وتبدأ حملة إعلامية تربوية في غاية الأهمية.. ليست للقائد أو للجيش فقط.. بل للشعب بأكمله!
لابد أن يُجهّز الشعب لهذا اللقاء الهام..
لابد أن يعيش الشعب حياة الجد والكفاح، ويترك حياة اللهو واللعب..
لابد أن يحب الشعب الجهاد.. وتتضح في عينه الأهداف..
ولابد أن يقوم بالحملة الإعلامية رجال مخلصون.. فأحياناً يقف بعض المنافقين يتحدثون عن الجهاد، ويشرحون مآسي المسلمين في قطر ما، وما يفعلون ذلك إلا لمصلحة سياسية مؤقتة، فإذا انقضت المصلحة انقطع الوازع، وانقطع معه الكلام عن الجهاد وعن الحرب..
هؤلاء الخطباء المنافقون، وهذه الأقلام المأجورة لا تصلح لهذه المهمات النبيلة.. ولذلك كان لابد أن يحمل مسؤولية الدعاية الإعلامية لحرب التتار علماء الأمة وفقهاؤها..
انطلق الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله ومن معه من علماء الأمة، يصعدون منابر المساجد، ويلهبون مشاعر الناس بحديث الجهاد.. وما أجمل حديث الجهاد..
لقد رغّبوا الناس في الجنة.. وزهّدوهم في الدنيا.. وعظّموا لهم أجر الشهداء..
لقد حدثوهم عن عظماء المسلمين المجاهدين.. حدثوهم عن خالد والقعقاع والزبير والنعمان.. حدثوهم عن طارق بن زياد وموسى بن نصير ويوسف بن تاشفين وعماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي..
لقد ذكّروهم بأيام الله.. ببدر.. والأحزاب.. و
فتح مكة.. و
اليرموك.. والقادسية.. ونهاوند..
ذكّروهم بموقعة حطين الخالدة التي لم يمضِ عليها إلا خمسة وسبعون عاماً..
كما ذكّروهم بموقعتي المنصورة وفارسكور والتي لم يمض عليهما سوى عشر سنين..
واشتعل الحماس في قلوب الشعب..
لابد ـ أيها المؤمنون الصادقون ـ من تأهيل الشعب لهذا اليوم..
لابد أن يُربى الأطفال والشباب على حب الموت في سبيل الله، وعلى تعظيم أمر الجهاد، وعلى حب الجنة..
ولابد أن يُربى الآباء والأمهات على أن يشجعوا أبناءهم على الجهاد، لا على أن يبعدوا أبناءهم عن كل ما يسبب "المشاكل"، ويهدد الروح ولو كان الدين!..
ولابد أن تُربى الزوجات على حياة الجهاد.. فتحفز الزوجة زوجها على الخروج للجهاد، وترعى أولادها حق الرعاية في غياب زوجها، ولابد أن تُربى على استقبال خبر الشهادة بصبر واحتساب، بل بفرح!.. لقد صعد الشهيد من أرض الموقعة إلى الجنة مباشرة..
إعداد الشعب ليوم الجهاد مهمة عظيمة.. وهي ليست سهلة أو بسيطة.. إنما تحتاج لمجهود كبير، ولمناهج مكثفة، ولإخلاص عميق، ولوقت قد يكون طويلاً.. وبدون هذا التأهيل لن يصبر الشعب على حياة الجهاد، وحياة الحروب، وحياة الحصار..
الأمر ـ يا إخواني ـ في غاية الجدّية..
ليس هناك وقت للترفيه ولا للّعب ولا للمزاح!..
وليس معنى هذا أن الترفيه واللعب والمزاح بالضوابط الشرعية حرام.. ولكن حياة الأمة المجاهدة تختلف عن حياة غيرها من الأمم.. الأمة المجاهدة حياتها جادة, فيها شيء من الترفيه.. وليست حياتها لاهية فيها شيء من الجد!
هذه التربية المركزة جداً تحتاج إلى تغيير جذري في كيان الشعب وفي طريقة تفكيره، وهذا يحتاج إلى مربين من نوع خاص.. ولابد من تفعيل دور العلماء للقيام بهذا الواجب العظيم..
وانطلق علماء الأزهر ليقوموا بمهمتهم النبيلة جداً.. لقد فقه علماء الأزهر أن عملهم بالأزهر ليس مجرد وظيفة تدر دخلاً لمجابهة متطلبات الحياة، وليست وظيفة لمجرد الظهور في المحافل المختلفة، وليست وظيفة لإرضاء حاكم أو أمير.. إنما فقهوا وظيفتهم السامية في تعبيد الناس ـ كل الناس ـ لرب العالمين، وبالطريقة التي أرادها رب العالمين..
انطلق علماء الأزهر يقومون بالدور الذي طالما قاموا به منذ أن أقر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله المذهب السنّي في مصر.. الدور الذي قاموا به أيام الحملات الصليبية، وأيام التتار، والذي قاموا به بعد ذلك في معارك المسلمين اللاحقة مع الصليبيين.. ومع الحملة الفرنسية على مصر، ومع الاحتلال الإنجليزي لمصر، ومع الاحتلال اليهودي لمصر..
ونسأل الله عز وجل أن يضع دائماً أقدام علماء الأزهر على الطريق الصحيح لقيادة الأمة في قضاياها الحرجة، ومواقفها الخطيرة..
وأصبح شعب مصر مؤهلاً تماماً ليوم اللقاء..
واستمر إعداد الجيش وتجهيزه، وجمع المتطوعين، وتدريب المجاهدين، وذلك لمدة خمسة شهور، من شهر ربيع الأول سنة 658 هجرية إلى نهاية شهر رجب من نفس السنة..