كُنّا وصِرنا (٢)
كنا سادة الأرض حماة الدين حراس العقيدة
كنا النور الذي أضاء ظلمات الكفر وبدد ظلمته
كنا بعقيدتنا تخرُّ لنا الجبابرة والملوك
كنا إذا نزلنا بساحة قوم ساء صباح المنذرين
كنا إذا التقت السيوف مبارزةً تسمع لها صليل وترى قدح نارِ
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد أخواني الكرام, نحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته,
هكذا كنا يوم أن اعتز المسلمون بدينهم وطبقوا شرعة الله وحملوا رسالته فأعزهم الله ورضي عنهم وقذف في قلوب أعدائهم المهابة منهم…
هكذا كنا يوم كانت دولة الخلافة قائمة تطبق شرع الله يستوي فيها الخليفة وعامل النظافة, وابن القاضي مع ابن الفقير هذا ان كان في الدولة فقراء.
وصرنا غثاء كغثاء السيل لا قيمة له ولا وزنا يهيننا اراذل الارض ويعيثون فينا الفساد والقتل والدمار. مزقنا شر ممزق بل تهنا أكثر مما تاه بنو اسرائيل في التيه, وكل ذلك لغياب دولة الخلافة الاسلامية وسلطان المسلمين الحامي لاعراضهم وحاقن دمائهم. عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( … إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض ). كنز العمال
ولا أدل على ذلك العزّ والمنعة الذي كنا به هو فتح طليطلة والتي كانت دار الملك بالأندلس يومئذ, وكان بها بيت مغلق متحامي الفتح يلزمه ويحرسه من ثقات القوط قوم قد وكلوا به كي لا يفتح, وقد عهد الأول في ذلك إِلى الآخر، فكلما قصد منهم ملك أتاه أولئك الموكلون بالبيت فأخذوا منه قفلاً وصيَّروهُ على ذلك الباب من غير أن يزيلوا قفل من تقدمه؛ فلما قعد «لُذَريق» أتاه الحراس يسألونه أن يَقْفِلَ على البابِ، فقال لهم: لا أفعل أو أعلم ما فيه، ولا بد لي من فتحه، فقالوا له: أيها الملك، إنه لم يفعل هذا أحدٌ ممن قبلك، وتناهوا عن فتحه، فلم يلتفت إِليهم ومشى إِلى البيت وظن أَنَّهُ بيت مال، ففضّ الأقفال عنه ودخل، فألفاه فارغًا لا شئ فيه، إِلا تابوتًا عليه قفل، فأمر بفتحه، فألفاهُ أيضًا فارغًا إِلا لوحة مُدّرجَة قد صورت فيها صور المسلمين عليهم العمائم وتحتهم الخيول، متقلّدي السيوف، رافعي الرايات على الرماح، وفي أعلاها أسطر مكتوبة بالأعجميّة، فَقُرِئَت فإذا فيها: «إِذا كُسِرَتِ الأقفالُ عن هذا البيتِ وَفُتِحَ هذا التابوتُ فَظَهَرَ ما فيهِ من هذه الصور فإنَّ هذه الأمة المصوّرة في هذه اللوحة تدخل الأندلس، فتغلب عليها وتملكها». فَوُجِمَ «لُذَريق» وَنَدِمَ على ما فعل. وفي رواية اخرى: « أصابه الهمّ والغمّ والحزن الشديد بعد هذه الحادثة».
ذكره المقري في نفح الطيب/ والقلقشندي في صبح الأعشى ج1
وإلى لقاء آخر أخواني الكرام في سلسلة حلقات كنا وصرنا نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يُتبع مع
كُنّا وصِرنا ( 3)