العقيدة و الفقه قسم يحتوي على المواضيع الفقهية و العقدية لأهل السنة و الجماعة.

آخر 20 مشاركات
من الذبيح ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          القطف الجني لتلاوات الشيخ عبدالله الجهني : شهر شوال 1445هجري (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          نص خروج 33 : 11 يسقط الهولي بايبل في التناقض (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          لمحات مكية : كثرة أسماء الكعبة المشرّفة (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          لمحات مكية : ماء زمزم (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          حنين الجذع للنبي حقيقة أم خرافة ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          فإلهكم إلهٌ واحد (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          The Heritage Of Abraham PBUH (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          هل يشمل العهد الإبراهيمي إسماعيل و نسله ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          ملة أبيكم إبراهيم (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          الإعجاز الغيبي في الإخبار عن حشّاشي الهرمنيوطيقا (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          نصوص محذوفة من إنجيل مرقس (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          وفد الله (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          وأذن في الناس بالحج (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          AL-MARIZ : Islam 's last refuge (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          يـسوع وقيــام الليل (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          سورة البقرة كاملة : الشيخ القارئ عبدالبديع غيلان (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          سورة النبأ : الشّيخ القارئ عبدالبديع غيلان (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Arafat : el monte de la misericordia (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Der Berg Arafat in Altes Testament (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )

الأمن الفكري

العقيدة و الفقه


رد
 
أدوات الموضوع أنواع عرض الموضوع
   
  رقم المشاركة :1  (رابط المشاركة)
قديم 09.09.2011, 15:24
صور ساعد وطني الرمزية

ساعد وطني

عضو

______________

ساعد وطني غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 31.08.2011
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 12  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
25.12.2014 (11:08)
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي الأمن الفكري


الشيخ عبدالرحمن السديس
الحمد لله منّ علينا بخير الشرائع وأوفاها، وعلِم جهر كل نفس ونجواها، وعظّم شأن أمْنِهَا تعظيمًا لا يتناها، وحفظ لها دينها وأنفسها وعقولها وأموالها ونسلها، أحمده تعالى وأشكره، عز ربًا وجلّ إلهًا، سبحانه من إله عظيم، ورب رحيم لا يُماثَل ولا يُضاها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من طهّر نفسه وزكاها، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، المبعوث بأشرف الملل وأزكاها، الذي قرر قواعد الملة وشيّد بِنَاها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خيار الأمة وأتقاها، وأعلمها وأهداها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد:
فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجل، فهُدَى النفوسِ بتقواها، وبإعراضِها عنها رداها في دينِها ودنياها وأُخراها، يِـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ[الأنفال:29].
أيّها المسلمون، عنوانُ تقدُّم الأمَمِ وفَخارِها ومبعَث أمنِها وأمانها واستقرارِها مرهونٌ بسلامة عقولِ أفرادها ونزاهةِ أفكار أبنائِها ومدَى ارتباطهم بمكوِّنات أصالتِهم وثوابتِ حضارتهم وانتظامِهم منظومتَها العقديّة والفكريّةَ ونوعيّتَها الثقافيّة والقِيَميّة. ومن محاسنِ شريعتِنا الغرّاء أنها جاءت بحفظِ العقول والأفكار، وجعلت ذلك إحدَى الضرورات الخمس التي قصدَت إليها في تحقيقِ مصالح العباد في أمورِ المعاش والمعاد، كما جاءت بحِفظ الأمنِ للأفرادِ والمجتمع والأمّة.
ومع أنَّ الأمنَ بمفهومِه الشامل مطلَبٌ رئيس لكلِّ أمّة إذ هو ركيزَة استقرارِها وأساسُ أمانها واطمئنانها إلاَّ أنَّ هناك نوعًا يُعدَ أهمَّ أنواعِه وأخطرَها، فهو بمثابةِ الرأس من الجسَد لِما له من الصِّلة الوثيقةِ بهويّة الأمّة وشخصيّتِها الحضارية، حيث لا غِنى لها عنه، ولا قيمةَ للحياة بدونه، فهو لُبّ الأمنِ ورَكيزتُه الكبرى، ذلكم ـ يرعاكم الله ـ هو الأمنُ الفكريّ. فإذا اطمأنَّ الناس على ما عندهم من أصولٍ وثوابِت وأمِنوا على ما لدَيهم من قِيَم ومثُلٍ ومبادئ فقد تحقَّق لهم الأمنُ في أَسمى صوَرِه وأجلَى معانيه وأَنبلِ مَراميه، وإذا تلوَّثت أفكارُهم بمبادئَ وافِدة ومناهجَ دخيلة وأفكارٍ منحرِفة وثقافاتٍ مستورَدَة فقد جاس الخوفُ خلالَ ديارهم وحلَّ بين ظهرانَيهم، ذلك الخوف المعنويّ الذي يهدِّد كيانهم ويقضِي على مقوِّماتِ بقائهم. لذلك حرصت شريعتُنا الغرّاء على تعزيز جانِبِ الأمن الفكريّ لدى الأفراد والمجتمعِ والأمّة، وكان لها قَصَب السبقِ في ذلك عن طريقِ تحقيق وسائلَ متعدِّدة أسهمَت في حمايته والحفاظِ عليه من كلِّ قرصَنَة فكريّة أو سَمسَرة ثقافيّة أو تسلُّلات عولميّة تهزُّ مبادئَه وتخدِش قِيَمه وتمسّ ثوابته.
إخوةَ الإيمان، إنّ الأمنَ الفكريَّ لدى هذه الأمّةِ يعني أن يعيشَ أهل الإسلام في مجتمَعِهم آمنين مطمئنِّين على مكوِّنات شخصيّتِهم وتميُّز ثقافتِهم ومنظومَتِهم الفكريّة المنبثقةِ من الكتاب والسنة، وتأتي أهمّيتُه من كونه يستمِدّ جذورَه من عقيدة الأمة ومسلَّماتها، ويحدِّد هويَّتَها، ويحقِّق ذاتِيَتها، ويراعي مميِّزاتها وخصائصَها، وذلك بتحقيقِ التّلاحُم والوَحدة في الفكرِ والمنهج والسّلوك والهدف والغاية، كما أنّه ـ بإذن الله ـ سِرّ البقاء وسبَب النماء وطريقُ البناء وعامِل العطاء وقاعِدة الهناء وضمانةٌ بحول الله من التلاشِي والفناء، فإذا اطمأنَّ أهلُ الإسلام على مبادِئِهم وقِيَمهم وفِكرِهم النيِّر وثقافتِهم المميَّزة وأمِنوا على ذلك من لوثاتِ المبادئ الوافدَة وغوائلِ الانحرافات الفكريّة المستورَدَة ولم يقبَلوا التنازلَ عن شيءٍ من ثوابَتِهم ولم يسمَحوا بالمساوَمَة والمزايَدَة عليها وعمِلوا على حراسَتها وحَصانتها وصِيانتها فقد تحقَّق لهم الأمنُ الفكريّ.
وبضدِّها تميز الأشياء، فإذا غدَت مبادِئهم وثوابتُهم محلاًّ للمساومَاتِ والمزايدات عبرَ حِوارات وأطروحاتٍ تضَع قضايا الأمّة ومسلَّماتها موضعَ البحثِ والمراجعة والنّقد والمناقشة وتنبرِي الأقلامُ وترتفِع الأصواتُ عبرَ الصّحف ووسائلِ الإعلام بالانقلاب عليها وزَحزَحة مكانتها في نفوسِ الأجيال وكِيان المجتمع والأمّة فعند ذلك يحصُل الخوفُ المعنويّ والخلَل على أمنِ الأمّة الفكريّ، بل إنّ الخوفَ على الفكر الصحيحِ والثقافة الشرعيّة والمبادئ الإسلاميّة الأصيلة أشدُّ من الخوفِ على مجرّدِ النفوس والأجسادِ والمقوّماتِ المادّية. أضِف إلى ذلك أنَّ الخللَ في الأمنِ الفكريّ طريقٌ إلى الخللِ في الجانب السلوكيّ والاجتماعيّ، وما سلكَت فئامٌ في الأمّة مسالِكَ العنفِ والإرهاب والقتلِ والإرعاب والتدمير والتفجير إلاَّ لما تشبَّعت أفكارُها وغسِلَت أدمِغتها بما يسوِّغ لها تنفيذَ قناعاتها وتحسينَ تصرّفاتها، وذلك راجعٌ إلى رصيدٍ فكريّ ومخزون ثقافيّ أفرَزَ عملاً إجراميًّا وسلوكًا عدوانيًّا.
لذا فإنّ الحاجة ماسّة إلى التذكير بقضيّة الأمنِ الفكريّ، لاسيما في هذا العصرِ الذي هبَّت فيه رياحُ الجنوحِ عن منهجِ الوسطيّة والاعتدال وتعدَّدت فيه أسبابُ الانحراف ووسائلُ الانحلال، خاصّةً في تلك الحقبةِ العصيبة والمنعَطف الخطير الذي تمرّ به مجتمعاتُنا وأمّتُنا ويُكادُ فيه لأجيالِنا ناشئتِنا وشبابنا، مما يحتِّم المسؤوليةَ العظمى على جميع شرائحِ المجتمع وأطيافِ الأمّة في الحفاظِ على أمنِ الأمة الفكرِي، بل وعلى المستوَى العالميِّ والدّولي ما تقدِم عليه الصهيونيةُ العالمية من إجراءاتٍ لتهويدِ مقدَّسات المسلمين في فلسطينَ والأقصى، ومثلُ ذلك ما تفاقم فيه الحالُ في بلاد الرافدين كلُّ ذلك نِتاج فِكرٍ منحرِف يهدِف القضاءَ على مقدَّرات المسلمين وطمسِ معالم هُويّتهم، فرحماك ربَّنا رحماك.
أمَّة الإسلام، إنَّ المتأمّلَ في واقعِ الأمن الفكريِّ في الأمّة يُصاب بالذّهول وهو يرَى كثرةَ الأسباب والعوامِل التي تسعَى إلى تقويض بنيانِه وزعزَعة أركانِه والعملِ على إغراقِ سفينته وَسطَ أمواجٍ عاتية وسيولٍ جرّارة هادرة؛ مِن ألوان الغزوِ الفكريّ المركَّز والتحدّي الثقافيّ المعلَن. ولعل أخطرَ تلك الأسبابِ القصورُ في جوانبِ العقيدة وتطبيقِ الشريعة، يقول الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ[الأعراف:96]، وأيُّ بركةٍ أعظمُ مِن تحقيق الأمن؟! وكذلك التساهُل في مجالاتِ الدعوة والحسبة، وهما صِمام الأمانِ في تحقيق الأمنِ الفكريّ. ومن ذلك التزهيدُ في علماءِ الشريعة وتركُ الرجوعِ إليهم خاصّةً في النوازل والمستجدّات التي يتطلَّب النظر فيها إلى فهمٍ دقيق واستنباطٍ صحيح، وكذا الأخذُ والتلَّقي من أنصافِ المتعلِّمين والخائضين في أمورِ الشريعة والإفتاء تحليلاً وتحريمًا وهم ليسُوا من ذلك في وردٍ ولا صدر.
وثَمّةَ سببٌ مهِمّ في الخلَل الفكريّ، وهو القصورُ في جوانبِ التربية والتعليم، ووجودُ الخلَلِ في الأسرة ومناهج التعليم، وتضييق النطاقِ على العلومِ الشرعيّة ومزاحمَتها بغيرِها مع أنها الأصلُ الذي تنبني عليه سائرُ العلومِ المعاصرة. ولقد أدرك الخصومُ أنَّ قوّةَ الأمّة تكمُن في التزامِها بدينِها وأنّ ذلك لن يتحقَّق إلاَّ بإيلاءِ المناهجِ التعليميّة الشرعيّة الاهتمامَ والعناية، فعمِلوا على الحدِّ من تعليمِ الناشِئة هذا الدين بمحاسنِه وجماليّاتِه، ممّا كان عاملاً لسهولةِ التأثُّر بالأفكارِ المنحرفة والمناهِجِ الدخيلة التي ترمِي إلى تقويض دعائمِ الأمنِ الفكريّ.
إخوةَ العقيدة، ومما ينكأ الجراحَ في قضيّة الأمن الفكري ذلك الزّخَم الهائل من وسائلِ الغزوِ الفكريّ والثقافيّ الذي يرفع عقيرَتَه فئامٌ من ذوي الاستِلابِ الثّقافيّ وضحايا الغزوِ الفكريّ من بني جِلدةِ المسلمين ومَن يتكلَّمون بألسنتهم ممَّن يسلكُون مسالكَ متعدِّدة في الخضوعِ للغزوِ الثقافيّ، بل ومحاولةِ إخضاع المجتمَع المسلم المحافِظ لرغبتِها وجنوحِها المنحرِف بدعاوَى فجّة تحت سِتار حرّيّة الرأي وحرّيّة التفكير وغيرِها من الصِّيَغ المعسولَة والأسماء المنمَّقَة، فلم يتورَّع هؤلاء من النّيلِ من الذّات الإلهية والصّفات العليّة، تعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيرًا، والإساءةِ إلى شخصيّة المصطفى ولتعاليمِ الشريعة وآدابها.
ومنَ المؤسِفِ حقًّا أن جدارَ ثقافتنا الإسلامية على الرّغم من قوّتهِ ومتانته قد تعرَّض للتصدُّع مِنَ الضّرَبات المتتاليَة التي يصوِّبها إليه دعاةُ التغريبِ والعَولمة. فهل من حرّيّةِ الفكر الانقلابُ على المبادئ واعتناقُ كلِّ فكرٍ مستورَد حتى ولو كان إِلحاديًّا إباحيًّا لا يقيم للدّين ولا للفضائل والقِيَم وزنًا؟! فسبحان ربي العظيم! كأنّ الحرية لا تأتي إلاَّ عندَ مهاجمةِ المعتقَداتِ الإسلامية.
إنّه إذا انتشَرَت مثلُ هذه القناعاتِ المريضة فإنّما تدلّ على هزيمةٍ نفسيّة لدى أصحابها، ومتى جاسَت خلالَ صفوفِ ناشئةِ الأمّة وأجيالها فماذا عسَى أن يبقَى للمؤسّسات التربويّة في المجتمع؟! وإلى أين يتّجه مصير التربيّة الإسلامية والوطنيّة التي تحفَظ وَحدةَ الفكر والثقافةِ ووَحدة النسيجِ الاجتماعيّ المتميِّز كعامِلٍ من أهمّ عوامل الأمن الفكري؟!
لقد أوجَدَ الغزوُ الثقافيّ مناخًا يتَّسِم بالصراع الفكريّ الذي يجرّ إلى نتائجَ خطيرةٍ وعواقبَ وخيمة على مقوِّمات الأمّة وحضارتها، وكان من نتيجةِ ذلك أن تُسمَع أصوات تتَعالى عبرَ منابرَ إعلاميّةٍ متعدّدة تدعو وبكلِّ بجاحةٍ إلى التخلّي عن كثيرٍ من الأمور الشرعية والثوابِتِ المرعيّة والمعلومَةِ من دين الإسلامِ بالضّرورة، خاصّةً في قضايا المرأة.
لقد شَنّوا الحربَ على الحجاب، وطالبوا بإلغاءِ قوامةِ الرّجل وولايتِه عليها، ودعَوا إلى الاختلاط في التعليمِ وميادينِ العمل بدعوَى الحرّيّة والمساواة، ولقد أسهَم الإعلامُ المفتوح لا سيّما الفضائيّ منه في إذكاءِ نارِ الخلَل الفكريّ وتفنَّن في جذبِ الأنظار والتأثيرِ على الرأي العام، ممّا جعل أمنَ الأمّة الفكريّ عُرضةً للاهتِزاز ومهبِّ الأخطار.
لقد أوحَت هذه الفضائياتُ وشبكاتُ المعلوماتِ للناظرين وكأنّ هذه الدنيا أصبَحت هدفًا للفوضَى الفكريّة والأخلاقية ومسرحًا للضّياع في مَباءات الإغراءات والإباحيّة، ممّا لا يحكمه دينٌ ولا قِيَم ولا يضبِطه خُلُق ولا مُثُل، وقَنوات أخرى لا تفتَأ في إذكاءِ نار الفتنة بين الرعيّة والرّعاة بدعوَى الإصلاح زعمَوا، وأُخرى بدعوَى الإثارة والبلبَلة تدعوا الموتورين إلى أن تكونَ مِنبرًا لهم حيث لا منبرَ لهم، وهكذا منتدياتُ الفضائح والمثالب والطّعون والمعائب، أوَليس ذلك كلُّه مدعاةُ إلى أن تولي الأمّة الأمنَ الفكريَّ جُلَّ اهتمامها، وذلك يكون أولاً وقبلَ كلِّ شيءٍ بتقويَةِ وازِعِ الدّين في النفوس وإذكاءِ جَذوةِ الإيمان وتقوِيَته، ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ[الأنعام:82]، وإعزازِ جانب الدّين والكفِّ عن الوقيعةِ في المتديّنين والصالحين، وإعزازِ جانبِ الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر لِما يمثِّلُه من طوقِ أمانٍ في الحِفاظ على الأمن الفكريّ، ومن يتعرَّف على الجهود المباركة التي تُبذَل في المؤسّسات الدعَويّة والأروقةِ الاحتسابيّة يجدِ الدورَ الكبير الذي يبذُله دعاةٌ صادقون ومحتسِبون مبارَكون في الحفاظ على الأمنِ الفكريّ للأمة، ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَاتَوُاْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلأُمُورِ[الحج:41].
سدّد الله الخطى، وبارك في الجهود، وأخذ بالأيدي إلى مواطن الصلاح والتوفيق، ونفع بالأسباب، وحفِظ للأمّة أمنَها وأمانها عامّة وأمنَها الفكريَّ خاصّة، إنّه خير مسؤول وأكرمُ مأمول.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافّة المسلمين من كلِّ خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، فيا لَفوز المستغفرين، ويا لَبُشرى التائبين.

الخطبة الثانية:
حمدًا لكَ اللهمّ حمدًا حمدًا، وشكرًا لك يا الله شُكرًا شكرًا، أحمد ربِّي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفِره، وأذكره ذكرًا ذكرًا، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً ندِّخرها ليوم المعاد ذُخرًا، وأشهد أنّ نبيّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله أشرفُ الخليقة طُرًّا، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[البقرة:281]، واعلَموا أنّ أصدقَ الحديث كتاب، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنّ يدَ الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
أيّها الإخوة في الله، وأبناءُ الأمة وشبابها وطلاّبها يدلُفُون إلى عامٍ دراسيّ جديد حافِلٍ بجلائِلِ العلوم والمعارف فإنّه ليس بغنيٍّ عن التذكيرِ بأهمّيّة العلمِ الصحيح في الحفاظِ على أمنِ الأمّة الفكريّ، مع تذكير إخواننا المدرِّسين وأخواتنا المدرِّسات بأهمّيّة الرسالة الملقَاة على عواتِقِهم في تربيةِ فلَذات الأكباد وثمرَات الفؤاد والحفاظِ على أمنِهم الفكريّ ومعالجةِ الانحرافات الفكريّة واللّوثات الأخلاقيّة التي قد توجَد لدى بعضهم. فالمساجِد والبيوتُ والمدارس ووسائل الإعلامِ كلُّها قنواتٌ ينبغِي أن تكونَ قِلاع أمنٍ فكريّ وحصونَ أَمانٍ توعويّ، تتهاوى أمام قوّةِ رسالتِها وعظيم تأثيرِها سهامُ الخلَلِ الفكريّ.
كما أنّ الحاجةَ ملحّةٌ إلى وضعِ الضوابط الحازمة للمطبوعاتِ والمنشورات والوقوفِ بحزمٍ ضدَّ تيّارات الغلوّ والغلوِّ المضادّ وتعويدِ أبنائنا لغةَ الحوار وإشاعة ثقافةِ التسامُح والوئام وتَرسيخ منهجِ الوسطيّة والاعتدال.
لا بدّ من العنايةِ بتصحيح المفاهيم وضبطِ المصطلحات الشرعيّة وتنقيَتِها مما خالطَها من المصطلحات المغلوطةِ والمشبوهة، والتصدّي لكلِّ دعوات الانفتاحِ غيرِ المنضبط والتحرّر اللاّمسؤول والسّير وراءَ مصطلحات الغَير واجترارِها على حساب خصوصيّتنا الثقافيّة ومميِّزاتنا الفكريَة.
والدّعوةُ موجّهة إلى كلِّ مَن بوَّأَه الله للولايةِ واتِّخاذِ القَرار في أيِّ ثَغر من ثغورِ الأمّة إلى الاضطِلاع لمسؤوليّاتهم في ذلك، فلم يعدِ الأمر مسؤوليةَ رجال الأمنِ وحدَهم، بل كلٌّ على ثغرٍ من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أي يؤتَى الإسلام من قِبَله.
لقد آن الأوان أن تقومَ مراكز البحوثِ والدراسات وأن تُكوَّن هيئاتٌ عليا بمختَلِفِ التخصّصات لرصدِ كلِّ ما يهدِّد أمنَ الأمة الفكريّ ووضعِ آليّاتِ العمَل المدروسة مع التنسيقِ مع الجهات ذاتِ العلاقة للحِفاظ على أمن الأمة الفكريّ.
وهنا كلمةٌ حقٍّ لا بدّ أن تروَى فلا تطوَى، وهي الإشادةُ بالدّورِ الرائد الذي تضطلِع به بلادُ الحرمين حرسَها الله في حراسة وتعزيزِ جانبِ الأمنِ الفكريّ في الأمّة، فلها فيه القِدح المعلَّى والدّور المجلَّى. وهي مع ما تواجِهه من زوابعَ وحملاتٍ دعائية ومُعادية مصمِّمةٌ بإذن الله على السّير في طريقها، كيف وهي تقِف في خطِّ الدّفاع الأوّل وجهَ التحدّيات المعاصرة بما تقدِّمُه من صورةٍ مشرِقة عن حضارةِ الإسلام العريقة على الرّغم من دعاوَى منظَّمات حقوقِ الإنسان الزّائفة وتعرُّضها لدعاوَى الإرهاب، إنها ثِقة عالِية بمقوِّمات راسِخة وهويّة واضِحة ترفُض التّبعيّة ولا تستسلِم للضغوطِ، فلا تنسَى الماضيّ العريق، وتعمَل للحاضِر المشرِق، وتستشرِف آفاقَ المستقبَل الواعِد بإذن الله، حفِظَها الله وحفِظ بلادَ المسلمين من كيد الكائدين وحِقد الحاقدين، وأدامَ عزَّها وأمنَها منارًا للإسلامِ وقِبلةً للمسلمين ولو كرِه الحاقدون الحاسِدون.
ألا وصلّوا وسلّموا ـ رحمكم الله ـ على الرحمةِ المهداة والنعمة المسداة نبيِّكم محمّد بن عبد الله، فقد أمركم بذلك ربّكم جلّ في علاه فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا[الأحزاب:56].
اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياءِ والمرسلين نبيِّنا محمّد بن عبد الله، وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين وأزواجه الطاهرات أمّهات المؤمنين وعنا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين...
للمزيد من مواضيعي

 

الموضوع الأصلي : الأمن الفكري     -||-     المصدر : مُنتَدَيَاتُ كَلِمَةٍ سَوَاءِ الدَّعَويِّة     -||-     الكاتب : ساعد وطني







توقيع ساعد وطني
الإسلام الصحيح هو الإسلام الذي أنزله الله تعالى على قلب محمّد صلّى الله عليه وسلّم فانتشر دينا محبّبا إلى النفوس، وليس هو ذاك الذي بات عن طريق الغلاة المتنطّعين المتشدّدين سببا من أسباب تخويف المسلمين منه، وتنفير سواهم عنه، وذريعة يستغلّها من يشكّكون في صلاحيّته لكلّ زمان ومكان.


رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :2  (رابط المشاركة)
قديم 09.09.2011, 15:26
صور جادي الرمزية

جادي

مشرف عام

______________

جادي غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 14.08.2010
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.885  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
08.10.2020 (20:27)
تم شكره 130 مرة في 82 مشاركة
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
جزاك الله خيرا اخي الكريم
حياك الله في منتديات كلمة سواء الدعوية
طبت وطاب مقامكم بيننا







توقيع جادي
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ( آل عمران )
جلس أبو الدرداء يبكي بعد فتح جزيرة قبرص لمّا رأى بكاء أهلها وفرقهم، فقيل: ما يبيكيك يا أبا الدرداء في يوم أعزالله به الإسلام؟ فقال: (ويحكم ما أهون الخلق على الله إن هم تركوا أمره بينما هم أمة كانت ظاهرة قاهرة، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترون




رد باقتباس
رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية
النمل, الفكري


الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة موضوعات جديدة
لا تستطيع إضافة رد
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

رمز BB تمكين
رمز[IMG]تمكين
رمز HTML تعطيل

الانتقال السريع

الموضوعات المتماثلة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى ردود آخر مشاركة
اللهم سلمنا لرمضان * إسلامي عزّي * قسم الصوتيات والمرئيات 3 07.03.2024 23:01
هل النمل بيتكلم ابوالسعودمحمود القسم النصراني العام 6 10.01.2011 23:01
اللهم أصلح لى قلبى شذى الإسلام القسم الإسلامي العام 2 16.12.2010 13:57
يعلن اسلامه على الملأ sef_allah_2010 ركن المسلمين الجدد 1 02.12.2009 00:20
الإعجاز في سورة النمل أخت الاسلام الإعجاز فى القرآن و السنة 9 18.06.2009 00:45



لوّن صفحتك :