آخر 20 مشاركات
جدول عملي ليوم عرفة (الكاتـب : د/مسلمة - آخر مشاركة : * إسلامي عزّي * - )           »          فضائل يوم عرفة (الكاتـب : نور عمر - آخر مشاركة : * إسلامي عزّي * - )           »          Mecca the forbiden city (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          الأضحية هي قربان لله أم للأوثان ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          حقوق الأجراء و الخدم في الإسلام (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          The Heritage Of Abraham PBUH (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          تلاوة عشائية ساحرة بصوت خالد الرياعي (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          الفيلم الوثائقي : كسوة الكعبة المشرفة (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          مكّة المكرّمة : أورشليم - مدينة السلام الموعودة ! (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          مسيحية تمزق على الهواء كتابها المقدس (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          من الذبيح ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          القطف الجني لتلاوات الشيخ عبدالله الجهني : شهر شوال 1445هجري (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          نص خروج 33 : 11 يسقط الهولي بايبل في التناقض (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          لمحات مكية : كثرة أسماء الكعبة المشرّفة (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          لمحات مكية : ماء زمزم (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          حنين الجذع للنبي حقيقة أم خرافة ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          فإلهكم إلهٌ واحد (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          هل يشمل العهد الإبراهيمي إسماعيل و نسله ؟؟؟ (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          ملة أبيكم إبراهيم (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )           »          الإعجاز الغيبي في الإخبار عن حشّاشي الهرمنيوطيقا (الكاتـب : * إسلامي عزّي * - )


رد
 
أدوات الموضوع أنواع عرض الموضوع
   
  رقم المشاركة :61  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:38
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي



عندما يطغَى العنادُ والجحود على العقل والمنطق !



سُئِل أعرابيٌّ من البادية : كيف عرفتَ أنَّ اللَّه موجود ؟
فأجاب بفطرته السَّليمة : البَعْرةُ تَدُلُّ على البعير , والخَطْوُ يَدلُّ على المسِير . سماءٌ ذات أبراج , وأرضٌ ذات فجاج , وبحارٌ ذات أمواج , أفلا يدلُّ ذلك على اللَّطيف الخبير ؟!
كلُّ النَّاس , بمختلف عقائدهم , يؤمنون في أعماقهم بوُجود خالقٍ لهذا الكون ! فالطَّالبُ لحظةَ الإعلان عن النَّتائج , والغريقُ وهو يصارع الأمواج , والأمُّ عند سماعها أنَّ حادثة خطيرة وقعتْ لابنتها , والرَّجُل وقد أحاطت به النِّيران من كلِّ جانب , كلُّهم يجدون أنفسهم في تلك اللَّحظات يتضرَّعون إلى اللَّه : يا ربّ , يا ربّ ! لكن , ما أن تَمُرَّ الأزمة حتَّى يعود الكافر إلى جحوده وكُفره !
يقول اللَّه تعالى : { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 63 قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ 64 قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ 65 } (6- الأنعام 63-65) .
ويقول تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ 22 فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 23 } (10- يونس 22-23) .
ويقول تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ 30 أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ 31 وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ 32 } (31- لقمان 30-32) .

نعم , هذه هي طبيعة الكافر : عندما يُحيطُ به الخطَرُ من كلِّ جانب وتنقطع به الأسباب , لا تجد على لسانه سوى كلمة : يا ربّ , يا ربّ ! لكن , ما أن يُنعم عليه اللَّهُ بالنَّجاة , حتَّى يطغى على نفسه الجحودُ والعناد , فينسبُ الفضلَ في خَلاصه إلى أيِّ شيء آخر سوى .. اللَّه !
وأشدّ من هذا جحودًا : مَنْ يَضَعُ اللَّهُ في طريقه أسبابًا للإيمان , ولكنَّه عِوَضَ أن يَستغِلَّها , يزدادُ على العكس عنادًا وكُفرًا !
مثال ذلك : فرعون وقومه الذين ذكَر اللَّهُ قصَّتهم في القرآن . يقول تعالى مخاطبًا نبيَّه موسى عليه السَّلام : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 12 فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ 13 وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 14 } (27- النّمل 12-14) .
فهؤلاء أنكَرُوا بأفواههم أن يكون ما رأَوْهُ معجزات من عند اللَّه , ولكنَّهم كانُوا في قرارة أنفسهم مُتَيقِّنين أنَّها فعْلاً من عنده , ومَنعَهُم كِبْرُهم من الإقرار علانيةً بهذا .
والتِّسْع معجزات المشار إليها في هذه الآيات , هي : عصا موسى التي تحوَّلتْ إلى حَيَّة فالْتهَمتْ حِبالَ السَّحَرة , والتي ضرب بها موسَى البحْر فانفلقَ إلى نِصْفَين , ويَده التي كان يُدخِلُها في جَيْبه فتخرج بيضاء . أمَّا السَّبع معجزات الأخرى , فقد ذكَرها اللَّهُ تعالى في الآيات التَّالية : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 130 فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ 131 وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ 132 فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ 133 وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ 134 فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ 135 فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ 136 } (7- الأعراف 130-136) .
ذلك أنَّ النَّبيَّ موسى عليه السَّلام لَمَّا هَزم فرعونَ والسَّحرة على الملَأ (وقد تعرَّضنا للقصَّة سابقًا) , أمَّا السَّحرةُ فآمنُوا على الفَوْر بموسى وبإلهه , وأمَّا فرعونُ وقومُه من الأقباط فاستكْبَرُوا وأصرُّوا على الكُفْر .
فمِنْ حِلْم اللَّه تعالى أنَّه لم يُرِدْ أن يُعجِّلَ لهم العذاب , وهو القادرُ على ذلك , فأرسلَ لهم الدَّلائلَ المتتابعة على قُدْرته , لكي يُقيمَ الحُجَّة عليهم . فبَدأَهم بسِنينَ من الجفاف وقِلَّة الثِّمار , لكنَّهم لم يَرْتَدعُوا . بل كانُوا إذا خفَّفَ اللَّهُ عنهم الشِّدَّة لبعض الوَقْت , قالُوا : هذا ما يليقُ بنا وما نستحقُّه ! فإذا عاد الجفاف ونَقْص الثِّمار , قالُوا : هذا بسبب موسى وقومه من بني إسرائيل !
فعذَّبهم اللَّهُ تعالى بالطُّوفان , وهو كثرة الأمطار المهلِكة وما ينتج عنها من انتشار للأوبئة , ثمَّ الجراد الذي أكَلَ زَرْعَهُم , ثمَّ القَمل الذي انْتَشر في بُيوتهم وأقَضَّ مَضاجعَهم , ثمَّ الضَّفادع كانت تسقُط في طعامهم وشرابهم , ثمَّ الدَّم الذي اختلطَ بماء الآبار والأنهار .
كلُّ هذا أصاب فرعونَ وقَوْمَه من الأقباط , ولم يُصب موسى وقومَه من بني إسرائيل شيئًا , وهذا من تمام المعجزة !
والغريب أنَّ فرعون وقومه كانوا كلَّما نزل بهم عذابٌ ورأوا آيةً من آيات اللَّه , حلَفُوا وعاهدُوا موسى لَئِنْ دعا ربَّه وكشفَ عنهم العذاب لَيُؤمِنُنَّ به . لكنَّهم ما أن يُرفَع عنهم العذاب حتَّى يعودُوا أشدّ مِمَّا كانوا عليه من الإنكار ! فيُرسِلُ اللَّهُ عليهم عذابًا أشدّ , فيَعِدُون ويحلفُون , ثمَّ يكفُرون من جديد !
هذا , والحليمُ القديرُ يُنظِرُهم ولا يَعجَلُ عليهم , ثمَّ أخَذَهم أخْذَ عزيز مُقتَدِر , فأغرَقَهم جميعًا , وجعلَهُم عِبْرةً لغيرهم .

وأنتَ سيّدي الكريم , أليسَ من رحمة اللَّه بكَ أن وضعَ في طريقك هذا الكتاب للتَّعرُّف على الإسلام ؟! أم تُريد أن تُضيعَ هذه الفرصة , فيُداهِمَك الموتُ , فتَخسَر كلَّ شيء ؟!







توقيع كلمة سواء


رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :62  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:38
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


من هو النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ؟



هو محمَّد بن عبد اللَّه بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وقد ذكرتُ هذا النَّسَب بِطُولِه لأنَّ عدنان هو , بلا اختلاف , من سُلالة إسماعيل بن إبراهيم , عليهما السَّلام . وبالتَّالي , فالنَّبيُّ محمَّد هو أيضًا من سُلالة إسماعيل , عليهما الصَّلاة والسَّلام .
وهذا يؤكِّده القرآن الكريم , حيثُ يقول اللَّه تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 126 وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 127 رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 128 رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 129 } (2- البقرة 126-129) .
فالنَّبيُّ إبراهيم عليه السَّلام , عندما أمرهُ اللَّهُ تعالى بتَرْكَ زَوْجته هاجر وولَده الرَّضيع إسماعيل بمكَّة , وكانَتْ صحراء لا شجَر فيها ولا ماء ولا أُناس , دعَا اللَّهَ أن يجعلَها بلَدًا خصبًا ويَرزق أهلها من الخيرات . فاستجاب اللَّهُ دعاءَه , وكلُّ النَّاس يسمعُ اليومَ بمكَّة وخيراتها .
ولَمَّا كَبُر إسماعيل , أمر اللَّهُ تعالى إبراهيمَ عليه السَّلام بإعادة رفْع أُسُس وقواعد الكعبة الشَّريفة . ففَعل هو وابنُه , ودعا الاثنانِ اللَّهَ أن يجعلَ من ذُرِّيَّتهما أُمَّةً مُسلِمة , ويبعثَ من أهل مكَّة رسولاً . فاستجاب اللَّه دعاءهما , وبعثَ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نبيًّا من ذُرِّيَّتهما , وهو أيضًا من أهل مكَّة . يقول اللَّه تعالى في سورة أخرى : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ 1 هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ 2 } (62- الجمعة 1-2) .
وكان لإبراهيمَ ولدٌ آخر اسمُه إسحاق . ومِن ذُرِّيَّة إسحاق جاء كلُّ أنبياء بني إسرائيل , عليهم السَّلام أجمعين . وقد ذكرْنَا أنَّ يعقوبَ بن إسحاق يُسمَّى أيضًا إسرائيل , وإليه ينتسبُ بَنُو إسرائيل .

وُلِدَ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمكَّة يوم الاثنين 12 ربيع الأوَّل (الشّهر الثَّالث قمري) سنة 570 م , وتوفِّي بالمدينة (في السّعوديَّة) ودُفن بها وعمره 63 سنة , صلَّى اللَّه عليه وسلَّم .
مات أبوه عبدُ اللَّه وهو ما زال في بطن أمِّه , ثمَّ ماتت أمُّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف , وهو ابن ستّ سنين , ولم يكُن أبَوَاهُ رُزِقا بأطفال غيره . فعاش يتيمًا في كفالة جدِّه عبد المطَّلب , سيِّد قبيلة قريش آنذاك . ولَمَّا بلغ ثماني سنين , ماتَ جدُّه أيضًا , فكَفَلَه عمُّه أبو طالب . يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم مخاطبًا محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى 6 } (93- الضّحى 6) .
اشتُهِر في قَوْمه بالصِّدق والأمانة وحُسْن الخُلُق , حتَّى لَقَّبوه بالأمين . يقول اللَّه تعالى مادحًا أخلاقه : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 } (68- القلم 4) . وهذه الصِّفات ساعَدَتْه كثيرًا في دَعْوَته إلى اللَّه فيما بعد .
لم يتعلَّم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم القراءة ولا الكتابة , لِحِكْمةٍ أرادها اللَّهُ تعالى . يقول سبحانه مخاطبًا إيَّاه : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ 48 } (29- العنكبوت 48) .
لَمَّا بلغ سِنَّ الخامسة والعشرين , تزوَّج من السَّيدة خديجة بنت خُوَيْلِد , أشرف نساء مكَّة وأكثرهنَّ مالاً . وكانت سمعَتْ عن أمانته وحُسْن أخلاقه , فعرضَتْ عليه الزَّواج , فكلَّمَ عمَّه حمزة بن عبد المطَّلب , فخَطبها له من أبيها . وكانت نِعْمَ الزَّوجة له , وأوَّل مَن أسلَم , ولم تزلْ تشدُّ من أزره وتُثبِّتُه حين نزل عليه الوحيُ وكذَّبَهُ النَّاسُ , حتَّى تُوُفِّيَت , رضي اللَّه عنها . فبقيَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يذكُرها ويذكرُ فضائلها طولَ حياته .
أنجبت السَّيِّدة خديجة لِمُحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : القاسِم , ثمَّ زينب , ثمَّ عبد اللَّه , ثمَّ أمّ كلثوم , ثمَّ فاطمة , ثمَّ رُقَيَّة . فماتَ القاسِم بمكَّة صغيرًا , ثمَّ مات عبد اللَّه .
ولم يُرزَق النَّبيُّ بعد ذلك بأطفال , غير إبراهيم من زوجته السَّيِّدة مارية القبطيَّة . ولَم يَلْبَثْ إبراهيمُ أن مات أيضًا بالمدينة , وهو ابنُ ثمانية عشر شهرًا .





رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :63  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:38
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


كيف بدأت نُبوَّة محمَّد ؟



كان محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قبل أن يُبعث نبيًّا , يَبغضُ ما كان يفعلُ قومُه من عبادة الأصنام . وكان يعتكفُ شهرًا من كلِّ سنة في غار حراء بِمَكَّة , يَتعبَّد على شَرْع النَّبيِّ إبراهيم عليه السَّلام .
قال ابنُ إسحاق , أحد الأئمَّة الثِّقات الذين كَتبوا عن سيرة النَّبيِّ محمَّد , ونقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : فلمَّا بلغ سِنَّ الأربعين , جاءه الملَك جبريل في ليلةٍ من ليالي شهر رمضان وهو نائم في غار حراء .
يقول محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : فقال لي : اقرأْ , قلتُ : ما أنا بقارئ (أي لا أعرف القراءة ) ! فغَتَّني (أي شَدَّني) حتَّى ظننتُ أنَّه الموتُ , ثمَّ أرسلَني فقال : اقرأْ , قلتُ : ما أنا بقارئ ! فغَتَّني حتَّى ظننتُ أنَّه الموتُ , ثمَّ أرسلَني فقال : اقرأْ , قلتُ : ماذا أقرأْ ؟! ما أقولُ ذلك إلاَّ افتداءً منه أن يَعود لي بمثل ما صنع بي , فقال : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ 2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 4 عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5 } (96- العلق 1-5) .
فكان هذا أوَّل ما نَزل من القرآن الكريم , ثمَّ توالَى نُزولُ الوَحْي بعد ذلك بواسطة الملَك جِبْريل عليه السَّلام على مدى ثلاث وعشرين سنة , مُتَفرِّقًا بحسب الأحداث .
يقولُ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم متابعًا القصَّة : فقرأتُها (أي الآيات) , ثمَّ انتهى وانصرفَ عنّي . فهبَبْتُ من نومي وكأنَّما كُتِبَتْ في قلبي كتابًا . فخرجتُ , حتَّى إذا كنتُ في وَسط من الجبل سمعتُ صوتًا من السَّماء يقول : يا محمَّد , أنتَ رسولُ اللَّه وأنا جبريل ! فرفعتُ رأسي إلى السَّماء أنظُر , فإذا جبريلُ في صورة رجُلٍ صافٍّ قدمَيْه في أُفُق السَّماء يقولُ : يا محمَّد , أنتَ رسولُ اللَّه وأنا جبريل ! فوَقفتُ أنظرُ إليه , لا أتقدَّم ولا أتأخَّر , وجعلْتُ أصرفُ وجهي عنه في آفاق السَّماء , فلا أنظرُ في ناحيَة منها إلاَّ رأيتُه كذلك !
فما زلتُ واقفًا لا أتقدَّم أمامي ولا أرجعُ ورائي حتَّى بعثَتْ خديجةُ رُسُلَها في طلَبي , فبَلَغُوا أعلَى مكَّة ورجعُوا إليها وأنا واقفٌ في مكاني ذلك . ثمَّ انصرفَ عنِّي , وانصرفتُ راجعًا إلى أهلي , حتَّى أتيتُ خديجة , فجلستُ إلى فخذِها مُلْتصقًا بها . فقالتْ : يا أبا القاسم , أين كُنت ؟ فوَاللَّهِ لقد بعثْتُ رُسُلي في طَلَبك حتَّى بَلَغُوا مكَّة ورجعُوا لي . فحدَّثْتُها بالذي رأيتُ , فقالتْ : أبْشِر يا ابنَ عمِّ واثبُتْ , فوَالَّذي نَفْسُ خديجةَ بِيَدِه إنّي لَأَرجو أن تكونَ نَبِيَّ هذه الأُمَّة .
قال ابن إسحاق : ثمَّ قامتْ خديجة , فجَمعتْ عليها ثيابها وانطَلَقَتْ إلى ابن عمِّها وَرَقَة بن نَوْفَل , وكان قد تَنَصَّر وقَرَأَ الكُتُبَ وسمعَ مِنْ أهْلِ التَّوراة والإنْجِيل . فأَخبَرتْه بما أخْبَرها به رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنَّه رأَى وسمع , فقال وَرَقة : قُدُّوسٌ ! قُدُّوس ! وَالَّذي نَفْسُ وَرَقة بيَده لَئِنْ كُنْتِ صَدَقْتِني يا خديجة , لقد جاءهُ النَّامُوسُ (أي المَلَكُ) الأكبر الذي كان يَأتي مُوسى , وإنَّه لَنَبيُّ هذه الأُمَّة , فقُولي له فَلْيَثْبُتْ . فرجَعَتْ خديجةُ إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأخْبَرَتْه بقَول وَرَقة .
فلمَّا قَضى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم جوارَه وانصرفَ , بدأ بالكعبة فطافَ بها كما كان يَصنع . فلَقِيَه وَرقَة بن نَوْفَل وهو يَطُوف , فقال : يا ابنَ أخي , أخبِرْني بما رأيْتَ وسمِعْت . فأخبرَه رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال وَرَقَة : والذي نَفْسي بِيَدِه إنَّكَ لَنَبيُّ هذه الأمَّة , ولقد جاءكَ النَّاموسُ الأكبرُ الذي جاء موسى , ولَتُكَذَّبَنَّه ولَتُؤذَيَنَّه ولَتُخرَجنَّه ولَتُقَاتَلَنَّه , ولَئِنْ أنا أدركتُ ذلكَ اليومَ لَأَنصُرَنَّ اللَّهَ نصرًا يَعْلَمُه .
ثمَّ أَدْنَى رأسَه منه , فقبَّلَ يافُوخَه (أي وسَط رأسِه) , وانصرفَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى مَنزله .

هكذا إذًا بدأت نُبُوَّة محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهكذا صدَّقتْهُ زوجتُه خديجة وثَبَّتَتْه , رضي اللَّه عنها . ثمَّ صدَّقَه النّصراني وَرَقَة بن نَوفَل , لِمَا كان يجدُ من صِفاته وزمان بعثَته في التَّوراة والإنجيل . ولم يَلْبَث وَرَقة أن تُوفِّي بعد ذلك بقليل , رحمه اللَّه .
وقد روى الحافظ أبو يَعْلى عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه , أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم سُئِلَ عن وَرَقَة بن نَوفَل , فقال : أبصرْتُه في بُطْنان الجنَّة (أي داخِلَها) وعليه سُندس . (مسند أبي يعلى – الجزء 4 – ص 41 – رقم الحديث 2047) .





رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :64  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:39
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


هكذا كان محمَّد يدعو قومه إلى الإسلام



قال ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : كان عُتبة بن ربيعة سيِّدًا في قُريش , فقال يومًا وهو جالسٌ في إحدى نَواديهم , ورسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في المسجد وَحْدَه : يا معشَر قُرَيش , ألا أقومُ إلى محمَّد فأُكلِّمه وأَعْرِض عليه أمورًا لعلَّه يقبلُ بعضَها فنُعطيه أيّها شاء ويَكُفّ عنَّا ؟
وكان ذلك حينَ أسلَم حمزة بن عبد المطَّلب , عمُّ النَّبيِّ وفارسُ قُريش الذي يَهابُه الكُلُّ , ورأتْ قُريش أنَّ أصحابَ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَزيد عددهم كلَّ يوم .
فقالُوا : بَلَى يا أبا الوليد , قُمْ إليه فَكَلِّمْه .
فقامَ عُتْبة حتَّى جلسَ إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال : يا ابنَ أخي , إنَّك مِنَّا حيثُ قد علِمْتَ من السِّطَة في العشيرة (أي المنزلة الرَّفيعة) , والمكان في النَّسَب , وإنَّكَ قد أتَيْتَ قَومَك بأَمْرٍ عظيم فرَّقْتَ به جماعَتَهم وسَفَّهتَ به أحلامَهُم وعِبْتَ به آلِهَتَهم ودِينَهم وكَفَّرْتَ به مَن مَضَى من آبائهم , فاسْمَعْ منِّي أَعْرِضْ عليْكَ أُمورًا تَنْظُر فيها لعلَّك تقبَلُ منها بعضَها .
فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : قُلْ يا أبا الوليد , أَسْمَعْ .
قال : يا ابنَ أخي , إن كنتَ إنَّما تُريد بما جِئْتَ به من هذا الأمر مالاً , جَمَعْنا لكَ من أمْوالنا حتَّى تكونَ أَكْثَرنا مالاً . وإن كنتَ إنَّما تريدُ به شَرَفًا , سَوَّدْناكَ علينا (أي جعلْناكَ سيِّدًا علينا) حتَّى لا نَقْطع أمرًا دُونَك . وإن كنتَ تُريد به مُلْكًا , مَلَّكناكَ علينا . وإن كان هذا الذي يأتيكَ رَئِيًّا تراهُ لا تستطيعُ ردَّهُ عن نفْسك (وكانُوا يُسَمُّون التَّابع من الجِنِّ : رَئِيًّا) , طلَبْنا لك الطِّبَّ وبذَلْنا فيه أموَالَنا حتَّى نُبْرئكَ منه , فإنَّه ربَّما غَلَب التَّابعُ على الرَّجُل حتَّى يُداوَى منه .
فلمَّا فرَغَ عُتبة , ورسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَستمعُ منه , قالَ : أوَ قَدْ فَرغْتَ يا أبا الوَليد ؟ قالَ : نَعم , قالَ : فاسْتَمِعْ منِّي , قالَ : أَفْعَل , قال : { حم 1 تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 2 كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 3 بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ 4 وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ 5 قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ 6 الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ 7 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ 8 } (41- فصّلت 1-8) .
ومضى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَقْرأ , وعُتبة مُنصِتٌ بانتباه , حتَّى إذا وصل إلى الآية التي فيها سَجْدة , سَجَد , ثمَّ قال : قدْ سمعتَ يا أبا الوَليد ما سمعتَ , فأنتَ وذاكَ .
فقام عُتبة إلى أصحابه , فقالَ بعضُهم لِبَعض : نحلِفُ باللَّه لقد جاءكُم أبو الوليد بغَيْر الوَجه الذي ذهبَ به . فلمَّا جلَسَ إليهم , قالُوا : ما وراءكَ يا أبا الوليد ؟ قالَ : وَرائي أنِّي سمعتُ قَوْلاً ما سمعتُ مثْلَه قَطّ , واللَّهِ ما هو بالشِّعْر ولا بالسِّحْر ولا بالكَهَانة . يا مَعْشَر قُرَيْش , أطيعُوني واجْعَلوها بي , وخَلُّوا بين هذا الرَّجُل وبين ما هو فيه فاعْتَزِلُوه , فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِه الذي سمعتُ منه نَبَأٌ عظيم , فإنْ تُصِبْهُ العرَبُ فقد كُفِيتُمُوه بغَيْركُم , وإن يَظْهَرْ عَلَيْهم فَمُلْكُه مُلْكُكُم وعِزُّه عِزُّكُم وكُنتم أَسْعدَ النَّاس به .
قالُوا : سحَرَك واللَّهِ يا أبا الوليد بلِسَانه ! قال : هذا رأيي فيه , فاصنعُوا ما بَدَا لكُم .

وفي حادثة أخرى , روى ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة , أنَّ أشراف قُريش من كلِّ قَبيلة : عُتبة بن ربيعة , وشَيْبة بن ربيعة , وأبو سُفيان بن حَرب , والنَّضر بن الحارث , وأبو البَختريِّ بن هشام , والأسْوَد بن المطَّلب , وزمعة بن الأسْوَد , والوَليد بن المغيرة , وأبو جهْل بن هشام , وعبد اللَّه بن أبي أميَّة , والعاص بن وائل , ونبيه ومُنبِّه ابنَا الحجَّاج , وأُميَّة بن خَلَف , اجتمعُوا يومًا بعد غُروب الشَّمس عند ظَهْر الكعبة . فقالَ بعضُهم لِبَعض : ابعثُوا إلى محمَّد , فكَلِّمُوه وخاصِمُوه حتَّى تُعْذِرُوا فيه . فبَعَثُوا إليه أنَّ أشرافَ قَوْمك قد اجتَمعُوا إليك لِيُكلِّمُوك , فأْتِهم .
فجاءهُم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم سريعًا , وهو يَظُنُّ أن قد بَدَا لهم فيما كلَّمهُم فيه بَدْء , وكان عليهم حريصًا , يُحبُّ رُشْدَهم ويَعِزُّ عليه عَنَتُهم , حتَّى جلس إليهم , فقالُوا له : يا محمَّد , إنَّا قد بعثْنا إليك لِنُكلِّمَك , وإنَّا واللَّهِ ما نعلَمُ رجلاً من العرب أَدخَلَ على قَومه مثلَ ما أدخلْتَ على قَومِك . لقد شتَمْتَ الآباء وعِبْتَ الآلهة وسَفَّهتَ الأحلامَ وفرَّقتَ الجماعة , فَمَا بَقيَ أمرٌ قبيح إلاَّ قد جِئْتَه فيما بيننا وبينك . فإن كنتَ إنَّما جئْتَ بهذا الحديث تطلُبُ به مالاً , جمعْنَا لكَ من أموالنا حتَّى تكون أكْثَرنا مالاً , وإن كنتَ إنَّما تطلُبُ به الشَّرفَ فينا سَوَّدْناك علينا , وإن كنتَ تريدُ به مُلْكًا مَلَّكْناك علينا , وإن كان هذا الذي يأتيكَ رَئِيًّا تَراه قد غَلَبَ عليك , بذَلْنا لك أموالَنا في طَلَب الطِّبِّ لك حتَّى نُبرئك منه أو نُعذِر فيك .
فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ما بي ما تقولُون , ما جئتُ بما جئتكُم به أطلُبُ أموالَكُم ولا الشَّرفَ فيكم ولا الملْكَ عليكم , ولكنَّ اللَّهَ بَعَثني إليكم رسولاً , وأَنزلَ عَلَيَّ كتابًا , وأمَرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا , فبَلَّغتُكم رسالات ربِّي ونصحْتُ لكم , فإن تَقْبَلُوا منِّي ما جِئْتُكم به فهو حَظّكم في الدُّنيا والآخرة , وإن تَرُدُّوه عَلَيَّ أصْبِر لأمْر اللَّه حتَّى يحكُم اللَّه بيني وبينكم .
قالُوا : يا محمَّد , فإن كنتَ غير قابل منَّا شيئًا مِمَّا عَرَضناه عليك , فإنَّكَ قد علمْتَ أنَّه ليس من النَّاس أحدٌ أضْيَق بَلدًا ولا أقلّ ماءً ولا أشَدّ عيْشًا منَّا , فسَلْ لنا ربَّكَ الذي بعثَك بما بعثَك به فلْيُسَيِّرْ عنَّا هذه الجبالَ التي قد ضَيَّقتْ علينا , ولْيَبْسُط لنا بلادَنا , ولْيُفجِّر لنا فيها أنهارًا كأنهار الشَّام والعراق , ولْيَبعثْ لنا مَن مَضى من آبائنا , ولْيَكُن فيمَن يَبعثُ لنا منهم قُصَيّ بن كلاب فإنَّه كان شَيْخ صِدْق , فنَسْألهم عمَّا تقولُ أحَقٌّ هو أم باطِل , فإن صَدَّقوك وصنعتَ ما سألناك , صدَّقْناكَ وعرفْنا به مَنزلَتك من اللَّه وأنَّه بَعثَك رسولاً كما تقول .
فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ما بهذا بُعِثْتُ إليكم , إنَّما جِئْتُكم من اللَّه بما بَعَثني به , وقد بلَّغْتُكم ما أُرسِلْتُ به إليكم , فإن تَقْبلُوه فهو حَظّكم في الدُّنيا والآخرة , وإن تَرُدُّوه عَلَيَّ أصْبِر لأمْر اللَّه حتَّى يحكُم اللَّه بيني وبينكم .
قالُوا : فإذا لم تَفعلْ هذا لنا , فخُذْ لِنَفْسِك . سَلْ ربَّكَ أن يَبعثَ معكَ ملَكًا يُصدِّقُك بما تقولُ ويُراجِعُنا عنْك , وسَلْهُ فلْيَجْعَلْ لكَ جِنانًا وقُصورًا وكُنوزًا من ذَهب وفِضَّة يُغْنيكَ بها عمَّا نراكَ تَبتَغي , فإنَّك تقومُ بالأسواق كما نَقُوم , وتلْتمسُ المعاشَ كما نَلْتمِسُه , حتَّى نعرف فضْلَك ومَنْزلَتك من ربِّك إن كنتَ رسولاً كما تزعم .
فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ما أنا بِفَاعِل وما أنا بالذي يَسْألُ ربَّه هذا , وما بُعِثْتُ إليكم بهذا , ولكنَّ اللَّهَ بَعَثني بشيرًا ونذيرًا , فإن تَقْبَلُوا منِّي ما جِئْتُكم به فهو حَظّكم في الدُّنيا والآخرة , وإن تَرُدُّوه عَلَيَّ أصْبِر لأمْر اللَّه حتَّى يحكُم اللَّه بيني وبينكم .
قالُوا : فأَسْقِط السَّماءَ علينا كِسَفًا كما زعمْتَ أنَّ ربَّك لو شاء فَعل , فإنَّا لا نُؤمنُ لكَ إلاَّ أن تفعَل .
قالَ : ذلك إلى اللَّه , إن شاء أن يفعلهُ بكم , فَعَل .
قالُوا : يا محمَّد , أفَمَا علِمَ ربُّكَ أنَّا سنجلِسُ معك ونسألكَ عمَّا سألْناك عنه ونطلُب منك ما نَطلب , فيَتقدَّم إليك فيُعلِّمك ما تُراجعنا به ويُخبرك ما هو صانعٌ في ذلك بنا إذا لم نَقْبلْ منكَ ما جِئْتَنا به ؟! إنَّه قد بلَغَنا أنَّك إنَّما يُعلِّمُك هذا رجلٌ باليَمامة يُقالُ له الرَّحمن , وإنَّا واللَّه لا نؤمنُ بالرَّحمن أبدًا . فقد أعذَرْنا إليك يا محمَّد , وإنَّا واللَّهِ لا نَتْرُكك وما بلَغْتَ منَّا حتَّى نُهلِكك أو تُهلكنا .
فلمَّا قالُوا ذلك قام عنهم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وقام معه عبدُ اللَّه بن أبي أميَّة , وهو ابن عمَّته عاتكة بنت عبد المطَّلب , فقال : يا محمَّد , عرضَ عليك قومُك ما عرضُوا فلم تقْبَله منهم , ثمَّ سألُوك لأنفُسهم أمورًا لِيَعرفُوا بها منزلَتَك عند اللَّه كما تقُول ويُصدِّقوك ويَتَّبعوك فلم تَفعلْ , ثمَّ سَألوك أن تأخُذ لنَفسك ما يَعرفون به فَضْلك عليْهم ومَنزلَتك عند اللَّه فلم تَفعلْ , ثمَّ سألوك أن تُعجِّل لهم بعضَ ما تُخَوِّفُهم به من العذاب فلم تفْعل , فوَاللَّه لا أومنُ بكَ أبدًا حتَّى تتَّخِذَ إلى السَّماء سُلَّمًا ثمَّ تَرْقَى فيه وأنا أنظرُ إليك حتَّى تأتيها , ثمَّ تأتي معك بأربعة من الملائكة يشهدون لكَ أنَّك كما تقول , وأيْمُ اللَّه أن لو فعلْتَ ذلك ما ظننتُ أنِّي أصدِّقُك !
ثمَّ انصرف , فرجع رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى أهله حزينًا , لِمَا كان يطمعُ من قومه حين دَعَوْه , ولِمَا رأى من مُباعدتهم إيَّاه .

هذا إذًا بعض ما كان يُلاقي محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من قومه . وقد كان بإمكانه أن يَدعُو اللَّهَ أن يُنزلَ بهم عذابه , ولكنَّه لم يفعل . وقد روى الإمام أحمد في مُسنده عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : قالتْ قريش للنَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ادْعُ لنا ربَّك يَجْعَل لنا الصَّفَا ذهَبًا ونُؤمن بك . قال : وتَفعَلُون ؟ قالُوا : نعم .
فدَعَا , فأتاهُ جبريلُ فقال : إن ربَّكَ عَزَّ وجَلَّ يقرأ عليك (أو يُقْرئك) السَّلامَ ويقولُ (لك) : إن شئتَ أصبحَ الصَّفَا لهم ذهَبًا , فمَنْ كفرَ بعد ذلك منهم عذَّبْتُه عذابًا لا أعذِّبه أحدًا من العالَمين , وإن شئتَ فتحْتُ لهم بابَ التَّوبة والرَّحمة .
قال : بل باب التَّوبة والرَّحمة . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 242 – رقم الحديث 2166) .
نعم , اختار النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِقَومه الرَّحمة على العذاب . فهو نبيُّ الرَّحمة , كما يقول اللَّه تعالى فيه : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ 107 } (21- الأنبياء 107) .
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : قيلَ : يا رسولَ اللَّه , ادْعُ على المشركين . قال : إنِّي لَم أُبْعَثْ لَعَّانًا , وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَة . (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2006 – رقم الحديث 2599) .
لكنَّ قومَه قابلُوا الإحسان بالإساءة , فسعَوْا في إيذائه , وعذَّبُوا أصحابه تعذيبًا شديدًا , ثمَّ أجبروه على الخروج من مكَّة بعد أن حاولُوا قتْلَه فلم يُفلِحوا في ذلك , ووقعتْ بينهم وبينه بعد ذلك حروبٌ عديدة . وبعد ثماني سنوات من خروجه من مكَّة , عاد إليها النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فاتحًا مُنتصِرًا , ودخلَها في جيش كبير من أصحابه , وإنَّ لِحْيَتَه تكاد تَمَسّ وسط راحلَته من شدَّة تواضعه للَّه ! ثمَّ وقفَ على باب الكعبة , ووقف أمامه المشركون من قومه خائفين , فقال لهم : يا معشر قُريش , ما تَرَوْن أنِّي فاعلٌ فيكم ؟ قالُوا : خيرًا , أخٌ كريمٌ وابنُ أخ كريم , قال : اذْهبُوا , فأنتم الطُّلقاء !
نعم , لم يأخذ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بثأره ولا بثأر أصحابه , وعفا عن قومه وقد كان قادرًا على قتلهم جميعا , ولم يُجبرهم على الدُّخول في الإسلام . فلمَّا رأَوْا منه ذلك , أسلم منهم عدد كبير . ونزل قولُ اللَّه تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 1 وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا 2 فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا 3 } (110- النّصر 1-3) .

ولم يكن هذا الحِلْمُ من النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حالة عارضَة , وإنَّما كان صِفَة ملازمة له . فقد روى ابنُ حِبَّان في صحيحه عن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه , قال : لَمَّا تُوُفِّيَ عبدُ اللَّه بن أُبَيّ (وهو ابن سَلُول , وكان رأس المنافقين , يُظهر الإسلام ويُخفي الكُفر ويَكيد للمُسلمين) , أتَى ابنُه عبدُ اللَّه بن عبد اللَّه بن أُبَيّ بن سَلُول (وكان مُسْلِمًا) رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال : يا رسولَ اللَّه , هذا عبدُ اللَّه بن أُبَيّ قد وضَعْناه , فَصَلِّ عليه .
(وفي رواية لِمُسلم عن ابن عُمَر , قال : فسألَ (أي عبدُ اللَّه , الابنُ) رسولَ اللَّه أن يُعطيه قميصَه يُكفِّن فيه أباه , فأعطاه , ثمَّ سألَه أن يُصَلِّي عليه ) .
قال عُمر : فقام رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فلمَّا قام يُصلَّي عليه (أي صلاة الجنازة) , قمتُ في صدر رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقلتُ : يا نبيَّ اللَّه , أتُصَلِّي على عدُوِّ اللَّه القائل يوم كَذَا : كَذَا وكذَا , والقائل يوم كَذَا : كَذَا وكذَا , أُعَدِّدُ أيَّامَه الخبيثة ؟!
فتَبسَّم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وقال : عَنِّي (أي خَلِّ عَنِّي) يا عُمَر !
حتَّى إذا أكثرتُ , قال : عَنِّي يا عُمَر , فإنِّي قد خُيِّرتُ , فاختَرْتُ , إنَّ اللَّه يقولُ : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ 80 } (9- التّوبة 80) .
يقولُ النّبيُّ : ولو أعلم أنِّي إن زدتُ على السَّبعين , غُفِر له , لَزِدتُ !
قال عمر : فعَجبًا لِجُرأتي على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , واللَّهُ ورسولُه أعلَم ! فلمَّا قالَ لي ذلكَ انصَرفتُ عنه . فصَلَّى عليه , ثمَّ مَشَى معه , فقام على حُفْرته حتَّى دُفِن , ثمَّ انصَرَف . فَوَاللَّهِ ما لَبِثَ إلاَّ يَسيرًا حتَّى أنزلَ اللَّهُ جلَّ وعَلاَ : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ 84 } (9- التّوبة 84) .
قال عمر : فَمَا صَلَّى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على مُنافِق بعد ذلك , ولا قامَ على قَبْره . (صحيح ابن حبّان – الجزء 7 – ص 449 – رقم الحديث 3176) .





رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :65  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:40
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


وهكذا كان محمَّدٌ أبًا وقائدًا وداعية



قد تعجبين يا ابنتي الكريمة لو قلتُ لكِ أنَّ زينب بنت النَّبيّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كانت متزوِّجة من رجُل غير مُسلم !
نعم , إنَّه أبو العاص بن الرَّبيع , ابنُ أخت السَّيِّدة خديجة , زوجة النَّبيِّ . وقد كان تاجرًا معروفًا بأمانته , وكانت خديجة تَعُدُّه بمَنْزلة ولَدها , فسألَتْ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يُزوِّجَه ابنتهما زينب , وذلك قبل أن يُبْعثَ نبيًّا , ففَعل . فلمَّا أكرم اللَّهُ محمَّدًا بالنُّبوَّة , أسلمَتْ خديجة وبناتها , وأصرَّ أبو العاص على البقاء على دين قَومه . ومع هذا , لم يُكْرهْهُ النَّبيُّ على اعتناق الإسلام , ولم يُجْبِر ابنتَه زينب على مفارقة زوجها .
قال ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة وإضافة بعض التَّعاليق على الأحداث : وجاء كبارُ قُريش إلى أبي العاص , وقالُوا له : فارقْ زوجتَك , ونحنُ نُزوِّجك أيَّ امرأة من قريش شئْت . فقال : لا واللَّه , لا أفارقُ صاحبتي , وما أحبُّ أنَّ لي بها امرأةً من قُريش . وكان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يُثني عليه خيرًا .
ومَرَّت السَّنوات , وهاجر النَّبيُّ إلى المدينة , وبقيَتْ زينبُ مع زوجها بمكَّة . وهاجر المسلمون خُفْيَة بعد أن تركُوا أموالَهم وديارَهم , فاستوْلَى عليها المشركُون .
وفي السَّنة الثَّانية من الهجرة , جاءت الأخبار إلى سادات قُريش أنَّ قافلَتهم التِّجاريَّة المقبلة من الشَّام سيَتعرَّضُ لها المسلمون . فخرجُوا في ألْفٍ من رجالهم لإنقاذ تجارتهم , وخرج معهم أبو العاص بن الرَّبيع . وَوقعتْ بينهم وبين المسلمين معركة بمكان اسمُه بَدْر , فانتصر المسلمون , وقُتِلَ ساداتُ قُريش , وأُسِر منهم سَبعون , وكان من بين الأسرى أبو العاص . فبعَثتْ قُريش تَفْتَدِي رجالَها الذين أُسِرُوا , وكان هذا الأمرُ معمولاً به عند العرب . وبَعثتْ زينبُ بمالٍ لِفِداء زوجها , وبعثَتْ قلادةً لها كانت السَّيِّدة خديجة أدْخَلَتْها بها على أبي العاص حين تزوَّجها .
نعم , حتَّى زينب رضي اللَّه عنها , وهي بنتُ النَّبيّ , لَمْ تستغلَّ قَرابَتها هذه , بل بعثَتْ بالمال لِفِداء زوجها , تمامًا مثلَما فَعلَ بقيَّةُ النَّاس !
فلَمَّا رأى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم القلادة , رقَّ لابنته رقَّةً شديدة , وقالَ لأصحابه : إن رأيتُم أن تُطلِقُوا لها أسيرها , وتَرُدُّوا عليها مالَها , فافعَلُوا . قالُوا : نعم يا رسولَ اللَّه . فأطْلَقُوه , ورَدُّوا عليها الذي لها .
وقد كان بإمكان النَّبيِّ أن يُصدر أوامره , بصِفَته قائد جيش المسلمين , بإطلاق سراح زوج ابنته . ولكنَّ عدْلَه لم يَسْمح له بذلك , فتقدَّم بالطَّلب مثل أيِّ إنسان عادي , وتركَ لِجُنُوده حرِّيَّة الرَّفض أو القَبُول !

وأُطلِقَ أبو العاص من الأسر , وأخذَ عليه النَّبيُّ العهدَ أن يُخلِّي سبيلَ ابنته , ففعلَ , وقَدمتْ زينبُ إلى المدينة .
وأقام أبو العاص بمكَّة , حتَّى إذا كان قُبَيْل فَتْحها , خرج إلى الشَّام يُتاجر بماله وبأموال رجالٍ من قُريش . فلمَّا فرغ من ذلك وقفلَ راجعًا , اعترَضَ بعضُ المسلمين طريقَه , فأخذُوا ما معه وهربَ هو . فلمَّا كان اللَّيلُ , ذهبَ إلى بيت زينب , فاسْتجار بها , فأَجارَتْه , وكان هذا العُرفُ معمولاً به أيضًا عند العرب .
فلمَّا خرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى صلاة الفجر وكبَّر إلى الصَّلاة وكبَّر النَّاس , صرخَتْ زينبُ من صَفَّة النِّساء : أيُّها النَّاس , إنِّي قد أجَرْتُ أبا العاص بن الرَّبيع . فلمَّا سلَّم رسولُ اللَّه , أقبلَ على النَّاس وقال : أيُّها النَّاس , هل سمِعْتُم ما سمعْتُ ؟! قالُوا : نعم , قال : أمَا والذي نَفسُ محمَّد بيَده , ما علِمْتُ بشيء من ذلك حتَّى سمعْتُ ما سمعْتُم . إنَّه يُجيرُ على المسلمين أدْناهُم . ثمَّ انصرف , فدخلَ على ابنته وقالَ : أيْ بُنَيَّة , أَكْرِمي مَثْواه , ولا يَخلُصَنَّ إليْكِ فإنَّكِ لا تَحِلِّين له .
وكان اللَّه تعالى قد حرَّم , منذ صُلْح الحُدَيبِيَة سنة سِتٍّ للهجرة , أن يتزوَّج مسلمٌ من مُشركة , أو تتزوَّج مُسلِمةٌ من مُشرك . وأنزلَ تعالى في ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 10 } (60- الممتحنة 10) .
لهذا , امتثلَ النَّبيُّ لِحُكْم اللَّه , وقال لابنَتِه أنَّها لم تَعُد تَحِلُّ لأبي العاص .
وبعثَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المسلمين الذين أخذُوا مالَ أبي العاص , فقالَ لهم : إنَّ هذا الرَّجلَ منَّا حيثُ قد علِمْتُم , وقد أصبْتُم له مالاً , فإن تُحسِنُوا وتَرُدُّوا عليه الذي له فإنَّا نُحبُّ ذلك , وإن أَبَيْتُم فهو فَيْءُ اللَّه الذي أَفاءَ عليكم , فأنتم أحَقّ به (وذلك لأنّ كفّار قريش كانُوا أخرجوهم كرهًا من مكّة , وأخذوا أموالَهم وديارَهم) . قالُوا : يا رسولَ اللَّه , بل نَرُدُّه عليه . فرَدُّوه عليه كلّه .
فاحْتَمَلَه أبو العاص إلى مكَّة , وأدَّى إلى كلِّ ذي مالٍ من قُريش مالَه , ثمَّ قال : يا معشر قُريش , هل بَقِيَ لِأحَدٍ منكُم عندي مالٌ لم يأخُذْه ؟ قالُوا : لا , فجزاكَ اللَّه خيرًا , فقد وَجدْناكَ وَفيًَّا كريمًا . قالَ : فأنا أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّ محمَّدًا عبْدُه ورسولُه ! واللَّهِ ما منَعَني من الإسلام عِنْدَه إلاَّ مخَافَة أن تظُنُّوا أنِّي إنَّما أردتُ أن آخُذَ أموَالَكم , فلمَّا أدَّاها اللَّهُ إليكُم وفَرغْتُ منها , أسلمْتُ . ثمَّ عاد إلى رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فرَدَّ إليه زينب .

وفي قصَّة أخرى , قالَ ابن إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : جلسَ عُمَيْر بن وهب الجمَحي مع صفْوان بن أُميَّة يومًا في الحِجْر بعد معركة بدر , يَذكُران قَتْلاهم . وكان عُمَيْر شيطانًا من شياطين قُريش , وكان مِمَّنْ يُؤذي رسولَ اللَّه وأصحابَه عندما كانوا بمكَّة , وكان ابنُه وَهْب في أسارى بدر . فقالَ صفْوان : واللَّهِ ما في العيش بَعْدَهم من خير . قال عُمَيْر : صدقْت , أمَا واللَّهِ لوْلاَ دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْس له عندي قَضاء , وعِيَالٌ أخْشَى عليهم الضَّيْعَة من بعدي , لَرَكِبْتُ إلى محمَّد حتَّى أقتُله , فإنَّ لي قِبَلَهم عِلَّة : ابني أسيرٌ في أيْديهم . فاغْتَنَمها صفْوان وقال : دَيْنُكَ عَلَيَّ , أنا أقْضِيه عنْك , وعِيَالُكَ مع عِيَالي أُوَاسِيهم ما بَقُوا , لا يَسَعُني شيءٌ ويَعْجز عنهم . قال : فاكْتُم عنِّي شأني وشأنك , قالَ : أفْعَل .
فأمَر عُمَيْر بسَيْفِه فشُحِذَ له وسُمَّ , ثم انطلَقَ حتَّى قدم المدينة . فبينما عُمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه في نَفَرٍ من المسلمين يتحدَّثُون عن يوم بدر ويَذكُرون ما أكْرمهم اللَّهُ به , إذ رأى عُمَيْرًا حينَ أناخَ على باب المسجد مُتَوَشِّحًا سَيْفَه . فقالَ : هذا الكلْبُ عدوُّ اللَّه عُمَيْر بن وهْب , واللَّهِ ما جاء إلاَّ لِشَرّ ! ودخلَ على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال له : يا نبيَّ اللَّه , هذا عدُوُّ اللَّه عُمَيْر بن وهْب قد جاء مُتَوَشِّحًا سيْفَه , قالَ : فأدْخِلْه عَلَيَّ . فأقبَل به عُمر وقد أخذ بِحمالة سيْفه في عُنقه , وكان قال لرِجالٍ من مُسلِمي المدينة : ادخُلُوا على رسول اللَّه فاجْلِسُوا عنده , واحذَرُوا عليه من هذا الخبيث فإنَّه غير مأْمون .
فلمَّا رآه رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قالَ : أرْسِلْهُ يا عُمر , ادْنُ يا عُمَيْر . فدَنَا وقال : أنْعِمُوا صباحًا , وكانت تحيَّة العرب بينهم . فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : قد أكْرَمَنا اللَّهُ بتَحيَّةٍ خيْر من تحِيَّتك يا عُمَيْر : بالسَّلام , تحيَّة أهل الجنَّة . قالَ : أمَا واللَّهِ يا محمَّد إنْ كنتُ بها لَحَديث عَهْد . قالَ : فمَا جاء بكَ يا عُمَيْر ؟ قال : جئْتُ لهذَا الأسير الذي في أيْديكُم , فأحْسِنُوا فيه . قال : فمَا بالُ السَّيف في عُنُقِك ؟ قال : قبَّحَها اللَّهُ من سُيُوف , وهل أغْنَتْ عنَّا شيئًا ؟ قال : اصْدُقْني , ما الذي جِئْت له ؟ قال : ما جئْتُ إلاَّ لذلك .
قال : بل قعدْتَ أنتَ وصفْوان بن أميَّة في الحِجْر , فذَكَرْتُما قَتْلى قُريش , ثمَّ قُلْتَ : لولاَ دَيْنٌ عَلَيَّ وعِيَالٌ عندي لَخَرجتُ حتَّى أقتُلَ محمَّدًا , فتَحمَّلَ صفْوان بن أميَّة بدَيْنك وعِيَالك على أن تقتُلَني له , واللَّهُ حائلٌ بيْنَكَ وبيْن ذلك !
فقالَ عُمَيْر : أشهدُ أنَّكَ رسولُ اللَّه ! قد كنَّا يا رسولَ اللَّه نُكذِّبُك بما كنتَ تأتينَا به من خَبَر السَّماء وما يَنزلُ عليكَ من الوَحْي , وهذا أمرٌ لم يَحْضُرْه إلاَّ أنا وصفْوان , فوَاللَّهِ إنِّي لأعلَمُ ما أتاكَ به إلاَّ اللَّه , فالحمْدُ للَّه الذي هداني للإسلام وساقَني هذا المسَاق . ثمَّ شهد شهادة الحقّ , فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : فَقِّهُوا أخاكُم في دِينه وأقْرئُوه القرآن وأطلِقُوا له أسيرَه , ففَعَلُوا .
فقالَ عُمَيْر : يا رسولَ اللَّه , إنِّي كنتُ جاهدًا على إطفاء نور اللَّه , شديد الأذَى لِمَنْ كان على دين اللَّه عزَّ وجلَّ , وأنا أحبُّ أن تأذن لي فأقْدم مكَّة فأدْعُوهم إلى اللَّه تعالى وإلى رسوله وإلى الإسلام , لعلَّ اللَّه يَهديهم , وإلاَّ آذَيْتُهم في دِينهم كما كنتُ أوذي أصحابَك في دِينهم , فأذنَ له .
وكان صفْوان بن أميَّة , حين خرج عُمَيْر , يقولُ لقُريش : أبْشِرُوا بوَاقعةٍ تأتيكُم الآن في أيَّامٍ تُنسيكُم وقْعة بدر . وكان يسألُ عنه الرُّكْبان , حتَّى قدم راكبٌ وأخبره بإسلامه , فحلَفَ أن لا يُكلِّمَه ولا يَنفعه بنَفْع أبدًا . وقدم عُمَيْر إلى مكَّة , فأقام بها يَدْعُو إلى الإسلام كما وعَد .





رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :66  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:41
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


وهكذا كان محمَّد مُربِّيًا



روى الإمام مُسلِم في صحيحه عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , قال : بينما نحن (جلوسٌ) في المسجد مع رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , إذ جاء (أي دخلَ) أعرابي , فقام يبول في المسجد (أي في ناحيةٍ منه) . فقال أصحابُ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : مه , مه ! فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : لا تزرمُوه (أي لا تقطعوه عن البول) , دَعُوه ! فتَركُوه حتَّى بالَ (أي أكمل بولَه) .
ثمَّ إنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم دَعَاه , فقال له : إنَّ هذه المساجد لا تصلُح لِشَيْءٍ من هذا البَوْل ولا القَذر (أي القاذورات) , إنَّما هي لذِكْر اللَّه عزَّ وجلَّ والصَّلاة وقراءة القرآن . ثمَّ أمر رجلاً من القَوم , فجاء بِدَلْو من ماء , فشَنَّه (أي صَبَّه) عليه . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 236 – رقم الحديث 285) .
نعم , هذا هو محمَّد الدَّاعية والمربِّي : رأى أعرابيًَّا يبول في مسجده , فلم يغضب منه , بل وخاف عليه أن يُصاب بأذى إذا هو لم يُكمل بولَه , فأمر أصحابه أن يتركُوه . فلمَّا فرغَ , أجلسه بجانبه لِيُشعِره بالأمان , ثمَّ أخبره بكلِّ هدوء أنَّ هذا المكان لا يصلح لِلبول !

وفي قصَّة أخرى , روى الطَّبراني في مسند الشَّاميِّين عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه , قال : أتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم غلامٌ شابٌّ , فقال : يا رسولَ اللَّه , ائْذَنْ لي في الزِّنَا ! فصاح به النَّاس , وقالُوا : مه ! فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : ذَرُوه , ادْنُ . فدَنا (أي الغلام) حتَّى جلس بين يَدَيْ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقال (له) : أتُحِبُّه لأمِّك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لأمَّهاتهم , أتُحِبُّه لابنَتك ؟ قال : لا ! قال : وكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِبَناتهم , أتُحِبُّه لأُختك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِأخواتهم , أتُحِبُّه لِعَمَّتك ؟ قال : لا ! قال : فكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِعمَّاتهم , أتُحِبُّه لخالَتك ؟ قال : لا ! قال : وكذلكَ النَّاسُ لا يُحبُّونه لِخالاتهم , فاكْرَه لهم ما تكرهُ لنَفْسِك , وأحِبَّ لهم ما تُحبّ لنَفسِك . فقال : يا رسولَ اللَّه , ادعُ اللَّهَ أن يُطهِّر قَلْبي . فوَضعَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَده على صدْره , وقالَ : اللَّهمَّ اغْفِرْ ذَنْبَه , وطهِّرْ قلْبَه , وحصِّنْ فَرْجَه .
فلم يكُن (أي لم يعُد الغلامُ) بعد ذلك يلْتفتُ إلى شيء (من هذا الأمر) . (مسند الشّاميّين – الجزء 2 – ص 139 – رقم الحديث 1066) .

وفي قصَّة أخرى , روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ أعرابيًّا أتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللَّه , إنَّ امرأتي ولَدتْ غلامًا أسْوَدًا , وإنِّي أنكَرْتُه (لأنَّ الأب لم يَكُن أسْوَدًا , ولا الأمّ) . فقال له النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : هلْ لَكَ مِن إبِل ؟ قال : نعم , قال : ما ألوانُها ؟ قال : حُمر (أي مائلة إلى الحُمرة) , قال : هل فيها من أَوْرق (أي رمادي) ؟ قال : نعم , قال : فأنَّى هو ( أي مِن أين أتاها هذا اللَّون المختلف عن الإبل الأخرى) ؟ قال : لعلَّه يا رسول اللَّه يكون نَزَعَهُ عِرْق له (أي لعلَّ في أصوله أو عائلته مَن كان بهذا اللَّون , فاجتذبه إليه فجاء على لونه) , فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : وهذا (أي الولد) , لعلَّه يكونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ له (أي لعلَّ مِن أجداده أو عائلته مَن كان أسْوَد اللَّون , فجاء الولَد على لَونه) . (صحيح مسلم – الجزء 2 – ص 1137 – رقم الحديث 1500) .
هكذا إذًا حافَظ النَّبيُّ على أسرةٍ كانت على وشك التَّفكُّك بسبب شكُوك . وهذا الحديث يُعتَبر من معجزات النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لأنَّ علْمَ الوراثة هو من العلوم التي اكتُشِفتْ حديثًا ولم تكُن معروفة من قبل .

وفي قصَّة أخرى , روى النّسائي في سُننه عن عبد اللَّه بن شداد عن أبيه رضي اللَّه عنهما , قال : خرج علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في إحدى صلاتي العشيّ (الظُّهر أو العصر) وهو حاملٌ الحسن أو الحسين (حفيداه , ابنا فاطمة) . فتقدَّم ووضعه (بجانبه) , ثمَّ كبَّر للصَّلاة , فصلَّى ثمَّ سجدَ بين ظَهْرانَيْ صلاته سجدةً أطالها .
قال أبي : فرفعتُ رأسي , وإذا الصَّبيُّ على ظَهْر رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهو (أي النَّبيُّ) ساجد ! فرجعتُ إلى سجودي . فلمَّا قضَى رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الصَّلاة , قال (له) النَّاس : يا رسولَ اللَّه , إنَّك سجدتَ بين ظهرانَيْ صلاتكَ سجدةً أطَلْتَها حتَّى ظَنَنَّا أنَّه قد حدثَ أمْرٌ أو أنَّه يُوحَى إليك . قالَ : كلّ ذلك لَمْ يكُنْ , ولكنَّ ابْنِي ارتَحَلَني , فكرهْتُ أن أعْجله حتَّى يَقْضي حاجَتَه ! (المجتبى من السّنن – الجزء 2 – ص 229 – رقم الحديث 1141) .

هذا إذًا محمَّدٌ النَّبيُّ الأمِّيُّ الذي عاش في القرن السَّابع الميلادي , وهذه طريقته في الدَّعوة والتَّربية !





رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :67  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:41
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


هل كان محمَّد يبحث عن السُّلطة والمال ؟



إطلاقًا ! ولو قارَنَّا بين نَوْعيَّة الحياة التي كان محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يحياها قبل النُّبوَّة وبعدها , لَمَا شكَكْنا لحظة واحدة أنَّه نبيٌّ .
فبالرَّغم من أنَّه عاش يَتيم الأبَوين , إلاَّ أنَّه قضَّى طفولَته وشبابَه في كفالة عمِّه أبي طالب , سيِّد قُريش آنذاك , الذي غَمَره بعطفه وعوَّضَه حنانَ الأب والأمّ . ولَمَّا بلَغ سِنَّ الخامسة والعشرين , تزوَّج من السَّيِّدة خديجة , أشْرف نساء مكَّة آنذاك وأكثرهنَّ مالاً , وذلك بعد أن رأتْ مِن أمانته وصِدْقه ما رَغَّبها في الزَّواج منه .
فكان النبَّيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حتَّى سِنِّ الأربعين يعيشُ حياة هادئة , وكان يتعبَّدُ كما يشاء على شَرْع إبراهيم عليه السَّلام . وبالإضافة إلى ذلك , كان يتمتَّع بِحُبِّ وتقدير جميع قَوْمه , صغيرهم وكبيرهم , لِشَرف نَسَبه وحُسْن أخلاقه .
فلم يكُن هناك إذًا أيُّ سَبب منطقي يدفعُه بعد ذلك أن يدَّعي النُّبوَّة , لأنَّه لم يكن يفتقدُ لأيِّ شيء من هَناء العيش . ولَو فَرضْنا جدَلاً أنَّه كان يَبْتغي من وراء هذا الأمر السُّلطةَ والجاهَ والمالَ , لَكَانتْ هذه النَّوايَا برزَتْ في طِباعه وسُلُوكه منذ شبابه , ولَمَا خَفِيَ ذلك على قَوْمه . ثمَّ إنَّه كان يستطيعُ أن يحصُل على كلِّ ذلك دون الحاجة لادِّعاء النُّبوَّة , لأنَّه , كما ذكَرْنا سابقًا , كان من عائلةٍ ذات شَرف وسيادة , وكان محبوبًا في قَوْمه .
هذا ما يقوله العقلُ والمنطق . أمَّا واقعيًّا , فكُتُبُ التَّاريخ تشهدُ أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان أبعد ما يكُون عن التَّفكير في المال والجاه والسُّلطة . وقد كُنَّا ذكَرْنَا أنَّ سادات قُريش عرضُوا علَيْه في بداية نُبُوَّته أن يتَخَلَّى عن الدَّعوة إلى الإسلام مُقابل أن يجمعُوا له من المال ما يشاء ويجعلُوه ملكًا وسيِّدًا عليهم , فرفضَ هذه الاغراءات وأجابَهُم بأنَّه فعْلاً رسولٌ من عند اللَّه .
فعند ذلك عَادَوْه وآذَوْه وحاولُوا قتلَه , فهاجر إلى المدينة (وهي تبعد عن مكَّة 418 كلم إلى الشَّمال) وأصبح له أتباعٌ كثيرون , وكوَّنَ دولة إسلاميَّة . وعاد بعد ذلك منتصرًا إلى مكَّة , ودخل الآلافُ من العرب في الإسلام , وأصبح محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حاكمًا على ما يُعرَف اليوم بالسّعوديَّة . وكان بإمكانه وَقْتَئذ , لو كانت له فعْلاً نَوايَا من وراء النُّبوَّة , أن يسكن القُصور وتَخدُمه الجواري والعبيد , كما كان سائدًا في ذلك العصر .
لكنَّه فَعلَ عكس ذلك تمامًا ! بل إنَّه , منذُ شرَّفَه اللَّهُ تعالى بالنُّبوَّة في سنِّ الأربعين وحتَّى وفاته في سنِّ الثَّالثة والسِّتِّين , كان أزهد النَّاس في الدُّنيا وأكثرهم طاعة للَّه .
فقد روى ابن ماجه في سُننه عن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه , قال : دخلْتُ على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو على حصير . فجلَسْتُ , فإذا عليه إزارٌ وليسَ عليه غَيْرُه , وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبه , وإذا أنا بقَبْضَة من شعير نحو الصَّاع وقرظ في ناحيَة في الغُرفة , وإذا إهابٌ مُعَلَّق . فابْتَدرتْ عَيْناي (أي دمعَتْ) , فقال : ما يُبْكِيكَ يا ابنَ الخطَّاب ؟ فقلتُ : يا نَبيَّ اللَّه , وما لي لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبك , وهذه خزانتكَ لا أرى فيها إلاَّ ما أرى , وذلكَ كِسْرَى (ملك الفُرس) وقَيْصَر (ملك الرُّوم) في الثِّمار والأنهار , وأنتَ نبيُّ اللَّه وصَفْوَته وهذه خزانَتك ! فقال : يا ابنَ الخطَّاب , ألا ترضَى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدُّنيا ؟! قلتُ : بلى ! (سنن ابن ماجة – الجزء 2 – ص 1390 – رقم الحديث 4153) .

وروى التّرمذي في سُنَنه عن عبد اللَّه (بن مسعود) رضي اللَّه عنه , قال : نام رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على حصير , فقام وقد أثَّر في جَنْبه . فقلْنا : يا رسولَ اللَّه , لَو اتَّخَذْنا لك وطاء ؟ فقال : مالي وما للدُّنيا , ما أنا في الدُّنيا إلاَّ كَراكِبٍ اسْتَظلَّ تحت شجرة ثمَّ راح وتَركَها . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 588 – رقم الحديث 2377) .

وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عروة (بن الزُّبير) رضي اللَّه عنه , أنَّ عائشة (زوجة النَّبيّ) رضي اللَّه عنها قالتْ له : واللَّهِ يا ابنَ أختي إنْ كُنَّا لَنَنظرُ إلى الهلال ثمَّ الهلال , ثلاثة أهِلَّة في شَهْرَيْن , وما أُوقِدَتْ في أبْيات (أو بيوت) رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نارٌ (أي للطَّبخ) . فقلتُ : يا خالَة , ما كان يعيشُكُم ؟! قالتْ : الأسْوَدان : التَّمر والماء , إلاَّ أنَّه قد كان لِرسُول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم جيرانٌ من الأنصار كانتْ لهم مَنائح , وكانُوا يَمنحُون رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من ألبانها فيَسْقينَا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 2 – ص 907 – رقم الحديث 2428) .

وعن كثرة صلاته , روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , قالتْ : كان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذا صَلَّى (أي صلاة النَّافلة) قامَ حتَّى تفطر رجْلاه (أي تَنتفخ وتتوَرَّم) . فقلتُ له : أتَصْنَعُ هذا وقد غُفِر لَكَ ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ ومَا تَأخَّر ؟! فقال : يا عائشة , أفَلاَ أكونُ عَبْدًا شَكُورًا ؟! (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2172 – رقم الحديث 2820) .

وعن بساطته في العيش , روى ابن حبَّان في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , أنَّها سُئِلَتْ : ما كان النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَعْملُ في بَيْتِه ؟ فقالتْ : كان يَخيطُ ثَوبَه ويخصفُ نَعْلَه ويعملُ ما يعملُ الرِّجالُ في بُيُوتهم . (صحيح ابن حبّان – الجزء 12 – ص 490 – رقم الحديث 5677) .

وعن الأملاك التي تركَها بعد موته , وقد كان وَقْتَها يحكم ما يُعرَف اليوم بالسّعوديَّة كما ذكَرْنا , روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمرو بن الحارث رضي اللَّه عنه , قال : ما تركَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عندَ مَوْته دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمَةً , إلاَّ بَغْلَتَه البَيْضاء التي كان يَرْكَبُها وسلاحَه , وأرضًا جعَلَها لابْن السَّبيل صَدَقة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1619 – رقم الحديث 4192) .

وعن تواضُعه , روى أبو داود في سُننه عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه , قال : خرجَ علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مُتوَكِّئًا على عَصا , فقُمْنَا إليه (أي وقَفْنَا له) , فقال : لا تقومُوا كما تقُوم الأعاجِم , يُعظِّمُ بعضُهم بعضًا . (سنن أبي دواد – الجزء 4 – ص 358 – رقم الحديث 5230) .
وروى أبو داود أيضًا في سُنَنه عن أبي مجلز رضي اللَّه عنه , قال : خرجَ معاوية علَى ابن الزُّبَيْر وابن عامر , فقام ابنُ عامر وجلسَ ابنُ الزُّبَيْر . فقال مُعاوية لابن عامر : اجْلِسْ , فإنِّي سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : مَنْ أحَبَّ أن يَمْثُلَ له الرِّجالُ قِيَامًا , فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النَّار ! (سنن أبي داود – الجزء 4 – ص 358 – رقم الحديث 5229) .

قد تقول سيِّدي الكريم أنَّ كلَّ الدَّلائل التي ذكَرْتُها هنا يمكنُ أن تكون أكاذيب اختَلَقَها المسلمون لإعطاء صورة حسنة عن نبيِّهم !
أقول : واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , ليس هناك على مدى التَّاريخ أُناسٌ اعتَنَوْا بكتابة سيرة نبيٍّ أو زعيم أو مُبدِع , مثلَما فعلَ المسلمون الأوائل مع محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! كلُّ التَّفاصيل تقريبًا عن حياته الخاصَّة والعامَّة , عن أقواله وأفعاله , مِنْ بعد نُبُوَّته وحتَّى وفاته , وقعَ تدوينُها بأمانةٍ مُدهشة , وحُفِظَتْ إلى يومنا هذا تحت اسم : أحاديث نبويَّة , في كُتُب تُسَمَّى بـ : صحيح البخاري , وصحيح مسلم , وسُنن التّرمذي , ومُسنَد الإمام أحمد , وغيرها .
ولو دقَّقْتَ سيِّدي في طريقة تدوين الأحاديث في هذه المراجع , لَاستغربتَ أشدَّ الاستغراب ! فكلُّها تبدأ بـ : حدَّثنا فُلان , عن فُلان , عن فُلان ... أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال كذا , أو فَعل كذا . فالإمام البخاري مثلاً لم يجمع في صحيحه الذي يحتوي على أكثر من سبعة آلاف حديث نبويّ , إلاَّ الأحاديث التي سمعها بنفسه من فلان , الذي سمعها بدوره من فلان ... حتَّى الوصول إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! ولم يُدوِّنْها إلاَّ بعد أن تأكَّد مِن أنَّ كلَّ الرُّواة في السِّلسلة ثقاتٌ , وجَيِّدُو الحِفْظ , وأنَّ فُلانًا قد عاش فعلاً في زمن فُلان الذي سمع منه , إلخ .
فهل يمكنُ بعد هذا أن نُصدِّق أنَّ هذه الأحاديث مِن اختلاق الإمام البخاري أو الإمام مسلم أو غيرهما ؟!
أبدًا ! بل إنَّ هؤلاء الرُّواة كانُوا يَتحرَّوْن أشدَّ التَّحرِّي في درجة صحَّة الأحاديث التي يَرْوُونَها في كتُبهم , واضعينَ أمام أعْيُنهم الحديث الذي رواه الدَّارمي في سُنَنه عن أبي قتادة رضي اللَّه عنه , قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقولُ على المنْبَر : يا أيُّها النَّاس , إيَّاكُم وكَثْرة الحديث عنِّي , فَمَنْ قالَ علَيَّ فلا يَقُلْ إلاَّ حَقًّا (أو إلاَّ صِدْقًا) , ومَنْ قالَ عَلَيَّ ما لَمْ أقُلْ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَه من النَّار ! (سنن الدّارمي – الجزء 1 – ص 89 – رقم الحديث 237) .
وحتَّى إن وُجِدَ أحيانًا نفسُ الحديث مرويًّا بصِيَغ مختلفة عند البخاري ومسلم مثلا , فهذا طبيعي , لأنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لم يأمُرْ أصحابَه في حياته بكتابة ما يقُوله وما يَفعله , وإنَّما أَمَرهُم بحفظ وكتابة ما كان يَنزلُ عليه من آيات القرآن الكريم فقط . فقد روى الحاكم في مُستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لا تكتبُوا عنِّي شيئًا سوى القرآن . مَنْ كتبَ عنِّي شيئًا سوى القرآن , فلْيَمْحُه . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 1 – ص 216 – رقم الحديث 437) .
فلمَّا بدأ الإمام البخاري ثمَّ الإمام مسلم ثمَّ غيرهما في جمع الأحاديث بعد وفاة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كان من المنطقي أن يكون هناك اختلاف في بعض الألفاظ , لأنَّ الذين رَوَوْا هذه الأحاديث اعتمدُوا في الغالب على ذاكرتهم لاسترجاع أحاديثَ سمعُوها , ولَمْ يُؤمَروا عند سماعها بحفظِها حرفًا حرفًا مثل القرآن . ولو أنَّكَ مثلا سألتَ شخصَيْن فَوْر خروجهما من قاعةٍ للمحاضرات : ماذا قال المحاضر في النُّقطة الفُلانيَّة ؟ لَحصَلْتَ على قَوْلَيْن مُختَلِفَيْن قليلاً في اللَّفظ , قَريبَيْن في المعنى .
ثمَّ إنَّ اختلاف الرِّوايات يزيدُ الحديث توثيقًا , لأنَّه يدلُّ على أنَّ الكلام قِيلَ فعْلاً أو أنَّ الحادثة وقعتْ وليستْ مُختَلَقة .
بقيَ أن نلاحظ أنَّ المسلمين عندما يستشهدُون بحديث نبوي , فإنَّهم يذكُرون فقط الرَّاوي الأوَّل والرَّاوي الأخير في السِّلسلة , لكي لا يَملَّ السَّامع أو القارئ من طول سلسلة الرُّواة .

نختم هذا العنصر بالقول بأنَّه لو كان محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَبْتغي الشُّهرة والسُّلطة من وراء النُّبوَّة , لَكان ادَّعى أنَّه ابنُ اللَّه أو شريكُه أو غير ذلك ! حاشَى له ولغيره من الأنبياء أن يدَّعُوا ذلك ! كلُّهم كانُوا يُنزِّهون اللَّهَ تعالى أن يكُون له ولدٌ أو زوجة أو شبيه , وكلُّهم كانُوا يعتزُّون أنَّهم عبادٌ للَّه , ويطلُبون من أتباعهم ألاَّ يَرفعوهم فوق هذه الدَّرجة .
فقد روى النّسائي في السُّنن الكبرى عن أنَس رضي اللَّه عنه , أنَّ ناسًا قالُوا لِرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا خيرنا وابن خيرنا ويا سيِّدنا وابن سيِّدنا . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا أيُّها النَّاس , علَيْكُم بقَوْلِكُم ولا يَسْتَهْوِيَنَّكُم الشَّيْطان , إنِّي لا أريدُ أن ترفعُوني فوقَ مَنْزلَتي التي أنْزَلَنيها اللَّهُ تعالَى , أنا مُحَمَّد بن عبد اللَّه , عبدُهُ ورسُولُه . (السّنن الكبرى – الجزء 6 – ص 71 – رقم الحديث 10078) .





رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :68  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:42
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


معجزات النَّبيّ محمَّد



إلى جانب القرآن الكريم الذي يبقى معجزة كلِّ الأزمان , أيَّدَ اللَّهُ تعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمعجزات أخرى ملموسة شاهدها النَّاس .
من ذلك : مُعجزة نَبْع الماء من بين أصابعه في مُناسبات مختلفة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما , قال : عطشَ النَّاسُ يوم الحدَيْبِيَة , والنَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بينَ يدَيْه ركْوَةٌ , فتَوَضَّأ , فجهشَ (أي أسرعَ) النَّاسُ نَحْوَه . فقال : ما لَكُم ؟ قالُوا : ليْسَ عندنا ماءٌ نَتَوَضَّأ ولا نَشْربُ , إلاَّ ما بَيْنَ يَدَيْك . فوَضَع يَدَهُ في الرَّكْوَة , فجَعَلَ الماءُ يَثُور بينَ أصابعه كأمثال العُيُون , فشَربْنا وتَوَضَّأنا .
قلتُ (أي قال سالم لِجابر) : كَمْ كُنْتُم ؟ قال : لو كُنَّا مائة ألْف لَكَفَانا , كُنَّا خَمْسَ عشْرة مائة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1310 – رقم الحديث 3383) .
وفي حادثة أخرى : روى ابنُ خزيمة في صحيحه عن ثابت وقتادة عن أَنَس (بن مالك) رضي اللَّه عنه , قال : طلَبَ بعضُ أصحاب النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وُضُوءًا , فلَمْ يَجِدُوا , فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : هَاهُنَا ماء . فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وضَعَ يَدهُ في الإناء الذي فيه الماء , ثمَّ قال : تَوَضَّأوا باسْم اللَّه , فرأيْتُ الماءَ يَفُور مِن بَيْن أصابعه والقَومُ يَتَوضَّأون , حتَّى تَوَضَّأوا عن آخِرهم !
قال ثابت : فقلتُ لأنَس : كَم تَراهُم كانُوا ؟ قال : نَحْوًا مِن سَبْعين . (صحيح ابن خزيمة – الجزء 1 – ص 74 – رقم الحديث 144) .

ومن معجزات النَّبيِّ أيضًا : تكثير الطَّعام وزيادة البركَة فيه , في مناسبات عديدة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : واللَّهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هو , إنْ كنتُ لَأعتَمِدُ بكَبدي على الأرض من الجوع , وإنْ كنتُ لَأشُدُّ الحجَر على بَطْني من الجوع . ولقد قَعَدتُ يومًا على طَريقهم (أي طريق أصحاب النَّبيّ) الذي يَخرجُون منه , فمَرَّ بي أبو بكر , فسألْتُه عن آيةٍ من كتاب اللَّه , ما سألْتُه إلاَّ لِيُشْبِعَني *, فمَرَّ ولَم يَفْعَلْ . ثمَّ مَرَّ بي عُمر , فسألْتُه عن آيةٍ من كتاب اللَّه , ما سألْتُه إلاَّ لِيُشْبِعَني *, فمَرَّ ولَم يَفْعَلْ .
ثمَّ مَرَّ بي أبو القاسم (أي محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فتَبَسَّم حينَ رآني وعرفَ ما في نَفْسي وما في وجْهي , ثمَّ قال : يا أبا هِرّ (للمُداعبة) , قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : الْحَقْ .
ومَضَى , فتَبعْتُه , فدخَلَ (إلى بيته) , فاسْتَأذنَ فأُذِنَ لي , فدخلتُ . فوَجَد لَبَنًا في قَدح , فقال : مِنْ أيْنَ هذا اللَّبن ؟ قالُوا : أهْداهُ لكَ فُلان أو فُلانة , فقال : أبا هِرّ , قلتُ : لَبَّيكَ يا رسولَ اللَّه , قال : الْحَقْ إلى أهل الصُّفَّة , فادْعُهم لي .
قال أبو هُرَيْرة : وأهلُ الصُّفَّة (هم) أضْيافُ الإسلام , لا يَأوُونَ على أهْلٍ ولا مالٍ ولا على أحَد , إذا أتَتْهُ (أي النَّبيّ) صدَقَةٌ بَعَثَ بها إليهم ولَمْ يتناوَلْ منها شيْئًا , وإذا أتَتْهُ هديَّةٌ أرسلَ إليهم وأصابَ منها وأشرَكهُم فيها .
قال أبو هُرَيْرة : فسَاءَني ذلكَ , فقلتُ (أي في نَفْسي) : وما هذَا اللَّبَنُ في أهْل الصُّفَّة (أي هو قليلٌ جدًّا وهم كَثيرُو العدد) ؟! أنا كنتُ أحَقّ أن أصِيبَ من هذا اللَّبن شرْبَةً أتَقَوَّى بها ! فإذا جاءُوا , أمَرَني , فكنتُ أنا أُعطِيهم , وما عسَى أن يَبْلُغَني من هذا اللَّبن ؟!
ولَمْ يَكُن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله بُدٌّ , فأتَيْتُهم فدَعَوْتُهم , فأقْبَلُوا واسْتَأذَنُوا , فأُذِنَ لهم وأخَذُوا مجالِسَهم من البَيْت . فقال : (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) : يا أبا هِرّ , قلْتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : خُذْ فأعْطِهم . فأخذْتُ القَدَح , فجعلْتُ أُعْطيه الرَّجُلَ فيَشْربُ حتَّى يَرْوَى ثمَّ يَرُدُّ علَيَّ القَدَح , فأعْطيه الرَّجُلَ فيَشْربُ حتَّى يَرْوَى ثمَّ يَرُدُّ علَيَّ القَدَح , حتَّى انْتَهَيْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وقد رَوَى القومُ كلُّهم !
فأخذَ القَدَح فوَضَعهُ على يَده , ونظَرَ إليَّ فتبسَّم وقال : يا أبا هِرّ , قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : بَقيتُ أنا وأنت , قلتُ : صدقْتَ يا رسولَ اللَّه , قال : اقْعُدْ فاشْرَبْ . فقعدتُ فشربْتُ , فقال : اشْرَبْ , فشربْتُ , فَمَا زالَ يقولُ : اشربْ , حتَّى قلْتُ : لا , والَّذي بعَثَكَ بالحَقِّ ما أجدُ له مَسْلَكًا ! قال : فأَرِنِي , فأعطَيْتُه القَدَح , فحمدَ اللَّهَ وسَمَّى وشربَ الفَضْلَة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2370 – رقم الحديث 6087) .
وفي حادثة أخرى : روى الإمام البخاري أيضًا عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه , قال : كُنَّا يومَ الخندق نَحفِر , فعرضَتْ كُدْيَةٌ شديدة (أي حجارةٌ صمَّاء) , فجاءوا النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقالُوا : هذه كُديةٌ عرضَتْ في الخَنْدق , فقال : أنا نازل . ثمَّ قام وبطْنُه مَعصوبٌ بحجَر (وذلك لِلتَّخْفِيف من آلام الجوع) , ولَبثْنَا (أي وقد كُنَّا لَبثْنَا) ثلاثة أيَّام لا نذوقُ ذواقًا (أي لم نَأكل شيئًا) . فأخذَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المعْوَلَ , فضربَ في الكُدْيَة , فعاد كَثيبًا أهْيَل , أو أهْيَم , (أي تفتَّتَت الحجارة) .
فقلتُ : يا رسولَ اللَّه , ائذَنْ لي إلى البيْت . (فأذن لي ورجعتُ إلى بيتي) , فقلتُ لِامرَأتي : رأيتُ بالنَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم شيئًا ما كان في ذلكَ صبرٌ , فعِنْدَكِ شيء ؟ قالتْ : عندي شعيرٌ وعناق (وهو صغيرُ المعْزَة) . فذبَحْتُ العناق وطحنتُ الشَّعير , حتَّى جعلْنَا اللَّحم في البُرمة (وهي قِدْر يُصنع من الحجارة) . ثمَّ جئتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , والعجينُ قد انكسر , والبُرمةُ بين الأثافي (وهي الحجارة التي يُوضع عليها القِدْر) قد كادتْ تَنْضج , فقلْتُ : طُعَيِّمٌ لي , فقُم أنتَ يا رسولَ اللَّه ورجلٌ أو رجُلان . قال : كَمْ هو ؟ فذكَرْتُ له , فقال : كثيرٌ طَيِّب , قُلْ لها لا تَنْزِعُ البُرْمةَ ولا الخُبْزَ من التَّنُّور (وهو الكانون أو الفرن) حتَّى آتِي .
ثمَّ قال (أي لِأصحابه) : قُومُوا . فقامَ المهاجِرُون (وهم المسلمون الذين هاجرُوا من مكَّة إلى المدينة) والأنصار (وهم المسلمون من سكَّان المدينة) . فلمَّا دخلتُ على امرأتي , قلتُ : وَيْحَكِ , جاء النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بالمهاجرينَ والأنصار ومَنْ معهُم ! قالتْ : هلْ سألَك ؟ قلتُ : نعم .
وقال (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِأصحابه) : ادخُلُوا ولا تَضاغَطُوا (أي لا تَزاحَمُوا) . فجعلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويجعلُ عليه اللَّحْمَ , ويُخَمِّرُ البُرمة والتَّنُّور (أي يُغطِّيهما بقُماش) إذا أخذَ منهما , ويُقرِّبُ إلى أصحابه , ثمَّ يَنْزِع (أي يُعيد نفس العمليَّة) . فلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويَغْرِفُ (أي يجعلُ عليه اللَّحم) , حتَّى شَبِعُوا . وبَقِيَ بقيَّةٌ , فقال : كُلِي هذا وأهْدِي , فإنَّ النَّاسَ أصابَتْهُم مَجَاعةٌ . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1505 – رقم الحديث 3875) .
وفي حادثة أخرى : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة أو عن أبي سعيد (الخدري) رضي اللَّه عنهما , قال : لَمَّا كان غَزْوَة تَبُوك , أصابَ النَّاسَ مَجاعَةٌ فقالُوا : يا رسولَ اللَّه , لَوْ أذنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنَا (أي جِمالَنا) فأكَلْنَا وادَّهنَّا . فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : افْعَلُوا . فجاءَ عُمَر فقال : يا رسولَ اللَّه , إن فعَلْتَ , قَلَّ الظَّهر , ولكن ادْعُهُم بفَضْلِ أزْوادِهم , ثمَّ ادْعُ اللَّهَ لهم عليْها بالبَرَكة , لَعَلَّ اللَّه أن يَجْعَلَ فيها ذلك . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : نَعَم .
فَدَعَا بِنَطْعٍ فبَسَطَه , ثمَّ دَعَا بِفَضْلِ أزوادِهم , فجعلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بِكَفِّ ذُرَة , ويَجيءُ الآخرُ بِكَفِّ تَمْر , ويَجيءُ الآخرُ بِكِسْرة , حتَّى اجتمعَ على النَّطْع من ذلك شيءٌ يَسير . فدَعَا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عليه بالبَركَة , ثمَّ قال : خُذُوا في أَوْعِيَتِكُم . فأخَذُوا في أَوْعِيَتِهم حتَّى ما تَركُوا في العَسْكَر وعاءً إلاَّ مَلَأوه ! فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا وفَضَلَتْ فَضْلَة . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أشهدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّه وأنِّي رسولُ اللَّه , لا يَلْقَى اللَّهَ بهما عَبْدٌ غير شاكٍّ فَيُحْجَب عن الجنَّة . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 56 – رقم الحديث 27) .

ومن معجزات النَّبيِّ أيضًا : ما رواه الحاكم في مُستَدرَكه عن محمَّد بن عمر رضي اللَّه عنه , قال : شهدَ قَتادة بن النُّعمان العَقَبَة مع السَّبعين من الأنصار , وكان من الرُّماة المذْكورين من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , شَهِدَ بَدْرًا وأُحُدًا , ورُمِيَتْ عَيْنُه يَومَ أُحُد , فسالَتْ حَدقتُه على وَجْنَتِه , فأتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللَّه , إنَّ عِنْدي امرأةً أُحِبُّها , وإن هي رأتْ عَيْني خَشِيتُ تَقذُّرها . فرَدَّها رسولُ اللَّه بِيَده , فاسْتَوَتْ ورجعَتْ , وكانتْ أقْوى عَيْنَيْه وأصحَّهما بعد أن كَبُر ! (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 3 – ص 334 – رقم الحديث 5281) .

هذه إذًا بعض المعجزات التي أجراها اللَّهُ تعالى على يَدَيْ نَبِّيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهناك الكثير من المعجزات الأخرى لَمْ نَذْكُرها هنا . وإذا كُنتِ سيِّدتي الفاضلة تجدين صعوبة في التَّصديق بأنَّها وقعتْ فعلاً , فتذكَّري أنَّكِ صدَّقتِ ما هو أغْرب من ذلك , وهو أنَّ الأرض التي تعيشين فوقها تدور بكِ الآن بسرعة 1600 كلم في السَّاعة , وأنتِ لا تشعرين بأيِّ شيء ! فلِمَ العجَبُ إذًا من معجزاتٍ تَتِمُّ كلُّها بأمر اللَّه الذي يقول للشَّيء كُنْ فَيَكُون ؟!
وإذا كان النَّصارى استغربُوا من شفاء المسيح عليه السَّلام للمَرضَى وإحيائه للمَوْتَى , فادَّعَوْا أنَّه ابنُ اللَّه , فإنَّ المسلِمين علِمُوا أنَّ معجزات نبيِّهم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ومعجزات موسى وعيسى عليهما السَّلام , لَمْ تَكُن مِن صُنْعهم هم وإنَّما تَمَّتْ بإذْن اللَّه , لأنَّه هو وحده الذي يَملِكُ القُدرة على خَرْق القوانين الكونيَّة مَتَى يشاء وكيف يشاء . لذلك , لَمْ يَرفع المسلمُون محمَّدًا ولا عيسى ولا غيرهما من الأنبياء عليهم السَّلام عن مُسْتَوى البَشَر .
______________
التالي بإذن الله تعالى: هل دعا محمَّدٌ اليهودَ والنَّصارى إلى الإسلام ؟





المزيد من مواضيعي
رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :69  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:43
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


هل دعا محمَّدٌ اليهودَ والنَّصارى إلى الإسلام ؟



طبعًا ! فهو رسولٌ إلى النَّاس كافَّة , وليس إلى قَوْمه فقط مثلما كان الأنبياء قبله . يقول اللَّه تعالى مخاطبًا محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 158 } (7- الأعراف 158) .
لهذا , لم يقتصر النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على دعوة قُريش فقط إلى الإسلام , بل دعا اليهُود أيضًا والنَّصارى , وأرسل رُسُلَه إلى ملُوك الفُرس والرُّوم وبقيَّة العَرب .
وكان اليهودُ يسكُنون المدينة التي هاجر إليها النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مع أصحابه . وذلك أنَّ أجدادَهم من الأحبار كانُوا يقرءون في كُتُبهم عن قُرب ظُهور نبيٍّ , يُبعَثُ في المدينة . فجاء بعضُهم إليها واستقرُّوا بها ظانِّين أنَّ هذا النَّبيَّ سيكون واحدًا من بينهم , فيكونُون أوَّل مَنْ يَتَّبعُه . فلمَّا بُعِثَ محمَّدٌ نبيًّا عربيًّا من سُلالة إسماعيل بن إبراهيم , وليس يهوديًّا من سلالة إسحاق بن إبراهيم , عليهم السَّلام جميعًا , تَملَّكَتْهُم الغيرة والحسد , فكَفرُوا بمحمَّد وكادُوا له المكائد !
فقد روى ابن إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة , قال : حدَّثَني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجالٍ من قومه , قالُوا : إنَّ مِمَّا دعانَا إلى الإسلام , مع رحمة اللَّه تعالى وهُداه , ما كُنَّا نسمعُ من رجال يَهُود . كُنَّا أهل شرْكٍ , أصحاب أوْثان , وكانُوا أهل كِتاب , عنْدَهم عِلْمٌ ليْسَ لنا . وكانتْ لا تزالُ بيننا وبينهم شُرور , فإذَا نِلْنَا منهم بعضَ ما يَكْرهون قالُوا لنا : إنَّه تَقاربَ زمانُ نَبيٍّ يُبْعثُ الآن , نُقاتِلُكم معه قتْلَ عادٍ وإِرَم . فكُنَّا كثيرًا ما نسمعُ ذلكَ منهم .
فلمَّا بَعثَ اللَّهُ رسولَه محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أجَبْنَاه حينَ دَعانا إلى اللَّه تعالى , وعرَفْنا ما كانُوا يَتَوَعَّدونَنا به , فبَادَرْنَاهم إليه , فآمَنَّا به , وكفَرُوا ! ففِينَا وفيهم نزلتْ هذه الآية : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ 89 } (2- البقرة 89) .
وروى الحاكم في مُستدركه عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قالَ : كانت يَهودُ خَيْبَر تُقاتِلُ غَطَفان , فكُلَّما الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُود خَيْبَر . فعَاذت اليهودُ بهذا الدُّعاء : اللَّهُمَّ إنَّا نسْألُكَ بحَقِّ محمَّد النَّبيِّ الأُمِّي الذي وَعَدْتَنا أن تُخْرجَه لَنَا في آخِر الزَّمان , إلاَّ نَصَرْتَنَا عليهم .
فكانُوا إذا الْتَقَوْا دَعَوْا بهذا الدُّعاء , فهَزَمُوا غَطفان . فلمَّا بُعِثَ النَّبيُّ (محمَّدٌ) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كفَرُوا به , فأنزلَ اللَّهُ : وقد كانُوا يَستَفتِحون بك يا محمّد على الكافرين (انظر الآية 89 من سورة البقرة التي ذكَرْناها) . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 2 – ص 289 – رقم الحديث 3042) .

وكان أحبارُ اليهود يأتون إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لا لِيَسْألوه عن الإسلام , وإنَّما لِيُحاولُوا أن يَلْبِسُوا عليه الحقَّ بالباطل ! فكان القرآنُ يَنزلُ لِيَفضحهم .
قال ابنُ إسحاق في كتابه السِّيرة النَّبويَّة : مثال ذلك أنَّ كعْب بن أسد , وابن صلُوبا , وعبد اللَّه بن صُوري , وشاس بن قيس , اجْتمعُوا يومًا فقالُوا : لِنَذْهبْ إلى محمَّد لَعلَّنا نَفْتِنه عن دينه , فإنَّما هو بَشَر . فأتَوْه فقالُوا : يا محمَّد , إنَّك قد عرفْتَ أنَّنا أحبارُ يَهود وأشرافُهم وساداتُهم , وإنَّا إن اتَّبعْناكَ اتَّبَعتْكَ يَهود ولم يُخالِفُونا , وإنَّ بيْنَنا وبينَ بعض قَوْمنا خُصُومة , أفَنُحاكمُهم إليك فتَقْضي لنا عليهم , ونؤمنُ بك ونُصدِّقك ؟ فأبَى رسولُ اللَّه عليهم ذلك , وأنزلَ اللَّهُ تعالى فيهم : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ 49 أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 50 } (5- المائدة 49-50) .

وفي حادثة أخرى : روى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة , قال : أتَى رافع بن حارثة , وسلاَّم بن مشْكَم , ومالك بن الصَّيف , ورافع بن حُرَيْملة , النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقالُوا : يا محمَّد , ألسْتَ تزعُم أنَّكَ على مِلَّة إبراهيمَ ودِينه , وتُؤمنُ بما عندَنا من التَّوراة وتشْهَدُ أنَّها من اللَّه حقٌّ ؟
قال : بلَى , ولكنَّكُم أحْدَثْتُم وجحَدْتُم ما فيها مِمَّا أخذَ اللَّهُ عليكم من الميثاق , وكتَمْتُم منها ما أُمِرْتُم أن تُبَيِّنُوه للنَّاس , فبَرِئْتُ مِن إحْداثِكُم . قالُوا : فإنَّا نأخُذُ بِما في أيْدينا , فإنَّا على الهدى والحقّ , ولا نُؤمنُ بكَ ولا نتَّبعُك ! فأنزلَ اللَّه تعالى فيهم : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 68 } (5- المائدة 68) .

وروى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن أبي هرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ أحبارَ يَهود اجْتَمعُوا في بيْت المِدْراس , حين قدم محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المدينة , وقد زنَى رجلٌ منهم بعد إحْصانه بامرأةٍ من يَهود قد أُحْصِنَت , فقالُوا : ابْعَثُوا بهذَا الرَّجُل وهذه المرأة إلى محمَّد , فسَلُوه كيفَ الحكْمُ فيهما , ووَلُّوه الحكْمَ عليهما , فإن عملَ فيهما بعَمَلِكم من التَّجْبِيَة (وهي أن يُجْلَدَا بحبْلٍ , ثمَّ تُسَوَّد وُجُوههما , ثمَّ يُحْمَلان على حمارَيْن , وتُجعَل وُجُوههما من قِبَل أدْبار الحمارَيْن) فاتَّبِعُوه , فإنَّما هو مَلِكٌ وصَدِّقُوه , وإن هو حكَم فيهما بالرَّجْم , فإنَّه نبيٌّ فاحذَروه على ما في أيْديكم أن يَسْلُبْكُموه !
فأتَوْه , فقالُوا : يا محمَّد , هذا رجلٌ قد زنَى بعد إحصانِه بامرأةٍ قد أُحْصِنتْ , فاحكُم فيهما فقد وَلَّيْناك الحكْمَ فيهما . فمشَى رسولُ اللَّه حتَّى أتى أحْبارَهم في بيْت المِدْراس , وقالَ : يا معْشر يَهود , أخْرِجُوا إليَّ عُلَماءكُم . فأخْرجُوا له عبْدَ اللَّه بن صوريا , وكان غلامًا شابًّا من أحْدَثِهم سِنًّا , وقالُوا : هذا أعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بالتَّوراة .
فخَلاَ به رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وألَحَّ عليه السُّؤال , يقول له : يا ابنَ صُوريا , أنْشدُكُم اللَّهَ وأُذَكِّرُكُم بأيَّامه عند بَني إسرائيل , هل تعلَمُ أنَّ اللَّهَ حكمَ في التَّوراة في مَنْ زنَى بعْد إحْصانه : بالرَّجْم ؟ قال : اللَّهمَّ نعَم , أمَا واللَّهِ يا أبا القاسِم إنَّهم لَيَعْرفُون أنَّكَ نَبيٌّ مُرْسَل , ولكنَّهم يَحْسُدُونك ! فخرج رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وأمرَ بهما (أي بالرَّجل والمرأة) فرُجِمَا عند باب مسْجده في بَني غنم بن مالِك بن النَّجَّار . ثمَّ كَفَر ابنُ صُوريا بعد ذلكَ !
وروى ابنُ إسحاق أيضًا في كتابه السِّيرة النَّبويَّة عن صفيَّة بنْت حُيَيّ بن أخطَب , وكانت يهوديَّة ثمَّ أسلَمتْ وتزوَّجها النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , قالتْ : كنتُ أَحَبَّ وَلَد أبي إليه وإلى عمِّي أبي ياسر , لم ألْقَهُما قَطُّ مع وَلَدٍ لَهُما إلاَّ أخَذَاني دُونَه . فلمَّا قدم رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المدينةَ ونزلَ بقُبَاء في بَني عَمْرو بن عَوْف , غَدَا عليه أبي حُيَيّ وعمِّي أبو ياسر , فلم يَرْجِعَا إلاَّ مع غروب الشَّمس . فأتَيَا يَمْشيَان الهُوَيْنَى , فهششْتُ إليهما كما كنتُ أصنع , فوَاللَّهِ ما التَفَتَ إليَّ واحدٌ منهما , لِمَا بهما من الغَمّ . وسمعتُ عمِّي أبا ياسر يقول لأبي : أَهُوَ هُوَ ؟ قال : نعَم واللَّه ! قال : أتَعْرِفُه وتُثْبِتُه ؟ قال : نعَم , قال : فمَا في نَفْسِكَ منه ؟ قال : عداوَته واللَّهِ ما بَقِيتُ !

هكذا إذًا كان حالُ النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مع اليهود : هم كانُوا يعرفُون أنَّه نبيّ آخر الزَّمان الذي يجدون صفاته في التَّوراة , لكنَّهم حَسَدوه لأنَّه لم يأتِ منهم , وأصرُّوا على الكُفر به وعَداوته , وهو لم ينفكَّ يَدعوهم إلى الإسلام , لأنَّه كان يعلم أنَّهم إذا ماتُوا على غير ذلك فسوف يكون مصيرهم إلى جهنَّم خالدين فيها .
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : والذي نَفس محمَّد بيَدِه , لا يَسْمع بي أحدٌ من هذه الأمَّة , يهودي ولا نصراني , ثمَّ يموتُ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به , إلاَّ كان من أصحاب النَّار . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 134 – رقم الحديث 153) .





المزيد من مواضيعي
رد باقتباس
   
  رقم المشاركة :70  (رابط المشاركة)
قديم 16.01.2011, 14:44
صور كلمة سواء الرمزية

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
افتراضي


وماذا عن دعوته النَّصارى إلى الإسلام ؟



قال ابنُ إسحاق , نقلاً عن كتابه السِّيرة النَّبويَّة مع تصرّف بسيط في سَرْد القصَّة : لَمَّا هاجر النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إلى المدينة , قدم عليه وَفْدٌ من نصارى نجران , وهي مدينة على وادي نجران , على الحدود بين اليمن والسّعوديَّة . وكان الوَفْدُ يتكوَّنُ من ستِّين رجلاً , فيهم أربعة عشَر من أشرافهم , منهم ثلاثةٌ يعودُ أمْرُهُم إليهم , وهم :
- العاقِب : وهو أميرُ القوم وذُو رأْيهم وصاحبُ مَشُورتهم , والذي لا يَصْدرون إلاَّ عن رَأْيه .
- والسَّيِّد : وهو الذي يُشْرف على رحْلِهم وشؤونهم ويَقوم بأمورهم .
- وأبو حارثة بن علْقَمة : وهو أسْقُفُهم , وكان قد شرُفَ فيهم ودَرَسَ كُتُبَهم حتَّى حسُنَ عِلْمُه في دينهم , فشرَّفَتْه ملُوكُ الرُّوم من أهْل النّصْرانيَّة ومَوَّلُوه , وبَنَوْا له الكنائس لِمَا بَلَغَهم عنه من عِلْمه واجْتهاده في دينهم .
وكانَ هذا الوفدُ يشتملُ على ثلاث فِرَق النّصرانيَّة :
- فرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح هو اللَّه , ويحتجُّون على ذلك بأنَّه كانَ يُحْيِي الموتَى , ويُبرئُ المرضَى .
- وفرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه , ويحتجُّون على ذلك بأنَّه لم يكن له أب , وأنّه تكلَّم في المهْد .
- وفرقةٌ يقولُون بأنَّ المسيح ثالثُ ثلاثة , هو ومريم واللَّه , ويحتجُّون على ذلك بقول اللَّه : فَعلْنا , وأمَرْنا , وخلَقْنا , ولو كان اللَّهُ واحدًا لقال : فعلتُ , وقضيْتُ , وأمرْتُ ! تعالى اللَّهُ عن قولهم عُلُوًّا كبيرًا , وقد ردَّ القرآن الكريم على كلِّ ذلك .
فلَمَّا كان الوفْدُ في الطَّريق , عَثَرتْ بغْلَةُ أبي حارثة , وإلى جانبه أخٌ له اسمُه كُرز بن علْقَمة , فقال كُرْز : تَعِسَ الأبْعَد (يَقصد محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) , فقال أبو حارثة : بل أنتَ تَعِسْتَ ! قال : ولِمَ يا أخي ؟! قال : واللَّهِ إنَّه لَلنَّبيُّ الذي كُنَّا نَنتظِرْ ! قال : وما يَمنعُك من الإيمان به وأنت تعلَم هذا ؟! قال : ما يَمنعُني هو ما صنعَ بنا هؤلاء القوم (يقصدُ نصارى نجران ونصارى الرُّوم) , شَرَّفُونا ومَوَّلُونا وأكْرمُونا , وقد أبَوْا إلاَّ خلاف محمَّد , فلو آمنْتُ به , نَزعُوا منَّا كُلَّ ما ترى !
وقد كانت هذه الحادثة سببًا في إسلام كُرْز بن عَلْقَمة بعد ذلك , فكان يتحدَّثُ بها .
فلمَّا وصلَ وَفدُ نَجْران إلى المدينة , دخلُوا على النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في مسجده حين صلَّى العصْر , وقد حانتْ صلاتُهم , فقامُوا يُصلُّون في المسجد , فقالَ النَّبيّ : دَعُوهم , فصلَّوْا إلى المشرق .
فلمَّا انْتَهَوْا , قال لهم النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أسْلِمُوا , قالُوا : قد أسلَمْنا , قال : إنَّكُم لم تُسلِمُوا , قالُوا : بلَى قدْ أسْلَمْنا قبْلَك , قال : كذبْتُم , يَمْنعُكُم من الإسلام ادّعاؤكُم أنَّ للَّه ولدًا , وعِبادتكم الصَّليب , وأكْلكُم الخِنْزير . قالُوا : فمَنْ أبُوه يا محمَّد (يقصدون مَنْ أبُ المسيح عليه السَّلام) ؟ فصمَتَ عنهم ولم يُجِبْهم .
وأنزلَ اللَّهُ تعالى جزءًا من سورة آل عمران للرَّدِّ على نصارى وفد نجران , وهو أيضًا ردٌّ على النَّصارى عُمومًا إلى آخر الزَّمان . يقول اللّه تعالى : { الم 1 اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2 نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 3 مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ 4 إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ 5 هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 6 } (3- آل عمران 1-6) . فإذا كان النَّصارى يَعترفُون بأنَّ المسيح عليه السَّلام صُوِّر في الرَّحِم , وتقلَّب فيه مثل كلِّ النَّاس , فكيفَ يتَّخِذونه إلهًا أو يدَّعون أنَّه ابنُ اللَّه ؟!
ثمَّ قال تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 18 إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 19 فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 20 } (3- آل عمران 18-20) . وهذا تأكيدٌ جديد على أنَّ اللَّهَ واحدٌ لا إله غيره , وأنَّ الدِّين واحدٌ وهو الإسلام , وأنَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مبعُوثٌ إلى كلّ النَّاس , بما فيهم اليهود والنَّصارى , لذلك أمَرهُ اللَّه تعالى أن يَدْعوهم أيضًا إلى الإسلام .
ثمَّ قال تعالى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 45 وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ 46 قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 47 وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ 48 وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 49 وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 50 إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ 51 فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 52 رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ 53 وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ 54 إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 55 فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ 56 وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 57 ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ 58 إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 59 الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 60} (3- آل عمران 45-60) . هذه مرَّةً أخرى حقيقة النبَّيِّ عيسَى عليه السَّلام , كما فَصَّلَها اللَّهُ تعالى في هذا الموضع وفي مواضع أخرى من القرآن الكريم . فباللَّه عليكِ يا ابنتي الفاضلة , أليسَ هذا القول هو الأقرب إلى المنطِق ؟! أليسَ هو الأحقّ بالتَّصديق والاتِّباع ؟!

ثمَّ قال تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ 61 } (3- آل عمران 61) . وهذا أمرٌ من اللَّه تعالى إلى نبيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أن يَدْعُو وَفْدَ نَصارى نجران إلى المُباهَلَة (أي المُلاعَنة , بالطَّريقة التي فصَّلَتْها الآية) , إذا هم لم يُسلِمُوا وأصرُّوا على عقيدتهم الخاطئة بخصوص المسيح عليه السَّلام , مِن بَعْد ما جاءهُم قَوْلُ اللَّه تعالى فيه .
فقَرَأ النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على الوَفْد الآيات التي نزلَتْ عليه من سورة آل عمران , ودعاهُم إلى المُباهلَة . فقالُوا له : يا أبا القاسم , دَعْنَا نَنْظُر في أمْرِنَا ثمَّ نأْتيكَ بما نُريد أن نَفْعلَ فيما دَعَوْتَنا إليه . فانْصَرفُوا عنه , ثمَّ خَلَوْا بالعاقِب , وكان ذَا رأْيهِم , فقالُوا : يا عبْدَ المسيح , ماذا تَرَى ؟
قال : واللَّهِ يا معْشَر النَّصارى لقد عرفْتُم أنَّ محمَّدًا لَنَبيٌّ مُرْسَل , ولقد جاءكُم بالفَصْل من خَبَر صاحبكُم (أي جاءكُم بالقول الحقِّ بخصوص المسيح عليه السَّلام) , ولقدْ علِمْتُم ما لاَعَنَ قومٌ نبيًّا قَطُّ فبَقِيَ كبيرُهم ولا نَبتَ صغيرُهم , وإنَّه لَلاسْتِئْصَالُ لكُم إن فعَلْتُم . فإن كنتُم قد أبَيْتُم إلاَّ إِلْفَ دِينكُم والإقامَة على ما أنْتُم عليه من القَوْل في صاحِبكُم , فَوَادِعُوا الرَّجُلَ ثمَّ انْصَرِفُوا إلى بلادِكُم .
وقد روى الإمام أحمد حديثًا بخصوص المُباهلَة , يؤكِّد كلام العاقب . فعن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنه , قال : قال أبو جهل (رأسُ المشركين في قريش) : لَئِنْ رأيتُ محمَّدًا يُصلِّي عند الكعبة , لآتِيَنَّه حتَّى أطَأَ على عُنُقه . فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : لو فعلَ , لَأخذَتْه الملائكةُ عِيَانًا , ولو أنَّ اليهودَ تَمَنَّوا الموتَ , لَماتُوا ولَرَأوْا مَقاعِدَهم في النَّار , ولو خرجَ الذينَ يُباهِلُون رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , لَرَجعُوا لا يجدُون مالاً ولا أهلاً ! (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 1 – ص 248 – رقم الحديث 2225) .
فأخذ الوفدُ إذًا برأي العاقب , وأتَوْا رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فقالُوا : يا أبا القاسم , قد رأيْنَا ألاَّ نُلاعِنَك , وأن نَترُكَك على دِينِكَ ونبقَى على دِيننا . ولكن ابْعَثْ معنا رجلاً من أصحابك ترضاهُ لنا , يَحكُم بيننا في أشياءَ اخْتَلَفْنا فيها من أموَالنا , فإنَّكُم عندنا رِضًى . فقال النَّبيّ : ائْتُوني العَشِيَّةَ , أبْعَثْ معكُم القَويَّ الأمين .
فكانَ عمر بن الخطَّاب يقول : ما أحببْتُ الإمارةَ قَطُّ حُبِّي إيَّاها يَوْمَئذ , رجاءَ أن أكون صاحِبَها . فرُحْتُ إلى صلاة الظُّهر مُبَكِّرًا , فلمَّا صلَّى بنا رسولُ اللَّه الظُّهرَ , سَلَّم , ثمَّ نَظَر عن يَمينه ويَساره , فجعَلْتُ أتَطاولُ له لِيَراني , فلَمْ يَزلْ يَلْتَمسُ ببَصَره حتَّى رأى أبا عُبَيْدة بن الجرَّاح , فدَعاه وقال : اخْرُجْ معهم , فاقْضِ بينهم بالحقِّ فيما اخْتَلَفُوا فيه .
قال عمر : فذهبَ بها أبو عُبَيْدة .

هذه إذًا قصَّة وَفْد نصارى نجران , وهي كافيةٌ لِلرَّدِّ على كلِّ النَّصارى إلى آخر الزَّمان .





رد باقتباس
رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية
الأنبياء؟!, الإسلام, تعتنق


الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة موضوعات جديدة
لا تستطيع إضافة رد
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

رمز BB تمكين
رمز[IMG]تمكين
رمز HTML تعطيل

الانتقال السريع

الموضوعات المتماثلة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى ردود آخر مشاركة
أخت زوجة توني بلير تعتنق الإسلام Ahmed_Negm ركن المسلمين الجدد 9 19.12.2010 19:15
امرأة اسكتلندية تعتنق الإسلام تأثرا بصلاة القيام تلميذة السيف البتار ركن المسلمين الجدد 2 28.08.2010 18:30
فتاة يهودية تعتنق الإسلام ابو مصطفى ركن المسلمين الجدد 3 07.08.2010 10:47
ناشطة سلام يهودية تعتنق الإسلام أمــة الله ركن المسلمين الجدد 2 18.06.2010 11:14
أشهر فنانات فرنسا تعتنق الإسلام!! زهراء ركن المسلمين الجدد 3 11.01.2010 22:36



لوّن صفحتك :