آخر 20 مشاركات
خطايا يسوع : كيف تعامل الربّ المزعوم مع أمه ؟؟؟؟!!!! (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          تواضروس و هروب مدوي من سؤال لنصراني (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          معبود الكنيسة وغنائم الحرب (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          سرقات توراتية ! (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          أدعية الوتر : رمضان 1445 هجري (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Tarawih _ 2024 / 18 (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Tarawih _ 2024 / 18 (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Ramadán 2024 _ el mes del corán / 18 (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Tarawih _ 2024 / 18 (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          تراويح 1445 هجري : ليلة 18 رمضان (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          النصارى و كسر الوصايا (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          القرآن الكريم يعرض لظاهرة عَمَى الفضاء (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          أفلا أكون عبداً شكوراً (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Ramadán 2024 _ el mes del corán / 17 (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Tarawih _ 2024 / 17 (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Tarawih _ 2024 / 17 (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          Tarawih _ 2024 / 17 (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          تراويح 1445 هجري : ليلة 17 رمضان (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          لماذا يُربط زوراً و بهتاناً الإرهاب و التطرف بإسم الإسلام ؟؟!! (الكاتـب : د/ عبد الرحمن - آخر مشاركة : * إسلامي عزّي * - )           »          كتاب ( خلاصة الترجيح في نجاة المسيح ) أخر ما كتبت في نقد عقيدة الصلب والفداء (الكاتـب : ENG MAGDY - )

والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة

إجابة الأسئلة ورد الشبهات حول القرآن الكريم


رد
 
أدوات الموضوع أنواع عرض الموضوع
   
  رقم المشاركة :1  (رابط المشاركة)
قديم 12.04.2009, 15:18

نور اليقين

عضو

______________

نور اليقين غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 26.03.2009
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 162  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
14.11.2023 (00:53)
تم شكره مرة واحدة في مشاركة واحدة
افتراضي والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة


﴿ عطف المنصوب على المرفوع ﴾




قال الله تبارك وتعالى :﴿ لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيمًا ﴾(النساء: 162) .

أولاً- من الشبهات المزعومة التي أثيرت حول القرآن الكريم ، وما زالت تثار شبهة قوله تعالى :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ من الآية السابقة ، حيث جاء لفظ ﴿ الْمُقِيمِينَ ﴾ منصوبًا بين مرفوعين : الأول : قوله تعالى :﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعلْمِ ﴾ ، والثاني قوله تعالى :﴿ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ . فاعترض المشككون الجهلة في القرآن العظيم والطاعنون الغفلة في إعجازه ، وقالوا : كان يجب أن يرفع :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ ، فيقال :﴿ وَالْمُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ﴾ ؛ لأنه معطوف على المرفوع ، معتمدين في ذلك على ما روي من روايات مغلوطة عن وجود اللحن في القرآن ؛ من نحو ما روي عن سعيد بن جبير- رضي الله عنه- من أنه كان يقرأ :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ ، ويقول :« هو لحن من الكُتَُّاب » . ومثل ذلك ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- وعن أبَّان بن عثمان أن كتابة ﴿ وَالْمُقِيمِينَ ﴾ بالياء كان خطأ من كاتب المصحف » .

أما ما رويَ عن ابن جبير ، إن ثبت عنه ، فإنه لا يريد بلفظ ( لَحْنٍ ) الخطأ- كما هو مفهوم العامة من هذا اللفظ ، أو الخروج على قواعد النحو ؛ وإنما يريد به اللغة ، والوجه في القراءة ، يدل على ذلك ما روِيَ عن عمر- رضي الله عنه- من قوله :« أُبَيٌّ أقرؤنا ، وإنا لندع بعض لحنه » . أي : بعض قراءته ولغته . واللَّحْنُ- كما قال الراغب- صَرْفُ الكلام عن سننه الجاري عليه ؛ إما بإزالة الإعراب ، أو التصحيف ، وهو المذموم ؛ وذلك أكثر استعمالاً . وإما بإزالته عن التصريح ، وصرفه بمعناه إلى تعريض وفحوى ، وهو محمود من حيث البلاغة ؛ وإليه أشار الشاعر بقوله :

منطق صائب ، وتلحن أحيانًا **** وخير الحديث ما كان لحنًا

وإياه قُصِد بقوله تعالى :﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾(محمد: 30) ، وعليه يُحمَل قول سعيد بن جبير ، بدليل أنه نفسه كان يقرأ :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ بنصِّ الرواية السابقة . فلو كان يريد باللحن الخطأ ، ما رضي لنفسه هذه القراءة . وكيف يرضى أن يقرأ بما يعتقد أنه خطأ ، وهو من أتقى الناس وأفصحهم ؟!

وأما ما نسب إلى عائشة- رضي الله عنها- وعن أبان بن عثمان فهو مردود بما ذكره أبو حيان في البحر المحيط ؛ إذ قال ما نصه :« ولا يصح ذلك عنهما ؛ لأنهما عربيان فصيحان » . وقال الزمخشري :« لا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه خطأً في خط المصحف . وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب ، ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان ، وغَبِيَ عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام ، وذبِّ المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة يسدها من بعدهم ، وخرقًا يرفوه من يلحقهم » . ويعني بقوله :« من لم ينظر في الكتاب » : كتاب سيبويه ؛ فإن اسم الكتاب علم عليه ، ولجهل من يقدم على تفسير كتاب الله ، وإعراب ألفاظه بغير أحكام علم النحو .

ومن قبل الزمخشري وأبي حيَّان قال الزجَّاج في قوله :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ :« قولُ مَنْ قال إنه خطأٌ بعيد جدًّا ؛ لأن الذين جمعوا القرآن هم أهلُ اللغة والقُدْوَةُ ، فكيف يتركون شيئًا يُصلِحه غيرُهم ؟ فلا ينبغي أن يُنْسَبَ هذا إليهم » .

ثانيًا- ومناسبة هذه الآية لما قبلها أن الله تعالى لما حكى عن اليهود أنهم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾(النساء: 153) ، وذكر تعالى بعده أنهم لا يطلبون ذلك لأجل الاسترشاد ؛ ولكن لأجل العناد واللجاج ، وحكى أنواعًا كثيرة من فضائحهم وقبائحهم وتماديهم في الغي وتوغُّلهم في الضلالة ، حتى أوهم ذلك أنه لا يُرجَى لأحد منهم بعد ذلك خير ولا صلاح ، بين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة الفئة القليلة الناجية منهم من العذاب الأليم الذي توعَّد به الكفرة منهم ، فقال سبحانه :

﴿ لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيمًا ﴾(النساء: 162) .

فذكر تعالى من هذه الفئة القليلة الناجية : الراسخين في العلم من اليهود ، والمؤمنين ، والذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويؤمنون بالله وباليوم الآخر .. ذكرهم جميعًا بصفة الفاعلين لدلالتها على معنى الثبوت والاستمرار ، ثم أشار تعالى إلى الجميع بقوله :﴿ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيمًا ﴾ ؛ وذلك مقابل قوله تعالى :﴿ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾(النساء:161) .

ثالثًا- واتفق العلماء على أن المراد من قوله تعالى :﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ منهم ﴾ الذين آمنوا من علماء اليهود ، وهم الذين رسخوا في العلم ، وعرفوا حقيقته ، فأوصلهم ذلك إلى الإيمان ، ثم اختلفوا في المراد من قوله تعالى :﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ ، ومن قوله تعالى :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ الذين ذكروا بعدهم على قولين :

أحدهما : أن المؤمنين هم الراسخون في العلم أنفسهم ، وصفوا أولاً بكونهم راسخين في العلم ، ثم بكونهم مؤمنين بجميع ما أنزل من الكتب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم وصفوا بكونهم عاملين بما في هذه الكتب من الأحكام ، واكتُفِيَ من بينها بذكر إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ؛ لأنهما أفضل العبادات البدنية والمالية ، ثم وصفوا بكونهم مؤمنين بالله واليوم الآخر ، والمعنى : ولكن الراسخون في العلم ، وهم المؤمنون يؤمنون بالكتب المنزلة جميعها ، وأعني المقيمين الصلاة ، وهم المؤتون الزكاة ، والمؤمنون بالله واليوم الآخر .

والقول الثاني : أن المؤمنين غير الراسخين في العلم ، والمراد بهم المهاجرون والأنصار من المسلمين . أما المقيمون الصلاة فالمراد بهم الأنبياء ، أو الملائكة ، والمعنى : لكن الراسخون في العلم من اليهود ، والمؤمنون من الأنصار والمهاجرين يؤمنون بما أنزل من الكتب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وبالمقيمين الصلاة ( الأنبياء ، أو الملائكة ) ، وهم المؤتون الزكاة ، والمؤمنون بالله واليوم الآخر .

وقد انبنى على هذا الخلاف في تأويل الآية الكريمة خلاف آخر في إعرابها ، وتوجيه قوله تعالى :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ ، فأكثروا في ذلك القول مع إجماعهم على صحته ، وقد اختلفت في ذلك آراؤهم ، واضطربت أقوالهم . والمشهور من تلك الأقوال قولان :

أحدهما : أن ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ مبتدأ ، خبره جملة ﴿ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ . و﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ مبتدأ مقطوع مما قبله عند سيبويه ، خبره جملة ﴿ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ . أو خبر لمبتدأ محذوف عند جمهور البصريين والمتأخرين ، تقديره : وهم المؤمنون ، وجملة ﴿ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ حال منهم ، مبينة لكيفية إيمانهم . وعلى القولين تكون الجملة معترضة بين الراسخين في العلم ، وخبره .

وأما ﴿ الْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ فمذهب سيبويه وجمهور البصريين أنه منصوب على سبيل القطع بفعل مضمر ، تقديره : أمدح . أي : وأمدح المقيمين الصلاة . أو : أخصُّ . أي : وأخصُّ المقيمين الصلاة ؛ وذلك إظهارًا لمزيَّة الصلاة ، وبيانًا لفضل المقيمين لها . فعلى الأول يكون منصوبًا على المدح ، وعلى الثاني يكون منصوبًا على الاختصاص . والجملة على القولين معترضة بين المتعاطفين . و﴿ الْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ مبتدأ ، خبره جملة ﴿ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ . أو : خبر لمبتدأ محذوف . أي : وهم المؤتون الزكاة ، وارتفاعه- على الوجهين- على سبيل القطع للمدح . و﴿ الْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ اسم معطوف عليه . و﴿ أُوْلَـئِكَ ﴾ مبتدأ ، خبره جملة ﴿ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر عن الراسخين في العلم .

والقول الثاني : أن ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ مبتدأ ، و﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ اسم معطوف عليه ، وجملة ﴿ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ حال منهم . و﴿ الْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ اسم مجرور بالياء ، معطوف على ﴿ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ ﴾ . أي : والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ، وبالمقيمين الصلاة ، على أن المراد بهم : الأنبياء ، أو الملائكة . أما ﴿ الْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ فهو اسم معطوف على ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ ، و﴿ الْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ اسم معطوف على ﴿ الْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ ، وجملة ﴿ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ خبر عن ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ .

وواضح مما تقدم أن ﴿ الْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ منصوب على القطع عند سيبويه وجمهور البصريين بفعل مضمر ، ومجرور عطفًا على ﴿ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ ﴾ عند الكسائي ، وجمهور الكوفيين . وأن ﴿ الْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ مرفوع على القطع ؛ إما مبتدأ ، أو خبر لمبتدأ محذوف عند جمهور البصريين ، واسم معطوف على ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ عند الكسائي وجمهور الكوفيين . واختار الإمام الطبري هذا القول على أنه أولى الأقوال بالصواب ، مع أن القول الأول هو اختيار جمهور المفسرين والنحويين .

وكان الدكتور فاضل السامرائي قد سئل في ( لمسات بيانية ) عن وجه مخالفة ﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ ما قبله وما بعده في الإعراب ، فجمع في جوابه بين قول البصريين ، وقول الكوفيين .. فبعد أن أعرب ﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ منصوبًا على القطع للمدح ، وهو قول البصريين ، أعرب ﴿ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ اسمًا معطوفًا على ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ ، وهو قول الكوفيين ، وهو مما لا يجيزه البصريون . قال أبو حيان :« وارتفع ﴿ وَالْمُؤْتُونَ ﴾ أيضًا على إضمار و( هم ) على سبيل القطع إلى الرفع . ولا يجوز أن يعطف على المرفوع قبله ؛ لأن النعت إذا انقطع في شيء منه ، لم يعد ما بعده إلى إعراب المنعوت » .

رابعًا- وقي الجواب عن ذلك كله نقول بعون الله وتعليمه :

1- أما تأويل الآية فظاهر اللفظ يدل على أن ﴿ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ غير ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ ، وإن كان الراسخون في العلم مؤمنون مثلهم ، والمراد منهم : المؤمنون من اليهود الذين هداهم الله تعالى للإيمان ، من غير الراسخين في العلم منهم ، وقد ذكر الله تعالى كلاً منهم بصفته الغالبة عليه ، والتي تميزه من الآخر ، وهم جميعًا يمثلون الفئة القليلة المؤمنة التي استثنيت من اليهود الذين حكم الله تعالى عليهم بالكفر والضلال وتوعدهم بالعذاب الأليم .

ويتضح لنا ذلك إذا علمنا أن اليهود قسمان : قسم غيروا وبدلوا وماتوا على ذلك ، فهم كفرة . وقسم لم يغيروا ويبدلوا وماتوا قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم مؤمنون ، وهؤلاء لهم أجر واحد . وقسم أدركوا بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإيمان فلم يؤمنوا به ، فهم كفار . وقسم آمنوا به ، وهؤلاء لهم أجران : أجر الإيمان بنبيهم ، وأجر الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم . وقد ورد ذلك في حديث صحيح عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ثلاثة لهم أجران » ، وذكر منهم :« رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ، وآمن بمحمد » . رواه البخاري ومسلم والترمذي وحسنه ، ولفظه عند الترمذي : « ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين » .. منهم :« رجل آمن بالكتاب الأول ثم جاء الكتاب الآخر فآمن به ، فذلك يؤتى أجره مرتين » .

وهؤلاء الذين يؤتون أجرهم مرتين منهم ﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ ، ومنهم ﴿ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ من غير الراسخين في العلم ، وقد أخبر تعالى عنهم ، وعن الراسخين في العلم بقوله :﴿ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ ، ويدخل فيهم الذين ماتوا منهم قبل البعثة النبوية دخولاً أوليًّا ، ثم خصَّ الله تعالى بالذكر منهم ﴿ الْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ ، وأشار إلى الجميع بقوله تعالى :﴿ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ .

وفي قصر هؤلاء الموصوفين جميعهم على الراسخين في العلم ظلم كبير لغيرهم من المؤمنين من غير الراسخين في العلم ؛ إذ لا يعقل أن يكون كل مؤمن بما أنزل الله تعالى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام راسخًا في العلم . وهذا النوع من المؤمنين من الأمم الغابرة كثير ؛ كاليهودي الذي كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآمن به ، ومؤمن قوم فرعون ، ومؤمن ياسين ، وأصحاب الكهف والرقيم .. وغبرهم .

و﴿ الرَّاسِخُونَ ﴾ جمع : راسخ . وحقيقة الرَّاسخ : الثابت القدم في المشي لا يتزلزل ، واستعير اللفظ هنا للتمكُّن من الوصف في العلم ، بحيث لا تغرُّهم الشُّبَهُ ، وأنهم بعيدون عن التكلُّف والتعنُّت ، فليس بينهم وبين الحق حجاب ؛ فهم راسخون في علم الكتاب مستبصرون ، لا يعترضهم شك ، ولا تزلزلهم شبهة ، إيذانًا بأن ذلك موجب للإيمان ، وأن من عداهم إنما بقوا مصرين على الكفر ، لعدم رسوخهم فيه ؛ بل هم كريشة في بيداء الضلال تقلبهم زعازع الشكوك والأوهام .

وسئل مالك بن أنس عن الراسخ في العلم ، فقال :« العالم العامل بما علم ، المتبع لما علم » . وقيل :« الراسخ في العلم : من وجد في علمه أربعة أشياء : التقوى بينه وبين الله . والتواضع بينه وبين الخلق . والزهد بينه وبين الدنيا . والمجاهدة بينه وبين نفسه » . والراسخون في العلم هم الذين ﴿ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾(آل عمران: 7) . قال مجاهد والسدي وابن عباس رضي الله عنهما :« بقولهم :﴿ آمَنَّا بِهِ ﴾ ، سمّاهم الله تعالى راسخين في العلم » . فرسوخهم في العلم هو قولهم :﴿ آمَنَّا بِهِ ﴾ . أي : بالمتشابه . وذكروا منهم من علماء بني إسرائيل أربعة : عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعيه ، وأسد بن سعيه ، وأسد بن عبيد ، فهؤلاء دخلوا في الإسلام ، وصدقوا النبي عليه الصلاة والسلام .

وفي ذكر العلم الراسخ ، بوصفه طريقًا إلى المعرفة الصحيحة ، لفتة من اللفتات القرآنية التي تصور واقع الحال التي كانت يومذاك ؛ كما تصور واقع النفس البشرية في كل حين . فالعلم الراسخ كالإيمان المنير كلاهما يقود أهله إلى الإيمان بالدين كله ، وكلاهما يقود إلى توحيد الدين الذي جاء من عند الله الواحد ، وهو المراد من قوله تعالى :﴿ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ ؛ ولهذا قدموا في الذكر على غيرهم .

ثم خصَّ الله تعالى بالذكر منهم :﴿ الْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ ، وابتدأ من هؤلاء الثلاثة بالمقيمين الصلاة ؛ لأن الصلاة أفضل العبادات البدنية التي شرعت لذكر الله تعالى ، وثنَّى بالمؤتين الزكاة ؛ لأن الزكاة أفضل العبادات المالية ، ومجموعهما التعظيم لأمر الله تعالى ، والشفقة على عباد الله تعالى . ثم ذكر تعالى بعدهما المؤمنين بالله تعالى واليوم الآخر ، فأفاد ذلك علمهم بالمبدأ والمعاد . أما علمهم بالمبدأ فهو المراد من قوله تعالى :﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ﴾ . وأما علمهم بالمعاد فهو المراد من قوله تعالى :﴿ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ .

2- وأما إعراب الآية فقوله تعالى :﴿ لكِنْ ﴾ لاستدراك ما بعدها مما قبلها ، بيانًا لكونه على خلاف حاله عاجلاً وآجلاً ، ومجيؤها هنا في غاية الحسن ؛ لأنها داخلة بين نقيضين وجزائهما ؛ وهم الكافرون وما أعدَّ لهم من العذاب الأليم ، والمؤمنون وما أعد لهم من الثواب العظيم . و﴿ الرَّاسِخُونَ ﴾ مرتفع على الابتداء ، و﴿ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ عطف عليه ، وجملة ﴿ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ خبر عنهما جميعًا . وفي عطف المؤمنين على الراسخين في العلم ثناءٌ عليهم بأنهم لم يسألوا نبيهم أن يريهم خوارق الآيات كما سأله الجهلة من قومهم ؛ فلذلك قال تعالى :﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ . أي : جميعهم .

وأما قوله تعالى :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ فقرأه الجمهور بالياء ، وقرأه جماعة بالواو هكذا :﴿ وَالْمُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ﴾ ؛ منهم أبو عمرو بن العلاء في رواية يونس وهارون عنه , ومالك بن دينار ، والجحدري ، وعيسى الثقفي ، وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود ، ولكل من القراءتين وجه صحيح فصيح في لغة العرب .

1- أما القراءة بالواو :﴿ وَالْمُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ﴾ فخرِّجت على العطف ، وجوَّزوا فيه أوجهًا ؛ أشهرها : أن يكون ﴿ الْمُقِيمُونَ ﴾ معطوفًا ، على ما تقدم من قوله تعالى :﴿ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ ، وعليه فلا إشكال في الآية على هذه القراءة .

2- وأما القراءة بالياء :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ فلعل أحسن ما يقال في تخريجها أن ﴿ الْمُقِيمِينَ ﴾ منصوب على المدح بفعل مضمر لا يجوز إظهاره ، تقديره : أعني ، أو أذكر ، أو أمدح المقيمين الصلاة . وكان الأصل فيه أن يكون مرفوعًا بالواو- كما جاء في القراءة الأولى وفي مصحف ابن مسعود رضي الله عنه ؛ ولكن عدل به من الرفع إلى النصب في قراءة الجمهور ، إظهارًا لمزيَّة الصلاة ، وبيانًا لفضل المقيمين لها . قال صاحب كتاب إعراب القرآن وبيانه :« النصب على المدح ، أو العناية لا يأتي في الكلام البليغ إلا لنكتة . والنكتة هنا هي إظهار مزية الصلاة ؛ كما أن تغيير الإعراب في كلمة بين أمثالها يُنبِّه الذهن إلى وجوب التأمل فيها ، ويهدى إلى التفكير لاستخراج مزيَّتها ، وهو من أركان البلاغة ... ونظيره في النطق أن يغير المتكلم جرس صوته ، وكيفية أدائه للكلمة التي يريد تنبيه المخاطب لها ؛ كرفع الصوت ، أو خفضه ، أو مده بها » .

ولما كانت الصلاة من أفضل العبادات التي لم تنفك شريعة منها ، وإن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع- كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى :﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فعل الخيرات وإقام الصلاة ﴾(الأنبياء: 73) - أمر الله تعالى المؤمنين على الإطلاق بإقامتها ، بعد أن جعلها عليهم فرضًا موقوتًا ؛ وذلك لأثرها العظيم في تهذيب النفوس ، والسُّمُوِّ بها إلى الملكوت الأعلى ، فقال سبحانه وتعالى :﴿ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾(النساء: 103) . تأمل كيف قال :﴿ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾، ولم يقل :( فَصَلُّوْا ) .

وهكذا كل موضع أمر الله تعالى فيه بفعل الصلاة أو حثَّ عليه ، ذكره بلفظ الإقامة ، وكل موضع مدحَ الله تعالى فيه المؤمنين المصلين مدحهم فيه بلفظ ﴿ الْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ ؛ كما في هذه الآية ، وكما في قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ ﴾(الحج: 35) . ولم يقل سبحانه :( المُصَلِّينَ ) إلا في المنافقين ؛ كما في قوله تعالى :﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ﴾(الماعون: 5) . وأما قوله :﴿ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى ﴾(النساء : 142) فإن هذا من القيام ، لا من الإقامة .

وإقامة الصلاة هي من الإقامة في المكان . أي : الثبات فيه . وإقامة الشيء : توفية حقه . قال تعالى :﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ﴾(المائدة: 68) . أي : حتى توفون حقوقهما بالعلم والعمل ؛ ولهذا خص الله تعالى لفظ ( الإقامة ) في الصلاة بالذكر ؛ تنبيهًا أن المقصود من فعلها هو توفية حقوقها وشرائطها ، لا الإتيان بهيئتها فقط . وقد لخِّص تفسير الإقامة في أربع : أن تؤدَّى الصلاة في أول وقتها . وأن تكون مع الجماعة في المسجد . وأن تكون تامة كاملة الأركان ؛ قراءة وركوعًا وسجودًا وخشوعًا . وألا تصاحبها المعاصي التي تضيع ثوابها . هذه الأربعة هي ما تقام بها الصلاة ؛ كما أمر الله تعالى ، وبغيرها تكون صلاة ، ولا تكون إقامة صلاة .

فإذا تأملت ما تقدم ، تبين لك أن ﴿ الْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ هم المؤدُّون للصلاة بكامل ما يجب لها من طهارة ومبادرة وخشوع وتمكن . ومن هنا كانوا جديرين بأن يُمدَحوا من الله جل وعلا هذا المدح العظيم ، ويُكْسَى لفظُهم حلَّة النصْب ؛ ليهون عليهم النصَبُ من إقامتهم الصلاة على وجهها ، انتصابًا بين يدي الحق عز وجل ، وانقطاعًا عن السِّوَى ، وتوجُّهًا إلى المولى جل جلاله ، وفي ذلك كله ما يشير إلى اتصالهم بأعلى المراتب . فإذا عرفت ذلك ، انكشف لك سر مخالفة لفظهم في الإعراب لما قبله ، وما بعده . وهذا مما لا يفهمه الأعاجم الذين يطعنون في لغة القرآن ، ولا يدركه إلا من خصَّه الله تعالى بالفهم الصحيح من الناطقين بهذه اللغة التي اختارها الله تعالى لقرآنه العظيم .

3- وأما قوله تعالى :﴿ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ فهو معطوف على قوله :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ ، وهو من عطف المرفوع على المنصوب . وإنما جاز هذا عطف ؛ لأن الأصل في ﴿ الْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ أن يكون مرفوعًا ، وعدل به إلى النصب- على ما تقدم بيانه- تنبيهًا على أهمية الصلاة ، وإظهارًا لمزيتها ، ومدحًا للمقيمين لها . ومثل هذا العطف كثير في القرآن الكريم ، وأكثر ما يكون في عطف المفردات ؛ كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ﴾(المائدة: 69) ، حيث عطف فيه ﴿ وَالصَّابِئُونَ ﴾ على موضع ﴿ الذِينَ آمَنُوا ﴾ .

أما آية النساء التي نحن بصدد الحديث عنها فالعطف فيها هو من عطف الجمل ، حيث عطفت جملة :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ على جملة :﴿ لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ .

وإلى نحو هذا القول في توجيه الآية ذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي أستاذ سيبوبه ، حكى ذلك عنه سيبويه ، فقال :« وزعم الخليل أن نصب هذا على أنك لم تُرِد أن تحدِّث الناس ، ولا مَنْ تخاطب بأمر جهِلوه ؛ ولكنهم قد علموا من ذلك ما قد علمت ، فجعلته ثناء وتعظيمًا ، ونصبه على الفعل ؛ كأنه قال : أذكر أهل ذلك ، وأذكر المقيمين ؛ ولكنه فعل لا يستعمل إظهاره » .

فقوله :« أذكر أهل ذلك » يعني به قوله تعالى :﴿ لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ . وقوله :« وأذكر المقيمين » يعني به قوله تعالى :﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ . ويبدو هذا القول لمن تدبره حق تدبره أفضل ما قيل في تأويل هذه الآية الكريمة التي اختلفت الآراء ، واضطربت الأقوال في تأويلها وتوجيهها .. والله تعالى أعلم !

بقي أن نشير إلى أن قوله تعالى :﴿ أُولَئِكَ ﴾ مبتدأ ، خبره جملة ﴿ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ ، والجملة من المبتدأ والخبر استئناف مُبيِّن لما تقدم من أوصاف وصف الله تعالى بها تلك الفئة المؤمنة الناجية من العذاب الذي أعده الله تعالى للكفرة من اليهود ، وليست خبرًا لهم ، ومثلها في القرآن كثير ؛ كقوله تعالى بعد أن عدَّد صفات المنافقين :﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾(البقرة: 16) ، وقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾(الشورى:42) .

وفي الإشارة إليهم بـ﴿ أُولَئِكَ ﴾ دليل على عُلُوِّ منزلتهم جميعًا عند الله تعالى . والسين في قوله تعالى :﴿ سَنُؤْتِيهِمْ ﴾ لتوكيد الوعد ، وتنكير ﴿ أَجْرًا ﴾ للتفخيم . ولا يخفى ما في هذا من المناسبة التامة بين طرفي الاستدراك ، حيث أوعد الأولين بالعذاب الأليم ، ووعد الآخرين الذين امتدحهم بالأجر العظيم .. نسأله سبحانه أن يجنبنا الزلل في القول والفعل ، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، والحمد لله رب العامين .
للمزيد من مواضيعي

 







آخر تعديل بواسطة سيف الحتف بتاريخ 05.12.2009 الساعة 21:30 . و السبب : تعديل اللون
رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :2  (رابط المشاركة)
قديم 14.04.2009, 06:19
صور خادم المسلمين الرمزية

خادم المسلمين

عضو

______________

خادم المسلمين غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 30.03.2009
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 471  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
30.04.2011 (12:04)
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة
ممتاز الرد على الموضوع


بسم ِ الله ِ الرحمن ِ الرحيم
الحمدُ لله ِ ربّ ِ العالمين
اللهـُـم َّ صَــلّ ِ وسلّم وبارِك علــى سيدنا مُحَمَّــد وعلى آله ِ وصحبه ِ أجمعين
جزاك الله خيرا

أحسن الله إليك وبارك لك وفيك وفقهك وعلمك ونفعك ونفع بك .. اللهم آمين







توقيع خادم المسلمين
نحن -المسلمين-
بفضل الله تعالى بنينا مجدَ الأكارم
وبكتابه الكريم أضأنا وجهَ العوالم
وبسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم أقَمنا عهدَ الحواسم
وكلّ من تُسوّلُ له نفسُه التطاولَ سُقناه سوقَ السوائم
وليصبر -إنِ استطاع- على
حَزّ الغلاصِم وقطع الحلاقِم ونكز الأراقِم ونهش الضراغِم والبلاء المتراكم المتلاطم ومتون الطوارِم


رد باقتباس
رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية
المؤتون, المقيمين, الرد, الصلاة, الزكاة, القرآن, شبهة


الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار )
 
أدوات الموضوع
أنواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة موضوعات جديدة
لا تستطيع إضافة رد
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

رمز BB تمكين
رمز[IMG]تمكين
رمز HTML تعطيل

الانتقال السريع

الموضوعات المتماثلة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى ردود آخر مشاركة
مقارنة بين الصلاة في المسيحية و الصلاة في الاسلام nouro-al-iman القسم النصراني العام 8 18.10.2013 07:42
حكم الشرع فى ساب النبى عليه الصلاة والسلام ابو اسامه المصرى ركن الفتاوي 2 18.02.2012 10:20



لوّن صفحتك :