
08.01.2011, 13:59
|
|
مشرف أقسام النصرانية و رد الشبهات
______________
|
|
الملف الشخصي
التسجيـــــل: |
23.04.2009 |
الجــــنـــــس: |
ذكر |
الــديــــانــة: |
الإسلام |
المشاركات: |
2.798 [ عرض ] |
آخــــر نــشــاط |
12.01.2024
(10:38) |
تم شكره 157 مرة في 101 مشاركة
|
|
|
|
|
مستقبل الشرق الأوسط
في كتابه "مستقبل الشرق الأوسط"(6) الصادر عام 1997، كتب برنارد لويس نبؤاته عن مستقبل المنطقة ودولها وشعوبها على أعتاب القرن الواحد والعشرين. وقد عرض الكتاب لمجمل الطروحات الفكرية والسياسية والإستراتيجية التي كانت حينها على قمة أولويات البحث. وازداد الإهتمام بها ليأخذ أبعاداً معولمة بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 وانطلاق الحملة الأميركية في سياق "الحرب على الإرهاب".
لعل أبرز هذه الطروحات: مقاربته لفكرة "دمج الحرية والإيمان بشكلٍ لا يستثني أحدهما الآخر" كحلٍ لمشاكل الإسلام السياسي؛ وتعمّقه في تحليل مفهوم الجهاد لدى الحركات الأصولية الإسلامية، ومقارنته بجهاد الصليبيين المسيحيين في القرون الوسطى؛ إلى مقاربته مستقبل الصراع بين تلك الأصولية الإسلامية والديموقراطية الليبيرالية، رغم ميل البعض من تلك الحركات، كما في تركيا وإيران والجزائر، للقبول باللعبة الديموقراطية كوسيلة للوصول إلى السلطة ومن ثم العمل للقضاء على العناصر والأفكار "المعادية لشرع الله". وبعد مقولة تبنّي وتنظيم وانتشار إرهاب الحركات الأصولية، "الإرهاب في موطنها أثناء وجودها في صفوف المعارضة والإرهاب خارج حدود بلادها عندما تصل إلى السلطة"، يصل لويس أخيراً إلى القضية المركزية المتمحورة حول الصراع العربي الإسرائيلي. في هذا المجال، يبيّن لويس أن الحل لن يتأتى إلا عن طريق التغيير الجذري لأنماط التفكير في العالم العربي والإسلامي. ويرى إلى سيرورة التغيير ابتداء من قبول واعتناق مبدأ التعاون في حل النزاعات، ونمو الحد الأدنى من بنية الإحتكاك والتواصل بين إسرائيل وجيرانها وصولاً إلى "التأقلم". بل أبعد من هذا، فقد يتطور التأقلم مع الوقت ليغدو تسامحاً، والتسامح قبولاً، والقبول ثقةً، وقد تتطور الثقة إلى صداقة"...
أزمة الإسلام
"أزمة الاسلام: الحرب المقدّسة والإرهاب المدنـَّس"(7)، هو الكتاب قبل الأخير لبرنارد لويس وقد صدرت طبعته الأولى مطلع عام 2003، أي بالتزامن مع الإحتلال الأميركي للعراق. ويمكن اعتبار هذا الكتاب المتوسط الحجم (190 صفحة) تكملة للكتاب الذي سبقه "أين الخطأ؟"(8).
في مقدمته، يتضمن الكتاب أربع خرائط تاريخية للعالم الإسلامي هي: (1) عصر الخلفاء: تظهر المد الإسلامي منذ انطلاق الدعوة عام 622 م. وحتى عام 750 م. إبان العصر الأموي؛ (2) الإمبراطورية العثمانية: تتضمن الإمتداد الجغرافي للدولة الإسلامية منذ عام 1300 م. وحتى عام 1683 م. (تاريخ فشل الجيش العثماني في دخول فيينا)؛ (3) عصر الإمبريالية: التقسيمات الإستعمارية لتركة الإمبراطورية العثمانية بين الدول الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا وروسيا)؛ (4) الشرق الأوسط الحديث.
أي تاريخ؟
حسب برنارد لويس، بدأ التاريخ عند المسلمين مع انطلاق الدعوة الإسلامية نفسها، وهو السبب في تحديد التقويم بتاريخ هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة المنوّرة. أما ما سبق ذلك، من تاريخ لحضارات الأمم التي سبقت واندثرت، فلم يتعدّ الإهتمام به درجة ارتباط ذلك بما جاء في القرآن من روايات وأمثلة عن تلك الأمم والشعوب التي كانت تقبع في درك "الجاهلية". وأما التاريخ الإسلامي فيمثل، بالنسبة للمسلمين، نتيجة حتمية لمشيئة الله، وهو بذلك ذو شأن ديني وفقهي-قانوني هام، في حين لا يحمل تاريخ غير المسلمين مثل هذا البعد الإلهي.
لهذا ظل الإهتمام بالموروث التاريخي لفترة ما قبل الإسلام، في بلادٍ هي مهد الحضارات الإنسانية التي تنتشر الشواهد عليها في كل مكان، في حدوده الدنيا. فقد انقرضت لغات الأقدمين ودفنت مآثرهم تحت الرمال، حتى جاء البحاثة وعلماء الآثار الغربيين ليعيدوا نبشها ودراستها وفك رموزها.
الإسلام: هوية وانتماء
ظل الإسلام، لأكثر من ألف عام، يمثل المصدر المقبول الوحيد للقوانين والتشريعات الخاصة والعامة في حياة المسلمين. ولم يتغير هذا الواقع حتى في ظل وقوع معظم البلاد والشعوب الإسلامية تحت احتلال الدول الأوروبية لها.
لهذا يبدو الفارق شاسعاً بين عالم الإسلام وبقية دول العالم، حين يتعلق الأمر بالشؤون السياسية، محلية كانت أم دولية. إذ لا يجتمع رؤساء الدول الإسكندنافية من وقت لآخر لمناقشة قضايا البلاد البروتستانتية؛ ولا هي من عادة زعماء اليونان ويوغوسلافيا وبلغاريا والإتحاد السوفياتي أن يتناسوا خلافاتهم الإيديولوجية لعقد اجتماع على خلفية العقيدة الأرثوذوكسية؛ وكذلك لم تحاول الدول الآسيوية التي يعتنق غالبية سكانها البوذية تشكيل تجمع بوذي في الأمم المتحدة. إن مجرد التفكير في تشكيل تجمعات ضمن هذا الإطار في العالم الحديث قد تبدو غريبة وبلا معنى. لكنها ليست كذلك في العالم الإسلامي. ففي خلال مراحل الحرب الباردة جميعها، كان ممثلو أكثر من خمسين دولة إسلامية، من جمهوريات وممالك وإمارات، ومن دول محافظة وثورية، رأسمالية واشتراكية، مدعومة من الشرق والغرب، يشكلون تجمعاً دولياً يلتقي بشكل دوري ليتعاونوا بشأن قضاياً تهم بلادهم وشعوبهم.
أحد أسباب هذا التميّز في الموقف السياسي الإسلامي يعود إلى المستوى العالي من الإيمان والممارسة الدينية لدى المسلمين عامة مقارنة بأتباع الديانات الأخرى. السبب الآخر والأهم هو أن الإسلام ليس طريقة عبادية وحسب، وإنما هو أيضاً هوية وانتماء. فبالنسبة إلى الكثير من المسلمين، يمثل الإسلام الهوية والإنتماء بحيث يتفوقان على أي هوية أو انتماء آخرين.
أما عن الموجة الثورية الحديثة في الإسلام فتقوم على عدة ركائز. أحد هذه الركائز الشعور بالإذلال، وهو شعور مجموعة من الناس اعتادت أن ترى إلى نفسها كحامية وحيدة للحقيقة الإلهية. إنها تؤدي واجباً إلهياً بتبشير الكفار بالدين الحنيف. لكنها لا تلبث أن تجد نفسها واقعة تحت سيطرة هؤلاء الكفار أو هي متأثرة إلى حدٍ كبير بهم، وبشكل أدى إلى تغيير أنماط حياة المجموعة. إضافة إلى الإذلال، هنالك الإحباط المتأتي من فشل جميع الخيارات المستوردة من الغرب لتغيير أحوال الشعوب. وبعد الإذلال والإحباط جاءت الركيزة الثالثة الضرورية للبعث – الثقة بالنفس من جديد والشعور بالقوة. هذا الشعور انطلق وتنامى خلال أزمة النفط عام 1973، حين اتخذت الدول العربية المنتجة للنفط، موقفاً داعماً لمصر في حربها ضد إسرائيل، باستخدام النفط كوسيلة مؤثرة جداً. الثروة الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط، والفخر، والثقة بالنفس، تم تعزيزها بركيزة أخرى هي: إحتقار الغرب وأخلاقياته.
غير أن السؤال الذي يشغل تفكير صناع السياسة الغربيين اليوم هو البحث عما إذا كان الإسلام، أصولياً كان أم تقليدياً، يشكل تهديداً للغرب؟
معنى "الجهـاد"
يشرح برنارد لويس معنى الجهاد كواجبٍ ديني مقدّس، مفاضلاً بين مفهومين للجهاد: جهادٌ أخلاقي غايته تهذيب النفس وترويضها وجهادٌ حربي في سبيل الأمة. وهو يستشهد في ذلك بآيات من القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد. إلى ذلك فهو يربط مفهوم الجهاد بالسياق التاريخي للفتح الإسلامي، غرباً باتجاه إسبانيا والبرتغال وجنوب غرب فرنسا وجنوب إيطاليا، وشرقاً باتجاه وسط آسيا والهند والصين.
إن مفهوم الجهاد الحربي لدى لويس ينطلق من خطين: الجهاد الهجومي، وغايته نشر الدين الإسلامي، وخط الجهاد الدفاعي، وغايته الذود عن بلاد المسلمين. لكن العالم، في نظر المسلمين، مقسوم إلى ثلاث مناطق: "دار السلام"، وهي بلاد المسلمين، و"دار الحرب"، وهي بلاد الكفار، و"دار الصلح"، وهي بلاد أهل الكتاب، أو المشركين، أو الكفار، ممن عقدوا صلحاً مع المسلمين يدفعون بموجبه جزية لقاء عدم احتلال بلادهم أو محاربتها.
ولم يتوقف التزام مبدأ الجهاد الهجومي على زمن الفتوحات الإسلامية الأولى بل امتد حتى السنوات الأخيرة من عمر السلطنة العثمانية. فقد اجتاح الأفغان، عام 1896، منطقة "كوش" الجبلية في شمال الهند، والتي كان يطلق عليها اسم "كافرستان" – أي بلاد الكفار، لتصبح بعد احتلالها "نورستان" – أي بلاد النور. كما أطلق العثمانيون على بلغراد، والتي كانت مركزاً متقدماً في حربهم ضد النمسا في أواخر القرن السابع عشر، إسم "دار الجهاد". وكانت وزارة الحرب التي أنشأها محمد علي باشا في مصر، حسب الهيكلية والتنظيم الفرنسي، تدعى "ديوان الجهادية" والوزير القائم على شؤونها يوصف بـ "ناظر الجهادية".
على الرغم من تعريفه لصفتي الجهاد الفردية والعامة، ينتقد لويس أولئك الذين يجهدون حالياً للتقليل من أهمية صفته الحربية درأً لشبهة العنف والإرهاب التي أُلصقت به. وحسب رأيه، فقد افتقد مفهوم الجهاد في العصور الحديثة "قداسته" بينما حافظ على بعده الحربي البحت، وهو ما يبدو جلياً في أدبيات الحركات الإسلامية الناشطة في كشمير والشيشان وفلسطين.
نعمة الإستعمار والإحتلال!
يقول لويس أنه غداة سيطرة الدول الأوروبية على منطقة الشرق الأوسط، مطلع القرن الماضي، لم تقم بضمّ تلك البلدان إلى سيادتها المطلقة بالشكل التقليدي الذي مارسته في بقية المستعمرات والملحقات الأخرى حول العالم. فقد أوكلت عصبة الأمم حينها إلى كل من فرنسا وبريطانيا انتداب تلك البلدان وإدارتها ضمن مهمة واضحة الأهداف وهي تدريب تلك الشعوب، أو تهيئتها لإدارة شؤونها ذاتياً واستقلالها لاحقاً عن سلطة الإنتداب، وذلك ضمن فترة قصيرة جدا، بين الحربين العالميتين. وقد تم، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، إعلان إنتهاء فترة الإنتداب ومُنحت تلك البلدان استقلالها، فيما بقي القسم الأكبر من شبه الجزيرة العربية خارج سيطرة الدول المستعمِرة.
مع ذلك، فقد كان التأثير السلبي لتلك الحقبة كبيراً جداً في نظر شعوب المنطقة. ورغم تأكيد لويس على أن هذا التأثير ومضاعفاته السلبية كانا كبيرين، إلا أنه يعتبره أدنى بكثير، ولأسباب غير أحادية الجانب، وهو على خلاف ما صوّرته الأدبيات الوطنية بعد ذلك. فقد كان لتلك الفترة أيضاً حسناتها، خصوصاً على صعد إنشاء البنية التحتية، والخدمات العامة، ونظم التعليم والتغييرات الإجتماعية التي أدت إليها لدى تلك الشعوب، لا سيما لجهة إنهاء ممارسة "العبودية" والإنخفاض الكبير في انتشار ظاهرة تعدد الزوجات، مع أنه لم يقضِ على هذه الظاهرة بالكامل. ويمكن بوضوحٍ تلمـّس الفارق بين مرحلتي الإستعمار والإستقلال، وذلك بإجراء مقارنة بين البلدان التي وقعت تحت نير الإستعمار، كمصر والجزائر مثلاً، وتلك التي لم تخسر استقلالها، كالسعودية وأفغانستان. فالسعودية مثلاً لم تعرف الجامعات إلا في فترة متأخرة وبأعدادٍ قليلة جداً. وفي حين يبلغ عدد سكان المملكة 21 مليون نسمة، فإن عدد الجامعات فيها لا يتعدى الثماني فقط مقارنة مع سبعة معاهد عليا أنشأها الفلسطينيون منذ الإحتلال الإسرائيلي عام 1967. أما العبودية فلم يتم حظرها في السعودية حتى العام 1962، فيما لا تزال حقوق المرأة مسلوبة حتى اليوم.
فشل الحداثة
يعيد برنارد لويس سبب فشل المسلمين في مواجهة تحديات الحداثة إلى تمسكهم الطوطمي بأمجاد تاريخهم وموروثهم من هذا التاريخ. وهو ما يؤدي إلى انسداد الأفق أمام المحدّثين في نظرتهم الموضوعية إلى ما تعاني مجتمعاتهم من تخلف، وتمسّك الأصوليين بدوغمائية ظالمة للإسلام وللعالم.
وفي سياق اشتغاله على مقولة تخلّف المجتمعات العربية وقصورها عن اللحاق بركب الحداثة، يعود لويس ليستشهد بسيلٍ من إحصائيات التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة والبنك الدولي، والتقارير شبه المستقلة الصادرة عن المؤسسات العربية والغربية غير الحكومية، التي تـُبرز وضاعة مركز الدول العربية والإسلامية مقارنة مع بقية دول العالم على كافة الصعد التنموية البشرية، اقتصادية وصحية وتربوية وثقافية وتكنولوجية. مثال ذلك أن لائحة تضم 27 دولة هي الأكثر مبيعاً للكتب في العالم، تبدأ بالولايات المتحدة وتنتهي بفييتنام، ولا تتضمن بلداً إسلامياً واحداً. فيما الأمثلة على صعيد التخلف الإقتصادي لا تعد ولا تحصى، ومنها أن الناتج المحلي الأعلى بين الدول ذات الأغلبية الإسلامية سجلته تركيا، في المركز الـ23، بسكانها البالغ عددهم 64 مليون نسمة، متخلفة بذلك عن الدانمارك التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة.
يقول لويس إن شعوب الشرق الأوسط على يقين متزايد من حجم الهوة التي تزداد اتساعاً بين الفرص التي يوفرها العالم الحر وبين الوضع المزري من الفقر والإضطهاد الذي يعانون منه. ردة الفعل الطبيعية هي أولاً ضد الحكام وثانياً ضد القوى العظمى، وفي طليعتها الولايات المتحدة، التي تدعم وتحمي هؤلاء الحكام حفاظاً على مصالحها. لهذا، لا يبدو مستغرباً أن يكون جميع المشاركين في هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في نيويورك وواشنطن هم من المملكة العربية السعودية ومصر، أي من الدول التي يعتبر حكامها من أهم أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة. أما أكثر الزعماء العرب شعبية لدى العامة في السبعينات فقد كان معمر القذافي، في حين تبوأ عرش الزعامة الشعبية في الثمانينات والتسعينات صدام حسين، وهذا بحد ذاته دليل ساطع على عمق المأزق الذي تعاني منه هذه الشعوب.
|