغفل عن خلْقه أبدًا , يَملك ما في السَّماوات وما في الأرض وكلّ ما في الوجود , ويعلمُ ماضي كلّ شيء وحاضره ومستقبله . وبالرَّغم من عِظَم هذا الكون واتِّساعه الهائل , فإنَّ اللَّه تعالى لا يُثقِلُه حفْظُ ذلك كلّه ومراقبته أدنى شيء , ولا يغيب عن علمه أيّ شيء , مهما كان صغيرًا .
ويقول تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ 59 وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 60 } (6- الأنعام 59-60) .
لا تستغربْ سيِّدي الفاضل ! إنَّ عِلْم اللَّه أحاط فعلاً بكلِّ شيء . حتَّى ورقة الشَّجرة , تسقط في أيّ لحظة من الزَّمن , وفي أيِّ بقعة من الأرض , لا يمكن أن تغيب عن علم اللَّه سبحانه وتعالى .
فهل يُعقَل بعد هذا أن نَظُنَّ أنَّ اللَّه يمكنُ أن ينسَى خلْقَه فلا يُرسل إليهم المطر , أو يغفلَ عن مراقبة الكون فتحدث الزَّلازل والحروب بدون علمه ؟!
لا , غير معقول ! يقول تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ 17 } (23- المؤمنون 17) .
فاللَّه سُبحانه مُتَّصِفٌ إذًا بكلِّ صفات الكمال , ومُنَّزَّه عن كلِّ النَّقائص , فلا يتعب ولا ينام ولا يأكل ولا يشرب , وليس له عينان ويدان ورجلان , ولا يُمكن أبدًا لعُقولنا الصَّغيرة أن تتخيَّل صورته . ولكنَّنا نستطيع أن نُدركَ شيئًا عن جلاله وجماله , عندما نقرأ قولَه تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 35 } (24- النّور 35) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:37
اللَّه , لا إله إلاَّ هو
نعم , ليس هناك إلهٌ غير اللَّه . وإذا كنتَ ما زلتَ في شكٍّ من هذا الأمر , فاستمع سيِّدي لِهذه الآيات : يقول اللَّه تعالى : { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ 60 أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ 61 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ 62 أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ 63 أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 64 قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 65 } (27- النّمل 60-65) .
ويقول تعالى في آية أخرى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ 22 } (21- الأنبياء 22) .
ويقول تعالى في آية أخرى : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ 91 } (23- المؤمنون 91) .
قَطْعًا , ليس لِلَّه مثيلٌ ولا شبيهٌ ولا شريك , وكلُّ ما في الكون يسيرُ وِفقَ نظام واحد يشهدُ بأنَّ الخالق لا بُدَّ أن يكون واحدًا !
ويقول تعالى : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ 62 لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 63 } (39- الزّمر 62-63) .
فاللَّه هو وحده خالق كلِّ شيء في هذا الوجود , وهو وحده الوكيل على كلِّ شيء , وهو وحده المتصرِّف في كلِّ شيء . والذين يستكْبرونَ عن عبادته هم فعلاً الخاسرون , وسيخسرون كلَّ شيء يوم القيامة !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:37
لا تبحث عن اللَّه في أيّ ركن هو من السَّماء !
فاللَّهُ سبحانه لا يحيطُه مكانٌ ولا زمان ! وهو في السَّماء , أي في العُلُوّ , لا يُحيطُ به شيءٌ من مخلُوقاته . وهو مع ذلك معَنا بعِلْمه وسَمعه وبَصَره , أيْنَمَا كُنَّا وفي أيّ لحظة من ليل أو نهار , يسمع كلامنا ويرى مكاننا ويعلمُ سرَّنا ونجوانا , ولكنَّنا لا نستطيع رؤيته !
يقول تعالى متحدِّثًا عن ذاته العَليَّة : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 3 هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 4 } (57- الحديد 3-4) .
ويقول أيضًا : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ 102 لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 103 } (6- الأنعام 102-103) .
فلا أحد من البشر يستطيع رؤية اللَّه تعالى في الدُّنيا . ولَمَّا حاولَ موسى عليه السَّلام ذلك , صُعِق ! وقد روى اللَّهُ تعالى لنا الحادثة في القرآن , فقال : { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ 143 } (7- الأعراف 143) .
وهنا لا بُدَّ من ملاحظة شيء هامّ : إنَّ أصحاب الجنَّة فقط هم الذين سيُحظَوْن برؤية اللَّه تعالى في الدَّار الآخرة . نعم , سيَرونَه حقيقةً لأنَّ صُوَرهم وحواسَّهم في الجنَّة هي ليست صُوَرهم وحواسّهم في الدُّنيا .
فقد روى الإمام مُسلم في صحيحه عن جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه , قال : كُنَّا جُلُوسًا عنْدَ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذْ نَظَر إلى القَمَر لَيْلَة البَدْر , فقالَ : أمَا إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هذَا القَمَر , لاَ تُضَامُونَ في رُؤْيَتِه . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 439 – رقم الحديث 633) .
وروى الإمام مُسلِم أيضًا في صحيحه عن صُهَيْب رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قالَ : إذَا دَخَلَ أهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ , يقولُ اللَّهُ تَباركَ وتَعالَى : تُريدُونَ شيْئًا أزِيدُكُمْ ؟ فيقُولُون : ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا ؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجنَّةَ وتُنَجِّنا منَ النَّار ؟ فَيَكْشِفُ الحِجَابَ , فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَر إلى رَبِّهِمْ عَزَّ وجَلَّ . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 163 – رقم الحديث 181) .
أمَّا أصحابُ النَّار , فبالإضافة إلى العذاب الشَّديد الذي ينتظرُهم في جهنَّم خالدين فيها , فإنَّهم سيزدادونَ هَمًّا على هَمّ عندما يعلمون أنَّهم سوفَ يُحْرَمون إلى الأبد من رُؤيَة اللَّه الذي استكْبَروا عن عبادته في الدُّنيا . فأَيُّ عذاب أشدُّ من هذا العذاب ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:38
عندما يطغَى العنادُ والجحود على العقل والمنطق !
سُئِل أعرابيٌّ من البادية : كيف عرفتَ أنَّ اللَّه موجود ؟
فأجاب بفطرته السَّليمة : البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير , والخَطْوُ يَدلُّ على المسِير . سماءٌ ذات أبراج , وأرضٌ ذات فجاج , وبحارٌ ذات أمواج , أفلا يدلُّ ذلك على اللَّطيف الخبير ؟!
كلُّ النَّاس , بمختلف عقائدهم , يؤمنون في أعماقهم بوُجود خالقٍ لهذا الكون ! فالطَّالبُ لحظةَ الإعلان عن النَّتائج , والغريقُ وهو يصارع الأمواج , والأمُّ عند سماعها أنَّ حادثة خطيرة وقعتْ لابنتها , والرَّجُل وقد أحاطت به النِّيران من كلِّ جانب , كلُّهم يجدون أنفسهم في تلك اللَّحظات يتضرَّعون إلى اللَّه : يا ربّ , يا ربّ ! لكن , ما أن تَمُرَّ الأزمة حتَّى يعود الكافر إلى جحوده وكُفره !
يقول اللَّه تعالى : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 63 قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ 64 قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ 65 } (6- الأنعام 63-65) .
ويقول تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 22 فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 23 } (10- يونس 22-23) .
ويقول تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ 30 أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ 31 وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ 32 } (31- لقمان 30-32) .
نعم , هذه هي طبيعة الكافر : عندما يُحيطُ به الخطَرُ من كلِّ جانب وتنقطع به الأسباب , لا تجد على لسانه سوى كلمة : يا ربّ , يا ربّ ! لكن , ما أن يُنعم عليه اللَّهُ بالنَّجاة , حتَّى يطغى على نفسه الجحودُ والعناد , فينسبُ الفضلَ في خَلاصه إلى أيِّ شيء آخر سوى .. اللَّه !
وأشدّ من هذا جحودًا : مَنْ يَضَعُ اللَّهُ في طريقه أسبابًا للإيمان , ولكنَّه عِوَضَ أن يَستغِلَّها , يزدادُ على العكس عنادًا وكُفرًا !
مثال ذلك : فرعون وقومه الذين ذكَر اللَّهُ قصَّتهم في القرآن . يقول تعالى مخاطبًا نبيَّه موسى عليه السَّلام : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 12 فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ 13 وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 14 } (27- النّمل 12-14) .
فهؤلاء أنكَرُوا بأفواههم أن يكون ما رأَوْهُ معجزات من عند اللَّه , ولكنَّهم كانُوا في قرارة أنفسهم مُتَيقِّنين أنَّها فعْلاً من عنده , ومَنعَهُم كِبْرُهم من الإقرار علانيةً بهذا .
والتِّسْع معجزات المشار إليها في هذه الآيات , هي : عصا موسى التي تحوَّلتْ إلى حَيَّة فالْتهَمتْ حِبالَ السَّحَرة , والتي ضرب بها موسَى البحْر فانفلقَ إلى نِصْفَين , ويَده التي كان يُدخِلُها في جَيْبه فتخرج بيضاء . أمَّا السَّبع معجزات الأخرى , فقد ذكَرها اللَّهُ تعالى في الآيات التَّالية : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 130 فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ 131 وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ 132 فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ 133 وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ 134 فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ 135 فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ 136 } (7- الأعراف 130-136) .
ذلك أنَّ النَّبيَّ موسى عليه السَّلام لَمَّا هَزم فرعونَ والسَّحرة على الملَأ (وقد تعرَّضنا للقصَّة سابقًا) , أمَّا السَّحرةُ فآمنُوا على الفَوْر بموسى وبإلهه , وأمَّا فرعونُ وقومُه من الأقباط فاستكْبَرُوا وأصرُّوا على الكُفْر .
فمِنْ حِلْم اللَّه تعالى أنَّه لم يُرِدْ أن يُعجِّلَ لهم العذاب , وهو القادرُ على ذلك , فأرسلَ لهم الدَّلائلَ المتتابعة على قُدْرته , لكي يُقيمَ الحُجَّة عليهم . فبَدأَهم بسِنينَ من الجفاف وقِلَّة الثِّمار , لكنَّهم لم يَرْتَدعُوا . بل كانُوا إذا خفَّفَ اللَّهُ عنهم الشِّدَّة لبعض الوَقْت , قالُوا : هذا ما يليقُ بنا وما نستحقُّه ! فإذا عاد الجفاف ونَقْص الثِّمار , قالُوا : هذا بسبب موسى وقومه من بني إسرائيل !
فعذَّبهم اللَّهُ تعالى بالطُّوفان , وهو كثرة الأمطار المهلِكة وما ينتج عنها من انتشار للأوبئة , ثمَّ الجراد الذي أكَلَ زَرْعَهُم , ثمَّ القَمل الذي انْتَشر في بُيوتهم وأقَضَّ مَضاجعَهم , ثمَّ الضَّفادع كانت تسقُط في طعامهم وشرابهم , ثمَّ الدَّم الذي اختلطَ بماء الآبار والأنهار .
كلُّ هذا أصاب فرعونَ وقَوْمَه من الأقباط , ولم يُصب موسى وقومَه من بني إسرائيل شيئًا , وهذا من تمام المعجزة !
والغريب أنَّ فرعون وقومه كانوا كلَّما نزل بهم عذابٌ ورأوا آيةً من آيات اللَّه , حلَفُوا وعاهدُوا موسى لَئِنْ دعا ربَّه وكشفَ عنهم العذاب لَيُؤمِنُنَّ به . لكنَّهم ما أن يُرفَع عنهم العذاب حتَّى يعودُوا أشدّ مِمَّا كانوا عليه من الإنكار ! فيُرسِلُ اللَّهُ عليهم عذابًا أشدّ , فيَعِدُون ويحلفُون , ثمَّ يكفُرون من جديد !
هذا , والحليمُ القديرُ يُنظِرُهم ولا يَعجَلُ عليهم , ثمَّ أخَذَهم أخْذَ عزيز مُقتَدِر , فأغرَقَهم جميعًا , وجعلَهُم عِبْرةً لغيرهم .
وأنتَ سيّدي الكريم , أليسَ من رحمة اللَّه بكَ أن وضعَ في طريقك هذا الكتاب للتَّعرُّف على الإسلام ؟! أم تُريد أن تُضيعَ هذه الفرصة , فيُداهِمَك الموتُ , فتَخسَر كلَّ شيء ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:38
من هو النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ؟
هو محمَّد بن عبد اللَّه بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وقد ذكرتُ هذا النَّسَب بِطُولِه لأنَّ عدنان هو , بلا اختلاف , من سُلالة إسماعيل بن إبراهيم , عليهما السَّلام . وبالتَّالي , فالنَّبيُّ محمَّد هو أيضًا من سُلالة إسماعيل , عليهما الصَّلاة والسَّلام .
وهذا يؤكِّده القرآن الكريم , حيثُ يقول اللَّه تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 126 وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 127 رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 128 رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 129 } (2- البقرة 126-129) .
فالنَّبيُّ إبراهيم عليه السَّلام , عندما أمرهُ اللَّهُ تعالى بتَرْكَ زَوْجته هاجر وولَده الرَّضيع إسماعيل بمكَّة , وكانَتْ صحراء لا شجَر فيها ولا ماء ولا أُناس , دعَا اللَّهَ أن يجعلَها بلَدًا خصبًا ويَرزق أهلها من الخيرات . فاستجاب اللَّهُ دعاءَه , وكلُّ النَّاس يسمعُ اليومَ بمكَّة وخيراتها .
ولَمَّا كَبُر إسماعيل , أمر اللَّهُ تعالى إبراهيمَ عليه السَّلام بإعادة رفْع أُسُس وقواعد الكعبة الشَّريفة . ففَعل هو وابنُه , ودعا الاثنانِ اللَّهَ أن يجعلَ من ذُرِّيَّتهما أُمَّةً مُسلِمة , ويبعثَ من أهل مكَّة رسولاً . فاستجاب اللَّه دعاءهما , وبعثَ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نبيًّا من ذُرِّيَّتهما , وهو أيضًا من أهل مكَّة . يقول اللَّه تعالى في سورة أخرى : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ 1 هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ 2 } (62- الجمعة 1-2) .
وكان لإبراهيمَ ولدٌ آخر اسمُه إسحاق . ومِن ذُرِّيَّة إسحاق جاء كلُّ أنبياء بني إسرائيل , عليهم السَّلام أجمعين . وقد ذكرْنَا أنَّ يعقوبَ بن إسحاق يُسمَّى أيضًا إسرائيل , وإليه ينتسبُ بَنُو إسرائيل .
وُلِدَ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمكَّة يوم الاثنين 12 ربيع الأوَّل (الشّهر الثَّالث قمري) سنة 570 م , وتوفِّي بالمدينة (في السّعوديَّة) ودُفن بها وعمره 63 سنة , صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
مات أبوه عبدُ اللَّه وهو ما زال في بطن أمِّه , ثمَّ ماتت أمُّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف , وهو ابن ستّ سنين , ولم يكُن أبَوَاهُ رُزِقا بأطفال غيره . فعاش يتيمًا في كفالة جدِّه عبد المطَّلب , سيِّد قبيلة قريش آنذاك . ولَمَّا بلغ ثماني سنين , ماتَ جدُّه أيضًا , فكَفَلَه عمُّه أبو طالب . يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم مخاطبًا محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى 6 } (93- الضّحى 6) .
اشتُهِر في قَوْمه بالصِّدق والأمانة وحُسْن الخُلُق , حتَّى لَقَّبوه بالأمين . يقول اللَّه تعالى مادحًا أخلاقه : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 } (68- القلم 4) . وهذه الصِّفات ساعَدَتْه كثيرًا في دَعْوَته إلى اللَّه فيما بعد .
لم يتعلَّم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم القراءة ولا الكتابة , لِحِكْمةٍ أرادها اللَّهُ تعالى . يقول سبحانه مخاطبًا إيَّاه : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ 48 } (29- العنكبوت 48) .
لَمَّا بلغ سِنَّ الخامسة والعشرين , تزوَّج من السَّيدة خديجة بنت خُوَيْلِد , أشرف نساء مكَّة وأكثرهنَّ مالاً . وكانت سمعَتْ عن أمانته وحُسْن أخلاقه , فعرضَتْ عليه الزَّواج , فكلَّمَ عمَّه حمزة بن عبد المطَّلب , فخَطبها له من أبيها . وكانت نِعْمَ الزَّوجة له , وأوَّل مَن أسلَم , ولم تزلْ تشدُّ من أزره وتُثبِّتُه حين نزل عليه الوحيُ وكذَّبَهُ النَّاسُ , حتَّى تُوُفِّيَت , رضي اللَّه عنها . فبقيَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يذكُرها ويذكرُ فضائلها طولَ حياته .
أنجبت السَّيِّدة خديجة لِمُحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : القاسِم , ثمَّ زينب , ثمَّ عبد اللَّه , ثمَّ أمّ كلثوم , ثمَّ فاطمة , ثمَّ رُقَيَّة . فماتَ القاسِم بمكَّة صغيرًا , ثمَّ مات عبد اللَّه .
ولم يُرزَق النَّبيُّ بعد ذلك بأطفال , غير إبراهيم من زوجته السَّيِّدة مارية القبطيَّة . ولَم يَلْبَثْ إبراهيمُ أن مات أيضًا بالمدينة , وهو ابنُ ثمانية عشر شهرًا .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:38
كيف بدأت نُبوَّة محمَّد ؟
كان محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قبل أن يُبعث نبيًّا , يَبغضُ ما كان يفعلُ قومُه من عبادة الأصنام . وكان يعتكفُ شهرًا من كلِّ سنة في غار حراء بِمَكَّة , يَتعبَّد على شَرْع النَّبيِّ إبراهيم عليه السَّلام .
قال ابنُ إسحاق , أحد الأئمَّة الثِّقات الذين كَتبوا عن سيرة النَّبيِّ محمَّد , ونقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : فلمَّا بلغ سِنَّ الأربعين , جاءه الملَك جبريل في ليلةٍ من ليالي شهر رمضان وهو نائم في غار حراء .
يقول محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : فقال لي : اقرأْ , قلتُ : ما أنا بقارئ (أي لا أعرف القراءة ) ! فغَتَّني (أي شَدَّني) حتَّى ظننتُ أنَّه الموتُ , ثمَّ أرسلَني فقال : اقرأْ , قلتُ : ما أنا بقارئ ! فغَتَّني حتَّى ظننتُ أنَّه الموتُ , ثمَّ أرسلَني فقال : اقرأْ , قلتُ : ماذا أقرأْ ؟! ما أقولُ ذلك إلاَّ افتداءً منه أن يَعود لي بمثل ما صنع بي , فقال : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ 2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 4 عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5 } (96- العلق 1-5) .
فكان هذا أوَّل ما نَزل من القرآن الكريم , ثمَّ توالَى نُزولُ الوَحْي بعد ذلك بواسطة الملَك جِبْريل عليه السَّلام على مدى ثلاث وعشرين سنة , مُتَفرِّقًا بحسب الأحداث .
يقولُ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم متابعًا القصَّة : فقرأتُها (أي الآيات) , ثمَّ انتهى وانصرفَ عنّي . فهبَبْتُ من نومي وكأنَّما كُتِبَتْ في قلبي كتابًا . فخرجتُ , حتَّى إذا كنتُ في وَسط من الجبل سمعتُ صوتًا من السَّماء يقول : يا محمَّد , أنتَ رسولُ اللَّه وأنا جبريل ! فرفعتُ رأسي إلى السَّماء أنظُر , فإذا جبريلُ في صورة رجُلٍ صافٍّ قدمَيْه في أُفُق السَّماء يقولُ : يا محمَّد , أنتَ رسولُ اللَّه وأنا جبريل ! فوَقفتُ أنظرُ إليه , لا أتقدَّم ولا أتأخَّر , وجعلْتُ أصرفُ وجهي عنه في آفاق السَّماء , فلا أنظرُ في ناحيَة منها إلاَّ رأيتُه كذلك !
فما زلتُ واقفًا لا أتقدَّم أمامي ولا أرجعُ ورائي حتَّى بعثَتْ خديجةُ رُسُلَها في طلَبي , فبَلَغُوا أعلَى مكَّة ورجعُوا إليها وأنا واقفٌ في مكاني ذلك . ثمَّ انصرفَ عنِّي , وانصرفتُ راجعًا إلى أهلي , حتَّى أتيتُ خديجة , فجلستُ إلى فخذِها مُلْتصقًا بها . فقالتْ : يا أبا القاسم , أين كُنت ؟ فوَاللَّهِ لقد بعثْتُ رُسُلي في طَلَبك حتَّى بَلَغُوا مكَّة ورجعُوا لي . فحدَّثْتُها بالذي رأيتُ , فقالتْ : أبْشِر يا ابنَ عمِّ واثبُتْ , فوَالَّذي نَفْسُ خديجةَ بِيَدِه إنّي لَأَرجو أن تكونَ نَبِيَّ هذه الأُمَّة .
قال ابن إسحاق : ثمَّ قامتْ خديجة , فجَمعتْ عليها ثيابها وانطَلَقَتْ إلى ابن عمِّها وَرَقَة بن نَوْفَل , وكان قد تَنَصَّر وقَرَأَ الكُتُبَ وسمعَ مِنْ أهْلِ التَّوراة والإنْجِيل . فأَخبَرتْه بما أخْبَرها به رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنَّه رأَى وسمع , فقال وَرَقة : قُدُّوسٌ ! قُدُّوس ! وَالَّذي نَفْسُ وَرَقة بيَده لَئِنْ كُنْتِ صَدَقْتِني يا خديجة , لقد جاءهُ النَّامُوسُ (أي المَلَكُ) الأكبر الذي كان يَأتي مُوسى , وإنَّه لَنَبيُّ هذه الأُمَّة , فقُولي له فَلْيَثْبُتْ . فرجَعَتْ خديجةُ إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأخْبَرَتْه بقَول وَرَقة .
فلمَّا قَضى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم جوارَه وانصرفَ , بدأ بالكعبة فطافَ بها كما كان يَصنع . فلَقِيَه وَرقَة بن نَوْفَل وهو يَطُوف , فقال : يا ابنَ أخي , أخبِرْني بما رأيْتَ وسمِعْت . فأخبرَه رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال وَرَقَة : والذي نَفْسي بِيَدِه إنَّكَ لَنَبيُّ هذه الأمَّة , ولقد جاءكَ النَّاموسُ الأكبرُ الذي جاء موسى , ولَتُكَذَّبَنَّه ولَتُؤذَيَنَّه ولَتُخرَجنَّه ولَتُقَاتَلَنَّه , ولَئِنْ أنا أدركتُ ذلكَ اليومَ لَأَنصُرَنَّ اللَّهَ نصرًا يَعْلَمُه .
ثمَّ أَدْنَى رأسَه منه , فقبَّلَ يافُوخَه (أي وسَط رأسِه) , وانصرفَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى مَنزله .
هكذا إذًا بدأت نُبُوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهكذا صدَّقتْهُ زوجتُه خديجة وثَبَّتَتْه , رضي اللَّه عنها . ثمَّ صدَّقَه النّصراني وَرَقَة بن نَوفَل , لِمَا كان يجدُ من صِفاته وزمان بعثَته في التَّوراة والإنجيل . ولم يَلْبَث وَرَقة أن تُوفِّي بعد ذلك بقليل , رحمه اللَّه .
وقد روى الحافظ أبو يَعْلى عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم سُئِلَ عن وَرَقَة بن نَوفَل , فقال : أبصرْتُه في بُطْنان الجنَّة (أي داخِلَها) وعليه سُندس . (مسند أبي يعلى – الجزء 4 – ص 41 – رقم الحديث 2047) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:39
هكذا كان محمَّد يدعو قومه إلى الإسلام
قال ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : كان عُتبة بن ربيعة سيِّدًا في قُريش , فقال يومًا وهو جالسٌ في إحدى نَواديهم , ورسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في المسجد وَحْدَه : يا معشَر قُرَيش , ألا أقومُ إلى محمَّد فأُكلِّمه وأَعْرِض عليه أمورًا لعلَّه يقبلُ بعضَها فنُعطيه أيّها شاء ويَكُفّ عنَّا ؟
وكان ذلك حينَ أسلَم حمزة بن عبد المطَّلب , عمُّ النَّبيِّ وفارسُ قُريش الذي يَهابُه الكُلُّ , ورأتْ قُريش أنَّ أصحابَ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَزيد عددهم كلَّ يوم .
فقالُوا : بَلَى يا أبا الوليد , قُمْ إليه فَكَلِّمْه .
فقامَ عُتْبة حتَّى جلسَ إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال : يا ابنَ أخي , إنَّك مِنَّا حيثُ قد علِمْتَ من السِّطَة في العشيرة (أي المنزلة الرَّفيعة) , والمكان في النَّسَب , وإنَّكَ قد أتَيْتَ قَومَك بأَمْرٍ عظيم فرَّقْتَ به جماعَتَهم وسَفَّهتَ به أحلامَهُم وعِبْتَ به آلِهَتَهم ودِينَهم وكَفَّرْتَ به مَن مَضَى من آبائهم , فاسْمَعْ منِّي أَعْرِضْ عليْكَ أُمورًا تَنْظُر فيها لعلَّك تقبَلُ منها بعضَها .
فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : قُلْ يا أبا الوليد , أَسْمَعْ .
قال : يا ابنَ أخي , إن كنتَ إنَّما تُريد بما جِئْتَ به من هذا الأمر مالاً , جَمَعْنا لكَ من أمْوالنا حتَّى تكونَ أَكْثَرنا مالاً . وإن كنتَ إنَّما تريدُ به شَرَفًا , سَوَّدْناكَ علينا (أي جعلْناكَ سيِّدًا علينا) حتَّى لا نَقْطع أمرًا دُونَك . وإن كنتَ تُريد به مُلْكًا , مَلَّكناكَ علينا . وإن كان هذا الذي يأتيكَ رَئِيًّا تراهُ لا تستطيعُ ردَّهُ عن نفْسك (وكانُوا يُسَمُّون التَّابع من الجِنِّ : رَئِيًّا) , طلَبْنا لك الطِّبَّ وبذَلْنا فيه أموَالَنا حتَّى نُبْرئكَ منه , فإنَّه ربَّما غَلَب التَّابعُ على الرَّجُل حتَّى يُداوَى منه .
فلمَّا فرَغَ عُتبة , ورسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَستمعُ منه , قالَ : أوَ قَدْ فَرغْتَ يا أبا الوَليد ؟ قالَ : نَعم , قالَ : فاسْتَمِعْ منِّي , قالَ : أَفْعَل , قال : { حم 1 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 3 بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ 4 وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ 5 قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ 6 الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ 7 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ 8 } (41- فصّلت 1-8) .
ومضى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَقْرأ , وعُتبة مُنصِتٌ بانتباه , حتَّى إذا وصل إلى الآية التي فيها سَجْدة , سَجَد , ثمَّ قال : قدْ سمعتَ يا أبا الوَليد ما سمعتَ , فأنتَ وذاكَ .
فقام عُتبة إلى أصحابه , فقالَ بعضُهم لِبَعض : نحلِفُ باللَّه لقد جاءكُم أبو الوليد بغَيْر الوَجه الذي ذهبَ به . فلمَّا جلَسَ إليهم , قالُوا : ما وراءكَ يا أبا الوليد ؟ قالَ : وَرائي أنِّي سمعتُ قَوْلاً ما سمعتُ مثْلَه قَطّ , واللَّهِ ما هو بالشِّعْر ولا بالسِّحْر ولا بالكَهَانة . يا مَعْشَر قُرَيْش , أطيعُوني واجْعَلوها بي , وخَلُّوا بين هذا الرَّجُل وبين ما هو فيه فاعْتَزِلُوه , فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِه الذي سمعتُ منه نَبَأٌ عظيم , فإنْ تُصِبْهُ العرَبُ فقد كُفِيتُمُوه بغَيْركُم , وإن يَظْهَرْ عَلَيْهم فَمُلْكُه مُلْكُكُم وعِزُّه عِزُّكُم وكُنتم أَسْعدَ النَّاس به .
قالُوا : سحَرَك واللَّهِ يا أبا الوليد بلِسَانه ! قال : هذا رأيي فيه , فاصنعُوا ما بَدَا لكُم .
وفي حادثة أخرى , روى ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة , أنَّ أشراف قُريش من كلِّ قَبيلة : عُتبة بن ربيعة , وشَيْبة بن ربيعة , وأبو سُفيان بن حَرب , والنَّضر بن الحارث , وأبو البَختريِّ بن هشام , والأسْوَد بن المطَّلب , وزمعة بن الأسْوَد , والوَليد بن المغيرة , وأبو جهْل بن هشام , وعبد اللَّه بن أبي أميَّة , والعاص بن وائل , ونبيه ومُنبِّه ابنَا الحجَّاج , وأُميَّة بن خَلَف , اجتمعُوا يومًا بعد غُروب الشَّمس عند ظَهْر الكعبة . فقالَ بعضُهم لِبَعض : ابعثُوا إلى محمَّد , فكَلِّمُوه وخاصِمُوه حتَّى تُعْذِرُوا فيه . فبَعَثُوا إليه أنَّ أشرافَ قَوْمك قد اجتَمعُوا إليك لِيُكلِّمُوك , فأْتِهم .
فجاءهُم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم سريعًا , وهو يَظُنُّ أن قد بَدَا لهم فيما كلَّمهُم فيه بَدْء , وكان عليهم حريصًا , يُحبُّ رُشْدَهم ويَعِزُّ عليه عَنَتُهم , حتَّى جلس إليهم , فقالُوا له : يا محمَّد , إنَّا قد بعثْنا إليك لِنُكلِّمَك , وإنَّا واللَّهِ ما نعلَمُ رجلاً من العرب أَدخَلَ على قَومه مثلَ ما أدخلْتَ على قَومِك . لقد شتَمْتَ الآباء وعِبْتَ الآلهة وسَفَّهتَ الأحلامَ وفرَّقتَ الجماعة , فَمَا بَقيَ أمرٌ قبيح إلاَّ قد جِئْتَه فيما بيننا وبينك . فإن كنتَ إنَّما جئْتَ بهذا الحديث تطلُبُ به مالاً , جمعْنَا لكَ من أموالنا حتَّى تكون أكْثَرنا مالاً , وإن كنتَ إنَّما تطلُبُ به الشَّرفَ فينا سَوَّدْناك علينا , وإن كنتَ تريدُ به مُلْكًا مَلَّكْناك علينا , وإن كان هذا الذي يأتيكَ رَئِيًّا تَراه قد غَلَبَ عليك , بذَلْنا لك أموالَنا في طَلَب الطِّبِّ لك حتَّى نُبرئك منه أو نُعذِر فيك .
فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ما بي ما تقولُون , ما جئتُ بما جئتكُم به أطلُبُ أموالَكُم ولا الشَّرفَ فيكم ولا الملْكَ عليكم , ولكنَّ اللَّهَ بَعَثني إليكم رسولاً , وأَنزلَ عَلَيَّ كتابًا , وأمَرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا , فبَلَّغتُكم رسالات ربِّي ونصحْتُ لكم , فإن تَقْبَلُوا منِّي ما جِئْتُكم به فهو حَظّكم في الدُّنيا والآخرة , وإن تَرُدُّوه عَلَيَّ أصْبِر لأمْر اللَّه حتَّى يحكُم اللَّه بيني وبينكم .
قالُوا : يا محمَّد , فإن كنتَ غير قابل منَّا شيئًا مِمَّا عَرَضناه عليك , فإنَّكَ قد علمْتَ أنَّه ليس من النَّاس أحدٌ أضْيَق بَلدًا ولا أقلّ ماءً ولا أشَدّ عيْشًا منَّا , فسَلْ لنا ربَّكَ الذي بعثَك بما بعثَك به فلْيُسَيِّرْ عنَّا هذه الجبالَ التي قد ضَيَّقتْ علينا , ولْيَبْسُط لنا بلادَنا , ولْيُفجِّر لنا فيها أنهارًا كأنهار الشَّام والعراق , ولْيَبعثْ لنا مَن مَضى من آبائنا , ولْيَكُن فيمَن يَبعثُ لنا منهم قُصَيّ بن كلاب فإنَّه كان شَيْخ صِدْق , فنَسْألهم عمَّا تقولُ أحَقٌّ هو أم باطِل , فإن صَدَّقوك وصنعتَ ما سألناك , صدَّقْناكَ وعرفْنا به مَنزلَتك من اللَّه وأنَّه بَعثَك رسولاً كما تقول .
فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ما بهذا بُعِثْتُ إليكم , إنَّما جِئْتُكم من اللَّه بما بَعَثني به , وقد بلَّغْتُكم ما أُرسِلْتُ به إليكم , فإن تَقْبلُوه فهو حَظّكم في الدُّنيا والآخرة , وإن تَرُدُّوه عَلَيَّ أصْبِر لأمْر اللَّه حتَّى يحكُم اللَّه بيني وبينكم .
قالُوا : فإذا لم تَفعلْ هذا لنا , فخُذْ لِنَفْسِك . سَلْ ربَّكَ أن يَبعثَ معكَ ملَكًا يُصدِّقُك بما تقولُ ويُراجِعُنا عنْك , وسَلْهُ فلْيَجْعَلْ لكَ جِنانًا وقُصورًا وكُنوزًا من ذَهب وفِضَّة يُغْنيكَ بها عمَّا نراكَ تَبتَغي , فإنَّك تقومُ بالأسواق كما نَقُوم , وتلْتمسُ المعاشَ كما نَلْتمِسُه , حتَّى نعرف فضْلَك ومَنْزلَتك من ربِّك إن كنتَ رسولاً كما تزعم .
فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ما أنا بِفَاعِل وما أنا بالذي يَسْألُ ربَّه هذا , وما بُعِثْتُ إليكم بهذا , ولكنَّ اللَّهَ بَعَثني بشيرًا ونذيرًا , فإن تَقْبَلُوا منِّي ما جِئْتُكم به فهو حَظّكم في الدُّنيا والآخرة , وإن تَرُدُّوه عَلَيَّ أصْبِر لأمْر اللَّه حتَّى يحكُم اللَّه بيني وبينكم .
قالُوا : فأَسْقِط السَّماءَ علينا كِسَفًا كما زعمْتَ أنَّ ربَّك لو شاء فَعل , فإنَّا لا نُؤمنُ لكَ إلاَّ أن تفعَل .
قالَ : ذلك إلى اللَّه , إن شاء أن يفعلهُ بكم , فَعَل .
قالُوا : يا محمَّد , أفَمَا علِمَ ربُّكَ أنَّا سنجلِسُ معك ونسألكَ عمَّا سألْناك عنه ونطلُب منك ما نَطلب , فيَتقدَّم إليك فيُعلِّمك ما تُراجعنا به ويُخبرك ما هو صانعٌ في ذلك بنا إذا لم نَقْبلْ منكَ ما جِئْتَنا به ؟! إنَّه قد بلَغَنا أنَّك إنَّما يُعلِّمُك هذا رجلٌ باليَمامة يُقالُ له الرَّحمن , وإنَّا واللَّه لا نؤمنُ بالرَّحمن أبدًا . فقد أعذَرْنا إليك يا محمَّد , وإنَّا واللَّهِ لا نَتْرُكك وما بلَغْتَ منَّا حتَّى نُهلِكك أو تُهلكنا .
فلمَّا قالُوا ذلك قام عنهم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وقام معه عبدُ اللَّه بن أبي أميَّة , وهو ابن عمَّته عاتكة بنت عبد المطَّلب , فقال : يا محمَّد , عرضَ عليك قومُك ما عرضُوا فلم تقْبَله منهم , ثمَّ سألُوك لأنفُسهم أمورًا لِيَعرفُوا بها منزلَتَك عند اللَّه كما تقُول ويُصدِّقوك ويَتَّبعوك فلم تَفعلْ , ثمَّ سَألوك أن تأخُذ لنَفسك ما يَعرفون به فَضْلك عليْهم ومَنزلَتك عند اللَّه فلم تَفعلْ , ثمَّ سألوك أن تُعجِّل لهم بعضَ ما تُخَوِّفُهم به من العذاب فلم تفْعل , فوَاللَّه لا أومنُ بكَ أبدًا حتَّى تتَّخِذَ إلى السَّماء سُلَّمًا ثمَّ تَرْقَى فيه وأنا أنظرُ إليك حتَّى تأتيها , ثمَّ تأتي معك بأربعة من الملائكة يشهدون لكَ أنَّك كما تقول , وأيْمُ اللَّه أن لو فعلْتَ ذلك ما ظننتُ أنِّي أصدِّقُك !
ثمَّ انصرف , فرجع رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى أهله حزينًا , لِمَا كان يطمعُ من قومه حين دَعَوْه , ولِمَا رأى من مُباعدتهم إيَّاه .
هذا إذًا بعض ما كان يُلاقي محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من قومه . وقد كان بإمكانه أن يَدعُو اللَّهَ أن يُنزلَ بهم عذابه , ولكنَّه لم يفعل . وقد روى الإمام أحمد في مُسنده عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : قالتْ قريش للنَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ادْعُ لنا ربَّك يَجْعَل لنا الصَّفَا ذهَبًا ونُؤمن بك . قال : وتَفعَلُون ؟ قالُوا : نعم .
فدَعَا , فأتاهُ جبريلُ فقال : إن ربَّكَ عَزَّ وجَلَّ يقرأ عليك (أو يُقْرئك) السَّلامَ ويقولُ (لك) : إن شئتَ أصبحَ الصَّفَا لهم ذهَبًا , فمَنْ كفرَ بعد ذلك منهم عذَّبْتُه عذابًا لا أعذِّبه أحدًا من العالَمين , وإن شئتَ فتحْتُ لهم بابَ التَّوبة والرَّحمة .
قال : بل باب التَّوبة والرَّحمة . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 242 – رقم الحديث 2166) .
نعم , اختار النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِقَومه الرَّحمة على العذاب . فهو نبيُّ الرَّحمة , كما يقول اللَّه تعالى فيه : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ 107 } (21- الأنبياء 107) .
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : قيلَ : يا رسولَ اللَّه , ادْعُ على المشركين . قال : إنِّي لَم أُبْعَثْ لَعَّانًا , وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَة . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2006 – رقم الحديث 2599) .
لكنَّ قومَه قابلُوا الإحسان بالإساءة , فسعَوْا في إيذائه , وعذَّبُوا أصحابه تعذيبًا شديدًا , ثمَّ أجبروه على الخروج من مكَّة بعد أن حاولُوا قتْلَه فلم يُفلِحوا في ذلك , ووقعتْ بينهم وبينه بعد ذلك حروبٌ عديدة . وبعد ثماني سنوات من خروجه من مكَّة , عاد إليها النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فاتحًا مُنتصِرًا , ودخلَها في جيش كبير من أصحابه , وإنَّ لِحْيَتَه تكاد تَمَسّ وسط راحلَته من شدَّة تواضعه للَّه ! ثمَّ وقفَ على باب الكعبة , ووقف أمامه المشركون من قومه خائفين , فقال لهم : يا معشر قُريش , ما تَرَوْن أنِّي فاعلٌ فيكم ؟ قالُوا : خيرًا , أخٌ كريمٌ وابنُ أخ كريم , قال : اذْهبُوا , فأنتم الطُّلقاء !
نعم , لم يأخذ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بثأره ولا بثأر أصحابه , وعفا عن قومه وقد كان قادرًا على قتلهم جميعا , ولم يُجبرهم على الدُّخول في الإسلام . فلمَّا رأَوْا منه ذلك , أسلم منهم عدد كبير . ونزل قولُ اللَّه تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 1 وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا 2 فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا 3 } (110- النّصر 1-3) .
ولم يكن هذا الحِلْمُ من النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حالة عارضَة , وإنَّما كان صِفَة ملازمة له . فقد روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه , قال : لَمَّا تُوُفِّيَ عبدُ اللَّه بن أُبَيّ (وهو ابن سَلُول , وكان رأس المنافقين , يُظهر الإسلام ويُخفي الكُفر ويَكيد للمُسلمين) , أتَى ابنُه عبدُ اللَّه بن عبد اللَّه بن أُبَيّ بن سَلُول (وكان مُسْلِمًا) رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال : يا رسولَ اللَّه , هذا عبدُ اللَّه بن أُبَيّ قد وضَعْناه , فَصَلِّ عليه .
(وفي رواية لِمُسلم عن ابن عُمَر , قال : فسألَ (أي عبدُ اللَّه , الابنُ) رسولَ اللَّه أن يُعطيه قميصَه يُكفِّن فيه أباه , فأعطاه , ثمَّ سألَه أن يُصَلِّي عليه ) .
قال عُمر : فقام رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فلمَّا قام يُصلَّي عليه (أي صلاة الجنازة) , قمتُ في صدر رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقلتُ : يا نبيَّ اللَّه , أتُصَلِّي على عدُوِّ اللَّه القائل يوم كَذَا : كَذَا وكذَا , والقائل يوم كَذَا : كَذَا وكذَا , أُعَدِّدُ أيَّامَه الخبيثة ؟!
فتَبسَّم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وقال : عَنِّي (أي خَلِّ عَنِّي) يا عُمَر !
حتَّى إذا أكثرتُ , قال : عَنِّي يا عُمَر , فإنِّي قد خُيِّرتُ , فاختَرْتُ , إنَّ اللَّه يقولُ : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ 80 } (9- التّوبة 80) .
يقولُ النّبيُّ : ولو أعلم أنِّي إن زدتُ على السَّبعين , غُفِر له , لَزِدتُ !
قال عمر : فعَجبًا لِجُرأتي على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , واللَّهُ ورسولُه أعلَم ! فلمَّا قالَ لي ذلكَ انصَرفتُ عنه . فصَلَّى عليه , ثمَّ مَشَى معه , فقام على حُفْرته حتَّى دُفِن , ثمَّ انصَرَف . فَوَاللَّهِ ما لَبِثَ إلاَّ يَسيرًا حتَّى أنزلَ اللَّهُ جلَّ وعَلاَ : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ 84 } (9- التّوبة 84) .
قال عمر : فَمَا صَلَّى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على مُنافِق بعد ذلك , ولا قامَ على قَبْره . (صحيح ابن حبّان – الجزء 7 – ص 449 – رقم الحديث 3176) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:40
وهكذا كان محمَّدٌ أبًا وقائدًا وداعية
قد تعجبين يا ابنتي الكريمة لو قلتُ لكِ أنَّ زينب بنت النَّبيّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كانت متزوِّجة من رجُل غير مُسلم !
نعم , إنَّه أبو العاص بن الرَّبيع , ابنُ أخت السَّيِّدة خديجة , زوجة النَّبيِّ . وقد كان تاجرًا معروفًا بأمانته , وكانت خديجة تَعُدُّه بمَنْزلة ولَدها , فسألَتْ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يُزوِّجَه ابنتهما زينب , وذلك قبل أن يُبْعثَ نبيًّا , ففَعل . فلمَّا أكرم اللَّهُ محمَّدًا بالنُّبوَّة , أسلمَتْ خديجة وبناتها , وأصرَّ أبو العاص على البقاء على دين قَومه . ومع هذا , لم يُكْرهْهُ النَّبيُّ على اعتناق الإسلام , ولم يُجْبِر ابنتَه زينب على مفارقة زوجها .
قال ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة وإضافة بعض التَّعاليق على الأحداث : وجاء كبارُ قُريش إلى أبي العاص , وقالُوا له : فارقْ زوجتَك , ونحنُ نُزوِّجك أيَّ امرأة من قريش شئْت . فقال : لا واللَّه , لا أفارقُ صاحبتي , وما أحبُّ أنَّ لي بها امرأةً من قُريش . وكان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يُثني عليه خيرًا .
ومَرَّت السَّنوات , وهاجر النَّبيُّ إلى المدينة , وبقيَتْ زينبُ مع زوجها بمكَّة . وهاجر المسلمون خُفْيَة بعد أن تركُوا أموالَهم وديارَهم , فاستوْلَى عليها المشركُون .
وفي السَّنة الثَّانية من الهجرة , جاءت الأخبار إلى سادات قُريش أنَّ قافلَتهم التِّجاريَّة المقبلة من الشَّام سيَتعرَّضُ لها المسلمون . فخرجُوا في ألْفٍ من رجالهم لإنقاذ تجارتهم , وخرج معهم أبو العاص بن الرَّبيع . وَوقعتْ بينهم وبين المسلمين معركة بمكان اسمُه بَدْر , فانتصر المسلمون , وقُتِلَ ساداتُ قُريش , وأُسِر منهم سَبعون , وكان من بين الأسرى أبو العاص . فبعَثتْ قُريش تَفْتَدِي رجالَها الذين أُسِرُوا , وكان هذا الأمرُ معمولاً به عند العرب . وبَعثتْ زينبُ بمالٍ لِفِداء زوجها , وبعثَتْ قلادةً لها كانت السَّيِّدة خديجة أدْخَلَتْها بها على أبي العاص حين تزوَّجها .
نعم , حتَّى زينب رضي اللَّه عنها , وهي بنتُ النَّبيّ , لَمْ تستغلَّ قَرابَتها هذه , بل بعثَتْ بالمال لِفِداء زوجها , تمامًا مثلَما فَعلَ بقيَّةُ النَّاس !
فلَمَّا رأى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم القلادة , رقَّ لابنته رقَّةً شديدة , وقالَ لأصحابه : إن رأيتُم أن تُطلِقُوا لها أسيرها , وتَرُدُّوا عليها مالَها , فافعَلُوا . قالُوا : نعم يا رسولَ اللَّه . فأطْلَقُوه , ورَدُّوا عليها الذي لها .
وقد كان بإمكان النَّبيِّ أن يُصدر أوامره , بصِفَته قائد جيش المسلمين , بإطلاق سراح زوج ابنته . ولكنَّ عدْلَه لم يَسْمح له بذلك , فتقدَّم بالطَّلب مثل أيِّ إنسان عادي , وتركَ لِجُنُوده حرِّيَّة الرَّفض أو القَبُول !
وأُطلِقَ أبو العاص من الأسر , وأخذَ عليه النَّبيُّ العهدَ أن يُخلِّي سبيلَ ابنته , ففعلَ , وقَدمتْ زينبُ إلى المدينة .
وأقام أبو العاص بمكَّة , حتَّى إذا كان قُبَيْل فَتْحها , خرج إلى الشَّام يُتاجر بماله وبأموال رجالٍ من قُريش . فلمَّا فرغ من ذلك وقفلَ راجعًا , اعترَضَ بعضُ المسلمين طريقَه , فأخذُوا ما معه وهربَ هو . فلمَّا كان اللَّيلُ , ذهبَ إلى بيت زينب , فاسْتجار بها , فأَجارَتْه , وكان هذا العُرفُ معمولاً به أيضًا عند العرب .
فلمَّا خرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى صلاة الفجر وكبَّر إلى الصَّلاة وكبَّر النَّاس , صرخَتْ زينبُ من صَفَّة النِّساء : أيُّها النَّاس , إنِّي قد أجَرْتُ أبا العاص بن الرَّبيع . فلمَّا سلَّم رسولُ اللَّه , أقبلَ على النَّاس وقال : أيُّها النَّاس , هل سمِعْتُم ما سمعْتُ ؟! قالُوا : نعم , قال : أمَا والذي نَفسُ محمَّد بيَده , ما علِمْتُ بشيء من ذلك حتَّى سمعْتُ ما سمعْتُم . إنَّه يُجيرُ على المسلمين أدْناهُم . ثمَّ انصرف , فدخلَ على ابنته وقالَ : أيْ بُنَيَّة , أَكْرِمي مَثْواه , ولا يَخلُصَنَّ إليْكِ فإنَّكِ لا تَحِلِّين له .
وكان اللَّه تعالى قد حرَّم , منذ صُلْح الحُدَيبِيَة سنة سِتٍّ للهجرة , أن يتزوَّج مسلمٌ من مُشركة , أو تتزوَّج مُسلِمةٌ من مُشرك . وأنزلَ تعالى في ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 10 } (60- الممتحنة 10) .
لهذا , امتثلَ النَّبيُّ لِحُكْم اللَّه , وقال لابنَتِه أنَّها لم تَعُد تَحِلُّ لأبي العاص .
وبعثَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المسلمين الذين أخذُوا مالَ أبي العاص , فقالَ لهم : إنَّ هذا الرَّجلَ منَّا حيثُ قد علِمْتُم , وقد أصبْتُم له مالاً , فإن تُحسِنُوا وتَرُدُّوا عليه الذي له فإنَّا نُحبُّ ذلك , وإن أَبَيْتُم فهو فَيْءُ اللَّه الذي أَفاءَ عليكم , فأنتم أحَقّ به (وذلك لأنّ كفّار قريش كانُوا أخرجوهم كرهًا من مكّة , وأخذوا أموالَهم وديارَهم) . قالُوا : يا رسولَ اللَّه , بل نَرُدُّه عليه . فرَدُّوه عليه كلّه .
فاحْتَمَلَه أبو العاص إلى مكَّة , وأدَّى إلى كلِّ ذي مالٍ من قُريش مالَه , ثمَّ قال : يا معشر قُريش , هل بَقِيَ لِأحَدٍ منكُم عندي مالٌ لم يأخُذْه ؟ قالُوا : لا , فجزاكَ اللَّه خيرًا , فقد وَجدْناكَ وَفيًَّا كريمًا . قالَ : فأنا أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا عبْدُه ورسولُه ! واللَّهِ ما منَعَني من الإسلام عِنْدَه إلاَّ مخَافَة أن تظُنُّوا أنِّي إنَّما أردتُ أن آخُذَ أموَالَكم , فلمَّا أدَّاها اللَّهُ إليكُم وفَرغْتُ منها , أسلمْتُ . ثمَّ عاد إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فرَدَّ إليه زينب .
وفي قصَّة أخرى , قالَ ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : جلسَ عُمَيْر بن وهب الجمَحي مع صفْوان بن أُميَّة يومًا في الحِجْر بعد معركة بدر , يَذكُران قَتْلاهم . وكان عُمَيْر شيطانًا من شياطين قُريش , وكان مِمَّنْ يُؤذي رسولَ اللَّه وأصحابَه عندما كانوا بمكَّة , وكان ابنُه وَهْب في أسارى بدر . فقالَ صفْوان : واللَّهِ ما في العيش بَعْدَهم من خير . قال عُمَيْر : صدقْت , أمَا واللَّهِ لوْلاَ دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْس له عندي قَضاء , وعِيَالٌ أخْشَى عليهم الضَّيْعَة من بعدي , لَرَكِبْتُ إلى محمَّد حتَّى أقتُله , فإنَّ لي قِبَلَهم عِلَّة : ابني أسيرٌ في أيْديهم . فاغْتَنَمها صفْوان وقال : دَيْنُكَ عَلَيَّ , أنا أقْضِيه عنْك , وعِيَالُكَ مع عِيَالي أُوَاسِيهم ما بَقُوا , لا يَسَعُني شيءٌ ويَعْجز عنهم . قال : فاكْتُم عنِّي شأني وشأنك , قالَ : أفْعَل .
فأمَر عُمَيْر بسَيْفِه فشُحِذَ له وسُمَّ , ثم انطلَقَ حتَّى قدم المدينة . فبينما عُمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه في نَفَرٍ من المسلمين يتحدَّثُون عن يوم بدر ويَذكُرون ما أكْرمهم اللَّهُ به , إذ رأى عُمَيْرًا حينَ أناخَ على باب المسجد مُتَوَشِّحًا سَيْفَه . فقالَ : هذا الكلْبُ عدوُّ اللَّه عُمَيْر بن وهْب , واللَّهِ ما جاء إلاَّ لِشَرّ ! ودخلَ على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال له : يا نبيَّ اللَّه , هذا عدُوُّ اللَّه عُمَيْر بن وهْب قد جاء مُتَوَشِّحًا سيْفَه , قالَ : فأدْخِلْه عَلَيَّ . فأقبَل به عُمر وقد أخذ بِحمالة سيْفه في عُنقه , وكان قال لرِجالٍ من مُسلِمي المدينة : ادخُلُوا على رسول اللَّه فاجْلِسُوا عنده , واحذَرُوا عليه من هذا الخبيث فإنَّه غير مأْمون .
فلمَّا رآه رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قالَ : أرْسِلْهُ يا عُمر , ادْنُ يا عُمَيْر . فدَنَا وقال : أنْعِمُوا صباحًا , وكانت تحيَّة العرب بينهم . فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : قد أكْرَمَنا اللَّهُ بتَحيَّةٍ خيْر من تحِيَّتك يا عُمَيْر : بالسَّلام , تحيَّة أهل الجنَّة . قالَ : أمَا واللَّهِ يا محمَّد إنْ كنتُ بها لَحَديث عَهْد . قالَ : فمَا جاء بكَ يا عُمَيْر ؟ قال : جئْتُ لهذَا الأسير الذي في أيْديكُم , فأحْسِنُوا فيه . قال : فمَا بالُ السَّيف في عُنُقِك ؟ قال : قبَّحَها اللَّهُ من سُيُوف , وهل أغْنَتْ عنَّا شيئًا ؟ قال : اصْدُقْني , ما الذي جِئْت له ؟ قال : ما جئْتُ إلاَّ لذلك .
قال : بل قعدْتَ أنتَ وصفْوان بن أميَّة في الحِجْر , فذَكَرْتُما قَتْلى قُريش , ثمَّ قُلْتَ : لولاَ دَيْنٌ عَلَيَّ وعِيَالٌ عندي لَخَرجتُ حتَّى أقتُلَ محمَّدًا , فتَحمَّلَ صفْوان بن أميَّة بدَيْنك وعِيَالك على أن تقتُلَني له , واللَّهُ حائلٌ بيْنَكَ وبيْن ذلك !
فقالَ عُمَيْر : أشهدُ أنَّكَ رسولُ اللَّه ! قد كنَّا يا رسولَ اللَّه نُكذِّبُك بما كنتَ تأتينَا به من خَبَر السَّماء وما يَنزلُ عليكَ من الوَحْي , وهذا أمرٌ لم يَحْضُرْه إلاَّ أنا وصفْوان , فوَاللَّهِ إنِّي لأعلَمُ ما أتاكَ به إلاَّ اللَّه , فالحمْدُ للَّه الذي هداني للإسلام وساقَني هذا المسَاق . ثمَّ شهد شهادة الحقّ , فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : فَقِّهُوا أخاكُم في دِينه وأقْرئُوه القرآن وأطلِقُوا له أسيرَه , ففَعَلُوا .
فقالَ عُمَيْر : يا رسولَ اللَّه , إنِّي كنتُ جاهدًا على إطفاء نور اللَّه , شديد الأذَى لِمَنْ كان على دين اللَّه عزَّ وجلَّ , وأنا أحبُّ أن تأذن لي فأقْدم مكَّة فأدْعُوهم إلى اللَّه تعالى وإلى رسوله وإلى الإسلام , لعلَّ اللَّه يَهديهم , وإلاَّ آذَيْتُهم في دِينهم كما كنتُ أوذي أصحابَك في دِينهم , فأذنَ له .
وكان صفْوان بن أميَّة , حين خرج عُمَيْر , يقولُ لقُريش : أبْشِرُوا بوَاقعةٍ تأتيكُم الآن في أيَّامٍ تُنسيكُم وقْعة بدر . وكان يسألُ عنه الرُّكْبان , حتَّى قدم راكبٌ وأخبره بإسلامه , فحلَفَ أن لا يُكلِّمَه ولا يَنفعه بنَفْع أبدًا . وقدم عُمَيْر إلى مكَّة , فأقام بها يَدْعُو إلى الإسلام كما وعَد .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:41
وهكذا كان محمَّد مُربِّيًا
روى الإمام مُسلِم في صحيحه عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , قال : بينما نحن (جلوسٌ) في المسجد مع رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , إذ جاء (أي دخلَ) أعرابي , فقام يبول في المسجد (أي في ناحيةٍ منه) . فقال أصحابُ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : مه , مه ! فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : لا تزرمُوه (أي لا تقطعوه عن البول) , دَعُوه ! فتَركُوه حتَّى بالَ (أي أكمل بولَه) .
ثمَّ إنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم دَعَاه , فقال له : إنَّ هذه المساجد لا تصلُح لِشَيْءٍ من هذا البَوْل ولا القَذر (أي القاذورات) , إنَّما هي لذِكْر اللَّه عزَّ وجلَّ والصَّلاة وقراءة القرآن . ثمَّ أمر رجلاً من القَوم , فجاء بِدَلْو من ماء , فشَنَّه (أي صَبَّه) عليه . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 236 – رقم الحديث 285) .
نعم , هذا هو محمَّد الدَّاعية والمربِّي : رأى أعرابيًَّا يبول في مسجده , فلم يغضب منه , بل وخاف عليه أن يُصاب بأذى إذا هو لم يُكمل بولَه , فأمر أصحابه أن يتركُوه . فلمَّا فرغَ , أجلسه بجانبه لِيُشعِره بالأمان , ثمَّ أخبره بكلِّ هدوء أنَّ هذا المكان لا يصلح لِلبول !
وفي قصَّة أخرى , روى الطَّبراني في مسند الشَّاميِّين عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه , قال : أتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم غلامٌ شابٌّ , فقال : يا رسولَ اللَّه , ائْذَنْ لي في الزِّنَا ! فصاح به النَّاس , وقالُوا : مه ! فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ذَرُوه , ادْنُ . فدَنا (أي الغلام) حتَّى جلس بين يَدَيْ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال (له) : أتُحِبُّه لأمِّك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لأمَّهاتهم , أتُحِبُّه لابنَتك ؟ قال : لا ! قال : وكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِبَناتهم , أتُحِبُّه لأُختك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِأخواتهم , أتُحِبُّه لِعَمَّتك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِعمَّاتهم , أتُحِبُّه لخالَتك ؟ قال : لا ! قال : وكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِخالاتهم , فاكْرَه لهم ما تكرهُ لنَفْسِك , وأحِبَّ لهم ما تُحبّ لنَفسِك . فقال : يا رسولَ اللَّه , ادعُ اللَّهَ أن يُطهِّر قَلْبي . فوَضعَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَده على صدْره , وقالَ : اللَّهمَّ اغْفِرْ ذَنْبَه , وطهِّرْ قلْبَه , وحصِّنْ فَرْجَه .
فلم يكُن (أي لم يعُد الغلامُ) بعد ذلك يلْتفتُ إلى شيء (من هذا الأمر) . (مسند الشّاميّين – الجزء 2 – ص 139 – رقم الحديث 1066) .
وفي قصَّة أخرى , روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ أعرابيًّا أتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللَّه , إنَّ امرأتي ولَدتْ غلامًا أسْوَدًا , وإنِّي أنكَرْتُه (لأنَّ الأب لم يَكُن أسْوَدًا , ولا الأمّ) . فقال له النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : هلْ لَكَ مِن إبِل ؟ قال : نعم , قال : ما ألوانُها ؟ قال : حُمر (أي مائلة إلى الحُمرة) , قال : هل فيها من أَوْرق (أي رمادي) ؟ قال : نعم , قال : فأنَّى هو ( أي مِن أين أتاها هذا اللَّون المختلف عن الإبل الأخرى) ؟ قال : لعلَّه يا رسول اللَّه يكون نَزَعَهُ عِرْق له (أي لعلَّ في أصوله أو عائلته مَن كان بهذا اللَّون , فاجتذبه إليه فجاء على لونه) , فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : وهذا (أي الولد) , لعلَّه يكونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ له (أي لعلَّ مِن أجداده أو عائلته مَن كان أسْوَد اللَّون , فجاء الولَد على لَونه) . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 1137 – رقم الحديث 1500) .
هكذا إذًا حافَظ النَّبيُّ على أسرةٍ كانت على وشك التَّفكُّك بسبب شكُوك . وهذا الحديث يُعتَبر من معجزات النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لأنَّ علْمَ الوراثة هو من العلوم التي اكتُشِفتْ حديثًا ولم تكُن معروفة من قبل .
وفي قصَّة أخرى , روى النّسائي في سُننه عن عبد اللَّه بن شداد عن أبيه رضي اللَّه عنهما , قال : خرج علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في إحدى صلاتي العشيّ (الظُّهر أو العصر) وهو حاملٌ الحسن أو الحسين (حفيداه , ابنا فاطمة) . فتقدَّم ووضعه (بجانبه) , ثمَّ كبَّر للصَّلاة , فصلَّى ثمَّ سجدَ بين ظَهْرانَيْ صلاته سجدةً أطالها .
قال أبي : فرفعتُ رأسي , وإذا الصَّبيُّ على ظَهْر رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهو (أي النَّبيُّ) ساجد ! فرجعتُ إلى سجودي . فلمَّا قضَى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الصَّلاة , قال (له) النَّاس : يا رسولَ اللَّه , إنَّك سجدتَ بين ظهرانَيْ صلاتكَ سجدةً أطَلْتَها حتَّى ظَنَنَّا أنَّه قد حدثَ أمْرٌ أو أنَّه يُوحَى إليك . قالَ : كلّ ذلك لَمْ يكُنْ , ولكنَّ ابْنِي ارتَحَلَني , فكرهْتُ أن أعْجله حتَّى يَقْضي حاجَتَه ! (المجتبى من السّنن – الجزء 2 – ص 229 – رقم الحديث 1141) .
هذا إذًا محمَّدٌ النَّبيُّ الأمِّيُّ الذي عاش في القرن السَّابع الميلادي , وهذه طريقته في الدَّعوة والتَّربية !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:41
هل كان محمَّد يبحث عن السُّلطة والمال ؟
إطلاقًا ! ولو قارَنَّا بين نَوْعيَّة الحياة التي كان محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يحياها قبل النُّبوَّة وبعدها , لَمَا شكَكْنا لحظة واحدة أنَّه نبيٌّ .
فبالرَّغم من أنَّه عاش يَتيم الأبَوين , إلاَّ أنَّه قضَّى طفولَته وشبابَه في كفالة عمِّه أبي طالب , سيِّد قُريش آنذاك , الذي غَمَره بعطفه وعوَّضَه حنانَ الأب والأمّ . ولَمَّا بلَغ سِنَّ الخامسة والعشرين , تزوَّج من السَّيِّدة خديجة , أشْرف نساء مكَّة آنذاك وأكثرهنَّ مالاً , وذلك بعد أن رأتْ مِن أمانته وصِدْقه ما رَغَّبها في الزَّواج منه .
فكان النبَّيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حتَّى سِنِّ الأربعين يعيشُ حياة هادئة , وكان يتعبَّدُ كما يشاء على شَرْع إبراهيم عليه السَّلام . وبالإضافة إلى ذلك , كان يتمتَّع بِحُبِّ وتقدير جميع قَوْمه , صغيرهم وكبيرهم , لِشَرف نَسَبه وحُسْن أخلاقه .
فلم يكُن هناك إذًا أيُّ سَبب منطقي يدفعُه بعد ذلك أن يدَّعي النُّبوَّة , لأنَّه لم يكن يفتقدُ لأيِّ شيء من هَناء العيش . ولَو فَرضْنا جدَلاً أنَّه كان يَبْتغي من وراء هذا الأمر السُّلطةَ والجاهَ والمالَ , لَكَانتْ هذه النَّوايَا برزَتْ في طِباعه وسُلُوكه منذ شبابه , ولَمَا خَفِيَ ذلك على قَوْمه . ثمَّ إنَّه كان يستطيعُ أن يحصُل على كلِّ ذلك دون الحاجة لادِّعاء النُّبوَّة , لأنَّه , كما ذكَرْنا سابقًا , كان من عائلةٍ ذات شَرف وسيادة , وكان محبوبًا في قَوْمه .
هذا ما يقوله العقلُ والمنطق . أمَّا واقعيًّا , فكُتُبُ التَّاريخ تشهدُ أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان أبعد ما يكُون عن التَّفكير في المال والجاه والسُّلطة . وقد كُنَّا ذكَرْنَا أنَّ سادات قُريش عرضُوا علَيْه في بداية نُبُوَّته أن يتَخَلَّى عن الدَّعوة إلى الإسلام مُقابل أن يجمعُوا له من المال ما يشاء ويجعلُوه ملكًا وسيِّدًا عليهم , فرفضَ هذه الاغراءات وأجابَهُم بأنَّه فعْلاً رسولٌ من عند اللَّه .
فعند ذلك عَادَوْه وآذَوْه وحاولُوا قتلَه , فهاجر إلى المدينة (وهي تبعد عن مكَّة 418 كلم إلى الشَّمال) وأصبح له أتباعٌ كثيرون , وكوَّنَ دولة إسلاميَّة . وعاد بعد ذلك منتصرًا إلى مكَّة , ودخل الآلافُ من العرب في الإسلام , وأصبح محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حاكمًا على ما يُعرَف اليوم بالسّعوديَّة . وكان بإمكانه وَقْتَئذ , لو كانت له فعْلاً نَوايَا من وراء النُّبوَّة , أن يسكن القُصور وتَخدُمه الجواري والعبيد , كما كان سائدًا في ذلك العصر .
لكنَّه فَعلَ عكس ذلك تمامًا ! بل إنَّه , منذُ شرَّفَه اللَّهُ تعالى بالنُّبوَّة في سنِّ الأربعين وحتَّى وفاته في سنِّ الثَّالثة والسِّتِّين , كان أزهد النَّاس في الدُّنيا وأكثرهم طاعة للَّه .
فقد روى ابن ماجه في سُننه عن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه , قال : دخلْتُ على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو على حصير . فجلَسْتُ , فإذا عليه إزارٌ وليسَ عليه غَيْرُه , وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبه , وإذا أنا بقَبْضَة من شعير نحو الصَّاع وقرظ في ناحيَة في الغُرفة , وإذا إهابٌ مُعَلَّق . فابْتَدرتْ عَيْناي (أي دمعَتْ) , فقال : ما يُبْكِيكَ يا ابنَ الخطَّاب ؟ فقلتُ : يا نَبيَّ اللَّه , وما لي لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبك , وهذه خزانتكَ لا أرى فيها إلاَّ ما أرى , وذلكَ كِسْرَى (ملك الفُرس) وقَيْصَر (ملك الرُّوم) في الثِّمار والأنهار , وأنتَ نبيُّ اللَّه وصَفْوَته وهذه خزانَتك ! فقال : يا ابنَ الخطَّاب , ألا ترضَى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدُّنيا ؟! قلتُ : بلى ! (سنن ابن ماجة – الجزء 2 – ص 1390 – رقم الحديث 4153) .
وروى التّرمذي في سُنَنه عن عبد اللَّه (بن مسعود) رضي اللَّه عنه , قال : نام رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على حصير , فقام وقد أثَّر في جَنْبه . فقلْنا : يا رسولَ اللَّه , لَو اتَّخَذْنا لك وطاء ؟ فقال : مالي وما للدُّنيا , ما أنا في الدُّنيا إلاَّ كَراكِبٍ اسْتَظلَّ تحت شجرة ثمَّ راح وتَركَها . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 588 – رقم الحديث 2377) .
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عروة (بن الزُّبير) رضي اللَّه عنه , أنَّ عائشة (زوجة النَّبيّ) رضي اللَّه عنها قالتْ له : واللَّهِ يا ابنَ أختي إنْ كُنَّا لَنَنظرُ إلى الهلال ثمَّ الهلال , ثلاثة أهِلَّة في شَهْرَيْن , وما أُوقِدَتْ في أبْيات (أو بيوت) رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نارٌ (أي للطَّبخ) . فقلتُ : يا خالَة , ما كان يعيشُكُم ؟! قالتْ : الأسْوَدان : التَّمر والماء , إلاَّ أنَّه قد كان لِرسُول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم جيرانٌ من الأنصار كانتْ لهم مَنائح , وكانُوا يَمنحُون رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من ألبانها فيَسْقينَا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 2 – ص 907 – رقم الحديث 2428) .
وعن كثرة صلاته , روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , قالتْ : كان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذا صَلَّى (أي صلاة النَّافلة) قامَ حتَّى تفطر رجْلاه (أي تَنتفخ وتتوَرَّم) . فقلتُ له : أتَصْنَعُ هذا وقد غُفِر لَكَ ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ ومَا تَأخَّر ؟! فقال : يا عائشة , أفَلاَ أكونُ عَبْدًا شَكُورًا ؟! (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2172 – رقم الحديث 2820) .
وعن بساطته في العيش , روى ابن حبَّان في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , أنَّها سُئِلَتْ : ما كان النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَعْملُ في بَيْتِه ؟ فقالتْ : كان يَخيطُ ثَوبَه ويخصفُ نَعْلَه ويعملُ ما يعملُ الرِّجالُ في بُيُوتهم . (صحيح ابن حبّان – الجزء 12 – ص 490 – رقم الحديث 5677) .
وعن الأملاك التي تركَها بعد موته , وقد كان وَقْتَها يحكم ما يُعرَف اليوم بالسّعوديَّة كما ذكَرْنا , روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمرو بن الحارث رضي اللَّه عنه , قال : ما تركَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عندَ مَوْته دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمَةً , إلاَّ بَغْلَتَه البَيْضاء التي كان يَرْكَبُها وسلاحَه , وأرضًا جعَلَها لابْن السَّبيل صَدَقة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1619 – رقم الحديث 4192) .
وعن تواضُعه , روى أبو داود في سُننه عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه , قال : خرجَ علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مُتوَكِّئًا على عَصا , فقُمْنَا إليه (أي وقَفْنَا له) , فقال : لا تقومُوا كما تقُوم الأعاجِم , يُعظِّمُ بعضُهم بعضًا . (سنن أبي دواد – الجزء 4 – ص 358 – رقم الحديث 5230) .
وروى أبو داود أيضًا في سُنَنه عن أبي مجلز رضي اللَّه عنه , قال : خرجَ معاوية علَى ابن الزُّبَيْر وابن عامر , فقام ابنُ عامر وجلسَ ابنُ الزُّبَيْر . فقال مُعاوية لابن عامر : اجْلِسْ , فإنِّي سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : مَنْ أحَبَّ أن يَمْثُلَ له الرِّجالُ قِيَامًا , فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النَّار ! (سنن أبي داود – الجزء 4 – ص 358 – رقم الحديث 5229) .
قد تقول سيِّدي الكريم أنَّ كلَّ الدَّلائل التي ذكَرْتُها هنا يمكنُ أن تكون أكاذيب اختَلَقَها المسلمون لإعطاء صورة حسنة عن نبيِّهم !
أقول : واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , ليس هناك على مدى التَّاريخ أُناسٌ اعتَنَوْا بكتابة سيرة نبيٍّ أو زعيم أو مُبدِع , مثلَما فعلَ المسلمون الأوائل مع محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! كلُّ التَّفاصيل تقريبًا عن حياته الخاصَّة والعامَّة , عن أقواله وأفعاله , مِنْ بعد نُبُوَّته وحتَّى وفاته , وقعَ تدوينُها بأمانةٍ مُدهشة , وحُفِظَتْ إلى يومنا هذا تحت اسم : أحاديث نبويَّة , في كُتُب تُسَمَّى بـ : صحيح البخاري , وصحيح مسلم , وسُنن التّرمذي , ومُسنَد الإمام أحمد , وغيرها .
ولو دقَّقْتَ سيِّدي في طريقة تدوين الأحاديث في هذه المراجع , لَاستغربتَ أشدَّ الاستغراب ! فكلُّها تبدأ بـ : حدَّثنا فُلان , عن فُلان , عن فُلان ... أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال كذا , أو فَعل كذا . فالإمام البخاري مثلاً لم يجمع في صحيحه الذي يحتوي على أكثر من سبعة آلاف حديث نبويّ , إلاَّ الأحاديث التي سمعها بنفسه من فلان , الذي سمعها بدوره من فلان ... حتَّى الوصول إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! ولم يُدوِّنْها إلاَّ بعد أن تأكَّد مِن أنَّ كلَّ الرُّواة في السِّلسلة ثقاتٌ , وجَيِّدُو الحِفْظ , وأنَّ فُلانًا قد عاش فعلاً في زمن فُلان الذي سمع منه , إلخ .
فهل يمكنُ بعد هذا أن نُصدِّق أنَّ هذه الأحاديث مِن اختلاق الإمام البخاري أو الإمام مسلم أو غيرهما ؟!
أبدًا ! بل إنَّ هؤلاء الرُّواة كانُوا يَتحرَّوْن أشدَّ التَّحرِّي في درجة صحَّة الأحاديث التي يَرْوُونَها في كتُبهم , واضعينَ أمام أعْيُنهم الحديث الذي رواه الدَّارمي في سُنَنه عن أبي قتادة رضي اللَّه عنه , قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقولُ على المنْبَر : يا أيُّها النَّاس , إيَّاكُم وكَثْرة الحديث عنِّي , فَمَنْ قالَ علَيَّ فلا يَقُلْ إلاَّ حَقًّا (أو إلاَّ صِدْقًا) , ومَنْ قالَ عَلَيَّ ما لَمْ أقُلْ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَه من النَّار ! (سنن الدّارمي – الجزء 1 – ص 89 – رقم الحديث 237) .
وحتَّى إن وُجِدَ أحيانًا نفسُ الحديث مرويًّا بصِيَغ مختلفة عند البخاري ومسلم مثلا , فهذا طبيعي , لأنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لم يأمُرْ أصحابَه في حياته بكتابة ما يقُوله وما يَفعله , وإنَّما أَمَرهُم بحفظ وكتابة ما كان يَنزلُ عليه من آيات القرآن الكريم فقط . فقد روى الحاكم في مُستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لا تكتبُوا عنِّي شيئًا سوى القرآن . مَنْ كتبَ عنِّي شيئًا سوى القرآن , فلْيَمْحُه . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 1 – ص 216 – رقم الحديث 437) .
فلمَّا بدأ الإمام البخاري ثمَّ الإمام مسلم ثمَّ غيرهما في جمع الأحاديث بعد وفاة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كان من المنطقي أن يكون هناك اختلاف في بعض الألفاظ , لأنَّ الذين رَوَوْا هذه الأحاديث اعتمدُوا في الغالب على ذاكرتهم لاسترجاع أحاديثَ سمعُوها , ولَمْ يُؤمَروا عند سماعها بحفظِها حرفًا حرفًا مثل القرآن . ولو أنَّكَ مثلا سألتَ شخصَيْن فَوْر خروجهما من قاعةٍ للمحاضرات : ماذا قال المحاضر في النُّقطة الفُلانيَّة ؟ لَحصَلْتَ على قَوْلَيْن مُختَلِفَيْن قليلاً في اللَّفظ , قَريبَيْن في المعنى .
ثمَّ إنَّ اختلاف الرِّوايات يزيدُ الحديث توثيقًا , لأنَّه يدلُّ على أنَّ الكلام قِيلَ فعْلاً أو أنَّ الحادثة وقعتْ وليستْ مُختَلَقة .
بقيَ أن نلاحظ أنَّ المسلمين عندما يستشهدُون بحديث نبوي , فإنَّهم يذكُرون فقط الرَّاوي الأوَّل والرَّاوي الأخير في السِّلسلة , لكي لا يَملَّ السَّامع أو القارئ من طول سلسلة الرُّواة .
نختم هذا العنصر بالقول بأنَّه لو كان محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَبْتغي الشُّهرة والسُّلطة من وراء النُّبوَّة , لَكان ادَّعى أنَّه ابنُ اللَّه أو شريكُه أو غير ذلك ! حاشَى له ولغيره من الأنبياء أن يدَّعُوا ذلك ! كلُّهم كانُوا يُنزِّهون اللَّهَ تعالى أن يكُون له ولدٌ أو زوجة أو شبيه , وكلُّهم كانُوا يعتزُّون أنَّهم عبادٌ للَّه , ويطلُبون من أتباعهم ألاَّ يَرفعوهم فوق هذه الدَّرجة .
فقد روى النّسائي في السُّنن الكبرى عن أنَس رضي اللَّه عنه , أنَّ ناسًا قالُوا لِرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا خيرنا وابن خيرنا ويا سيِّدنا وابن سيِّدنا . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا أيُّها النَّاس , علَيْكُم بقَوْلِكُم ولا يَسْتَهْوِيَنَّكُم الشَّيْطان , إنِّي لا أريدُ أن ترفعُوني فوقَ مَنْزلَتي التي أنْزَلَنيها اللَّهُ تعالَى , أنا مُحَمَّد بن عبد اللَّه , عبدُهُ ورسُولُه . (السّنن الكبرى – الجزء 6 – ص 71 – رقم الحديث 10078) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:42
معجزات النَّبيّ محمَّد
إلى جانب القرآن الكريم الذي يبقى معجزة كلِّ الأزمان , أيَّدَ اللَّهُ تعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمعجزات أخرى ملموسة شاهدها النَّاس .
من ذلك : مُعجزة نَبْع الماء من بين أصابعه في مُناسبات مختلفة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما , قال : عطشَ النَّاسُ يوم الحدَيْبِيَة , والنَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بينَ يدَيْه ركْوَةٌ , فتَوَضَّأ , فجهشَ (أي أسرعَ) النَّاسُ نَحْوَه . فقال : ما لَكُم ؟ قالُوا : ليْسَ عندنا ماءٌ نَتَوَضَّأ ولا نَشْربُ , إلاَّ ما بَيْنَ يَدَيْك . فوَضَع يَدَهُ في الرَّكْوَة , فجَعَلَ الماءُ يَثُور بينَ أصابعه كأمثال العُيُون , فشَربْنا وتَوَضَّأنا .
قلتُ (أي قال سالم لِجابر) : كَمْ كُنْتُم ؟ قال : لو كُنَّا مائة ألْف لَكَفَانا , كُنَّا خَمْسَ عشْرة مائة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1310 – رقم الحديث 3383) .
وفي حادثة أخرى : روى ابنُ خزيمة في صحيحه عن ثابت وقتادة عن أَنَس (بن مالك) رضي اللَّه عنه , قال : طلَبَ بعضُ أصحاب النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وُضُوءًا , فلَمْ يَجِدُوا , فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : هَاهُنَا ماء . فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وضَعَ يَدهُ في الإناء الذي فيه الماء , ثمَّ قال : تَوَضَّأوا باسْم اللَّه , فرأيْتُ الماءَ يَفُور مِن بَيْن أصابعه والقَومُ يَتَوضَّأون , حتَّى تَوَضَّأوا عن آخِرهم !
قال ثابت : فقلتُ لأنَس : كَم تَراهُم كانُوا ؟ قال : نَحْوًا مِن سَبْعين . (صحيح ابن خزيمة – الجزء 1 – ص 74 – رقم الحديث 144) .
ومن معجزات النَّبيِّ أيضًا : تكثير الطَّعام وزيادة البركَة فيه , في مناسبات عديدة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : واللَّهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هو , إنْ كنتُ لَأعتَمِدُ بكَبدي على الأرض من الجوع , وإنْ كنتُ لَأشُدُّ الحجَر على بَطْني من الجوع . ولقد قَعَدتُ يومًا على طَريقهم (أي طريق أصحاب النَّبيّ) الذي يَخرجُون منه , فمَرَّ بي أبو بكر , فسألْتُه عن آيةٍ من كتاب اللَّه , ما سألْتُه إلاَّ لِيُشْبِعَني *, فمَرَّ ولَم يَفْعَلْ . ثمَّ مَرَّ بي عُمر , فسألْتُه عن آيةٍ من كتاب اللَّه , ما سألْتُه إلاَّ لِيُشْبِعَني *, فمَرَّ ولَم يَفْعَلْ .
ثمَّ مَرَّ بي أبو القاسم (أي محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فتَبَسَّم حينَ رآني وعرفَ ما في نَفْسي وما في وجْهي , ثمَّ قال : يا أبا هِرّ (للمُداعبة) , قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : الْحَقْ .
ومَضَى , فتَبعْتُه , فدخَلَ (إلى بيته) , فاسْتَأذنَ فأُذِنَ لي , فدخلتُ . فوَجَد لَبَنًا في قَدح , فقال : مِنْ أيْنَ هذا اللَّبن ؟ قالُوا : أهْداهُ لكَ فُلان أو فُلانة , فقال : أبا هِرّ , قلتُ : لَبَّيكَ يا رسولَ اللَّه , قال : الْحَقْ إلى أهل الصُّفَّة , فادْعُهم لي .
قال أبو هُرَيْرة : وأهلُ الصُّفَّة (هم) أضْيافُ الإسلام , لا يَأوُونَ على أهْلٍ ولا مالٍ ولا على أحَد , إذا أتَتْهُ (أي النَّبيّ) صدَقَةٌ بَعَثَ بها إليهم ولَمْ يتناوَلْ منها شيْئًا , وإذا أتَتْهُ هديَّةٌ أرسلَ إليهم وأصابَ منها وأشرَكهُم فيها .
قال أبو هُرَيْرة : فسَاءَني ذلكَ , فقلتُ (أي في نَفْسي) : وما هذَا اللَّبَنُ في أهْل الصُّفَّة (أي هو قليلٌ جدًّا وهم كَثيرُو العدد) ؟! أنا كنتُ أحَقّ أن أصِيبَ من هذا اللَّبن شرْبَةً أتَقَوَّى بها ! فإذا جاءُوا , أمَرَني , فكنتُ أنا أُعطِيهم , وما عسَى أن يَبْلُغَني من هذا اللَّبن ؟!
ولَمْ يَكُن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله بُدٌّ , فأتَيْتُهم فدَعَوْتُهم , فأقْبَلُوا واسْتَأذَنُوا , فأُذِنَ لهم وأخَذُوا مجالِسَهم من البَيْت . فقال : (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) : يا أبا هِرّ , قلْتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : خُذْ فأعْطِهم . فأخذْتُ القَدَح , فجعلْتُ أُعْطيه الرَّجُلَ فيَشْربُ حتَّى يَرْوَى ثمَّ يَرُدُّ علَيَّ القَدَح , فأعْطيه الرَّجُلَ فيَشْربُ حتَّى يَرْوَى ثمَّ يَرُدُّ علَيَّ القَدَح , حتَّى انْتَهَيْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وقد رَوَى القومُ كلُّهم !
فأخذَ القَدَح فوَضَعهُ على يَده , ونظَرَ إليَّ فتبسَّم وقال : يا أبا هِرّ , قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : بَقيتُ أنا وأنت , قلتُ : صدقْتَ يا رسولَ اللَّه , قال : اقْعُدْ فاشْرَبْ . فقعدتُ فشربْتُ , فقال : اشْرَبْ , فشربْتُ , فَمَا زالَ يقولُ : اشربْ , حتَّى قلْتُ : لا , والَّذي بعَثَكَ بالحَقِّ ما أجدُ له مَسْلَكًا ! قال : فأَرِنِي , فأعطَيْتُه القَدَح , فحمدَ اللَّهَ وسَمَّى وشربَ الفَضْلَة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2370 – رقم الحديث 6087) .
وفي حادثة أخرى : روى الإمام البخاري أيضًا عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه , قال : كُنَّا يومَ الخندق نَحفِر , فعرضَتْ كُدْيَةٌ شديدة (أي حجارةٌ صمَّاء) , فجاءوا النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقالُوا : هذه كُديةٌ عرضَتْ في الخَنْدق , فقال : أنا نازل . ثمَّ قام وبطْنُه مَعصوبٌ بحجَر (وذلك لِلتَّخْفِيف من آلام الجوع) , ولَبثْنَا (أي وقد كُنَّا لَبثْنَا) ثلاثة أيَّام لا نذوقُ ذواقًا (أي لم نَأكل شيئًا) . فأخذَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المعْوَلَ , فضربَ في الكُدْيَة , فعاد كَثيبًا أهْيَل , أو أهْيَم , (أي تفتَّتَت الحجارة) .
فقلتُ : يا رسولَ اللَّه , ائذَنْ لي إلى البيْت . (فأذن لي ورجعتُ إلى بيتي) , فقلتُ لِامرَأتي : رأيتُ بالنَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم شيئًا ما كان في ذلكَ صبرٌ , فعِنْدَكِ شيء ؟ قالتْ : عندي شعيرٌ وعناق (وهو صغيرُ المعْزَة) . فذبَحْتُ العناق وطحنتُ الشَّعير , حتَّى جعلْنَا اللَّحم في البُرمة (وهي قِدْر يُصنع من الحجارة) . ثمَّ جئتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , والعجينُ قد انكسر , والبُرمةُ بين الأثافي (وهي الحجارة التي يُوضع عليها القِدْر) قد كادتْ تَنْضج , فقلْتُ : طُعَيِّمٌ لي , فقُم أنتَ يا رسولَ اللَّه ورجلٌ أو رجُلان . قال : كَمْ هو ؟ فذكَرْتُ له , فقال : كثيرٌ طَيِّب , قُلْ لها لا تَنْزِعُ البُرْمةَ ولا الخُبْزَ من التَّنُّور (وهو الكانون أو الفرن) حتَّى آتِي .
ثمَّ قال (أي لِأصحابه) : قُومُوا . فقامَ المهاجِرُون (وهم المسلمون الذين هاجرُوا من مكَّة إلى المدينة) والأنصار (وهم المسلمون من سكَّان المدينة) . فلمَّا دخلتُ على امرأتي , قلتُ : وَيْحَكِ , جاء النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بالمهاجرينَ والأنصار ومَنْ معهُم ! قالتْ : هلْ سألَك ؟ قلتُ : نعم .
وقال (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِأصحابه) : ادخُلُوا ولا تَضاغَطُوا (أي لا تَزاحَمُوا) . فجعلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويجعلُ عليه اللَّحْمَ , ويُخَمِّرُ البُرمة والتَّنُّور (أي يُغطِّيهما بقُماش) إذا أخذَ منهما , ويُقرِّبُ إلى أصحابه , ثمَّ يَنْزِع (أي يُعيد نفس العمليَّة) . فلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويَغْرِفُ (أي يجعلُ عليه اللَّحم) , حتَّى شَبِعُوا . وبَقِيَ بقيَّةٌ , فقال : كُلِي هذا وأهْدِي , فإنَّ النَّاسَ أصابَتْهُم مَجَاعةٌ . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1505 – رقم الحديث 3875) .
وفي حادثة أخرى : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة أو عن أبي سعيد (الخدري) رضي اللَّه عنهما , قال : لَمَّا كان غَزْوَة تَبُوك , أصابَ النَّاسَ مَجاعَةٌ فقالُوا : يا رسولَ اللَّه , لَوْ أذنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنَا (أي جِمالَنا) فأكَلْنَا وادَّهنَّا . فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : افْعَلُوا . فجاءَ عُمَر فقال : يا رسولَ اللَّه , إن فعَلْتَ , قَلَّ الظَّهر , ولكن ادْعُهُم بفَضْلِ أزْوادِهم , ثمَّ ادْعُ اللَّهَ لهم عليْها بالبَرَكة , لَعَلَّ اللَّه أن يَجْعَلَ فيها ذلك . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : نَعَم .
فَدَعَا بِنَطْعٍ فبَسَطَه , ثمَّ دَعَا بِفَضْلِ أزوادِهم , فجعلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بِكَفِّ ذُرَة , ويَجيءُ الآخرُ بِكَفِّ تَمْر , ويَجيءُ الآخرُ بِكِسْرة , حتَّى اجتمعَ على النَّطْع من ذلك شيءٌ يَسير . فدَعَا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عليه بالبَركَة , ثمَّ قال : خُذُوا في أَوْعِيَتِكُم . فأخَذُوا في أَوْعِيَتِهم حتَّى ما تَركُوا في العَسْكَر وعاءً إلاَّ مَلَأوه ! فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا وفَضَلَتْ فَضْلَة . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أشهدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّه وأنِّي رسولُ اللَّه , لا يَلْقَى اللَّهَ بهما عَبْدٌ غير شاكٍّ فَيُحْجَب عن الجنَّة . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 56 – رقم الحديث 27) .
ومن معجزات النَّبيِّ أيضًا : ما رواه الحاكم في مُستَدرَكه عن محمَّد بن عمر رضي اللَّه عنه , قال : شهدَ قَتادة بن النُّعمان العَقَبَة مع السَّبعين من الأنصار , وكان من الرُّماة المذْكورين من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , شَهِدَ بَدْرًا وأُحُدًا , ورُمِيَتْ عَيْنُه يَومَ أُحُد , فسالَتْ حَدقتُه على وَجْنَتِه , فأتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللَّه , إنَّ عِنْدي امرأةً أُحِبُّها , وإن هي رأتْ عَيْني خَشِيتُ تَقذُّرها . فرَدَّها رسولُ اللَّه بِيَده , فاسْتَوَتْ ورجعَتْ , وكانتْ أقْوى عَيْنَيْه وأصحَّهما بعد أن كَبُر ! (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 3 – ص 334 – رقم الحديث 5281) .
هذه إذًا بعض المعجزات التي أجراها اللَّهُ تعالى على يَدَيْ نَبِّيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهناك الكثير من المعجزات الأخرى لَمْ نَذْكُرها هنا . وإذا كُنتِ سيِّدتي الفاضلة تجدين صعوبة في التَّصديق بأنَّها وقعتْ فعلاً , فتذكَّري أنَّكِ صدَّقتِ ما هو أغْرب من ذلك , وهو أنَّ الأرض التي تعيشين فوقها تدور بكِ الآن بسرعة 1600 كلم في السَّاعة , وأنتِ لا تشعرين بأيِّ شيء ! فلِمَ العجَبُ إذًا من معجزاتٍ تَتِمُّ كلُّها بأمر اللَّه الذي يقول للشَّيء كُنْ فَيَكُون ؟!
وإذا كان النَّصارى استغربُوا من شفاء المسيح عليه السَّلام للمَرضَى وإحيائه للمَوْتَى , فادَّعَوْا أنَّه ابنُ اللَّه , فإنَّ المسلِمين علِمُوا أنَّ معجزات نبيِّهم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ومعجزات موسى وعيسى عليهما السَّلام , لَمْ تَكُن مِن صُنْعهم هم وإنَّما تَمَّتْ بإذْن اللَّه , لأنَّه هو وحده الذي يَملِكُ القُدرة على خَرْق القوانين الكونيَّة مَتَى يشاء وكيف يشاء . لذلك , لَمْ يَرفع المسلمُون محمَّدًا ولا عيسى ولا غيرهما من الأنبياء عليهم السَّلام عن مُسْتَوى البَشَر .
______________
التالي بإذن الله تعالى: هل دعا محمَّدٌ اليهودَ والنَّصارى إلى الإسلام ؟
كلمة سواء
16.01.2011, 14:43
هل دعا محمَّدٌ اليهودَ والنَّصارى إلى الإسلام ؟
طبعًا ! فهو رسولٌ إلى النَّاس كافَّة , وليس إلى قَوْمه فقط مثلما كان الأنبياء قبله . يقول اللَّه تعالى مخاطبًا محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 158 } (7- الأعراف 158) .
لهذا , لم يقتصر النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على دعوة قُريش فقط إلى الإسلام , بل دعا اليهُود أيضًا والنَّصارى , وأرسل رُسُلَه إلى ملُوك الفُرس والرُّوم وبقيَّة العَرب .
وكان اليهودُ يسكُنون المدينة التي هاجر إليها النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مع أصحابه . وذلك أنَّ أجدادَهم من الأحبار كانُوا يقرءون في كُتُبهم عن قُرب ظُهور نبيٍّ , يُبعَثُ في المدينة . فجاء بعضُهم إليها واستقرُّوا بها ظانِّين أنَّ هذا النَّبيَّ سيكون واحدًا من بينهم , فيكونُون أوَّل مَنْ يَتَّبعُه . فلمَّا بُعِثَ محمَّدٌ نبيًّا عربيًّا من سُلالة إسماعيل بن إبراهيم , وليس يهوديًّا من سلالة إسحاق بن إبراهيم , عليهم السَّلام جميعًا , تَملَّكَتْهُم الغيرة والحسد , فكَفرُوا بمحمَّد وكادُوا له المكائد !
فقد روى ابن إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة , قال : حدَّثَني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجالٍ من قومه , قالُوا : إنَّ مِمَّا دعانَا إلى الإسلام , مع رحمة اللَّه تعالى وهُداه , ما كُنَّا نسمعُ من رجال يَهُود . كُنَّا أهل شرْكٍ , أصحاب أوْثان , وكانُوا أهل كِتاب , عنْدَهم عِلْمٌ ليْسَ لنا . وكانتْ لا تزالُ بيننا وبينهم شُرور , فإذَا نِلْنَا منهم بعضَ ما يَكْرهون قالُوا لنا : إنَّه تَقاربَ زمانُ نَبيٍّ يُبْعثُ الآن , نُقاتِلُكم معه قتْلَ عادٍ وإِرَم . فكُنَّا كثيرًا ما نسمعُ ذلكَ منهم .
فلمَّا بَعثَ اللَّهُ رسولَه محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أجَبْنَاه حينَ دَعانا إلى اللَّه تعالى , وعرَفْنا ما كانُوا يَتَوَعَّدونَنا به , فبَادَرْنَاهم إليه , فآمَنَّا به , وكفَرُوا ! ففِينَا وفيهم نزلتْ هذه الآية : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ 89 } (2- البقرة 89) .
وروى الحاكم في مُستدركه عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قالَ : كانت يَهودُ خَيْبَر تُقاتِلُ غَطَفان , فكُلَّما الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُود خَيْبَر . فعَاذت اليهودُ بهذا الدُّعاء : اللَّهُمَّ إنَّا نسْألُكَ بحَقِّ محمَّد النَّبيِّ الأُمِّي الذي وَعَدْتَنا أن تُخْرجَه لَنَا في آخِر الزَّمان , إلاَّ نَصَرْتَنَا عليهم .
فكانُوا إذا الْتَقَوْا دَعَوْا بهذا الدُّعاء , فهَزَمُوا غَطفان . فلمَّا بُعِثَ النَّبيُّ (محمَّدٌ) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كفَرُوا به , فأنزلَ اللَّهُ : وقد كانُوا يَستَفتِحون بك يا محمّد على الكافرين (انظر الآية 89 من سورة البقرة التي ذكَرْناها) . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 2 – ص 289 – رقم الحديث 3042) .
وكان أحبارُ اليهود يأتون إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لا لِيَسْألوه عن الإسلام , وإنَّما لِيُحاولُوا أن يَلْبِسُوا عليه الحقَّ بالباطل ! فكان القرآنُ يَنزلُ لِيَفضحهم .
قال ابنُ إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة : مثال ذلك أنَّ كعْب بن أسد , وابن صلُوبا , وعبد اللَّه بن صُوري , وشاس بن قيس , اجْتمعُوا يومًا فقالُوا : لِنَذْهبْ إلى محمَّد لَعلَّنا نَفْتِنه عن دينه , فإنَّما هو بَشَر . فأتَوْه فقالُوا : يا محمَّد , إنَّك قد عرفْتَ أنَّنا أحبارُ يَهود وأشرافُهم وساداتُهم , وإنَّا إن اتَّبعْناكَ اتَّبَعتْكَ يَهود ولم يُخالِفُونا , وإنَّ بيْنَنا وبينَ بعض قَوْمنا خُصُومة , أفَنُحاكمُهم إليك فتَقْضي لنا عليهم , ونؤمنُ بك ونُصدِّقك ؟ فأبَى رسولُ اللَّه عليهم ذلك , وأنزلَ اللَّهُ تعالى فيهم : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ 49 أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 50 } (5- المائدة 49-50) .
وفي حادثة أخرى : روى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة , قال : أتَى رافع بن حارثة , وسلاَّم بن مشْكَم , ومالك بن الصَّيف , ورافع بن حُرَيْملة , النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقالُوا : يا محمَّد , ألسْتَ تزعُم أنَّكَ على مِلَّة إبراهيمَ ودِينه , وتُؤمنُ بما عندَنا من التَّوراة وتشْهَدُ أنَّها من اللَّه حقٌّ ؟
قال : بلَى , ولكنَّكُم أحْدَثْتُم وجحَدْتُم ما فيها مِمَّا أخذَ اللَّهُ عليكم من الميثاق , وكتَمْتُم منها ما أُمِرْتُم أن تُبَيِّنُوه للنَّاس , فبَرِئْتُ مِن إحْداثِكُم . قالُوا : فإنَّا نأخُذُ بِما في أيْدينا , فإنَّا على الهدى والحقّ , ولا نُؤمنُ بكَ ولا نتَّبعُك ! فأنزلَ اللَّه تعالى فيهم : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 68 } (5- المائدة 68) .
وروى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن أبي هرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ أحبارَ يَهود اجْتَمعُوا في بيْت المِدْراس , حين قدم محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المدينة , وقد زنَى رجلٌ منهم بعد إحْصانه بامرأةٍ من يَهود قد أُحْصِنَت , فقالُوا : ابْعَثُوا بهذَا الرَّجُل وهذه المرأة إلى محمَّد , فسَلُوه كيفَ الحكْمُ فيهما , ووَلُّوه الحكْمَ عليهما , فإن عملَ فيهما بعَمَلِكم من التَّجْبِيَة (وهي أن يُجْلَدَا بحبْلٍ , ثمَّ تُسَوَّد وُجُوههما , ثمَّ يُحْمَلان على حمارَيْن , وتُجعَل وُجُوههما من قِبَل أدْبار الحمارَيْن) فاتَّبِعُوه , فإنَّما هو مَلِكٌ وصَدِّقُوه , وإن هو حكَم فيهما بالرَّجْم , فإنَّه نبيٌّ فاحذَروه على ما في أيْديكم أن يَسْلُبْكُموه !
فأتَوْه , فقالُوا : يا محمَّد , هذا رجلٌ قد زنَى بعد إحصانِه بامرأةٍ قد أُحْصِنتْ , فاحكُم فيهما فقد وَلَّيْناك الحكْمَ فيهما . فمشَى رسولُ اللَّه حتَّى أتى أحْبارَهم في بيْت المِدْراس , وقالَ : يا معْشر يَهود , أخْرِجُوا إليَّ عُلَماءكُم . فأخْرجُوا له عبْدَ اللَّه بن صوريا , وكان غلامًا شابًّا من أحْدَثِهم سِنًّا , وقالُوا : هذا أعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بالتَّوراة .
فخَلاَ به رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وألَحَّ عليه السُّؤال , يقول له : يا ابنَ صُوريا , أنْشدُكُم اللَّهَ وأُذَكِّرُكُم بأيَّامه عند بَني إسرائيل , هل تعلَمُ أنَّ اللَّهَ حكمَ في التَّوراة في مَنْ زنَى بعْد إحْصانه : بالرَّجْم ؟ قال : اللَّهمَّ نعَم , أمَا واللَّهِ يا أبا القاسِم إنَّهم لَيَعْرفُون أنَّكَ نَبيٌّ مُرْسَل , ولكنَّهم يَحْسُدُونك ! فخرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وأمرَ بهما (أي بالرَّجل والمرأة) فرُجِمَا عند باب مسْجده في بَني غنم بن مالِك بن النَّجَّار . ثمَّ كَفَر ابنُ صُوريا بعد ذلكَ !
وروى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن صفيَّة بنْت حُيَيّ بن أخطَب , وكانت يهوديَّة ثمَّ أسلَمتْ وتزوَّجها النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قالتْ : كنتُ أَحَبَّ وَلَد أبي إليه وإلى عمِّي أبي ياسر , لم ألْقَهُما قَطُّ مع وَلَدٍ لَهُما إلاَّ أخَذَاني دُونَه . فلمَّا قدم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المدينةَ ونزلَ بقُبَاء في بَني عَمْرو بن عَوْف , غَدَا عليه أبي حُيَيّ وعمِّي أبو ياسر , فلم يَرْجِعَا إلاَّ مع غروب الشَّمس . فأتَيَا يَمْشيَان الهُوَيْنَى , فهششْتُ إليهما كما كنتُ أصنع , فوَاللَّهِ ما التَفَتَ إليَّ واحدٌ منهما , لِمَا بهما من الغَمّ . وسمعتُ عمِّي أبا ياسر يقول لأبي : أَهُوَ هُوَ ؟ قال : نعَم واللَّه ! قال : أتَعْرِفُه وتُثْبِتُه ؟ قال : نعَم , قال : فمَا في نَفْسِكَ منه ؟ قال : عداوَته واللَّهِ ما بَقِيتُ !
هكذا إذًا كان حالُ النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مع اليهود : هم كانُوا يعرفُون أنَّه نبيّ آخر الزَّمان الذي يجدون صفاته في التَّوراة , لكنَّهم حَسَدوه لأنَّه لم يأتِ منهم , وأصرُّوا على الكُفر به وعَداوته , وهو لم ينفكَّ يَدعوهم إلى الإسلام , لأنَّه كان يعلم أنَّهم إذا ماتُوا على غير ذلك فسوف يكون مصيرهم إلى جهنَّم خالدين فيها .
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : والذي نَفس محمَّد بيَدِه , لا يَسْمع بي أحدٌ من هذه الأمَّة , يهودي ولا نصراني , ثمَّ يموتُ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به , إلاَّ كان من أصحاب النَّار . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 134 – رقم الحديث 153) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:44
وماذا عن دعوته النَّصارى إلى الإسلام ؟
قال ابنُ إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : لَمَّا هاجر النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المدينة , قدم عليه وَفْدٌ من نصارى نجران , وهي مدينة على وادي نجران , على الحدود بين اليمن والسّعوديَّة . وكان الوَفْدُ يتكوَّنُ من ستِّين رجلاً , فيهم أربعة عشَر من أشرافهم , منهم ثلاثةٌ يعودُ أمْرُهُم إليهم , وهم :
- العاقِب : وهو أميرُ القوم وذُو رأْيهم وصاحبُ مَشُورتهم , والذي لا يَصْدرون إلاَّ عن رَأْيه .
- والسَّيِّد : وهو الذي يُشْرف على رحْلِهم وشؤونهم ويَقوم بأمورهم .
- وأبو حارثة بن علْقَمة : وهو أسْقُفُهم , وكان قد شرُفَ فيهم ودَرَسَ كُتُبَهم حتَّى حسُنَ عِلْمُه في دينهم , فشرَّفَتْه ملُوكُ الرُّوم من أهْل النّصْرانيَّة ومَوَّلُوه , وبَنَوْا له الكنائس لِمَا بَلَغَهم عنه من عِلْمه واجْتهاده في دينهم .
وكانَ هذا الوفدُ يشتملُ على ثلاث فِرَق النّصرانيَّة :
- فرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح هو اللَّه , ويحتجُّون على ذلك بأنَّه كانَ يُحْيِي الموتَى , ويُبرئُ المرضَى .
- وفرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه , ويحتجُّون على ذلك بأنَّه لم يكن له أب , وأنّه تكلَّم في المهْد .
- وفرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح ثالثُ ثلاثة , هو ومريم واللَّه , ويحتجُّون على ذلك بقول اللَّه : فَعلْنا , وأمَرْنا , وخلَقْنا , ولو كان اللَّهُ واحدًا لقال : فعلتُ , وقضيْتُ , وأمرْتُ ! تعالى اللَّهُ عن قولهم عُلُوًّا كبيرًا , وقد ردَّ القرآن الكريم على كلِّ ذلك .
فلَمَّا كان الوفْدُ في الطَّريق , عَثَرتْ بغْلَةُ أبي حارثة , وإلى جانبه أخٌ له اسمُه كُرز بن علْقَمة , فقال كُرْز : تَعِسَ الأبْعَد (يَقصد محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) , فقال أبو حارثة : بل أنتَ تَعِسْتَ ! قال : ولِمَ يا أخي ؟! قال : واللَّهِ إنَّه لَلنَّبيُّ الذي كُنَّا نَنتظِرْ ! قال : وما يَمنعُك من الإيمان به وأنت تعلَم هذا ؟! قال : ما يَمنعُني هو ما صنعَ بنا هؤلاء القوم (يقصدُ نصارى نجران ونصارى الرُّوم) , شَرَّفُونا ومَوَّلُونا وأكْرمُونا , وقد أبَوْا إلاَّ خلاف محمَّد , فلو آمنْتُ به , نَزعُوا منَّا كُلَّ ما ترى !
وقد كانت هذه الحادثة سببًا في إسلام كُرْز بن عَلْقَمة بعد ذلك , فكان يتحدَّثُ بها .
فلمَّا وصلَ وَفدُ نَجْران إلى المدينة , دخلُوا على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في مسجده حين صلَّى العصْر , وقد حانتْ صلاتُهم , فقامُوا يُصلُّون في المسجد , فقالَ النَّبيّ : دَعُوهم , فصلَّوْا إلى المشرق .
فلمَّا انْتَهَوْا , قال لهم النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أسْلِمُوا , قالُوا : قد أسلَمْنا , قال : إنَّكُم لم تُسلِمُوا , قالُوا : بلَى قدْ أسْلَمْنا قبْلَك , قال : كذبْتُم , يَمْنعُكُم من الإسلام ادّعاؤكُم أنَّ للَّه ولدًا , وعِبادتكم الصَّليب , وأكْلكُم الخِنْزير . قالُوا : فمَنْ أبُوه يا محمَّد (يقصدون مَنْ أبُ المسيح عليه السَّلام) ؟ فصمَتَ عنهم ولم يُجِبْهم .
وأنزلَ اللَّهُ تعالى جزءًا من سورة آل عمران للرَّدِّ على نصارى وفد نجران , وهو أيضًا ردٌّ على النَّصارى عُمومًا إلى آخر الزَّمان . يقول اللّه تعالى : { الم 1 اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2 نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 3 مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ 4 إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ 5 هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 6 } (3- آل عمران 1-6) . فإذا كان النَّصارى يَعترفُون بأنَّ المسيح عليه السَّلام صُوِّر في الرَّحِم , وتقلَّب فيه مثل كلِّ النَّاس , فكيفَ يتَّخِذونه إلهًا أو يدَّعون أنَّه ابنُ اللَّه ؟!
ثمَّ قال تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 18 إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 19 فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 20 } (3- آل عمران 18-20) . وهذا تأكيدٌ جديد على أنَّ اللَّهَ واحدٌ لا إله غيره , وأنَّ الدِّين واحدٌ وهو الإسلام , وأنَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مبعُوثٌ إلى كلّ النَّاس , بما فيهم اليهود والنَّصارى , لذلك أمَرهُ اللَّه تعالى أن يَدْعوهم أيضًا إلى الإسلام .
ثمَّ قال تعالى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 45 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 46 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 48 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 49 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 51 فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 52 رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ 53 وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ 54 إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 55 فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ 56 وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 57 ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ 58 إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 59 الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 60} (3- آل عمران 45-60) . هذه مرَّةً أخرى حقيقة النبَّيِّ عيسَى عليه السَّلام , كما فَصَّلَها اللَّهُ تعالى في هذا الموضع وفي مواضع أخرى من القرآن الكريم . فباللَّه عليكِ يا ابنتي الفاضلة , أليسَ هذا القول هو الأقرب إلى المنطِق ؟! أليسَ هو الأحقّ بالتَّصديق والاتِّباع ؟!
ثمَّ قال تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ 61 } (3- آل عمران 61) . وهذا أمرٌ من اللَّه تعالى إلى نبيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يَدْعُو وَفْدَ نَصارى نجران إلى المُباهَلَة (أي المُلاعَنة , بالطَّريقة التي فصَّلَتْها الآية) , إذا هم لم يُسلِمُوا وأصرُّوا على عقيدتهم الخاطئة بخصوص المسيح عليه السَّلام , مِن بَعْد ما جاءهُم قَوْلُ اللَّه تعالى فيه .
فقَرَأ النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على الوَفْد الآيات التي نزلَتْ عليه من سورة آل عمران , ودعاهُم إلى المُباهلَة . فقالُوا له : يا أبا القاسم , دَعْنَا نَنْظُر في أمْرِنَا ثمَّ نأْتيكَ بما نُريد أن نَفْعلَ فيما دَعَوْتَنا إليه . فانْصَرفُوا عنه , ثمَّ خَلَوْا بالعاقِب , وكان ذَا رأْيهِم , فقالُوا : يا عبْدَ المسيح , ماذا تَرَى ؟
قال : واللَّهِ يا معْشَر النَّصارى لقد عرفْتُم أنَّ محمَّدًا لَنَبيٌّ مُرْسَل , ولقد جاءكُم بالفَصْل من خَبَر صاحبكُم (أي جاءكُم بالقول الحقِّ بخصوص المسيح عليه السَّلام) , ولقدْ علِمْتُم ما لاَعَنَ قومٌ نبيًّا قَطُّ فبَقِيَ كبيرُهم ولا نَبتَ صغيرُهم , وإنَّه لَلاسْتِئْصَالُ لكُم إن فعَلْتُم . فإن كنتُم قد أبَيْتُم إلاَّ إِلْفَ دِينكُم والإقامَة على ما أنْتُم عليه من القَوْل في صاحِبكُم , فَوَادِعُوا الرَّجُلَ ثمَّ انْصَرِفُوا إلى بلادِكُم .
وقد روى الإمام أحمد حديثًا بخصوص المُباهلَة , يؤكِّد كلام العاقب . فعن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : قال أبو جهل (رأسُ المشركين في قريش) : لَئِنْ رأيتُ محمَّدًا يُصلِّي عند الكعبة , لآتِيَنَّه حتَّى أطَأَ على عُنُقه . فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : لو فعلَ , لَأخذَتْه الملائكةُ عِيَانًا , ولو أنَّ اليهودَ تَمَنَّوا الموتَ , لَماتُوا ولَرَأوْا مَقاعِدَهم في النَّار , ولو خرجَ الذينَ يُباهِلُون رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لَرَجعُوا لا يجدُون مالاً ولا أهلاً ! (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 248 – رقم الحديث 2225) .
فأخذ الوفدُ إذًا برأي العاقب , وأتَوْا رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقالُوا : يا أبا القاسم , قد رأيْنَا ألاَّ نُلاعِنَك , وأن نَترُكَك على دِينِكَ ونبقَى على دِيننا . ولكن ابْعَثْ معنا رجلاً من أصحابك ترضاهُ لنا , يَحكُم بيننا في أشياءَ اخْتَلَفْنا فيها من أموَالنا , فإنَّكُم عندنا رِضًى . فقال النَّبيّ : ائْتُوني العَشِيَّةَ , أبْعَثْ معكُم القَويَّ الأمين .
فكانَ عمر بن الخطَّاب يقول : ما أحببْتُ الإمارةَ قَطُّ حُبِّي إيَّاها يَوْمَئذ , رجاءَ أن أكون صاحِبَها . فرُحْتُ إلى صلاة الظُّهر مُبَكِّرًا , فلمَّا صلَّى بنا رسولُ اللَّه الظُّهرَ , سَلَّم , ثمَّ نَظَر عن يَمينه ويَساره , فجعَلْتُ أتَطاولُ له لِيَراني , فلَمْ يَزلْ يَلْتَمسُ ببَصَره حتَّى رأى أبا عُبَيْدة بن الجرَّاح , فدَعاه وقال : اخْرُجْ معهم , فاقْضِ بينهم بالحقِّ فيما اخْتَلَفُوا فيه .
قال عمر : فذهبَ بها أبو عُبَيْدة .
هذه إذًا قصَّة وَفْد نصارى نجران , وهي كافيةٌ لِلرَّدِّ على كلِّ النَّصارى إلى آخر الزَّمان .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:45
وهل أسلم أناسٌ من اليهود والنَّصارى ؟
نعم , وسنأخذ ثلاثة أمثلة :
المثال الأوَّل في إسلام عبد اللَّه بن سَلام , وكان حَبْرًا عالِمًا من أحْبار اليَهود : روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن عوف بن مالك الأشجعي رضي اللَّه عنه , قال : انطلقَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأنا معه حتَّى دخَلْنا كَنيسة اليَهود بالمدينة يومَ عيدهم , وكَرهُوا دخُولَنا عليهم . فقال لهم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا معشَر اليَهود , أرُوني اثْنَيْ عَشَر رجُلاً يَشْهدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّه وأنِّي رسولُ اللَّه , يَحُطُّ اللَّهُ عن كلِّ يهودي تحت أديم السَّماء الغضبَ الذي غضبَ عليه . فأَمْسكُوا , وما أجابهُ منهم أحَد . ثمَّ ردَّ عليهم فلَم يُجبْهُ أحَد , ثمَّ ثَلَّثَ فلَم يُجبْهُ أحَد . فقال : أبَيْتُم , فَوَاللَّهِ إنِّي لَأنا الحاشِر وأنا العاقِب وأنا النَّبيُّ المقفّى (وفي رواية للحاكم في مستدركه : وأنا النَّبيُّ المصطَفَى) , آمَنْتُم أو كذَّبتُم .
ثمَّ انصرفَ وأنا معه حتَّى دنَا أن يَخرج , فإذا رجلٌ من خَلْفِنا يقول : كما أنتَ يا محمَّد , ثمَّ قال : أيُّ رجُل تعلَمُوني فيكُم يا معْشَر اليَهُود ؟ قالُوا : ما نعلَمُ أنَّه كان فينَا رجلٌ أعْلَم بكتاب اللَّه ولا أفْقَه منكَ , ولا من أبيكَ من قَبْلِك , ولا من جدِّكَ قبل أبيك . قال : فإنِّي أشهدُ له باللَّه أنَّه نَبيُّ اللَّه الذي تَجِدُونه في التَّوراة . قالُوا : كذبْتَ , ثمَّ رَدُّوا عليه وقالُوا له شَرًّا ! فقال رسولُ اللَّه : كذبْتُم , لَن يقْبَل قَوْلكُم , أمَّا آنِفًا فتُثْنُون عليه من الخيْر ما أثْنَيْتُم , وأمَّا إذا آمنَ كذَّبْتُموه وقُلْتُم ما قُلْتُم؟! فلَن يقْبَل قَوْلكُم .
قال عوف : فخَرجْنَا ونحنُ ثلاثة : رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وأنَا , وعبدُ اللَّه بن سَلام . فأنزلَ اللَّهُ فيه : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 10 } (46- الأحقاف 10) . (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 118 – رقم الحديث 7162) .
وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقَّاص رضي اللَّه عنه , قال : ما سَمِعْتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقولُ لِأحَدٍ يَمْشِي على الأرض إنَّه من أهْل الجنَّة , إلاَّ لِعَبْد اللَّه بن سلام . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1387 – رقم الحديث 3601) .
المثال الثَّاني في إسلام يهودي آخر اسمُه زَيْد بن سعْنة : روى ابنُ حبّان في صحيحه عن زَيْد بن سعْنة رضي اللَّه عنه , قال : لَمْ يَبْقَ من علامَات النُّبوَّة شيءٌ إلاَّ وقد عرفْتُها في وَجْه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حينَ نظرتُ إليه , إلاَّ اثْنَتَيْن لم أخْبرهُما منه : يَسْبِقُ حِلْمُه جهْلَه (أي غَضَبَه) , ولا يزيدُه شدَّةُ الجهْل عليه إلاَّ حِلْمًا . فكنتُ أتَلَطَّفُ له لأن (أي لكي) أُخالِطَه فأعرف حِلْمَه وجهْلَه .
(فذكَر زيد قصَّة إقراضه للنَّبيِّ مالاً) , ثمّ قال : فلَمَّا كان قبلَ محَلِّ الأجلِ بيَومين أو ثلاثة , خرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم في جنازة رجُلٍ من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ونَفَر من أصحابه . فلَمَّا صَلَّى على الجنازة , دَنَا مِن جِدارٍ فجلسَ إليه . فأخذتُ بِمَجامِع قَميصه , ونظرتُ إليه بوَجْهٍ غَلِيظ , ثمّ قلتُ : ألا تَقْضِني يا محمَّد حقِّي ؟! فوَاللَّهِ ما عَلِمْتُكُم بَني عبد المطَّلب بِمُطَل , ولقد كان لي بِمُخالَطتكُم عِلْم .
ونظرتُ إلى عُمر بن الخطَّاب وعَيْناه تَدُوران في وَجْهه كالفُلْك المستدير , ثمَّ رماني ببَصَره وقال : أي عدُوَّ اللَّه , أتقُولُ لرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما أسمعُ , وتفعلُ به ما أرى ؟! فَوَالذي بَعثَه بالحقّ , لولا ما أحاذرُ فوته (أو لَوْمَه) , لَضَربْتُ بسَيْفِي هذا عُنقَك !
ورسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَنْظُر إلى عُمَر في سُكُونٍ وتُؤَدَة , ثمَّ قال : إنَّا كُنَّا أحْوَجَ إلى غيْر هذا منكَ يا عُمر : أن تأمُرَني بِحُسْن الأداء , وتأمُرَه بِحُسْن التّباعة (أو الطَّلَب) ! اذْهَبْ به يا عُمر , فاقْضِهِ حَقَّه وزِدْهُ عشْرين صاعًا من غَيْره مكانَ ما رُعْتَه !
قال زيد : فذهبَ بي عُمَر , فقضَاني حقِّي وزادَني عشرينَ صاعًا من تَمْر . فقلتُ : ما هذه الزِّيادة ؟ قال : أمَرني رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن أَزيدَكَ مكانَ ما رُعْتُك . فقلتُ : أَتَعْرِفُني يا عُمر ؟ قال : لا , فَمَنْ أنت ؟ قلتُ : أنا زيد بن سعنة , قال : الحَبْر ؟! قلتُ : نعم , الحَبْر , قالَ : فَمَا دعاكَ أن تقولَ لِرسُول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما قُلْت وتَفعلُ به ما فعَلْت ؟! فقلتُ : يا عُمر , كلُّ علامات النُّبُوَّة قد عرَفْتُها في وَجْه رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حينَ نَظَرتُ إليه , إلاَّ اثْنَتَيْن لَم أخْتَبِرْهما منه : يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَه , ولا يَزيدُه شِدَّةُ الجهل عليه إلاَّ حِلْمًا , فقد اخْتَبَرْتُهما , فأُشْهِدُكَ يا عُمر أنِّي قد رضيتُ باللَّه رَبًّا وبالإسلام دِينًا وبمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نَبِيًّا , وأُشْهِدُكَ أنَّ شَطْرَ مالي , فإنِّي أكثرها مالاً , صدقةً على أُمَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . فقال عُمر : أو على بَعضِهم , فإنَّكَ لا تَسَعُهم كلُّهم , قلتُ : أو على بعضهم .
فرجعَ عُمر وزيد إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال زيد : أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . (صحيح ابن حِبّان – الجزء 1 – ص 521 – رقم الحديث 288) .
المثال الثَّالث في إسلام نصراني اسمُه سَلْمان الفارسي : روى ابنُ إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن سلْمان الفارسي رضي اللَّه عنه , قال : كنتُ رجلاً فارسيًّا من أهْل أصْبهان (وتُسمَّى اليوم أصْفهان , وهي مدينة في إيران) , من أهل قرْيَة يُقال لها جَيّ . وكان أبي دهقان قرْيَته (أي شَيْخَها) , وكنتُ أحَبَّ خَلْق اللَّه إليه , لم يَزَلْ به حُبُّه إيَّايَ حتَّى حَبَسَني في بيْته كما تُحْبَسُ الجارية . واجْتهَدْتُ في المجوسيَّة (والمجوس هم الذين يُقدِّسُون النَّار) حتَّى كنتُ قَطِنَ النَّار ( أي خادمَها ) الذي يُوقِدُها , لا يَتْركُها تَخْبُو ساعة (أي لا يتركُها تَنْطَفئُ أبدًا) .
وكانتْ لأبي ضَيْعَةٌ عظيمة , فشُغِلَ يوْمًا في بُنْيان له , فقالَ لي : يا بُنَيّ , إنِّي قد شُغِلْتُ في بُنْياني هذا اليوم عن ضَيْعتي , فاذْهَبْ إليْها فاطَّلعْها . وأمَرني فيها ببَعْض ما يُريد , ثمَّ قال لي : ولا تَحْتَبِسْ عنِّي , فإنَّكَ إن احْتَبَسْتَ عنِّي كُنْتَ أهَمّ إليَّ من ضَيْعَتي , وشَغَلْتَني عن كلِّ شيء من أمْري .
فخرجْتُ أريدُ ضَيْعَتَه التي بَعَثَني إليها , فمَررتُ بكَنيسة من كنائِس النَّصارى , وسَمعْتُ أصْواتَهم فيها وهم يُصلُّون , وكنتُ لا أدْري ما أمْرُ النَّاس , لِحَبْس أبي إيَّاي في بَيْته . فدَخلْتُ عليهم أنظُر ما يصْنَعون , فلمَّا رأيْتُهم أعجَبَتْني صلاتُهم ورَغِبْتُ في أمْرهم , وقلْتُ : هذا واللَّهِ خَيْرٌ من الدِّين الذي نحنُ عليه .
فوَاللَّهِ ما بَرحْتُهم حتَّى غَربَت الشَّمسُ , وتركْتُ ضَيْعةَ أبي فلمْ آتِها , ثمَّ قلتُ لهم : أينَ أصْلُ هذا الدِّين ؟ قالُوا : بالشَّام (أي سوريا) . فرجعْتُ إلى أبي , وقد بعثَ في طلَبي وشغَلْتُه عن عمَلِه كُلِّه . فلمَّا جِئْتُه قال : أيْ بُنَيَّ , أينَ كُنْتَ ؟ أوَلَمْ أكُنْ عهدْتُ إليكَ ما عهدْت ؟ قلْتُ : يا أبَتِ , مررتُ بأناس يُصلُّون في كَنيسة لهم , فأعْجبَني ما رأيْتُ من دِينهم , ووَاللَّه ما زلْتُ عندَهم حتَّى غربَت الشَّمس . قال : أيْ بُنَيَّ , ليْس في ذلك الدِّين خيْرٌ , دِينُكَ ودينُ آبائكَ خيرٌ منه , قلتُ : كلاَّ , واللَّهِ إنَّه لَخَيْرٌ من ديننَا . فخافَني , فجعلَ في رِجْلي قيْدًا , ثمَّ حبَسَني في بيْته .
وبعثْتُ إلى النَّصَارى , فقلْتُ لهم : إذا قدم عليْكُم ركْبٌ من الشَّام فأخْبِرُوني بهم . فقدم عليْهم ركْبٌ من الشَّام , تُجَّارٌ من النَّصارى , فأخْبَروني بهم . فقلتُ لهم : إذا قَضَوْا حوائجَهُم وأرادُوا الرّجْعة إلى بلادهم , فآذِنوني بهم . فلمَّا أرادُوا الرّجْعة إلى بلادهم , أخْبروني بهم , فألقَيْتُ الحديدَ من رِجْلي , ثمَّ خرجتُ معهم حتَّى قدمتُ الشَّام . فقلْتُ : مَنْ أفضَلُ أهْل هذا الدِّين عِلْمًا ؟ قالُوا : الأُسْقُف في الكَنيسة . فجِئْتُه وقلتُ له : إنِّي قد رغبْتُ في هذا الدِّين وأحْببتُ أن أكون معك , أخْدمُك في كَنيسَتك , وأتعلَّم منكَ وأصلِّي معك , قال : ادْخُل , فدخلْتُ معه . وكان رجُلَ سُوء : يأمُرُهم بالصَّدقة ويُرَغِّبهم فيها , فإذا جَمعُوا إليه شيْئًا منها اكْتنَزه ولم يُعطِه المساكينَ , حتَّى جَمع سَبْع قِلال من ذَهب وورق ! فأبْغَضْتُه بُغضًا شديدًا لِمَا رأيْتُه يَصنع .
ثمَّ مات , فاجْتمَعت إليه النَّصارى ليَدْفِنُوه , فقلْتُ لهم : إنَّ هذا كان رَجُل سُوء , يأمُركم بالصَّدقة ويُرغِّبُكم فيها , فإذا جئْتُموه بها اكْتَنزها لنَفْسه ولَمْ يُعط المساكينَ منها شيْئًا . قالُوا : وما عِلْمُكَ بذلك ؟ قلت : أنا أدلُّكم على كَنْزه , قالُوا : فدُلَّنا عليه . فأرَيْتُهم مَوْضِعَه , فاسْتخْرَجُوا سبْع قِلال مملوءة ذهبًا وورقًا . فلمَّا رأَوْها قالُوا : واللَّهِ لا نَدْفنه أبدًا . فصَلَبوه ورجَموه بالحجارة .
وجاءُوا برَجُل آخر فجعلُوه مكانَه , فما رأيْتُ رجلاً كان أفضَل منه ولا أزْهد في الدُّنيا ولا أرْغبَ في الآخرة ولا أدْأبَ ليلاً ولا نهارًا منه . فأحببْتُه حبًّا لم أحبَّه شيئًا قبْلَه , وأقمْتُ معه زمانًا . ثمَّ حضَرتْهُ الوفاةُ , فقلتُ له : يا فلان , إنِّي قد كنتُ معك وأحبَبْتُك حبًّا لم أحبَّه شيئًا قبْلَك , وقد حضَرك ما ترى من أمر اللَّه تعالى , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : أيْ بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلَمُ اليومَ أحدًا على ما كنتُ عليه , فقد هلكَ النَّاسُ وبدَّلُوا وتركُوا أكثَر ما كانُوا عليه , إلاَّ رجُلاً بالموْصِل , وهو فُلان , وهو على ما كنتُ عليه , فالْحَقْ به .
فلمَّا مات وغُيِّب (أي دُفِن) لحقْتُ بصاحب الموْصِل , فقلتُ له : يا فُلان , إنَّ فلانًا أوْصاني عند موْته أن ألحقَ بك وأخبَرَني أنَّك على أمْره , فقال لي : أقِمْ عندي . فأقَمْتُ عنده , فوجدْتُه خَيْر رجُل , على أمْر صاحبه . ثمَّ لَمْ يَلْبَث أن حضَرتْه الوفاةُ , فقلتُ له : يا فلان , إنَّ فلانًا أوْصى بي إليك وأمَرني باللُّحوق بك , وقد حضَرك مِن أمر اللَّه ما ترى , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : يا بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلَمُ رجُلاً على مثل ما كُنَّا عليه إلاَّ رجُلاً بنصيبين , وهو فُلان , فالْحَقْ به .
فلمَّا مات وغُيِّب لحقْتُ بصاحب نصيبين , فأخْبَرتُه خبَري وما أمَرني به صاحِباي , فقال : أقِمْ عندي . فأقَمْتُ عنده , فوجدْتُه على أمْر صاحبَيْه , وأقمْتُ مع خَيْر رجُل . فواللَّهِ ما لَبثَ أن حضرهُ الموتُ , فقلتُ له : يا فُلان , إنَّ فلانًا كان أوْصى بي إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إليك , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : يا بُنيَّ , واللَّهِ ما أعلمُه بقِيَ أحدٌ على أمْرنا آمُرك أن تأتيه , إلاَّ رجُلاً بعَمُّوريَّة من أرض الرُّوم , فإنَّه على مثْل ما نحنُ عليه , فإن أحْبَبْتَ فأْته , فإنَّه على أمْرنَا .
فلمَّا ماتَ وغُيِّبَ لحقْتُ بصاحب عمُّوريَّة , فأخْبَرتُه بخَبري , فقال : أقِمْ عندي . فأقمتُ عند خيْر رجُل على هَدْي أصحابه وأمْرهم , واكتسبْتُ حتَّى كانتْ لي بقراتٌ وغُنَيْمة , ثمَّ نزلَ به أمْرُ اللَّه . فلمَّا حُضِر قلتُ له : يا فُلان , إنِّي كنتُ مع فُلان فأوْصى بي إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إلى فُلان , ثمَّ أوْصى بي فُلان إليك , فإلى مَنْ تُوصي بي ؟ وبِمَ تأمُرني ؟ قال : أي بُنيَّ , واللَّهِ ما أعْلَمُه أصْبح اليومَ أحدٌ على مثْل ما كُنَّا عليه من النَّاس آمُركَ به أن تأتيه , ولكنَّه قد أظَلَّ زمانُ نَبيٍّ , وهو مَبعوثٌ بدِين إبراهيم عليه السَّلام , يَخْرج بأرْض العَرب , مُهاجَرُه إلى أرْضٍ بين حرَّتَيْن بينهما نخْلٌ (هذه الأرضُ هي المدينة التي هاجر إليها محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) , به عَلاماتٌ لا تَخْفَى : يأكلُ الهديَّة , ولا يأكلُ الصَّدقة , وبين كَتِفَيْه خاتَمُ النُّبُوَّة , فإن استطعْتَ أن تلْحقَ بتلْكَ البلاد فافْعَلْ .
ثمَّ ماتَ وغُيِّب , ومكثْتُ بعمُّوريَّة ما شاء اللَّه أن أمكُث . ثمَّ مَرَّ بي تُجَّارٌ , فقلْتُ لهم : احْمِلُوني إلى أرْضِ العَرب وأعْطِيكُم بَقَراتي هذه وغُنَيْمتي , قالُوا : نَعَم . فأعْطَيْتُهُموها , وحمَلُوني معهُم , حتَّى إذا بَلَغُوا وادي القرى ظَلَمُوني , فبَاعُوني إلى رجُلٍ يَهودي عبدًا . فكنتُ عِنْدَه , ورأيْتُ النَّخْلَ , فرَجَوْتُ أن يكونَ هذا البلَدُ الذي وَصَفَ لي صاحبي , ولم يَحِقَّ في نَفْسي . فبيْنما أنا عِنْدَه إذ قَدم عليْه ابنُ عمٍّ له من بَني قُرَيْظة , فابْتاعَني منه واحْتملَني إلى المدينة , فوَاللَّهِ ما هو إلاَّ أن رأيْتُها فعَرَفْتُها بصِفَة صاحبي , فأقَمْتُ بها .
وبُعِثَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فأقامَ بمكَّة ما أقام , لا أسْمعُ له بذِكْرٍ مع ما أنا فيه من شُغْل الرِّقِّ . ثمَّ هاجر إلى المدينة , فوَاللَّهِ إنِّي لَفِي رأْس نَخْلَةٍ لِسَيِّدي أعْملُ فيه بعضَ العَمَل وسيِّدي جالسٌ تحتها , إذ أقْبلَ ابنُ عمٍّ له حتَّى وقفَ عليه فقال : يا فُلان , قاتلَ اللَّه بَني قيلَة , واللَّهِ إنَّهم الآن لَمُجْتَمِعون بقُباء على رجُلٍ قدمَ عليْهم من مكَّة اليوم , يزْعُمون أنَّه نَبيّ . فلمَّا سمعْتُها , أخَذَتْني مثْل الرّعْدة من البرد حتَّى ظننتُ أنّي سأسْقُط على سيِّدي . فنزلْتُ عن النَّخْلة , وجعلْتُ أقول لابن عمِّه ذاك : ماذا تقول ؟! فغضب سيِّدي ولَكَمَني لكْمةً شديدة , ثمَّ قال : مالَكَ ولهذا ؟! أقْبِلْ على عمَلِك . قلتُ : لا شيء , إنَّما أردْتُ أن أسْتَثْبِتَه عمَّا قال .
وقد كان عندي شيءٌ قد جمعْتُه , فلمَّا أمْسيْتُ أخذْتُه ثمَّ ذهبْتُ به إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو بقُبَاء . فدخلْتُ عليه وقلْتُ له : إنَّه قد بلَغَني أنَّك رجلٌ صالح , ومعك أصحابٌ لك غُرباء ذَوُو حاجة , وهذا شيءٌ قد كان عندي للصَّدقة , فرأيْتُكم أحَقّ به من غيركم . فقرَّبتُ إليه , فقال لأصحابه : كُلُوا , وأمْسَكَ يَدَه فلمْ يأكُل . فقلتُ في نَفْسي : هذه واحدة , ثمَّ انصرفْتُ عنه .
وتحوَّلَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المدينة , فجمعْتُ شيْئًا ثمَّ جئْتُه به , فقلْتُ له : إنّي قد رأيتُكَ لا تأكلُ الصَّدقة , فهذه هديَّة أكرمْتُكَ بها . فأكلَ منها , وأمَر أصحابَه فأكلُوا معه , فقلتُ في نفْسي : هاتان اثْنَتان .
ثمَّ جئْتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو ببَقيع الغَرقَد قد تبعَ جنازة رجُلٍ من أصحابه , علَيَّ شَمْلَتان لي , وهو جالسٌ في أصحابه . فسلَّمتُ عليه , ثمَّ اسْتدرْتُ أنظُر إلى ظهره هل أرى الخاتَم الذي وصَفَ لي صاحبي . فلمَّا رآني رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم اسْتَدْبَرْتُه , عرفَ أنِّي أسْتَثْبِتُ من شيء وُصِفَ لي , فألْقى رداءَه عن ظهْره , ونظرتُ إلى الخاتَم (أي خاتَم النُّبوَّة) فعَرفْتُه . فأكْبَبْتُ عليه أُقَبِّلُه وأبكِي , فقال لي : تحوَّلْ , فتحوَّلتُ وجلسْتُ بينَ يديْه , وقصصتُ عليه حديثي , فأعجبَهُ أن يسمع أصحابُه ذلك .
وأسلَم سَلْمان رضي اللَّه عنه , ثمَّ عاد إلى سيِّده .
قال سلْمان : وبعد مُدَّة , قال لي رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : كاتِبْ يا سلْمان (والمكاتبة هي أن يتَّفق مع سيِّده على مَبلغ من المال أو عملٍ يُؤدِّيه له لكي يُحرِّره من الرِّقّ) . فكاتبتُ سيِّدي على ثلاثُمائة نخْلَة أُحْييها له , وأربعين أوقية من ذهَب (والأوقية هي جزءٌ من الرَّطل) . فقالَ النَّبيُّ لأصحابه : أعِينُوا أخاكُم , فأعانُوني بالنَّخْل : الرَّجُلُ بثلاثين وَدِيَّة , والرَّجُلُ بعشرين , والرَّجُلُ بعشْر , يُعينُ الرَّجُلُ بقَدْر ما عنْده , حتَّى اجْتمعتْ لي ثلاثمائة وَديَّة (والوَديَّة هي الفَسِيلةُ الصَّغيرة من النَّخْل , تُغرَسُ لتُصبح نخلَة) . فقال لي رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : اذْهبْ يا سلْمان , ففَقِّرْ لها (أي احفِرْ لها) , فإذا فرغْتَ فأْتني أكُنْ أنا أضعُها بيَدي . ففقَّرتُ وأعانَني أصحابي , حتَّى إذا فرغْتُ جئْتُه فأخْبرتُه , فخرجَ معي إليها , فجعلْنا نُقرّبُ إليه الوديَّ ويضعُه النَّبيُّ بيَدِه حتَّى فَرغْنا . فوَالذي نفسُ سلْمان بيَده ما ماتتْ منها ودِيَّةٌ واحدة !
فأدَّيتُ النَّخلَ وبقيَ علَيَّ المالُ , فأتَى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمثْل بَيْضة الدَّجاجة من ذهَب , وقال لأصحابه : ما فعلَ الفارسيُّ المكاتب ؟ فدُعيتُ له , فقال : خُذْ هذه فأدِّها مِمَّا عليك يا سلْمان , قلتُ : وأين تقعُ هذه مِمَّا علَيَّ يا رسولَ اللَّه ؟! قال : خُذْها , فإنَّ اللَّهَ سيُؤَدِّي بها عنك . فأخذْتُها ووزنتُها لِسيِّدي , فوَالذي نفْسُ سلْمان بيَده : أرْبعين أوقية ! فأوْفَيْتُه حقَّه وأعتَقني , فشهدْتُ مع رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم معركة الخندق حُرًّا , ثمَّ لم يَفُتْني معه أيُّ مَشْهد .
هذه إذًا شهادات جديدة بأنَّ اليهود والنَّصارى كان لهم عِلْمٌ بأنَّهُ سَيُبعَثُ نَبيٌّ في جزيرة العرب (السّعوديَّة) , يكون نبيَّ آخر الزَّمان , وكانُوا يعرفُون صِفاتَه , وكانُوا أُمِرُوا باتِّبَاعه .
ربَّما تقول يا ابني الكريم : ولكن ليس هناك دليلٌ واحد على أنَّ هذه القصص وقعتْ فعلاً .
أقول : لكنَّ ما جاء فيها يتَّفقُ تَمامًا مع آيات القرآن التي عرضْنَاها سابقًا , والتي أعلَنتْ بوضُوح أنَّ محمَّدًا مذكورٌ في التَّوراة والإنجيل , وأنَّه خاتم الأنبياء . وإذا كنت ما زلت في شكٍّ من أنَّ القرآن كلام اللَّه , تعالَ معي نقوم بجولة جديدة مع بعض آياته المعجزة .
---------------------------
التالي بإذن الله تعالى: في الذُّباب آية !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:45
في الذُّباب آية !
يقول اللَّه تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ 73 } (22- الحجّ 73) .
أمَّا الإعجاز الأوَّل , فقد تحدَّى اللَّهُ النَّاسَ جميعًا , والآلهةَ التي يعبدونها من دونه , أن يخلقُوا ذبابة واحدة , حتَّى ولو وَحَّدُوا جهُودهم في سبيل هذا الأمر . فهل استطاعُوا ذلك ؟
أبدًا , بالرَّغم من وصولهم إلى القمر , ومازال التَّحدِّي قائمًا إلى قِيام السَّاعة .
وأمَّا الإعجاز الثَّاني , فقد أشارت الآية الكريمة إلى أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يسترجع ما يأخذه منه الذُّباب . وقد أثبتَ العلماء فعلاً أنَّ الذُّباب , ما أن يلتقط شيئًا من الطَّعام لِيَأكُله , حتَّى يُفرز عليه كمِّيَّة كبيرة من الإنزيمات الهاضمة التي تُذيبُه وتُحَوِّلُه على الفَوْر إلى مادَّة أخرى . فيستحيلُ عندئذ على الإنسان , مهما استخدمَ من تقنيَّات دقيقة , أن يسترجع المادَّة الأصليَّة التي سلَبها منه هذا الذُّباب !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:46
وفي بيت العنكبوت آية !
يقول اللَّه تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 41 } (29- العنكبوت 41) .
اكتشفَ علماء العصر الحديث حقائقَ غريبة جدًّا عن العنكبوت . مِن ذلك أنَّ الأنثى هي وحدها التي تبني بَيْتها , ولا يتدخَّلُ الذَّكَرُ في هذا الأمر من قريب ولا من بعيد ! فهل تُرى لهذا السَّبب قال تعالى : { كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا } , ولم يقل : اتَّخذ بيتًا ؟ أم أنَّ هذا التَّخصيص كان من قَبيل الصُّدفة ؟!
ومِن ذلك أيضًا أنَّ خُيوط بيت العنكبوت مَتِينةٌ , وليسَتْ واهيَة كما يظنُّ أغلبُ النَّاسُ اليوم ! نعم , ولو قارَنَّا هذه الخيُوط بمِثْلها من الحديد , في مثل طولها ودِقَّتها , لَوَجدْنَاها أمْتَن من خُيوط الحديد بأربعة أضعاف أو أكثر ! فهل تُرى لهذا السَّبب قال تعالى : { وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ } , ولم يقل : وإنَّ أوْهَنَ الخيُوط لَخَيْطُ بَيْت العَنْكَبُوت ؟ أم أنَّ هذا التَّحديد كان أيضًا من قَبيل الصُّدفة ؟!
أبدًا , لَم يكُن من قَبيل الصُّدفة , وإنَّ بُيُوتَ العَنْكَبُوت هي فعلاً أوْهَن البُيُوت , كما أشارت إليه الآية الكريمة . لِنَستَمِعْ لِما يقوله العلماء في هذا الشَّأن : تقوم أنْثَى العَنْكَبُوت ليلةَ زفافها باسْتِدْراج الذَّكَر حتَّى يُلَقِّحها . فلمَّا يَنْتَهي من ذلك , تنقضُّ عليه وتأكُله ! نعم , تأكلُ الأنثَى الذَّكَر , وتنتهي الحياةُ الزَّوجيَّة من أوَّل يوم ! والعلَّة في ذلك أنَّ لَحْم الذَّكَر ضروري للأنثَى , لِأنَّه يتحوَّل إلى موادَّ بروتينيَّة لازمة لِتَكْوين البَيْض في بَطْنها .
ثمَّ تبيضُ العنكبوت , ولكن ما أن يفقس بيضُها ويخرج صغارُها إلى الدُّنيا , حتَّى تُسارع بالْتِهَام ما تستطيع منهم ! وعندما تَرَى العناكبُ الصَّغيرة هذا المشهد , تبدأ بدَوْرها في أكْل بعْضِها البعض ! وفي النِّهاية , لا ينجُو من هذه المجزرة العائليَّة إلاَّ القليل !
فباللَّه عليك يا ابني الكريم , هل سمعتَ في حياتك بأُسْرةٍ أشدّ تفكُّكًا من هذه الأسْرَة أو بيْت أوْهَن من هذا البيْت ؟!
وإذا كانت هذه هي حالُ بيت العَنْكَبُوت , فإنَّ حال بُيوت الذين يعبُدون غيرَ اللَّه , أو يطلبُون العَوْن مِن سواه , شبيهةٌ جدًّا بها , ولكنَّ أكثر النَّاس عن الحقِّ غافلون !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:47
وفي عسل النَّحل آية !
يقول اللَّه تعالى : { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ 68 ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 69 } (16- النّحل 68-69) .
لا يَخفَى اليوم على أحد من النَّاس أنَّ العسل مفيدٌ جدًّا في علاج العديد من الأمراض , وأيضًا في الوقاية من الإصابة منها . ومازال العُلَماء إلى اليوم يبحثون ويدرُسون , ليتعرَّفُوا على المزيد من أسراره .
فمِنْ فوائد العسل أنَّه يحتوي على سُكَّر الفواكه بنسبة عالية , وهو بهذا يُغني عن تناول سُكَّر القصب والسَّكاكر الصِّناعيَّة الأخرى التي تُسبِّبُ نَخَر الأسنان وارتفاع نسبة السُّكَّر في الدَّم .
والعسلُ سهلُ الهضم , حُلْو الطَّعْم , ويمتاز على غيره من الأدوية بأنَّه يقتلُ الجراثيم في بضع ساعات , ويُسارع في الْتِئَام الجروح . وهو مفيد في علاج التَّقيُّحات , والقُصُور الكلوي , والسُّلّ , والسُّعال الدِّيكي , والأمراض العصبيَّة , وغيرها .
والعسلُ ذُو ألوان مختلفة , لأنَّ النَّحل الذي يُنتِجُه يمتصُّ رحيق زهور مُتَنوَّعة .
فإذا كان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قد أتى بالقرآن من عنده , فكيف عَلِمَ منذ حوالي 1400 سنة أنَّ صُنع العسل يَتمُّ في بطن النَّحلة , وأنَّه يخرجُ بألوان متعدِّدة , وأنَّ فيه شفاء للعديد من الأمراض ؟!
ثمَّ انظر مرَّةً أخرى إلى دقَّة التَّعبير الإلهي حين قال تعالى : { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ } , ولم يقلْ : هو شفاءٌ للنَّاس . فقد بيَّن العلم الحديث فعلاً أنَّ العسل يشفي من العديد من الأمراض , ولكن ليس مِن كلِّها .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:47
وفي الرَّضاعة الطَّبيعيَّة آية !
يقول اللَّه تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 233 } (2- البقرة 233) .
يَحثُّ اللَّه تعالى الأمَّهات في هذه الآية أن يُرضِعْنَ أولادهنَّ رضاعة طبيعيَّة من صُدورهنَّ , ويُبيِّن لهنَّ أنَّ تمام الرَّضاعة سنتَان كاملتَان . فماذا يقول العلْمُ في هذا الأمر ؟
كلُّ الأطبَّاء , وحتَّى عامَّةُ النَّاس , مُجْمِعُون اليوم على أنَّ الرَّضاعة الطَّبيعيَّة من صدر الأمِّ ولِأَطْوَل مُدَّة , أفضل بكثير للرَّضيع وللأمِّ من الرَّضاعة الصِّناعيَّة . فحليبُ الأمِّ أكْمَل , وأسهل هضمًا , ومُعقَّم , ويحتوي على أجسام مُضادَّة لِتَقْويَة المناعة ضدَّ الأمراض لَدَى الرَّضيع , ودرجة حرارته مُناسبة للرَّضيع صيفًا وشتاء .
ثمَّ إنَّ الرَّضاعة من الصَّدر تُقوِّي رابطة الحنان بين الأمِّ وابنها , وتساعد على استقراره النَّفسي .
ألَيْس في هذا إذًا دليلٌ آخر على أنَّ القرآن وحيٌ من عند اللَّه ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:48
وفي قصَّة يوسف آية !
يقول اللَّه تعالى : { وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ 43 قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ 44 وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ 45 يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ 46 قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ 47 ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ 48 ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ 49 } (12- يوسف 43-49) .
يقولُ المختصُّون في علوم الزِّراعة والنَّبات أنَّ القمح إذا تَمَّ تخزينُه لبضع سنوات على شكل حُبوب , يتعرَّضُ لِلتَّلَف بسَبَب الرُّطوبة والآفات . أمَّا إذا أُبقِيَ في سُنْبُلِه ثمَّ وقعَ تخزينُه على هذه الحالة , فإنَّه يبقَى سليمًا لِسَنوات عديدة .
وهذه بالضَّبط هي الطَّريقة التي ذكَرها القرآن على لسان النَّبيِّ يوسف عليه السَّلام في تخزين القمح : { فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ } .
أليس في هذا دليلٌ جديد على أنَّ القرآن كلام اللَّه ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:48
وفي قصَّة أصحاب الكهف آية !
يقول اللَّه تعالى : { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا 17 وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا 18 } (18- الكهف 17-18) .
تتحدَّث هاتان الآيتان عن أصحاب الكهف , وهم شبابٌ عاشُوا قبل مَبْعَث النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بقُرون . وكانُوا يُؤمنون باللَّه وحده , لا يُشركون به شيئًا . وفي يومٍ , فَرُّوا من قَوْمهم الكفَّار , واخْتَبأوا في كهف . فألْقَى اللَّهُ تعالى عليهم النَّوم , فنامُوا حوالي 300 سنة , ثمَّ أيقظَهُم اللَّهُ من رُقادهم . يقول تعالى : { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا 25 } (18- الكهف 25) . يقولُ المفسِّرون : أي نامُوا 300 سنة شمسيَّة , وهي تُعادل 309 سنة قمريَّة ! ولهذا قال تعالى : { وازدادُوا تِسْعًا } . فهل هذه الدِّقَّة في الحساب جاءت من قَبيل الإعجاز أم هي من قَبيل الصُّدفة ؟!
وخلال نَوْمهم الطَّويل هذا , كانت الشَّمسُ تدخلُ إلى كَهْفهم صباحًا ومساءً , وهذا الأمرُ ضَروري للقضاء على الرُّطوبة والجراثيم التي يمكنُ أن تُتْلِفَ أبدانهم .
وكانُوا يُقَلَّبون تارةً إلى اليمين وتارةً إلى الشِّمال , وهذا أيضًا ضَروري لأنَّ النَّوم لفترة طويلة في وضعيَّة واحدة يُسبِّبُ تَقَيُّحات في الموضع من الجسم الملاصِق للفراش أو للأرض . وكلُّنا يتقلَّبُ مرَّات عديدة عندما يكون نائمًا , دون أن يشعر بذلك . ثمَّ إنَّ التَّقليب إلى اليمين وإلى الشّمال يسمح للجسم أن يتنفَّس بسهولة , وهو ما لا يحصل إذا كان النَّوم على البطن أو على الظَّهر .
كلُّ هذا أثْبَته العلم الحديث . فمَن أخبر محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بكلِّ هذه الجزئيَّات العلميَّة الدَّقيقة منذ حوالي 1400 سنة , إن لم يكن اللَّه تعالى هو الذي أوحَى له بذلك ؟!
بقيَ أن نلاحظ أنَّ اللَّه سبحانه كان يستطيع , وهو القادر على كلِّ شيء , أن يجعلَ الفِتْيَة يَنامون لمدَّة 300 سنة في وضعيَّة واحدة ودون أن تزورهم الشَّمس , ويحفظ مع ذلك أبدانَهم من أيِّ تَلَف . ولكنَّه ربَّما أراد أن يُنبِّهنا إلى ضرورة الأخذ بالأسباب , بالإضافة إلى التَّوكُّل عليه , أو ربَّما أراد أن يَلْفِتَ أنظارنا إلى هذه الحقائق العلميَّة التي تؤكِّد أنَّ القرآن مُنزَّلٌ من عنده .
---------------------------------
التالي بإذن الله تعالى: وفي قصَّة ذي القرنين آية !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:48
وفي قصَّة ذي القرنين آية !
يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن ذي القرنين : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً 93 قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا 94 قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا 95 آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا 96 فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا 97 قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا 98 } (18- الكهف 93-98) .
كان ذو القَرْنَين مَلِكًا صالحًا , يؤمن باللَّه وحده . وكان قد طاف جميع الأرض , مشرقها ومغربها . فمَرَّ في طوافه على قَوم , فطلبُوا منه أن يَبْني لهم سدًّا يمنع عنهم أذى يأجوج ومأجوج , وعَرضُوا عليه مالاً مقابل ذلك . فأجابهم بأنَّ ما أعطاهُ اللَّهُ من الملْكِ والتَّمكين في الأرض خيرٌ له من ذلك المال . ثمَّ طلب منهم أن يجمعوا له قِطَعًا من الحديد , فجمعوا له ما أراد . فبَنَى بها سدًّا عاليًا بين جَبَلَيْن , ساوَى فيه بين قِمَّتَيْهما . ثمَّ أمرهُم أن يُوقِدُوا عليه النَّار , فأَوقَدُوها حتَّى انصَهر الحديد , فصبَّ عليه النُّحاسَ المذاب , فأصبح سدًّا صلبًا منيعًا , لم يستطع يأجوج ومأجوج بعد ذلك ثَقْبَه .
والمعروفُ اليوم لَدى العلماء أنَّ النُّحاس المذاب إذا أُضيف إلى الحديد المذاب أَكْسَبه صلابة وقوَّة , ولم يأْكُلْه الصَّدَأ .
فمَن أخبر النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بهذه الحقيقة العلميَّة إذا كان قد جاء بالقرآن من عنده ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:49
وفي حرب الرُّوم مع الفُرس آية !
يقول اللَّه تعالى : { الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 5 وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 6 } (30- الرّوم 1-6) .
كان الرُّوم في حَرْبٍ دائمة ضدَّ الفُرْس , وكان المسلمون الأوائل يُحبُّون أن ينتصر الرُّومُ لأنَّهم نصارى , أهل كتاب , بينما كان كفَّارُ قُريش يحبُّون أن يكون النَّصر للفُرس لأنَّهم كفَّارٌ مثلهم , يعبدون النَّار .
وقد نزلت هذه الآيات والنَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأصحابُه في مكَّة . وتُشير في أوَّلها إلى هزيمة هِرَقْل مَلِك الرُّوم أمام سابُور مَلِك الفُرس , في معركةٍ دارتْ بين جَيْشَيْهما في منطقة البحر الميِّت .
فكانتْ هذه الآيات مُعجزة من وجهين :
أمَّا الوجه الأوَّل : فقد أشارت إلى أنَّ المكان الذي انهزم فيه الرُّومُ هو أدْنَى الأرض , أي أخْفَضها . وقد تأكَّد علماءُ الخرائط اليوم أنَّ البحر الميِّت الذي يقع بين فلسطين والأردن ينخفض عن سطح البحر 395 متر , وهو أقصى انخفاض في العالم . وبالتَّالي , فإنَّ المنطقة التي وقعتْ فيها المعركة هي فعلاً أدْنَى الأرض !
وأمَّا الوجه الثَّاني : فقد تنبَّأت الآيات بأنَّ الرُّوم سينتصرون على الفُرس بعد هذه الهزيمة ببضع سنين , والبضْع هو من ثلاث إلى تسع سنوات . فلمَّا سمع كُفَّار قُريش بهذا الأمر , تراهنُوا مع الصَّحابي الجليل أبي بكر الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه , قبل أن يُحرَّم الرِّهان , على أنَّ الرُّوم سَيَنْهزمُون مرَّة أخرى . فكان أن انتصر الرُّومُ بعد تسع سنين , وأسلم عند ذلك أناسٌ كثيرون من قُريش عندما رأوا أنَّ وَعْد اللَّه قد تحقَّق !
فهل كان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِيَضَع نفسَه في هذا المأزق لو كان قد أتى بالقرآن من عنده ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:50
وفي إسلام هذا الشَّابِّ عبرة !
هذه قصَّة واقعيَّة في إسلام شابٍّ , اختار لِنفسه بعد إسلامه اسم سيف الإسلام التُّهامي , يقول : وُلدتُ في القاهرة بمصر في 30-7-1980 م , من أبٍ أرمَني كاثوليكي وأمٍّ إنجيليَّة . وكانت ابنةُ عمِّ أبي راهبةً في مدرسة راهبات الأرمن , وكان خالي قِسِّيسًا في إحدى الكنائس الإنجيليَّة , وكان لي أختان أكبر منِّي بأربع سنوات .
نشأتُ نشأةً نصرانيَّة بَحْتَة , فمنذُ نعومة أظافري وأنا أذهب إلى الكنيسة كلّ يوم أحد وفي الأعياد وفي كلّ وقت أشاء , حيثُ لَم يكُن علَيَّ رقيبٌ في ذلك . وكنتُ أُحبُّ الذَّهاب إلى الكنيسة والاستمتاع بكلِّ ما فيها من شعائر وصلوات , وأُحبُّ أيضًا الألعاب والمعسكرات والرَّحلات التي تُنظِّمها .
التحقتُ بمدرسة نوباريان الأرمنيَّة , وهي مدرسة لا تَقبلُ إلاَّ نصارى الأرمن . وكان أوَّل ما نفعلُه صباحًا في طابور المدرسة هو الصَّلاة ونحنُ واقفون في صَفِّنا . وكانت توجدُ كَنيسة بالمدرسة , وكان أكثر المدرِّسين نصارى . فلَم يكُن لي إذًا أيّ اختلاط بالمسلمين , إلاَّ بالقليل من أصدقائي في الحيّ . وكانت مُعظم أوقاتي أُقضِّيها في الكنيسة , حيثُ كنتُ أعملُ كشَمَّاس , أُساعدُ القِسَّ في مراسم القدَّاس (أي الصَّلاة Messe) .
واستمرَّ بي الحال على ذلك حتَّى وصلتُ إلى المرحلة الثَّانويَّة , وبدأتُ أرتبطُ بالكنيسة والقساوسة أكثر من ذي قبل . وكنتُ سعيدًا جدًّا بهذه العلاقة لأنَّني كنتُ من المقرَّبين لديهم . وأصبحتُ أقوم بِمُعظَم شعائر القدَّاس , من قراءة للإنجيل , ورَدٍّ على القسِّ عندما يتلُو أيَّ شيء منه , بالإضافة إلى تحضير القربان والخمر , أعاذكُم اللَّهُ منها .
وفي يوم , كنتُ جالسًا مع أحد أصدقائي المسلمين , فقال لي : ألنْ تُسلمْ ؟ قلتُ : ولِمَ أُسلِمْ ؟! ولِمَ لا تَتَنصَّرُ أنت ؟! قال : أنتم كلُّكم في النَّار ! فنزلَتْ علَيَّ هذه الجملة نزول الصَّاعقة ! النَّار ؟! لماذا النَّار ؟! أنا أعملُ كلّ عَمل صالح لأتقرَّبَ إلى ربِّي وأدخل الجنَّة , ثمَّ يقول لي أنَّني سوف أدخل النَّار ؟!
عندما هدأتُ , سألْتُه : لِمَاذَا أدخلُ أنا وجميع النَّصارى النَّار , وأنتم المسلمون تدخلون الجنَّة ؟! قال : لأنَّكم تقولون أنَّ اللَّه ثالثُ ثلاثة , وأنَّ المسيح ابنُ اللَّه , وغيرها من الافتراءات على المسيح ! قلتُ : وكيف عرفتَ كلَّ هذه الأشياء ؟! هل قرأتَ الإنجيل ؟! قال : لا , بل قرأتُها في القرآن . فاستغربتُ أيضًا من ذلك ! فكيف يعرفُ القرآنُ ما في ديننا ؟! وكيف يُقرِّر أنَّ هذه الأشياء التي نقولها عن المسيح كلُّها كُفرٌ وتؤدِّي إلى النَّار ؟!
بدأتُ أتفكَّر مَلِيًّا في هذا الأمر , ثمَّ , ولِأوَّل مرَّة بدأتُ أقرأ الإنجيل بتمعُّن , فقد كانت على قَلبي غشاوة . وبدأتُ أكتشفُ الاختلافات الشَّديدة في ذِكْر نَسَب المسيح , وادِّعاء ألُوهيَّته تارة ونُبُوَّته تارة ! وبدأتُ أتساءل : مَنْ هو المسيح إذًا ؟ أهُو نَبيٌّ , أم ابنُ اللَّه , أم هو اللَّه ؟!
فأعددتُ بعضَ الأسئلة , ثمَّ ذهبتُ بها إلى القسِّ لكي أحصل على الإجابات الشَّافية , ولكنَّني لَم أجدْ عنده ما يُثلجُ صدري . وأتذكَّر أنِّي سألتُه مرَّة : لِماذا يقول الإنجيلُ أنَّ المسيح جالسٌ على جبل الزَّيتون يَدعُو اللَّه ؟ فإن كان هو اللَّه حقًّا , فمَنْ يَدعُو ؟! ولِمَنْ يَسجُد ؟! فأجابني إجابات لَم أفهم منها شيئًا !
ثمَّ بدأتُ أتفكَّر فيما نفعلُه في الكنيسة , من اعترافٍ بالخطايا والذُّنوب للقسِّ , والمناوَلة , وهي عبارة عن جلاش طريّ يُوضَع في الخمر , فيقول القسُّ أنَّ هذين الشَّيئين صارَا دَم وجَسَد المسيح , ومَن يأخُذهُما يُغفَر له ويُطَهَّر من الدَّاخل !
وتساءلتُ : كيفَ يَغفرُ ذُنوبي بَشرٌ (أي القسّ) , مثله مثلي ؟! وهو (أي القسّ) , لِمَن يَعترفْ ؟! ومَن يغفرُ له ؟! وكيف يُحَلُّ دمُ وجسدُ المسيح في هذه الكأس ؟! وكيف يُطهِّر ما في داخلي ويَغفر ذنوبي ؟!
وبدأَت الأسئلةُ تتلاحق في ذهني , ولَم أجد لها إجابات . وبدأتُ أتَّخذُ قراراتٍ من نفسي , مثل عدم الاعتراف للقسِّ , لِأنَّه بشرٌ مثلي , وعدم أخذ المناوَلة , وآمنتُ أنَّ المسيح عليه السَّلام نبيٌّ لِأنَّه بَشر , وأنَّ اللَّهَ له صفات الكمال الخاصَّة به والتي تَتنافَى مع صفات البشر , وبدأتُ أقرأ الإنجيلَ دون أن أقول : " ربُّنا يَسوع المسيح " , بل أقول : " يسوع المسيح " فقط . ومع ذلك , لَم أشعُر أنَّ هذا هو الحلّ السَّليم .
وذات ليلة , كنتُ أُذاكرُ دروسي في غرفتي , في منزل والديَّ , وكان خلف منزلنا مسجد . وكنَّا في شهر رمضان , فكان المسلمون يُصلُّون صلاة التَّراويح , بعد صلاة العشاء , وكان صوتُ الإمام يَصلُ إلى غُرفتي عَبْر مُكبِّرات الصَّوت , وهو يقرأ القرآن بصَوت خافِت وجميل , فشعرتُ بِحَلاوةٍ تَمسُّ قلبي .
ثمَّ جاءت اللَّحظة التي شرح اللَّهُ فيها صدري للإسلام , وكان ذلك يوم الأحد داخل الكنيسة , عندما كنتُ أقرأ الإنجيل قَبْلَ القُدَّاس , استعدادًا لِقراءته على النَّاس خلال الصَّلاة . وأثناء استعدادي , سألتُ نفسي : هل سأقول : " ربُّنا يَسُوع المسيح " ؟ أم " يَسُوع المسيح " فقط , لِأنَّه نبيٌّ وليس إلها ؟ ولكن إذا قلتُ ذلك , فسوف يُلاحِظُ الحاضرون أنَّني تجاوزتُ كلمة " ربُّنا " , وإذا قُلتها فسوف أخالفُ ضميري .
وفي النِّهاية , قرَّرتُ أن أقرأ الإنجيل كما هو , دون تغيير , ما دمتُ أمام النَّاس , وأن أقرأه بدون كلمة " ربُّنا " عندما أكون بِمُفرَدي . وجاء موعد قراءتي للإنجيل خلال القُّدَّاس , فبدأتُ أقرأ بثَبات , تَمامًا كما هو مكتوبٌ , حتَّى وصلتُ إلى جملة : " ربُّنا يَسُوع المسيح " , فلَم أشعر بنَفسي إلاَّ وأنا أتجاوزُ كلمة " ربُّنا " , وأبَى لساني أن ينطقَ بها . فتعجَّب القِسُّ من فعْلي هذا , وأشار إليَّ بالجلوس . فتَوقَّفتُ عن القراءة وجلستُ , وأكملْنا الصَّلاة بشكل طبيعي .
فلمَّا انتهينا , توجَّهتُ إلى الغرفة الخاصَّة بنا , وهناك سألني القِسُّ : لِمَ فعلتَ ذلك ؟! لِمَ لَم تقرأ الإنجيلَ كما هو ؟! فلَم أُجبهُ , وقلتُ له : إنِّي أريدُ أن أذهبَ إلى بيتي لِأستريح . ثمَّ ذهبتُ إلى غرفتي وأنا في غاية الدَّهشة : لِماذا فعلتُ ذلك ؟! ماذا حدثَ لي ؟!
ومنذ ذلك اليوم , أصبحتُ أنام دون أن أتِمَّ ما كنتُ اعتدتُ قراءته يوميًّا من الإنجيل , وأصبحتُ لا أشعرُ بالرَّاحة , لا في الصَّلاة , ولا في القراءة , ولا حتَّى في الذَّهاب إلى الكنيسة . وظللتُ أَتفكَّر في حالي , وتخترقُ أُذُني تلكَ الكلمة القاسية التي قالَها لي صديقي المسلم : كلُّكم في النَّار !
ثمَّ أقبلتُ على القراءة الجادَّة في كتب المقارنات والكتب الإسلاميَّة , فعرفتُ أنَّ المسيح نبيٌّ , قال اللَّهُ له : كُنْ , فكان , واكتشفتُ أنَّ المسيح وأمَّه مريَم عليهما السَّلام مُكَرَّمان غاية التَّكريم في القرآن , وعلمتُ أيضًا أنَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مذكورٌ في إنجيل العهدَين , القديم والجديد . فتأكَّدتُ حينئذ أنَّ الإنجيل الذي بين يَدَيَّ مُحَرَّف , واقتنعتُ أنَّ الإسلام هو الدِّينُ الحقُّ , وأنَّ اللَّهَ لا يرضَى غيره دينًا , وأنَّه هو الطَّريق إلى الجنَّة وإلى النَّجاة من النَّار .
ثمَّ ذهبتُ إلى إحدى المكتبات واشتريتُ مصحفًا للقرآن الكريم , وبدأتُ أقرأ فيه , فأحسستُ براحة غريبة في داخلي . وانشرح صدري للإسلام , فأخبرتُ أخواتي بذلك , فعجبتُ أنَّهنَّ قد سَبقْنَني إليه ! فنطقتُ عندئذ بالشَّهادتَيْن : أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأشهد أنَّ محمَّدًا رسول اللَّه .
لقد وُلدتُ من جديد , فَمَا أجملَهُ من دين , وما أعظمَهُ من إله واحد لَم يَلِدْ ولَم يُولَد ولَم يكُن له كُفُوًا أحَد . اللَّهمَّ فلَكَ الحمدُ على نعمة الإسلام وعلى نعمة الإيمان , اللَّهمَّ ثَبِّتْني على ما أنا عليه , واجعلْ آخرَ كلماتي في هذه الدُّنيا : لا إله إلاَّ اللَّه محمَّدٌ رسولُ اللَّه , مِن أجلها أحيا ومن أجلها أموت وبها ألقاك , وصلِّ اللَّهمَّ على سيِّدنا محمَّد وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين .
(نقلاً , مع تصرّف بسيط في سرد القصَّة , عن موقع طريق الإسلام www.islamway.com (http://www.islamway.com/)) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:51
يومَ لا ينفع النَّدم !
مرَّة أخرى , أردتُ يا ابنتي الكريمة ألاَّ نفترق حتّى أعرض عليك مَشاهد أخرى مِن يوم القيامة , كما وصفها القرآنُ الكريم بأسلوبه الفريد .
يقول اللَّه تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 27 بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ 28 وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ 29 وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ 30 قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ 31 وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ 32 } (6- الأنعام 27-32) .
انتبهي يا ابنتي الفاضلة ! إنَّ هذا الموقف سيَقِفُه أُناسٌ مثْلي ومثْلك , غير أنَّهم , إمَّا انشَغلُوا بالحياة الدُّنيا فخرجُوا منها دون أن يُكَلِّفُوا أنفُسَهم عَناء البحث عن الدِّين الحقِّ , وإمَّا أنَّهم جادلُوا وعانَدُوا وجحدُوا وتكبَّرُوا , وماتُوا على غير الإسلام .
ويقول تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ 99 لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 100 فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ 101 فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 102 وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ 103 تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ 104 أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ 105 قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ 106 رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ 107 قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ 108 إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ 109 فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ 110 إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ 111 } (23- المؤمنون 99-111) .
ويقول تعالى : { إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا 40 } (78- النّبأ 40) .
آياتٌ تهزُّ المشاعر والقلُوب , وبلاغةٌ تشهدُ لِوَحْدها بأنَّ القرآن كلامُ ربِّ العالَمين .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:51
وبعد , أيُّها القارئ الكريم !
أما زلتَ في شكٍّ من أنَّ اللَّه تعالى هو الذي خلقك ؟!
واللَّهِ إنَّ كلَّ عُضْوٍ في جسمكَ يشهد بوجود هذا الخالق وعظمته ! يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ 20 وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ 21 } (51- الذّاريات 20-21) .
ويقول تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 53 } (41- فصّلت 53) .
ولو تأمَّلتَ مثلاً في كيفيَّة عمَل دماغك , لَتبيَّنَ لكَ في الحال أنَّه لا يُمكنُ أن يكون إلاَّ من صُنع إلهٍ واحد لا حدود لِقُدرته ولِعلْمه .
فالدِّماغ يستقبل كلَّ لحظة , بواسطة الأعصاب , مليارات المعلومات القادمة من مختلف أعضاء الجسم , فيُحلِّلها بسُرعة خياليَّة , ثمَّ يُصدرُ أوامره بالتَّحرُّك . وبهذا يستطيع الإنسان أن يُميِّز بين آلاف الأصوات , وأن يُشاهد الصُّور , ويتذوَّق الطَّعام , ويُفكِّر , ويمشي , ويضحك . والأغرب من هذا , أنَّ الدِّماغ لا يتوقَّف لحظة واحدة عن العمل , فتنامُ أنت على فراشك وأنت مطمئنٌّ أنَّ قلبكَ لن يتوقَّف عن النَّبض , وأنَّ جهازك التَّنفُّسي سيبقى يعمل .
هذا صُنعُ اللَّه , فماذا صنعَ إنسانُ العصر الحديث ؟
إنَّه لم يستطع أن يصنع سوى إنسان آليّ , هو عبارة عن كُتلة من المعادن محدودة الحركة , لا تُحسُّ ولا تُفكِّر ولا تأكل ولا تشرب ! والمدهشُ فعلاً أنَّ الكثير من الباحثين , عِوَض أن يَصلُوا ببحوثهم إلى معرفة اللَّه والشَّهادة له بالقُدرة والعظمة , يَركبُهم , على العكس , الغُرور , فلا تراهم يتحدَّثون إلاَّ عن عبقريَّتهم وإبداعاتهم ! ولو أراد اللَّه أن يَسلبهم مثلاً نعمةَ التَّفكير , لَما استطاعُوا أن يكتشفُوا أيَّ شيء ! ولو لَم يُوفِّر لهم العناصر اللاَّزمة لِصُنع الأجهزة المختلفة ولِنقل الأصوات والصُّور والمعلومات , لَما استطاعُوا التَّخاطبَ بالهاتف , أو مُشاهدة التّلفاز , أو استخدام الإنترنت .
نعم , لقد أعمى الغرورُ إنسانَ العصر الحديث , فجعله ينتفخ كلَّما توصَّل إلى اكتشاف جديد , بينما كان الأولى به أن يزداد إيمانًا بوجُود خالق واحد عظيم القُدرة , وأنَّ هذا الخالق لم يقذف به هكذا على الأرض , وإنَّما وفَّر له كلَّ ما يحتاج إليه .. وأكثر ! يقول اللَّه تعالى : { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ 34 } (14- إبراهيم 34) .
-----------------------------------
مُلتقانا في الجزء الثَّالث بإذن اللَّه تعالى , لِنَتحدَّث عن الإسلام بالتَّفصيل .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:54
الشَّهادتان , مفتاح الدُّخول في الإسلام
بعد أن تعرَّفْنا في الجزء السَّابق على اللَّه سبحانه وتعالى وعلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , سنتعرَّف الآن سيِّدتي الفاضلة على الإسلام , وسنبدأ بالحديث عن كيفيَّة الدُّخول فيه .
أوَّلُ ما يجبُ أن يفعلَه أيُّ فَرْدٍ لكي يدخُلَ في الإسلام , هو أن يغتسل ويُطهِّر ثيابه , ثمَّ يَنْطِق بالشَّهادتين بصوت مَسموع , ويكون ذلِكَ عادةً أمَامَ إمَامٍ مُسْلِم وبحضُور بعض المسلِمين . لكنّه يستطيع أن يفعل ذلك وحده أو أمام صديق مسلم . المهمّ أن لا يؤخِّر هذا الأمر عندما يعزم عليه , لأنّ لا أحد يضمن لنفسه العيش إلى الغد ! والشَّهادتان هما :
أَشْهَدُ أن لا إلَهَ إلاَّ اللَّه وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه .
طبعًا , هذا الإقرار الظَّاهري باللِّسان يجب أن يُصاحبه في أعماق النَّفس :
- إيمانٌ ثابتٌ بأنَّ اللَّه واحدٌ لا شريك له , وأنَّه وحده خالقُ كلِّ شيء في هذا الوجود , وهو وحده المتصرِّفُ فيه كما يشاء , وأنَّه حيٌّ لا يموتُ أبدًا , وأنَّه لَم يُولَد وليس له زوجة ولا أولاد , وأنَّه ليس كمِثْلِه شيء , وأنَّه مختلفٌ عن كلِّ صورة يمكن أن نتخيَّلها عنه , سبحانه وتعالى .
- إيمانٌ ثابتٌ بأنَّ محمَّدًا رسول اللَّه , وأنَّه خاتم الأنبياء والمرسلين , فلاَ نبيَّ بعدهُ إلى قِيَام السَّاعة .
- إيمانٌ ثابتٌ بأنَّ المسيح عيسى عبدُ اللّه ورسوله .
- إيمانٌ بجميع الأنبياء والمرسلين الذين سَبقُوا محمَّدًا , عليهم الصَّلاة والسَّلام , وبجميع الكُتُب المقدَّسة التي أُنزلَتْ عليهم .
- إيمانٌ بوجود الملائكة والجِنّ .
- إيمانٌ بالقضاء والقَدَر , خَيْره وشرِّه , وأنَّ أفعال كلّ فَرْد مُقدَّرة ومكتوبة في عِلْم اللَّه منذ الأَزَل .
- إيمانٌ ثابتٌ بأنَّنا سنُبعثُ من جديد بعد موتنَا , وأنَّ اللَّه تعالى سيُحاسِبُنا على كلِّ ما فعلْنَاه في الدُّنيا , وأنَّ هناك جنَّة ونارًا .
هذا على مُستوى العقيدة .
أمَّا على مُستوى الأفعال , فيجبُ أن يُصاحبَ النُّطقَ بالشَّهادتين : عزمٌ على القيام بما افترضَه اللَّهُ على المسلم , بَدْءًا بالأركان التي وردَتْ في الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن (عبد اللَّه) بن عمر رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : بُنِيَ الإسلام على خَمْس : شهادة أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّه , وإقام الصَّلاة , وإيتاء الزَّكاة , والحجّ (وفي رواية لِمُسلم : وحجُّ البيت) , وصوم رمضان . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 1 – ص 12 – رقم الحديث 8) .
طبعًا , هذه الفرائض الخمْس لا تُمثِّلُ كلَّ الإسلام , وإنَّما هي الأعْمِدة التي يرتكزُ عليها هذا الدِّين , بحيثُ إذا اختلَّ منها عمودٌ اختلَّ البِناء . وإذا كانت الشَّهادتان هما الحَدّ الفاصِل بين الكُفر والإسلام , فمَن لم ينطق بهما لم يدخُل في هذا الدِّين , فإنَّ الأركان الأربعة الأخرى إذا فَرَّط المسلمُ في القيام بواحد منها دون عُذْر شَرعيٍّ مَقْبول , فإنَّه يَرتكبُ ذنبًا عظيمًا , قد يُخرجُه في بعض الحالات من الإسلام ! وسنحاول التَّعرُّف على هذه الأركان في الصَّفحات القادمة بعون اللَّه .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:54
الصَّلاة , موعدٌ يومي مع اللَّه !
إنَّ من رحمة اللَّه تعالى بنَا أنَّه لم يفرضْ علينا شيئًا إلاَّ وكان فيه فائدة عظيمة لنا . نعم , فاللَّه سُبحانه الذي خلَقَنا , هو وحده الذي يعرفُ بالضَّبط ما تحتاجه أبداننا وأنفسنا في كلِّ الحالات . وإذا كان بعضُ المسلمين يتكاسلُون مثلاً عن أداء الصَّلاة في أوقاتها بدعْوَى أنَّها تُرهِقُ أبدانهم أو تُعيقهم عن العمل أو الدِّراسة , فإنَّ العِلْم الحديث بيَّن , بالعكس , أنَّها أفضلُ طريقة للوقاية , وأيضًا للعلاج , من العديد من الأمراض البدنيَّة والنَّفسيَّة , وأنَّها خَيْرُ مُعين على العمل والدِّراسة !
لِنَبدأ بتعريف كَيْفيَّة الصَّلاة , وأوقاتها :
هناك خمسُ صلَوات مفروضة على المسلم كلّ يوم , في خَمْسة أوقات مختلفة , وهي :
1- الصُّبح : ركْعتان , مسبُوقًا مباشرةً بسُنَّة الفجر : ركْعتان , وذلك عند طلوع الفجر .
2- الظُّهر : أربع ركعات , وذلك عند زوال الشَّمس , أي عند انحرافها عن وسط السَّماء .
3- العصر : أربع ركعات , وذلك عند العصر , أي عندما يصلُ ظِلُّ كلّ شيء مثله ويبدأ في الزِّيادة .
4- المغرب : ثلاث ركعات , وذلك عندما يغيب قُرْصُ الشَّمس كاملاً .
5- العشاء : أربع ركعات , متبُوعًا بسُنَّتَي الشَّفع : ركعتان , والوتر : ركعة , وذلك عند مغيب الشَّفق الأحمر .
وكيفيَّة الصَّلاة هي : أن يقف المصلِّي مُعتدلاً , متَّجها بوَجْهه إلى القبلة (أي متَّجها في اتّجاه الكعبة الشَّريفة بمكَّة) , ثمَّ يرفعُ يديه قائلاً : اللَّه أكبر , مُعلِنًا دخُولَه في الصَّلاة . ومِنْ هنا تبدأ الرّكعة , فيقرأ المصلِّي سورة الفاتحة متبوعةً , فقط في الرّكعتين الأولتين من كلِّ صلاة , بسورة أخرى كاملة أو بضع آيات منها , ثمَّ يركعُ بحيثُ يَثْني نصفَه الأعلى حتَّى يُصبح مُتوَازيًا مع الأرض , ويضعُ يَديْه على رُكْبتَيْه , ثمَّ يقفُ من الرُّكوع , ثمَّ يَسجُد بحيثُ يضعُ جَبْهَتَه وأنفَه ويديْه ورُكبتَيْه على الأرض , ثمَّ يَجْلس , ثمَّ يَسجُد مرَّة ثانية , ثمَّ يقفُ معتدلاً , وتنتهي بذلك الرّكْعة الأولى , وتبدأ الرّكْعة الثَّانية . وتُختَم الصَّلاةُ بقراءة التَّشهُّد جالسًا , ثمَّ السَّلام .
هذه إجْمالاً كيفيَّة الصَّلاة , وتُصلَّى تقريبًا في كلِّ مكان من الأرض ليس فيه نجاسة . ويَبدأُ تعليمُها للصِّغار منذ سنِّ السَّابعة . وهي تُصلَّى فرْدًا أو جماعةً بنفس الكيفيَّة وفي أيِّ مكان طاهر , إلاَّ أنَّها في حالة الجماعة يختارُ المصَلُّون واحدًا منهم , يُسَمَّى في هذه الصَّلاة إمامًا , يقفُ أمامَهم ويُصلِّي بهم , وهم يَقتدُون به في الحركات , مِن ركوع وسجود . وهي أكثر أجْرًا من الصَّلاة الفرديَّة .
والصَّلاة في المسجد تُصلَّى مثل صلاة الجماعة , ويكونُ الإمام فيها : إمام المسجد , وهي أكثر أجرًا من الصَّلاة في البيت . وهي واجبةٌ على الرَّجُل , إلاَّ إذا كان له عُذرٌ مقبُول , فإنَّه يُصلِّيها في بيته أو في مكان عمَله . أمَّا المرأة , فالأفضل لها أن تُصلِّيها في بيتها .
ويوم الجمعة , تُفرضُ صلاةُ الجمُعة على الرَّجُل , وليست واجبة على المرأة , وتُصلَّى في المسجد عِوَضًا عن صلاة الظُّهر , وتَسبِقُها خُطْبتان فيهما وعظٌ وإرشادٌ .
ثمَّ هناك صلوات أخرى تُصلَّى في بعض المناسبات الدِّينيَّة , منها صلاة العيد , مرَّتان في السَّنة , في عيد الفطر وعيد الأضحى , وتُصلَّى جماعةً في المسجد , بعد طلوع الشَّمس بقليل . ومنها صلاة التَّراويح , وتُصلَّى عادةً جماعةً في المسجد , كلّ ليلة خلال شهر رمضان , مباشرة بعد صلاة العشاء .
قبل الصَّلاة , يجبُ على المسلم أن يَتوَضَّأ . والوضوء بإيجاز هو : غَسْل اليدين بماءٍ طاهر إلى الرُّسْغَيْن , ثمَّ غَسْل الفَم , وهو المضمضة , ثمَّ غَسْل الأنف , وهو الاستنْشاق والاستنْثار , ثمَّ غَسْل الوجه , ثمَّ غَسْل اليدين إلى المرفقَيْن , ثمَّ مَسْح الرَّأس, ثمَّ مَسْح الأذُنَيْن , ثمَّ مَسْح الرِّجلَيْن إلى الكعْبَين .
وإذا كان المسلمُ على جنابة , مِن احتلامٍ أو اتِّصالٍ جنسي مع زوجته , فيلزَمُهُ الغُسْلُ أو الوضوء الأكبر , وهو غَسل كامل البدَن بالماء قبل الصَّلاة .
وهنا , تَجْدُر الإشارة إلى أنَّه , إلى جانب الفوائد الصِّحِّيَّة الظَّاهرة للوضوء والغُسْل , فإنَّ فيهما أيضًا تعظيمًا لِحُرمة اللَّه واستعدادًا نفسيًّا وبدنيًّا للصَّلاة بين يديه
كلمة سواء
16.01.2011, 14:54
الصَّلاة , أفضل وقاية من أمراض العصر !
أريد أن أنبِّه في البداية إلى أنَّ الهدف من ذكرنا لبعض فوائد الصَّلاة هنا , ثمّ لبعض فوائد تشريعات الإسلام في العناصر القادمة , هو فقط زيادة التّدليل على أنّ اللّه تعالى , بِمَا أنّه يتَّصفُ بكلِّ صفات الكمال , فإنّ كلَّ ما يأمرُنا به يَخدم بلا شَكّ مصلحتنا .
لكنّ المسلم لا ينتظر حتَّى يفهم الحكمة من تشريعٍ مَا لكي يُطبِّقه , وإنَّما يَقبلُه بكلِّ طواعية ورِضى , حتّى ولو لَم يَفهم الحكمة منه , مُمتثلاً لقول اللَّه تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا 36 } (33- الأحزاب 36) .
ننتقل الآن إلى فوائد الصّلاة :
أمَّا على مستوى البدن , فالصَّلاة تُوفِّر للمصلِّي على الأقلّ خَمْس فُرَص يوميَّة مُنتظمة لكي يقوم بتمارين رياضيَّة , لو عَلِم النَّاسُ ما فيها من فوائد عظيمة , لَمَا تأخَّروا عن القيام بها لحظة واحدة ! وهذا النِّظام الرِّياضي لا يمكنُ أن يتوفَّر إلاَّ لِلمُسلم !
نعم , فعمليَّةُ الرُّكوع ثمَّ الرَّفع منه , والسُّجود ثمَّ الرَّفع منه , والجلوس للتَّشهُّد , مرَّات متتالية في اليوم , تُقوِّي العمود الفقاري خاصَّة , وكلّ عضلات الجسم عامَّة , وتُنشِّط الدَّورة الدَّمويَّة في كامل البدن , بما في ذلك الأطراف . وقد زار مرَّةً طبيبٌ فرنسي القاهرة ورأى المسلمين يُصلُّون في المساجد , فعاد إلى بلده وأصبح يَنصحُ مرضاه الذين يُعانون من آلام في الظَّهر , بالقيام بنَفْس حركات الصَّلاة , عدَّة مرَّات في اليوم ! وقام طبيبٌ آخر مصري ببحثٍ أثبتَ فيه علميًّا أنَّ الصَّلاة تَقي صاحبها من مرض دَوالي السَّاقَيْن .
ثمَّ إنَّ وَضْعَ الوَجه على الأرض ورَفْعه , مرَّات متتالية في اليوم , يُنشِّط الدَّورة الدَّمويَّة في شرايين الدِّماغ , ويُوقظُ الذِّهن . وهذا ما لا يُتاح لغير المسلم الذي يبقَى رأسُه طول اليوم في الأعلَى .
ومع ظهور وسائل النَّقل الحديثة , أصبح الإنسان قليل المشي والحركة , وبالتَّالي مُعرَّضًا أكثر للإصابة بِجَلْطَة قلبيَّة أو بانسدادٍ في شرايين القلب نتيجة رُسوب الشُّحوم بها . فتأتي الصَّلاة كَوقاية فِعْليَّة من هذه الأمراض , لأنَّها تنشِّط الدَّورة الدَّمويَّة , فتَطْرُد بذلك الفضلات والشُّحوم بشكل مُستمرّ .
ولكنَّ هذه الفوائد لا تتحقَّق إلاَّ إذا أُدِّيت الصَّلاةُ في وَقتها دون تأخير , عملاً بقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا 103 } (4- النّساء 103) .
ويجبُ أيضًا أن تُؤَدَّى بتأنٍّ وطُمأنينة , على الصِّفَة التي جاءتْ في روايةٍ للإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم دخلَ المسجد , فدخلَ رجلٌ فصلَّى , ثمَّ جاء فسلَّم على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . فرَدَّ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عليه السَّلامَ وقال : ارجعْ فصَلِّ فإنَّكَ لم تُصلِّ ! فرجعَ الرَّجلُ فصلَّى كما كان صلَّى , ثمَّ جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فسلَّم عليه . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : وعليكَ السَّلام , ثمَّ قال : ارجعْ فصلِّ فإنَّكَ لم تُصلِّ , حتَّى فعلَ ذلكَ ثلاث مرَّات ! فقال الرَّجلُ : والذي بعثكَ بالحقِّ ما أُحسِنُ غير هذا , علِّمني . فقال (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) : إذا قُمتَ إلى الصَّلاة فكَبِّرْ , ثمَّ اقْرأ ما تيسَّر معك من القرآن , ثمَّ اركَعْ حتَّى تطمئنَّ راكعًا , ثمَّ ارفَعْ حتَّى تعتدلَ قائمًا , ثمَّ اسجُدْ حتَّى تطمئنَّ ساجدًا , ثمَّ ارفَعْ حتَّى تطمئنَّ جالسًا , ثمَّ افعلْ ذلك في صلاتك كلّها . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 298 – رقم الحديث 397) .
وإذا كانت فوائدُ الصَّلاة على البَدن عظيمة , فإنَّ فوائدها على النَّفس لا تُقدَّر بثَمن ! فهي أوَّلاً تُتيح للمصلِّي فُرَصًا عديدة في اليوم لقراءة ما تَيَسَّر من القرآن الكريم الذي يَصِفُهُ اللَّهُ تعالى بقَوله : { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا 82 } (17- الإسراء 82) . وكلُّ مَن تَعوَّد أن يقرأ القرآن بتَدبُّر أو يستمع إليه بانتباه من قارئ آخر , يعرفُ جيِّدًا كَمْ له من تأثير حَسَن على النَّفس . بل إنَّه يَشفي فعْلاً من الأزمات النَّفسيَّة التي يمكن أن يتعرَّض لها المسلم في حياته اليوميَّة , عند مَوْت قريب أو فقدان عمل أو ضياع مال أو خوف شديد من شيء ما . يقول تعالى في آية أخرى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ 44 } (41- فصّلت 44) .
ثمَّ إنَّ مِنْ بين أفعال الصَّلاة أنَّ المصلِّي , عندما يسجد واضعًا جبهته على الأرض , له أن يَدعُو اللَّهَ بما يشاء من حاجاته الدُّنيويَّة والأخرويَّة , له ولغيره , مباشرةً ودون أيّ واسطة !
نعم , يدعُو اللَّهَ أن يُوَفِّقه لإيجاد عمل جيِّد , أو يرزقَه مالاً طيِّبًا , أو يكتُبَه من أصحاب الجنَّة , أو يشفي والده من مرضه , أو يأخذ له حقَّه مِمَّن ظلَمه . وهو في دعائه هذا , يكُون على يقين تامٍّ أنَّ اللَّه ينظر إليه في ذلك الوقت ويسمعُ دعاءه , وأنَّه قادرٌ على أن يُعطيه ما طلب .
أيضًا , كلُّنا يَمرُّ في حياته بعدَّة أوقات يشعُر فيها بحاجة أكيدة إلى صديق أو حبيب يتحدَّث إليه ويُفرغ له ما في نفسه من هموم وأحزان , لأنَّ الكبتَ يُوَلِّد الانفجار وربَّما الانتحار . فتأتي الصَّلاةُ كوَسيلة جيِّدة لتخفيف الضّغط عن النَّفس , عبر التَّحدُّث إلى اللَّه سبحانه وتعالى الذي يملكُ كلَّ شيء , والقادر على كلِّ شيء , والمتصرِّف في كلِّ شيء . فيبثُّ المصلِّي شجونَه وأحزانه إلى اللَّه , ويبكي بحرارة , ولا ينتهي من صلاته إلاَّ وقد ارتاح نفسيًّا من الهمِّ الذي كان يشكُو منه !
ولكنَّ المصَلِّي لا يُمكن له أن يَجْني هذه الفوائد النَّفسيَّة إلاَّ إذا كان خاشعًا في صلاته . يقول اللَّه تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 } (23- المؤمنون 1-2) . والخشوعُ في الصَّلاة هو حضور الذِّهن فيها , وعدم التَّفكير في أيِّ شيء من أمور الدُّنيا . وهذه أيضًا فائدة أخرى عظيمة من فوائد الصَّلاة , فهي تُوَفِّر للمصلِّي على الأقلّ خَمْس فُرَص في اليوم لكي ينقطع تمامًا عن مشاغل وهموم الدُّنيا , فيخفُّ الضَّغطُ عن دماغه وترتاحُ أعصابه . وهذا الانقطاع عن العالَم الخارجي هو ما يُسمَّى اليوم عِلْميًّا بالاسترخاء , ويلجأ إليه العديد من النَّاس لإراحة أعصابهم .
وإذا كان للصَّلاة تأثير جيِّدٌ وكبيرٌ على النَّفس , فإنَّ تأثيرها يتعدَّى ذلك إلى السُّلوك ليُهذِّبَه . يقول تعالى : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ 45 } (29- العنكبوت 45) .
فالمسلمُ الذي يؤدِّي صلاته في وقتها بطمأنينة وخشوع , يَستحي أن يُقابلَ ربَّه في الصَّلاة الموالية وقد غشَّ في عمله أو كذب على غيره ! وإذا غلَبتْه نفسُه وارتكبَ ذنبًا صغيرًا , فإنَّه يُسارع إلى التَّوبة منه قبل أن يَقف أمام خالقه من جديد . أمَّا الذُّنوب الكبيرة , فمن المستحيل تقريبًا أن يَقْربَها .
هل عرفْتِ الآن سيِّدتي لماذا تُعتبَرُ الصَّلاةُ عمودًا من الأعمدة الخمسة التي يرتكزُ عليها الإسلام ؟
للأسف , كثيرٌ من المسلمين اليوم يجهلُون قيمتها , فتراهُم يُؤَدُّونها متكاسلين وبعد فوات وقتها , بلا اطمئنان ولا خشوع , فلا يَجنُون منها أيّة فائدة , ولا يدرون أنَّهم بهذا يُسيئون كثيرًا إلى أنفسهم .. وإلى دينهم !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:55
الزَّكاة , حقٌّ مضمونٌ للفقير !
الزَّكاةُ هي مالٌ أو غَنَمٌ أو محصولٌ زراعي أو ما شابَه ذلك , يُؤخذ من أغنياء المسلمين لِيُوزَّع على فُقرائهم . وإذا كان كلُّ مسلم بالِغ مُطالَب بأن يؤدِّي فريضة الصَّلاة خَمْس مرَّات في اليوم , فإنَّه لا يُطالَبُ بإخراج الزَّكاة إلاَّ مرَّةً في السَّنة , وفقط إذا كان يملكُ الأشياء التي تجبُ فيها الزَّكاة .
فالمسلمُ الذي يملكُ مثلاً أراضٍ زراعيَّة أو مواشي وأغنامًا أو تجارة , يُخرجُ مرَّة في السَّنة نِسبةً مُعيَّنة من المحصول الزِّراعي أو المرابيح التّجاريَّة للفقير . وإذا كان لا يملكُ شيئًا من كلِّ هذا , فإنَّه لا يُطالَبُ بالزَّكاة إلاَّ إذا ادَّخر مقدارًا من المال أو الذَّهب يساوي أو يزيد عن المقدار الذي تجب فيه الزَّكاة , ولم يستعملْهُ لِمُدَّة سنة قمَريَّة , فيُخرجُ منه نسبة 2.5 بالمائة للفقراء . وكما تُلاحظين يا ابنتي الفاضلة , فإنَّ هذه النِّسبة ضئيلة جدًّا ولا تُثقِلُ كاهلَ المسلم .
والزَّكاة هي وسيلة من وسائل التَّكافل الاجتماعي , لا تُرهق الغنيَّ ويَفرح بها الفقير . وهي إضافة لهذا , تُعَوِّدُ المسلمَ على عدم التَّعلُّق بالمال , فيسهلُ عليه بعد ذلك أن يتصدَّق ويُهدي ويُقرض , الأمر الذي يصعبُ على كثير من النَّاس . وبهذا تتآلفُ النُّفوس , وتُصبح العلاقة بين الغنيِّ والفقير ليست علاقة صراع وعداء كما في الأنظمة الأخرى , وإنَّما علاقة إخاء وتعاون ومحبَّة , الغنيُّ يُزكِّي ويتصدَّق , والفقير يَقنع ويَرضى , والجميع يقفون في الصَّلاة صفًّا واحدًا , يَدعون ربًّا واحدًا !
ونظرًا لأهميَّة الزَّكاة , فقد ذكَرها اللَّه تعالى في العديد من الآيات في القرآن الكريم مَقْرونة بالصَّلاة , مثل قوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ 43 } (2- البقرة 43) .
ولكن للأسف , هناك من المسلمين مَن تجبُ عليهم الزَّكاة فلا يُؤدُّونها , ناسِينَ أنَّهم بذلك يأكلون حقَّ الفقير , ويُعرِّضون أنفسهم لِعذاب شديد يوم القيامة . يقول اللَّه تعالى : { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 180 } (3- آل عمران 180) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:55
الصِّيام , راحة للمعدة وتقوية للإيمان !
الصِّيام فريضةٌ على كلِّ مسلم بالِغ , كامل شهر رمضان من كلِّ سنة . ورمضانُ هو شهرٌ قمري , وعلى هذا فإنَّ الصِّيام يدور على مَرِّ السِّنين على كلِّ أشهر السَّنة الشَّمسيَّة , وبالتَّالي على كلِّ الفصول . فإذا بدأ شهر رمضان مثلاً في سنةٍ ما في 1 ديسمبر , فإنَّه يبدأ في السَّنة الموالية حوالي 20 نوفمبر , ثمَّ يبدأ في السَّنة التي بعدها حوالي 9 نوفمبر , وهكذا .
والصِّيام هو الانقطاع عن الأكل والشُّرب والجِماع وكُلِّ المفْطِرات , من طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس . وعندما تكون المرأة حائضًا أو نفساء , فإنَّها لا تصوم حتَّى ينقطع عنها الدَّم , فتصوم عندئذ بقيَّة رمضان ثمَّ تقضي بعد ذلك الأيَّام التي أفطَرتْها . ويُرخَّص في بعض الحالات للمسافر أو للمريض أو للمرأة الحامل أو التي تُرضِع , أن تُفطر ثمَّ تقضي الأيَّام التي أفطَرتْها . أمَّا المريض الذي لا يُرجَى شفاءُه , فإنَّه يُعفَى من الصّيام , ويُعوِّض عن ذلك بإخراج طعامٍ عن كلِّ يَوم يُفطِره . يقول اللَّه تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 185 } (2- البقرة 185) .
وكما تلاحظ سيِّدي الفاضل , فإنَّ الصِّيام يُراعي حالة الجسم , وليس الغرض منه أبدًا تعذيب المسلم ! بالعكس , فقد أثبتت عدَّة دراسات طبِّيَّة أنَّ صيام شهرٍ محدَّد كلّ سنة , يُريح المعدة والكلْيَتَيْن والجهاز البولي بصفة دوريَّة . وهو كذلك يُخلِّص البدن من الشُّحوم والفضلات المتراكمة داخله , ويُنظِّم معدَّل السُّكَّر في الدَّم , ويُخفِّف من حدَّة الغريزة الجنسيَّة . هذا على مستوَى البدن .
أمَّا على مستوَى النَّفس , فإنَّ الصِّيام يُدرِّب على الصَّبر على الجوع , ويُوَفِّر للصَّائم فرصةً حقيقيَّة للإحساس بِمَا يُعاني منه الفقراء في كلِّ أنحاء العالَم , فتكون له حافزًا لِمَدِّ يَد المساعدة لهم .
ثمَّ إنَّ كلَّ الصَّائمين يشعرون في شهر رمضان بدافع داخليٍّ قويّ للإقبال على مَزيد من العبادة ومَزيد من الإحسان إلى الغير . فترى الذي كان يتكاسلُ عن الصَّلاة مثلاً , ينشطُ في رمضان , ويخرج إلى المسجد , ويقرأ القرآن , ويُمسكُ لسانَه عن الكذب والشَّتائم والكلام البذيء . لذلك يُوصَف هذا الشَّهر عند المسلمين بشهر العبادة والرَّوْحانيَّات .
ومن فضْل اللَّه تعالى على عباده أنَّه يُضاعِفُ أجر العمل الصَّالح في هذا الشَّهر أضعافًا عديدة , ويغفر فيه الذُّنوب , ويَعتقُ فيه الرِّقاب من النَّار . فقد جاء في صحيح ابن خزيمة عن سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه , قال : خطَبَنا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في آخر يوم من شعبان , فقال : أيُّها النَّاس , قد أظَلَّكُم شهرٌ عظيم , شهرٌ مُبَارَك , شهرٌ فيه ليلةٌ خير من ألف شهر . جعلَ اللَّهُ صيامَه فريضةً , وقِيَام لَيْلِه تَطوُّعًا . مَن تَقرَّب فيه بخصْلَة من الخير كان كمَنْ أدَّى فريضةً فيما سِوَاه , ومَنْ أدَّى فيه فريضةً كان كمَنْ أدَّى سَبْعين فريضةً فيما سِوَاه . وهو شهرُ الصَّبْر , والصَّبرُ ثوابُه الجنَّة , وشهرُ الموَاساة , وشهرٌ يزدادُ فيه رزقُ المؤمن . مَنْ فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لِذُنوبه وعِتْقَ رقبته من النَّار , وكان له مثْل أجْره من غير أن ينتقص من أجْره شيءٌ .
قالُوا : ليس كلُّنا نَجد ما يفطر الصَّائم .
فقال : يُعطي اللَّهُ هذا الثَّوابَ مَنْ فطَّر صائمًا على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن (أي شربة لبن) . وهو شهرٌ أوَّلُه رَحْمة , وأوْسَطُه مغفرة , وآخرُه عِتْقٌ من النَّار . مَنْ خفَّفَ عن مملُوكه غفرَ اللَّهُ له وأعْتَقه من النَّار . واستكْثِرُوا فيه من أربع خِصال : خصلتَيْن تُرْضُون بهما ربَّكُم , وخصلتَيْن لا غِنى بكم عنهما . فأمَّا الخصْلتان اللَّتان تُرضُون بهما ربَّكُم : فشهادة أن لا إلَه إلاَّ اللَّه , وتَستغْفِرونه , وأمَّا اللَّتان لا غِنى بكم عنهما : فتسألون اللَّهَ الجنَّة وتعُوذُون به من النَّار . ومَنْ أشْبَعَ فيه صائمًا سَقاهُ اللَّهُ من حَوْضِي شربةً لا يظمأُ حتَّى يدخلَ الجنَّة . (صحيح ابن خزيمة – الجزء 3 – ص 191 – رقم الحديث 1887) .
وفي هذا الشَّهر الكريم بَدأ نزولُ القرآن على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بواسطة الملَك جبريل عليه السَّلام . وفيه ليلةٌ مُباركةٌ تُسمَّى ليلة القدر , هي خيْرٌ في الفضْل والأجْر من ألف شهر .
وعند انتهاء شهر رمضان ودخُول أوَّل يوم من شوَّال , يحتفلُ المسلمون بعيد الفطر , إعلانًا عن نهاية الصِّيام .
هذه إذًا بإجمال فريضةُ الصِّيام . فإذا كان محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قد أتَى بها من عنده , فمَنْ أخبره بكلِّ فوائدها البدنيَّة والنَّفسيَّة والاجتماعيَّة , وقومُه لم يكونُوا يعرفون الصِّيام ولا يسمعون به ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:55
الحجُّ , تلبية لنداء الرَّحمن !
الحجُّ فريضةٌ على كلِّ مسلم بالِغ , مرَّةً واحدةً في العُمُر , عندما يكون قادرًا على ذلك بدنيًّا وماليًّا . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ 96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97 } (3- آل عمران 96-97) .
ويدخُل وقتُ الحجِّ كلَّ سنة مع بداية شهر شوَّال , مباشرةً بعد انتهاء شهر الصِّيام . ولكنْ جَرَت العادةُ اليوم أن تبدأ وُفُودُ الحجَّاج في القُدوم إلى مكَّة أفواجًا أفواجًا من كلِّ بقاع الأرض , خلال شهر ذي القعدة الذي يَلي شوَّال . ومع دخول شهر ذي الحجَّة الذي يلي ذي القعدة , يكون آخر فوج قد وصل إليها . فيُؤدُّون جميعًا مناسك الحجِّ , وعند منتصف ذي الحجَّة يبدأون في أخذ طريق العودة إلى بلدانهم .
وبما أنَّ أشهر الحجِّ قمريَّة , فإنَّ موسم الحجِّ يدور على مَرِّ السِّنين على كلِّ أشهر السَّنة الشَّمسيَّة , وبالتَّالي على كلِّ الفصول , مثل رمضان .
أمَّا مناسكُ الحجّ , فهي عديدة ومفصَّلَة في كُتُب الفقه . ومِن بين المحطَّات الهامَّة للحاجِّ , هناك الإحرام , وهو نيَّة الدُّخول في أعمال الحجِّ . فيبدأ الحاجُّ عادةً بإزالة شعر الإبطين والعانة وتقليم الأظافر , ثمَّ يغتسل ويلبس ثياب الإحرام , وهي بالنِّسبة للرَّجل : منْشَفَتَان نَظِيفَتَان لَونُهما أبيض , واحدة يُغطِّي بها ما بين السُّرَّة إلى الرُّكبة , وواحدة لتغطية الظَّهر والصَّدر . أمَّا المرأة فتلبسُ ثيابها العاديَّة الشَّرعيَّة التي تستُر كلَّ بدنها ورأسها .
ثمَّ يبدأ الحاجُّ في ترديد التَّلبية , وهي : لبَّيْكَ اللَّهُمَّ لبَّيْك , لبَّيْكَ لا شريكَ لكَ لبَّيْك , إنَّ الحمْدَ والنِّعْمة لكَ والملْك , لا شريكَ لك . وبدايةً مِن تلك اللَّحظة وحتَّى نهاية المناسك , يَمتنعُ الحاجُّ عن عدّة أشياء , منها الجماع والخصام . يقول اللَّه تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ 197 } (2- البقرة 197) .
ومِن بين أعمال الحجِّ : الطَّواف بالكعبة سبع مرَّات . ومنها أيضًا : السَّعْي بين الصَّفا والمرْوَة , مثلما فعلَت السَّيِّدة هاجر زوجة النَّبيِّ إبراهيم عليه السَّلام , عندما كانت تبحثُ عن الماء لطفلها الرَّضيع إسماعيل , ففجَّر اللَّهُ تعالى لهما بئر زمزم التي يشرب منها الحجَّاجُ اليوم .
وفي اليوم التَّاسع من ذي الحِجَّة , يقفُ كلُّ الحجَّاج بمكانٍ يُسمَّى عَرَفَة , حيثُ يَدعُون اللَّهَ بما يشاءُون . وهو موقفٌ مَهيبٌ يُذَكِّر بوقُوف النَّاس في مكان واحد يوم القيامة , ينتظرُون أن يُعرَضُوا على العزيز الجبَّار ليُحاسِبَهم على أفعالهم في الدُّنيا .
وفي اليوم العاشر من ذي الحِجَّة , وهو عيد الأضحَى لكلِّ المسلمين , يَذبحُ الحجَّاج , ويذبحُ مَن له القُدرة من المسلمين , خروفًا أو غير ذلك , إحياءً لذكرى الفِداء , عندما أراد اللَّهُ تعالى امتحانَ نبيِّه إبراهيم عليه السَّلام , فأمَره بذَبْح ابنه الوحيد إسماعيل . فلمَّا استجابَ الاثنان لأمْر اللَّه , وفي اللَّحظة التي مَرَّرَ فيها إبراهيمُ السِّكِّينَ على رَقبة إسماعيل , تَدخَّلَت العِنَايةُ الإلهيَّة لإيقاف هذا العَمَل , ونزلَ جبريلُ عليه السَّلام بكَبْش عظيم , فذبحهُ إبراهيمُ عِوَضًا عن ابنه .
والغريبُ أنَّ بعضَ النَّاس مِن غير المسلمين يعتبرون ذبْحَ ملايين الخِرْفان بالسِّكِّين وفي وقت واحد : مجزرة فظيعة في حقِّ الحيوان !
سُبحان اللَّه ! ماذا إذًا عن ملايين الخرفان الأخرى وملايين البَقر التي تُذبحُ كلَّ يوم بطُرُق مُختلِفة في المسالِخ في كلِّ بقاع الأرض ؟! هل هذه أيضًا مجزرة في حَقِّها ؟! وماذا عن ملايين الأسماك التي تُصادُ كلَّ يوم بالشِِّباك ؟! وماذا عن بائعي اللُّحوم والأسماك وآكِليها , هل هم شُركاء في الجريمة ؟!
نعم , هكذا تختلطُ الأمور على بعض النَّاس , فلا يَدْرُون ما يقولُون ! ثمَّ لِيَعلمْ هؤلاء أنَّ كلَّ مسلم , مباشرة بعد أن يذبح أضحيَته , يُرسلُ بجزء منها صدقةً للفقير , وجزء آخر هديَّة لجاره . أليس هذا وجهٌ آخر من التَّكافل الاجتماعي في الإسلام , وطريقة أخرى لِنَشْر التَّحابُب بين النَّاس ؟!
وليَعْلَمُوا أيضًا أنَّ الإسلام يحثُّ بشدّة على الرِّفق بالحيوان , ويُحرِّمُ تعذيبه . فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن شداد بن أَوْس رضي اللَّه عنه , قال : ثِنْتان حَفظْتُهما عن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قال : إنَّ اللَّهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيء , فإذا قتَلْتُم فأحْسِنُوا القتْلَة , وإذا ذبحْتُم فأحْسِنُوا الذَّبْح , وليَحُدَّ أحدُكُم شفْرَتَه فلْيُرِحْ ذَبيحَتَه . (صحيح مسلم – الجزء 3 – ص 1548 – رقم الحديث 1955) .
وروى الإمام مسلم أيضًا في صحيحه عن عبد اللَّه (بن عمر) رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : عُذِّبَت امرأةٌ في هرَّة سجَنَتْها حتَّى ماتتْ , فدخلتْ فيها النَّار , لا هي أطْعَمتْها وسَقَتْها إذْ هي حَبَسَتْها , ولا هي تركَتْها تأكلُ من خشاش الأرض . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2022 – رقم الحديث 2242) .
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : بينما رجلٌ بطريقٍ اشتدَّ عليه العطش , فَوَجدَ بئرًا فنزلَ فيها فشَرب . ثمَّ خرجَ , فإذا كلبٌ يَلْهث , يأكلُ الثَّرَى من العطَش . فقالَ الرَّجُل : لقد بلغَ هذا الكلبُ من العطش مثل الذي كان بَلَغ منِّي . فنزلَ البئر , فملأ خُفَّه ماءً , فسقَى الكلْبَ , فشكَرَ اللَّهَ له , فغَفَر له .
قالُوا : يا رسولَ اللَّه , وإنَّ لنا في البهائم لأجرًا ؟!
فقال : في كلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطْبَة أجْرٌ . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 2 – ص 870 – رقم الحديث 2334) .
نعود لفريضة الحجِّ , ماذا يجني المسلمُ من أدائه لها ؟
أوَّل هذه الفوائد وأعظمها , ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : مَنْ حَجَّ هذا البيْتَ فلَمْ يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ , رجعَ كيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّه . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 2 – ص 645 – رقم الحديث 1723) . وفي رواية للإمام أحمد : خرجَ من ذُنُوبه كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّه . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 2 – ص 484 – رقم الحديث 10279) .
وأمَّا الفوائد الأخرى : فمنها تمتُّع الحاجِّ برؤية الكعبة الشَّريفة , والصَّلاة في المسجد الحرام بمكَّة , والصَّلاة في المسجد النَّبويِّ بالمدينة , وزيارة قبر النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , والشُّرب من ماء زمزم المبارَك .
ومنها : تعرُّفه على مسلمين من مختلف البُلدان .
ومنها : شعوره بعد الحجِّ بأنَّه يجبُ أن يكون أكثر حرصًا على فعل الخيرات واجْتِنَاب المحرَّمات , بعد أن غفر له اللَّه ذنوبَه الماضية .
هذه إذًا بإيجاز فريضة الحجّ , الرُّكن الخامس من أركان الإسلام .
---------------------------------
التالي بإذن الله تعالى : اجتنبوا الخمر والميسر , ولا تقربوا الزِّنا !
كلمة سواء
16.01.2011, 14:56
اجتنبوا الخمر والميسر , ولا تقربوا الزِّنا !
بعد أن تحدَّثْنا عن الأعمدة الخمسة التي يرتكز عليها الإسلام , تعالَيْ معي سيِّدتي الفاضلة نتعرَّف على الطَّريقة العجيبة التي يسلُكها هذا الدِّين في التَّعامل مع الآفات الخطيرة التي يمكن أن تُدمِّر المجتمع .
يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 90 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ 91 } (5- المائدة 90-91) .
ويقول تعالى بخصوص الزِّنا : { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً 32 } (17- الإسراء 32) .
في هذه الآيات دليلٌ جديد على إعجاز القرآن ! فلَو طُلِبَ من بَشَر أن يُحذِّر النَّاس من شُرب الخمر أو لَعب القمار أو ممارسة الزِّنا , لَقال : لا تشربُوا الخمر , لا تلعبُوا القِمار , لا تَزْنُوا . لكنَّ اللَّه سبحانه وتعالى يعرفُ جيِّدًا طبيعةَ النَّفْس البشريَّة , لذلك سدَّ أمامها كُلَّ المسالك المؤدِّية لهذه الآفات , فجاء الأمرُ الإلهي : { فَاجْتَنِبُوهُ } , { وَلا تَقْرَبُوا } , بِمَعنى : لا تفعلُوا هذه الفواحش , وأيضًا : ابتعِدُوا عن كُلِّ ما يُمكنُ أن يُؤدِّي إلى الوقوع فيها .
وقد بَيَّنَ لنا النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كيفيَّة اجتناب الخمر , في أحاديثَ نختار منها ما رواه الحاكم في مُستدركه عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لعنَ اللَّهُ الخمْرَ , ولعنَ ساقِيها , وشاربَها , وعاصرَها , ومُعْتصرَها , وحاملَها , والمحمُولَة إليه , وبائعَها , ومُبْتاعَها , وآكِلَ ثَمَنها . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 2 – ص 37 – رقم الحديث 2235) .
فهل يمكنُ لِمُسلمٍ صادِق أن يَقْرب الخمرَ بعد هذا التَّرهيب ؟!
وعن الميْسِر (أي لعب القمار) , روى الحسن بن موسى الأشيب عن مُجاهد وعطاء , اثنان من صحابة النَّبيِّ الثِّقات , رضي اللَّه عنهما , أنَّهما قالاَ : في كلِّ شيء فيه قمارٌ فهو من الميْسِر , حتَّى لَعِب الصِّبْيَان بالجَوْز والكعَاب . (كتاب : جزء أشيب , للحسن بن موسى الأشيب البغدادي – ص 74 – رقم الحديث 51) .
فهل يمكنُ لِمُسلمٍ صادِق بعد هذا التَّوضيح أن يَقربَ القِمار , ولو كان لعبًا بالورق يُغرَّمُ إثْرَه الخاسِرُ بدفْع ثمن قهوة للرَّابح ؟!
وأمَّا عن الزِّنَا : وهو الاتِّصال الجنسي بين رجل وامرأة أو شابّ وشابَّة لا تربطهما رابطة زواج بعقد شرعي , فقد روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : العينان تَزْنِيَان , واللِّسانُ يَزْني , واليَدان تَزْنِيَان , والرِّجْلان تَزْنِيَان , ويُحَقِّقُ ذلكَ الفَرْجُ أو يُكَذِّبُه . (صحيح ابن حبّان – الجزء 10 – ص 267 – رقم الحديث 4419) .
فهل يمكنُ لِمُسلمٍ صادِق بعد هذا التَّحذير أن يَقربَ الزِّنَا , ولو كان نظرًا إلى صُوَر عارِيَة وأفلام هابطة , أو تقبيلاً أو لَمْسًا ؟!
قد تتساءلينَ سيِّدتي : لكن لماذا حرَّم الإسلام الخَمْر والقِمَار والزِّنَا ؟
أقول : لأنَّها كلُّها مُضِرَّةٌ جدًّا بالفَرْد وبالمجتمع .
فشُرْبُ الخَمْر يُسَبِّبُ أمراضًا مُختلِفة في الجهاز الهضمي والجهاز البولي والجهاز العصبي , ويصلُ إلى حدِّ الإصابة بالسَّرطان . وعندما يكونُ الإنسانُ في حالة سُكْر , فإنَّه قد يتَفَوَّه بكلام أو يقومُ بأفعال تضُرُّ بنفسه وبغيره . وما حوادثُ السَّيَّارات والقتل والاغتصاب النَّاتجة عن شُرب الخَمْر , إلاَّ خير شاهد على ذلك .
ولَعِبُ القِمار مَضْيَعة للمال , ومصدرٌ لانتشار العَداوة والبَغْضاء بين اللاَّعبين , بالإضافة إلى أنَّه قد يُعرِّض الخاسِر لأزمات عصبيَّة حادَّة .
والزِّنَا يُعرِّضُ صاحِبَه للإصابة بأمراض خطيرة , مثل : الزُّهَري والسِّيدَا (أو الإيدز) . وهو بالإضافة إلى ذلك يُمثِّلُ أحد الأسباب الرَّئيسيَّة في تَفَكُّك الأُسرة بالنِّسبة للمتزوِّجين , والعُزوف عن الزَّواج بالنِّسبة للشَّباب .
ثمَّ إنَّ هذه الآفات الثَّلاث تشتركُ في أنَّ الذي يقوم بها يُصبح عُرْضة للإدمان عليها , وبالتَّالي لا يستطيع الخلاص من حِبالها ولو كلَّفه ذلكَ ضيَاع مالِه وأُسْرته !
نعم , حتَّى الأشخاص الذين يقولُون بأنَّهم مُعتدِلُون , يَخرجُون عن اعتدالهم هذا عند أوَّل مُصيبة تعترضُهم في حياتهم , فيغرقُون في شرب الخمر أو لعب القمار أو الزِّنَا ! أليس من الأفضل إذًا سَدّ كُلّ الطُّرق التي تُوصلُ إلى الوقوع في هذه الآفات ؟
نعم , هذا هو الحلُّ الأفضل , وهذا ما فعلَه الإسلام . فماذا فعلَت الأنظمة الأخرى ؟
لا شيء تقريبًا !
فهي عندما تفطَّنت إلى الآثار المدمِّرة للخمر , لم تستطع إلاَّ إضافة جُملة في أسفل إعلاناتها : الإسرافُ في شُرب الخَمْر مُضِرٌّ بالصِّحَّة !
فهل غَيَّر هذا مِن الوَضع شيئًا ؟
لا , لم يُغَيِّر أيَّ شيء !
تسألين لماذا ؟
الإجابة تَجدينها سيِّدتي في الحديث الذي رواه ابنُ ماجه في سُنَنه عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه , قال : قال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : كُلُّ مُسْكِر حرامٌ , وما أسْكَر كَثِيرُه فقَلِيلُه حرام . (سنن ابن ماجة – الجزء 2 – ص 1124 – رقم الحديث 3392) .
نعم , حتَّى القليل من الخمر مُضِرّ ! وكذلك الحال بالنِّسبة للقليل من القمار والقليل من الزِّنا والقليل من الدُّخان والقليل من المخدِّرات ! كان إذًا على الحكومات والمنظَّمات الصِّحِّيَّة أن تُعدِّل جُملَتها الإعلانيَّة السَّابقة لِتُصبح : الخَمْرُ مُضِرٌّ بالصِّحَّة .
وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ الإسلام هو الدِّين الوحيد الذي أتَى منذ حوالي 1400 سنة بتشريع واضح وصارم بِخصُوص الخمر , خالفَ به كلَّ العقائد والقوانين الموجودة على وجه الأرض .
بينما فعلَ النَّصارى عكس ذلك تَمامًا , حيثُ جعلُوا من الخمر جزءًا من شعائرهم الدِّينيَّة , يشربُونه مِن يَد القسِّ شخصيًّا , ويرمزون إليه بدَم المسيح , ويزعمُون أنَّ هذا الشَّراب يُطهِّرُهم ويُنَقِّيهم من الذُّنوب والخطايَا ! وواللَّهِ إنَّ المسيحَ عيسَى عليه السَّلام لَبريءٌ منهم ومن شعائرهم ومن عقيدتهم المحرَّفة ! وسينزلُ هذا الرَّسولُ الكريم في آخر الزَّمان على الأرض , فيُلغي كلَّ هذه الأباطيل , ولا يقبلُ غير الإسلام دينًا .
ولا بُدَّ من الإشارة أيضًا إلى أنَّ اللَّه تعالى أعدَّ لِعباده الصَّالحين في الجنَّة خَمْرًا , غير أنَّها تختلفُ تمامًا عن خَمْر الدُّنيا . يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم متحدِّثًا عن أصحاب الجنَّة : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ 45 بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ 46 لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ 47 } (37- الصّافّات 45-47) . فهي إذًا خمرٌ لا تُذهِبُ العقلَ ولا تضُرُّ بالبدن .
ومن ناحية القِمار : لم تَرَ الحكوماتُ فيه أيّة خُطورة , فأصبح كلُّ النَّاس يَحلُمون بالثَّروة , وكلُّهم يَلعبُون القمار بأصنافه المختلفة , حتَّى ولو كان ذلك على حساب مصروف البيت والأطفال !
وأمَّا عن الزِّنَا : فاعْتَبرت الأنظمةُ هذا الأمرَ حضارةً وتمدُّنًا , فكانت النَّتيجة أن غرقت مجتمعاتُها في مشاكلَ لها أوَّل وليس لها آخِر , من كثرة حالات الطَّلاق والاغتصاب والقتل , وهروب الشَّباب من مسؤوليَّة الزَّواج , وظهور جمعيَّات للشَّاذِّين جنسيًّا , وأصبح الرَّجلُ يتزوَّجُ الرَّجلَ علَنًا وبعقْد قانوني , والمرأةُ تتزوَّجُ المرأة , ولا غرابة أن نسمع في المستقبل عن زواجٍ بين الأخ وأخته وبين الابن وأمِّه ! فإلى أين نحنُ ذاهبون ؟! إلى أين نحنُ ذاهبون ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 14:57
كلمة عن اللّواط
اللّواطُ هو ممارسةُ الرَّجُلِ الجنسَ مع رجُلٍ آخر . وهو شُذُوذٌ يشمئزُّ منه الذَّوقُ السَّليم , ويَتَنَافَى مع الرُّجولة والشَّهامة والشَّرف . لِذَلِكَ , فهو سُبَّةٌ عند جميع شعوب العالَم , يُنعتُ بها مَن كان يَتَّصِفُ بالدَّناءة وسوء الخُلُق .
لا غرابةَ إذًا أن يُحَرِّمَه الإسلامُ تحريمًا شديدًا , ويَتَوَعَّد مَنْ يَقوم به باستحقاق لَعْنَة اللَّه وغضبه وعذابه . فقد روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذبحَ لِغَيْر اللَّه , ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّر تخُوم الأرض , ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ كمه الأعمَى عن السَّبيل , ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ والِدَه (وفي رواية : والدَيْه) , ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْر مَواليه , ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْم لُوط , ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْم لُوط , ولَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْم لُوط (ثلاث مرّات) . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 309 – رقم الحديث 2817) .
وتَعُود تَسْمِيَةُ اللّواط إلى قَوْم النَّبيِّ لُوط عليه السَّلام , الذين تَفَشَّى فيهم هذا الفعْل القبيح , فأخَذَهُم اللَّه بعذاب أليم في الدُّنيا قَبْلَ الآخرة . يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ 160 إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ 161 إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ 162 فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 163 وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ 164 أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ 165 وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ 166 قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ 167 قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ 168 رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ 169 فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ 170 إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ 171 ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ 172 وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ 173 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ 174 وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 175 } (26- الشّعراء 160-175) .
ولا تغترَّ يا ابني الكريم بِمَا يَسُوقه الذين يُمارسُون اللّواط مِن مُبَرِّرات , مِن أنَّ الميَلان إلى نفس الجنس هو شيءٌ غريزي في الإنسان , وأنَّه يَتفاوتُ مِن شخص لآخر , وبالتَّالي فإنَّ مَيلان الرَّجُل إلى رجل آخر ورغبته في الزَّواج منه هو شيء طبيعي , تَمامًا مثلما يُحبُّ الرَّجُلُ امرأةً ثمَّ يتزوَّجها !
فحتَّى لو سَلَّمْنَا بأنَّ هذه الغريزة موجودةٌ فعلاً في الإنسان , فَهل يَعني هذا أن نَنْقاد لها ؟! وماذا إذًا عن الذي يجدُ في نفسه مَيْلاً شديدًا لِمُمارسة الجنس مع أخته أو أمِّه , أو لِتَذَوُّق المخدّرات ؟ هل نسمحُ له بالانقياد لِشَهواته ؟!
طبعًا لا نسمحُ له بذلك , لأنَّنا لو فعَلْنا لَما بَقيَ هناك أسرة ولا مجتمع ولا مبادئ ولا قِيَم , ولَأَصبح العالَمُ يعيشُ في فَوضَى لا حدود لها .
إنَّ الغرائز البَشريَّة هي حقيقةٌ لا يُمكنُ تَجَاهُلها , ولكن عِوَضَ الانقياد لها والوقوع في الشُّذُوذ , يجبُ على العكس تهذيبها والتَّحكُّم فيها من ناحية , والضَّرب على أيدي الشَّاذِّين من ناحية أخرى , حتَّى لا يغرقَ الجميع .
ويومَ اعترفَت المجتمعاتُ الغربيَّة بالشُّذوذ الجنسي , أنَّه حالةٌ طبيعيَّة في المجتمع , وسَمحتْ للشَّاذِّينَ بالدِّعاية لِشُذُوذهم في وسائل الإعلام , أصبحَ هؤلاء يُطالبُون بالزَّواج في الكنيسة , وبتَبَنِّي أطفالٍ لِتَربِيَتهم , وبالتَّمتُّع بكلِّ الحقوق الاجتماعيَّة التي يتمتَّع بها المتزوِّجون .
سُبحان اللَّه ! هل ترضَى سيِّدي أن تتزوَّج من امرأة وتُنجب لك أطفالاً , ثمَّ تُعطيهم لهؤلاء الشَّاذِّين لِتَربِيَتهم أو حتَّى لِمُجرَّد حراسَتهم لبضع ساعات في بيتك حتَّى تعود ؟! طبعًا لا ترضَى , لأنَّك لا تَأمَنُ أبدًا على أطفالكَ أن يعتدي عليهم هؤلاء .. جنسيًّا !
نعم , إنَّهم شاذُّون فعلاً عن الفطرة السَّليمة وعن الذَّوق السَّليم , وإنَّ الذي نراه اليوم من انتشارٍ كبير لِمَرض السِّيدا (أو الإيدز) ومن ظُهور لِأمراض أخرى جديدة لم تَظهرْ في الماضي , مثل جنون البقر , لَهُو عقابٌ من اللَّه تعالى لَنَا بسبب سماحنا بهذا الشُّذُوذ ! فَمَتَى سنَعْقِلْ ؟! مَتَى سنَعْتَبِرْ ؟!
روى ابنُ ماجه في سُنَنه عن عبد اللَّه بن عُمَر رضي اللَّه عنه , قال : أقبلَ علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال : يا مَعْشَر المهاجرين , خَمْسٌ إذا ابْتُلِيتُم بهنَّ , وأعوذُ باللَّه أن تُدْركُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَر الفاحشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حتَّى يُعْلِنُوا بها , إلاَّ فَشَا فيهم الطَّاعُون والأوجاعُ التي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ في أسْلافِهم الذين مَضَوْا , ولم ينْقصُوا المكْيَالَ والميزان إلاَّ أُخِذُوا بالسِّنين وشِدَّة المئُونَة وجُور السُّلْطان عليهم , ولَمْ يَمْنعُوا زكاةَ أموالهم إلاَّ مُنِعُوا القطْرَ (أي المطَر) من السَّماء , ولولاَ البَهائم لَمْ يُمطَرُوا , ولَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّه وعَهْدَ رسوله إلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عليهم عَدُوًّا من غَيْرهم فأخَذُوا بعضَ ما في أيْديهم , وما لَمْ تَحْكُم أئِمَّتُهم بكتاب اللَّه ويَتَخَيَّرُوا ممَّا أنزلَ اللَّه , إلاَّ جعلَ اللَّهُ بأسَهُم بينهُم . (سنن ابن ماجة – الجزء 2 – ص 1332- رقم الحديث 4019) .
واللَّهِ إنَّ هذا الحديث لَهُو مُعجزةٌ من المعجزات التي أيَّد اللَّهُ بها نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! فقد شاعت الفاحشةُ فعْلاً في عصرنا الحالي , وأصبح النَّاسُ يُمارسُون الزِّنا واللّواط في كلِّ مكان وكأنَّه أمرٌ عادي , ويتبجَّحون بذلك عَلَنًا ! فكانت النَّتيجة أن ظهر مرض السِّيدَا (أو الإيدز) , وهو ما يُسمَّى بطاعُون العصر الذي لَمْ يَظْهَر في الأُمَم السَّابقة , وفَشَا فعْلاً في المجتمعات التي شاعت فيها الفاحشة .
والسِّيدَا هو مرضٌ يُصيبُ جهاز المَناعة لَدَى الإنسان , ويتسبَّبُ فيه فيروس (Vérus) يُهاجم كُرَيَّات الدَّم البَيْضاء التي مُهمَّتُها التَّصدِّي للجراثيم والميكروبات , فيُدَمِّرها واحدةً بعد الأخرى , ويَفقدُ الجسمُ بذلك أهمَّ وسائله الدِّفاعيَّة , فيُصبحُ بعد ذلك عاجزًا عن مقاومة الأمراض التي كان يستطيعُ التَّغلُّب عليها في الظُّروف العاديَّة , وتتدهور صحَّةُ المريض شيئًا فشيئًا حتَّى يموت .
وقد كان عدد المصابين بالسِّيدَا لا يتجاوز العشرات عند ظهوره سنة 1979 م , ثمَّ أصبح سنة 2000 م يُعَدُّ بعشرات الملايين ! فهو ينتشرُ بسُرعة مَهُولة , خاصَّة في صفوف الذين يُمارسُون اللّواط . وتنتقل العدوى من شخص مُصاب إلى شخص سليم إذا وقع بينهما اتِّصالٌ جنسيّ أو نقل دَم . ويُمكنُ أن تنتقل العدوى من الأمِّ المصابة إلى جنينها في فترة الحمل . لهذا نسمع اليوم بنساء وأطفال مُصابين بالسِّيدَا , بالإضافة إلى الرِّجال .
هذه إذًا نتائج الشُّذوذ الجنسي , وهذا جزاء مَنْ يُعلنُ الحرْبَ على اللَّه ! وطالَما لم يَفهم الإنسانُ أنَّ مرض السِّيدَا هو عقابٌ من عند اللَّه , فلنْ تنفعه بُحُوثُه ولا تظاهراته ولا احتجاجاته للتَّصدِّي لهذا المرض .
نعم , إنَّه عقابٌ إلهي , ولَنْ يرفع اللَّهُ عقابه إلاَّ إذا تحرَّكت المجتمعات لِمُحاربة اللّواط وكلّ أنواع الشُّذوذ الجنسي , وللتَّشنيع علَنًا بِالشَّاذِّين ! اللَّهُمَّ هل بَلَّغْت ؟! اللَّهُمَّ فاشْهَدْ .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:58
كلمة عن جماع الزّوجة في فترة الحيض
يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ 222 } (2- البقرة 222) .
ينهَى اللَّه تعالى في هذه الآية الكريمة نَهيًا صريحًا عن جِماع الزَّوج لِزَوجته خلال فترة حَيْضها .
وقد بيَّن النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المقصودَ باعتزال النِّساء وعدم قُربهنَّ في هذه الفترة , بأنَّه عدم جِمَاعهنَّ في الفَرْج . أمَّا باقي الأمور المباحة في غير فترة الحيض , مِن تَقْبيلٍ أو عِناق أو النَّوم مع الزَّوجة تحت غطاء واحد , أو الأكل والشُّرب معها , فهي كلّها مُباحة أيضًا في فترة الحيض . وقد روى أبو جعفر الطّحاوي في كتابه شرح معاني الآثار عن أبي قلابة رضي اللَّه عنه , أنَّ رجلا سأل عائشة (زوجة النَّبيّ) رضي اللَّه عنها : ما يَحِلُّ لِلرَّجُل من امرأته إذا كانت حائضًا ؟ فقالت : كلّ شيء إلاَّ فَرْجها . (شرح معاني الآثار – الجزء 3 – ص 38) .
ومِن حُسْن أدَب النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مع زوجاته ومراعاته لحالتهنَّ النَّفسيَّة في هذه الفترة , ما رواه أبو داود في سُننه عن عائشة رضي اللَّه عنها , قالت : كنتُ أتعرَّق العظم (أي أتناولُ عِرْق اللَّحم بفَمي) وأنا حائض , فأُعْطيه النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فيضَعُ فمَهُ في الموْضِع الذي فيه وَضعْتُه , وأشربُ الشَّرابَ (أي الماء) فأناولُه , فيضَعُ فمَهُ في الموْضِع الذي كنتُ أشْربُ منه ! (سنن أبي داود – الجزء 1 – ص 68 – رقم الحديث 259) .
نعم , هكذا يتعامل الإسلام مع المرأة الحائض . بينما لو تأمَّلنا مثلاً في التَّوراة المحرَّفة الموجودة اليوم عند اليهود , لَوجدنا فيها نقيض ذلك تمامًا ! فقد جاء في سفر اللاَّويِّين : وإذا كانت امرأةٌ لها سَيْلٌ وكان سَيْلُها دَمًا في لَحمها , فسَبعة أيَّام تكونُ في طَمْثِها . وكلُّ مَنْ مَسَّها يكونُ نَجِسًا إلى المساء . وكلُّ ما تَضطجعُ عليه في طَمْثِها يكونُ نَجِسًا , وكلُّ ما تجلسُ عليه يكونُ نَجِسًا . وكلُّ مَنْ مَسَّ فِراشَها يَغسلُ ثيابَه ويَستحِمُّ بِماء , ويكونُ نَجِسًا إلى المساء . وكلُّ مَنْ مَسَّ مَتاعًا تجلسُ عليه يغسلُ ثيابَه ويَستحِمُّ بِماء ويكونُ نَجِسًا إلى المساء . (سفر اللاَّويِّين – الإصحاح الخامس عشر 19 – 22) . طبعًا , لا مجال للمقارنة بين تشريع الإسلام وتشريع التَّوراة المحرَّفة !
نعود لِمسألة الحيض لِنَرى رأي العِلْم الحديث فيها : أثبتَت الدِّراساتُ الطِّبِّيَّة أنَّ هناك أضرارًا كبيرةً يُمكنُ أن تُصيبَ المرأة والرَّجل نتيجة الجِمَاع أثناء فَتْرة الحيض .
أمَّا المرأة : فإنَّها عندما تكون حائضًا تنقصُ عندها المناعة ضدَّ الأمراض , وبالتَّالي فإنَّ الجِمَاع في هذه الفترة قد يُؤدِّي إلى وصول بعض الجراثيم إلى رَحِمها , فيُسبِّب له الْتِهَابات , وربَّما بعض الأمراض الخطيرة .
وأمَّا الرَّجل : فهو معَرَّضٌ أيضًا أن تنتقل إليه الجراثيم عن طريق الذَّكَر , مِمَّا قد يُؤدِّي إلى حدوث الْتِهابات شديدة في الخصْيَتَيْن والبروستات .
هذا بالإضافة إلى أنَّ الجماع في فترة الحيض يُنافي الذَّوق السَّليم , وتَنفر منه الطِّباعُ النَّقيَّة !
لكن , بعد أن تطهُر المرأةُ من دم الحيض , فيُمكنُ عندئذ لها ولزوجها أن يُمارسَا معًا عمليَّة الجماع مثلما يطيبُ لهما , ويتمتَّعا ببعضهما كما أرادا , شرط أن يتجنَّبَا الدُّبُر . وهذا هو المقصود بقوله تعالى : { فأتُوهُنَّ مِنْ حيثُ أمَركُم اللَّه } , أي في الفَرْج .
وقد روى ابن حبَّان في صحيحه عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قالَ : لا يَنْظُرُ اللَّهُ إلى رجُلٍ أتَى امرأتَهُ في دُبُرها . (صحيح ابن حبّان – الجزء 9 – ص 517 – رقم الحديث 4204) .
وروى أبو داود في سُنَنه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : قال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : مَلْعُونٌ مَنْ أتَى امرأتَهُ في دُبُرها . (سنن أبي داود – الجزء 2 – ص 249 – رقم الحديث 2162) .
وروى الإمام أحمد في مُسنده عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : أُنزِلَتْ هذه الآية : { نساؤُكُم حَرْثٌ لكُم ... } , في أُناس من الأنصار أَتَوا النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فسأَلُوه , فقال : ائْتِها على كلِّ حال , إذا كانَ في الفَرْج . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 268 – رقم الحديث 2414) . قال المفسِّرون : أي قائمةً وقاعدة ومُقبِلَة ومُدْبِرة ومُستلْقِيَة , ما دام ذلك في الفَرْج .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:58
هكذا يتعامل الإسلام مع الغرائز
لقد أخطأ دُعاةُ الحرِّيَّة الجنسيَّة خطأ جسيمًا عندما أشاعُوا أنَّ إطلاق العنان للغرائز يَقي صاحبَها من الكبت والحرمان والعُقَد النَّفسيَّة . وما نراه اليوم من مشاكل لا حصر لها في المجتمعات التي تحرَّرت من المبادئ والقِيَم الأخلاقيَّة , لَهُو خير شاهد على فداحة خطئهم , حتَّى أنَّ أحد الصّحفيِّين الأمريكيِّين أطلق صفَّارة الإنذار منذ أكثر من ثلاثين سنة قائلا : إنَّ خطر الطَّاقة الجنسيَّة قد يكون في نهاية الأمر أكبر من خطر الطَّاقة الذّرِّيَّة !
ولو تأمَّلنا حالَ دُعاة الحرِّيَّة الجنسيَّة , لَوَجدناهم أكثر النَّاس شذوذًا , وأكثرهم تفكيرًا في الجنس ! بل إنَّهم لا يَشبعُون منه أبدًا , فتراهم يلهثُون وراء كلّ فتاة كالذِّئاب الجائعة ! وقد كان يُظَنُّ أنَّ العُقَد النَّفسيَّة لا تنشأ إلاَّ عن الحرمان , فإذا بِنَا نراها اليوم تُصيبُ أُناسًا أطلَقُوا العنان لِغَرائزهم الجنسيَّة , فحوَّلَتْهم إلى وحوش آدميَّة , يَغتصِبُون بناتهم , وأطفال أقاربهم وزوجات جيرانهم , إرضاءً لِنَزواتهم ! وصدق اللَّه العظيم حين يقول : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ 179 } (7- الأعراف 179) .
وأخطأ النَّصارى , في الطَّرف المقابل , عندما ابتدعُوا الرَّهبانيَّة (وهي تحريم الزَّواج على مَن ينقطعُ للتَّعبُّد في الكنيسة , ولَم يُشَرِّعْها لهم نبيُّهم عيسى عليه السَّلام) , لأنَّ فيها فعلاً كبتٌ حقيقي للغرائز الفطريَّة لَدَى الرَّجُل والمرأة . فكانت النَّتيجة ما نَسْمعُه من حين لآخر من وسائل الإعلام الغربيَّة , عن فضائح أخلاقيَّة تحدثُ داخل الكنائس , خاصَّة منها الاعتداءات الجنسيَّة على الأطفال , وهو أمرٌ لَم يَعُدْ يَخْفَى على أحد ! وأكبر هذه الفضائح ظهرت في أمريكا منذ بضع سنوات , وتورَّط فيها مئات القساوسة .
والغريب أنَّ بعض رجال الكنيسة اليوم , في أمريكا وغيرها , أصبحُوا لا يتحرَّجون من التَّصريح بأنَّ لهم مُيولات جنسيَّة للرِّجال ! بل وأَدْهَى من ذلك , صرَّحُوا أيضًا أنَّ الشَّاذِّين جنسيًّا لهم الحقُّ في الزَّواج في الكنيسة , الأمر الذي سَبَّب إحراجًا كبيرًا للبابا في الفاتيكان ! بل ووصل الأمر في ولاية نيو هامبشاير بأمريكا إلى انتخاب أسقف في الكنيسة البروتستانتيَّة شاذٍّ جنسيًّا , اسمه جين روبنسون , يتعاطى اللّواط !
لكن لو نظرنَا في تشريعات الإسلام , لوجدنا أنّها لَمْ تأتِ لِكَبْت غرائز الإنسان الفطريَّة ولا لإطلاقها , وإنَّما لِتَوجيهها التَّوجيه الصَّحيح , لِتُصَرَّف في الحدود التي وضَعها لها الخالِق , بحيثُ لا تَضُرُّ بصاحبها ولا بِمَنْ حولَه .
فلو أخذنا مثلاً غريزة الأكل والشُّرب : المعروفُ أنَّ الإنسان إذا كَبَتَها وامتنعَ عن إشباعها فإنَّه يموتُ لا محالة , وإذا أطلق لها العنان فإنَّه يُصابُ بالتُّخمة أو السِّمنة أو غير ذلك . لهذا , نظَّم الإسلامُ هذه الغريزة حسب القاعدة التَّالية : يقول اللَّه تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ 31 } (7- الأعراف 31) . وروى التّرمذي في سُنَنه عن المقدام بن معدي كرب رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ما مَلَأ آدَمِيٌّ وِعاءً شَرًّا من بَطْن . بِحَسبِ ابن آدمَ أُكلاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَه . فإن كان لا مَحالَة , فَثُلُثٌ لِطَعامه , وثُلُثٌ لِشَرابه , وثُلُثٌ لِنَفَسِه . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 590 – رقم الحديث 2380) .
ولو أخذنا غريزة الجِنْس : نجدُ أنّ الإسلامَ نظَّمها بحَيْثُ لا تُصَرَّف إلاَّ في إطار الزَّواج بعَقْدٍ شَرْعي بين رجُلٍ وامرأة . وكُلُّ تَصْريفٍ لهذه الغريزة خارج إطار الزَّواج , سواءً بالقيام بالعمليَّة الجنسيَّة أو بالنَّظر إلى عورات النَّاس أو إلى الصُّوَر والأفلام الخليعة , يُعْتَبَرُ زِنَا , وهو حرامٌ كمَا ذَكَرْنا سابقًا . وقد ذكَرْنا أيضًا المضارَّ الكبيرة المنجَرَّة عن الزِّنا , سواء على الفرد أو على المجتمع .
وحتَّى في إطار الزَّواج , نظَّم الإسلامُ هذه الغريزة بحيثُ لا تَضرُّ بالزَّوجين ولا بالمجتمع . فحرَّم من ناحية على الزَّوج جِماع زوجته في دُبُرها أو في فترة حيضها , لِمَا في ذلك من ضَرر عليهما كما ذكَرْنا , وحرَّم من ناحية أخرى على الزَّوجين أن يَتعرَّيَا أو يَقُوما بالعمليَّة الجنسيَّة أمام أيّ إنسان آخر , ولو كان طفلهُما الصَّغير ! وفي هذا تقديسٌ للرَّابطة الزَّوجيَّة , وحفاظ على المجتمع من الانحلال .
وخالفَ الإسلامُ النَّصارى في رهبانيَّتهم , فنهى عن الامتناع عن الزَّواج بدعوى التَّقرُّب إلى اللَّه ! فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , قال : جاء ثلاثة رَهطٍ إلى بُيوت أزواج النَّبيّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَسْألُون عن عبادة النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . فلَمَّا أُخْبِرُوا , كأنَّهم تَقالُّوها , فقالُوا : وأينَ نحنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قد غَفَر اللَّهُ له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر (أي إذا كانت هذه عبادةُ النَّبيّ , وهو الذي غَفر له اللَّهُ ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر , فيجبُ علينا نحنُ أن نتعبَّد أكثر من ذلك) .
فقال أحدُهم : أمَّا أنا , فأُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا (أي أقومُ اللَّيلَ كلَّه أصلِّي , وأستمرُّ على هذه الحال طول حياتي) , وقالَ آخَر : وأنا أصومُ الدَّهرَ ولا أُفْطِر (أي أصوم كلَّ يوم) , وقال آخَر : وأنا أعْتَزلُ النِّساءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا .
فجاء رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال : أنْتُم الذينَ قُلْتُم كَذَا وكَذَا ؟ أمَا وَاللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُم لِلَّه وأتْقَاكُم له , لَكِنِّي أصُومُ وأفْطر , وأصَلِّي وأرْقُد , وأتَزوَّجُ النِّسَاء , فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنّي . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 1949 – رقم الحديث 4776) .
قد تقول يا ابني الكريم : ولكنَّ الشَّابَّ المسلم والفتاة المسلمة يظَلاَّن إذًا في حالة كَبْت جِنْسيّ طوال فترة عُزُوبَتهما ؟!
أقول : إنَّ الكَبْت الحقيقي هو في عدم الزَّواج مُطْلَقًا , أو في التَّفكير الدَّائم في الجنس دون القُدرة على مُمارسته . والشَّابُّ المسلم والفتاة المسلمة لَيْسَا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء . فهما لا يَشعران بالكَبت والحرمان , طالَما يَعلَمان أنَّهما سيَتمتَّعان بالجنس بعد الزَّواج . وفي انتظار ذلك , فهما يَصْرفَان عن ذِهْنهما الأفكار الجنسيَّة إرضاءً لِلَّه تعالى وطَمَعًا في ثوابه , وهذا كافٍ وحده لكي يُمِدّهما بقوَّة إيمانيَّة غريبة للصَّبر على الشَّهوات .
وبصفة عامَّة , فإنَّ المسلمَ يَتَرَبَّى منذ الصِّغَر على أن يُحِبَّ اللَّهَ تعالى أكثر من كلِّ شيء , فتُصبح بذلك تصرُّفاتُه وأفكاره , وحتَّى مشاعره وأحلامه وغرائزه , تعملُ راضيةً في الحدود التي رسَمَها اللَّه . ونحنُ نعلَمُ أنَّ الإنسان يستطيعُ أن يتحمَّل أيَّ شيء في سبيل إرضاء مَن يُحبّ , فما بالُك إذا كان هذا الحبيبُ هو .. اللَّهُ جلَّ جلالُه !
ثمَّ إنَّ التَّجارب الواقعيَّة أثبتتْ أنَّ عدم التَّفكير في الجنس يُخفِّف من حدَّة هذه الغريزة , بينما التَّفكير الدَّائم فيه لا يزيدُها إلاَّ اشتعالاً . وقد رأينا أنَّ دُعاة الحرِّيَّة الجنسيَّة هم فعلاً أكثر النَّاس جَرْيًا وراء الجنس , كأنَّهم يعيشون في كَبْت دائم ! حالُهم مثل حال مَن هو دائم التَّفكير في المال أو المنصب أو الشُّهرة , تجدُه يَلْهثُ طول حياته وراء هذه الشَّهوات , وكلَّما ازداد مالاً أو شُهرة كلَّما أراد المزيد .
وعلى كلِّ حال , فقد عملَ الإسلامُ من جانب آخر على التَّيسير على الشَّباب , فَحَثَّ الأولياءَ على تسهيل أسباب الزَّواج لأبنائهم وعدم تأخيره , إذا تَوفَّرت لهم القُدرة على ذلك . أمَّا إذا لَم تَتوفَّر الأسباب , فيَنصحُ الإسلامُ الشَّبابَ بالصَّوم للتَّخفيف من حِدَّة الغريزة الجنسيَّة . فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد اللَّه (بن مسعود) رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يا مَعْشَر الشَّباب , مَن اسْتَطاع منْكُم الباءَة فلْيَتَزَوَّجْ , فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَر وأحْصَنُ لِلْفَرْج , ومَن لَم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْه بالصَّوم , فإنَّه له وجَاء (أي وقاية) . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 1019 – رقم الحديث 1400) .
هذه إذًا طريقة الإسلام في تهذيب الغرائز البَشريَّة . وإذا كان الكثير من النَّاس يأكلُون ويَشربون وينامون ويُمارسون الجنس كالبهائم , فإنَّ المسلم يفعل كلَّ هذه الأشياء , ولكن وهو يذكرُ اللَّه , وفي الحدود التي رسمها له اللَّه ! فلا تدخلُ لُقمةُ طعام أو شربة ماء إلى جوفه إلاَّ بعد أن يُسمِّي عليها اسمَ اللَّه , ولا ينامُ حتَّى يذكر اللَّه ويَتَعوَّذ من الشَّيطان , ولا يُجامع زوجته إلاَّ بعد أن يَدعُو بالدُّعاء الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لَو أنَّ أحَدَهُم إذا أرادَ أن يأتي أهْلَه (أي يُجامع زوجَتَه) قال : باسْمِ اللَّه , اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطانَ وجَنِّب الشَّيْطانَ ما رزَقْتَنَا , فإنَّه إن يقدر بَيْنَهُما وَلَدٌ في ذلكَ لَمْ يَضُرَّهُ شيطانٌ أبدًا . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 1058 – رقم الحديث 1434) .
فهل هناك أسمى وأشرف من هذه الطَّريقة ؟! أم أنَّ الأفضل أن نأكل ونشرب ونمارس الجنس كالبهائم ؟! يقول اللَّه تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ 12 } (47 - محمّد 12) .
كلمة سواء
16.01.2011, 14:59
كلمة عن حجاب المرأة المسلمة
يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ 30 وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 31 } (24- النّور 30-31) .
كانت المرأة المسلمة في السَّنوات الأولى من بعثة النَّبيّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ترتدي جلبابًا يسترُ كامل جسدها , وتضع فوق رأسها خمارًا تُغطِّي به شعرَها وتسدُله وراء ظهرها , فيبدُو بذلك عنقها وبعض صدرها . وكانت هذه أيضًا عادة المشركات من نساء قريش .
فلمَّا نزل أمْرُ اللَّه تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } , أصبحت المرأة المسلِمَة مأمورة بتغطية رأسها وكلّ شعرها وعُنقها وفتحة الصَّدر وما يقابلها من الظَّهر , بالإضافة إلى تغطية باقي جسمها إلى القدمين . وهذا الأمر ليس على سبيل الاستحباب , وإنَّما أَمْر وُجوب , تَمامًا مثل الأمر بإقامة الصَّلوات الخمس وصيام شهر رمضان .
يقول اللَّه تعالى في آية أخرى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا 59 } (33- الأحزاب 59) . فالمقصود بقوله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ من جَلابيبهِنَّ } , أي يُدنين بالطَّرف العُلوي من جلبابهنَّ أو ثوبهنَّ الفضفاض , على رؤوسهنَّ وعلى وُجوههنَّ .
لهذا , قال فريقٌ من عُلَماء المسلمين بأنَّ الفتاة المسلمة إذا بَلَغت المحيض , وجبَ عليها تغطية كامل جسمها , بِما فيه الوجه والكفَّيْن . وهذا الرَّأيُ معمولٌ به خاصَّةً في بلدان الخليج , حيثُ تُغطِّي المرأةُ وجهها بنِقاب , ويديها بقُفَّازَيْن . وقال آخرون بأنَّه لا مانع من كشف الوجه والكفَّيْن , وهذا الرَّأيُ معمولٌ به خاصَّةً في بلدان المغرب العربي .
طبعًا , هذا اللِّباس ترتديه الفتاة الشَّابَّة أو المرأة عندما تكُون خارج بيتها . أمَّا عندما تكون فقط مع مَحارمها , مثل والديها وأخواتها وأعمامها وأخوالها , أو مع نساء مسلمات , فيمكنها أن تنزع الحجاب . وإذا كانت متزوِّجة , فلها الحقُّ أن تلبس ما تشاء وتكشف عمَّا تشاء أمام زوجها .
ويُشتَرطُ في لباس المرأة المسلمة أن يكون فضفاضًا : أي لا يُحدِّدُ أجزاءَ البَدن , وغير شفَّاف : أي لا يُظهر ما تحته . وهذا الأمر يتحقَّق أفضل ما يُمكن بلُبس حجاب يُغطِّي الرَّأس والشَّعر والعُنق والصَّدر , مع جلباب واسع ينسدلُ على الجسم إلى القدمين . لكن للأسف , نجدُ اليوم بعض الفتيات المسلمات يَحرصْنَ على تغطية الرَّأس بالحجاب , ويُهمِلْن في المقابل الالتزام بالثَّوب الفضفاض ! فترى الواحدة منهنَّ تخرج بسرْوَال وقميص , تَمامًا مثل الشَّباب , والأخرى تلبس فستانًا ضيِّقًا يصف كلَّ بدنها , وكأنَّ الواجب فقط هو تغطية الرَّأس بحجاب ! وهؤلاء لا يدرين أنَّهنَّ بهذا يُسِئن كثيرًا إلى دينهنَّ .
شرطٌ آخر يجبُ على المرأة المسلمة أن تلتزم به : يقول تعالى في الآية 31 من سورة النُّور التي ذكرناها في بداية هذا العنصر : { ولا يُبْدِينَ زينَتَهُنَّ إلاَّ ما ظَهَر منها } . قال العُلماء : أي لا يُبدين إلاَّ اللِّباس الشَّرعي , وربَّما أيضا : الخاتم والسِّوار في اليد . وعلى هذا , فإنَّ ما نراه اليوم من خروج بعض المحجَّبات بِمَساحيق على الوجه , هو حرام . فهذه الزِّينة لا تجوز إلاَّ أمام الزَّوج أو المحارم .
قد تقولين يا ابنتي الكريمة : ولكنَّ هذا تضييقٌ على المرأة المسلمة إلى حدِّ الاختناق , وإهانةٌ لها , وحَدٌّ من حرِّيَّتها !
أقول : لو طرحتِ هذا السُّؤال على أيِّ فتاة تحجَّبتْ بملْء إرادتها في أيِّ مكان من العالَم , لأجابتْكِ بأنَّها لم تشعُر أبدًا بالعزَّة والحرِّيَّة والرَّاحة النَّفسيَّة إلاَّ عندما لبسَت الحجاب !
نعم , فهذا اللِّباسُ أشْعَرها فعلاً بأنَّ عزَّتها الحقيقيَّة تكمنُ في الحفاظ على عِفَّتها وشَرفها . لذلك أصبحتْ تنظر إلى غيرها من الفتيات الغير مُحجَّبات , نظرات كلُّها شَفَقة , وكأنَّها تقول لهنَّ : أفِقْنَ من غَفْلَتكُنَّ , فوَاللَّهِ إنَّ هذه الحرِّيَّة الكاذبة التي تجرين وراءها ليستْ إلاَّ شعارات زائفة , تُخفي وراءها خُبثًا ودناءة من أُناس يُريدون تعرية المرأة للتَّمتُّع بمفاتنها , فتفنَّنُوا في ذلك , وجعلُوا من جسدها سلعة تُباعُ وتُشترى , وأنزلُوها إلى مستوى الحيوان بدعوى الحرِّيَّة , وللأسف .. هي صدَّقتْ ذلك !
وللأسف أيضًا أنَّ بعض المسؤولين السِّياسيِّين في بعض البلدان الغربيَّة , وحتَّى في بعض البلدان الإسلاميَّة , لم يفهمُوا هذا المعنى , فأصدرُوا قوانين تمنع الفتاة المسلمة من ارتداء الحجاب في المدرسة والعمل , ولم يعلَمُوا أنَّهم بهذا كأنَّهم يطلبون منها أن تَنزعَ عنها عزَّتَها وشَرفَها وعِفَّتها ! والغريبُ أنَّهم يعرفون تمامًا أنَّ هذا الحجاب لا يُعيقُها أبدًا عن الدِّراسة أو العمل أو السَّفر , أو أيّ شيء من أمور الحياة اليوميَّة , ولا يحثُّها على الرَّذيلة أو العنف أو التَّعدِّي على حقوق الغير ! فأين المشكلة إذًا ؟!
ولو تمعَّنُوا في الحكمة من الحجاب والملابس الفضفاضة , لَعرفُوا أنَّ اللَّه تعالى لم يأمر بهما إلاَّ ليَحفظ كرامة المرأة وإنسانيَّتها , وأيضًا لِيَحفظ المجتمع من الفساد . فكما ذكَرْنا سابقًا أنَّ اللَّه سبحانه يعرفُ جيِّدًا شدَّة خطر الزِّنا على الفرد وعلى المجتمع , لذلك لم يقتصر على تحريمه فقط , وإنَّما سَدَّ أمامه كلَّ الطُّرُق التي تُؤدِّي إليه .
ولَمَّا كان النَّظرُ هو أوَّل هذه الطَّرُق , أمر اللَّهُ تعالى في الآيات التي ذكَرْناها من سورة النُّور , الرَّجلَ والمرأة على السَّواء , بغَضِّ البَصَر عن النَّظر إلى عورة الغير . ولَمَّا كان إظهارُ مفاتن المرأة من أخطر هذه الطُّرُق , أمر اللَّهُ تعالى المرأة بتغطية جسمها كاملاً , وبعدم استعمال الأصباغ في وجهها حتَّى لا تَفْتن الرَّجُل .
ولِلْعلم , فإنَّ عورة الرَّجل أو الشَّابِّ التي يجبُ عليه تغطيتها بلباس واسع وغير شفَّاف , هي من السُّرَّة إلى الرُّكبة فقط , لأنَّ بقيَّة جسمه لا يدعُو عادةً إلى الفتنة .
هل عرفتِ الآن يا ابنتي الفاضلة الحكمةَ من الحجاب والجلباب ؟ أليس في هذا التَّشريع الحكيم دليلٌ جديدٌ على أنَّ القرآن وحيٌ من عند اللَّه ؟
قبل أن أنتقل بكِ إلى العنصر الموالي , اسمحي لي أن أروي لك باختصار قصَّتين واقعيَّتين , حتَّى يتَّضح لكِ أكثر أنَّ حرِّيَّة المرأة ليستْ في كشفها عن مفاتنها , وإنَّما بالعكس : في تَغْطيتها .
القصَّة الأولى مأخوذة من موقع www.amrkhaled.net (http://www.amrkhaled.net/) , وبطلَتُها فتاةٌ اسمُها سارَّة , من أصل لبناني , هاجَر والداها إلى نيوزيلندا Newzeland , وعمرها وقتها عشر سنوات , ثمَّ انفصلا عن بعضهما , وعاشت البنتُ وحيدة . ولكي تَعُولَ نفسها , عملتْ في البارات , ثمَّ دخلت مسابقة جمال محلِّيَّة ففازت الأولى , وكان هذا الحدث بداية الشُّهْرة بالنِّسبة لها . فأصبحت تعمل في مجال الإعلانات , وتفنَّنَ المصوِّرون في تَعرية جسدها . وكَثُرَ المالُ بين يديها , وأصبحت لياليها صاخبة .
وفي يومٍ , كانت مَدْعوَّةً للعشاء عند عائلة لبنانيَّة مسلمة تسكن قريبًا منها , وكانت قد بلغت سنَّ التَّاسعة عشر . وخلال السَّهرة , جرى الحديثُ حول ضرورة أن تتعلَّم سارَّة العربيَّة , لُغتها الأصليَّة . ثمَّ فتحت العائلةُ التِّلفاز على قناة فضائيَّة عربيَّة , وشاء اللَّهُ أن يكون البرنامج : محاضرة إسلاميَّة عن العِفَّة , وترجمتها في أسفل الشَّاشة بالإنجليزيَّة .
فاستغربتْ سارَّة أن يُوجد في هذا العصر مَن يتحدَّث عن شيء اسمه العِفَّة والشَّرف ! وبدأتْ تُنصتُ باهتمام إلى الدَّرس , ثمَّ لم تتمالك نفسها فأجهشتْ بالبُكاء , وشعُرتْ في تلك اللَّحظة أنَّها حقيرة , لا شرف لها ولا دِين . ثمَّ سجَّلَت اسم موقع الانترنت الخاصّ بهذا الدَّاعية , وعادت بسرعة إلى بيتها , ففتحت الكمبيوتر , وكتبت إليه رسالة تسأل فيها لأوَّل مرَّة في حياتها عن الإسلام , وهل يمكن أن يقبل اللَّهُ توبتها ؟
فردَّ عليها الدَّاعية بأنَّ اللَّه يقبل طبعًا توبة كلّ مَن يعود إليه . ثمَّ توالت الرَّسائل بينهما , وتابت سارَّة توبة صادقة إلى اللَّه , وحفظت بعض السّور من القرآن الكريم من خلال سماعها لأشرطة مُسجَّلَة , وتعلَّمت الصَّلاة , ولبستْ حجابًا وملابس فضفاضة , وشعرتْ لأوَّل مرَّة في حياتها بسعادة حقيقيَّة لم تكُن تجدُها في الشُّهرة والمال والسَّهرات اللَّيليَّة في الملاهي . ثمَّ شاء اللَّه أن تُجري سارَّة عمليَّة جراحيَّة لاستئصال وَرَم سرطاني في الدّماغ , وتموت , رحمها اللَّه .
فهل تدرين يا ابنتي الكريمة كَم كانت المدَّة ما بين دخول سارَّة في الإسلام وبين موتها ؟
ثلاثة أسابيع ! نعم , كلُّ شيء تَمَّ خلال أقلّ من شهر , انتقلت فيه سارَّة , بفضل اللَّه ورحمته , من الخلود في النَّار إلى الخلود في جنَّات ونعيم ورضوان من اللَّه أكبر , نسأل اللَّه لها ذلك .
القصَّة الثَّانية مأخوذة من موقع www.islamicweb.com (http://www.islamicweb.com/) , وبطلَتُها فتاة فرنسيَّة اسمُها فابيان , كانت تَعمَلُ عارضة أزياء , ثمَّ شرح اللَّهُ صدرَها للإسلام , تقول : منذُ طفولَتي كنتُ أحلُم دائمًا بأن أكون ممرِّضَة مُتطوِّعة , أعملُ على تخفيف آلام الأطفال المرضَى . ومع الأيَّام كبرتُ , ولَفَتُّ الأنظارَ بجمالي ورشاقتي , فحثَّني مَنْ حَوْلي على التَّخَلِّي عن حُلم طُفولتي , واستغلال جمالي في عَمَلٍ يَدرُّ علَيَّ الكثير من المال , بالإضافة إلى الشُّهرة والأضواء .
وكان الطَّريقُ أمامي سَهْلاً , وسُرعان ما عرفتُ طَعْم الشُّهرة , وغَمَرَتْني الهدايَا الثَّمينة التي لَم أكُن أحلُم باقتنائها . ولكنَّ الثَّمنَ كان غاليًا , فقد كان علَيَّ أن أتَجرَّد من إنسانيَّتي وأتَخلَّى عن حيائي الذي تَربَّيتُ عليه . كما كان علَيَّ أن أحرم نفسي من جميع المأكولات اللَّذيذة , وأعيشَ على الفيتامينات الكيميائيَّة والمقوِّيات . وكان علَيَّ أيضًا أن أفْقد مشاعري تُجاه البَشَر , فلا أكره ولا أحبّ ولا أرفض أيَّ شيء ! لقد جعلَتْ منِّي دورُ الأزياء مجرَّد صَنَمٍ , خالٍ من الأحاسيس , مُهمَّتُه فقط أن يَتحرَّك ويَبتسم .
ثمَّ كان تَحَوُّلي المفاجئ أثناء زيارةٍ لي إلى لبنان وقْت الحرب , حيثُ رأيتُ ضحايَا من الأطفال في مستشفى ببيروت , فتحرَّكَ في نفسي الجانب الإنساني . فتركتُ بيروت وذهبتُ إلى باكستان , وعند الحدود مع أفغانستان عشتُ الحياة الحقيقيَّة وتعلَّمْتُ كيف أكون إنسانة . كنتُ أعتني بالأُسر المتضَرِّرة من الحرب , وأحببتُ الحياة معهم , فأحسنُوا معاملَتي . وتعرَّفتُ على الإسلام من خلال مُعايَشَتي لهم , واقتنعتُ بأنَّه ليس دينًا فقط , وإنَّما أيضًا دستور للحياة . فأسلمتُ , وبدأتُ أتعلَّم اللُّغة العربيَّة , لغة القرآن . وبعد أن كنتُ أستَمدُّ نظامَ حياتي من صانعِي الموضَة , أصبحَتْ حياتي تَسيرُ تَبَعًا لِمبادئ الإسلام ورَوحانِيَّاته .
ولَمَّا علِمَتْ دورُ الأزياء العالميَّة بإسلامي , أرسلُوا إليَّ عروضًا بِمُضاعفة أُجْرَتي إلى ثلاثة أضعاف , على أن أترك هذا الدِّين وأعود إلى العمل معهم ! فرفَضْتُ بشدَّة . فبعثُوا إلَيَّ بهدايَا ثَمينة لإغرائي , فرفَضْتُ أيضًا . عند ذلك لَجَأُوا إلى محاولَة تَشويه صُورتي أمام الأُسَر الأفغانيَّة , فقامُوا باستخراج نُسَخ عديدة من أغْلِفة المجلاَّت التي كانتْ تَتَصدَّرُها صُوَري كعارضَة أزياء في السَّابق , وعلَّقُوها على جنبات الطُّرُقات لِمُحاولَة الوقيعة بيني وبين أهلي الجُدُد في أفغانستان , ولكن خابَ ظَنُّهم والحمدُ للَّه .
نعم , هكذا بلغتْ بهم الدَّناءة , ولكن كما يقول اللَّه تعالى : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 32 } (9- التّوبة 32) .
كلمة سواء
16.01.2011, 15:00
كلمة عن مكانة المرأة في الإسلام
روى الحاكم في مُسْتَدركه عن عبد اللَّه بن عكرمة رضي اللَّه عنه , قال : لَمَّا كان يومُ الفَتح (أي فتح مكَّة من طرف المسلمين بعد أن طردَهُم قومُهم منها قبل ذلك ببضع سَنوات) , دخلَ الحارثُ بن هشام وعبد اللَّه بن أبي ربيعة على أمِّ هانئ بنت أبي طالب رضي اللَّه عنها (وهي ابنة عمِّ النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) , فاسْتجارَا بها وقالا : نحنُ في جِوارك (وكانا مُشْركَيْن , فهَربَا خوفًا من جُيوش المسلمين) , فأجارَتْهُما .
فدخلَ عليهما عليُّ بن أبي طالب (أخوها) رضي اللَّه عنه , فنظَرَ إليهما , ثمَّ أشْهرَ عليهما السَّيْف . فتفلَتْ (أمُّ هانئ) عليهما , واعتنقَتْهُ وقالتْ : تَصنعُ بي هذا مِنْ بَيْن النَّاس ؟! لَتَبْدَأنَّ بي قَبْلَهُما ! فقال : تُجِيرينَ المشْركين ؟! وخرج .
قالتْ أمُّ هانئ : فأتَيْتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقلْتُ : يا رسولَ اللَّه , ما لَقِيتُ مِن ابن أُمِّي عَلِيّ ما كدتُ أفْلتُ منه , آجرْتُ حَمْوَيْن لي مِن المشركين , فانْفَلَتَ عليهما لِيَقْتلهُما . فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ما كانَ ذلكَ له , قد أجَرْنَا مَنْ أجَرْتِ وأمَّنَّا مَنْ أمَّنْتِ .
فرجَعْتُ إليهما فأخْبَرْتُهما , فانْصَرَفَا إلى منازلِهما . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 3 – ص 312 – رقم الحديث 5210) .
وروى الإمام أحمد في مُسنَده عن سليمان بن سحيم عن أمية بنت أبي الصَّلت عن امرأة من بَني غفار , قالت : أتَيْتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في نِسْوَة من بَني غِفَار , فقُلْنَا له : يا رسولَ اللَّه , قد أردْنَا أن نَخْرُجَ معكَ إلى وَجْهِكَ هذا , وهو يَسيرُ إلى خَيْبَر (لِمُحاربة اليَهود الذين غَدرُوا بالمسلمين ونَقَضُوا العَهد الذي أبْرمُوه معهم) , فنُدَاوي الجرْحَى ونُعين المسْلِمين بِمَا اسْتَطَعْنا . فقال : علَى بَرَكة اللَّه .
فخَرجْنا معه , وكنتُ جاريَةً حديثَة , فأرْدَفَني رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على حَقيبة رَحْلِه (أي وراءه) . فَلمَّا أناخَ ونزلْتُ عن حَقيبة رَحْلِه , إذا بها دَمٌ , فكانتْ أوَّل حَيْضَة حِضْتُها , فتَقَبَّضْتُ إلى النَّاقة واسْتَحْيَيْتُ . فلَمَّا رأى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ما بِي , رأى الدَّم , قال : ما لَكِ ؟ لَعَلَّكِ نَفسْتِ ؟ قلتُ : نَعَم . قال : فأصْلِحِي من نَفْسِكِ , وخُذِي إناءً من ماء فاطْرَحي فيه مِلْحًا , ثمَّ اغْسِلي ما أصابَ الحقيبَةَ من الدَّم , ثمَّ عُودي لِمَرْكبك .
فلَمَّا فتحَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم خَيْبَر , رَضَخَ لَنَا من الفَيء , وأخذَ هذه القلادة التي تَرَيْنَ في عُنُقي , فأعطانِيها وجعَلَها بيَده في عُنُقي , فوَاللَّهِ لا تُفارقُني أبدًا .
قال سليمان : فكانتْ في عُنقِها حتَّى ماتتْ , وكانتْ أوْصَتْ أن تُدْفَنَ معها , وكانت لا تَطْهر من حَيْضَة إلاَّ جعلَتْ في طهُورها مِلْحًا , وأوْصَتْ أن يُجعلَ في غُسْلِها حين ماتتْ . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 6 – ص 380 – رقم الحديث 27180) .
باللَّه علَيْكِ سيِّدتي الفاضلة , هل هذا دِينٌ يُهينُ المرأة ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , ليس هناك نظامٌ أو دينٌ أكْرمَ المرأةَ أكثر من تكريم الإسلام لها .
فهو أكْرَمها بلُبس الحجاب والجلْباب لكي يَحفظَ لها عِفَّتَها وشَرَفَها . ويومَ تَخَلَّت المرأةُ عن هذا اللّباس , أصبحتْ سِلْعةً تُباعُ وتُشْتَرى , في الشَّارع والتِّلفاز وعلى صفحات المجلاَّت , بدَعْوى التَّحرُّر , فلَم تَجْنِ من وراء ذلكَ سِوَى خِيَانة الزَّوج وضَياع الأبناء !
وأكْرَمها طفلةً , فحثَّ والدَيْها وأخْوَتها الذُّكور على حُسْن معامَلَتها . فقد روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : مَنْ كانَ له ثلاث بَنات أو ثلاث أخَوات أو ابْنتان أو أُختان , فأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ واتَّقَى اللَّهَ فِيهنَّ , دَخَلَ الجنَّة . (صحيح ابن حبّان – الجزء 2 – ص 189 – رقم الحديث 446) .
وأكْرَمها شابَّةً , فنَهى والِدَيْها عن تَزويجها بِدون مُوافقتها . فقد روى التّرمذي في سُنَنه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لا تُنكَحُ الثَّيِّبُ حتَّى تُسْتَأْمر (أي تُستشار) , ولا تُنْكَح البِكْرُ حتَّى تُسْتَأذَن , وإذنُها الصُّموت (أي تَصمتُ حياءً , دليلاً على مُوافقتها) . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 3 – ص 415 – رقم الحديث 1107) . والثَّيِّب هي التي فارقتْ زوجَها بِمَوتٍ أو طلاق , بينما البِكْر هي العذراء , التي لم تتزوَّج بعد .
قال التّرمذي : هذا حديثٌ حسن صحيح , والعمل على هذا عند أهل العلم أنَّ الثَّيِّب لا تُزَوَّج حتَّى تُستأمَر , وإن زَوَّجها الأبُ من غير أن يستأمرها , فكَرهتْ ذلك , فالنِّكاح مَفْسوخ عند عامَّة أهل العلم . ورأى أكثرُ أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم أنَّ الأب إذا زوَّجَ البكْرَ وهي بالغةٌ بغير أَمْرها , فلَم ترضَ بتزويج الأب , فالنِّكاح مَفْسوخ .
وأكْرَم الإسلامُ المرأة أُمًّا , فأمَر أولادَها بحُسن صُحبَتها . فقد روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : جاء رجلٌ إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال : مَنْ أحقُّ النَّاس بِحُسْن صُحْبَتي ؟ قال : أمُّك , فقال : ثمَّ مَنْ ؟ قال : أمُّك , قال : ثمَّ مَنْ ؟ قال : أمُّك , قال : ثمَّ مَنْ ؟ قال : أبُوك . (صحيح ابن حبّان – الجزء 2 – ص 177 – رقم الحديث 434) .
وأكْرَمها زَوجةً , فأمرَ زوجَها بِحُسن معاشرتها . فقد روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : خَيْرُكُم خَيْرُكم لِأهْلِه (أي لِزوجته) , وأنا خَيْرُكم لِأهلي , وإذا مات صاحِبُكُم فَدَعُوه .
قال ابنُ حِبَّان : فدَعُوه : أي لا تَذْكُروه إلاَّ بخَيْر . (صحيح ابن حبّان – الجزء 9 – ص 484 – رقم الحديث 4177) .
وأكْرَمها في الفراش مع زوجها . فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إنَّ مِنْ أشَرِّ النَّاس عند اللَّه مَنْزلَةً يومَ القيامة : الرَّجلُ يُفْضِي إلى امرأته وتُفْضي إليه , ثمَّ يَنْشُر سِرَّها . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 1060 – رقم الحديث 1437) .
ذلك أنَّ للبيت حُرمَتُه وللفراش حُرمَتُه , ومِن الدَّناءة فعلاً أن يُفضِي الزَّوجان إلى بعضهما , ثمَّ يَنشُر كلٌّ منهما أسرار الآخر بين عائلته وأصحابه ! فالعلاقة الزَّوجيَّة في الإسلام ليست مُجَرَّد مُعاشرة جنسيَّة , وإنَّما هي سكينةٌ وموَدَّة ورحمة , يقول اللَّه تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 21 } (30- الرّوم 21) . فهل هناك تعريفٌ للعلاقة الزَّوجيَّة أسْمَى من هذا التَّعريف ؟!
وأكرم الإسلامُ المرأة بأن أراحَها من الجري وراء لُقْمة العيش , ففرضَ على الزَّوج الإنفاق على زوجته وأبنائه , ولم يفرض هذا الأمر على الزَّوجة . فالمرأة مُطالَبة بالتَّعلُّم مثل الرَّجل , ولكن ليستْ مُجْبَرة أن تعمل , لأنَّ وظيفتها الأساسيَّة هي داخل البيت . وإذا أرادت باختيارها أن تشتغل أو أجبرَتْها الحاجةُ على ذلك , فليس مِن حقِّ أبيها أو زوجها أن يأخذ منها درهَمًا واحدًا بدون رضاها !
ويومَ تخلَّت المرأةُ عن وظيفتها الأساسيَّة في البيت , وخرجت تُزاحمُ الرَّجلَ في فُرَص العمل بدَعْوَى أنَّها مُساوية له في كلِّ شيء , اهتزَّ المجتمع بأكمله ! فأصبح الأطفال يتنقَّلون من حاضنةٍ لأخرى مَحْرومين من حنان الأمومة , وأصبحت المرأة تجري وتَتعبُ مُقابل رَاتِب شَهْري , يذهبُ قِسْطٌ كبيرٌ منه إلى الحاضنة وقسْطٌ آخر في شراء الفساتين ومواد الزِّينة , وكَثُرت البطالة في صُفوف الرِّجال .
والغريب أنَّ نفس الأشخاص الذين كانُوا إلى وقت قريب يقولُون أنَّ عملَ المرأة بالبيت هو إهانة لها , أصبحُوا الآن يَرَوْن فيه الحلَّ الأمثل للتَّخفيف من حِدَّة البطالة ومن انحراف الأطفال ! وأصبحت بعض الدُّول الغربيَّة تُعطي مِنحَةً شهريَّة لكلِّ امرأة تتفرَّغُ لتربية أطفالها . أليس هذا بالضَّبط ما يدعُو إليه الإسلام ؟!
طبعًا , إذا كانت المرأة غير متزوّجة أو لم يكن لها أطفال أو كانت مُطَلَّقة أو مات زوجُها , فيُمكنُها أن تشتغل إذا أرادت ذلك لِتَعُول نَفسَها وربَّما أبناءها أو والديها أو أخواتها , شرط أن تعمل في مهنة شريفة تتماشَى مع فِطرتها , وأن تلتزم بالحجاب وباللِّباس الشَّرعي الفضفاض . وهناك بعض الاختصاصات التي تحتاج فعلاً لعمل المرأة , مثل الطِّبِّ النِّسائي , والتَّدريس . لكن , في الحالات العاديَّة التي تَستوجبُ وجود المرأة في البيت , فإنَّ عمَلَها فيه هو الأفضل , وعلى زوجها أن يُوَفِّر لها كلَّ ما تحتاجه من مأكل وملبس ومسكن وغير ذلك .
____________________
التالي بإذن الله تعالى: وماذا عن تعدُّد الزَّوجات ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 15:02
وماذا عن تعدُّد الزَّوجات ؟!
أليسَ فيه فعلاً إهانة للمرأة ؟!
إطلاقًا ! بل قد تعجبين سيِّدتي الفاضلة إذا قلتُ لَكِ أنَّ فيه , بالعكس , تكريمًا لها ! فالإسلام لم يُشَجِّع تعدُّد الزَّوجات , وإنَّما شرَّعه لِلُّجوء إليه في بعض الحالات الخاصَّة , وقَيَّده بشَرطٍ أساسي وهو العدل بين الزَّوجات , في المسكَن والملبس والمبيت والمعاملة والنَّفقة وكلّ شيء . يقول اللَّه تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا 3 } (4- النّساء 3) .
وقد كان التَّعدُّد معروفًا وسائدًا في الشَّرائع السَّماويَّة السَّابقة وفي القوانين الوضعيَّة , دون قيد أو شرط . فلمَّا جاء الإسلام , قيَّدَ العددَ الأقصى بأربعة , واشترطَ العدل . لِلرَّجُل إذًا الحقّ أن يَتزوَّج امرأة واحدة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربعة , شَرط أن يعدل بينهنَّ في كلِّ شيء كما ذكَرْنا .
أمَّا الأسباب التي قد تدعُو إلى التَّعدُّد , فمنها أن تكون الزَّوجة عقيمًا , أو مريضة مرضًا مُزمنًا , أو ضعيفة الشَّهوة , ويكون زوجُها مُتعلِّقا بها غير أنَّه يرغبُ في أن يكون له بنين وبنات , أو يكون قويّ الشَّهوة . أليس إذًا من الأفضل أن يتزوَّج هذا الرَّجلُ امرأةً ثانية , بعِلْم زوجته الأولى ورضاها , ويعيش الجميع عائلة واحدة ؟ أم أنَّ الأفضل أن يُطلِّقها , وفي هذا إهانةٌ وتشريدٌ لها , أو يَخُونها , بأن يُبقي عليها كزوجة صوريَّة , ويتَّخذ من وراءها خليلات كما هو الحال في المجتمعات الغربيَّة ؟!
كذلك , فإنَّ المرأة , بِحُكْم تَركيبَتها البَدَنيَّة , لا تكون مستعدَّة للجِماع عندما تكون بِدَم الحيض أو دَم النِّفاس , وتنفر منه في فترة الحمل التي تستغرق تسعة أشهر , وفترة الرَّضاعة التي قد تمتدُّ إلى سَنَتَيْن , على خلاف الرَّجُل الذي يكون دائمًا مستعدًّا لهذا الأمر . أليس من العدل إذًا أن يُشرِّع له خالقُه إمكانيَّة الزَّواج بأكثر من واحدة , إذا أراد ذلك ووثقَ من نفسه أنَّه يستطيع العدل بينهنَّ ؟
قد يُوجَد أيضًا في بعض المجتمعات أو في بعض الحالات (مثل الحروب) عددٌ كبيرٌ من النِّساء , مقابل عدد أقلَّ من الرِّجال . أليس إذًا من الأفضل أن يتزوَّج الرَّجلُ أكثر من امرأة , وتتمتَّع كلُّ واحدة منهنَّ بكلِّ حقوقها كزوجة ؟ أم أنَّ الأفضل أن يكتفي بواحدة , وتبقى بقيَّة الفتيات عوانس , مِمَّا قد يَجرُّهُنَّ إلى الانحراف والزِّنا ؟!
هذا إذًا نظام تعدُّد الزَّوجات كما جاء به الإسلام , وهو يُبرهِنُ من جديد على أنَّ تعاليم هذا الدِّين صالِحةٌ فعْلاً لكلِّ زمان ومكان .
كلمة سواء
16.01.2011, 15:03
كلمة عن أكل لحم الخنزير
يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ 172 إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 173 } (2- البقرة 172-173) .
في هذه الآيات إذًا تحريمٌ واضحٌ وصريح لأكل الميتَة والدَّم ولحم الخنزير . وبما أنَّ اللَّه حرَّمَها على عِباده , فلا بُدَّ أنَّ في أكْلِها مَضرَّة لهم . فما رأيُ العِلْم في ذلك ؟
أمَّا الميتة : فيقولُ العُلماء أنَّ عدم خروج الدَّم المحتَبس عند موتها , يُساعد على نُمُوِّ الجراثيم في هذا الدَّم , ويُعرِّضُ آكلَ لحم هذه الميتة للإصابة بأمراض مختلفة .
وأمَّا الدَّم : فهو سريع الامتصاص للجراثيم , وبالتَّالي يُصبح شاربُه عُرضةً للأمراض أيضًا .
وأمَّا لحم الخنزير : فيحتوي على العديد من الطُّفيليَّات والدِّيدان الخطيرة . فالخنزيرُ حيوانٌ قَذِر , يعيشُ في الأقذار , ويأكلُ القاذورات والنَّجاسات , وهو بهذا ينقلُ الأمراض إلى الإنسان . ولحمُ الخنزير غنيٌّ جدًّا بهرمُونات النُّموِّ التي تُسبِّب الإصابة بالأورام الخبيثة . ودُهنُه يُسبِّب ارتفاع نسبة الكُوليسترُول , وأيضًا تَصلُّب الشَّرايين .
ثمَّ إنَّ الخنزير هو الحيوان الوحيد الذي لا يَغار على أُنْثَاه حين يُعتَدَى عليها , ولا يُدافع عنها ولا عن صغارها إذا هُوجِمُوا ! ومِن هنا , فهو سُبَّةٌ عند جميع شعوب العالَم بلا استِثْناء . فترَى الذي يُريد أن يصفَ غيرَه بالدَّناءة ولُؤم الطَّبع , يَنْعتُه بالخنزير .
مِن العجيب إذًا أن يقبل الإنسان بعد هذا أن يُهينَ نفسَه بأكل لحم الخنزير , وقد جعلَ له خالقُه آلاف الأطعمة الطَّيِّبة والنَّافعة عِوضًا عنه .
كلمة سواء
16.01.2011, 15:03
كيف تكوَّنت الأرض ؟
نعود للحديث عن بعض الآيات القرآنيَّة المعجزة , ونهتمُّ الآن بتاريخ الأرض .
يقول علماء الجيولوجيا والفيزياء الأرضيَّة أنَّ عُمر الأرض هو حوالي 4.5 مليار سنة , وأنَّها كانت في بداية خِلْقَتِها كُرَةً من صُخور مَصهورة , تُشبه كُرَةً من عجين . ولم تكن بها جبال , وكانت البحار والمحيطات في صورة بُخار نظرًا لارتفاع درجة الحرارة فوق الأرض .
وكانت سرعة دوران الأرض حول نفسها أكبر مِمَّا هي عليه اليوم , بحيثُ أنَّ طول اليوم واللَّيلة كان 4 ساعات فقط , وليس 24 ساعة . فماذا يقول القرآن في هذا الأمر ؟
يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ 54 } (7- الأعراف 54) . ففي هذه الآية يتحدَّثُ اللَّه سُبحانه عن فترةٍ زمنيَّة أُولى , وهي بداية خلْق الأرض وكُلّ الكون . فذكَر أنَّ اللَّيلَ كان يَطلبُ النَّهار سريعًا , أي أنَّهما كانا يتعاقبان بسرعة أكبر من الآن . وهذا ما أثبتهُ العلم الحديث فعْلاً .
لِنُتابعْ ما يقوله العلماء : ثمَّ بَردت الأرضُ , وانخفضت درجة الحرارة فوق سطحها إلى أقلّ من درجة غلَيان الماء , فتكثَّف البُخار وأصبح ماءً تكوَّنتْ منه البحار والمحيطات , ويَبسَت القشرة الأرضيَّة فظَهرت القارَّات .
وبِتَكَوُّن البحار والمحيطات , أصبح القمر يُمارسُ جاذبيَّته عليها , فيَجذبُ إليه سطحَ الماء المقابل له , فيَعْلُو نَحْوَه , فيكونُ بذلك المَدُّ , ثمَّ تدور الأرضُ , فيهبطُ هذا الماء , ويكونُ بذلك الجَزْر . ثمَّ يُمارسُ القمرُ جاذبيَّته على مكان آخر وبَحْر آخر , فيكون فيه المَدُّ , وهكذا .
وبظُهور ظاهرة المَدّ والجَزْر بفعْل جاذبيَّة القَمَر , حدثَ تعطيلٌ في دوران الأرض حول نفسها , وبالتَّالي تخفيضٌ في سُرعة هذا الدَّوران . ولكي تفهم سيِّدي هذا الأمر , دعني أضربُ لك مثالاً : عندما تدور حول نفسكَ بسُرعة مُعَيَّنة , ثمَّ تأتي ابنتُكَ الصَّغيرة لِتُمسِكَ بطَرَفِ قَميصِكَ , وكلَّما أفلَتَ منها طَرَفٌ أمسكَتْ بطَرَفٍ آخَر , فإنَّ هذا بلا شَكّ سيُعيقُ سُرعتكَ في الدَّوران . أليس كذلك ؟
هذا تقريبًا ما يحدُثُ بين القمر والأرض : فالقمر يجذبُ سطح بَحْرٍ مَا , ثمَّ تدور الأرضُ , فيَترُكُه ويَجذبُ بَحْرًا آخر , وهكذا .
وهذه الإعاقة في سُرعة دوران الأرض حول نفسها , مع ضآلَتها , تراكَمتْ على مَرِّ ملايين السِّنين , فأصبحت الأرضُ تدورُ اليوم حول نفسها مرَّةً كلَّ 24 ساعة , بعد أن كانت تدور مرَّةً كلَّ 4 ساعات في بداية خَلْقِها . وبالتَّالي , أصبح الآن اللَّيلُ والنَّهار أطْوَل مِمَّا كانَا عليه في البداية .
وهنا , نقفُ عند آية ثانية في القرآن الكريم , يقول اللَّه تعالى : { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 3 } (13- الرّعد 3) . فإذا كان اللَّهُ سبحانه قد تحدَّث في الآية السَّابقة عن فترة زمنيَّة أولى من تاريخ الأرض , فتعرَّض فيها لِسُرعة تعاقُب اللَّيل والنَّهار , فإنَّه في هذه الآية يتحدَّثُ عن فترة زمنيَّة تالية , حيثُ تكَوَّنت الجبالُ والأنهار وظهرت الثِّمار . لهذا , ذكَر هُنا تعاقُبَ اللَّيل والنَّهار , دون أن يذكُر السُّرعة , ربَّما لِيُخبرنا أنَّ اللَّيل والنَّهار أصبحَا في هذه الفترة أطول مِمَّا كانَا عليه عند ولادة الأرض !
أليس في هذا دليلٌ جديد على أنَّ كلَّ كلمة في القرآن لها معناها الدَّقيق ؟!
----------------------------------------
التالي بإذن الله تعالى: اللَّهُ الذي جعل الأرض فراشًا !
كلمة سواء
16.01.2011, 15:04
اللَّهُ الذي جعل الأرض فراشًا !
يقول علماء الجيولوجيا : تتركَّبُ الأرضُ من عدَّة طبقات :
- أوَّلها القشرة الأرضيَّة التي نعيشُ فوقها , سُمكُها حوالي 35 كلم تحت القارَّات و 6 كلم تحت قاع المحيطات . وهي تتكوَّن من صخور صلبة .
- هذه القشرة تطفُو فوق طبقة سائلة تُسمَّى الرِّداء , سُمْكُها حوالي 2900 كلم , وتتراوح حرارتها من 1500 إلى 4000 درجة باتِّجاه مركز الأرض . وهي تتكوَّن من صخور مصهورة .
- تحتها توجد نواة (أو قلب) الكرة الأرضيَّة , وتنقسم إلى :
الطَّبقة الخارجيَّة للنَّواة , سُمكُها حوالي 2200 كلم , وتتجاوز حرارتها 4000 درجة . وهي طبقة سائلة وتتكوَّن أساسًا من الحديد ونسبة أقلّ من النّيكل .
ثمَّ الطَّبقة الدَّاخليَّة للنَّواة , سُمكُها حوالي 1200 كلم , وحرارتها تصل إلى 6650 درجة . وهي طبقة صلبة وتتكوَّن من الحديد ونسبة أقلّ من النّيكل .
وهنا , اسمح لي سيِّدي الكريم أن أسألك : هل كان بإمكان الإنسان أن يعيش مباشرةً فوق طبقة الرِّداء السَّائلة والمرتفعة الحرارة , أو فوق النَّواة الملتهبة ؟
طبعًا لا !
كان لا بُدَّ إذًا من تَغليف الأرض بقشرة يابسة وباردة وصالحة للحياة . بل كان لا بُدَّ أيضًا من تمهيد سطحها لِيكُون صالِحًا للتَّنقُّل والبناء , وفَرْشِها بتُرْبَةٍ صالحة للزِّراعة لكي يَجد الإنسانُ والحيوانُ ما يأكلان .
لقد قدَّر الخالقُ الحكيم كلَّ هذا وغيره . يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ 48 } (51- الذّاريات 48) . أليس وصفُ القرآن للأرض بأنَّها مفروشة (بالتُّراب) ومُمَهَّدة , قد جَمَعَ بين الإيجاز والدِّقَّة ؟!
ويقول تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 21 الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 22 } (2- البقرة 21-22) . فشَبَّه اللَّهُ هنا الأرضَ بأنَّها فِراش , وهو حقًّا تشبيهٌ دقيقٌ ومُعجِز , لأنَّ القشرة الأرضيَّة هي فعلاً بمثابة لِحَاف رقيق يَلُفُّ بقيَّة الطَّبقات السَّميكة , وهذا اللِّحاف مُمَهَّد , ومَفْروش بقِشْرة من التُّربة !
كلمة سواء
16.01.2011, 15:04
هل نزل الحديد فعلاً من السَّماء ؟!
يقول علماء الفيزياء الكونيَّة : تتكوَّن الأرض من عناصر مختلفة , كلُّ عنصر منها تَكوَّن بدوره عن طريق اجتماع إلكترونات وبروتونات ونترونات اتَّحدتْ مع بعضها , فكوَّنت الذَّرَّةَ الأولى للعُنصر .
لكنَّ هذا الاتِّحاد ما كان لِيَتِمَّ إلاَّ بوُجود طاقة . ولَمَّا حسبَ العلماءُ الطَّاقةَ اللاَّزمة لِتكْوين ذرَّة واحدة من عنصر الحديد , وجدُوا أنَّها تعادل أربع مرَّات طاقة النِّظام الشَّمسي بأكمله ! لذلك استنتجُوا أنَّ الحديد عنصُرٌ غريبٌ عن الأرض , ولم يتكوَّنْ فيها . من أين جاء إذًا ؟!
يقول العلماء : بعدما حدث الانفجارُ العظيم , منذ أكثر من 13 مليار سنة , مع ما صاحَبَه من طاقة هائلة جدًّا , تكوَّنت النُّجومُ والكواكب والأقمار , وتكوَّنَ الحديدُ في بعض النُّجوم . ثمَّ انفجرت هذه النُّجوم , وتناثرت أشلاؤها في الكون , ونزل الحديدُ إلى الأرض في صورة وابلٍ من النَّيازك الحديديَّة . وبِمَا أنَّ الأرضَ في بداية خَلْقِها كانت مثل كُرَة العجين , استقرَّ الحديدُ في باطِنها نظرًا لِثِقَلِه . لذلك , هو يُكوِّنُ اليومَ غالبيَّة نواة الكُرة الأرضيَّة .
هذا ما قاله عُلَماء القرن العشرين . فماذا قال القرآن في هذا الموضوع منذ القرن السَّابع الميلادي ؟
يقول اللَّه تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ 25 } (57- الحديد 25) . فلو كان القرآنُ من تأليف بَشَر , لكانت الجملة مثلاً : وجعلنا في الحديد بأسًا شديدًا . لكنَّ القرآن كلامُ اللَّه , لذلك قال تعالى : { وأَنْزَلْنَا الحدِيدَ } , وهذا ما اكتشفه العلماء فعلاً : أنَّ الحديد نزلَ إلى الأرض !
وتَزيدُ الآيةُ إعجازًا عندما تَذكُر أهمِّيَّة الحديد . ونحنُ نعرف اليوم أنَّه فعلاً يُشكِّلُ عنصُرًا أساسيًّا , سواء في صناعة الدَّبَّابات والطَّائرات الحربيَّة والأسلحة , أو في بناء المنازل والعمارات والمصانع . بل إنَّه عنصُر أساسي لا بُدَّ من توفُّره في غذائنا اليومي (نَجده في الخضَر وغيرها) لكي تنمُو أجسامنا نموًّا سليمًا !
فهل يُعقَل بعد هذا أن نُصدِّق العلماء في قولهم أنَّ الحديد نزل من السَّماء , ولا نُصدِّق النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في قوله أنَّ القرآن أُنزل عليه أيضًا منَ .. السَّماء ؟!
------------------------------------
التالي بإذن الله تعالى: في الأرض قِطعٌ متجاورات !
كلمة سواء
16.01.2011, 15:04
في الأرض قِطعٌ متجاورات !*
في بداية القرن العشرين (سنة 1915 م) , وضعَ عالِمٌ ألماني اسمه Alfred Wegener مختصٌّ في الفلَك والفيزياء الأرضيَّة , نظريَّةً تُسمَّى طَفْو (أو حركة) القارَّات , قال فيها أنَّ القارَّات تطفُو على جسْمٍ لَزج (مثلما تَطفو السَّفينةُ في البحر) , وأنَّها كانت في البداية قارَّةً واحدة كبيرة , ثمَّ انقسمتْ إلى قارَّات صغيرة , أخذت تتباعد عن بعضها البعض حتَّى وصلت إلى الشَّكل الذي هي عليه اليوم .
وفي سنة 1968 م ظهرت نظريَّة جديدة , تُسمَّى حركة الصَّفائح , تُعتبر من أهمِّ النَّظريَّات التي تَرتكز عليها الجيولوجيا الحديثة . تقول هذه النَّظريَّة أنَّ القارَّات والمحيطات محمولة على حوالي 12 صفيحة , نصف صلبة ومتجاورة , تتحرَّك ببطء فوق طبقة الرِّداء المائعة . حدودُ هذه الصَّفائح (أو أطرافُها) هي المناطق التي تكثر فيها الزَّلازل وتثور فيها البراكين .
فهل تعرَّض القرآن الكريم لهذه الحقيقة أيضًا ؟!
نعم , يقول اللَّه تعالى : { وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 4 } (13- الرّعد 4) .
أليست القِطَعُ المتجاورات التي ذكَرَتْها الآية , هي نفسُها الصَّفائح المتجاورة التي تحمل القارَّات والمحيطات , والتي لم يتمَّ اكتشافها إلاَّ في النِّصف الثَّاني من القرن العشرين ؟
أغلبُ الظَّنِّ أنَّها هي !
كلمة سواء
16.01.2011, 15:04
الأرض ليست كُرويَّة تمامًا !
كان الإنسان يعتقد أنَّ الأرض منبسطة , بحيثُ إذا وصلَ إلى طَرفها , سقطَ في المجهول .
ثمَّ اكتشفَ أنَّها كُرويَّة . وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة , حيثُ يقول اللَّه تعالى متحدِّثًا عن ذاته العليَّة : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ 5 } (39- الزّمر 5) . فلو كانت هذه الآية من تأليف بشَر , لَجَاء التَّعبيرُ مثلاً : وخلق اللَّيلَ والنَّهار ! لكنَّها فعْلاً كلامُ اللَّه , لذلك جاء التَّعبيرُ الإلهي : { يُكَوِّرُ اللَّيْلَ على النَّهار ويُكَوِّرُ النَّهار علَى اللَّيْل } , وفي هذا إشارة واضحة إلى كُرويَّة الأرض !
لِنُتابع البحث : ثمَّ توصَّلتْ بعثةٌ فرنسيَّة في البيرو سنة 1735 م إلى اكتشاف أنَّ الأرض ليست كُرويَّة تمامًا , وإنَّما مُسَطَّحة قليلا عند القُطبَيْن . وبصُعود الإنسان إلى الفضاء في القرن العشرين , أخذ العُلماء قياسات وصُوَرًا للأرض من الفضاء الخارجي , فتأكَّدوا أنَّ الأرض مُسطَّحة فعلاً عند القُطب الشَّمالي وعند القُطب الجنوبي , بفِعْل القوَّة الطَّاردة النَّاتجة عن دوران الأرض حول نفسها .
ولو حَسبْنا قُطْر الأرض عند خطِّ الاستواء , لَوَجدْناه : 12756 كلم , بينما قُطْرها الذي يَصل بين القُطبَيْن يُساوي : 12713 كلم . هناك إذًا فارق 43 كلم بين القُطرَيْن , مِمَّا يدلُّ على أنَّ الأرضَ ليست كُرويَّة تمامًا , وإنَّما منقُوصة الطَّرفَيْن .
وهنا , لنا وقْفَة ثانية مع القرآن الكريم : يقول اللَّه تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 41 } (13- الرّعد 41) . ففي قوله تعالى : { نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرافِهَا } إشارةٌ واضحة إلى أنَّ الأرض منقوصة الطَّرَفَيْن .
فكيفَ عرفَ محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هذه الحقائق إن لَم يَكن اللَّهُ هو الذي أخبرهُ بها ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 15:05
الجبال أوتادٌ ورواسي !
لقد كانت دهشة علماء الجيولوجيا كبيرة عندما اكتشفُوا حديثًا أنَّ للجبال جذورًا تمتدُّ تحت الأرض ! وزادت دهشتُهم عندما اكتشفُوا أيضًا أنَّ جزءَ الجبل الغائص في أعماق الأرض يُساوي حوالي أربعة أضعاف ونصف الجزء الظَّاهر منه ! فالجبالُ إذًا أرسخ وأثبت بكثير مِمَّا كنَّا نتصوَّر .
لِنَسْتمع لِمَا يقوله القرآن الكريم في هذا الموضوع : يقول اللَّه تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا 6 وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا 7 } (78- النّبأ 6-7) . فاللَّه تعالى شبَّهَ هُنا الجبالَ : بالأوتاد . ونحنُ نعرف أنَّ الأوتاد ثابتة في الأرض , وأنَّها تُستَعمل لتثبيت شيء آخر , وأنَّ الجزء الغائص منها في التُّراب أطول من الجزء الظَّاهر . وهذا هو الحالُ فعلاً بالنِّسبة للجبال , فهي ثابتة فوق الأرض , وجُذورُها تمتدُّ كثيرًا في الأعماق , وبيَّنَ العلماءُ في السَّنوات الأخيرة أنَّ لها أيضًا دورًا كبيرًا في تثبيت القشرة الأرضيَّة من الانزلاق , وما زالت البحوث جارية في هذا المجال .
وشبَّه القرآنُ في آيات أخرى الجبالَ بالرَّواسي للدَّلالة على ثباتها ورسُوخها في الأرض , يقول تعالى : { وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا 32 } (79- النّازعات 32) . ويقول أيضًا : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ 10 } (31- لقمان 10) .
أليس في تشبيه القرآن إذًا للجبال بالأوتاد والرَّواسي دليلٌ جديد على أنَّ هذا الكتاب مُنزَّلٌ من عند اللَّه ؟!
------------------------------------
التالي بإذن الله تعالى: ولكن , لماذا خُلقنا على هذه الأرض ؟!
كلمة سواء
16.01.2011, 15:05
ولكن , لماذا خُلقنا على هذه الأرض ؟!
قال البعض : ربَّما أرادت الآلهةُ أن تَتَسلَّى بهذا العمل ! وقال آخرون : خَلَقَتْنَا الآلهةُ لِسببٍ مَا , ثمَّ نَسِيَتْنا ! وقال بعضٌ آخر : لا نعرف , ولا نريد أن نعرف ! نحن هنا , فَلْنَتمتَّعْ بكلِّ لحظة من حياتنا دون أن نَشغلَ بالَنا بهذا الموضوع !
فقط , الإسلامُ أجاب بوضوح على هذا السُّؤال ! يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ 56 مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ 57 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ 58 } (51- الذّاريات 56-58) . نحن هنا إذًا لعبادة اللَّه !
لكن انتبهي سيِّدتي الفاضلة : العبادةُ في الإسلام لا تعني صلاةً وصيامًا وذِكْرًا فقط .
فالعملُ الشَّريفُ لِكَسْب الرِّزق عبادة ! يقول اللَّه تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ 9 فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 10 } (62- الجمعة 9-10) .
وروى الطَّبراني في المعجم الكبير عن كعب بن عجرة رضي اللَّه عنه , قال : مَرَّ على النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم رجلٌ , فرأى أصحابُ رسول اللَّه من جلْده ونشاطه (أي رأَوْا من قوَّة جسمه ونشاطه ما أعجبَهُم) , فقالُوا : يا رسول اللَّه , لو كانَ هذا في سبيل اللَّه ! فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : إن كان خرج يَسعَى على ولده صِغارًا فهو في سبيل اللَّه , وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شَيْخين كبيرين فهو في سبيل اللَّه , وإن كان يسعَى على نفسه يَعُفّها فهو في سبيل اللَّه , وإن كان خرج رياءً ومُفاخَرة فهو في سبيل الشَّيطان . (المعجم الكبير – الجزء 19- ص 129 – رقم الحديث 282) . وفي رواية أخرى عن كعب , زادَ : وإن كان خرج يسعَى على أهله ففي سبيل اللَّه . (المعجم الصّغير – الجزء 2 – ص 148 – رقم الحديث 940) .
وطَلبُ العلْم النَّافع عبادة ! فقد روى ابن ماجه في سُننه عن كثير بن قيس , قال : كنتُ جالسًا عند أبي الدَّرْداء في مسجد دمشق , فأتاه رجلٌ فقال : يا أبا الدَّرْداء , أتيتُك من المدينة , مدينة رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِحَديثٍ بلَغني أنَّك تُحدِّثُ به عن النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم . قال : فمَا جاء بك ؟ تجارة ؟ قال : لا . قال : ولا جاء بك غيره ؟ قال : لا (أي ما جئتُ إلاَّ من أجل هذا الحديث) . قال : فإنِّي سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقولُ : مَن سَلَكَ طريقًا يَلْتمسُ فيه عِلمًا سهَّل اللَّهُ له طريقًا إلى الجنَّة , وإنَّ الملائكة لَتَضعُ أجنحتَها رضًا لِطالب العلم , وإنَّ طالبَ العلم يَستغفِرُ له مَن في السَّماء والأرض حتَّى الحيتان في الماء , وإنَّ فَضْلَ العالِم على العابِد كفضْل القَمر على سائر الكواكب . إنَّ العُلَماء وَرَثَة الأنبياء , وإنَّ الأنبياء لم يُورِثُوا دينارًا ولا درهَمًا إنَّما ورَّثُوا العِلْم , فمَن أخذه أخذ بِحَظٍّ وَافِر . (سنن ابن ماجة – الجزء 1 – ص 81 – رقم الحديث 223) .
بل إنَّ جِماعَ الزَّوج لزَوجته عبادة ! فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه , أنَّ ناسًا من أصحاب النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قالُوا له : يا رسولَ اللَّه , ذهبَ أهلُ الدُّثُور بالأجُور , يُصَلُّون كما نُصَلِّي ويَصُومون كما نَصُوم , ويَتَصدَّقون بفُضُول أموالهم . قال : أوَ لَيْس قد جعلَ اللَّهُ لكم ما تصدَّقون ؟ إنَّ بكُلِّ تَسبيحة صدَقة , وكلّ تكبيرة صدَقة , وكلّ تَحميدة صدَقة , وكلّ تَهليلة صدَقة , وأمر بالمعروف صدَقة , ونَهْي عن مُنْكر صدَقة , وفي بضْع أحَدِكُم صدَقة .
قالُوا : يا رسول اللَّه , أيَأتِي أحَدُنا شَهْوَتَه ويكون له فيها أجْر ؟!
قال : أرأيْتُم لَو وَضَعَها في حرام , أكانَ عليه فيها وِزْر ؟ فكذلك إذا وضَعها في الحلال كان له أجْر . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 697 – رقم الحديث 1006) .
القاعدة التي يُمكنُ استخلاصُها إذًا : إذا قام المسلِمُ بفِعْلٍ مُباح فإنَّ ذلك يُعتَبَر عبادة يؤجر عليها , وإذا قام بفِعْلٍ حرام فإنَّ ذلك يُعتَبَر مَعْصِيَة يُعاقَبُ عليها .
وعلى هذا , فإذا كان اللَّهُ تعالى قد خلَقَنا لِعبادته , فهذا يعني أنَّه خلَقَنا لكي نُصلِّي ونصوم له وحده , ولكن أيضًا لكي نعمل وندرس ونأكل ونشرب وننام ونلعب ونتزوَّج , شَرْطَ أن يكون كلّ ذلك في إطار الحدُود التي رَسَمها لنا الخالِق , لا نحيد عنها حتَّى لا نَقَع في المعاصي .
ومِنْ عَدْل اللَّه أنَّه لم يخلقنا لعبادته ثمَّ نَموت وينتهي الأمر , ولكن لِيُجازينا على عبادتنا له . يقول تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 1 الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ 2 } (67- الملك 1-2) .
كلمة سواء
16.01.2011, 15:05
هكذا يبني الإسلامُ الفردَ المسلم
لقد حارت الأنظمةُ الحديثة في إيجاد قواعد تربويَّة لتكوين فرْدٍ صالِح , وبالتَّالي مجتمع سليم . والسَّبب أنَّها تركت الدِّينَ والأخلاقَ جانبًا , وراحت تبحث عن تكوين مجتمع فاضل على أُسُس مادِّيَّة لا روح فيها ! ولو اتَّبعَت القواعدَ التَّربويَّة الحكيمة التي وَضَعها الإسلام منذ عدَّة قرون , لَمَا وصلَتْ إلى ما وصلَتْ إليه اليومَ من مشاكل لا حَصْر لها .
إنَّ النِّظام التَّربوي في الإسلام يرتكزُ على قاعدة أساسيَّة حكيمة , تكْفي لِوَحدها للدَّلالة على أنَّ هذا الدِّين هو الدِّينُ الحقّ . هذه القاعدة هي : رَبْطُ المسلمِ مُباشرةً باللَّه , فلا يخطُو أيَّ خطوة ولا يعملُ أيَّ عمل إلاَّ وهو على يقين أنَّ اللَّه ينظر إليه . وكلَّما تعمَّقَ في نفسه الشُّعورُ بأنَّ اللَّه ينظر إليه في كلِّ لحظة وفي كلِّ مكان , كلَّما تحسَّنت أخلاقُه , وكلَّما أصبح حريصًا على الإحسان لغيره والإكثار من فعل الخير .
طبعًا , ولتحقيق هذه القاعدة , يجبُ أن يرسخَ في أعماق المسلم أنَّ اللَّه هو وحده خالق كلِّ شيء , وأنَّه هو وحده القادر على كلِّ شيء , وأنَّه لا يغيبُ عن علمه أيّ شيء , وأنَّه سيُجازي المطيعين بالجنَّة والعاصين بالنَّار .
فتُصبح علاقتُه بربِّه ليست مجرَّد خوف من عقابه , وإنَّما علاقة حبٍّ وثقة وخوف ورجاء . حبّ للَّه أكثر من أيِّ شيء لأنَّ نِعَمَه على عباده لا تُعدُّ ولا تُحصَى , وثقة به لا يُعادلها أيّ شيء لأنَّه لا يُخيِّبُ عبدًا التجأ إليه , وخوف منه أكثر من أيّ شيء لأنَّه شديد العقاب , ورجاء في الفوز برضاه ودخول جنَّته .
فإذا همَّ بعد ذلك أن يقوم بمعصية , فإنَّه يتذكَّر أنَّ اللَّه يراه , فيَخجلُ من نفسه ويعْدل عن هذا الأمر . وإذا غَلَبَتْه نفسُه وقام بها , فإنَّه سُرعان ما يَتوبُ ويستغفر . وإذا أصابتهُ مُصيبة , مِنْ نَقْصٍ في المال أو مَرضٍ أو ظلَمَه أحدٌ , فإنَّه يلجأ مباشرة إلى اللَّه , يدعُوه أن يرفع عنه هذا البلاء . ثمَّ إنَّه يَبقى طول الوقت على اتِّصال دائم باللَّه , فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتَّى يذكر اللَّه , ولا يَشرع في عمل حتَّى يستعين باللَّه .
فهل يمكن بعد هذا أن نحصل على أناس منحرفين ؟!
مستحيل ! لأنَّ الذي ينشأ على هذه التَّربية , إذا حدثَ بعد ذلك أن تهاونَ في دراسته أو أساء الأدبَ مع غيره , فيكْفي أن يُذَكِّره والداه أو أقرباءه بأنَّ اللَّه لا يُحبُّ هذه الأشياء , لكي يعود إلى رُشده . وفي العادة , تكُون النَّتيجة أفضل بكثير من الصِّياح والتَّهديد والوعيد .
بينما إذا رُبِّي الطِّفلُ فقط على قاعدة الخوف من عقاب والديه أو الخوف من الشُّرطة , فإنَّه سيجد دائمًا طريقةً لِمُغالَطتهم والإفلات من مراقبتهم !
أمَّا كيف يربطُ الإسلامُ المسلمَ مباشرةً بربِّه , فهذا ما سنراه مفصَّلاً في الصَّفحات القادمة بإذن اللَّه .
كلمة سواء
16.01.2011, 15:06
انتبه , إنَّ اللَّه يراك !
نعم , فاللَّه سبحانه لا يَحُدُّه مكانٌ ولا زمان , وما مِن شيء يحدثُ في هذا الكون الفسيح إلاَّ وهو يعلمُه . يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ 5 } (3- آل عمران 5) . ويقول تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 4 } (57- الحديد 4) .
بل حتَّى الأفكار التي تدور بأذهاننا في أيِّ وقت من الأوقات , يعلمُها اللَّه ! يقول تعالى : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ 19 } (40- غافر 19) .
بإمكان الإنسان إذًا أن يُغالطَ إنسانًا مثله , ولكنَّه لن يستطيع أبدًا أن يُغالِط اللَّهَ سبحانه , أو أن يغيب لحظةً عن نَظَره !
لذلك , كان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يُربِّي المسلمين على أن يَسْتَشعِرُوا مراقبةَ اللَّه لهم بصِفَة دائمة . وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه , قال : بينما نحن عند رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ذاتَ يوم , إذ طلعَ علينا رجلٌ شديد بياض الثِّياب شديد سواد الشَّعر , لا يُرَى عليه أثَر السَّفَر ولا يَعرفُه منَّا أحَد , حتَّى جلسَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فأسْنَد رُكبتيْه إلى رُكبتيْه ووضع كفَّيْه على فخِذَيْه , وقال : يا محمَّد , أخبِرْني عن الإسلام . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا رسول اللَّه , وتُقيم الصَّلاة , وتُؤتي الزَّكاة , وتصُوم رمضان , وتحجّ البيت إن استطَعْت إليه سَبيلاً . قال : صدَقْت .
قال عمر : فعجِبْنا له يسألُه ويُصدِّقُه !
قال : فأخْبِرْني عن الإيمان . قال : أن تُؤمن باللَّه , وملائكته , وكُتُبه , ورُسُله , واليوم الآخر , وتُؤمن بالقَدَر خَيْره وشرِّه . قال : صدَقْت . قال : فأخْبِرْني عن الإحسان . قال : أن تعبُدَ اللَّه كأنَّك تراه , فإن لم تكُن تراه فإنَّه يراك . قال : فأخْبِرْني عن السَّاعة . قال : ما المسؤولُ عنها بأعلَم من السَّائل . قال : فأخْبِرْني عن أماراتها . قال : أن تَلِد الأمَةُ ربَّتَها , وأن ترَى الحفاةَ العُراة العالَة رِعاء الشَّاء يتطاولون في البُنْيان .
قال عمر : ثمَّ انطلقَ , فلبثْتُ مَلِيًّا ثمَّ قال لي : يا عمر , أتدري مَن السَّائل ؟ قلت : اللَّهُ ورسوله أعلَم . قال : فإنَّه جبريل أتاكُم يُعلِّمُكم دينكم . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 36 – رقم الحديث 8) .
القاعدة الأولى إذًا في بناء الفرد المسلم , هي : أن يعبُد المسلِمُ اللَّهَ تعالى كأنَّه يَراه , فإنَّه إن لم يكُن يَراه فإنَّ اللَّه يَراه !
كلمة سواء
16.01.2011, 15:06
حبٌّ ويقينٌ وتَوكُّل !
حديثان عَظيمان رواهما النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عن ربِّه , لا نستطيع أن نقرأهما دون أن نَخِرَّ ساجدين لعظمة اللَّه سبحانه وتعالى , من خلال عَطائه الجزيل , ومَغْفرته الواسعة , وقُرْبه من عباده .
الحديث الأوَّل رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذرّ الغفاري رضي اللَّه عنه , قال : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يقولُ اللَّه عَزَّ وجلَّ : مَن جاء بالحسَنة فلَه عَشْر أَمثالِها وأَزِيد , ومَن جاء بالسَّيِّئة فجَزاءه سيٍّئة مثلها أو أَغْفِر . ومَن تَقرَّبَ منِّي شِبْرًا تقرَّبتُ منه ذراعًا , ومَن تقرَّبَ منِّي ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا , ومَن أتاني يَمشي أتيتُه هَرْوَلَة , ومَن لَقِيَني بقراب الأرض خطيئة لا يُشرك بي شيئًا لَقِيتُه بمثْلِها مَغْفِرة . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2068 – رقم الحديث 2687) .
انتبه سيِّدي الكريم ! إنَّ المتحدِّثَ هنا هو اللَّهُ بجلاله وعظمته , يَعرض سخاءَه وكَرمه على مخلوق ضعيف من مخلوقاته , لا يَنفعه ولا يَضرُّه , ولا يَكاد يُرَى في هذا الكون الفسيح !
الحديث الثَّاني رواه أيضًا الإمام مسلم عن أبي ذرّ الغفاري رضي اللَّه عنه , قال : قالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يقولُ اللَّه عزَّ وجلَّ : يا عِبَادي , إنِّي حرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسي وجعَلْتُه بينكُم مُحرَّمًا , فلا تَظَالَمُوا . يا عِبَادي , كُلُّكُم ضالٌّ إلاَّ مَنْ هَدَيْتُه , فاسْتَهْدُوني أهْدِكُم . يا عِبَادي , كُلُّكُم جائعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُه , فاسْتَطْعِمُوني أُطْعِمْكُم . يا عِبَادي , كُلُّكُم عارٍ إلاَّ مَنْ كَسَوْتُه , فاسْتَكْسُوني أكْسِكُم . يا عِبَادي , إنَّكُم تُخْطِئُون باللَّيْل والنَّهار وأنا أغْفِرُ الذُّنوبَ جميعًا , فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لكُم . يا عِبَادي , إنَّكُم لَنْ تَبْلُغُوا ضرِّي فتَضُرُّوني , ولن تَبْلُغُوا نَفْعِي فتَنْفَعُوني . يا عِبَادي , لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم وإنْسَكُم وجِنَّكُم كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رجُلٍ واحدٍ منكُم , ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شَيْئًا . يا عِبَادي , لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم وإنْسَكُم وجِنَّكُم كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رجُلٍ واحدٍ منكُم , ما نَقَصَ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا . يا عِبَادي , لَوْ أنَّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم وإنْسَكُم وجِنَّكُم قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فسَألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مَسْألَتَهُ , ما نَقَصَ ذلكَ مِمَّا عِنْدِي إلاَّ كما يُنْقِصُ المخْيَطُ إذا أدْخِلَ البَحْر . يا عِبَادي , إنَّمَا هي أعمَالُكُم أُحْصِيها لكُم ثمَّ أوَفِّيكُم إيَّاها , فمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَد اللَّه , ومَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلك فلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَه . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 1994 – رقم الحديث 2577) .
كلماتٌ تهزُّ المشاعرَ والقُلُوب ! ألا يستحي العبدُ بعد هذا أن يَعْبُدَ مع اللَّه شيئًا آخر , أو أن ينسب له ولدًا أو زوجة , أو أن يُحبَّ شيئًا آخر أكثر منه ؟!
وإذَا كانتْ كلُّ الأمور بِيَد اللَّه , يُقلِّبُها وَحْدَه كيف يشاء , فلِمَ التَّذلُّلُ لِغَيْره؟! يقول تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ 2 } (8- الأنفال 2) . ويقول أيضًا : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ 58 } (51- الذّاريات 58) .
على المسلم إذًا أن يتوكَّل على اللّه في أموره الحياتيّة , بمعنَى : أن يَدْرُس باجْتِهاد , وفي نَفْس الوَقْت يسألُ اللَّهَ أن يجعله من المتفوِّقين , وأن يَسْعى للبحث عن عَمَل شريف , وفي نَفْس الوَقْت يدْعُو اللَّهَ أن يرزُقَه عملاً جيِّدًا يدُرُّ عليه الخير والبركة , وإذا مَرض أن يذهبَ إلى الطَّبيب , وفي نَفْس الوَقْت يسأل اللَّه أن يشفيه , وإذا أصابتْه مُصيبة أن يُفكِّر في حلٍّ لها , وفي نَفْس الوَقْت يطلبُ من اللَّه العون . هذا هو معنى التَّوكُّل .
فإذا كان الأمرُ على غير ما يُريد , فإنَّه يَرْضَى بقَضاء اللَّه . وإذا حصلَ على مُراده , فإنَّه يَتوجَّه بالشُّكْر للَّه أوَّلاً , ثمَّ إلى الشَّخص الذي كان سببًا في ذلك . يقول اللَّه تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ 152 } (2- البقرة 152) .
أمَّا أن نَنْسب الفَضْل فقط إلى الطَّبيب الذي أنقَذنا من الموت , أو إلى مهارتنا وذكائنا في حصُولنا على وظيفة جيِّدة , فهذا مَا لا يليق ! وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن زيد بن خالد رضي اللَّه عنه , قال : خرجْنَا مع رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عامَ الحُدَيْبِيَة , فأصابَنَا مطرٌ ذاتَ لَيْلَة , فصلَّى بنا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم صلاةَ الصُّبح ثمَّ أقبل علينا , فقال : أتَدْرُون ماذا قالَ ربُّكُم ؟ قُلْنا : اللَّهُ ورسولُه أعْلَم , فقال : قالَ اللَّه : أصْبَح مِن عِبَادي مُؤْمنٌ بي وكافِرٌ بي ! فأمَّا مَنْ قال : مُطِرْنَا برَحْمَة اللَّه وبرِزْقِ اللَّه وبفَضْل اللَّه , فهو مُؤْمنٌ بي كافرٌ بالكَوْكَب , وأمَّا مَنْ قال : مُطِرْنَا بنَجْم كَذَا وكذَا , فهو مُؤمنٌ بالكَوْكَب كافرٌ بي . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1524 – رقم الحديث 3916) .
نختمُ بحديث أخير في التَّوكُّل على اللَّه , يُذهِبُ الغَمَّ ويُريح الأعصاب ! روى التّرمذي في سُنَنه عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : كنتُ خَلْفَ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يومًا , فقالَ : يا غُلام , إنِّي أعلِّمكَ كَلِمَات : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْك , احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَك , إذا سألْتَ فاسْأَل اللَّه , وإذا استعنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّه , واعْلَمْ أنَّ الأُمَّة لو اجْتَمعَتْ على أن ينفعُوكَ بشيء , لم ينفعُوكَ إلاَّ بشيء قد كَتَبه اللَّه لك , ولو اجْتَمعُوا على أن يَضُرُّوك بشيء , لم يَضُرُّوك إلاَّ بشيء قد كَتبه اللَّه عليك , رُفِعَت الأقلامُ وجَفَّت الصُّحُف . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 667 – رقم الحديث 2516) .
القاعدة الثَّانية إذًا في بناء الفرد المسلم , هي : أن يُحبَّ المسلِمُ اللَّهَ تعالى أكثر من كلِّ شيء , وأن يَتَيقَّن في قرارة نفسه أنَّ كلَّ الأمور بيَده سُبحانه يُقلِّبُها وحدَه كيف يشاء , وأن يَتَوَكَّل عليه في كلِّ أعماله طالبًا منه العون والتَّوفيق .
------------------------------------
التالي بإذن الله تعالى: إخلاصُ النِّيَّة , شرطٌ أساسي لقبول العمل !
كلمة سواء
16.01.2011, 15:06
إخلاصُ النِّيَّة , شرطٌ أساسي لقبول العمل !
نعم , فإذا تصدَّق المسلم بصدقَة لكي يقول النَّاسُ أنَّه مُحسِن , فإنَّ صدَقَته مردُودةٌ عليه , لا يَقبلُها اللَّه منه !
لهذا , حرص النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم منذ بداية دَعْوته أن يُوَجِّه المسلمين إلى أن تكون جميع أعمالهم خالصة للَّه وحده , حتَّى تُحْظَى بالقبُول . فقد روى النّسائي في السُّنن الكبرى عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : سمعتُ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : أوَّلُ النَّاس يُقضَى يومَ القيامة عليه , ثلاثَة : رجلٌ استُشْهِد , فأُتِيَ به فعرَّفه (أي اللَّهُ تعالى) نِعَمَه فعَرفها , قال : فَمَا عملْتَ فيها ؟ قال : قاتَلْتُ فيك حتَّى استُشْهِدْتُ . قال : كذبْتَ , ولكن قاتلْتَ لِيُقال فلانٌ جريء , وقد قِيل , ثمَّ أُمِر به فسُحِبَ على وجهه حتَّى أُلْقِيَ في النَّار . ورجلٌ تعلَّم العِلْم وعلَّمَه وقرَأ القُرآن , فأُتِيَ به فعرَّفَه نِعَمَهُ فعَرفها , قال : فما عملْتَ فيها ؟ قال : تعلَّمتُ العِلْمَ وعلَّمْتُه وقرأتُ فيك القرآن . قال : كذبْتَ , ولكن تعلَّمتَ العِلْم لِيُقال عالِم , وقرأتَ القرآن لِيُقال قارئ , فقد قِيل , ثمَّ أُمِر به فسُحِب على وجهه حتَّى أُلقِيَ في النَّار . ورجلٌ وسَّع اللَّهُ عليه وأعطاه من أصناف المال كُلِّه , فأُتِيَ به فعرَّفه نِعَمَه فعَرفها , قال : ما عملْتَ فيها ؟ قال : ما تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أن يُنْفَق فيها إلاَّ أنفقتُ فيها لك . قال : كذبْتَ , ولكن فعلْتَ كي يُقال جَواد , فقد قِيل , ثمَّ أُمِر به فسُحِبَ على وجهه حتَّى أُلقِيَ في النَّار . (السّنن الكبرى – الجزء 6 – ص 477 – رقم الحديث 11559) .
وروى الإمام أحمد في مسنده عن محمود بن لبيد رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم : الشِّرْك الأصْغَر . قالُوا : وما الشّرْكُ الأصغَر يا رسول اللَّه ؟ قال : الرِّيَاء , يقول اللَّهُ عزَّ وجلَّ لهم (أي لِلْمُرائين) يوم القِيامة إذا جَزَى النَّاسَ بأعمالهم : اذهبُوا إلى الذين كُنْتُم تُراءون في الدُّنيا , فانظُرُوا هل تجدُون عندهُم جزاء . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 5 – ص 428 – رقم الحديث 23680) .
وروى أبو داود في سُننه عن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه , قال : قال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات , وإنَّما لكُلِّ امرئ ما نَوَى , فمَنْ كانتْ هجرتُه إلى اللَّه ورسوله فهِجْرَتُه إلى اللَّه ورسوله , ومَنْ كانتْ هجْرَتُه لِدُنْيَا يُصِيبُها , أو امرأة يَتَزوَّجُها , فهِجْرَتُه إلى ما هاجر إليه . (سنن أبي داود – الجزء 2 – ص 262 – رقم الحديث 2201) .
القاعدة الثَّالثة إذًا في بناء الفرد المسلم , هي : أن يُخْلِصَ المسلِمُ نِيَّتَه للَّه وحدَه , فلا يَقومُ بأيِّ عمل إلاَّ وهو يَرْجُو من ورائه مرضاةَ اللَّه وحُسْنَ ثَوابه , لا أن يَفعلَه كي يُقال : فلانٌ كثير الصَّدقة أو كثير العبادة .
كلمة سواء
16.01.2011, 15:07
من ثمار هذه التّربية
باللَّهِ عليكِ سيِّدتي الفاضلة , ماذا تَتوَقَّعين من إنسانٍ تربَّى على الشُّعور الدَّائم بمراقبة اللَّه له , وتربَّى على حُبِّ اللَّه والثِّقة به والتَّوكُّل عليه , وعلى إخلاص العمل له وحده ؟
طبعًا , سيُصبح من الصَّعب عليه جدًّا أن يتهاون في دراسته أو يعُقَّ والديه أو يؤذي غيره أو يسرق أو يتعاطى المخدّرات , لأنَّه يعلَم أنَّ كلَّ ذلك يُغضِبُ ربَّه . وسيتوَلَّدُ في داخله مُحَرِّكٌ قويٌّ يدفعُه دائمًا لِفعل الخير واجتناب الشَّرّ .
وعند ذلك , لن يستغرب مِن تَوْجيه النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن أَنَس بن مالك رضي اللّه عنه , قال : قال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : إن قامَت السَّاعةُ وبِيَدِ أحَدِكُم فَسِيلةٌ , فإن استَطاع أن لا يقُومَ حتَّى يَغْرِسها فَلْيَفْعلْ ! (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 3 – ص 191 – رقم الحديث 13004) .
نعم , لن يستغربَ مِن هذا التَّوجيه لأنَّه إن كان سَيَغرسُ الفَسِيلة ابتغاء مرضاة اللَّه وطمعًا في ثوابه , فلِمَ لا يفعلُ ذلك , حتَّى ولو قامَت السَّاعةُ وعلِم أنَّه سيموتُ في تلك اللَّحظة ؟!
وعندما تَربَّى المسلمون الأوائل على القواعد الثَّلاث التي ذكَرناها سابقًا , كانت النَّتيجةُ أن بلغتْ دعوةُ الإسلام نصف الكرة الأرضيَّة في حوالي نصف قَرْنٍ من الزَّمان , ودخلَ النَّاسُ من مختلف الجنسيَّات أفواجًا في دِين اللَّه بسبب أخلاق المسلمين العالية ! نعم , فهم رأوا فيهم أمانةً في التِّجارة , وصدْقًا في الحديث , وعدْلاً في الحكْم لَم يَعْهدُوه مِن قبلُ تحت حُكْم الملُوك الجبابرة من الرُّوم والفُرس .
وكانت النَّتيجةُ , كما ذكَر الواسطي في كتابه تاريخ واسط , أنَّ الرَّجُلَ يُخْرجُ زكاة مالِه في زَمَن الخليفة العادل عُمر بن عبد العزيز , فلا يجدُ أحدًا يَقْبَلُها ! نعم , فاضَ المالُ في الدَّولة الإسلاميَّة , فلم يعُد هناك فُقَراء لِأَخذ الصَّدقة , ولم يَطْمع أحدٌ في الزِّيَادة !
هذا سيِّدتي الكريمة ما أنْتَجه الإسلام . فماذَا أنتجَت الأنظِمَةُ الأخرى ؟
لقد أنتجتْ إنسانًا مادِّيًّا , خالٍ من القِيَم والأخلاق , ليس له من مُحرِّك داخلي سِوَى حُبّ المال أو الشُّهرة أو المنصب أو الجنس . فكانت النَّتيجةُ أن غَرقت المجتمعاتُ التي أفْرَزتْها هذه الأنظمة في مشاكل لا نهاية لها , من كثرة السَّرقات وحوادث الاغتصاب وتعاطي المخدّرات , والفساد الإداري والسِّياسي والأخلاقي , وجُور المسؤولين .
ذلك أنَّ الإنسان في هذه المجتمعات اسْتَكْبر أن يكونَ عبدًا للَّه , فسقَط دون أن يَشعر في عبادة شهواته الجارفة , لا يستطيع منها خلاصًا ! وأصبح عبْدُ المال يَرْتَشي ويَغشُّ ويسرق لِيَزداد ثَرَاءً , وصار عَبْدُ الجاه يَدُوس غَيْرَه ويَكِيدُ له لِيَصل إلى الكُرْسي , وطَغَت الشَّهوةُ على عَبْد الجِنْس فلَم تَسْلَم من وَحْشِيَّته ابنَته ولا زَوْجة جاره !
________________________________
التالى
هكذا يحفظُ الإسلامُ الفردَ المسلم من الانهيار
أمام الأزمات9
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
diamond