قالوا: كيف لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن تستحم أمام الرجلين ؟
الجواب بإذن الله تعالى سيكون من محورين :
المحور الأول: إثبات قرابة الرجلــين لأمنا عائشة رضي الله عنها:
- ذكر الإمــام ابن عبد البر فى التمهيــد ما يلي :
" حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم : قال حدثنا أحمد بن زهير : قال سمعت مصعب بن عبد اللهيقول : أم أبي سلمة بن عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن كلب ، وهي أول كلبية ، تزوجها قرشي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الرحمن إلى كلب ، وأمره أن يتزوج ابنة سيدهم قال : وأرضعت أم كلثوم بنت أبي بكر أبا سلمة; فكان يتولج على عائشة . "
- وذكر أيضــا الإمــام الذهبي فى كتابه " سيــر أعلام النبـــلاء " مايلي :
قال ابن سعد في الطبقة الثانية من المدنيين : كان ثقة ، فقيها ، كثير الحديث . وأمه تماضر بنت الأصبغ بن عمرو ، من أهل دومة الجندل ، أدركت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي أول كلبية نكحها قرشيةوأرضعته أم كلثوم ، فعائشةخالته من الرضاعة .
الشخص الثاني : هو أخوها من الرضاعة كما جاء فى نص الحديث فى قوله " دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ" وقولــه " فَسَأَلَهَا أَخُوهَا "
إذن فالسيدة عائشة هي أخته
اذن فكـِلا الداخلـيـْن هما من محــارمها فالأول ابن أختها والآخر أخوها
المحور الثاني : فى إثبات شرعية فعل السيدة عائشة رضي الله عنها:
سأضرب لكم مثالا بسيطا قبل الشروع فى هذا المحور من الموضوع .
تخيلوا معى رجلان يسيران فى الطريق ومرت أمامهما امرأة غير محتشمة فدقق النظر فيها الأول وإمتنع الثانى عن ذلك وغض بصره عنها.
الآن أنا غادة المنصور أقول: أننى أستنكر فعل الرجل الأول.
فيسألنى أهل الخير : ولمــاذا تستنكرينه يا غادة؟
الجواب : لأن فى ذلك مخالفة شرعية لأوامر الخالق جلّ وعلا الذى أمر بعدم النظر الى عورات النساء.
اذن فأنا عندما استنكرت فعل هذا الرجل فانما استنكرته لأنه يخالف شرع الله عز وجل ولم يكن استنكارى نابعا من رأي شخصي أو من طباعى وذلك لأن الأراء وطباع بنى البشر ليست هي الميزان الذى نزن به الأمور من حيث الصواب والخطــأ وذلك بسبب إختلاف كل انسان عن الآخر.
لذلك فإن الأصل فى الحكم على الأمور أن نعرضها على شرع الله عز وجل الذى خلق جميع البشر ويعرف ماينفعهم وما يضرهم وليس الأصل أن نحتكم الى أراء وطباع بنى البشر التى تختلف بإختلاف الشخوص والأماكن والأزمان.
بعد تأصيل هذه القاعدة نرجع الى أصحاب الشبهة .....
الذى يستنكر فعل أمنا عائشة رضي الله عنها نسأله سؤالا بسيطا : هل فى فعل السيدة عائشة رضي الله عنها مخالفــة شرعية تؤاخذ بها ؟
الجواب : من الثابت عند أهل العلم أن عورة المرأة أمام محارمها هي جميع جسدها ماعــدا مواضع الزينة الخمسة ( وهي المواضع التى تضع المرأة فيها ما تتزين به ) وهي:
شعــرها – رقبتهـــا – الوجــه – الذراعين – الساقين
وهذا ما استنبطه العلمـــاء من قوله تعالى : " وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء "
قال الإمـــام أبو بكر الجصاص فى كتابه أحكام القرآن فى تفسير هذه الآية :
" ظاهره يقتضي إباحة إبداء الزينة للزوج ولمن ذكر معه من الآباء وغيرهم ، ومعلوم أن المراد موضع الزينة وهو الوجه واليد والذراع ...فاقتضى ذلك إباحة النظر للمذكورين في الآية إلى هذه المواضع ، وهي مواضع الزينة الباطنة ؛ لأنه خص في أول الآية إباحة الزينة الظاهرة للأجنبيين ، وأباح للزوج وذوي المحارم النظر إلى الزينة الباطنة . وروي عن ابن مسعود والزبير : القرط والقلادة والسوار والخلخال وقد سوى في ذلك بين الزوج وبين من ذكر معه ، فاقتضى عمومه إباحة النظر إلى مواضع الزينة لهؤلاء المذكورين كما اقتضى إباحتها للزوج "
فهذه المواضع الخمسة يجوز للمحرم كالأب والعم والخال والأخ والابن وغيرهم أن ينظر اليها ، فمثلا الأخ ينظر الى شعر أخته والابن ينظر الى ذراع أمه الى غير ذلك وطبعا أنا أتكلم عن الأشخاص أسوياء الفطرة والا فانه إن شعرت إمرأة أن أحدا من محارمها ينظر لها بشهوة فانه يجب عليها أن تستر نفسها عنه.
لذلك قال الإمام القرطبي فى تفسيره لهذه الآية:
" المسألة الحادية عشر : لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنّى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر ، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها . وتختلف مراتب ما يُبدى لهم ، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج "
طيب الآن اذا رجعنا الى فعل أمنا عائشة رضي الله عنها سنجد أن نص الحديث ذكر أنها اتخذت حجابا بينها وبينهم ... فما معنى اتخاذها لهذا الحجاب ؟
الجواب المنطقى على هذا السؤال : حتى تستر عنهم ما لا يجوز النظر اليه لكي لا تقع في ما يخالف شرع الله عز وجل
وفى نفس الوقت يجوز لهم أن يروا منها ما يجوز للمحرم أن ينظر اليه كالشعر والوجه والذراع والرقبة والساق
فالذى يقول أنها رضي الله عنها أظهرت لهم ما لايحل النظر اليه فاننا نطالبه بالدليل وإلا فهو شخص مفترى يتكلم بلا دليل
أما نحن فنقول أنها لم تُظهر لهم الا الذى يحل لهم أن ينظروا اليه والدليل أنها اتخذت حجابا بينها وبينهم لتستر عنهم ما لا يحل لهم النظر اليه .
ومن العجب العجاب أن يأتى النصارى ليتكلموا عن عورة المرأة المسلمة أمام محارمها .... فمن المعروف عند الجميع أن المرأة النصرانية تخالف كتابها وتنزل فى الشوارع حاسرة عن شعرها ونحرها وساقيها وتُظهر أكثر مما تُخفى ..... فكيف لمثل هؤلاء أن يتكلموا فى أطهر خلق الله ؟
هل تستنكر يا نصرانى أن تُظهر المرأة المسلمة شعرها مثلا أمام محارمها ولا تستنكر خروج أمك وأختك وزوجتك وبناتك أنصاف عرايا فى الشوارع ينظر لهن كل انسان؟
صدق المسيح عليه السلام حين قال :
" أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك "