اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :115  (رابط المشاركة)
قديم 15.12.2010, 17:56
صور أمــة الله الرمزية

أمــة الله

مديرة المنتدى

______________

أمــة الله غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 24.04.2009
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.944  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
29.08.2013 (18:25)
تم شكره 30 مرة في 26 مشاركة
افتراضي


مصرع الطاغية

وتقدم أمير من أمراء المماليك المهرة في القتال وهو جمال الدين آقوش الشمس، وهو من مماليك الناصر يوسف الأيوبي، وقد ترك الناصر لما رأى تخاذله وانضم إلى جيش قطز، وأبلى بلاءً حسنًا في القتال، واخترق الصفوف التترية في حملة صادقة موفَّقة حتى وصل في اختراقه إلى (كتبغا) قائد التتار!! ورفع البطل المسلم سيفه، وأهوى بكل قوته على رقبة الطاغية المتكبر كتبغا، وطارت الرأس المتكبرة في أرض القتال، وسقط زعيم التتار، وبسقوطه سقطت كل عزيمة عند جيش التتار.. {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[الأنفال:17]
وتغير سيناريو القتال عند التتار، فما أصبح لهم من هَمٍّ إلا أن يفتحوا لأنفسهم طريقًا في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب، وانطلق المسلمون خلف التتار، يقتلون فريقًا، ويأسرون فريقًا.

وركز التتار جهدهم على فتح ثغرة في مدخل سهل عين جالوت الشمالي، واستطاعوا بعد عناءٍ شديد أن يُحْدِثوا ثغرة في الصف المسلم الواقف على باب المدخل، وانطلق التتار في سرعة عجيبة يُوَلُّون الأدبار، وخرجت أعداد كبيرة يُسرِعون الخُطا في اتجاه الشمال لعلَّ هناك مهربًا.

ووصل التتار الفارون إلى بيسان (حوالي عشرين كيلو مترًا إلى الشمال الشرقي من عين جالوت)، ووجد التتار أن المسلمين جادُّون في طلبهم، فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من جديد؛ لتدور موقعة أخرى عند بيسان أجمع المؤرِّخون على أنها أصعب من الأولى، وقاتل التتار قتالاً رهيبًا، وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم، وابتلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديدًا.

وانطلق قطز يحفِّز الناس، ويدعوهم للثبات، ثم أطلق صيحته الخالدة: واإسلاماه، واإسلاماه، واإسلاماه!! قالها ثلاث مرات، ثم قال في تضرُّع: "يا الله! انصر عبدك قطز على التتار"[43]. وما إن انتهى من دعائه وطلبه -رحمه الله- إلا وخارت قوى التتار تمامًا.
نهاية الأسطورة

وبدأ الجنود الذين روَّعوا الأرض قبل ذلك يتساقطون كالذباب على أرض بيسان، قضى المسلمون تمامًا على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وارتفعت راية الإسلام وتهاوت راية التتار، وجاءت اللحظة التي ينتظرها المسلمون منذ أربعين سنة أو تزيد، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 4،5].
لقد أُبِيد جيش التتار بكامله!! لم يبق على قيد الحياة من الجيش أحد بالمرة! لقد فَنِي الجيش الذي اجتاح نصف الكرة الأرضية؛ فني الجيش الذي سفك دماء الملايين وخرَّب مئات المدن، وعاث في الأرض فسادًا. وانتصر الجيش الإسلامي العظيم!!

لقد نزل البطل المجاهد العظيم التَّقيُّ الورع، نزل من على فرسه، ومرَّغ وجهه في الأرض، يسجد شكرًا لله U!!

لم تنته مهمة الملك المظفَّر بعدُ؛ ما زال هناك تتار في بلاد الشام، وما زال هناك تتار في دمشق وحمص وحلب وغيرها من المدن الشامية، وما زال هناك تتار في العراق وتركيا وفارس وغيرها، ودمشق هي أولى المحطات الإسلامية التي تقع تحت سيطرة التتار، وهي تقع على مسافة مائة وخمسين كيلو مترًا تقريبًا من عين جالوت إلى الشمال الشرقي منها. لا بد من تطهير هذه المدينة الإسلامية العظيمة من دنس التتار؛ فأرسل رسالة عظيمة تحمل بشريات النصر المجيد.

وصل الكتاب يحمل البشارة إلى أهل دمشق، واستقبل المسلمون الخبر بفرح لا يوصف؛ فقد يئس الكثير من إمكانية هزيمة التتار، فلما سمعوا بأخبار الانتصار الباهر ارتفعت هممهم إلى السماء، ورأوا عمالقة التتار أقزامًا، وقام الشعب في دمشق بثورة عارمة على جيش المغول، وأمسكوا بجنود التتار وفتكوا بهم.. {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} [الذاريات: 45].
لقد سقطت هيبة التتار، وتنفَّس المسلمون الصعداء بعد قهرٍ وبطش استمر أكثر من ستة أشهر، وانتهى المسلمون من أمر الحامية التترية بسرعة؛ فمنهم من قُتل، ومنهم من أسر، ومنهم من فرَّ، واتجه المسلمون بعد ذلك للقصاص من النصارى الذين تطاولوا على أهل الإسلام في أثناء سيطرة التتار على دمشق.

وبينما هم كذلك -وفي اليوم الثلاثين من رمضان سنة 658هـ/ 1260م- وصل البطل العظيم الملك المظفر قطز رحمه الله إلى دمشق، بعد خمسة أيام من يوم عين جالوت؛ واستقبله الناس استقبال الفاتحين، وعلقت الزينات في الشوارع، وخرج الرجال والنساء والأطفال يستقبلون البطل المظفر.

لم يضيِّع قطز رحمه الله وقتًا بل أرسل مقدمة جيشه بقيادة بيبرس تتبع الفارين من التتار، وتُطهِّر المدن الشامية الأخرى من الحاميات التترية، فوصلت القوات الإسلامية إلى حمص، واقتحمت على التتار معسكراتهم ففرُّوا مذعورين، وحرَّر المسلمون أسراهم الذين كانوا في قبضة التتار، وانطلقوا خلف الحاميات التترية الهاربة، فقتلوا أكثرهم، وأسروا الباقين، ولم يفلت منهم إلا الشريد.

وطَهَّر المسلمون بلاد الشام بكاملها في غضون بضعة أسابيع، وعادت من جديد أرض الشام إلى ملك الإسلام والمسلمين، نسأل الله لها ولسائر بلاد المسلمين دوام التحرُّر والعزة.

وأعلن قطز رحمه الله توحيد مصر والشام من جديد في دولة واحدة تحت زعامته، بعد عشر سنوات من الفُرقة، وذلك منذ وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله في سنة 648هـ/ 1250م، وخُطِب لقطز رحمه الله على المنابر في كل المدن المصرية والفلسطينية والشامية، حتى خطب له في أعالي بلاد الشام والمدن حول نهر الفرات.

ومع أن موقعة عين جالوت هذه كانت موقعة واحدة، وتمت في يوم واحد إلا أن آثارها كانت من القوة بحيث لا تتخيل، وكانت من الكثرة بحيث لا تُحصى؛ فمن آثارها:

الأثر الأول: عاد المسلمون إلى اللهU أثناء التحضير، وأثناء الإعداد لهذا اللقاء، وأثناء المعركة ذاتها، وبعد المعركة، ولمدة طويلة من الزمان.
الأثر الثاني: قتل المسلمون في عين جالوت الهزيمة النفسيَّة البشعة التي كانوا يعانون منها.
الأثر الثالث: عادت الهيبة للأمة الإسلامية بعد غياب دام أكثر من ستين سنة.

الأثر الرابع: فنيت قوة التتار العسكرية في منطقة الشام وتركيا وفلسطين، لم يُسمع عن التتار في هذه المنطقة لعشرات السنين بعد ذلك؛ اختفى القهر والظلم، واختفى البطش والتشريد، وأمن الناس على أرواحهم وأموالهم وأرضهم وأعراضهم، ولم يروِّع الناسَ أحدٌ في هذه المناطق إلا بعد عين جالوت بأكثر من مائةٍ وأربعين عامًا، عندما دخل التترى السفَّاح تيمورلنك بلاد الشام، فاجتاح حلب ودمشق سنة 804هـ/ 1402م بعد أن اجتاح بلاد العالم الإسلامي الشرقية.

الأثر الخامس: عادت الوَحْدة العظيمة بين مصر والشام، وكوَّنا معًا التحالف الاستراتيجي الصُّلب الذي يمثل حاجز صدٍّ رائع ضد الهجمات الأجنبية.
الأثر السادس: وهو من أعجب الآثار، وأعظمها!! فقد رأى كثير من التتار دين الإسلام عن قرب، وقرءوا عن أصوله وقواعده وقوانينه، وعلموا آدابه وفضائله، ورأوا أخلاقه ومبادئه، فأعجبوا به إعجابًا شديدًا، وخاصَّةً أنهم -كعامة البشر- يعانون من فراغ ديني هائل، فليس هناك تشريع يقترب أو يحاول الاقتراب من دين الإسلام، ومن اقترب منه وبحث فيه لا بد أن يرتبط به، إن كان صادقًا في بحثه، وطالبًا للحقيقة فعلاً.

لقد بدأ بعض التتار يؤمنون بدين الإسلام، ثم شاء الله U أن يدخل الإيمان في قلب أحد زعماء القبيلة الذهبية -أحد الفروع الكبيرة جدًّا في قبائل التتار-، وهذا الزعيم هو ابن عم هولاكو مباشرة، وهو أخو (باتو) القائد التتري المشهور، وتسمَّى هذا الزعيم باسم (بركة)، وكان إسلامه في سنة 650هـ/ 1252م. ثم تولى (بركة) زعامة القبيلة الذهبية سنة 652هـ/ 1254م، وأصبح اسمه (بركة خان)، وكانت هذه القبيلة شبه مستقلة عن دولة التتار، وتحكم المنطقة التي تقع شمال بحر قزوين، والمعروفة في الكتب الإسلامية القديمة باسم (بلاد القبجاق) وهي تقع الآن في روسيا، وبإسلام هذا الزعيم دخلت أعداد كبيرة من قبيلته في الإسلام.

لقد كانت صفحات دامية في تاريخ الأمة الإسلامية، دفعت فيها ثمن الابتعاد عن تطبيق شرع الله U، ولكنها من خلال تلك المحنة عرفت سبيل النصر، وسلكت سبيل الرُّشد مرَّة أخرى.

[1] د/محمد فتحي الشاعر: مصر قاهرة المغول في عين جالوت، دار المعارف، بدون تاريخ، ص14.
[2] د/مصطفى طه بدر: محنة الإسلام الكبرى أو زوال الخلافة العباسية على أيدي المغول، الهيئة العامة المصرية للكتاب، الطبعة الثانية، 1999م، ص92-94.
[3] القلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تحقيق د/يوسف علي طويل، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م، 4/314.
[4] د/مصطفى طه بدر: محنة الإسلام الكبرى ص89-91.
[5] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الرابعة، 2003م، 10/404. ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1408هـ- 1988م، 13/99.
[6] ابن كثير: البداية والنهاية 13/99.
[7] ابن الأثير: الكامل 10/405، 406.
[8] السابق نفسه 10/411.
[9] السابق نفسه 10/408، ابن كثير: البداية والنهاية 13/105.
[10] ابن الأثير: الكامل 10/409، 410.
[11] السابق نفسه 10/418، 419.
[12] السابق نفسه 10/419، 420.
[13] ابن الأثير: الكامل 10/422.
[14] السابق نفسه، الصفحة نفسها.

[15] البخاري: كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها (6061)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق (2961)، والترمذي (2462)، وابن ماجه (3995).
[16] ابن الأثير: الكامل 10/422، 423.
[17] السابق نفسه 10/423.
[18] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[19] مصنف عبد الرازق، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ، 11/178، رقم الحديث (20262). قال الشيخ الألباني: ضعيف. انظر حديث رقم (2369) في ضعيف الجامع.

[20] ابن الأثير: الكامل 10/414، 415.
[21] السابق نفسه 10/415، 416.
[22] السابق نفسه 10/450، 451.
[23] د/مصطفى طه بدر: محنة الإسلام الكبرى ص67.[24] ابن الأثير: الكامل 10/449، 450.
[25] د/فؤاد عبد المعطي الصياد: المغول في التاريخ، دار النهضة العربية، بيروت، 1980م، 1/136-138.
[26] د/مصطفى طه: محنة الإسلام الكبرى ص113.
[27] ابن كثير: البداية والنهاية 13/150.
[28] د/مصطفى طه: محنة الإسلام الكبرى ص117.
[29] ابن الأثير: الكامل 10/494.
[30] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[31] د/فؤاد عبد المعطي: المغول في التاريخ 1/187، 188.
[32] السابق نفسه 1/208-216.
[33] د/مصطفى طه: محنة الإسلام الكبرى ص151، 152.
[34] د/فؤاد عبد المعطي: المغول في التاريخ 1/263-270. د/مصطفى طه: محنة الإسلام الكبرى ص177، 178.
[35] ابن كثير: البداية والنهاية 13/246.
[36] المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق محمد عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ- 1997م، 1/508.
[37] السابق نفسه 1/514.
[38] المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك 1/515.
[39] السابق نفسه، الصفحة نفسها.
[40] السابق نفسه 1/516.
[41] رواه أبو داود (2937)، وأحمد (17333). قال الشيخ الألباني: ضعيف. انظر حديث رقم (6341) في ضعيف الجامع.
[42] ابن كثير: البداية والنهاية 13/250.
[43] المقريزي: السلوك 1/517.

من موقع قصة الإسلام
بقلم د / راغب السرجاني





رد باقتباس