اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :9  (رابط المشاركة)
قديم 19.01.2018, 14:00
صور الشهاب الثاقب الرمزية

الشهاب الثاقب

مشرف عام

______________

الشهاب الثاقب غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 14.09.2011
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 991  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
28.03.2024 (20:56)
تم شكره 689 مرة في 467 مشاركة
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين





[كلام العلماء في الغلو والمغالين]
وأما دعاء العبادة، فهو عبادة اللّه تعالى بأنواع العبادات، من الصلاة، والذبح، والنذر، والصيام، والحج وغيرها، خوفًا وطمعًا، يرجو رحمته، ويخاف عذابه، وإن لم يكن في ذلك صيغة سؤال وطلب، فالعابد الذي يريد الجنة ويهرب من النار، وهو سائل راغب راهب. يرغب في حصول مراده، ويذهب من فواته، وهو سائل لما يطلبه بامتثال الأمر في فعل العبادة، وقد فسر قوله تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}1. بهذا. وهذا قيل: اعبدوني وامتثلوا أمري أستجب لكم، وقيل: سلوني أعطكم، وعلى هذا القول تدل الأحاديث والآثار.
إذا تبين ذلك، فاعلم أن العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئًا من نوعي الدعاء لغير اللّه فهو مشرك، ولو قال لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه وصلى وصام، إذ شرط الإسلام مع التلفظ بالشهادتين أن لا يعبد إلا اللّه، فمن أتى بالشهادتين وعبد غير اللّه فما أتى بهما حقيقة وإن تلفظ بهما كاليهود الذين يقولون: لا إله إلا اللّه وهم
------------------------
1 سورة غافر آية: 60.

ص -187- مشركون، ومجرد التلفظ بهما لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناهما واعتقاده إجماعًا.
ذكر شيء من كلام العلماء في ذلك وإن كنا غنيين بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم عن كل كلام، إلا أنه قد صار بعض الناس منتسبًا إلى طائفة معينة، فلو أتيته بكل آية من كتاب اللّه وكل سنة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
لم يقبل حتى تأتيه بشيء من كلام العلماء، أو بشيء من كلام طائفته التي ينتسب إليها.
قال الإمام أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي صاحب كتاب "الفنون" الذي ألفه في نحو أربعمائة مجلد، وغيره من التصانيف.
قال في الكتاب المذكور: لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، وهم عندي كفار لهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا، أو إلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى. نقله غير واحد، مقررين له، راضين به، منهم الإمام أبو الفرج بن الجوزي، الإمام ابن مفلح صاحب كتاب "الفروع" وغيرهما.
وقال شيخ الإسلام في "الرسالة السنية": فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان أيضًا قد يمرق أيضًا من الإسلام وذلك بأسباب: منها الغلو الذي ذمه اللّه في كتابه حيث قال:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ...}1. وكذلك الغلو في بعض المشايخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح عليه السلام، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعًا من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني، أو أغثني، أو ارزقني أو اجبرني، أو أنا في حسبك، ونحو
------------------------
1 سورة النساء آية: 171.

ص -188- هذه الأقوال، فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل، فإن اللّه إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده، ولا يدعى معه إله آخر والذين يدعون مع اللّه آلهة أخرى، مثل المسيح، والملائكة، والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنْزل المطر، أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم، أو يعبدون صورهم، يقولون:إنما {نَعْبُدُهُمْ... لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}1. ويقولون:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}2. فبعث اللّه رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة. انتهى.
وقد نص الحافظ أبو بكر أحمد بن علي المقريزي صاحب كتاب "الخطط" في كتاب له في التوحيد على أن دعاء غير اللّه شرك.
وقال شيخ الإسلام: من جعل بينه وبين اللّه وسائط يتوكل عليهم يدعوهم ويسألهم، كفر إجماعًا، نقله عنه غير واحد مقررين له، منهم ابن مفلح في "الفروع" وصاحب "الإنصاف [المرداوي]" وصاحب "الغاية [مرعي الكرمي]" وصاحب "الإقناع [الحجاوي]" وشارحه [البهوتي]، وغيرهم، ونقله صاحب "القواطع [ابن حجر الهيثمي]" في كتابه عن صاحب "الفروع".
قلت: وهو إجماع صحيح معلوم بالضرورة من الدين، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم في باب حكم المرتد، على أن من أشرك باللّه فهو كافر، أي: عبد مع اللّه غيره بنوع من أنواع العبادات.
وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن دعاء اللّه عبادة له، فيكون صرفه لغير اللّه شركًا.
وقال الإمام ابن النحاس الشافعي في كتاب "الكبائر": ومنها إيقادهم السرج عند الأحجار، والأشجار والعيون، والآبار، ويقولون: إنها تقبل النذر، وهذه كلها بدع شنيعة ومنكرات قبيحة تجب
------------------------
1 سورة الزمر آية: 3.
2 سورة يونس آية: 18.

ص -189- إزالتها ومحو أثرها، فإن أكثر الجهال يعتقدون أنها تنفع وتضر، وتجلب وتدفع، وتشفي المرض وترد الغائب، إذا نذر لها، وهذا شرك ومحادة للّه تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
قلت: فصرح رحمه اللّه أن الاعتقاد في هذه الأمور أنها تضر وتنفع وتجلب، وتدفع، وتشفي المريض وترد الغائب إذا نذر لها، أن ذلك شرك، وإذا ثبت أنه شرك، فلا فرق في ذلك بين اعتقاده في الملائكة والنبيين، ولا بين اعتقاده في الأصنام والأوثان، إذ لا يجوز الإشراك بين اللّه تعالى وبين مخلوق فيما يختص بالخالق سبحانه، كما قال تعالى:{وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}1 وهذا بعينه هو الذي يعتقده من دعا الأنبياء والصالحين، ولهذا يسألونهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وشفاء ذوي الأمراض والعاهات، فثبت أن ذلك شرك.
وقال الإمام ابن القيم رحمه اللّه تعالى في "شرح المنازل" ومن أنواعه أي: الشرك، طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فضلاً لمن استغاث به أو سأله أن يشفع إلى اللّه، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، فإن اللّه سبحانه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، واللّه سبحانه لم يجعل سؤال غيره سببًا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، والميت محتاج إلى من يدعو له، كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم، وندعو لهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة، وجعلوا قبورهم أوثانًا تعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه، ومعاداة أهل التوحيد، ونسبتهم إلى التنقص بالأموات، وهم قد تنقصوا الخالق سبحانه بالشرك وأولياءه الموحدين بذمهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوا به
------------------------
1 سورة آل عمران آية: 80.

ص -190- غاية التنقص، إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا، وأنهم أمروهم به، وهؤلاء هم أعداء الرسل في كل زمان ومكان. وما أكثر المستجيبين لهم! وللّه در خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ}1. وما نجا مَنْ أشرك بهذا الشرك الأكبر، إلا مَنْ جرد توحيده للّه، وعادى المشركين في اللّه، وتقرب بمقتهم إلى اللّه.
وقال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي في رده على السبكي وقوله: أي: قول السبكي: إن المبالغة في تعظيمه، أي تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة: إن أريد به المبالغة بحسب ما يراه كل أحد تعظيمًا، حتى الحج إلى قبره، والسجود له، والطواف به، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي ويمنع، ويملك لمن استغاث به من دون اللّه الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين، ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء، ويدخل الجنة من يشاء، فدعوى المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك وانسلاخ من جملة الدين.
قلت: هذا هو اعتقاد عباد القبور فيمن هو دون الرسول صلى الله عليه وسلم فضلاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم بعض ذلك، والأمر أعظم وأطم من ذلك. وفي "الفتاوى البزازية" من كتب الحنفية، قال علماؤنا: من قال: أرواح المشايخ حاضرة تعلم، يكفر.
فإن أراد بالعلماء علماء الشريعة فهو حكاية للإجماع على كفر معتقد ذلك، وإن أراد علماء الحنفية خاصة، فهو حكاية لاتفاقهم على كفر معتقد ذلك، وعلى التقديرين تأمله تجده صريحًا في كفر من دعا أهل القبور، لأنه ما دعاهم حتى اعتقد أنهم يعلمون ذلك، ويقدرون على إجابة سؤاله، وقضاء مأموله.
وقال الشيخ صنع اللّه الحلبي الحنفي في كتابه الذي ألفه في الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفًا على الحياة وبعد الممات في سبيل
------------------------
1 سورة إبراهيم آية: 35-36.

ص -191- الكرامة: هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات، وبهممهم تكشف المهمات، فيأتون قبورهم، وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات، وقالوا: منهم أبدال ونقباء، وأوتاد ونجباء، وسبعون وسبعة، وأربعون وأربعة، والقطب هو الغوث للناس، وعليه المدار بلا التباس، وجوزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيها الأجور.
قال: وهذا الكلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي، والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادمة الكتاب العزيز المصدق، ومخالف لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة. وفي التنْزيل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}1، إلى أن قال: الفصل الأول فيما انتحلوه من الإفك الوخيم والشرك العظيم. إلى أن قال: فأما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات، فيرده قوله تعالى:{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}2،{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}3، {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}4، ونحوه من الآيات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتدبير، والتصرف والتقدير، ولا شيء لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه، فالكل تحت ملكه وقهره تصرفًا وملكًا، وإحياء وإماتة، وخلقًا، وتمدح الرب سبحانه بانفراده في ملكه بآيات من كتابه كقوله:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}5.{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}6. وذكر آيات في هذا المعنى ثم قال: فقوله في الآيات كلها {مِنْ دُونِهِ} ، أي: من غيره، فإنه عام يدخل فيه من اعتقدته من ولي وشيطان تستمده، فإن من لم يقدر على نصر نفسه كيف يمد غيره، إلى أن قال: فكيف يتصور لغيره من ممكن أن يتصرف، إن هذا من السفاهة لقول وخيم، وشرك عظيم، إلى أن قال: وأما القول بالتصرف بعد
------------------------
1 سورة النساء آية: 115.
2 سورة النمل آية: 60.
3 سورة الأعراف آية: 54.
4 سورة آل عمران آية: 189.
5 سورة فاطر آية: 3.
6 سورة فاطر آية: 13.

ص -192- الممات فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة. قال جل ذكره:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}1،{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}2،{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}3،{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}4.
وفي الحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله"5. الحديث، فجميع ذلك وما هو نحوه دال على انقطاع الحس والحركة من الميت، وأن أرواحهم ممسكة، وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان، فدل ذلك أن ليس للميت تصرفًا في ذاته فضلاً عن غيره بحركة، وأن روحه محبوسة مرهونة بعملها من خير وشر، فإذا عجز عن حركة نفسه فكيف يتصرف في غيره؟! فاللّه سبحانه يخبر أن الأرواح عنده، وهؤلاء الملحدون يقولون: إن الأرواح مطلقة متصرفة. قل أأنتم أعلم أم اللّه؟.
قال: وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات، فهو من المغالطة، لأن الكرامة شيء من عند اللّه يكرم بها أولياءه، لا قصد لهم فيه ولا تحدي، ولا قدرة ولا علم، كما في قصة مريم بنت عمران، وأسيد بن حضير، وأبي مسلم الخولاني.
قال: وأما قولهم: فيستغاث بهم في الشدائد، فهذا أقبح مما قبله، وأبدع لمصادمته قوله جل ذكره:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}6،{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}7. وذكر آيات في هذا المعنى ثم قال: فإنه جل ذكره قرر أنه الكاشف للضر لا غيره، وأنه المتعين لكشف الشدائد والكرب وأنه المتفرد بإجابة المضطرين، وأنه المستغاث لذلك كله، وأنه القادر على دفع الضر، والقادر على إيصال الخير، فهو المنفرد بذلك فإذا تعين هو جل ذكره، خرج غيره من ملك ونبي وولي.
قال: والاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسية في قتال أو إدراك عدو أو سبع ونحوه كقولهم: يا لزيد
------------------------
1 سورة الزمر آية: 30.
2 سورة الزمر آية: 42.
3 سورة آل عمران آية: 185.
4 سورة المدثر آية: 38.
5 مسلم: الوصية (1631) , والترمذي: الأحكام (1376) , والنسائي: الوصايا (3651) , وأبو داود: الوصايا (2880) , وأحمد (2/372) , والدارمي: المقدمة (559).
6 سورة النمل آية: 62.
7 سورة الأنعام آية: 63.

ص -193- يا لقوم يا للمسلمين كما ذكروا ذلك في كتب النحو بحسب الأسباب الظاهرة بالفعل، وأما الاستغاثة بالقوة والتأثير، أو في الأمور المعنوية من الشدائد، كالمرض وخوف الغرق والضيق والفقر وطلب الرزق ونحوه، فمن خصائص اللّه، فلا يطلب فيها غيره.
قال: وأما كونهم معتقدين التأثير منهم في قضاء حاجاتهم كما تفعله جاهلية العرب والصوفية والجهال، وينادونهم ويستنجدون بهم، فهذا من المنكرات، إلى أن قال: فمن اعتقد أن لغير اللّه من نبي أو ولي أو روح أو غير ذلك في كشف كربه أو قضاء حاجته تأثيرًا، فقد وقع في وادي جهل خطير، فهو على شفا حفرة من السعير. وأما كونهم مستدلين على أن ذلك منهم كرامات، فحاشا للّه أن تكون أولياء اللّه بهذه المثابة، فهذا ظن أهل الأوثان كذا أخبر الرحمن {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}1،{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}2،{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ}3. فإنَّ ذكر ما ليس من شأنه النفع ولا دفع الضر من نَبِيٍّ وولي وغيره على وجه الإمداد منه إشراك مع اللّه، إذ لا قادر على الدفع غيره، ولا خير إلا خيره قال: وأما ما قالوه: من أن منهم أبدالاً ونقباء، وأوتادًا ونجباء، وسبعين وسبعة، وأربعين وأربعة، والقطب هو الغوث للناس، فهذا من موضوعات إفكهم، كما ذكره القاضي المحدث ابن العربي في "سراج المريدين" وابن الجوزي وابن تيمية. انتهى باختصار. ومثل هذا يوجد في كلام غيرهم من العلماء، والمقصود أن أهل العلم ما زالوا ينكرون هذه الأمور ويبينون أنها شرك، وإن كان بعض المتأخرين ممن ينتسب إلى العلم والدين ممن أصيب في عقله ودينه قد يُرَخِّصُ في بعض هذه الأمور، وهو مخطئ في ذلك، ضال مخالف لكتاب اللّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين، فكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك إلا قول ربنا، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك لا
------------------------
1 سورة يونس آية: 18.
2 سورة الزمر آية: 3.
3 سورة يس آية: 23.

ص -194- يتطرق إليه الخطأ بحال، بل واجب على الخلق اتباعه في كل زمان، على أنه لو أجمع المتأخرون على جواز هذا لم يعتد بإجماعهم المخالف لكلام اللّه وكلام رسوله في محل النّزاع، لأنه إجماع غير معصوم، بل هو من زلة العالم التي حُذِّرْنَا من اتباعها، وأما الإجماع المعصوم، فهو إجماع الصحابة والتابعين وما وافقه، وهو السواد الأعظم الذي ورد الحث على اتباعه وإن لم يكن عليه إلا الغرباء الذين أخبر بهم صلى الله عليه وسلم في قوله: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء"1 رواه مسلم، لا ما كان عليه العوام والطغام، والخلف المتأخرون الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.
[النفع والضر من الله وحده]
قال: وقول اللّه تعالى:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ...}2.
ش: قال ابن عطية: معناه قيل لي: ولا تدع، فهو عطف على "أقم" وهذا الأمر والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت هكذا، فأحرى أن يحذر من ذلك غيره.
وقال غيره:{فَإِنْ فَعَلْتَ} معناه: فإن دعوت من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرك، فكنى عنه بالفعل إيجازًا، {فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}، إذًا جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر، كأن سائلاً سأل عن تبعة عبادة الأوثان، وجُعِلَ من الظالمين، لأنه لا ظلم أعظم من الشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}3.
قلت: حاصل كلام المفسرين أن اللّه تعالى نهى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو من دونه ما لا ينفعه ولا يضره، والمراد به كل ما سوى اللّه، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون وسواء في ذلك الأنبياء والصالحون وغيرهم، كما قال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}4. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "إذا سألت فاسأل اللّه وإذا استعنت فاستعن باللّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك
------------------------
1 مسلم: الإيمان (145) , وابن ماجه: الفتن (3986) , وأحمد (2/389).
2 سورة يونس آية: 106-107.
3 سورة لقمان آية: 13.
4 سورة الجن آية: 18.

ص -195- بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللّه لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك"1 رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
وفي الآية تنبيه على أن المدعو لا بد أن يكون مالكًا للنفع والضر حتى يعطي من دعاه أو يبطش بمن عصاه، وليس ذلك إلا للّه وحده، فتعين أن يكون هو المدعو دون ما سواه، والآية شاملة لنوعي الدعاء.
وقوله:{فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} أي المشركين، وهذا كقوله:{فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}2. وقوله:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}3. وقوله في الأنعام:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}4. فإذا كان هذا الأمر لا يصدر من الأنبياء وحاشاهم من ذلك لم يفكوا أنفسهم من عذاب اللّه، فما ظنك بغيرهم؟! فلم يبق شيء يقرب إلى اللّه ويباعد من سخطه إلا توحيده والعمل بما يرضاه، لا الاعتماد على شخص أو قبر أو صنم أو وثن أو مال أو غير ذلك من الأسباب {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}5 والآية. نص في أن دعاء غير اللّه والاستغاثة به شرك أكبر، ولهذا قال:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ}6؛ لأنه المتفرد بالملك والقهر والعطاء والمنع، ولازم ذلك إفراده بتوحيد الإلهية لأنهما متلازمان، وإفراده بسؤال كشف الضر وجلب الخير، لأنه لا يكشف الضر إلا هو، ولا يجلب الخير إلا هو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}7. فتعين أن لا يدعى لذلك إلا هو، وبطل دعاء من سواه ممن لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا فضلاً عن غيره، وهذا ضد ما عليه عباد القبور، فإنهم يعتقدون أن الأولياء والطواغيت الذي يسمونهم
------------------------
1 الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2516) , وأحمد (1/293 ,1/303 ,1/307).
2 سورة الشعراء آية: 213.
3 سورة الزمر آية: 65.
4 سورة الأنعام آية: 88.
5 سورة المؤمنون آية: 117.
6 سورة يونس آية: 107.
7 سورة فاطر آية: 2.

ص -196- المجاذيب ينفعون ويضرون ويمسون بالضر ويكشفونه، وأن لهم التصرف المطلق في الملك، أي: على سبيل الكرامة، وهذا فوق شرك كفار العرب، وإما على سبيل الوساطة بينهم وبين اللّه بالشفاعة وهذا شرك الذين قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}1.وفي الآية دليل على أن أصلح الناس لو يفعله إرضاء لغيره صار من الظالمين. ذكره المصنف.
وقوله:{يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، فلا يرده عنه راد، لأنه العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، فأي فائدة في دعاء غيره لشفاعة أو غيرها؟ فإنه تعالى فعال لما يريد، لا يغنيه عنه شفيع ولا غيره، بل لا يتكلم أحد عنده إلا بإذنه، ولا يشفع أحد إلا بإذنه {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}2.
وقوله:{وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي لمن تاب إليه وأقبل عليه حتى ولو كان من الشرك.
قال: وقوله:{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ}3.
ش: أمر اللّه تعالى بابتغاء الرزق عنده لا عند غيره ممن لا يملك رزقًا من الأوثان والأصنام وغيرها، كما قال في أولا الآية: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً}، [العنكبوت، من الآية: 17]. قال ابن كثير: وهذا أبلغ في الحصر كقوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}4. {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ}5. ولهذا قال:{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}6. أي: لا عند غيره لأنه المالك له وغيره لا يملك شيئًا من ذلك {فَاعْبُدُوهُ}، أي: أخلصوا له العبادة وحده لا شريك له {وَاشْكُرُوا لَهُ} أي: على ما أنعم عليكم {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، أي: فيجازي كل عامل بعمله.
قلت: في الآية الرد على المشركين الذين يدعون غير اللّه
------------------------
1 سورة الزمر آية: 3.
2 سورة السجدة آية: 4.
3 سورة العنكبوت آية: 17.
4 سورة الفاتحة آية: 5.
5 سورة التحريم آية: 11.
6 سورة العنكبوت آية: 17.

ص -197- ليشفعوا لهم عنده في جلب الرزق، فما ظنك بمن دعاهم أنفسهم، واستغاث بهم ليرزقوه وينصروه كما هو الواقع من عباد القبور؟ .
وقال المصنف: وفيه أن طلب الرزق لا ينبغي إلا من اللّه، كما أن الجنة لا تطلب إلا منه.
قال: وقوله {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}، [الأحقاف الآيتان: 5-6].
ش: حاصل كلام المفسرين أن اللّه تعالى حكم بأنه لا أضل ممن يدعو من دون اللّه، لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة واستغاثة من هذه حاله. ومعنى الاستفهام فيه إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالاً ممن عبد غير اللّه ودعاه، حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على تحصيل كل بغية ومرام، ويدعون من دونه من لا يستجيب لهم، ولا قدرة به على استجابة أحد منهم ما دام في الدنيا وإلى أن تقوم القيامة، كما قال تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ}1 وقوله:{وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}2.أي لا يشعرون بدعاء من دعاهم، لأنهم إما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم كالملائكة، وإما أموات كالأنبياء والصالحين، وإما أصنام وأوثان. وقوله:{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً}3. أي: إذا قامت القيامة وحشر الناس للحساب عادوهم وكانوا بعبادتهم الدعاء وغيره من أنواع العبادة كافرين، كما قال تعالى:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً}4. فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة، لا تتولاهم بالاستجابة في الدنيا، وتجحد عبادتهم في الآخرة وهم أحوج ما كانوا إليها.
وفي الآيتين مسائل نبه عليها المصنف: أحدها: أنه لا أضل ممن دعا غير اللّه. الثانية: أنه غافل عن دعاء الداعي لا يدري عنه. الثالثة:
------------------------
1 سورة الرعد آية: 14.
2 سورة الأحقاف آية: 5.
3 سورة الأحقاف آية: 6.
4 سورة مريم آية: 81-82.

ص -198- أن تلك الدعوة سبب لبغض المدعو للداعي وعداوته له. الرابعة: تسمية تلك الدعوة عبادة للمدعو. الخامسة: كفر المدعو بتلك العبادة. السادسة: أن هذه الأمور هي سبب كونه أضل الناس.
[لا يجيب المضطر إلا الله]
قال: وقوله:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}1 .
ش: يقرر تعالى أنه الإله الواحد الذي لا شريك له، ولا معبود سواه مما يشترك في معرفته المؤمن والكافر، لأن القلوب مفطورة على ذلك، فمتى جاء الاضطرار رجعت القلوب إلى الفطرة، وزال ما ينازعها، فالتجأت إليه وأنابت إليه وحده لا شريك له، كما قال تعالى:{ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}2 وقال تعالى:{وَإِذَا مَسَّ الأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}3. ومثل هذا كثير في القرآن.
يبين تعالى أنه المدعو عند الشدائد، الكاشف للسوء وحده، فيكون هو المعبود وحده، وكذا قال في هذه الآية: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}4. أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه والذي لا يكشف ضر المضطرين سواه، ومن المعلوم أن المشركين كانوا يعلمون أنه لا يقدر على هذه الأمور إلا اللّه وحده، وإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا الدعاء للّه، كما قال تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}5 .
فتبين أن من اعتقد في غير اللّه أنه يكشف السوء أو يجيب دعوة المضطر، أو دعاه لذلك فقد أشرك شركًا أكبر من شرك العرب كما هو الواقع من عباد القبور.
[تحريم الاستغاثة بغير الله]
قال: وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين. فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول اللّه صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث باللّه" .
------------------------
1 سورة النمل آية: 62.
2 سورة النّحل آية: 53-54.
3 سورة الزمر آية: 8.
4 سورة النمل آية: 62.
5 سورة العنكبوت آية: 65.

ص -199- ش: قوله: (روى الطبراني)، هو: الإمام الحافظ الثقة، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة وغيرها. روى عن النسائي وإسحاق بن إبراهيم الدَّبَرِي وخلق كثير، ومات سنة ستين وثلاثمائة، وقد بيض المصنف لاسم الراوي، وكأنه واللّه أعلم نقله عن غيره أو كتبه من حفظه، والحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
قوله: (إنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين). هذا المنافق لم أقف على تسميته، ويحتمل أن يكون هو عبد اللّه بن أُبَيّ، فإنه معروف بالأذى للمؤمنين بالكلام في أعراضهم ونحو ذلك، أما أذاهم بنحو ضرب أو زجر، فلا نعلم منافقًا بهذه الصفة.
قوله: (فقال بعضهم). أي: بعض المؤمنين، وهذا البعض القائل لذلك يحتمل أن يكون واحدًا، وأن يكون جماعة، والظاهر أنه واحد، وأظن في بعض الروايات أنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قوله: (قوموا بنا نستغيث برسول اللّه صلى الله عليه وسلم). مرادهم الاستغاثة به فيما يقدر عليه بكف المنافق عن أذاهم، بنحو ضربه أو زجره، لا الاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا اللّه.
قوله: "إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث باللّه" قال بعضهم: فيه التصريح بأنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأمور، وإنما يستغاث باللّه. والظاهر أن مراده صلى الله عليه وسلم إرشادهم إلى التأدب مع اللّه في الألفاظ، لأن استغاثتهم به صلى الله عليه وسلم من المنافق من الأمور التي يقدر عليها، إما بزجره أو تعزيره ونحو ذلك، فظهر أن المراد بذلك الإرشاد إلى حسن اللفظ والحماية منه صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد، وتعظيم اللّه تبارك وتعالى. فإذا كان هذا كلامه صلى الله عليه وسلم في الاستغاثة به فيما يقدر عليه، فكيف بالاستغاثة به أو بغيره في الأمور المهمة التي لا يقدر عليها أحد إلا اللّه كما هو جار على ألسنة كثير من الشعراء وغيرهم؟! وقَلَّ من يعرف أن ذلك منكر، فضلاً عن معرفة كونه شركًا.

ص -200- فإن قلت: ما الجمع بين هذا الحديث وبين قوله تعالى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}1. فإن ظاهر الحديث المنع من إطلاق لفظ الاستغاثة على المخلوق فيما يقدر عليه، وظاهر الآية جوازه. قيل: تحمل الآية على الجواز، والحديث على الأدب والأولى، واللّه أعلم. وقد تبين بما ذُكِرَ في هذا الباب وشرحه من الآيات والأحاديث وأقوال العلماء أن دعاء الميت والغائب والحاضر فيما لا يقدر عليه إلا اللّه والاستغاثة بغير اللّه في كشف الضر أو تحويله، هو الشرك الأكبر، بل هو أكبر أنواع الشرك، لأن الدعاء مخ العبادة، ولأن من خصائص الإلهية إفراد اللّه بسؤال ذلك، إذ معنى الإله هو الذي يعبد لأجل هذه الأمور، ولأن الداعي إنما دعوا إلهه عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك هو خلاصة التوحيد، وهو انقطاع الأمل مما سوى اللّه، فمن صرف شيئًا من ذلك لغير اللّه، فقد ساوى بينه وبين اللّه، وذلك هو الشرك، ولهذا يقول المشركون لآلهتهم وهم في الجحيم:{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}2. ولكن لعباد القبور على هذا شبهات، ذكر المصنف كثيرًا منها في "كشف الشبهات" ونحن نذكر هنا ما لم يذكره.
فمن ذلك أنهم احتجوا بحديث رواه الترمذي في "جامعه" حيث قال: حدثنا محمود بن غيلان، ثنا عثمان بن عمرو، ثنا شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حُنَيْف "أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع اللّه أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت، فهو خير لك قال: فادعه، فأمره أن يتوضأ، ويحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت به إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في". قال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من رواية أبي جعفر،
------------------------
1 سورة القصص آية: 15.
2 سورة الشّعراء آية: 97-98.

ص -201- وهو غير الخطمي، هكذا رواه الترمذي ورواه النسائي وابن شاهين والبيهقي كذلك، وفي بعض الروايات: "يا محمد إني أتوجه..."1 إلى آخره.
وهذه اللفظة هي التي تعلق بها المشركون، وليست عند هؤلاء الأئمة. قالوا: فلو كان دعاء غير اللّه شركًا لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى هذا الدعاء الذي فيه نداء غير اللّه.
والجواب من وجوه:
الأول: أن هذا الحديث من أصله وإن صححه الترمذي، فإن في ثبوته نظرًا، لأن الترمذي يتساهل في التصحيح كالحاكم، لكن الترمذي أحسن نقدًا، كما نص على ذلك الأئمة. ووجه عدم ثبوته أنه قد نص أن أبا جعفر الذي عليه مدار هذا الحديث هو غير الخطمي، وإذا كان غيره، فهو لا يعرف، ولعل عمدة الترمذي في تصحيحه أن شعبة لا يروي إلا عن ثقة، وهذا فيه نظر، فقد قال عاصم بن علي: سمعت شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم إلا عن ثلاثة، وفي نسخة عن ثلاثين، ذكره الحافظ العراقي، وهذا اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره فينظر في حاله، ويتوقف الاحتجاج به على ثبوت صحته.
الثاني: أنه في غير محل النّزاع، فأين طلب الأعمى من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، وتوجهه بدعائه مع حضوره، من دعاء الأموات، والسجود لهم، ولقبورهم، والتوكل عليهم، والالتجاء إليهم في الشدائد والنذر والذبح لهم، وخطابهم بالحوائج من الأمكنة البعيدة: يا سيدي يا مولاي افعل بي كذا؟! فحديث الأعمى شيء، ودعاء غير اللّه تعالى والاستغاثة به شيء آخر، فليس في حديث الأعمى شيء غير أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره "اللهم فشفعه في". فعلم أنه شفع له.
------------------------
1 البخاري: الفتن (7056) , والنسائي: البيعة (4149 ,4151 ,4152 ,4153 ,4154) , وابن ماجه: الجهاد (2866) , وأحمد (3/441 ,5/316 ,5/318 ,5/319 ,5/325) , ومالك: الجهاد (977).



ص -202- وفي رواية أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فدل الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم شفع له بدعائه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره هو أن يدعو اللّه ويسأله قبول شفاعته، فهذا من أعظم الأدلة على أن دعاء غير اللّه شرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعى. ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يقدر على شفائه إلا بدعاء اللّه له. فأين هذا من تلك الطوام، والكلام إنما هو في سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا اللّه، أما أن تأتي شخصًا يخاطبك فتسأله أن يدعو لك فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى، فالحديث سواء كان صحيحًا أو لا، وسواء ثبت قوله فيه: يا محمد أو لا، لا يدل على سؤال الغائب، ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا اللّه بوجه من وجوه الدلالات. ومن ادعى ذلك، فهو مفتر على اللّه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إن كان سأل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، فهو لم يسأل منه إلا ما يقدر عليه، وهو أن يدعو له، وهذا لا إنكار فيه وإن كان توجه به من غير سؤال منه نفسه، فهو لم يسأل منه، وإنما سأل من اللّه به،سواء كان متوجهًا بدعائه، كما هو نص أول الحديث وهو الصحيح، أو كان متوجهًا بذاته على قول ضعيف، فإن التوجه بذوات المخلوقين، والإقسام بهم على اللّه بدعة منكرة، لم تأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، والتابعين لهم بإحسان، ولا الأئمة الأربعة ونحوهم من أئمة الدين. قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو اللّه إلا به. وقال أبو يوسف: أكره بحق فلان وبحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت، والمشعر الحرام. وقال القدوري: المسألة بحق المخلوق لا تجوز، فلا يقول: أسألك بفلان أو بملائكتك أو أنبيائك ونحو ذلك، لأنه لا حق للمخلوق على الخالق، واختاره العز بن عبد السلام، إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة إن ثبت الحديث، يشير إلى حديث الأعمى، وقد تقدم أنه على تقدير ثبوته ليس فيه إلا أنه توسل بدعائه لا بذاته.

ص -203- وقد ورد في ذلك حديث رواه الحاكم في "مستدركه" فأبعد النجعة من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم [عن أبيه عن جدّه عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه، رفع رأسه إلى العرش، فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي". الحديث. وهو حديث ضعيف بل موضوع، لأنه مخالف للقرآن. قال تعالى:{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}1. فهذا هو الذي قاله آدم. قال الذهبي في هذا الحديث: أظنه موضوعًا، وعبد الرحمن بن زيد متفق على ضعفه، قال ابن معين: ليس حديثه بشيء.
الثالث. أن قوله: يا محمد إني أتوجه إلخ لم تثبت في أكثر الروايات. وبتقدير ثبوتها لا يدل على جواز دعاء غير اللّه، لأن هذا خطاب لحاضر معين يراه ويسمع كلامه، ولا إنكار في ذلك، فإن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه ما يقدر عليه، فأين هذا من دعاء الغائب والميت لو كان أهل البدع والشرك يعلمون؟! .
واحتجوا أيضًا بحديث رواه أبو يعلى وابن السني في "عمل اليوم والليلة" فقال ابن السني: حدثنا أبو يعلى ثنا الحسن بن عمرو بن شقيق ثنا معروف بن حسان أبو معاذ السمرقندي عن سعيد عن قتادة عن أبي بردة عن أبيه عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض [فلاة] فليناد يا عباد اللّه احبسوا" هكذا في كتاب ابن السني. وفي "الجامع الصغير:"فإن للّه عز وجل في الأرض حاضرًا سيحبسه عليكم".والجواب أن هذا الحديث مداره على معروف ابن حسان وهو أبو معاذ السمرقندي. فقوله في الأصل: ثنا أبو معاذ السمرقندي خطأ أظنه من الناسخ. قال ابن عدي: منكر الحديث، وقال الذهبي في "الميزان": قال ابن عدي: منكر الحديث، قد روى عن عمر بن ذر
------------------------
1 سورة الأعراف آية: 23.

ص -204- نسخة طويلة كلها غير محفوظة، وقال السيوطي: حديث ضعيف، وأقول: بل هو باطل، إذ كيف يكون عند سعيد عن قتادة، ثم يغيب عن أصحاب سعيد الحفاظ الأثبات مثل يحيى القطان، وإسماعيل بن علية، وأبي أسامة، وخالد بن الحارث، وأبي خالد الأحمر وسفيان، وشعبة، وعبد الوارث، وابن المبارك، والأنصاري، وغندر، وابن أبي عدي ونحوهم، حتى يأتي به هذا الشيخ المجهول المنكر الحديث! فهذا من أقوى الأدلة على وضعه، وبتقدير ثبوته لا دليل فيه، لأن هذا من دعاء الحاضر فيما يقدر عليه كما قال: "فإن للّه في الأرض حاضرًا سيحبسه عليكم".
واحتجوا أيضًا بحديث رواه الطبراني في "المعجم الكبير" فقال: حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المصري ثنا أصبغ بن الفرج، ثنا ابن وهب عن أبي سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المديني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف "أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان ابن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك ليقضي لي حاجتي". الحديث. والجواب من وجوه:
الأول: أن راوية طاهر بن عيسى ممن لا يعرف بالعدالة بل هو مجهول، قال الذهبي: طاهر بن عيسى بن قيرس أبو الحسين المصري المؤدب عن سعيد بن أبي مريم، ويحيى بن بكير، وأصبغ بن الفرج. وعنه الطبراني. توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، فهو إذًا مجهول الحال لا يجوز الاحتجاج بخبره، لا سيما فيما يخالف نصوص الكتاب والسنة.
الثاني: قوله: عن أبي سعيد المكي أشد جهالة من الأول،


ص -205- فإن مشايخ ابن وهب المكيين معروفون كداود بن عبد الرحمن، وزمعة بن صالح، وابن عيينة، وطلحة بن عمرو الحضرمي، وابن جريج، وعمر بن قيس، ومسلم بن خالد الزنجي، وليس فيهم من يكنى أبا سعيد، فتبين أنه مجهول.
الثالث: إن قلنا بتقدير ثبوته، فليس فيه دليل على دعاء الميت والغائب، غاية ما فيه أنه توجه به في دعائه، فأين هذا من دعاء الميت؟ فإن التوجه بالمخلوق سؤال به لا سؤال منه، والكلام إنما هو في سؤال المخلوق نفسه ودعائه والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا اللّه، وكل أحد يفرق بين سؤال الشخص، وبين السؤال به، فإنه في السؤال به قد أخلص الدعاء للّه، ولكن توجه على اللّه بذاته أو بدعائه. وأما في سؤاله نفسه ما لا يقدر عليه إلا اللّه، فقد جعله شريكًا للّه في عبادة الدعاء، فليس في حديث الأعمى، وحديث ابن حنيف هذا إلا إخلاص الدعاء للّه كما هو صريح فيه، إلا قوله، يا محمد إني أتوجه بك، وهذا ليس فيه المخاطبة لميت فيما لا يقدر عليه، إنما فيه مخاطبته مستحضرًا له في ذهنه كما يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته.
الرابع: أنهم زعموا أنه دليل على دعاء كل غائب وميت من الصالحين، فخرجوا عما فهموه من الحديث بفهمهم الفاسد إلى أنه دليل على دعاء كل غائب وميت صالح، ولا دليل فيه أصلاً على دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا في حياته فيما لا يقدر عليه، ثم لو كان فيه دليل على ذلك لم يكن فيه دليل على دعاء الغائب والميت مطلقًا، لأن هذا قياس مع وجود الفارق، وهو باطل بالإجماع، إذ ما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات لا يساويه فيه أحد، فلا يجوز قياس غيره عليه، وأيضًا فالقياس إنما يجوز للحاجة ولا حاجة إلى قياس غيره عليه، فبطل قياسهم بنفس مذهبهم، هذا غاية ما احتجوا به مما هو موجود في بعض الكتب

ص -206- المعروفة، وما سوى هذه الأحاديث الثلاثة فهو مما وضعوه بأنفسهم، كقولهم: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور، وقولهم: لو حسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه. قال ابن القيم: وهو من وضع المشركين عباد الأوثان.
تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد







توقيع الشهاب الثاقب

هل الله يُعذب نفسه لنفسههل الله يفتدى بنفسه لنفسههل الله هو الوالد وفى نفس الوقت المولوديعنى ولد نفسه سُبحان الله تعالى عما يقولون ويصفون
راجع الموضوع التالي
طريق الحياة و أدلة ساطعه على عدم الفداء