وماذا عن الذي سخَّر حياته لفعل الخير ؟!
أليسَ من الظُّلم أن يُعذِّبه اللَّهُ بالخلود في النَّار إذا مات على غير الإسلام ؟!
قبل الإجابة على هذا السُّؤال , لِنَستمعْ لهذا الحديث الذي رواه ابن حبَّان في صحيحه عن الأسود بن سريع رضي اللَّه عنه , قال : قال النَّبيُّ (محمَّد) صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أربعةٌ يَحتجُّون يومَ القيامة : رجلٌ أصَمّ , ورجلٌ أحمق , ورجلٌ هرم , ورجلٌ مات في الفترة . فأمَّا الأصمّ فيقول : يا ربّ , لقد جاء الإسلام وما أسمعُ شيئًا . وأمَّا الأحمقُ فيقول : ربِّ , قد جاء الإسلامُ والصِّبْيانُ يَحْذفُونَني بالبَعر . وأمَّا الهرم فيقول : ربِّ , لقد جاء الإسلامُ وما أعْقِل . وأمَّا الذي مات في الفترة فيقول : ربِّ , ما أتاني لك (أي منك) رسول . فيأخُذُ مَواثيقَهم لَيُطيعُنَّه , فيُرسلُ إليهم رسولاً أن ادخُلُوا النَّار . قال : فَوَالذي نَفْسي بيَدِه , لو دَخلُوها كانت (أي لَكانَتْ) عليهم بَرْدًا وسلامًا . (صحيح ابن حبّان – الجزء 16 – ص 356 – رقم الحديث 7357) .
وروى أبو يعلَى في مُسنَده عن أنَس بن مالك رضي اللَّه عنه , أنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال : يُؤتَى بأربعةٍ يومَ القيامة : بالمولود , وبالمعتُوه , وبِمَنْ ماتَ في الفترة , والشَّيخ الفاني , كلُّهم يتكلَّم بِحُجَّته . فيقولُ الرَّبُّ تباركَ وتعالَى لِعُنق من النَّار : ابرُزْ . ويقول لهم : إنِّي كنتُ أبعثُ إلى عبادي رُسُلاً من أنفُسِهم , وإنِّي رسولُ نَفْسي إليكُم , ادخُلُوا هذه (أي هذه النَّار) ! فيقولُ مَنْ كُتِبَ عليه الشَّقاء : يا رَبِّ , أنَّى نَدْخُلها ومنْها كُنَّا نَفِرّ ؟!
ومَنْ كُتِبَتْ عليه السَّعادة يَمضي , فيَقْتحمُ فيها مُسرعًا .
فيقولُ اللَّهُ تبارك وتعالى (لِمَنْ رَفَضُوا دخول النَّار) : أنْتُم لِرُسُلي أشَدّ تكذيبًا ومَعْصِيَة .
فيدخُلُ هؤلاء الجنَّة (أي مَن أطاع واقتحم في النَّار) , وهؤلاء النَّار (أي مَن عَصَى) . (مسند أبي يعلى – الجزء 7 – ص 225 – رقم الحديث 4224) .
فمِنْ عَدْل اللَّه إذًا ورحمته أنَّه لا يُعذِّبُ أحدًا من عباده حتَّى يُقيم عليه الحُجَّة , إمَّا في الدُّنيا أو في الآخرة ! والذين ماتُوا قَبْلَ أن تبلُغهم فعْلاً دعْوةُ الإسلام , سَيُمتَحنون في الآخرة كما امتُحِنَ غيرُهم في الدُّنيا . فمَنْ أطاع كان من أهل الجنَّة , ومَن عصَى دخلَ النَّار خالدًا فيها .
أليسَ هذا مُنتهَى العدل ؟!
وأمَّا مَنْ بلَغَتْه دعوةُ الإسلام فأعرض عنها وأصرَّ على البقاء على المسيحيَّة أو اليهوديَّة أو الإلحاد أو غير ذلك , فهو الذي ظلَم نفسَه في هذه الحالة لأنَّه عانَد وتكبَّر , وسيكون مصيره بلا شكّ : الخلود في جهنَّم .
وبِمَا أنَّ اللَّهَ أكْرم وأعدل مِن أن يظلم مثقال ذرَّة من خير عمِلَه عبدٌ من عباده , فكلُّ مَا يَفعلُه الكافرُ من خير , يُجازيه اللَّهُ تعالى عليه إمَّا في الدُّنيا أو في الآخرة أو في الاثنين معًا .
أمَّا في الدُّنيا , فَيُوَسِّعُ عليه في الرِّزق , أو يَصرف عنه بعض المصائب , أو يُعطيه من الخير ما تمنَّى , أو غير ذلك .
وأمَّا في الآخرة , فيُخفِّفُ عنه العذاب . فالنَّارُ دركات , والجنَّة درجات . يقول اللَّه تعالى مثلاً في منزلة المنافقين : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا 145 } (4- النّساء 145) .
لا يَضيعُ إذًا أيُّ شيء في ميزان اللَّه , سواء كان العبدُ مسلمًا أو كافرًا . يقول اللَّه تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 8 } (99- الزّلزلة 7-8) .
فهل هناك أعدل من اللَّه ؟!