معجزات النَّبيّ محمَّد
إلى جانب القرآن الكريم الذي يبقى معجزة كلِّ الأزمان , أيَّدَ اللَّهُ تعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بمعجزات أخرى ملموسة شاهدها النَّاس .
من ذلك : مُعجزة نَبْع الماء من بين أصابعه في مُناسبات مختلفة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما , قال : عطشَ النَّاسُ يوم الحدَيْبِيَة , والنَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بينَ يدَيْه ركْوَةٌ , فتَوَضَّأ , فجهشَ (أي أسرعَ) النَّاسُ نَحْوَه . فقال : ما لَكُم ؟ قالُوا : ليْسَ عندنا ماءٌ نَتَوَضَّأ ولا نَشْربُ , إلاَّ ما بَيْنَ يَدَيْك . فوَضَع يَدَهُ في الرَّكْوَة , فجَعَلَ الماءُ يَثُور بينَ أصابعه كأمثال العُيُون , فشَربْنا وتَوَضَّأنا .
قلتُ (أي قال سالم لِجابر) : كَمْ كُنْتُم ؟ قال : لو كُنَّا مائة ألْف لَكَفَانا , كُنَّا خَمْسَ عشْرة مائة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1310 – رقم الحديث 3383) .
وفي حادثة أخرى : روى ابنُ خزيمة في صحيحه عن ثابت وقتادة عن أَنَس (بن مالك) رضي اللَّه عنه , قال : طلَبَ بعضُ أصحاب النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وُضُوءًا , فلَمْ يَجِدُوا , فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : هَاهُنَا ماء . فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وضَعَ يَدهُ في الإناء الذي فيه الماء , ثمَّ قال : تَوَضَّأوا باسْم اللَّه , فرأيْتُ الماءَ يَفُور مِن بَيْن أصابعه والقَومُ يَتَوضَّأون , حتَّى تَوَضَّأوا عن آخِرهم !
قال ثابت : فقلتُ لأنَس : كَم تَراهُم كانُوا ؟ قال : نَحْوًا مِن سَبْعين . (صحيح ابن خزيمة – الجزء 1 – ص 74 – رقم الحديث 144) .
ومن معجزات النَّبيِّ أيضًا : تكثير الطَّعام وزيادة البركَة فيه , في مناسبات عديدة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , قال : واللَّهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هو , إنْ كنتُ لَأعتَمِدُ بكَبدي على الأرض من الجوع , وإنْ كنتُ لَأشُدُّ الحجَر على بَطْني من الجوع . ولقد قَعَدتُ يومًا على طَريقهم (أي طريق أصحاب النَّبيّ) الذي يَخرجُون منه , فمَرَّ بي أبو بكر , فسألْتُه عن آيةٍ من كتاب اللَّه , ما سألْتُه إلاَّ لِيُشْبِعَني *, فمَرَّ ولَم يَفْعَلْ . ثمَّ مَرَّ بي عُمر , فسألْتُه عن آيةٍ من كتاب اللَّه , ما سألْتُه إلاَّ لِيُشْبِعَني *, فمَرَّ ولَم يَفْعَلْ .
ثمَّ مَرَّ بي أبو القاسم (أي محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فتَبَسَّم حينَ رآني وعرفَ ما في نَفْسي وما في وجْهي , ثمَّ قال : يا أبا هِرّ (للمُداعبة) , قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : الْحَقْ .
ومَضَى , فتَبعْتُه , فدخَلَ (إلى بيته) , فاسْتَأذنَ فأُذِنَ لي , فدخلتُ . فوَجَد لَبَنًا في قَدح , فقال : مِنْ أيْنَ هذا اللَّبن ؟ قالُوا : أهْداهُ لكَ فُلان أو فُلانة , فقال : أبا هِرّ , قلتُ : لَبَّيكَ يا رسولَ اللَّه , قال : الْحَقْ إلى أهل الصُّفَّة , فادْعُهم لي .
قال أبو هُرَيْرة : وأهلُ الصُّفَّة (هم) أضْيافُ الإسلام , لا يَأوُونَ على أهْلٍ ولا مالٍ ولا على أحَد , إذا أتَتْهُ (أي النَّبيّ) صدَقَةٌ بَعَثَ بها إليهم ولَمْ يتناوَلْ منها شيْئًا , وإذا أتَتْهُ هديَّةٌ أرسلَ إليهم وأصابَ منها وأشرَكهُم فيها .
قال أبو هُرَيْرة : فسَاءَني ذلكَ , فقلتُ (أي في نَفْسي) : وما هذَا اللَّبَنُ في أهْل الصُّفَّة (أي هو قليلٌ جدًّا وهم كَثيرُو العدد) ؟! أنا كنتُ أحَقّ أن أصِيبَ من هذا اللَّبن شرْبَةً أتَقَوَّى بها ! فإذا جاءُوا , أمَرَني , فكنتُ أنا أُعطِيهم , وما عسَى أن يَبْلُغَني من هذا اللَّبن ؟!
ولَمْ يَكُن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله بُدٌّ , فأتَيْتُهم فدَعَوْتُهم , فأقْبَلُوا واسْتَأذَنُوا , فأُذِنَ لهم وأخَذُوا مجالِسَهم من البَيْت . فقال : (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم) : يا أبا هِرّ , قلْتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : خُذْ فأعْطِهم . فأخذْتُ القَدَح , فجعلْتُ أُعْطيه الرَّجُلَ فيَشْربُ حتَّى يَرْوَى ثمَّ يَرُدُّ علَيَّ القَدَح , فأعْطيه الرَّجُلَ فيَشْربُ حتَّى يَرْوَى ثمَّ يَرُدُّ علَيَّ القَدَح , حتَّى انْتَهَيْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وقد رَوَى القومُ كلُّهم !
فأخذَ القَدَح فوَضَعهُ على يَده , ونظَرَ إليَّ فتبسَّم وقال : يا أبا هِرّ , قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه , قال : بَقيتُ أنا وأنت , قلتُ : صدقْتَ يا رسولَ اللَّه , قال : اقْعُدْ فاشْرَبْ . فقعدتُ فشربْتُ , فقال : اشْرَبْ , فشربْتُ , فَمَا زالَ يقولُ : اشربْ , حتَّى قلْتُ : لا , والَّذي بعَثَكَ بالحَقِّ ما أجدُ له مَسْلَكًا ! قال : فأَرِنِي , فأعطَيْتُه القَدَح , فحمدَ اللَّهَ وسَمَّى وشربَ الفَضْلَة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 5 – ص 2370 – رقم الحديث 6087) .
وفي حادثة أخرى : روى الإمام البخاري أيضًا عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه , قال : كُنَّا يومَ الخندق نَحفِر , فعرضَتْ كُدْيَةٌ شديدة (أي حجارةٌ صمَّاء) , فجاءوا النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقالُوا : هذه كُديةٌ عرضَتْ في الخَنْدق , فقال : أنا نازل . ثمَّ قام وبطْنُه مَعصوبٌ بحجَر (وذلك لِلتَّخْفِيف من آلام الجوع) , ولَبثْنَا (أي وقد كُنَّا لَبثْنَا) ثلاثة أيَّام لا نذوقُ ذواقًا (أي لم نَأكل شيئًا) . فأخذَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم المعْوَلَ , فضربَ في الكُدْيَة , فعاد كَثيبًا أهْيَل , أو أهْيَم , (أي تفتَّتَت الحجارة) .
فقلتُ : يا رسولَ اللَّه , ائذَنْ لي إلى البيْت . (فأذن لي ورجعتُ إلى بيتي) , فقلتُ لِامرَأتي : رأيتُ بالنَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم شيئًا ما كان في ذلكَ صبرٌ , فعِنْدَكِ شيء ؟ قالتْ : عندي شعيرٌ وعناق (وهو صغيرُ المعْزَة) . فذبَحْتُ العناق وطحنتُ الشَّعير , حتَّى جعلْنَا اللَّحم في البُرمة (وهي قِدْر يُصنع من الحجارة) . ثمَّ جئتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , والعجينُ قد انكسر , والبُرمةُ بين الأثافي (وهي الحجارة التي يُوضع عليها القِدْر) قد كادتْ تَنْضج , فقلْتُ : طُعَيِّمٌ لي , فقُم أنتَ يا رسولَ اللَّه ورجلٌ أو رجُلان . قال : كَمْ هو ؟ فذكَرْتُ له , فقال : كثيرٌ طَيِّب , قُلْ لها لا تَنْزِعُ البُرْمةَ ولا الخُبْزَ من التَّنُّور (وهو الكانون أو الفرن) حتَّى آتِي .
ثمَّ قال (أي لِأصحابه) : قُومُوا . فقامَ المهاجِرُون (وهم المسلمون الذين هاجرُوا من مكَّة إلى المدينة) والأنصار (وهم المسلمون من سكَّان المدينة) . فلمَّا دخلتُ على امرأتي , قلتُ : وَيْحَكِ , جاء النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بالمهاجرينَ والأنصار ومَنْ معهُم ! قالتْ : هلْ سألَك ؟ قلتُ : نعم .
وقال (أي النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لِأصحابه) : ادخُلُوا ولا تَضاغَطُوا (أي لا تَزاحَمُوا) . فجعلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويجعلُ عليه اللَّحْمَ , ويُخَمِّرُ البُرمة والتَّنُّور (أي يُغطِّيهما بقُماش) إذا أخذَ منهما , ويُقرِّبُ إلى أصحابه , ثمَّ يَنْزِع (أي يُعيد نفس العمليَّة) . فلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ ويَغْرِفُ (أي يجعلُ عليه اللَّحم) , حتَّى شَبِعُوا . وبَقِيَ بقيَّةٌ , فقال : كُلِي هذا وأهْدِي , فإنَّ النَّاسَ أصابَتْهُم مَجَاعةٌ . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1505 – رقم الحديث 3875) .
وفي حادثة أخرى : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة أو عن أبي سعيد (الخدري) رضي اللَّه عنهما , قال : لَمَّا كان غَزْوَة تَبُوك , أصابَ النَّاسَ مَجاعَةٌ فقالُوا : يا رسولَ اللَّه , لَوْ أذنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنَا (أي جِمالَنا) فأكَلْنَا وادَّهنَّا . فقالَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : افْعَلُوا . فجاءَ عُمَر فقال : يا رسولَ اللَّه , إن فعَلْتَ , قَلَّ الظَّهر , ولكن ادْعُهُم بفَضْلِ أزْوادِهم , ثمَّ ادْعُ اللَّهَ لهم عليْها بالبَرَكة , لَعَلَّ اللَّه أن يَجْعَلَ فيها ذلك . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : نَعَم .
فَدَعَا بِنَطْعٍ فبَسَطَه , ثمَّ دَعَا بِفَضْلِ أزوادِهم , فجعلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بِكَفِّ ذُرَة , ويَجيءُ الآخرُ بِكَفِّ تَمْر , ويَجيءُ الآخرُ بِكِسْرة , حتَّى اجتمعَ على النَّطْع من ذلك شيءٌ يَسير . فدَعَا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عليه بالبَركَة , ثمَّ قال : خُذُوا في أَوْعِيَتِكُم . فأخَذُوا في أَوْعِيَتِهم حتَّى ما تَركُوا في العَسْكَر وعاءً إلاَّ مَلَأوه ! فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا وفَضَلَتْ فَضْلَة . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أشهدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّه وأنِّي رسولُ اللَّه , لا يَلْقَى اللَّهَ بهما عَبْدٌ غير شاكٍّ فَيُحْجَب عن الجنَّة . (صحيح مسلم – الجزء 1 – ص 56 – رقم الحديث 27) .
ومن معجزات النَّبيِّ أيضًا : ما رواه الحاكم في مُستَدرَكه عن محمَّد بن عمر رضي اللَّه عنه , قال : شهدَ قَتادة بن النُّعمان العَقَبَة مع السَّبعين من الأنصار , وكان من الرُّماة المذْكورين من أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , شَهِدَ بَدْرًا وأُحُدًا , ورُمِيَتْ عَيْنُه يَومَ أُحُد , فسالَتْ حَدقتُه على وَجْنَتِه , فأتَى رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فقال : يا رسولَ اللَّه , إنَّ عِنْدي امرأةً أُحِبُّها , وإن هي رأتْ عَيْني خَشِيتُ تَقذُّرها . فرَدَّها رسولُ اللَّه بِيَده , فاسْتَوَتْ ورجعَتْ , وكانتْ أقْوى عَيْنَيْه وأصحَّهما بعد أن كَبُر ! (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 3 – ص 334 – رقم الحديث 5281) .
هذه إذًا بعض المعجزات التي أجراها اللَّهُ تعالى على يَدَيْ نَبِّيِّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وهناك الكثير من المعجزات الأخرى لَمْ نَذْكُرها هنا . وإذا كُنتِ سيِّدتي الفاضلة تجدين صعوبة في التَّصديق بأنَّها وقعتْ فعلاً , فتذكَّري أنَّكِ صدَّقتِ ما هو أغْرب من ذلك , وهو أنَّ الأرض التي تعيشين فوقها تدور بكِ الآن بسرعة 1600 كلم في السَّاعة , وأنتِ لا تشعرين بأيِّ شيء ! فلِمَ العجَبُ إذًا من معجزاتٍ تَتِمُّ كلُّها بأمر اللَّه الذي يقول للشَّيء كُنْ فَيَكُون ؟!
وإذا كان النَّصارى استغربُوا من شفاء المسيح عليه السَّلام للمَرضَى وإحيائه للمَوْتَى , فادَّعَوْا أنَّه ابنُ اللَّه , فإنَّ المسلِمين علِمُوا أنَّ معجزات نبيِّهم محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ومعجزات موسى وعيسى عليهما السَّلام , لَمْ تَكُن مِن صُنْعهم هم وإنَّما تَمَّتْ بإذْن اللَّه , لأنَّه هو وحده الذي يَملِكُ القُدرة على خَرْق القوانين الكونيَّة مَتَى يشاء وكيف يشاء . لذلك , لَمْ يَرفع المسلمُون محمَّدًا ولا عيسى ولا غيرهما من الأنبياء عليهم السَّلام عن مُسْتَوى البَشَر .
______________
التالي بإذن الله تعالى: هل دعا محمَّدٌ اليهودَ والنَّصارى إلى الإسلام ؟
|