تعد دولة الرسوليين التي اتخذت من تعــــــــزعاصمةً لها من أطول الدول عمراً في تاريخ اليمن الوسيط إذ استمرت قرنان وثلث القرن ، وحكمها خمسةَ عشرَ ملكاً هناك اتفاق بين معظم المؤرخين والعارفين بالتاريخ اليمني على أن عصر الدولة الرسولية (626-858هـ/1404-1228م) كان أزهى عصور اليمن خلال العصور الإسلامية الوسيطية، سواء من الناحية السياسية، أو الإدارية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الحضارية. وكما يقول أحد الباحثين-إسماعيل الأكوع فقد كانت: "أبرز دول اليمن الحضارية، وأخلدها ذكراً، وأبعدها صيتاً، وأغزرها ثراء، وأوسعها كرماً وإنفاقاً... ويعتبر عصرها عزة في جبين اليمن في عصرها الإسلامي، ذلك لأن عصرها كان أخصب عصور اليمن ازدهاراً بالمعارف المتنوعة، وأكثرها إشراقاً بالفنون المتعددة، وأعزرها إنتاجاً بثمرات الأفكار اليانعة في شتى ميادين المعرفة...". تمكن الرسوليون وبقيادة مؤسس ملكهم الملك المنصور من توحيد اليمن كله تحت حكمهم ، من حضرموت جنوباً وحتى مكة شمالاً، وبسطوا سيادتهم الفعلية على كل جهات اليمن ودخلوا مناطق وحصون لم يستطعها قبلهم الأيوبيون، ودانت لهم القبائل والأسر الحاكمة كالأئمة الزيديين في صعدة وجهاتها وآل حاتم في صنعاء وما حولها،
تميز حكم بني رسول الطويل الأمد بكثير من الإنجازات المهمة في ميدان العلم والتجارة والزراعة والطب، فقد بنوا المدارس الكثيرة وأجزلوا العطاء للعلماء وكان كثير من ملوك بني رسول علماء وشعراء وأصحاب رأي ومؤلفي كتب في فروع المعرفة المختلفة، ولا تزال مدينة تعز إلى يومنا هذا تتزين بمنجزاتهم العمرانية كجامع المظفر وجامع الأشرفية و مدرسة الأشرفية وحصن تعز المسمى الآن قاهرة تعز، بالإضافة إلى آثار المدارس الفقهية، وفي زمانهم برز العلماء والشعراء في كل فن، وهو سر الإعجاب المتزايد بالدولة الرسولية، التي أخذت في الآونة الأخيرة تلقى من المؤرخين والدارسين عموماً اهتماماً نرجو أن يكلل بدراسات مستفيضة تليق بمآثر الرسوليين في تاريخ اليمن الوسيط، ولعل أبرز ما يشير إلى سطوع نجم الدولة الرسولية وتبوؤها مكاناً لائقاً بين أمم عصرها تلك الرسالة التي وجهها مسلمو الصين إلى الملك المظفر يشتكون من تعسف ملك الصين ومنعهم من ختان أولادهم كما يطلب منهم الدين الإسلامي، فمجرد توجيه هذه الرسالة إلى الملك المظفر تفيد أن مسلمي العالم كانوا يرون في الملك الرسولي خليفة للمسلمين يتوجهون إليه بالشكوى، وقد تصرف الملك المظفر بما يتفق ومكانته في نفوس مسلمي الصين، إذ بعث إلى ملك الصين برسالة يطلب فيها منه السماح لمسلمي الصين بممارسة واجب الختان لأبنائهم وبعث إليه بهدية تليق بمقامه، فرفع ملك الصين الحضر على ختان المسلمين لأبنائهم، وهو ما يشير إلى تقدير ملك الصين لمكانة الدولة الرسولية خاصة وأن ملوك الصين المعاصرين للدولة الرسولية قد عدوا أنفسهم سادة على العالمين وأن غيرهم من ملك أو سواه إنما هو عبدٌ لهم كما تبين رواية بهذا المعنى تصف مقابلة وفد بلاد الصين للملك الناصر الرسولي . للمزيد من مواضيعي