View Single Post
   
Share
  رقم المشاركة :67  (رابط المشاركة)
Old 16.01.2011, 14:41
كلمة سواء's Avatar

كلمة سواء

عضوة مميزة

______________

كلمة سواء is offline

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 04.04.2010
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.143  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
09.02.2016 (19:34)
تم شكره 33 مرة في 28 مشاركة
Default


هل كان محمَّد يبحث عن السُّلطة والمال ؟



إطلاقًا ! ولو قارَنَّا بين نَوْعيَّة الحياة التي كان محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يحياها قبل النُّبوَّة وبعدها , لَمَا شكَكْنا لحظة واحدة أنَّه نبيٌّ .
فبالرَّغم من أنَّه عاش يَتيم الأبَوين , إلاَّ أنَّه قضَّى طفولَته وشبابَه في كفالة عمِّه أبي طالب , سيِّد قُريش آنذاك , الذي غَمَره بعطفه وعوَّضَه حنانَ الأب والأمّ . ولَمَّا بلَغ سِنَّ الخامسة والعشرين , تزوَّج من السَّيِّدة خديجة , أشْرف نساء مكَّة آنذاك وأكثرهنَّ مالاً , وذلك بعد أن رأتْ مِن أمانته وصِدْقه ما رَغَّبها في الزَّواج منه .
فكان النبَّيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حتَّى سِنِّ الأربعين يعيشُ حياة هادئة , وكان يتعبَّدُ كما يشاء على شَرْع إبراهيم عليه السَّلام . وبالإضافة إلى ذلك , كان يتمتَّع بِحُبِّ وتقدير جميع قَوْمه , صغيرهم وكبيرهم , لِشَرف نَسَبه وحُسْن أخلاقه .
فلم يكُن هناك إذًا أيُّ سَبب منطقي يدفعُه بعد ذلك أن يدَّعي النُّبوَّة , لأنَّه لم يكن يفتقدُ لأيِّ شيء من هَناء العيش . ولَو فَرضْنا جدَلاً أنَّه كان يَبْتغي من وراء هذا الأمر السُّلطةَ والجاهَ والمالَ , لَكَانتْ هذه النَّوايَا برزَتْ في طِباعه وسُلُوكه منذ شبابه , ولَمَا خَفِيَ ذلك على قَوْمه . ثمَّ إنَّه كان يستطيعُ أن يحصُل على كلِّ ذلك دون الحاجة لادِّعاء النُّبوَّة , لأنَّه , كما ذكَرْنا سابقًا , كان من عائلةٍ ذات شَرف وسيادة , وكان محبوبًا في قَوْمه .
هذا ما يقوله العقلُ والمنطق . أمَّا واقعيًّا , فكُتُبُ التَّاريخ تشهدُ أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان أبعد ما يكُون عن التَّفكير في المال والجاه والسُّلطة . وقد كُنَّا ذكَرْنَا أنَّ سادات قُريش عرضُوا علَيْه في بداية نُبُوَّته أن يتَخَلَّى عن الدَّعوة إلى الإسلام مُقابل أن يجمعُوا له من المال ما يشاء ويجعلُوه ملكًا وسيِّدًا عليهم , فرفضَ هذه الاغراءات وأجابَهُم بأنَّه فعْلاً رسولٌ من عند اللَّه .
فعند ذلك عَادَوْه وآذَوْه وحاولُوا قتلَه , فهاجر إلى المدينة (وهي تبعد عن مكَّة 418 كلم إلى الشَّمال) وأصبح له أتباعٌ كثيرون , وكوَّنَ دولة إسلاميَّة . وعاد بعد ذلك منتصرًا إلى مكَّة , ودخل الآلافُ من العرب في الإسلام , وأصبح محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حاكمًا على ما يُعرَف اليوم بالسّعوديَّة . وكان بإمكانه وَقْتَئذ , لو كانت له فعْلاً نَوايَا من وراء النُّبوَّة , أن يسكن القُصور وتَخدُمه الجواري والعبيد , كما كان سائدًا في ذلك العصر .
لكنَّه فَعلَ عكس ذلك تمامًا ! بل إنَّه , منذُ شرَّفَه اللَّهُ تعالى بالنُّبوَّة في سنِّ الأربعين وحتَّى وفاته في سنِّ الثَّالثة والسِّتِّين , كان أزهد النَّاس في الدُّنيا وأكثرهم طاعة للَّه .
فقد روى ابن ماجه في سُننه عن عمر بن الخطَّاب رضي اللَّه عنه , قال : دخلْتُ على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وهو على حصير . فجلَسْتُ , فإذا عليه إزارٌ وليسَ عليه غَيْرُه , وإذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبه , وإذا أنا بقَبْضَة من شعير نحو الصَّاع وقرظ في ناحيَة في الغُرفة , وإذا إهابٌ مُعَلَّق . فابْتَدرتْ عَيْناي (أي دمعَتْ) , فقال : ما يُبْكِيكَ يا ابنَ الخطَّاب ؟ فقلتُ : يا نَبيَّ اللَّه , وما لي لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جَنْبك , وهذه خزانتكَ لا أرى فيها إلاَّ ما أرى , وذلكَ كِسْرَى (ملك الفُرس) وقَيْصَر (ملك الرُّوم) في الثِّمار والأنهار , وأنتَ نبيُّ اللَّه وصَفْوَته وهذه خزانَتك ! فقال : يا ابنَ الخطَّاب , ألا ترضَى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدُّنيا ؟! قلتُ : بلى ! (سنن ابن ماجة – الجزء 2 – ص 1390 – رقم الحديث 4153) .

وروى التّرمذي في سُنَنه عن عبد اللَّه (بن مسعود) رضي اللَّه عنه , قال : نام رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على حصير , فقام وقد أثَّر في جَنْبه . فقلْنا : يا رسولَ اللَّه , لَو اتَّخَذْنا لك وطاء ؟ فقال : مالي وما للدُّنيا , ما أنا في الدُّنيا إلاَّ كَراكِبٍ اسْتَظلَّ تحت شجرة ثمَّ راح وتَركَها . (الجامع الصّحيح سنن التّرمذي – الجزء 4 – ص 588 – رقم الحديث 2377) .

وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عروة (بن الزُّبير) رضي اللَّه عنه , أنَّ عائشة (زوجة النَّبيّ) رضي اللَّه عنها قالتْ له : واللَّهِ يا ابنَ أختي إنْ كُنَّا لَنَنظرُ إلى الهلال ثمَّ الهلال , ثلاثة أهِلَّة في شَهْرَيْن , وما أُوقِدَتْ في أبْيات (أو بيوت) رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم نارٌ (أي للطَّبخ) . فقلتُ : يا خالَة , ما كان يعيشُكُم ؟! قالتْ : الأسْوَدان : التَّمر والماء , إلاَّ أنَّه قد كان لِرسُول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم جيرانٌ من الأنصار كانتْ لهم مَنائح , وكانُوا يَمنحُون رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم من ألبانها فيَسْقينَا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 2 – ص 907 – رقم الحديث 2428) .

وعن كثرة صلاته , روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , قالتْ : كان رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إذا صَلَّى (أي صلاة النَّافلة) قامَ حتَّى تفطر رجْلاه (أي تَنتفخ وتتوَرَّم) . فقلتُ له : أتَصْنَعُ هذا وقد غُفِر لَكَ ما تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ ومَا تَأخَّر ؟! فقال : يا عائشة , أفَلاَ أكونُ عَبْدًا شَكُورًا ؟! (صحيح مسلم – الجزء 4 – ص 2172 – رقم الحديث 2820) .

وعن بساطته في العيش , روى ابن حبَّان في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها , أنَّها سُئِلَتْ : ما كان النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَعْملُ في بَيْتِه ؟ فقالتْ : كان يَخيطُ ثَوبَه ويخصفُ نَعْلَه ويعملُ ما يعملُ الرِّجالُ في بُيُوتهم . (صحيح ابن حبّان – الجزء 12 – ص 490 – رقم الحديث 5677) .

وعن الأملاك التي تركَها بعد موته , وقد كان وَقْتَها يحكم ما يُعرَف اليوم بالسّعوديَّة كما ذكَرْنا , روى الإمام البخاري في صحيحه عن عمرو بن الحارث رضي اللَّه عنه , قال : ما تركَ رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عندَ مَوْته دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمَةً , إلاَّ بَغْلَتَه البَيْضاء التي كان يَرْكَبُها وسلاحَه , وأرضًا جعَلَها لابْن السَّبيل صَدَقة . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 4 – ص 1619 – رقم الحديث 4192) .

وعن تواضُعه , روى أبو داود في سُننه عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه , قال : خرجَ علينا رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مُتوَكِّئًا على عَصا , فقُمْنَا إليه (أي وقَفْنَا له) , فقال : لا تقومُوا كما تقُوم الأعاجِم , يُعظِّمُ بعضُهم بعضًا . (سنن أبي دواد – الجزء 4 – ص 358 – رقم الحديث 5230) .
وروى أبو داود أيضًا في سُنَنه عن أبي مجلز رضي اللَّه عنه , قال : خرجَ معاوية علَى ابن الزُّبَيْر وابن عامر , فقام ابنُ عامر وجلسَ ابنُ الزُّبَيْر . فقال مُعاوية لابن عامر : اجْلِسْ , فإنِّي سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : مَنْ أحَبَّ أن يَمْثُلَ له الرِّجالُ قِيَامًا , فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه من النَّار ! (سنن أبي داود – الجزء 4 – ص 358 – رقم الحديث 5229) .

قد تقول سيِّدي الكريم أنَّ كلَّ الدَّلائل التي ذكَرْتُها هنا يمكنُ أن تكون أكاذيب اختَلَقَها المسلمون لإعطاء صورة حسنة عن نبيِّهم !
أقول : واللَّهِ الذي لا إله غيرُه , ليس هناك على مدى التَّاريخ أُناسٌ اعتَنَوْا بكتابة سيرة نبيٍّ أو زعيم أو مُبدِع , مثلَما فعلَ المسلمون الأوائل مع محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! كلُّ التَّفاصيل تقريبًا عن حياته الخاصَّة والعامَّة , عن أقواله وأفعاله , مِنْ بعد نُبُوَّته وحتَّى وفاته , وقعَ تدوينُها بأمانةٍ مُدهشة , وحُفِظَتْ إلى يومنا هذا تحت اسم : أحاديث نبويَّة , في كُتُب تُسَمَّى بـ : صحيح البخاري , وصحيح مسلم , وسُنن التّرمذي , ومُسنَد الإمام أحمد , وغيرها .
ولو دقَّقْتَ سيِّدي في طريقة تدوين الأحاديث في هذه المراجع , لَاستغربتَ أشدَّ الاستغراب ! فكلُّها تبدأ بـ : حدَّثنا فُلان , عن فُلان , عن فُلان ... أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال كذا , أو فَعل كذا . فالإمام البخاري مثلاً لم يجمع في صحيحه الذي يحتوي على أكثر من سبعة آلاف حديث نبويّ , إلاَّ الأحاديث التي سمعها بنفسه من فلان , الذي سمعها بدوره من فلان ... حتَّى الوصول إلى النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ! ولم يُدوِّنْها إلاَّ بعد أن تأكَّد مِن أنَّ كلَّ الرُّواة في السِّلسلة ثقاتٌ , وجَيِّدُو الحِفْظ , وأنَّ فُلانًا قد عاش فعلاً في زمن فُلان الذي سمع منه , إلخ .
فهل يمكنُ بعد هذا أن نُصدِّق أنَّ هذه الأحاديث مِن اختلاق الإمام البخاري أو الإمام مسلم أو غيرهما ؟!
أبدًا ! بل إنَّ هؤلاء الرُّواة كانُوا يَتحرَّوْن أشدَّ التَّحرِّي في درجة صحَّة الأحاديث التي يَرْوُونَها في كتُبهم , واضعينَ أمام أعْيُنهم الحديث الذي رواه الدَّارمي في سُنَنه عن أبي قتادة رضي اللَّه عنه , قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقولُ على المنْبَر : يا أيُّها النَّاس , إيَّاكُم وكَثْرة الحديث عنِّي , فَمَنْ قالَ علَيَّ فلا يَقُلْ إلاَّ حَقًّا (أو إلاَّ صِدْقًا) , ومَنْ قالَ عَلَيَّ ما لَمْ أقُلْ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَه من النَّار ! (سنن الدّارمي – الجزء 1 – ص 89 – رقم الحديث 237) .
وحتَّى إن وُجِدَ أحيانًا نفسُ الحديث مرويًّا بصِيَغ مختلفة عند البخاري ومسلم مثلا , فهذا طبيعي , لأنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لم يأمُرْ أصحابَه في حياته بكتابة ما يقُوله وما يَفعله , وإنَّما أَمَرهُم بحفظ وكتابة ما كان يَنزلُ عليه من آيات القرآن الكريم فقط . فقد روى الحاكم في مُستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : لا تكتبُوا عنِّي شيئًا سوى القرآن . مَنْ كتبَ عنِّي شيئًا سوى القرآن , فلْيَمْحُه . (المستدرك على الصّحيحين – الجزء 1 – ص 216 – رقم الحديث 437) .
فلمَّا بدأ الإمام البخاري ثمَّ الإمام مسلم ثمَّ غيرهما في جمع الأحاديث بعد وفاة النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , كان من المنطقي أن يكون هناك اختلاف في بعض الألفاظ , لأنَّ الذين رَوَوْا هذه الأحاديث اعتمدُوا في الغالب على ذاكرتهم لاسترجاع أحاديثَ سمعُوها , ولَمْ يُؤمَروا عند سماعها بحفظِها حرفًا حرفًا مثل القرآن . ولو أنَّكَ مثلا سألتَ شخصَيْن فَوْر خروجهما من قاعةٍ للمحاضرات : ماذا قال المحاضر في النُّقطة الفُلانيَّة ؟ لَحصَلْتَ على قَوْلَيْن مُختَلِفَيْن قليلاً في اللَّفظ , قَريبَيْن في المعنى .
ثمَّ إنَّ اختلاف الرِّوايات يزيدُ الحديث توثيقًا , لأنَّه يدلُّ على أنَّ الكلام قِيلَ فعْلاً أو أنَّ الحادثة وقعتْ وليستْ مُختَلَقة .
بقيَ أن نلاحظ أنَّ المسلمين عندما يستشهدُون بحديث نبوي , فإنَّهم يذكُرون فقط الرَّاوي الأوَّل والرَّاوي الأخير في السِّلسلة , لكي لا يَملَّ السَّامع أو القارئ من طول سلسلة الرُّواة .

نختم هذا العنصر بالقول بأنَّه لو كان محمَّدٌ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يَبْتغي الشُّهرة والسُّلطة من وراء النُّبوَّة , لَكان ادَّعى أنَّه ابنُ اللَّه أو شريكُه أو غير ذلك ! حاشَى له ولغيره من الأنبياء أن يدَّعُوا ذلك ! كلُّهم كانُوا يُنزِّهون اللَّهَ تعالى أن يكُون له ولدٌ أو زوجة أو شبيه , وكلُّهم كانُوا يعتزُّون أنَّهم عبادٌ للَّه , ويطلُبون من أتباعهم ألاَّ يَرفعوهم فوق هذه الدَّرجة .
فقد روى النّسائي في السُّنن الكبرى عن أنَس رضي اللَّه عنه , أنَّ ناسًا قالُوا لِرسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا خيرنا وابن خيرنا ويا سيِّدنا وابن سيِّدنا . فقال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : يا أيُّها النَّاس , علَيْكُم بقَوْلِكُم ولا يَسْتَهْوِيَنَّكُم الشَّيْطان , إنِّي لا أريدُ أن ترفعُوني فوقَ مَنْزلَتي التي أنْزَلَنيها اللَّهُ تعالَى , أنا مُحَمَّد بن عبد اللَّه , عبدُهُ ورسُولُه . (السّنن الكبرى – الجزء 6 – ص 71 – رقم الحديث 10078) .







توقيع كلمة سواء


Reply With Quote