حقها في الميراث
كانت المرأة في الجاهلية ، تابعاً للرجل في
كل شيء ، مسلوبة الحق والإرادة ، حتى قال عمر بن الخطاب: (والله أن
كنا في الجاهلية لا نعد للنساء أمراً ، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل
، وقسم لهن ما قسم) ، ووصل الأمر في بعض القبائل إلى حد جعلها
كالمتاع ، تورث كما يورث ، وتنتقل إلى الورثة كما ينتقل ، وكانوا
يحرمونها من كثير من الحقوق ، ويرون أنها ليست أهلاً لتلك الحقوق.
ومما سلبته الجاهلية المرأة الميراث ، فقد
كانوا يرون أنها لا تستحق أن ترث من أقاربها شيئاً ، لأنها لا تحمل
السيف ، ولا تحمي البيضة ، ولا تحوز الغنيمة ، لذا كان الميراث
وقفاً على ذوي البلاء في الحروب ، من الأولاد الذكور وحدهم ، يأخذه
الأكبر فالأكبر ، ولأن المال الذي يعطى لها يذهب إلى الغرماء الذين
تزوجت إليهم ، وقد يكونون من الأعداء ، وهم حريصون على أن يبقى
مالهم في أسرهم ، فكانوا يحرمونها من الميراث ، ومن أي حق مالي آخر
كالمهر والوصية وغيرهما.
ومن أجل ذلك:
جاء الإسلام والمرأة تعامل هذه المعاملة
الجائرة ، فأزال عنها ذلك الحيف وأبعد الظلم ، وقرر لها نصيباً من
الميراث ، حقاً مفروضاً ، خالصاً لها ، لا منَّة فيه لأحد ولا فضل
، ونزل القرآن يقرر مبدأ حقها في الميراث: (للرجال نصيب مما ترك
الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما
قل منه أو كثر ، نصيباً مفروضاً) ، فكان هذا قلباً كاملاً للأوضاع
السائدة ، وتغييراً جذرياً لمألوفات الأحقاب والقرون ، وتحطيماً
لشرع البيئة ، وتقاليدها القائمة على الفروسية وحماية الذمار ، صار
للمرأة نصيب في الميراث ، بعد أن كانت هي نصيباً من الميراث ،
وأصبحت تملك وتتصرف في ملكها بعد أن كانت هي مملوكة.
وتوالت الآيات تفصل نصيب كل وارث ، وتبين
مقداره ، وقد كان لهذا التغيير الجذري للموروثات والتقاليد أثره في
المجتمع المسلم ، حتى إن بعضاً من المسلين دهشوا لهذا التكريم
البالغ ، والعطاء السخي للمرأة ، ووقع الأمر من نفوس بعضهم موقع
الاستغراب والتساؤل ، فقالوا: (تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى
الابنة النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس أحد من هؤلاء يقاتل
القوم ، ولا يحوز الغنيمة؟) ، وبذلوا محاولات لعله يكون تغيير أو
رجوع ، ولكن ما أمضاه الله لن يرجع عنه ، وما حكم به لن يغير.
عن ابن عباس في قوله تعالى: (يوصيكم الله في
أولادكم ، للذكر مثل حظ الأنثيين) ، وذلك أنه لما نزلت الفرائض
التي فرض الله فيها للولد الذكر ، والأنثى ، والأبوين ، كرهها
الناس أو بعضهم وقالوا: تعطى المرأة الربع أو الثمن ، وتعطى الابنة
النصف ، ويعطى الغلام الصغير ، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ،
ولا يحوز الغنيمة؟!! اسكتوا عن هذا الحديث ، لعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيُغيّر ، فقالوا: يا رسول الله
تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل
القوم ، ويعطى الصبي الميراث ، وليس يغني شيئاً ، وكانوا يفعلون
ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه
الأكبر فالأكبر ..
وبهذا قضى الإسلام على ظُلامة من ظُلامات
الجاهلية للمرأة ، عاشت أسيرة لها قروناً طويلاً ، عانت بسببها
كثيراً من تبعيتها للرجل وتسلطه عليها وتحكمه بها.
وقد بنى الإسلام توزيع الأنصاب على الورثة
على قاعدة: (للذكر مثل حظ الأنثيين) ، وهو عادل في ذلك ومنصف كل
الإنصاف ، وهذا متفق مع عدالة الإسلام في توزيع الأعباء والواجبات
، فهو يلزم الرجل في مقابل ذلك بأعباء ، وواجبات مالية ، لا تلزم
بمثلها المرأة: (فالرجل يتزوج ويدفع المهر ، ويؤثث البيت ويعد
السكن ، والمرأة تتزوج ويدفع لها المهر ، ويؤثث لها البيت ويعد
السكن ، والرجل يتزوج فيعول امرأة (زوجته) وأولاداً.
والبنت تتزوج فيعولها الرجل ، ولا تعوله ولا
تكلف بشيء من ذلك: ولو كانت ثرية وهو فقير.
البنت في حال الصغر نفقتها على أبيها أو
أخيها أو قريبها الذكر ، وفي الكبر على زوجها ، والابن في حال
الكبر ، يعول نفسه وأسرته ، ومن لا عائل له من أهله وذويه.
نفقة أولادها بعد الزواج على أبيهم ، بخلاف
نفقة أولاد الابن فإنها عليه.
الرجل يتحمل نفقات الضيافة والعقل ، والجهاد
والمغارم ، والمرأة لا تتحمل شيئاً من ذلك.
فقد وضع الإسلام في اعتباره تلك الأعباء
والتكاليف والالتزامات التي كلف بها الرجل حين أعطاه ضعف نصيب
الأنثى في الميراث ، ولو دقق النظر في مقدار ما يخسره الرجل من
المال ، للقيام بتلك الأعباء والتكاليف ، لعرفنا أن الإسلام كان
كريماً متسامحاً مع المرأة حين طرح عنها كل تلك الأعباء وألقاها
على كاهل الرجل ، ثم أعطاها نصف ما يأخذ.
والمرأة بهذا التشريع الكريم ربحت من
جانبين:
الأول: قرر لها حقاً في الميراث ، ولم يكن
لها شيء من ذلك في الجاهلية.
الثاني: قدر لها هذا الحق بنصف نصيب الذكر ،
مع طرح كافة الأعباء والالتزامات المالية عنها.
ومن هنا يظهر مقدار تكريم الإسلام لها ،
وتقديره إياها وفضله عليها.