الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد
فقد كانت المعيشة فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم زهداً وكفافاً عبرت عنه السيدة عائشة بقولها : ( إنه يمر علينا الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة ما يوقد فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار) قال عروة بن الزبير : وما كان طعامكم يا خالة ؟ قالت : الأسودان التمر والماء .
هذا الزهد كان اختياراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عرض عليه أن يكون له جبال مكة ذهباً فأبى وقال فيما روى عنه : بل أجوع يوماً فأسأل الله ، وأشبع يوماً فأحمد الله . إنه صلى الله عليه وسلم يحب أن يكون موصولاً بالله دائماً لا تغيب عظمة الله وقدرته وجلاله عنه طرفة عين ، وكان هذا القرب الموصول قرة عينه وسعادة قلبه وبهجة فؤاده ، ما يود أن يصرفه عنه شيء من متاع الدنيا وزينتها . ويبدو أن نساءه صلى الله عليه وسلم قد أصابهن فى وقت بعض الضعف عن احتمال هذا الشظف من العيش فاتفقن على أن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة النفقة والتوسعة عليهن بعض الشيء ، وسألنه ذلك مجتمعات والرسول ساكت لا يرد عليهن شيئاً .
ويروى البخاري ومسلم وقائع هذا الاجتماع عن جابر بن عبد الله قال : أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن فلم يؤذن له ، ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له ، ثم أذن لأبى بكر وعمر رضي الله عنهما فدخلا ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت . فقال عمر رضي الله عنه : لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك . فقال عمر : يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد – امرأة عمر – سألتني النفقة آنفاً فوجأت – دفعت – عنقها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم . وقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة كلاهما يقولان : تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده . فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده .
وأنزل الله عز وجل آية الخيار (( يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً ))
فأمر الله رسوله أن يخير نساءه بين رغبتهن فى الحياة الدنيا وزينتها فيطلقهن ويحسن إليهن ويسرحهن سراحاً جميلاً ، وبين إرادتهن الله ورسوله والدار الآخرة فيكون لهن الأجر العظيم عند الله تعالى ، وفى هذا غاية الإنصاف لهن حيث جعل أمر الاختيار إليهن ولم يكره واحدة على حياة لا تستريح إليها .
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة – وكانت أصغرهن سناً – فقال : (إني أذكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمرى أبويك ) قالت : وما هو ؟ فتلا عليها (( يأيها النبي قل لأزواجك )) الآية قالت عائشة رضي الله عنها : أفيك أستأمر – أستشير – أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله ، وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت . فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى لم يبعثني معنفاً ولكن بعثني معلناً ميسراً ، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت ؟ إلا أخبرتها ) وخيرهن النبي فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكن جديرات ببيت النبوة ولقب أمهات المؤمنين .
وكانت زوجات رسول الله اللائي خيرهن تسع زوجات منهن خمس من قريش : عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة وأربع من غير قريش وهن : صفية بنت حيى النضرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية . رضي الله عنهن ، ورضي الله عن عائشة التي اكتمل رشدها مع صغر سنها فلم تؤجل الاختيار حتى تستشير أبويها بل سارعت بإعلان اختيارها لله ورسوله قائلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أفيك أستشير أبوي ) .