ولكن , أليس الإسلام دين إرهاب ؟!
أبدًا ! فهل يُعقَل أن يَشترِطَ اللَّهُ تعالى لِدُخول الجنَّة أن يكُون المسلمُ تقيًّا وعلى قدْر عالٍ من الأخلاق , ثمَّ يأمره بالاعتداء على كلِّ مَن خالَفه في الدِّين ؟!
إطلاقًا ! يقول اللَّه تعالى : { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 8 إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 9 } (60- الممتحنة 8-9) .
قال الإمام الطَّبري في تفسير الآية 8 : أي لا ينهاكُم اللَّهُ عن الذين لم يُقاتِلُوكم في الدِّين , مِن جميع أصناف المِلَل والأديان , أن تَبَرُّوهم وتَصِلُوهم وتُقسِطُوا إليهم .
وإذا كان الإسلام يُحرِّم , كما ذكَرْنا سابقًا , الاعتداءَ بالقول أو بالفعل على غير المسلمين بدَعْوى أنَّهم كُفَّار , فهو يُشَدِّدُ التَّحريم عندما يتعلَّق الأمرُ بإيذاء غير المسلمين الذين لهم مُعاهدات مع المسلمين أو الذين يعيشون في البلدان الإسلاميَّة . فقد روى أبو داود في سُنَنه عن صفوان بن سليم عن عدد من أبناء أصحاب رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : ألاَ مَنْ ظَلَم مُعاهِدًا , أو انتقَصَه , أو كلَّفَه فوق طاقَته , أو أخذَ منه شيئًا بغَيْر طِيب نَفْس , فأنا حجيجُه يومَ القيامة . (سنن أبي داود – الجزء 3 – ص 170 – رقم الحديث 3052) .
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : مَنْ قَتَل مُعاهِدًا لَمْ يرحْ رائحةَ الجنَّة , وإنَّ ريحَها تُوجَد من مَسيرة أربعين عامًا . (الجامع الصّحيح المختصر – الجزء 3 – ص 1155 – رقم الحديث 2995) .
وعلى هذا , فإنَّ الإسلام بريء من كلِّ التَّفجيرات التي تَستهدفُ غيرَ المسلمين الذين يعيشون آمنين في بُلدانهم , أو يعيشُون مُسالِمين في ضيافة البُلدان الإسلاميَّة . بل إنَّ التَّاريخ يشهد أنَّ غيرَ المسلمين كانُوا يُلاقُون أفضل المعاملة في ظلِّ الخلافة الإسلاميَّة .
ثمَّ إنَّ كلَّ الأنبياء والرُّسُل بعثَهم اللَّه جميعًا , ليس لِتَرْويع النَّاس وإرهابهم , وإنَّما لِدَعْوَتهم إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسَنَة . حتَّى الطُّغاة يجبُ دعوتُهم إلى دين اللَّه بالرِّفق واللِّين ! يقول اللَّه تعالى مخاطبًا نبيَّه موسى عليه السَّلام : { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى 17 فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى 19 } (79- النّازعات 17-19) .
وواللَّهِ إنَّ كلَّ مسلم لَيَفرح أشدَّ الفرح عندما يَهدي اللَّهُ على يديه رجلاً أو امرأة إلى الإسلام , لأنَّه يشعُر حقيقةً أنَّه كان سببًا في إنقاذ هذا الشَّخص من الخلود في النَّار . وقد روى الإمام أحمد في مُسنَده عن أنَس بن مالِك رضي اللَّه عنه , أنَّ غلامًا يهوديًّا كان يضَع للنَّبيِّ (محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وُضوءه ويُناوله نَعْلَيْه , فمَرِض . فأتاهُ النَّبيُّ فدخلَ عليه , وأبُوه قاعدٌ عند رأسه , فقال له النَّبيُّ (أي قال للغلام) : يا فُلان , قلْ لا إله إلاَّ اللَّه . فنظَرَ إلى أبيه , فسَكَت أبوه , فأعاد عليه النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , فنظَرَ إلى أبيه , فقال أبوه : أَطِعْ أبا القاسِم ! فقالَ الغلام : أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللَّه وأنَّكَ رسولُ اللَّه . فخرج النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم (من عنده) وهو يقول : الحمدُ للَّه الذي أخْرجه بي من النَّار . (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 3 – ص 175 – رقم الحديث 12815) .
فهل يُعقَل بعد هذا أن نقول أنَّ الإسلام دين إرهاب وتفجيرات ؟! واللَّهِ إنَّه دعوةٌ للرَّحمة والتَّعاون ونَشْر الفَضيلة بين كلِّ البشَر . وستزداد معرفتك به , سيِّدي الفاضل , عند قراءتك للأجزاء الأخرى