وكنتيجة طبيعية للانغماس في الدنيا، والترف الرائد عن الحد ترك المسلمون الجهاد.. ورضوا بالسير في ذيل الأمم.. وقبل المسلمون ما سماه عدوُّهم: "السلام", بينما هو بوضوح: "استسلام"..
لم يفقه المسلمون أيام التتار - كما لم يفقه كثير من المسلمين في زماننا الآن - أن السبيل الأساسي لاستعادة حقوق المسلمين المنهوبة هو الجهاد، وأن السلام لو صح أن يكون اختياراً في بعض الظروف إلا أنه لا يمكن أن يكون الخيار المطروح إذا انتُهِبَتْ حقوق المسلمين، أو سُفكت دماؤهم، أو شُرّدوا في الأرض، أو استُهْزِئ بدينهم وآرائهم ومكانتهم..
لم يفقه المسلمون أن السلام لا يكون إلا باستعادة كامل الحقوق، ولا يكون وإلا نحن أعزة، ولا يكون وإلا ونحن نمتلك قوة الردع الكافية للرد على العدو إذا خالف معاهدة السلام، أما بدون ذلك فالسلام لا يكون سلاماً بل يكون استسلاماً، وهو ما لا يُقبل في الشرع..
يجب أن يفقه المسلمون أن كلمة الجهاد ليست عيبًا يجب أن نستحيي منه أو نخفيه.. ليست كلمة قبيحة يجب أن تنزع من مناهج التعليم ومن وسائل الإعلام ومن صفحات الجرائد والكتب. أبدًا.. إن الجهاد ذروة سنام الإسلام!.. الجهاد أعلى ما في الإسلام.. شاء ذلك أم أبى أعداء الأمة سواء من خارجها أو من أبنائها..
كلمة الجهاد بمشتقاتها وردت في كتاب الله عز وجل أكثر من ثلاثين مرة..
كذلك كلمة القتال بمعنى قتال أعداء الأمة وردت.
أين نذهب بهذه الآيات؟
ـ
[يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال].
أين نذهب بقول الله تعالى:
[يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة]
أين نذهب بقول الله تعالى:
[قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوكم كافة]
يا إخواني ويا أخواتي..
أنى لأمة تريد أن تحمي نفسها وتدافع عن عرضها وشرفها أن تترك الجهاد والقتال؟؟!..
في أي عرف أو قانون أو ملة تُدعى الأمة التي تُحتل في المشرق والمغرب على عدم الحديث عن الجهاد والقتال والحرب والإعداد..
أنا أعتقد أن هذا المرض.. مرض ترك الجهاد وترك الحديث عنه والإعداد له من أعظم أمراض الأمة.. وليس في تاريخها أبدًا قيام إلا به.. ولنا في التاريخ عبرة..
المرض الخامس: إهمال الإعداد المادي للحروب
لقد اجتهد التتار في إعداد كل ما يمكّنُهُم من النصر سواء في ذلك الجنود أو السلاح أو تجهيز الطرق أو وضع الخطة أو الاهتمام بالأحلاف أوالحرب النفسية والخطط البديلة..
لقد كان إعداداً متميزاً حقاً..
كل ذلك بينما كان المسلمون يعيشون في واد آخر!!..
أُهمِلت الجيوش الإسلامية وانحدر مستواها، ولم يهتم حاكم بتحديث سلاحه أو تدريب جنده.. لم توضع الخطة المناسبة، ولم توجد المخابرات الدقيقة.. لقد تهاون المسلمون جداً في إعدادهم.. ورُتِّبَتْ أولوياتهم بصورة مخزية.. فبينما كانت الملايين تُنفق على القصور وعلى الرخام وعلى الحدائق.. لم يُنفَق شيء على الإعداد العسكري والعلمي والاقتصادي للبلاد.. وبينما قل ظهور النماذج المتفوقة في المجالات العلمية والقيادية والإدارية كثر ظهور المطربين والمطربات، والراقصين والراقصات، واللاعبين واللاعبات، واللاهين واللاهيات!!
و لابد أن تُهزَم أمة كان إعدادها بهذه الصورة.. فأمة الإسلام بغير إعداد لا تقوم.. وليس معنى أن يرتبط الناس بربهم ويعتمدوا عليه أن يُهملوا المقومات المادية، والتجهيز البشري.. ولابد أن يفقه المسلمون هذا الدرس جيداً..
المرض السادس: افتقار المسلمين إلى القدوة
تربية القدوة أعلى آلاف المرات من تربية الخطب والمقالات.. الجنود يشعرون بالغربة الشديدة وبفقدان الحماسة تماماً إذا افتقدوا القدوة..
ألف خطاب للتحميس على الجهاد لا تفعل شيئاً إذا وجد الجنود قائدهم أول المختبئين عند الكوارث !!
ألف خطاب عن تحمل الظروف الصعبة والرضا بالقليل والزهد في الدنيا وتحمل المصائب الاقتصادية لا تغني شيئاً إن وجد الشعب زعيمه يتنعم في القصور وينفق الملايين على راحته وسعادته ورفاهيته وحفلاته الصاخبة..
ألف خطاب عن الأخلاق الحميدة لا تقدم شيئاً للأمة إن كان الذي يقتدى به لا يُصَلّي ولا يصوم ولا يتَّسِم بنظافة اليد واللسان، وبطهارة الضمير والوجدان..
كيف يلتزم الشعب بدينه وشرع ربه وقلما يستمع إلى لفظ الجلالة: "الله"من زعيمه أو أستاذه أو مربيه؟!
كيف للشباب أن ينصلح حالهم وهم يرون أن القدوات التي تبرز لهم قدوات منحلة بعيدة كل البعد عن طريق الصلاح؟!
القائد الذي لا يكون قدوة حية لشعبه في الجهاد والخلق والصبر والزهد والعدل لا يجب أن يتوقع من شعبه أن يحميه وقت الشدائد ولا يقف معه في زمان المصائب..
وفي التاريخ عبرة !!
المرض السابع: موالاة أعداء الأمة
لقد سقط الكثير من زعماء المسلمين أيام التتار في مستنقع الموالاة لأعداء الأمة، وكان منطقهم في ذلك أنهم يجنبون أنفسهم أساساً ثم يجنبون شعوبهم بعد ذلك ويلات الحروب.. فارتكبوا خطأ شرعياً وعقلياً شنيعاً.. بل ارتكبوا أخطاءً مركبة.. فتجنب الجهاد مع الحاجة إليه خطأ، وتربية الشعب على الخنوع لأعدائه خطأ آخر، وموالاة العدو واعتباره صديقاً والثقة في كلامه وفي عهوده خطأ ثالث..
وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه بوضوح:
[يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين].. وهذا تحذير خطير من رب العالمين.. وكم هو أحمق - أو ضعيف الإيمان - من يستمع إلى هذا التحذير ثم لا يلتفت إليه..
المرض الثامن: الإحباط
الأمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، والإحباط والقنوط واليأس ليست من صفات المؤمنين..
[إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون]
لقد عمل التتار كما عمل الأمريكان - كما عمل أتباع التتار والأمريكان - على خفض الروح المعنوية للشعوب المسلمة إلى أدنى درجة ممكنة.. لقد عظموا كل ما هو تتري أو أمريكي وخفضوا كل ما هو مسلم.. ووسعوا الفجوة جداً بين إمكانيات العدو وإمكانيات الأمة، وصوروا لهم أنه لا سبيل للنجاة إلا بالخنوع والخضوع والتسليم..
وقد رأينا التاريخ.. ورأينا مصيبة التتار قد اتبعت بنصر مجيد على يد قطز رحمه الله.. وكان من أهم الأسباب للنصر أنه رحمه الله رفع الروح المعنوية لجيشه، وعلمهم أن التتار خلق من خلق الله لا يعجزونه، وأن المسلمين إذا ارتبطوا بالله عز وجل فلا سبيل لأحد عليهم.. لا التتار ولا اليهود ولا الأمريكان ولا غيرهم.. وأن الجولة الأخيرة حتمًا ستكون للمسلمين..
وبغير هذا الإعداد النفسي وبث روح الأمل في الأمة فالنصر بعيد ولا شك..