اعرض النسخة الكاملة : يحبهم ويحبونه .. هل نحن منهم ؟
-موضوع منقول جزى الله كاتبه الجنة-
يقول الحق ..
(قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ
مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
فمن كانت هذه أحب إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله ..
فهو (فاسق) بحُكم الله ..
ومن كان يظن أن لاحاجة له في إسلامه ..
وأن العزة له ولغيره ...
(... فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُ
جَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
آية عجيبة تبين مدى رحمة الرحمن جل في علاه
يقول الله فيها عن عباده المؤمنين أنه
" يحبهم ويحبونه "
قال ابن القيم رحمه الله
" ليس المستغرب أننا نحب الله تبارك وتعالى
، ليس بمستغرب أن الفقير يحب الغني وأن الذليل يحب العزيز
فالنفس مجبولة على حب من أنعم عليها وتفضل عليها بالنعم
لكن العجيب من ملك يحب رعيته ويحب عباده ويتفضل عليهم بسائر النعم "
أعلم بارك الله فيك أن حب الله لعبد من عبيده
أمر هائل عظيم
وفضل غامر جزيل لا يقدر على إدراك قيمته
إلا من يعرف الله سبحانه بصفاته كما وصف نفسه..
فمن علامات محبة الله تعالى للعبد أن يحفظه من متاع الدنيا
ويحول بينه وبين نعيمها وشهواتها
ويقيه أن يتلوث بزفرتها لألا يمرض قلبه بها وبمحبتها ...
ولو كانت الدنيا عند الله تساوي جناح بعوضة
ما سقى منها كافرا شربة مـــاء...
ومن علامات حب الله للعبد حسن التدبير له
فيربيه من الطفولة على أحسن نظام
ويكتب الإيمان في قلبه
وينور له عقله
ويجتبه لمحبته
ويستخلصه لعبادته
ويشغل لسانه بذكره وجوارحه لخدمته.
فيتولاه بتيسير أموره من غير ذل للمخلوق
ويسدد ظاهره وباطنه
ويجعل همه هما واحدا
فإذا زاد في المحبة شغله به عن كل شيء..
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم
وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب
ولا يعطي الإيمان إلا من يحب
ولن تؤمن والله حتى يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما "
ومن علامات حب الله للعبد أن يجعل في قلبه الرفق واللين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق "
إذا أحب الله عبدا جعله شفيقا رحيما على جميع عباده
رفيقا بهم شديدا على أعدائهم
كما قال الله
" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم "
وقال عنهم
" أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين "
وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ..
ومن علامات حب الله للعبد القبول في الأرض
والمراد به قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه والثناء عليه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه
قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء
ثم يوضع له القبول في الأرض "
ومن علامات حب الله للعبد أيضا أن يبتليه بأنواع البلاء حتى يمحصه من الذنوب
كما قال صلى الله عليه وسلم
" ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة "
أمـــا حب العبد لله فإدعاء يدعيه كثير من خلق الله
ولما كثر المدعون طلب الله منهم الدليل والبينة ..
واعلم رعاك الله أن محبة الله دعوة يدعيها كل أحد فما أسهل الدعوة وما أعز المعنى
فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان وخداع النفس إذا ادعت محبة الله تعالى
ما لم يمتحنها بالعلامات ويطالبها بالبراهين ...
فالمحبة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء
وثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح .
لله قوم أخلصوا في حبه - فرضي بهم واختصهم خداما
قوم إذا جن الظلام عليهم - باتوا هناك سجدا وقياما
خمصُ البطون من التعفف ضمرا . - لا يعرفون سوى الحلال طعاما
اشترى أبو عبد الله النباجي جارية سوداء للخدمة
فقال لها: قد اشتريتكٍ..
فضحكت فحسبها مجنونة
فقال: أمجنونة أنتِ؟؟
فقالت: سبحان من يعلم خفايا القلوب ،، ما بمجنونة أنا
ثم قالت: هل تقرأ شيئاً من القرآن ؟؟
قال: نعم..
فقالت: اقرأ عليّ
فقرأ عليها: بسم الله الرحمن الرحيم
فشهقت شهقة وقالت: ياالله هذه لذة الخبر فكيف لذة النظر؟
فلما جن الليل وطأ فراشاً للنوم
فقالت له: أما تستحي من مولاك أنه لا ينام وأنت تنام؟.. ثم أنشدت
عجباً للمحب كيف ينام - جوف الليل وقلبه مستهام
إن قلبي وقلب من كان - مثلي طائران إلى مليك الأنام
فأرضي مولاك إن أردت نجاة - وتجافى عن إتباع الحرام
قال النباجي فقامت ليلتها تصلي فقمت من نومي أبحث عنها
فإذا هي تناجي ربها ساجدة
وتقول: بحبك إياي لا تعذبني..
فلما انتهت قلت لها : كيف عرفت أنه يحبك؟؟
قالت: أما أقامني بين يديه وأنامك
ولولا سابق محبته لي لم أحبه ... أما قال: يحبهم ويحبونه ..!!
ومن علامات حب العبد لله أن يكون صابرا على المكاره..
فالصبر عباد الله ..
من آهم المنازل في طريق المحبة وألزمها للمحبين
فإن بقوة الصبر على المكاره في مراد المحبوب يعلم صحة محبته..
، ولهذا عباد الله كانت محبة أكثر الناس كاذبة
لأنهم كلهم ادعوا محبة الله تعالى
فلما امتحنهم بالمكاره ظهروا على حقيقتهم ولم يثبت إلا الصابرون ..
فلولا تحمل المشاق وتجشم المكاره بالصبر لما ثبتت صحة محبتهم ...
انظر رعاك الله كيف وصف الله تعالى بالصبر خاصة أولياءه وأحبابه
فقال عن حبيبه أيوب
" إنا وجدناه صابرا"
ثم أثنى عليه قائلا
" واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب "
وأمر الله أحب الخلق إليه بالصبر لحكمه
وأخبر أن صبره به وبذلك تهون جميع المصائب
فقال
" واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم
ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم "
ومن علامات حب العبد لله
أن يكثر من ذكره فلا يفتر عنه لسانه ولا يخلو عنه قلبه .
فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره
فذكر الله قوت القلوب
وبه يزول الهم والغم والقلق أما سمعت قوله
" ألا بذكر الله تطمئن القلوب "
أمرنا بذكره ذكرا كثيرا قياما وقعودا وعلى الجنوب وفي السلم والحرب
وأنفع الذكر إذا تواطأ القلب مع اللسان...
قال الحسن البصري رحمه الله
" تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن
فإن وجدتموها وإلا فاعلموا أن الباب مغلق "
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
قال ذا النون
" ما طابت الدنيا إلا بذكره
ولا طابت الآخرة إلا بعفوه
ولا طابت الجنة إلا برؤيته "
ومن علامات حب العبد لله فعل طاعاته وترك معصيته
أن يكون العبد مؤثرا ما أحبه الله تعالى على ما يحبه في ظاهره وباطنه
فيترك معصية الله محبة لله ..
وأفضل الترك الترك لله كما أن أفضل الطاعة طاعة المحبين
فالطاعة للمحب عنوان محبته كما قيل ..
تدعي حب الإله وأنت تعصاه - إن هذا لعمري في القياس بديع
لو كنت صادقا في حبك لأطعته - إن المحب للمحب مطيع
كان يحي بن معاذ الرازي يردد دائما ويقول
" الهي إن كان صغر في جنب عطائك عملي فقد كبر في حسن رجائك عملي
الهي لو ما عرفت من عدلك ما خفت من عذابك
ولولا ما عرفت من فضلك ما رجوت ثوابك
الهي إن كنت لا تعفوا إلا لأهل طاعاتك فإلى من يفزع المذنبون
وإن كنت لا ترحم إلا أهل تقواك فبمن يستغيث المسيئون
الهي أين يذهب الفقير إلا إلى الغني
وأين يذهب الذليل إلا إلى العزيز
وأنت أغنى الأغنياء وأعز الأعزاء يا أرحم الراحمين "
قال الجنيد
" من كان الله همه طال حزنه "
فقال الشبلي
" لا يا أبا القاسم بل من كان الله همه زال حزنه "
وكان لعمبسة الخواص
غلام كثير الصلاة كثير البكاء
فسأله يوما عن سبب كثرة بكائه فقال :
"قطع ذكر العرض على الله أوصال المحبين"
ثم جعل يحشرج حشرجة الموت ويقول
"أتراك تعذب من يحبك ... وأنت الحي الكريم "
قال : فلم يزل يرددها حتى والله أبكاني .
و كان يحي بن معاذ الرازي يقول
" يا من ذكره أعز علي من كل شيء
لا تجعلني بين أعدائك غدا أذل من كل شيء "
قال ابن القيم
" من عرف قدر مطلوبه هان عليه ما يبذل فيه "
فاتخذ الله صاحبا .... ودع الناس كلهم جانبا
"الودود" من صيغ المبالغة
وتعلمنا كثيراً أن صيغ المبالغة تعني مبالغة كم ، ومبالغة نوع
مودة الله عز وجل لعباده كبيرة جداً ومتنوعة جداً
من حيث النوع ، ومن حيث العدد ...
ودَ الشيء ودّاً ، ووِدّاً ، ووَدّاً
العلماء تسمي هذه الكلمات التي تأتي على حركات ثلاث كلمات مثلثة
كأن تقول مُصحف ، ومِصحف ، ومَصحف
وكل هذه الصيغ صحيحة
نقول : هذه كلمة مثلثة
تأتي على حركات ثلاث بمعنى واحد ..
الودود من صيغ المبالغة
وهي كلمة مثلثة معناها واحد من معانيها :
المعنى الأول : التمني :
﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ﴾
يعني إنسان يعتني بصحته عناية فائقة ، جيدة ، جيد جداً
لكن لو أنه يقيم على معصية مهما عمر لابد من الوفاة .
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزل الـــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
إذاً
﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ﴾
المعنى الأول : ﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ﴾ ؛ أي يتمنى أحدهم ، من التمني .
المعنى الثاني : الودّ ؛ بمعنى المحبة
كما في قوله تعالى :
﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾
هذا المعنى في هذه الآية ينقلنا إلى ما يسمى بالولاء والبراء
فالمؤمن الصادق بل من لوازم إيمانه أنه يوالي المؤمنين ، ولو كانوا فقراء ، وضعفاء
والمؤمن الصادق من لوازم إيمانه أنه يتبرأ من الكفرة ، والضالين ، والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء
فإلى من تنتمي أنت أيها المؤمن ؟ !
المعنى الثالث: المعية و المرافقة و المصاحبة :
والودّ أيضاً في اللغة قد يأتي على معنى المعية ، والمرافقة ، والمصاحبة
هذا معنى ثالث ، كلازم من لوزام المحبة
إن أحببت إنساناً راقبته ، صاحبته ، كنت معه ، كنت كظله
من المعاني الفرعية الناتجة عن الحب : الملازمة ...
فذلك المعنى دقيق جداً
إذ ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر :
(( أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة ، فسلم عليه عبد الله ، وحمله على حمار كان يركبه ، وأعطاه عمامة كانت على رأسه ، فقال ابن دينار له : أصلحك الله إنهم الأعراب ، وإنهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله : إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب كان ملازماً له ، وإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنَّ من أبَرِّ البرِّ صِلَةَ الرجل أهلَ وُدِّ أبيه )) .
[ مسلم عن عبد الله بن عمر]
لذا .. فإن من فضل الله على الإنسان
أنه يسمح له بأن يكون باراً بوالديه بعد موتهما ..
ومن فضل الله عز وجل أتاح الله للابن أن يكون باراً بوالديه بعد موتهما
حينما يصل الرجل أهل ود أبيه
حينما ينفذ عهد أبيه
و حينما يدعو له في كل صلاة
هذه من مسلكيات البر بعد الموت ...
(( لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم ، كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم ، ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ، قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ، ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام ، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ )) .
[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري ] .
من أحب الله و أحسن إلى عباده
أحبه الله عز وجل
"الودود" إذاً هو الذي يحب رسله ، وأولياءه ، ويتودد إليهم
يعني تأكد أنك إذا كنت مستقيماً على أمر الله
تأكد أنك إذا أحسنت إلى العباد ... سيحبك الله ..
والله مرة سمعت كلمة من متكلم في عقد قران
روى حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخاطب النبي به معاذ قال :
(( يا معاذ إني لأحبك ))
[ النسائي عن معاذ بن جبل]
يعني شيء لا يقدر بثمن أن يحبك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
أو أن يحبك المؤمنون
أو أن يحب الله عز وجل ...
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
بل إن الله أراد أن تكون العلاقة بينه وبين عباده علاقة حب
علاقة محبوبية لهذا قال :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
يريدك أن تأتيه محباً ، طائعاً
برغبة منك ، بمبادرة منك
من دون قهر ، من دون إكراه ....
فمن أحبه الله
ألقى محبته في قلوب الخلق جميعاً..
لذلك الله "الودود" يعني يحب عباده ...
لكن كيف يحبهم ؟
يرضى عنهم
و يغفر لهم
و يرحمهم
و يتوب عليهم
و يستجيب دعاءهم
و يتقبل أعمالهم
و يوددهم إلى خلقه ..
فإذا أحبك الله
ألقى محبتك في قلوب الخلق
فهذه من نعم الله الكبرى..
لذلك لا تتوهم أن الخلق إذا أحبوك بجهدك ، وبذكائك ، وبحنكتك
لا
الله سبحانه .. هو من ألقى في قلوب الخلق محبتك
والدليل قوله تعالى :
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
(لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ
إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
وأحياناً الله عز وجل يلقي بغض إنسان في قلوب الخلق
لا أحد يحبه ، يكون على مستوى عالٍ من الذكاء ، من الجمال ، من المال ، من القوة
لكنه لا يُحب ..
فأن يحبك الناس ..
هذا أكبر عطاء من الله عز وجل ..
والحق سبحانه .. يتودد إلى عباده بالمغفرة و التوبة و استجابة الدعاء ..
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾
يعني أنت حينما تكون مستقيماً على أمر الله
فمن فضل الله عليك يلقي في روعك أنه يحبك
هذا الشعور لا يعرفه إلا من ذاقه..
عملك طيب ، دخلك حلال ، بيتك منضبط ، أولادك ربيتهم تربية عالية
بناتك محجبات ، البيت إسلامي ، الدخل إسلامي ، الإنفاق إسلامي ، النشاط إسلامي
المحبة لله ورسوله
عندئذٍ الله يحبك يلقي في روعك أني أحبك ، وإذا أحبك الله وصلت إلى كل شيء..
(( ابن آدم اطلبني تجدني
فإذا وجدتني وجدت كل شيء
وإن فتك فاتك كل شيء
وأنا أحب إليك من كل شيء )) .
[من مختصر تفسير ابن كثير]
المؤمن الصادق
يجتمع في قلبه تعظيم لله وحب له وخوف منه ..
أحد أنبياء الله عز وجل قال :
(( يا رب ، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟
فقال : أحب عبادي إلي تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ))
[من الدر المنثور عن ابن عباس ]
يعني ما فكر إطلاقاً أن يسيء لإنسان
بل لمخلوق ....
وأنت إن ذكرت الناس بنعماء الله... تحبب الله إلى عباده
وإن ذكرتهم ببلاياه والشدة ، تخوفهم أن يعصوه
وأنت إن ذكرتهم بآلائه العظيمة يعظموه
إذاً لابدّ من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم ، وحب ، وخوف ...
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
ما قولك الآن ؟
المودة مع من ؟
مع خالق السماوات والأرض !!!!!
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
أن تشعر بمودة مع الله عز وجل
أن تشعر أن الله يحبك
أن تشعر أن الله يؤثرك ، الدعاء الشريف :
(( اللهم أعطنا ولا تحرمنا
أكرمنا ولا تهنا
آثرنا ولا تؤثر علينا
أرضنا وارضَ عنا ))
ومن علامة إيمانك أنك تحب الله
وأنك تحب المؤمنين
تضحي من أجلهم
تؤثرهم على كل شيء..
فعلامة الإيمان الحب بين المؤمنين
وعلامة النفاق بغض المؤمنين ....
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾
اجعل هذا مقياساً لك ،
يعني إذا أخوك المؤمن أخذ شهادة عليا تتألم ؟ !!
إن تألمت .. فهذه علامة نفاق ..
وإذا أخوك المؤمن تزوج زوجة صالحة تنزعج ؟ !!
هذه علامة نفاق ..
وإذا أخوك المؤمن أسس عملاً ونجح العمل ..
فلماذا تتضايق ؟!!
فالمؤمن إذا قوي ... قوته للمؤمنين
إذا اغتنى.. غناه للمؤمنين
إذا تفوق ..تفوقه للمؤمنين ..
هذا مقياس دقيق ..
علامة إيمانك أنك تفرح لكل مؤمن لعطاء الله له
أما إذا تألمت .. فهذه بادرة غير طيبة إطلاقاً
لأنها علامة نفاق
﴿ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾
يعني :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
ما فعل شيئاً
ما تكلم كلمة ، ما تحرك ، ما غمز ، ما لمز أبداً
لكن ارتاح لما الله دمر إنساناً
والإنسان محسوب مؤمن ارتاح
هذا شعور مخيف أن تتمنى أن يدمر المؤمنون
أن تتمنى ألا ينتصر المؤمنون
أن تتمنى أن يكون المؤمنون فقراء ...فانتبه لنفسك !!
والله الله عز وجل مع الصادقين
بالتوفيق و التأييد و النصر و الحفظ...
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
فهذه معية عامة
الله مع الكافر ، مع الملحد ، مع المجرم ، بعلمه...
لكن ..
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
فهو سبحانه معهم بالتوفيق ، معهم بالنصر ، معهم بالتأييد ، معهم بالحفظ
إذا كنت مع الله كان الله معك
وإذا كان الله عليك فمن معك
وإذا كان معك فمن عليك
ويا رب ماذا فقد من وجدك
وماذا وجد من فقد من وجدك ؟
فسبحان من لايخيب من عباده رجاءهم ، ولا يرد دعاءهم
وهو عند حسن ظنهم به..
يرزقهم ، عامة الخلق يرزقهم
يؤخر العقاب عنهم
لعلهم يرجعون إليه
من الذين يحبهم الله ؟!
فالله يحب المحسنين ..
ومن أعظم درجات الإحسان ..الإنفاق في سبيل الله ..
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
والإحسان يأتي من العفو والصفح ...
(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
والإحسان يأتي من حسن المعاملة و حسن الخلق
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
وكان الحبيب (صلى الله عليه وسلم) يوصي أصحابه عند ذهابهم للغزو والجهاد قائلاً :
"... ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولاصغيرا ولا امرأة
ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" ..
والإحسان يأتي في البيع والشراء والقضاء ..
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
"إن الله يحب سمح البيع .. سمح الشراء.. سمح القضاء"
الله يحب المتقين
ومن التقوى الوفاء بالعهد
(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
(إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
ومن التقوى التواضع وعدم الظهور والابتعاد عن الشهرة :
فلقد خرج عمر رضي الله عنه إلى المسجد
فوجد معاذا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي
فقال : ما يبكيك ؟
قال : حديث سمعته من رسول الله قال
" اليسير من الرياء شرك ، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة
إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إنغابوا لم يفتقدوا ، وإن حضروا لم يعرفوا
قلوبهم مصابيح الدجى يخرجون من كل غبراء مظلمة"
ومن التقوى التواضع مع الغنى
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
"إن الله يحب العبد التقي ، الغني ، الخفي "
" إن الله يحب الفقير المتواضع ، وحبه للغني المتواضع أشد"
والله يحب الصابرين ..
ومن أعلى مراتب الصبر ... الصبر عند اللقاء
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)
والله يحب من توكل عليه ..
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
والله يحب المؤمن العادل ..
فمن القسط الحكم بين الناس بالعدل
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ
وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
·
ومن القسط الاصلاح بين المتخاصمين
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ
وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
ومن القسط البر بالمعاهدين من المشركين
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
والله يحب من يجاهد في سبيله ..
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)
وقال أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه) :
سمعت خليلي محمد (صلى الله عليه وسلم)
يقول :
"ثلاثة يحبهم الله عز وجل
وثلاثة يبغضهم الله عز وجل :
أما الثلاثة الذين يحبهم فرجل غزا في سبيل الله فلقي العدو مجاهدا محتسبا فقاتل حتى قتل
ورجل له جار يؤذيه فيصبر على أذاه ويحتسبه حتى يكفيه الله إياه بموت أو حياة
، ورجل يكون مع قوم فيسيرون حتى يشق عليهم الكرى أو النعاس فينزلون في آخر الليل
فيقوم إلى وضوءه وصلاته ..
ويبغض الله : الفخور المختال
والبخيل المنان
والتاجر والبياع الحلاف "
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" أزهد في الدنيا يحبك الله . وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس "
( صحيح الجامع 922) .
وقال صلى الله عليه وسلم :
" أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً "
( 179 الجامع الصحيح )
وقال عليه الصلاة والسلام
" أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس "
( طب . وابن أبي الدنيا 176 )
وقال صلى الله عليه وسلم
" إن الله يحب الحيي العفيف المتعفف "
ويقول صلى الله عليه وسلم :
" قال الله تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ ، والمتباذلين فيّ ، والمتزاورين فيّ "
وقال صلى الله عليه وسلم :
" الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله "
متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد قيس
" إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم ، والأناة "
وقال عليه الصلاة والسلام
" إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله "
وقال صلى الله عليه وسلم
" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه "
وقال صلى الله عليه وسلم
" إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها "
وقال صلى الله عليه وسلم
" إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن "
ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها :
أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته
فيختم بـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد }
فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم
فقال
" سلوه لأي شيء يصنع ذلك "
فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها
فقال النبي صلى الله عليه و سلم
" أخبروه أن الله يحبه "
وقال سيد الصديقين رضي الله تعالى عنه
" العجز عن درك الإدراك إدراك"
فسبحان من لم يجعل للخلق طريقاً إلى معرفته
إلا بالعجز عن معرفته ؟؟
فليت شعري من ينكر إمكان حب الله تعالى تحقيقاً ويجعله مجازاً؟
أينكر أن هذه الأوصاف من أوصاف الجمال والمحامد ونعوت الكمال والمحاسن
أن ينكر كون الله تعالى موصوفاً به؟ا
أو ينكر كون الكمال والجمال والبهاء والعظمة محبوباً بالطبع عند من أدركه؟
فسبحان من احتجب عن بصائر العميان غيرة على جماله وجلاله
أن يطلع عليه إلا من سبقت له منه الحسنى
الذين هم عن نار الحجاب مبعدون
وترك الخاسرين في ظلمات العمى يتيهون
وفي مسارح المحسوسات وشهوات البهائم يترددون
يعملون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون
الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون...
فالحب بهذا السبب أقوى من الحب بالإحسان
لأن الإحسان يزيد وينقص
ولذلك أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام:
إن أود الأوداء إلي من عبدني بغير نوال
لكن ليعطي الربوبية حقها
وفي الزبور:
"من أظلم ممن عبدني لجنة أو نار
لو لم أخلق جنة ولا ناراً .. ألم أكن أهلاً أن أطاع"
وقال أبو حازم:
"إني لأستحي أن أعبده للثواب والعقاب
فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل
وكالأجير السوء إن لم يعط لم يعمل"
اعلم أن أسعد الخلق حالاً في الآخرة
أقواهم حباً لله تعالى..
فإن الآخرة معناها القدوم على الله تعالى ودرك سعادة لقائ
، وما أعظم نعيم المحب إذا قدم على محبوبه بعد طول شوقه!
وتمكن من دوام مشاهدته أبد الآباد من غير منغص ومكدر ومن غير رقيب ومزاحم ومن غير خوف انقطاع!
إلا أن هذا النعيم على قدر قوة الحب
وإنما يكتسب العبد حب الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة ..
وأصل الحب لا ينفك عنه مؤمن لأنه لا ينفك عن أصل المعرف
وإنما يحصل ذلك بسببين:
أحدهما قطع علائق الدنيا وإخراج حب غير الله من القلب
فإن القلب مثل الإناء لا يتسع للخل مثلاً ما لم يخرج منه الماء
" ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه "
وكمال الحب في أن يحب الله عز وجل بكل قلبه
وما دام يلتفت إلى غيره فزاوية من قلبه مشغولة بغيره
فبقدر ما يشغل بغير الله ينقص منه حب الله
وبقدر ما يبقى من الماء في الإناء ينقص من الخل المصبوب فيه..
وإلى هذا التفريد والتجريد الإشارة بقوله تعالى: "
قل الله ثم ذرهم في خوضهم"
وبقوله تعالى:
" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا "
بل هو معنى قولك " لا إله إلا الله " أي معبود ولا محبوب سواه
فكل محبوب فإنه معبود
فإن العبد هو المقيد والمعبود هو المقيد به
وكل محب مقيد بما يحبه..
ولذلك قال الله تعالى:
" أرأيت من اتخذ إلهه هواه "
وقال (صلى الله عليه وسلم):
" أبغض إله عبد في الأرض الهوى "
ولذلك قال عليه السلام:
" من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة"
ومعنى الإخلاص أن يخلص قلبه لله فلا يبقى فيه شرك لغير الله
فيكون الله محبوب قلبه ومعبود قلبه ومقصود قلبه فقط
ومن هذا حاله فالدنيا سجنه لأنها مانعة من مشاهدة محبوبه
وموته خلاص من السجن وقدوم على المحبوب..
فما حال من ليس له إلا محبوب واحد وقد طال إليه شوقه وتمادى عنه حبسه
فخلى من السجن ومكن من المحبوب وروح بالأمن أبد الآباد
فأحد أسباب ضعف حب الله في القلوب قوة حب الدنيا
ومنه حب الأهل والمال والولد والأقارب والعقار والدواب والبساتين والمنتزهات
حتى إن المنفرح بطيب أصوات الطيور وروح نسم الأسحار ملتفت إلى نعيم الدنيا و
متعرض لنقصان حب الله تعالى بسببه
فبقدر ما أنس بالدنيا فينقص أنسه بالله
ولا يؤتى أحد من الدنيا شيئاً بقدره من الآخرة بالضرورة..
كما أنه لا يقرب الإنسان من المشرق إلا ويبعد بالضرورة من المغرب بقدره
فالدنيا والآخرة ضرتان وهما كالمشرق والمغرب
وقد انكشف ذلك لذوي القلوب انكشافاً أوضح من الإبصار بالعين
وسبيل قلع حب الدنيا من القلب سلوك طريق الزهد وملازمة الصبر والانقياد إليهما بزمام الخوف والرجاء...
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
diamond