وفي حرب الرُّوم مع الفُرس آية !
يقول اللَّه تعالى : { الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 5 وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 6 } (30- الرّوم 1-6) .
كان الرُّوم في حَرْبٍ دائمة ضدَّ الفُرْس , وكان المسلمون الأوائل يُحبُّون أن ينتصر الرُّومُ لأنَّهم نصارى , أهل كتاب , بينما كان كفَّارُ قُريش يحبُّون أن يكون النَّصر للفُرس لأنَّهم كفَّارٌ مثلهم , يعبدون النَّار .
وقد نزلت هذه الآيات والنَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وأصحابُه في مكَّة . وتُشير في أوَّلها إلى هزيمة هِرَقْل مَلِك الرُّوم أمام سابُور مَلِك الفُرس , في معركةٍ دارتْ بين جَيْشَيْهما في منطقة البحر الميِّت .
فكانتْ هذه الآيات مُعجزة من وجهين :
أمَّا الوجه الأوَّل : فقد أشارت إلى أنَّ المكان الذي انهزم فيه الرُّومُ هو أدْنَى الأرض , أي أخْفَضها . وقد تأكَّد علماءُ الخرائط اليوم أنَّ البحر الميِّت الذي يقع بين فلسطين والأردن ينخفض عن سطح البحر 395 متر , وهو أقصى انخفاض في العالم . وبالتَّالي , فإنَّ المنطقة التي وقعتْ فيها المعركة هي فعلاً أدْنَى الأرض !
وأمَّا الوجه الثَّاني : فقد تنبَّأت الآيات بأنَّ الرُّوم سينتصرون على الفُرس بعد هذه الهزيمة ببضع سنين , والبضْع هو من ثلاث إلى تسع سنوات . فلمَّا سمع كُفَّار قُريش بهذا الأمر , تراهنُوا مع الصَّحابي الجليل أبي بكر الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه , قبل أن يُحرَّم الرِّهان , على أنَّ الرُّوم سَيَنْهزمُون مرَّة أخرى . فكان أن انتصر الرُّومُ بعد تسع سنين , وأسلم عند ذلك أناسٌ كثيرون من قُريش عندما رأوا أنَّ وَعْد اللَّه قد تحقَّق !
فهل كان النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِيَضَع نفسَه في هذا المأزق لو كان قد أتى بالقرآن من عنده ؟!