خامسًا : علاجُ الفوضويّة :-
تبيَّنَ لنا إخوتي أنَّ الفوضويّةَ مرضٌ خطير ، أو صفةٌ مذمومة ، إذ هي طريقٌ مختصرةٌ إلى الفشلِ والسقوطِ والضّياعِ عياذًا باللهِ تباركَ وتعالىٰ ، ومن هنا تعيَّنَ علينا ذكرُ بعضِ طُرُقِ العلاج ، ومنها :
1-اللجوءُ إلى اللهِ تعالىٰ والاستعانةُ به :
أدعو اللهَ أن يخلّصَني من هذه الصفةِ المذمومة ، وأن يَمُنَّ عليَّ بالتوفيقِ والسّداد ، وأن يباركَ لي في وقتي ، وأن يرزُقَني حسنَ تنظيمِه ، وألا يكِلَني إلى نفسي طرْفَةَ عَيْنٍ أبدا .. آمين .
إِذا لم يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ للفَتىٰ
فَأَوَّلُ ما يَجنِي عَليْهِ اجتِهادُهُ
2-اليقينُ بأنَّنا مسئولونَ عن حيواتِنا غَدًا وأنَّها رأسُ مالِنا الحقيقِي :
فذلكَ يدفعُ إلى حسنِ استغلالِ الحياةِ فيما يُرضِي اللهَ تعالىٰ وفيما يُفيد ، قال صلى الله عليه وسلم : « لا تزولُ قَدَما عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتّى يُسأَلَ عن عُمرِهِ فِيمَ أفناهُ ، وعن عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ، وعن مالِهِ مِن أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفِيمَ أَنفقَهُ ، وعن جِسمِهِ فيمَ أَبلاهُ » [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] ، فضياعُ الحياةِ هو الخسرانُ المبين ، قال تعالىٰ : { إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)} [ الزمر ] .
3-تنظيمُ الوقتِ ومُحاسبةُ النّفس :
فكلُّ ما حولَنا يسيرُ وِفقَ نظامٍ محدّد ، والعباداتُ التي شرعَها اللهُ تعالىٰ لنا تُؤَدَّىٰ بشكلٍ منظَّمٍ لا فوضويّةَ فيه ، فإذا نظَّمَ المسلِمُ وقتَهُ وحاسبَ نفسَهُ على ذلكَ بورِكَ لهُ فيهِ بإذنِ اللهِ تعالىٰ ، وزادَ نشاطُهُ وعَلَتْ هِمَّتُه .
4-تحديدُ الأهداف :
لأنّ وضوحَ الأهدافِ وتحدِيدَها يجعلُ الإنسانَ يسيرُ في حياتِهِ بخطـًى مُتّزنة ، وإليكُم بعضَ النقاطِ التي تُساعِدُ على تحديدِ الأهداف :
أ) تربيةُ النّفسِ على عدمِ القيامِ بأعمالٍ لا هدفَ لها .
ب) مشروعيّةُ الهدفِ وجوازُ سعيِ المسلِمِ في تحقيقِه .
ج) تناسُبُ الأهدافِ مع الإمكانيّاتِ والقدرات .
د) مُلاءَمةُ الأهدافِ للاحتياجاتِ والأولويّات .
هـ) مُناسَبةُ الهدفِ للزمنِ المُقَدَّرِ للإنجاز .
5-وضعُ خُطَّةٍ لتحقيقِ الأهداف :
حيث لابدّ من وجودِ خُطَّةٍ عمليّةٍ للوصولِ إلى الهدف ، فالجادُّ لديهِ هدفٌ محدّدٌ وخُطَّةٌ مدروسة ، أما الفوضويُّ فلا هدفَ لهُ أصلاً ليضعَ لهُ خُطَّة .
6-الحِرصُ على التّنظيمِ والتّخطيطِ وعدمِ الاستعجال :
فالتّأنّي والنّظَرُ في العواقِبِ أدعىٰ إلى أن تكونَ النّتائجُ إيجابيّةً سليمة ، قال الشاعر :
فرَيْثُ المثابِرِ أَمْضَىٰ خُطـًى
وأبلَغُ من قَفَزاتِ الصَّخَبْ
وكانت أناةُ الفتىٰ في التَّقَدُّمِ
أهدىٰ وأجدىٰ لِنَيْلِ الأَرَبْ
ومُسْتَعْجِلُ الشَّيْءِ قبلَ الأوانِ
يُصِيبُ الخَسارَ ويَجنِي النَّصَبْ
7-إداركُ العواقِبِ المُتَرَتِّبَةِ على الفوضويّة :
فالعاقلُ يعتبِرُ بغيرِه ، ومن رأى الفوضويَّ يتخبّطُ ويُهدِرُ عُمرَه ، دَلَّهُ ذلكَ على أنّ التلبُّسَ بهذا الدَّاءِ ذريعةٌ إلى الفشلِ والانحراف ، عِندَها يقتَنِعُ أنّ سبيلَ الفلاحِ والنَجاحِ هو الفرارُ من هذا المرض ، وتلَمُّسُ سبيلِ التنظيمِ والمنهجيّةِ والترتيبِ في كُلِّ شُئونِ حياتِه ، واستغلالِ كُلِّ لحظَةٍ من لحظاتِ العُمرِ فيما هو مفيد .
8-التَّخَلُّصُ من صُحْبَةِ الفوضويّينَ والاتجاهُ إلى الصحبةِ الطيّبة :
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « الرَّجُلُ على دينِ خليلِهِ ، فلينظُرْ أحَدُكُم من يُخالِل » [ رواه أبوداود والترمذي وحسنه الألباني ] ، ومصاحبةُ الفوضويِّ تُعْدِي كما يُعْدِي الصحيحَ الأجربُ ، وقد قيل قديمًا : ( اصحب من يدُلُّكَ على اللهِ حالُه ، ومن يُعَرِّفُكَ باللهِ مقالُه ) .
9-الحرصُ على المشورَةِ وعدم الانفراد بالرَّأْي :
فالاستشارَةُ قُوَّةٌ لمن استشار ، تمْنَعُهُ من الزَّلَلِ وتهديِهِ إلى الصّوابِ وتَدُلُّهُ على النّافِعِ المفيدِ وتسلُكُ بِهِ إلى طريقِ النَّجاحِ - بإذنِ اللهِ تعالىٰ - ، فلا تَعُوقُهُ العَوائِقُ ولا تُحْبِطُهُ العَثَرات ، ولا تَضِيعُ مِنْهُ لحظَةٌ بغيرِ عملٍ نافعٍ أو ثمرةٍ حُلوة ، وقديمًا قيل : ( ما خابَ من استَخار ، وما نَدِمَ من استَشار ) .
·ملحوظة : ما خَابَ من استَخارَ ولا نَدِمَ من استَشارَ ولا عَالَ من اقْتَصَد .. حديث موضوع .
الخاتِمَة :
إخوتي ، تلكَ بعضُ سُبُلِ العِلاجِ أو بعضُ الحلولِ العامَّةِ التي أُدْرِجَتْ ، بعدَ بيانِ أهمِّ المظاهِرِ والآثارِ والأسباب ، ولْنَعْلَمْ أَنَّ أَهَمَّ وسائلِ علاجِ الفوضويّةِ هو تلافي أسبابُها واتخاذُ سُبُلِ الوقايَةِ منها ابتداءً .
أسالُ اللهَ العليَّ القديرَ أن يجعَلَهُ زادًا إلى حُسْنِ المصيرِ إليه ، وعَتادًا إلى يُمْنِ القدومِ عليه ، إنه بكلِّ جميلٍ كفيل ، هُوَ حَسْبُنا ونِعْمَ الوكيل
وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين