رقم المشاركة :11 (رابط المشاركة)
|
|||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||
![]() استباحة بغداد!
وبعد أن ألقى أهل المدينة السلاح، وبعد أن قتلت هذه الصفوة، وبعد أن انساب جند هولاكو إلى شوارع بغداد ومحاورها المختلفة.. أصدر السفاح هولاكو أمره الشنيع "باستباحة بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية".. والأمر بالاستباحة يعني أن الجيش التتري يفعل فيها ما يشاء.. يقتل.. يأسر.. يسبي.. يرتكب الفواحش.. يسرق.. يدمر.. يحرق.. كل ما بدا لهؤلاء الهمج أن يفعلوه فليفعلوه!!.. وانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجساد المسلمين.. واستبيحت مدينة بغداد العظيمة.. اللهم لا حول ولا قوة إلا بك.. كم من الجيوش خرجت لتجاهد في سبيل الله من هذه المدينة!!.. كم من العلماء جلسوا يفقهون الناس في دينهم في هذه المدينة!!.. كم من طلاب العلم شدوا الرحال إلى هذه المدينة!!.. أواه يا بغداد! .. لم يبق لك أحد!.. أين خالد بن الوليد؟ أين المثنى بن حارثة؟ أين القعقاع بن عمرو؟ أين النعمان بن مقرن؟ أين سعد بن أبي وقاص؟ أين الحمية في صدور الرجال؟! أين النخوة في أبناء المسلمين؟! أين العزة والكرامة؟! أين الذين يطلبون الجنة؟ أين الذين يقاتلون في سبيل الله؟ بل أين الذين يدافعون عن أعراضهم ونسائهم وأولادهم وديارهم وأموالهم؟ أين؟!!! لا أحد!!.. لقد فتحت بغداد أبوابها على مصاريعها.. لا مقاومة.. لا حراك.. لم يبق في بغداد رجال.. ولكن فقط أشباه رجال!!.. استبيحت المدينة العظيمة بغداد.. استبيحت مدينة الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل.. استبيحت مدينة الرشيد.. الذي كان يحج عاماً ويجاهد عاماً.. استبيحت مدينة المعتصم.. فاتح عمورية ببلاد الروم.. استبيحت عاصمة الإسلام على مدار أكثر من خمسة قرون!!.. وفعل التتار في المدينة ما لا يتخيله عقل!!.. لقد بدأ التتار يتعقبون المسلمين في كل شارع أو ميدان.. في كل بيت أو حديقة.. في كل مسجد أو مكتبة.. واستحر القتل في المسلمين.. والمسلمون لا حول لهم ولا قوة، فكان المسلمون يهربون ويغلقون على أنفسهم الأبواب، فيحرق التتار الأبوب أو يقتلعونها، ويدخلون عليهم، فيهرب المسلمون إلى أسطح الديار، فيصعد وراءهم التتار، ثم يقتلونهم على الأسطح، حتى سالت الدماء بكثرة من ميازيب المدينة (والميازيب هي قنوات تجعل في سقف المنازل لينزل منها ماء المطر، ولا يتجمع فوق الأسطح).. ولم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء فقط.. إنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ، وكانوا يقتلون النساء إلا من استحسنوه منهن؛ فإنهم كانوا يأخذونها سبياً.. بل وكانوا يقتلون الأطفال.. بل كانوا يقتلون الرضع!!.. وجد جندي من التتار أربعين طفلاً حديثي الولادة في شارع جانبي، وقد قُتلت أمهاتهم، فقتلهم جميعاً!!. قلوب كالحجارة.. أو أشد قسوة!!.. وتزايد عدد القتلى في المدينة بشكل بشع.. ومر اليوم الأول والثاني والثالث والعاشر.. والقتل لا يتوقف.. والإبادة لا تنتهي.. ولا دفاع.. ولا مقاومة.. فقد دخل في روع الناس أن التتار لا يهزمون.. ولا يجرحون.. بل إنهم لا يموتون!!.. كل هذا والخليفة حي يشاهد.. وهذا هو العذاب بعينه.. هل تتخيلون الخليفة وهو يشاهد هذه الأحداث؟! هل تتخيلون الخليفة ابن الخلفاء.. العظيم ابن العظماء.. وهو يقف مقيداً يشاهد كل هذه المآسي؟! - قتل ولدان من أولاده.. - أسر ابنه الثالث.. - أسرت أخواته الثلاث.. - قتل معظم وزرائه.. - قتل كل علماء بلده وخطباء مساجده وحملة القرآن في مدينته.. - اكتشف خيانة أقرب المقربين إليه "مؤيد الدين العلقمي الشيعي.." - دمر جيشه بكامله.. - نهبت أمواله وثرواته وكنوزه ومدخراته.. - استبيحت مدينته وقتل من شعبه مئات الآلاف أمام عينيه.. - أحرقت العاصمة العظيمة لدولته، ودمرت مبانيها الجميلة.. - انتشر التتار بوجوههم القبيحة الكافرة الكالحة في كل بقعة من بقاع بغداد.. فكانوا كالجراد الذي غطى الأرض الخضراء، فتركها قاعاً صفصفاً.. - وضعت الأغلال في عنقه وفي يده وفي قدمه.. وسيق كما يساق البعير.. لقد شاهد الخليفة كل ذلك بعينيه.. وتخيل مدى الحسرة والألم في قلبه.. لا شك أنه قال مراراً: "يا ليتني مت قبل هذا، وكنت نسياً منسياً".. لا شك أنه نادم "..ما أغنى ماليه.. هلك عني سلطانيه".. ومر على ذهنه شريط حياته في لحظات.. ولا شك أنه أخذ يراجع نفسه ولسان حاله يقول: "رب ارجعون! لعلي أعمل صالحاً فيما تركت".. يا ليتني جهزت الجيوش وأعددتها وقويتها!!.. يا ليتني حفزت الأمة على الجهاد في وقت أحيطت فيه بأعداء الدين من كل مكان.. يا ليتني رفعت قيمة الإسلام في عيون الناس وفي قلوبهم، حتى يصبح الإسلام عندهم أغلى من أموالهم وحياتهم.. يا ليتني تركت اللهو واللعب والحفلات والتفاهات.. ليتني ما عشت لجمع المال.. ليتني ما استكثرت من الجواري.. وليتني ما سمعت المعازف.. ليتني اخترت بطانة الخير.. ليتني عظمت من العلماء وتركت الأدعياء.. ليتني.. ليتني.. ليتني.... لكن القيود الثقيلة المسلسلة في عنقه ويديه وساقيه ردته إلى أرض الواقع.. ليعلم أن الزمان لا يعود أبداً إلى الوراء.. روى أبو داود وأحمد ـ رحمهما الله تعالى ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايعتم بالعينة (نوع من الربا)، وأخذتم أذناب البقر (العمل في رعي المواشي)، ورضيتم بالزرع، (أي رضيتم بالاشتغال بالزراعة، والمقصود عملتم في أعمال الدنيا أياً كانت في وقت الجهاد المتعين)، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".. لقد عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة والكتابة والصناعة.. بل وفي العلم والتعلم.. وتركوا الجهاد في سبيل الله.. فكانت النتيجة هذا الذل الذي رأيناه.. وهذه دروس قيمة جداً إلى كل مسلم.. حاكم أو محكوم.. عالم أو متعلم.. كبير أو صغير.. رجل أو امرأة... ـ لابد للحق من قوة تحميه.. ـ الحقوق لا تُستجدى ولكن تؤخذ.. ويُبذل في سبيلها الغالي والثمين.. ـ ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا.. ـ أعداء الأمة لا عهد لهم.. الموت رفسًا!!.. وسيق الخليفة "المستعصم بالله" إلى خاتمته الشنيعة.. بعد أن رأى كل ذلك في عاصمته، وفي عقر دار خلافته، بل وفي عقر بيته.. أصدر السفاح هولاكو الأمر بالإجهاز على الخليفة المسكين.. ولكن أشار على هولاكو بعض أعوانه بشيء عجيب..! لقد قالوا: لو سالت دماء الخليفة المسلم على الأرض، فإن المسلمين سيطلبون ثأره بعد ذلك، ولو تقادم الزمان، ولذلك يجب قتل الخليفة بوسيلة لا تسيل فيها الدماء.. ولا داعي لاستعمال السيف.. وهذا بالطبع نوع من الدجل .. لأنه من المفترض أن يطلب المسلمون دم خليفتهم، بل ودماء المسلمين جميعاً الذين قتلهم هولاكو وجنوده بصرف النظر عن طريقة قتلهم.. لكن هولاكو استمع لهم.. وسبحان الله!!.. كأن الله عز وجل قد أراد ذلك، حتى يموت الخليفة بصورة مخزية ما حدثت مع خليفة قبله، وما سمعنا بها مع أي من ملوك أو أمراء الأرض.. مسلمين كانوا أو غير مسلمين.. لقد أمر هولاكو أن يقتل الخليفة "رفساً بالأقدام"!!!.. وبالفعل وضع الخليفة العباسي على الأرض، وبدأ التتار يرفسونه بأقدامهم.. وتخيل الرفس والركل بالأقدام إلى الموت!!.. أي ألم.. وأي إهانة.. وأي ذل!!.. لقد ظلوا يرفسونه إلى أن فارقت روحه الجسد.. وإنا لله.. وإنا إليه راجعون.. إن بغداد لم تسقط فقط!! إنما سقط أخر خلفاء بني العباس في بغداد.. وسقط معه شعبه بكامله!.. وكان ذلك في اليوم العاشر من فتح بغداد لأبوابها.. في يوم 14 صفر سنة 656 هجرية.. ولم تنته المأساة بقتل الخليفة.. وإنما أمر هولاكو - لعنه الله - باستمرار عملية القتل في بغداد.. فهذه أضخم مدينة على وجه الأرض في ذلك الزمان.. ولابد أن يجعلها التتار عبرة لمن بعدها.. واستمر القتل في المدينة أربعين يوماً كاملة منذ سقوطها.. وتخيلوا كم قتل في بغداد من المسلمين؟! لقد قتل هناك ألف ألف مسلم (مليون مسلم..!!) ما بين رجال ونساء وأطفال!!!.. ألف ألف مسلم قتلوا في أربعين يوماً فقط!!.. وتخيل أمة فقدت من أهلها مليوناً في غضون أربعين يوماً فقط.. كارثة رهيبة!.. نذكر ذلك لنعلم أن المصائب التي يلقاها المسلمون الآن ـ مهما اشتدت ـ فهي أهون من مصائب رهيبة سابقة.. وسنرى أن المسلمين سيقومون بفضل الله من هذه المصيبة.. لنعلم أننا - بإذن الله - على القيام من مصائبنا أقدر.. وللعلم فإنه لم ينج من القتل في بغداد إلا الجالية النصرانية فقط!..! وبينما كان فريق من التتار يعمل على قتل المسلمين وسفك الدماء اتجه فريق آخر من التتار لعمل إجرامي آخر.. عمل ليس له مبرر إلا أن التتار قد أكل الحقد قلوبهم على كل ما هو حضاري في بلاد المسلمين.. لقد شعر التتار بالفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين المسلمين؛ فالمسلمون لهم تاريخ طويل في العلوم والدراسة والأخلاق.. عشرات الآلاف من العلماء الأجلاء في كافة فروع العلم.. الديني منها والدنيوي.. لقد أثرى هؤلاء العلماء الحضارة الإسلامية بملايين المصنفات.. بينما التتار لا حضارة لهم.. ولا أصل لهم.. إنهم أمة لقيطة.. نشأت في صحراء شمال الصين، واعتمدت على شريعة الغاب في نشأتها.. لقد قاتلت هذه الأمة كما تقاتل الحيوانات.. بل عاشت كما تعيش الحيوانات.. ولم ترغب مطلقاً في إعمار الأرض أو إصلاح الدنيا.. لقد عاشوا حياتهم فقط للتخريب والتدمير والإبادة.. شتان بين هذه الأمة وبين أمة الإسلام، بل شتان بين أي أمة من أمم الأرض وأمة الإسلام.. وهذا الانهيار الذي رأيناه في تاريخ بغداد من المستحيل أن يمحو التاريخ العظيم لهذه الأمة العظيمة.. |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية |
البتار, السرجاني, راغب, ظهور |
الذين يشاهدون هذا الموضوع الآن : 1 ( 0من الأعضاء 1 من الزوار ) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | ردود | آخر مشاركة |
قصة الفتنة د.راغب السرجاني | noha | التاريخ والبلدان | 3 | 08.11.2010 18:41 |
أهمية الفتوح الإسلامية .. الدكتور راغب السرجانى | كلمة سواء | التاريخ والبلدان | 2 | 17.10.2010 08:15 |
ظهور الشيطان ام ظهور العذراء بالادله والبراهين | ابو يونس | كشف أكاذيب المنصرين و المواقع التنصيرية | 3 | 05.07.2010 01:40 |
الدكتور, راغب السرجانى, يكتب"رسالة, الى أستاذى أردوغان" | أم جهاد | قسم الحوار العام | 0 | 22.06.2010 17:05 |
المسلمون والكشوف الجغرافية بقلم د. راغب السرجاني | أمــة الله | التاريخ والبلدان | 4 | 31.05.2010 15:35 |