وهل سيدخلُ المسلم العاصي إلى النَّار ؟!
يومَ القيامة سيُنصَبُ ميزانٌ لِوَزن أفعال كلّ إنسان , فمَنْ رجحتْ سيِّئاتُه من المسلمين ولَم تَنَلْهُ شفاعةُ الشّافعين , فإنَّه يُعذَّبُ في النَّار ما شاء اللَّه , ثمَّ يدخلُ الجنَّة . الفرقُ إذًا بين المسلم وغير المسلم هنا , أنَّ الأوَّل إذا عُذِّب في النَّار بذُنوبه فإنَّه لا يُخلَّد فيها , بل يدخُل فيما بعدُ إلى الجنَّة , بينما الثَّاني يُخلَّد في النَّار ولا يدخلُ الجنَّة أبدًا .
وإنَّ من عَدْل اللَّه تعالى أنَّه يوم القيامة سيقتصُّ لِكُلِّ ظالم مِمَّن ظلَمَه , حتَّى لو كان الظَّالم مسلمًا والمظلوم كافرًا !
نعم , يقول تعالى في القرآن الكريم : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ 47 } (21- الأنبياء 47) .
ويُفصِّل لنا النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هذا القِصَاص , في حديث رواه البَيْهقي في سُنَنه عن أبي هُرَيْرة رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : أتَدْرونَ مَن المفْلِس ؟ قالُوا : المفْلِس فينا مَنْ لا دِرهَم له ولا مَتاع . فقال : إنَّ المفْلِس مِن أمَّتي يأتي يومَ القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي قد شَتَم هذَا , وقذفَ هذا , وأكلَ مالَ هذا , وسفَكَ دَمَ هذا , وضربَ هذا , فَيُعطَى هذا من حَسَناته , وهذا من حَسَناته , فإن فَنِيَتْ حَسَناتُه قبل أن يُقضَى عنه ما عليه , أخذَ من خطاياهُم فطُرحَتْ عليه , ثمَّ طُرح في النَّار . (سنن البيهقي الكبرى – الجزء 6 – ص 93 – رقم الحديث 11284) .
نعم , الذي طُرح في النَّار هنا هو مسلمٌ كان يُؤدِّي فرائضَ اللَّه من صلاة وصيام وزكاة , ولكنَّه نسيَ أنَّ اللَّه العادلَ لن يتركَه قبل أن يُحاسبه على ظُلْمِه لتلك المرأة المسلمة , وسَرقته لِمَال ذلك النّصراني , وضَرْبه لذلك اليهودي , وشهادته زورًا ضدَّ ذلك الملْحِد .
فهل هناكَ أعدل من اللَّه ؟!
قد تقول : ولكن ما الَّذي سيستفيدهُ الكافرُ يومَ القيامة من الاقتصاص له من المسلم , وماذا سيفعلُ بالحسنات التي ستُضاف إلى ميزانه بِمَا أنَّه سيُخلَّد في النَّار ؟!
أقول : سيرتاح نفسيًّا لأنَّه أخذ أخيرًا حقَّه مِمَّنْ ظلَمَه , وسيُخفَّف عنه العذابُ بهذه الحسنات , لأنَّ النَّارَ دركَاتٍ كما ذكَرْنَا .