فريقٌ في الجنَّة وفريقٌ في السَّعير !
ربَّما تَعجبين يا ابنتي الكريمة من انتقالي الآن للحديث عن الجنَّة والنَّار , وأنا لم أُعرِّفْكِ بَعدُ باللَّه تعالى وبمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم وبالإسلام . الحقيقة أنَّني أردتُ أن أُعطيكِ فكرة صغيرة عمَّا أعدَّه اللَّهُ تعالى لعباده يوم القيامة , لعلَّها تكون لكِ حافزًا على مواصلة قراءة الأجزاء الأخرى من هذا الكتاب , قبل أن تنشغلي عن ذلك بدراستك أو بعملك .
فكَما أنَّ التَّلميذ محتاجٌ لأن يعرف ماذا سَيجْني من اجتهاده في الدّراسة , والعامل محتاج لأن يعرف كم سيأخذ أجرًا على تَعَبه في العمل , فكذلك العبد محتاجٌ لأن يعرف ماذا سيكون جزاءه إذا اتَّبع دين اللَّه , حتَّى يكُون له ذلك حافزًا على الاستقامة في السُّلوك والإخلاص في العبادة والاستزادة من فعل الخير .
يَصِفُ اللَّهُ تعالى بعض ما أعدَّهُ لأهل الجنَّة , فيقول في القرآن الكريم : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً 122 } (4- النّساء 122) .
ويقول تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 72 } (9- التّوبة 72) .
ويقول تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ 14 قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 15 الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 16 } (3- آل عمران 14-16) .
نعم , إنَّ هذا حقًّا هو الفوز الحقيقي : جنَّات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيِّبة وأزواج مطهَّرة وكلّ ما تشتهي الأنفس , ورضوان من اللَّه أكبر ! كلُّ هذا لِمُدَّةٍ أطول من مليار مليار مليار … سنة ! إنَّه الخلود في الجنَّة !
ويقول تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ 41 وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ 42 كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 43 إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 44 } (77- المرسلات 41-44) .
وفي المقابل , يصفُ اللَّهُ تعالى بعض حالِ أهل النَّار , فيقول : { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ 49 قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ 50 } (40- غافر 49-50) .
هل أدركتِ يا ابنتي خطورة الموقف ؟! إنَّ الذي يموتُ على غير الإسلام سوف يدخلُ نارًا حامية جدًّا , حتَّى أنَّه من شدَّة العذاب يتمنَّى أن يُخفِّف اللَّهُ عنه يومًا واحدًا منه ! فكيف به وهو سيقضِّي فيها , ليس سنة , ولا عشر سنوات , ولا ألْف سنة , بل رقْمًا لا نهائي من السَّنوات , أو إن شئتِ : أكثر من مليار مليار مليار ... سنة !!
هل تخيَّلتِ حَجْمَ العذاب ؟!
لو أنَّ سجينًا في الدُّنيا محكوم عليه بعشر سنوات , طلبَ من القاضي أن يطرح من عقوبته يومًا , لَظنَّ أنَّه يسخر منه ! فما بالُكِ بِمَنْ يطلبُ حقيقةً أن يُطرح عنه يومٌ من مليار مليار مليار ... يوم في جهنَّم !
ربَّما تقولين : ولكن , إذا كانت جهنَّم نارًا حامية جدًّا كما جاء في القرآن , فمعنى هذا أنَّ الذين فيها سيموتون في لحظة .. وينتهي الأمر !
أقول : تعالي أذكِّرك إذًا بآية سبق أن تعرَّضْنا لها عند الحديث عن جلْد الإنسان . يقول اللَّه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا 56 } (4- النّساء 56) .
فأصحابُ النَّار تُبدَّلُ جلُودُهم إذًا كلّ لحظة , فيستمرّ العذاب إلى ما لا نهاية .
قد تقولين : ولكنَّ أصحاب النَّار سيموتون في النِّهاية , سواء من شدَّة العذاب أو من شدَّة الفزع !
استمعي إذًا لِمَا يَلي : يقول اللَّه تعالى : { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ 15 مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ 16 يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ 17 } (14- إبراهيم 15-17) .
نعم , يأتيه الموتُ من كلِّ مكان , ولكنَّه لن يموت ! إنَّه خلودٌ في النَّار إلى الأبد !
ويقول تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ 36 وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ 37 } (35- فاطر 36-37) .
وإذا لم يستطع عقلُكِ أن يقبل فكرة الخلود في النَّار , فلماذا قَبِلَ إذًا ما ذكَره عُلَماء الفلك من أنَّ هذا الكون يحتوي على مئات المليارات من النُّجوم , تفصلُ بينها مسافات خياليَّة تُقدَّر بملايين المليارات من الكيلومترات , وأنَّ الأرض تدور بنا بسرعة مجنونة , ونحن لا نشعر بشيء ؟!
واللَّهِ الذي لا إله غيره , لنْ يُفلِتَ بَشرٌ من الحساب يوم القيامة . ويا تَعْس يومئذٍ مَن كان مصيره الخلود في النَّار بسبب لحظة عِنَاد في الدُّنيا أعمَتْهُ عن اتِّباع الحقّ .
تعاليْ نُكمل الحديث عن حال أهل النَّار : يقول تعالى : { وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا 10 يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ 11 وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ 12 وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 13 وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ 14 كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى 15 نَزَّاعَةً لِلشَّوَى 16 تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى 17 وَجَمَعَ فَأَوْعَى 18 } (70- المعارج 10-18) .
هل يُعقَل أن يُفكِّر الكافر يومئذ أن يُقدِّم زوجته وأبناءه وكلَّ مَن على الأرض , لكي يَفتدِيَ نفسَه من عذاب النَّار ؟!
نعم , ولن يُغني ذلك عنه شيئًا !
ويقول تعالى : { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ 33 يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ 34 وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ 35 وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ 36 لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ 37 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ 38 ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ 39 وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ 40 تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ 41 أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ 42 } (80- عبس 33-42) .
الكلُّ إذًا مشغولٌ بنفسه , ولا يفكِّر إلاَّ في المصير الذي ينتظره !
ويقول تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ 19 يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ 20 وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ 21 كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ 22 } (22- الحجّ 19-22) .
ويقول تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ 50 الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ 51 } (7- الأعراف 50-51) .
ويقول تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ 44 الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ 45 } (7- الأعراف 44-45) .
ويقول تعالى : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 6 إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ 7 تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ 8 قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ 9 وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ 10 فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ 11 } (67- الملك 6-11) .
آياتٌ تهزُّ المشاعر والقلوب ! هل يُعقل أن تكُون كلُّها خيالٌ من صنع بَشَر ؟!
أبدًا ! إنَّها واللَّهِ كلامُ اللَّه , يُقيم به الحجَّة على كلِّ مَنْ غَرَّتْهُ الحياةُ الدُّنيا وآثَر الكُفْر على الإيمان .
إنَّ يوم القيامة سيأتي لا محالة . وسأقف أنا وأنت والنَّاس أجمعون للحساب . ثمَّ , إمَّا خُلودٌ في جنَّاتٍ ونعيم , وإمَّا إلى نارٍ وحميم وعذاب لا نهاية له !
أسأل اللَّه أن يهديك إلى الإسلام , ويجعلك وإيَّاي وكلّ المسلمين من أصحاب الجنَّة , آمين .